تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) (١) للكفار يوم القيامة (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) فهذا قول ملك الموت لهم فى الآخرة ، ثم قال : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي كنتم به تكذبون أنه غير كائن (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ـ ٥٦ ـ كم لبثتم فى القبور (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى أشركوا (مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ـ ٥٧ ـ فى الآخرة فيعتبون (وَلَقَدْ ضَرَبْنا) يعنى وصفنا وبينا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يعنى من كل شبه نظيرها فى الزمر (٢) (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ) يا محمد (بِآيَةٍ) كما سأل كفار مكة (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) ـ ٥٨ ـ لقالوا ما أنت يا محمد لا كذاب وما هذه الآية من الله ـ عزوجل ـ كما كذبوا فى انشقاق القمر حين قالوا : «هذا سحر» (٣) (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) يقول هكذا يختم الله ـ عزوجل ـ بالكفر (عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٥٩ ـ توحيد الله ـ عزوجل ـ ، فلما أخبرهم الله ـ عزوجل ـ بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا كذبوه فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ (فَاصْبِرْ) يا محمد على تكذيبهم إياك بالعذاب يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر فقال : «فاصبر» (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يعنى صدق بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : عجل لنا العذاب فى الدنيا إن كنت صادقا. هذا قول النضر بن الحارث القرشي

__________________

(١) فى ا ، ز ، اضطراب فى ترتيب الآية ، ففيهما : «وقال الذين أوتوا العلم فى كتاب الله) وأوتوا «الإيمان» فيها تقديم للكافرين يوم القيامة «لقد لبثتم» فى القبور.

وقد صوبت الخطأ وأعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف.

(٢) من سورة الزمر : ٢٧ ، وهي (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

(٣) سورة القمر : ٢ وهي (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).

٤٢١

من بنى عبد الدار بن قصى ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) يعنى ولا يستفزنك فى تعجيل العذاب بهم (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) بنزول العذاب عليهم فى الدنيا فعذبهم الله ـ عزوجل ـ ببدر حين قتلهم وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله أرواحهم إلى النار فهم يعرضون عليها كل يوم طرفي النهار ما دامت الدنيا ، «فقتل (١)» الله النضر بن الحارث ببدر وضرب عنقه على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه (٢).

__________________

(١) فى أ ، وفى ز : «فقتل» والأنسب «وقتل».

(٢) انتهى تفسير سورة الروم فى ا.

وفى ز ، زيادة غربية عن التفسير تعادل صفحة واحدة ، وقد تابعت أ ، ل ، ف فى تركها.

٤٢٢

سورة لقمان

٤٢٣
٤٢٤

(٣١) سورة اللقمان مكّية

وآياتها أربع وثلاثون

٤٢٥

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا

٤٢٦

الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى

٤٢٧

وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً

٤٢٨

لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))

٤٢٩
٤٣٠

سورة لقمان (*)

سورة لقمان مكية وهي أربع (١) وثلاثون آية كوفية.

__________________

(*) المقصود الإجمالى لسورة لقمان هو :

بشارة المؤمنين بنزول القرآن ، والأمر بإقامة الصلاة وأداء الزكاة ، والشكاية من قوم اشتغلوا بلهو الحديث ، والشكاية عن المشركين فى الإعراض عن الحق ، وإقامة الحجة عليهم ، والمنة على لقمان بما أعطى من الحكمة ، والوصية بير الوالدين ووصية لقمان لأولاده ، والمنة بإسباغ النعمة ، وإلزام الحجة على أهل الضلالة ، وبيان أن كلمات القرآن بحور المعاني والحجة على حقيقة البعث والشكاية من المشركين بإقنالهم على الحق فى وقت المحنة. وإعراضهم عنه فى وقت النعمة ، وتخويف الخلق بصعوبة القيامة وهو لها ، وبيان أن خمسة علوم مما يختص به الرب الواحد ـ تعالى ـ فى قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة لقمان : ٣٤.

(١) فى أ : أربعة.

وفى المصحف (٣١) سورة لقمان مكية.

إلا الآيات ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ فمدنية.

وآياتها ٣٤ نزلت بعد الصافات.

٤٣١

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم) ـ ١ ـ (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ـ ٢ ـ يعنى ـ عزوجل ـ المحكم من الباطل (هُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب (لِلْمُحْسِنِينَ) ـ ٣ ـ يعنى للمتقين ، ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يعنى يتمون الصلاة كقوله ـ سبحانه : (... فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ...) (١) (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) من أموالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (هُمْ يُوقِنُونَ) ـ ٤ ـ بأنه كائن (أُولئِكَ) الذين فعلوا ذلك (عَلى هُدىً) يعنى بيان (مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٥ ـ (وَمِنَ النَّاسِ) يعنى النضر بن الحارث (مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) يعنى باطل الحديث يقول باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم واسفندباز ، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم واسفندباز (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى لكي يستنزل بحديث الباطل عن سبيل الله الإسلام (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمه (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) يقول ويتخذ آيات القرآن استهزاء به مثل حديث رستم واسفندباز وهو الذي قال : ما هذا القرآن إلا أساطير الأولين ، وذلك أن النضر ابن الحارث قدم إلى الحيرة تاجرا فوجد حديث رستم واسفندباز فاشتراه ثم أتى به أهل مكة فقال : محمد (٢). يحدثكم عن عاد وثمود وإنما هو مثل حديث رستم

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٣.

(٢) فى ا : محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤٣٢

واسفندباز يقول الله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ٦ ـ يعنى وجيعا ، ثم أخبر عن النضر فقال ـ عزوجل ـ : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) يعنى وإذا قرئ عليه القرآن (وَلَّى مُسْتَكْبِراً) يقول أعرض متكبرا عن الإيمان بالقرآن يقول : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) يعنى كأن لم يسمع آيات القرآن (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) يعنى ثقلا كأنه أصم فلا يسمع القرآن (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٧ ـ فقتل ببدر قتله على بن أبى طالب ـ عليه‌السلام (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فى الآخرة (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) ـ ٨ ـ (خالِدِينَ فِيها) لا يموتون (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) يعنى صدقا فإنه منجز لهم ما وعدهم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ٩ ـ حكم لهم الجنة (خَلَقَ السَّماواتِ) السبع (بِغَيْرِ عَمَدٍ) فيها تقديم (تَرَوْنَها) يقول هن قائمات ليس لهن عمد (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) يعنى الجبال (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يقول لئلا تزول بكم الأرض [٨٢ أ] (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) يقول خلق فى الأرض من كل دابة (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) يعنى المطر (فَأَنْبَتْنا فِيها) يقول فأجرينا بالماء فى الأرض (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ـ ١٠ ـ يعنى كل صنف من ألوان النبت حسن (هذا) «الذي ذكر» (١) (خَلْقُ اللهِ) ـ عزوجل ـ وصنعه (فَأَرُونِي) يعنى كفار مكة (ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ) تدعون : يعنى تعبدون (مِنْ دُونِهِ) يعنى الملائكة نظيرها فى سبأ والأحقاف ، ثم استأنف الكلام (بَلِ الظَّالِمُونَ

__________________

(١) «الذي ذكر» : ساقطة من ا.

٤٣٣

فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ١١ ـ يعنى المشركين فى خسران بين (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) أعطيناه العلم والفهم من غير نبوة فهذه نعمة فقلنا له : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) ـ عزوجل ـ فى نعمه فيما أعطاك من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ) لله ـ تعالى ـ فى نعمه فيوحده (فَإِنَّما يَشْكُرُ) يعنى فإنما يعمل الخير (لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ) النعم فلم يوحد ربه ـ عزوجل ـ (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن عبادة خلقه (حَمِيدٌ) ـ ١٢ ـ عن خلقه فى سلطانه (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) واسم ابنه أنعم (وَهُوَ يَعِظُهُ) يعنى ـ عزوجل ـ يؤدبه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) معه غيره (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ـ ١٣ ـ كان ابنه وامرأته كفارا فما زال بهما حتى أسلما وزعموا أن لقمان كان ابن خالة أيوب ـ صلى الله عليه.

حدثنا عبيد الله قال : حدثني أبى قال : حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة بن دعامة قال : كان لقمان رجلا أفطس من أرض الحبشة. قال هذيل : ولم أسمع مقاتلا.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) سعد بن أبى وقاص بوالديه يعنى أباه اسمه مالك وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) حمنة (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) يعنى ضعفا على ضعف (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي) يعنى لله ـ عزوجل ـ أن هداه للإسلام (وَ) اشكر (لِوالِدَيْكَ) النعم فيما أولياك (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ـ ١٤ ـ فأجزيك بعملك قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لا تعلم بأن معى شريكا (فَلا تُطِعْهُما) فى الشرك (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) يعنى بإحسان ، ثم قال لسعد ـ رضى لله عنه ـ : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يعنى دين من أقل

٤٣٤

إلى يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : (ثُمَّ) (١) (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) فى الآخرة (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ١٥ ـ وقال ابن لقمان أنعم لأبيه : يا أبت ، إن عملت بالخطيئة حيث لا يرانى أحد كيف يعلمه الله ـ عزوجل ـ فرد عليه لقمان ـ عليه‌السلام ـ : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) يعنى وزن ذرة (مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) التي فى الأرض السفلى وهي خضراء مجوفة لها ثلاث شعب على لون السماء (أَوْ) تكن الحبة [٨٢ ب] (فِي السَّماواتِ) السبع (أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) يعنى بتلك الحبة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) باستخراجها (خَبِيرٌ) ـ ١٦ ـ بمكانها (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى التوحيد (وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) يعنى الشر الذي لا يعرف (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) فيهما من الأذى (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ـ ١٧ ـ يقول إن ذلك الصبر على الأذى فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من حق الأمور التي أمر الله ـ عزوجل ـ بها وعزم عليها (وَ) قال لقمان لابنه : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) يقول لا تعرض بوجهك عن فقراء الناس إذا كلموك فخرا بالخيلاء والعظمة (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) (٢) (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ـ ١٨ ـ يعنى ـ عزوجل ـ كل بطر مرح فخور فى نعم الله ـ تعالى ـ لا يأخذها بالشكر (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) لا تختل فى مشيك ولا تبطر حيث لا يحل (وَاغْضُضْ) يعنى واخفض (مِنْ صَوْتِكَ) يعنى من كلامك يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد فى المشي والمنطق ثم ضرب للصوت الرفيع (٣) مثلا فقال ـ عزوجل ـ :

__________________

(١) «ثم» : ساقطة من ا ، ل ، ف.

(٢) (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : ساقط من ا.

(٣) كذا فى ا ، ز.

٤٣٥

(إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ـ ١٩ ـ يعنى أقبح الأصوات لصوت الحمير ، لشدة صوتهن (١) تقول العرب هذا أصوات الحمير ، وهذا صوت الحمير وتقول هذا صوت الدجاج ، وهذا أصوات الدجاج. وتقول هذا صوت النساء وأصوات النساء (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) يعنى الشمس والقمر والنجوم (٢) والسحاب والرياح (وَ) سخر لكم (ما فِي الْأَرْضِ) يعنى الجبال والأنهار فيها السفن والأشجار والنبت عاما (٣) بعام. ثم قال : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) يقول وأوسع عليكم نعمه (ظاهِرَةً) يعنى تسوية الخلق والرزق والإسلام (وَباطِنَةً) يعنى ما ستر من الذنوب من بنى آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها فهذا كله من النعم فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا ونسأله تمام النعمة فى الدنيا والآخرة فإنه ولى كل حسنة (وَمِنَ النَّاسِ) يعنى النضر بن الحارث (مَنْ يُجادِلُ) يعنى يخاصم (فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمه حين يزعم أن الله ـ عزوجل ـ البنات يعنى الملائكة (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ـ ٢٠ ـ يعنى لا بيان معه من الله ـ عزوجل ـ يقول ولا كتاب مضيء له فيه حجة بأن الملائكة بنات الله ـ عزوجل ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) يعنى للنضر (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من الإيمان بالقرآن (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من الدين ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَوْ كانَ) يعنى وإن كان (الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ـ ٢١ ـ

__________________

(١) فى أ ، وفى ز : هذه الجملة فى آخر تفسير الآية.

(٢) من ز. وفى ا : تقول العرب هذا صوت الحمير ، وهذه أصوات الحمير وتقول هذا صوت الدجاج ، وهذه أصوات الدجاج. وتقول هذا صوت النساء وهذه أصوات النساء.

(٣) فى ا : عام.

٤٣٦

يعنى الوقود يتبعونه يعنى النضر بن الحارث مثله فى سورة الحج. ثم أخبر عن الموحدين فقال ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) يقول من يخلص [٨٣ أ] دينه لله كقوله ـ تعالى ـ : «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ (١) ...» يعنى لكل أهل دين ، ثم قال : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) فى عمله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) يقول فقد أخذ (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) التي لا انفصام لها ، لا انقطاع لها (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) ـ ٢٢ ـ يعنى مصير أمور العباد إلى الله ـ عزوجل ـ فى الآخرة فيجزيهم بأعمالهم (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) وذلك أن كفار مكة قالوا فى «حم عسق» : «... افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (٢) ...» يعنون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين يزعم أن القرآن جاء من الله ـ عزوجل ـ فشق على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قولهم وأحزنه فأنزل الله ـ عزوجل ـ «ومن كفر» بالقرآن «فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ» (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) من المعاصي (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٢٣ ـ يقول إن الله ـ عزوجل ـ عالم بما فى قلب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الحزن بما قالوا له ، ثم أخبر ـ عزوجل ـ عنهم فقال : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) فى الدنيا إلى آجالهم (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) نصيرهم (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) ـ ٢٤ ـ يعنى شديد لا يفتر عنهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ) يعنى ولكن (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٢٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ ثم عظم نفسه ـ عزوجل ـ فقال : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق عبيده وفى ملكه (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن عبادة خلقه (الْحَمِيدُ) ـ ٢٦ ـ عند خلقه فى سلطانه(وَلَوْ أَنَّ ما فِي

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٨.

(٢) سورة الشورى : ٢٤ ، ومنها (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ).

٤٣٧

الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) يعنى علم الله يقول لو أن كل شجرة ذات ساق على وجه الأرض بريت أقلا ما وكانت البحور السبعة مدادا «فكتب (١) بتلك» الأقلام وجميع خلق الله ـ عزوجل ـ يكتبون من البحور السبعة فكتبوا علم ـ الله تعالى ـ وعجائبه لنفدت تلك الأقلام وتلك البحور ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه ، (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) فى ملكه (حَكِيمٌ) ـ ٢٧ ـ فى أمره يخبر الناس أن أحدا لا يدرك علمه (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) نزلت فى أبى بن خلف ، وأبى الأشدين واسمه أسيد بن كلدة (٢) ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق بن حذيفة السهمي ، كلهم من قريش وذلك أنهم قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن الله خلقنا أطوارا ، نطفة ، علقة ، مضغة ، عظاما ، لحما ، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا جميعا فى ساعة واحدة ، فقال الله ـ عزوجل ـ ما خلقكم ـ أيها الناس ـ جميعا على الله ـ سبحانه ـ فى القدرة ـ إلا كخلق نفس واحدة ، ولا بعثكم جميعا على الله ـ تعالى ـ إلا كبعث نفس واحدة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ـ ٢٨ ـ لما قالوا من الخلق والبعث (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يعنى انتقاص كل واحد منهما من صاحبه [٨٣ ب] حتى يصير أحدهما خمس عشرة ساعة والآخر سبع ساعات (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لبنى آدم (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ) وهو الأجل ال (مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ) فيهما (خَبِيرٌ) ـ ٢٩ ـ (ذلِكَ) يقول هذا الذي ذكر من صنع الله والنهار والشمس والقمر (بِأَنَّ اللهَ)

__________________

(١) فى أ : فكتبت ، وفى ز : فكتبوا بتلك الأقلام من تلك البحور السبعة ، وكتبوا علم الله وعجائبه لنفدت تلك الأقلام وتلك البحور ولم ينفد علم الله ولا عجائبه.

(٢) من ز ، وفى ا : وأبى الأسد بن أسيد بن خلف الجمحي.

٤٣٨

ـ جل جلاله ـ (هُوَ الْحَقُ) وغير باطل يدل على توحيده بصنعه ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ) يعنى يعبدون (مِنْ دُونِهِ) من الآلهة هو (الْباطِلُ) لا تنفعكم عبادتهم وليس بشيء ثم عظم نفسه ـ عزوجل ـ فقال سبحانه : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) يعنى الرفيع فوق خلقه (الْكَبِيرُ) ـ ٣٠ ـ فلا أعظم منه ، ثم ذكر توحيده وصنعه فقال ـ سبحانه ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ) السفن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) بالرياح (بِنِعْمَتِ اللهِ) يعنى برحمة الله ـ عزوجل ـ (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) يعنى من علاماته وأنتم فيهن يعنى ما ترون من صنعه وعجائبه فى البحر والابتغاء فيه الرزق والحلي (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ترون فى البحر (لَآياتٍ) يعنى لعبرة (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على أمر الله ـ عزوجل ـ عند البلاء فى البحر (شَكُورٍ) ـ ٣١ ـ لله ـ تعالى ـ فى نعمه حين أنجاه من أهوال البحر ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَإِذا غَشِيَهُمْ) فى البحر (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) يعنى كالجبال (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ) يعنى موحدين له (الدِّينَ) يقول التوحيد (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ) من البحر (إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) يعنى عدل فى وفاء العهد فى البر فيما عاهد الله ـ عزوجل ـ عليه فى البحر من التوحيد «يعنى» (١) المؤمن ، ثم ذكر المشرك الذي وحد الله فى البحر حين دعاه مخلصا ثم ترك التوحيد فى البر ونقض العهد ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) يعنى ترك العهد (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) يعنى غدار بالعهد (كَفُورٍ) ـ ٣٢ ـ لله ـ عزوجل ـ فى نعمه فى تركه التوحيد فى البر ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) يقول ـ الله تعالى ـ وحدوا ربكم (وَاخْشَوْا يَوْماً) يخوفهم يوم القيامة (لا يَجْزِي) يعنى لا يغنى (والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) شيئا من المنفعة يعنى الكفار (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ)

__________________

(١) «يعنى» : ساقطة من ا ، وهي من ز

٤٣٩

يعنى «هو مغن» (١) (عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) من المنفعة (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) فى البعث أنه كائن (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عن الإسلام (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ـ ٣٣ ـ يعنى الباطل وهو الشيطان يعنى به إبليس (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) نزلت فى رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب من أهل البادية أتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : إن أرضنا «أجدبت» (٢) فمتى الغيث؟ وتركت امرأتى حبلى فما ذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت ، فبأى أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم ، فما أعمل غدا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ فى «مسألة» (٣) المحاربي (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يعنى يوم القيامة لا يعلمها غيره (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعنى المطر (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) ذكرا أو أنثى أو غير سوى (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) بر وفاجر (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير وشر (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فى سهل أو جبل فى بر أو بحر (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ـ ٣٤ ـ بهذا كله مما ذكر فى هذه الآية. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أين السائل عن الساعة؟ فقال المحاربي : هذا أنا ذا فقرأ عليه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذه الآية.

__________________

(١) فى أ ، ل : «هو مغنى» ، وفى ز : «هو جاز» عن والده شيئا من المنفعة.

(٢) فى أ : «جدبت» وفى ز : «أجدبت».

(٣) فى ا : «فى مسئلة».

٤٤٠