باقر شريف القرشي
المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٣٢
عاضدي ، وغاسلي ، ودافني ، والمتقدّم إلى كلّ شدّة وكريهة ، ولن ترجع بعدي كافرا ، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد ، وتذود عن حوضي » (١).
حكى هذا الحديث بعض الصفات الماثلة في الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، والتي منها :
ـ إنّ الإمام أوّل الناس إسلاما ، وأقدمهم إيمانا.
ـ إنّه أعلم المسلمين وأكثرهم إحاطة بأيام الله تعالى ، بل وفي أحكامه.
ـ إنّه أوفى الناس بالعهد.
ـ إنّه أسمى وأجلّ حاكم في دنيا الإسلام ، فهو الذي يقسّم بالسوية ولا يخضع لأيّة عاطفة أو هوى سوى مرضاة الله تعالى.
ـ إنّه أرأف حاكم بالرعية.
ـ إنّه من أعظم المسلمين رزية وبلاء ، فقد أحاطت به الرزايا بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي سنتحدّث عنها في بعض فصول الكتاب.
ـ إنّه عضد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والقائم بجميع شئونه ، والتي منها قيامه بغسل النبيّ ودفنه بعد وفاته.
ـ إنّه السابق لكلّ شدّة وكريهة تحلّ بالنبيّ فيكشفها عنه.
ـ إنّه يتقدّم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحشر بحمل لواء الحمد.
٢ ـ الإمام صاحب حوض النبيّ :
وتواترت الأخبار عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الإمام عليهالسلام هو صاحب حوض النبيّ الذي
__________________
(١) كنز العمّال ٦ : ١١٧.
هو من أعظم أنهار الجنّة في عذوبة مائه وحلاوته ، وجمال منظره ، ولا يفوز بالشرب منه إلاّ من كان مواليا ومحبّا للإمام عليهالسلام ، ولننظر إلى بعض الأخبار التي وردت فيه :
أ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « عليّ بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة ، فيه أكواب كعدد نجوم السّماء ، وسعة حوضي ما بين الجابية وصنعاء » (١).
ووصف السيّد الحميري هذا الحوض وقد حانه الذي يمنحه الله تعالى للإمام بقوله :
حوض له ما بين صنعا
إلى |
|
أيلة أرض الشّام
أو أوسع |
ينصب فيه علم
للهدى |
|
و حوض من ماء له
مترع |
فيه أباريق وقد
حانه |
|
يذبّ عنها
الأنزع الأصلع |
يذبّ عنه ابن
أبي طالب |
|
ذبّك جربى إبل
تشرع (٢) |
ب ـ روى أنس بن مالك قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أبي برزة الأسلمي ، فلمّا حضر عنده قال له وأنا أسمعه :
« يا أبا برزة ، إنّ ربّ العالمين تعالى عهد إليّ في عليّ بن أبي طالب ، فقال ـ أي الله تعالى ـ : عليّ راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة ، عليّ بن أبي طالب معي غدا يوم القيامة على حوضي ، وصاحب لوائي ، ومعي غدا على مفاتيح خزائن جنّة ربّي » (٣).
ج ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : « أنت أمامي يوم القيامة ، فيدفع إليّ لواء
__________________
(١) مجمع الزوائد ١ : ٣٦٧.
(٢) ديوان الحميري : ٢٦٤.
(٣) تاريخ بغداد ١٤ : ٩٨.
الحمد فأدفعه إليك ، وأنت تذود النّاس عن حوضي » (١).
د ـ روى أبو هريرة أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا رسول الله ، أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟ ».
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه النّاس ، وأنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السّماء » (٢).
وهذه الكرامة لم يظفر بها أي أحد من الاسرة النبويّة ولا غيرها من بقيّة الصحابة.
٣ ـ الإمام قسيم الجنّة والنار :
من الأوسمة الشريفة التي قلّدها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى باب مدينة علمه الإمام عليهالسلام أنّه قسيم الجنّة والنار ، فقد روى ابن حجر أنّ الإمام عليهالسلام قال لأعضاء الشورى الذين انتخبهم عمر : « انشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عليّ ، أنت قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة غيري؟ » ، فقالوا : اللهمّ لا. وعلّق ابن حجر على هذا الحديث بقوله : معناه ما روي عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له ـ أي للإمام ـ : أنت قسيم الجنّة والنار في يوم القيامة ، تقول للنار هذا لي ، وهذا لك (٣).
ومن المؤكّد أنّه لم ينل أحد من أولياء الله ، قبل الإسلام وبعده ، مثل ما ناله الإمام من هذه الكرامة التي لا حدود لأبعادها ، لقد حباه الله تعالى بذلك تقديرا لجهوده وجهاده في سبيل الإسلام ، ونكرانه لذاته ، وتفانيه في خدمة الحقّ.
٤ ـ الاجتياز على الصراط بإجازة من الإمام :
وثمّة مكرمة اخرى حباها الله تعالى لسيّد الوصيّين وإمام المتّقين الإمام أمير
__________________
(١) كنز العمّال ٦ : ٤٠٠.
(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١٧٣.
(٣) الصواعق المحرقة : ٧٥.
المؤمنين عليهالسلام ، وهي أنّه لا يجتاز أحد على الصراط إلاّ بإجازة وتوقيع منه ، وقد تظافرت الأخبار بذلك ، كان منها :
أ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصّراط على جسر جهنّم ، ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة (١) بولاية عليّ بن أبي طالب » (٢).
ب ـ روى أنس بن مالك قال : لمّا حضرت وفاة أبي بكر ، قال أبو بكر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ على الصّراط لعقبة لا يجوزها أحد إلاّ بجواز من عليّ بن أبي طالب » (٣).
ج ـ روى قيس بن حازم قال : التقى أبو بكر وعليّ بن أبي طالب فتبسّم أبو بكر في وجه عليّ ، فقال له : « ما لك تبسّمت؟ » ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « لا يجوز أحد على الصّراط إلاّ من كتب له عليّ الجواز » (٤).
٥ ـ الإمام مع النبيّ في الجنّة :
وخصّ الله تعالى الإمام بمكرمة وهي أنّه يكون مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قصره في الجنّة ، وقد أعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك حينما آخى بين أصحابه ، ولم يؤاخ بين عليّ وأحد من أصحابه ، فتأثّر الإمام عليهالسلام ، فقال له النبيّ : « والّذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي » ، فقال له الإمام : « وما أرث منك يا رسول الله؟ » قال :
__________________
(١) البراءة : المنشور.
(٢) الرياض النضرة ٢ : ١٧٢.
(٣) تاريخ بغداد ١٠ : ٣٥٦.
(٤) الرياض النضرة ٢ : ٢٠٩.
« ما ورّثت الأنبياء من قبلي » ، قال : « وما ورّث الأنبياء من قبلك؟ » ، قال : « كتاب ربّهم ، وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي » (١).
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : « أما ترضى أنّك معي في الجنّة والحسن والحسين ، وذرّيّتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرّيّتنا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا » (٢).
وأكّد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك في حديث آخر له فقال للإمام :
« يا عليّ ، أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنّة » (٣).
وبهذا نطوي الحديث عن بعض ما أثر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما أعدّ الله تعالى من المنزلة الكريمة لوصيّه وباب مدينة علمه وسيّد عترته سلام الله عليه.
الأخبار النبوية في فضل العترة
وتواترت الأخبار عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في فضل عترته الطاهرة ولزوم مودّتهم والتمسّك بهم ، وهذه بعضها :
حديث الثقلين :
إنّ حديث الثقلين من أروع الأحاديث النبوية ، ومن أصحّها سندا ، ومن أكثرها شيوعا وانتشارا بين المسلمين ، فقد دوّنته الصحاح والسنن ، وتلقّاه العلماء بالقبول ، ومن الجدير بالذكر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أدلى بهذا الحديث في مواضع متعدّدة كان منها :
__________________
(١) كنز العمّال ٥ : ٤٠.
(٢) الصواعق المحرقة : ٩٦. الرياض النضرة ٢ : ٢٠٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٢ : ٢٦٨.
١ ـ روى زيد بن أرقم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنّي تارك فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله ، حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ؛ وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١).
٢ ـ أعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الحديث وهو في حجّه يوم عرفة ، وقد رواه جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو في حجّه يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : « يا أيّها النّاس ، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي » (٢).
٣ ـ روى زيد بن أرقم قال : نزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الجحفة ، ثمّ أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « إنّي لا أجد لنبيّ إلاّ نصف عمر الّذي قبله ، وإنّي اوشك أن ادعى ، فما أنتم قائلون؟ ».
فهتفوا جميعا : نصحت.
ثمّ وجّه إليهم هذه الكلمات :
« أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنّار حقّ؟ ».
سارعوا قائلين : نشهد.
ورفع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يده فوضعها على صدره الشريف وقال :
« ألا تسمعون؟ ».
نعم.
__________________
(١) صحيح الترمذي ٢ : ٣٠٨.
(٢) صحيح الترمذي ٢ : ٣٠٨. كنز العمّال ١ : ٨٤.
« فإنّي فرط (١) على الحوض ، وأنتم واردون على الحوض ، وأنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النّجوم من فضّة فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين؟ ».
فناداه من بهو المجلس مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟
« كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ ، وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ، والآخر عشيرتي (٢) ، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك ربّي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما ، ولا تعلّموهم فهم أعلم منكم ... ».
ثمّ أخذ بيد أخيه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وقال :
« من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » (٣).
٤ ـ خاطب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه وهو على فراش الموت فقال لهم : « أيّها النّاس ، يوشك أن اقبض قبضا سريعا ، فينطلق بي ، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ ، وعترتي أهل بيتي ».
ثمّ أخذ بيد عليّ عليهالسلام وقال :
« وهذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض » (٤).
__________________
(١) فرط : المتقدّم قومه إلى الماء.
(٢) في كنز العمّال ١ : ٤٨ : بدل « عشيرتي » لفظ « عترتي ».
(٣) مجمع الهيثمي ٩ : ١٦٣.
(٤) الصواعق المحرقة : ٧٥.
ولا بدّ لنا من وقفة قصيرة للتأمّل والنظر في هذا الحديث سندا ودلالة :
سند الحديث : أمّا هذا الحديث فهو من أوثق الأحاديث النبوية في سنده ، وقد نقل المناوي عن السمهودي أنّه قال : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة كلّهم قد رووا هذا الحديث (١).
وقال ابن حجر : ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بعض وعشرين صحابيا (٢) ، ولا يخامر أي باحث شكّ في صحّة الحديث وسلامته من الوضع والضعف.
دلالة الحديث : أمّا دلالة الحديث ومفاده فهي عصمة أهل البيت من كلّ إثم ورجس ، فقد قرنهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكتاب العزيز ، فكما أنّ الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكذلك العترة ، وإلاّ لما صحّت المقارنة بينهما ، فالحديث يدلّ ـ بوضوح ـ على عصمة أهل البيت عليهمالسلام ، ومن الطبيعي أنّ أي انحراف في سلوك أهل البيت يعدّ افتراقا عن الكتاب العزيز ، وقد صرّح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعدم افتراقهما حتى يردا عليه الحوض.
إنّ البحث عن معطيات هذا الحديث الشريف يستدعي وضع كتاب خاصّ فيه ، وقد عرض جماعة من العلماء إلى البحث عنه بصورة موضوعيّة وشاملة (٣).
حديث السفينة :
روى أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّما مثل أهل بيتي
__________________
(١) فيض القدير ٣ : ١٤.
(٢) الصواعق المحرقة : ٣٦.
(٣) عرض لذلك الإمام شرف الدين في المراجعات : ٤٩. الحجّة السيّد الحكيم في الاصول العامّة : ١٦٤ ، وألّفت دار التقريب في القاهرة رسالة خاصّة في هذا الحديث عرضت فيه لرواته وسنده.
فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له » (١).
حكى هذا الحديث الشريف لزوم التمسّك بالعترة الطاهرة فإنّ فيه نجاة للامّة وسلامة من الغرق في متاهات هذه الحياة ، فأهل البيت عليهمالسلام سفن النجاة وأمن العباد ، يقول الإمام شرف الدين نضّر الله مثواه :
وأنت تعلم أنّ المراد من تشبيههم عليهمالسلام بسفينة نوح أنّ من لجأ إليهم في الدارين فأخذ فروعه واصوله عن أئمّتهم نجا من عذاب النار ، ومن تخلّف عنهم كان كمن أوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله غير أنّ ذاك غرق في الماء ، وهذا في الحميم ، والعياذ بالله.
والوجه في تشبيههم عليهمالسلام بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله ، والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سببا للمغفرة. هذا وجه الشبه ، وقد حاول ابن حجر إذ قال ـ بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها ـ :
ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ من أحبّهم ، وعظّمهم شكرا لنعمة شرفهم ، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان ـ إلى أن قال ـ : « وباب حطّة » يعني وجه تشبيههم بباب حطّة ، أنّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدّس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة ، وجعل لهذه الامّة مودّة أهل البيت سببا لها (٢).
__________________
(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨. المستدرك ٢ : ٤٣. تاريخ بغداد ٢ : ١٢٠. الحلية ٤ : ٣٠٦.
الذخائر : ٢٠.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٩. كنز العمّال ٦ : ١١٦. وفي فيض القدير ٦ : ٢٩٧. ومجمع الزوائد ٩ : ١٧٤ : إنّ النبيّ قال : « النجوم أمان لأهل الأرض ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».
أهل البيت أمان للامّة :
وفرض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مودّة أهل بيته على امّته ، وجعل التمسّك بهم أمان لها من الهلاك ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« النّجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لامّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس » (١).
النبيّ سلم لمن سالم أهل بيته :
وأعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في كثير من أحاديثه أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم سلم لمن سالم أهل بيته ، وحرب لمن حاربهم ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ وفاطمة والحسن والحسين : « أنا حرب لمن حاربتم ، وسلم لمن سالمتم » (٢).
وروى أبو بكر قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو متّكئ على قوس عربية وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، فقال : « معاشر المسلمين ، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجدّ ، ولا يبغضهم إلاّ شقيّ الجدّ رديء الولادة » (٣).
ومعنى الحديثين أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل أهل بيته بمنزلة نفسه ، فهو سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم.
__________________
(١) الرياض النضرة ٢ : ٢٥٢ ، وقريب منه في صحيح الترمذي ٢ : ٣١٩. سنن ابن ماجة ١ : ٥٢.
(٢) مسند أحمد ١ : ٧٧. صحيح الترمذي ٢ : ٣٠١ ، حدّث بهذا الحديث نصر بن عليّ في أيام المتوكّل فنقل : فأمر بضربه ألف سوط فكلّمه فيه جعفر بن عبد ، وقال له : إنّه من أهل السنّة حتى عفا عنه ـ تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٣.
(٣) فرائد السمطين ٢ : ٤٠ ، ح ٣٧٣. شرح الأخبار ٣ : ٥١٥.
من أحبّ أهل البيت كان مع النبيّ :
أعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ من أحبّ أهل بيته حشر معه في الفردوس الأعلى ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد أخذ بيد الحسن والحسين : « من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (١).
معرفة أهل البيت أمان من العذاب :
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « معرفة آل محمّد براءة من النّار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصّراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب » (٢).
السؤال عن محبّة أهل البيت :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تزول قدما عبد ـ يوم القيامة ـ حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن جسده فيم أبلاه ، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه ، وعن محبّتنا أهل البيت » (٣).
الاقتداء بأهل البيت :
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرّأس ، ولا يهتدي الرّأس إلاّ بالعينين » (٤).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، ورزقوا من فهمي وعلمي ، فويل للمكذّبين بفضلهم
__________________
(١) مسند أحمد ١ : ٧٧. كنز العمّال ١٢ : ٩٧ و ١٣ : ٣٩.
(٢) المراجعات ـ الإمام الأعظم شرف الدين : ٥٤.
(٣) المراجعات : ١٥٨.
(٤) المراجعات : ٥٨ ، نقلا عن الشرف المؤبّد.
من أمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم شفاعتي » (١).
الممات على حبّ أهل البيت :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات تائبا ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكملا للإيمان ، ألا من مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا من مات على حبّ آل محمّد يزفّ الى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا من مات على حبّ آل محمّد فتح له فى قبره بابان إلى الجنّة ، ألا من مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرّحمن ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة والجماعة ، ألا من مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه « آيس من رحمة الله » (٢).
هذه بعض الأحاديث التي روتها الثقات ودوّنتها الصحاح والسنن عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي تشيد بفضل عترته الطيّبين دعاة العدل والأدلاّء على مرضاة الله.
والمتأمّل في هذه الأحاديث يطلّ على الغاية المنشودة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ غرضه ترشيحهم للخلافة العظمى من بعده حتى لا تزيغ امّته في مسيرتها ، ولا تنحرف في سلوكها عمّا أراده الله لها من السيادة العامّة على جميع امم العالم وشعوب الأرض.
وعلى أي حال فهذه الأخبار التي وردت في فضل عترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم شاملة لسيّد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام رائد العدالة الاجتماعية في دنيا الإسلام ، وبهذا ينتهي بنا المطاف في هذا البحث.
__________________
(١) المراجعات : ٥٨ ، نقلا عن الشرف المؤبّد.
(٢) المراجعات : ٥٩ ، نقلا عن الثعلبي في تفسير آية المودّة.
مع الثّورة الإسلاميّة
إنّ الثورة الإسلامية الكبرى أعظم ثورة إصلاحية عرفتها الإنسانية في جميع مراحل تأريخها ... إنّها ثورة الفكر ، وثورة القيم الكريمة على التخلّف والانحطاط ، إنّها ثورة العلم على الجهل ، وثورة الفقراء والمستضعفين على أسيادهم المستعبدين .. إنّها الثورة العظمى التي أقامت هيكلا رفيعا للتطوّر والابداع في جميع مراحل هذه الحياة.
إنّ الثورة الإسلامية العظمى التي فجرّها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكّة قد أوجدت زلزالا مدمّرا للحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك المجتمع الذي كان فيه ، وكانت أشدّ هولا ، وأعظم محنة على طغاة القرشيّين ، فقد استهدفت تدمير معتقداتهم ، وإقصاء عاداتهم وتقاليدهم التي كانوا يؤمنون بها ، ودعتهم إلى نظام مشرق جديد يفتح لهم آفاقا من العزّة والكرامة لم يألفوها ، ولم يحلموا بها من قبل ، وهذه صور مشرقة من بنود الثورة الإسلامية.
١ ـ تحطيم الأصنام :
أمّا الأصنام فكانت مسرحا للحياة الفكرية والعقائدية في مكّة وما جاورها ، فقد اتّخذها المجتمع آلهة يعبدونها من دون الله تعالى ، وقد علّقت على جدران الكعبة ما يزيد على ثلاثمائة صنم ، وكان أعظمها مكانة وأعزّها شأنا عندهم الأصنام التالية :
ـ هبل.
ـ اللاّت.
ـ عزّى.
ـ مناة.
وكانت هذه الأصنام آلهة لمعظم أهالي مكّة ، فقد نشئوا على عبادتها ، وفطروا على الإيمان بها ، واعتقدوا اعتقادا جازما أنّها خالقة الكون وواهبة الحياة ، وقد تفانوا في عبادتها مقلّدين لآبائهم الذين هم كالأنعام بل أضلّ سبيلا.
وكان أوّل ما أعلنه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعوته الخلاّقة الدعوة إلى عبادة الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة ، وتدمير الأصنام التي لا تعي ولا تعقل ، والتي تمثّل الانحطاط الفكري ، وتلحق الإنسان بقافلة الحيوان الأعجم.
وكان من أشدّ المؤمنين بالأصنام ، والمتفانين في الولاء لها الجاهلي أبو سفيان عميد الاسرة الامويّة ، وشيخ القرشيّين ، وهو الذي فزع كأشدّ ما يكون الفزع حينما رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يطوف حول الكعبة ، ويقرأ نشيد الإسلام :
« لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك ».
فقد إهابه ، وصاح بأعلى صوته :
اعل هبل.
فردّ عليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعنف :
« يا أبا سفيان ، الله أعلى وأجلّ ».
وكان من شدّة إيمان القرشيّين بالأصنام أن خفّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عصابة منهم
فعرضوا عليه أن يعبد أصنامهم سنة ، ويعبدون الله تعالى معه سنة اخرى ، فنزلت على الرسول سورة : ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ... ) (١).
لقد فزعت قريش وضاقت بها الأرض حينما أعلن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوته لسحق الأصنام وتدميرها وتطهير البيت الحرام منها ، واعتبروا ذلك تحطيما لكيانهم العقائدي فهبّوا جميعا لمناجزة الرسول ومقاومته ، وحاربوه بجميع طاقاتهم ، وما يملكونه من وسائل القوّة.
٢ ـ تحرير العبيد والمستضعفين :
أمّا العبيد في العصر الجاهلي فهم المعذّبون في الأرض ، قد نبذهم المجتمع واحتقرهم ، ولم ير لهم أي كيان ، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ممّا عانوه من صنوف الذلّ والعبودية ، وتبنّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قضاياهم ، ودعى إلى تحريرهم ومساواتهم لبقيّة أبناء المجتمع ، وقد بشّرهم بأنّهم سيكونون مع المستضعفين أسياد المجتمع ، وكان من بينهم بلال الحبشي ، وعمّار بن ياسر وأبوه ياسر ، وامّه سميّة ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهم من المؤمنين الذين ألهبت أجسامهم سياط القرشيّين.
لقد دوى صوت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في آفاق مكّة إنه « لا فضل لأبيض على أسود إلاّ بالتّقوى ».
وقد ورمت آناف سادات العبيد من القرشيّين وانتفخ سحرهم من دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ عبيدهم سينعمون بالحرية الكاملة ، وأنّهم سيكونون سادة لهم فهبّوا متضامنين أجمعين اكتعين لمناجزته ، والاجهاز على دعوته.
__________________
(١) الكافرون : ١ ـ ٣.
٣ ـ تحرير المرأة :
أمّا المرأة في العصر الجاهلي فقد عانت من القسوة والظلم ما لا يوصف لمرارته وشدّته ، فقد استهان بها العرب ، وحمّلوها من أمرها رهقا ، وكان من مظاهر ظلمها ما يلي :
أ ـ وأد البنات :
وكان من الظلم الفاحش للمرأة في العصر الجاهلي أنّه إذا ولد لشخص بنت ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم ، كما حكى القرآن ذلك بقوله : ( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) (١) ، والأدهى من ذلك وأشدّ بلاء أنّ بعضهم كان يسارع إلى وأد ابنته وهي حيّة ، وقد نعى القرآن عليهم ذلك بقوله تعالى : ( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٢) ، وكانت هذه البادرة القاسية شائعة عند بعض القبائل كربيعة وكندة وتميم وغيرهم ، ومن الأمثال الشائعة : دفن البنات من المكرمات.
ب ـ حرمانها من الميراث :
أمّا المرأة في العصر الجاهلي فلا ترث زوجها وأباها وسائر أقربائها ، ولا حظّ لها من الميراث مطلقا .. وقد انتصر لها الإسلام ، وفتح لها آفاقا كريمة من الحياة الرفيعة ، وشرّع لها من الحقوق بما لم يقنّنه أي نظام قديما ولا حديثا ، فقد ساوى بينها وبين الرجل مساواة كاملة في جميع الحقوق والواجبات ، وجعلها مسئولة عن حماية الجيل ، وصيانته من التلوّث بالجرائم والموبقات ، وأوجب على الزوج القيام بالإنفاق عليها ، وجعلها ترث وتورّث ، وفرض عليها التفقّه في الدين ،
__________________
(١) النحل : ٥٨.
(٢) التكوير : ٨ ـ ٩.
وطلب العلم ، كما جعل لها الحرية في اختيار الزوج ، ولكن بمشاركة أبيها إذا كانت باكرا ـ كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء ـ ؛ لأنّه أدرى منها بمعرفة الرجال خوفا أن يكون ما اختارته شاذّا في سلوكه ومنحرفا في شخصيّته وهي لا تعلم ذلك ، إلى غير ذلك من الحقوق الكاملة التي قنّنها الإسلام لها ، وكانت معاملة الإسلام للمرأة بهذه الصورة من الاحتفاء والتكريم غريبة على العرف الجاهلي ، لم يألفوها ، فقد جافت تقاليدهم وعاداتهم.
ج ـ الزواج بأرملة الأب :
من عادات الجاهلية التي حرّمها الإسلام أنّ الرجل منهم إذا توفّي قام أكبر أولاده فألقى ثوبه على امرأة أبيه ، وورث بذلك نكاحها ، فإذا لم يكن له إرب فيها زوّجها من بعض اخوته أو غيرهم ، وأخذ مهرها ، وقد حرّم الإسلام زواج ولد الميّت بها قال تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١).
وكانوا يتوارثون النساء كما يتوارثون الأموال ، وكان زواجهنّ بيد آبائهنّ واخوانهنّ ، فإن شاءوا زوّجوهنّ وأخذوا صداقهنّ ، وإن شاءوا تركوهنّ عوانس أو يفدين أنفسهن بالمال ، وقد حرّرهن الإسلام من هذه القيود والأغلال ، وبنى لهنّ اطارا من العزّة والكرامة ما لم يحلمن به.
٤ ـ المساواة بين الناس :
من المبادئ العليا التي تبنّاها الإسلام المساواة العادلة بين جميع أبناء البشر على اختلاف جنسياتهم وقوميّاتهم ، فلا فرق بين حاكم ومحكوم ، ولا بين غني وفقير ، فالناس كلّهم متساوون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات والمسئوليات ، لا امتياز لقوم على آخرين ، وكانت هذه المساواة لذيذة ومقدّسة عند المستضعفين
__________________
(١) النساء : ٢٢.
والبؤساء ، فآمنوا بالإسلام إيمانا مطلقا ، يقول الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا فضل لعربيّ على عجميّ ، ولا لأبيض على أسود إلاّ بالتّقوى ».
وقد نفرت جبابرة قريش وساداتها من هذه المساواة ، فكانوا يرون أنّهم سادة المجتمع وأشرف من بقيّة القوميّات ، فلذا هبّوا لمناجزة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعذيب من آمن به من عبيدهم وأبنائهم ونسائهم.
٥ ـ حماية الحقوق :
من القيم الخلاّقة التي رفع شعارها الإسلام حماية حقوق الناس والأخذ بظلامة الضعيف من القويّ ، وليس لأي أحد سلطان على أحد ، وإنّما الجميع سواسية أمام القانون ، وفزعت قريش من ذلك ، وجنّدت جميع طاقاتها لمحاربة الإسلام.
٦ ـ تحريم الربا :
واصطدمت دعوة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بمصالح الرأسماليّين من قريش الذين كانوا يعتمدون في معاملاتهم وتجارتهم على الربا ، وقد انتشر بصورة هائلة في مكّة ، وكان ممّن يتعاطاه العباس بن عبد المطّلب ، وقد حرّمه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تحريما باتّا ؛ لأنّه يوجب تكدّس الثراء العريض عند فئة من الناس وشيوع الفقر والحاجة عند الأكثرية الساحقة ، وقد ذعر أصحاب رءوس الأموال من دعوة الرسول وناجزوه بجميع ما يملكون من قوّة.
٧ ـ تحريم الخمر :
أمّا الخمر فكان شائعا في العصر الجاهلي ، ومنتشرا عند جميع الأوساط ، ولمّا حرّمه الإسلام أوجد ضجّة واصطدم مع ملذّاتهم وعاداتهم ، وأضمروا في نفوسهم الحقد على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.