نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير ابحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

لاثبات وجوده ناظرا إلى توسعة موضوع التعبد بالظهور أو تضييقه في مرحلة الظاهر وعند الشك في وجود الأظهر وان لم يوجب تضييقا فيه واقعا ( من غير ) فرق في ذلك أيضا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ، ولا بين كون الخاص الظني السند قطعي الدلالة أو ظني الدلالة ( فعلى ) كل تقدير في فرض كون الإناطة والتعليق على عدم العلم بوجود الأقوى أو عدم وجوده واقعا ، لا محيص من الحكومة ، ولا وجه لتقريب الورود ( نعم ) لو كان الخاص قطعيا من جهة السند وظنيا من جهة الدلالة ، كالمتواتر الظاهر في المؤدى ، يكون تقديمه على جميع فروض التعليق بمناط الورود ولا مجال للحكومة للقطع الوجداني بوجود ما هو الأقوى ظهورا من ظهور العام ووروده عن المعصوم (ع).

( وبما ذكرنا ) انقدح فساد ما عن بعض الأعاظم قده من ابتناه التفصيل في المقام حكومة وورودا على الوجهين في اعتبار أصالة الظهور : بقوله ان بنينا على كون الوجه فيها أصالة عدم القرينة يكون الخاص حاكما على العام ( وان بنينا ) على كون الوجه فيها الظن النوعي يكون الخاص واردا عليه حتى أنه جعل هذه الجهة منشئا لترديد الشيخ قده في الحكومة والورود ( وجه الفساد ) يظهر مما عرفت من عدم الفرق حكومة وورودا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ( فان المناط ) كله في ورود الخاص أو حكومته على ملاحظة المعلق عليه ( فان كان ) التعليق في أصالة الظهور على عدم قيام الحجة على وجود الخاص والأظهر يكون دليل الخاص ولو كان ظنيا واردا على أصالة الظهور في العام لا حاكما : قلنا ان الوجه في اعتبارها الظن النوعي الكاشف عن المراد ، أو أصالة عدم القرينة ، فإنه على كل من الوجهين في فرض التعليق بذلك يكون دليل الخاص حجة على ورود الأقوى على التخصيص ، فيرتفع موضوع أصالة الظهور حقيقة ( وان كان ) التعليق على عدم العلم بورود الخاص ، أو عدم وروده واقعا ، يكون دليل الخاص حاكما عليه لا واردا كما ذكرناه : قلنا ان الوجه في اعتبار أصالة الظهور هو أصالة عدم القرينة ، أو الظهور النوعي ( واما ) ترديد الشيخ قده في الورود والحكومة في المقام ، فليس منشئه

١٤١

اختلاف الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ( بل المنشأ ) فيه اختلاف فروض التعليق من كونه ، تارة على عدم الحجة على التخصيص ، وأخرى على عدم ورود المخصص واقعا ، وثالثة على عدم العلم بوروده ( كما انقدح ) بما ذكرناه فساد ما التزم به في المقام على ما في تقرير بعض تلامذته من القول بوجوب الاخذ بالخاص وتخصيص العام به مطلقا ولو كان ظهوره أضعف من ظهور العام مستدلا بان أصالة الظهور في الخاص تكون حاكمة على أصالة الظهور في طرف العام ، لكونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام فيقدم على العام ولو كان أضعف ظهورا منه ، كما يقدم ظهور يرمي في الرمي بالنبل على ظهور أسد في الحيوان المفترس في قوله رأيت أسدا يرمى ، مع كون ظهور الأسد في الحيوان المفترس أقوى من ظهور يرمى في رمي النبل ، لكونه بالوضع ، وذلك بالاطلاق ( إذ فيه ) ما لا يخفى فإنه لم يرد تقديم الخاص بما هو خاص على العام بهذا العنوان في دليل لفظي حتى نتمسك باطلاقه ( وانما العمدة ) في الباب هي السيرة العرفية وبناء العقلاء على الاخذ بالخاص وتخصيص العام به ( والمتيقن ) من بنائهم على ذلك انما هو في مورد يكون الخاص أقوى ظهورا من العام ، كما هو الغالب في التخصيصات ( واما ) في غيره فلم يعلم بنائهم على الاخذ بالخاص كي يستكشف منه عن تقييد بنائهم على العمل بالعام بعدم ورود مطلق الخاص في قباله ( كما أن ) بناء الأصحاب على تقديم الخاص انما هو من جهة اقوائية ظهور الخاص من العام ( والا ) فلو فرض في مورد يكون العام بملاحظة بعض الخصوصيات أقوى ظهورا من الخاص يكون الامر بالعكس فيقدم على الخاص ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ( واما التعليل ) الذي افاده لتقديم الخاص بما هو خاص وحكومته ، من كونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام ( فعليل جدا ) : فان كون الخاص بما هو خاص بمنزلة القرينة على التصرف في العام ، مبنى على كونه ناظرا بمفاده إلى شرح مدلول العام ، وهو كما ترى لا يكون الا من شؤون الحاكم ( والا فشأن ) المخصص كما اعترف به هو قده لا يكون الا اثبات حكم آخر مضاد أو مناقض لحكم العام في بعض افراده بلا سوقه للقرينية على شرح مدلول العام

١٤٢

( ومثله ) لا يكون الا معارضا مع العام ، لا قرينة على التصرف فيه ( وعليه ) فلا بد من الترجيح بالاقوائية واجراء حكم القرينة على الأقوى منهما بلا كونه قرينة حقيقة ( فاجراء ) حكم القرينة حينئذ على الخاص لا يكون الا باقوائية دلالته ، والا فمع تساويهما في الدلالة بالنسبة إلى الجهة المشتركة يعامل معهما معاملة المتعارضين ( ومع ) اقوائية دلالة العام على المورد ولو من جهة ابائه عن التخصيص يقدم العام عليه ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ( فما افاده ) قده في المقام من القول بتقديم الخاص على العام مطلقا ولو كان أضعف ظهورا لا يخلو عن غرابة ( واغرب منه ) استشهاده على مرامه بتقديم ظهور يرمى في رمى النبل على ظهور الأسد في الحيوان المفترس مدعيا بان ظهور الأسد في الحيوان المفترس من جهة كونه بالوضع أقوى من ظهور يرمى في رمى النبل ( إذ فيه ) ان مجرد وضعية الدلالة لا يقتضى الأقوائية خصوصا في المثال ( فان ) ظهور يرمى بمقتضى الانصراف والانسباق في رمي النبال غير المناسب للحيوان أقوى بمراتب من ظهور الأسد في الحيوان الخاص ( فكيف ) يصح قياس المثال بالخاص المنفصل عن العام.

( ثم انه ) أورد على جريان تقريب الحكومة بالإضافة إلى الأدلة اللفظية الثابتة حجيتها ببناء العقلاء بوجهين ( الأول ) ان حقيقة الحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين ناظرا بمدلوله اللفظي إلى تفسير مدلول الآخر وشرح المراد منه ( وهذا العنوان ) مختص بالأدلة اللفظية ، ولا معنى لجريانه في اللبيات التي تكون من مقولة المعنى ( الثاني ) ان في ظرف وجود الأظهر ان كان البناء الفعلي من العقلاء على العمل بالعام الظاهر ، فيستحيل مع وجود هذا البناء بناء آخر منهم على الاخذ بسند الأظهر ( وان كان ) البناء على الاخذ بالأظهر وتخصيص العام به عند المعارضة ، فلا يكون ذلك الا من جهة ان بنائهم على العمل بالظاهر كان معلقا على عدم التعبد بالأظهر ( ولازم ) ذلك هو كون التعبد بالأظهر وأرادا على التعبد بظهور الظاهر ، لا حاكما عليه ، لوضوح ارتفاعه بمثله حقيقة لا حكما ( فعلى

١٤٣

كل حال ) لا يتصور للعرف وجود بنائين فعليين عموما وخصوصا يكون أحد البنائين رافعا للآخر حكما ، كما هو قضية الحكومة ( وانما المتصور ) دائما بناء فعلى واحد ، اما على العمل بالظاهر عند عدم الأظهر ، واما على الاخذ بالأظهر عند وجوده وتخصيص العام به ( ولكن يندفع ) الاشكال الأول بأنه انما يتم بناء على الحكومة بمعنى الشرح والتفسير ، وهو كون أحد الدليلين شارحا لفظيا لمدلول الآخر ، إذ حينئذ لا مجال لاطلاقها على الأدلة اللبية التي لا يكون فيها لفظ كما في المقام ( واما ) على ما ذكرنا سابقا من الضابط فيها بكونها متقومة بصرف نظر أحد الدليلين إلى مفاد الآخر بتوسعة أو تضييق ولو بما هو امر واقعي ، فلا قصور في تصويره في اللبيات ( إذ لا فرق ) على هذا الضابط بين الأدلة اللفظية واللبية ( واما الاشكال ) الثاني ( فيمكن دفعه ) أيضا بان بناء العقلاء على العمل بالظاهر إذا كان معلقا على عدم ورود أظهر على خلافه من الشارع واقعا ، فلا جرم يكون بنائهم على التعبد بسند الأظهر ناظرا إلى توسعة البناء الآخر أو تضييقه في مرحلة الظاهر تعبدا لا حقيقة ، وليس هذا الا الحكومة ( وما أفيد ) من التنافي بين البنائين حينئذ ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان البنائان عرضيين ( واما ) إذا كانا طوليين وفي مرتبتين فلا تنافي بينهما ( وتوضيح ذلك ) هو ان موضوع التعبد بالظاهر بعد أن يكون مقيدا بعدم ورود أظهر على خلافه من الشارع واقعا ، يكون التعبد بالظاهر باعتبار قيد موضوعه من قبيل الحكم الواقعي بالإضافة إلى التعبد بسند الأظهر ، ويكون التعبد بسند الأظهر في رتبة متأخرة عن الشك في ورود الأظهر واقعا من الشارع ، وبذلك يكون البنائان في مرتبتين بحيث لا يشمل فعلية كل واحد لمرتبة الآخر ، نظير الحكم الواقعي والظاهري غير المتنافيين باختلاف مرتبتهما ( غاية ) الامر يكون العمل الفعلي على طبق البناء الظاهري على وجود الأظهر ووروده من الشارع ( ولكن ) لا بعنوان عدم ثبوت موضوع البناء الواقعي حقيقة ، بل بعنوان عدم ثبوته تعبدا وتنزيلا ، كما هو الشأن في جميع موارد محكومة الأدلة الاحكام الظاهرية على الاحكام

١٤٤

الواقعية الراجعة إلى توسعه الواقعيات أو تضييقها في مرحلة الظاهر ( واما توهم ). ان بناء العرف والعقلاء على شيء ليس الا عبارة عن معاملتهم ( فإذا كان ) عملهم الفعلي في المقام على طبق الأظهر ، يلزمه عدم معاملتهم فعلا على طبق الظاهر ، ولازمه هو تعليق البناء على العمل على طبق الظاهر على عدم البناء على طبق الأظهر ، فيلزم ارتفاع البناء على طبق الظهور حقيقة لا حكما وتعبدا ( فمدفوع ) بمنع كون بناء العرف والعقلاء عبارة عن صرف عملهم ( بل العمل ) انما يكون مترتبا على بنائهم لكونه في الحقيقة إطاعة وامتثالا لبنائهم ( وبالجملة ) نقول ان نسبة العمل إلى بنائهم انما هو كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه إطاعة وفي مرتبة متأخرة عن بنائهم ( وعليه ) فلا بأس بالالتزام ببنائين طوليين للعقلاء من حيث الواقعية والظاهرية مع الالتزام بكون عملهم الفعلي على طبق الأظهر بمناط الحكومة بعناية كونه هو الواقع الراجع إلى توسعة للبناء الآخر أو تضييقه في مرحلة الظاهر حكما وتنزيلا ، لا حقيقة ( نعم ) في فرض تقيد موضوع التعبد بالظهور بعدم العلم بورود أظهر من الشارع على خلافه يتجه الاشكال المزبور على تقريب حكومة سند الأظهر على الظاهر ولا يجديه مجرد كون التعبد بسنده ناظرا إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم كشفه ( لان ) مقتضى التقييد المزبور هو كون البنائين في مرتبة واحدة وهي مرتبه الشك في وجود الأظهر ، ولازمه تحقق المضادة ، بين البنائين ، ومع تضادهما وجودا لا وجود للبناء على طبق الظاهر مع البناء الفعلي منهم على الاخذ بسند الأظهر والعمل على طبقه حتى يصلح لرفعه تنزيلا لا حقيقة ، كما هو ظاهر.

( ثم إن ذلك ) كله في فرض الالتزام بتقييد موضوع التعبد بالظهور بأحد الوجوه المتقدمة ( واما في فرض ) عدم تقييده بشيء كما هو المختار فلا سبيل إلى تقديم الأظهر بمناط الورود ، ولا بمناط الحكومة بالتقريب المتقدم ، لعدم ترتب شرعي حينئذ للتعبد بالظهور على عدم وجود الأظهر حتى يصلح التنزيل المستفاد من التعبد بسند الأظهر لان يكون ناظرا إليه شرعا ( بل الوجه ) في تقديم الأظهر على هذا المبنى ينحصر بكونه بمناط الاخذ بأقوى الملاكين وتقديمه على أضعفهما ،

١٤٥

كما في جميع أبواب المزاحمات ( فان المقتضى ) المؤثر في نفوس العقلاء للاخذ بالكلام الصادر من المتكلم للاستطراق به إلى الواقع ، انما هو ظهوره وكشفه النوعي عن المراد الجدي وارائته لمتعلق الإرادة الواقعية ( وحيث ) ان هذا الملاك يوجد في الأظهر على نحو أقوى من الظاهر ، فلا جرم يكون مورد التزاحم مندرجا في صغرى باب التزاحم الذي حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين والمقتضين ، فيجب الاخذ بالأظهر ، لأقوائية كشفه من الظاهر ، كما هو ذلك في جميع موارد تزاحم الملاكين والمقتضيين ، حيث يكون التأثير الفعلي للأقوى ملاكا منهما ( هذا ) إذا كان الأظهر قطعي السند ( واما ) إذا كان ظنيا ( فلازم ) التزاحم المزبور وان كان هو الاخذ بالظاهر عند الشك في وجود الأظهر وصدوره من الشارع ، لحكم العقل في باب التزاحم بلزوم الاخذ بالمهم مع الشك في وجود المزاحم الأهم بمناط الاشتغال في مطلق الشك في القدرة ( ولكن ) موضوع حكم العقل بذلك لما كان معلقا على عدم الحجة على وجود الأهم ، فلا محالة يكون دليل التعبد بسند الأظهر رافعا لموضوع حكم العقل ، حيث يكون بيانا وحجة على وجود الأظهر وصدوره من الشارع ، فيكون واردا على هذا الحكم العقلي حقيقة ، وعلى التعبد بالظاهر عناية ، بلحاظ ملازمة ارتفاع حكم العقل بالأخذ بالظاهر لتحقق البناء على طبق الأظهر ، كما هو ذلك في كل مورد قام الدليل على وجود المزاحم الأهم ( ففي الحقيقة ) يكون ذلك نحو تقريب لورود أصالة السند في الأظهر على أصالة الظهور في الظاهر ، ولكن لا بالورود بالمعنى المتقدم في فرض إناطة موضوع التعبد بالظهور بعدم الحجة على وجود الأظهر ( فان أصالة ) السند في الأظهر على التقريب السابق رافع للتعبد بالظاهر حقيقة لارتفاعه بارتفاع موضوعه ( بخلاف ) ما ذكرنا من التقريب ( فان ) المرتفع حقيقة ليس هو البناء على التعبد بالظهور واقعا لكونه وجودا وعدما تابع قيام الأظهر على خلافه واقعا وعدم قيامه ، وانما المرتفع هو حكم العقل بمقتضى الاشتغال بالأخذ بالظاهر عند الشك في وجود الأظهر والمزاحم الأقوى ، غاية الامر ارتفاعه يلازم للبناء الفعلي على طبق

١٤٦

الأظهر ظاهرا ( هذا كله ) فيما قيل أو يمكن ان يقال في وجه تقديم الأظهر على الظاهر ثبوتا.

( واما ) تشخيص الأظهر وتمييز الأقوائية في الظهور اثباتا ، فلا يدخل تحت ضابط كلي ، وانما هو موكول إلى نظر العرف ( وحيث ) انه يختلف بذلك باختلاف الموارد من حيث اقتران الكلام بالقرائن الشخصية الحافة الخارجة عن تحت الضبط وعدم اقترانه بها ، فلا بد للفقيه من اتعاب النفس في تشخيص اقوائية أحد الظهورين كتشخيص أصل الظهور من ملاحظة الخصوصيات المكتنفة بالكلام من القرائن الحالية أو المقالية ، ومناسبات الحكم والموضوع ، بل وخصوصيات المتكلم والمخاطب ونحوها من الأمور الموجبة لصيرورة أحد الكلامين باقترانها به بمثابة من الظهور توجب عرفا قرب التصرف في الآخر ، لا مجرد كون التصرف في أحدهما أبعد من الآخر ( ويمكن ) جعل الضابط فيه ، بفرض كون الجميع في كلام واحد ، ولحاظ ان أيهما في هذا الفرض يكون موجبا لقلب ظهور الآخر ، فكل ما يكون منشئا لقلب ظهور الآخر فهو الأقوى ، هذا بالنسبة إلى شخص المتعارضين.

( واما ) بالنسبة إلى نوعهما ( فقد ذكروا ) أمورا في ضابط الأقوائية والترجيح ( منها ) ما إذا تعارض العام الأصولي مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تخصيص العام أو تقييد المطلق ، كما لو قال أكرم العالم ولا تكرم الفساق ( فإنه ) بعد تعارضهما في مادة الاجتماع يدور الامر بين تقييد قوله أكرم العالم بغير الفاسق وبين تخصيص قوله لا تكرم الفساق بما عدى العالم ( حيث ) قيل بان شمول العام الأصولي لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق له ( لان شمول ) الأول لمادة الاجتماع يكون بالوضع وشمول الثاني له يكون بالاطلاق ومقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا للتقييد ، والعام الأصولي يصلح لذلك ، فلا تتم معه مقدمات الحكمة في المطلق الشمولي ، فيقدم العام الأصولي عليه ويقيد به المطلق بما عدى مورد الاجتماع ( وبتقريب ) آخر ان ظهور العام الأصولي من جهة كونه بالوضع ظهور تنجيزي ، وظهور المطلق في الاطلاق ظهور تعليقي على تمامية مقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا على التقييد ،

١٤٧

وبعد صلاحية العام الأصولي لذلك لا ظهور للمطلق في الاطلاق في مقابل العام الأصولي حتى يدور الامر بين الاخذ بالمطلق أو العام ( ولكن ) فيه انه يتجه ذلك إذا كان أساس مقدمات الحكمة على كون المتكلم في مقام بيان مرامه بمطلق كلامه ولو منفصلا عن كلامه الملقى إلى المخاطب في مجلس التخاطب ( إذ حينئذ ) يكون لعدم القرينة على التقييد ولو في كلام آخر منفصل دخل في ظهور المطلق في الاطلاق ، فيتجه معه اخذ النتيجة المزبورة في المقام لصلاحية العام المزبور للبيانية على التقييد ( واما ) إذا كان أساس المقدمات على كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بخصوص الكلام الذي وقع به التخاطب ، لا به وبكلام آخر منفصل عنه ولو بعد سنين ، كما عليه بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم ( فلا محالة ) عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بكلامه الملقى إلى المخاطب في مجلس التخاطب ، ينعقد الظهور الاطلاقي للمطلق وتتحقق الدلالة التصديقية النوعية التي عليها مدار الحجية في باب الألفاظ ( ولازم ) ذلك مع احراز المقدمات جزما هو طرح ظهور القيد الوارد في كلام آخر منفصل للجزم بخلافه ، ومع احرازها بالأصل وظاهر حال المتكلم في كونه بصد تمام مرامه بتمام لفظه الملقى إلى المخاطب هو وقوع المزاحمة بين ظهور كلامه في الاطلاق وظهور كلامه المنفصل في التقييد ( وفي مثله ) لا بد من الترجيح بالاقوائية ، بلا ورود أحدهما على الآخر ( ولا يكفي ) حينئذ في رفع اليد عن الاطلاق مجرد وضعية الدلالة فيما دل على التقييد ( لان ) مجرد وضعية الدلالة لا يكون منشئا للأقوائية كما هو ظاهر ( وحيث ) ان بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم على الاخذ بالاطلاق في الكلام الصادر من المتكلم عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بالكلام الملقى إلى المخاطب في مقام الإفادة والاستفادة ( فلا محيص ) عند التزاحم في مادة الاجتماع من الاخذ بأقوى الظهورين والعمل على طبقه من تخصيص العام أو تقييد المطلق على قواعد الأظهر والظاهر.

( وبما ذكرنا ) اتضح الحال فيما لو دار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي ، وتخصيص العام الأصولي كقوله أكرم عالما ، وقوله لا تكرم الفساق ( فإنه ) قيل

١٤٨

فيه أيضا بتقديم تقييد الاطلاق البدلي على تخصيص العام الأصولي بعين ما تقدم بيانه في فرض الدوران بين العام الأصولي ، والاطلاق الشمولي ( بل قيل ) ان الامر في تقديم تقييد الاطلاق البدلي أوضح من تقديم التقييد في الاطلاق الشمولي ( بتقريب ) ان المطلوب في الاطلاق البدلي انما هو صرف الوجود ، ومثله لا يصلح لان يعارض العام الأصولي الذي يكون المطلوب فيه هو الوجود الساري ( لان ) الأول انما يقتضي الاجتزاء بأي واحد من الافراد إذا كانت متساوية الاقدام ولم يكن في البين ، ما يقتضي المنع عن بعض الافراد ( والعام الأصولي ) باعتبار شموله لجميع الافراد واقتضائه لحرمة اكرام كل فرد من افراد الفساق يقتضي خروج العالم الفاسق في مادة الاجتماع من دائرة الاطلاق البدلي ( وفيه ما تقدم ) من ابتنائه على كون عدم البيان الذي هو أساس مقدمات الحكمة هو مطلق عدم البيان ولو في كلام آخر منفصل ( والا ) فعلى فرض كون المدار على عدم البيان في مقام التخاطب كما أوضحناه لا مطلقا ولو بعد حين ( فلا جرم ) بعدم نصب القرينة على التقييد ما دام التخاطب يستقر الظهور الاطلاقي ، ( ومعه ) لا محيص في تقديم أحدهما على الآخر في مادة الاجتماع من الأقوائية في الظهور والدلالة من غير فرق بين ان يكون ورود العام قبل المطلق أو مقارنا له أو متأخرا عنه ( وهذا ) هو الذي اختاره المحقق الخراساني قده ( وما افاده ) في فوائده من لزوم جمع كلمات الأئمة (ع) المتفرقة في الزمان وفرض ورودها في زمان واحد والاخذ بما هو المتحصل منها على فرض الاجتماع ، لا ينافي ذلك ( فان المقصود ) من ذلك انما هو بيان تشخيص الأظهرية الموجبة للجمع ، كما أشرنا إليه آنفا قبال عدم صلاحية مجرد أبعدية التصرف فيه من غيره ، فلا تنافي بين ما افاده في المقام من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق عند عدم نصب القرينة على التقييد متصلا بالكلام ما دام التخاطب ، وبين ما افاده في فوائده حتى يشكل عليه كما هو ظاهر.

( ومنها ) ما إذا تعارض الاطلاق البدلي مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي أو الشمولي ، كقوله أكرم عالما ، ولا تكرم الفاسق

١٤٩

( حيث ) قيل بتقديم الأول على الثاني بالتقريب المتقدم في تعارض الاطلاق البدلي مع العام الأصولي ( ويرد عليه ) ما تقدم من استقرار الظهور الاطلاقي لكل واحد منهما عند عدم اتصال الكلام الذي وقع به التخاطب بما يصلح لتقييده ( ومجرد ) كون أحد الاطلاقين شموليا غير موجب لخروج الافراد في الاطلاق البدلي عن كونها متساوية الاقدام في مقام الإطاعة ( لان ) ذلك انما يتم في المتصلات في كلام واحد ( والا ) ففي المنفصلات لا بد في الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية أحد الاطلاقين واقوائيته ( ومنها ) ما إذا تعارض بعض جمل ذوات المفهوم مع بعض آخر ( كتعارض ) مفهوم الغاية مع مفهوم الشرط في مثل قوله يجب الامساك إلى الليل ، وقوله ان جائك زيد فلا يجب الامساك في الليل ( فان ) مفهوم الغاية تقتضي عدم وجوب الامساك في الليل ، ومفهوم الشرط يقتضي وجوبه في الليل ( وكتعارض ) مفهوم الشرط مع مفهوم الوصف بناه على كون القضية الوصفية ذات مفهوم ( حيث ) قيل في الأول بتقديم مفهوم الشرط ( لان ) ثبوت المفهوم للقضية الشرطية بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، بخلاف القضية الغائية ، فان دلالتها على انقضاء حكم ما قبل الغاية عما بعدها تكون بالوضع ( وفي الثاني ) بتقديم ظهور مفهوم الشرط على مفهوم الوصف ، لكون القضية الشرطية أظهر في المفهوم من القضية الوصفية ( ويرد ) على الأول ما ذكرناه من أن المدار في عدم البيان المقوم للاطلاق انما هو على عدمه المتصل بالكلام الذي وقع به تخاطب المتكلم في مجلس التخاطب ، لا على عدمه مطلقا ولو منفصلا عنه ( فلا مجال ) لهذا الكلام في المنفصلين ، بل لا بد فيهما عند الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية أحدهما على الآخر ( وعلى الثاني ) بان الحكم بأظهرية الجملة الشرطية في المفهوم من القضية الوصفية بنحو الموجبة الكلية ، غير تام ، لاختلافه باختلاف المقامات والخصوصيات المكتنفة بالكلام ومناسبات الحكم والموضوع ونحوها ، فإنه بملاحظة هذه الجهات قد تكون القضية الوصفية أظهر في المفهوم من القضية الشرطية ، وقد تكون ظهورهما في المفهوم متكافئين فيتعارضان.

١٥٠

( ومنها ) ما إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ ( حيث قيل ) بتقديم التخصيص على النسخ ، لكثرة الأول وشيوعه ، وقلة الثاني وندرته ( وقيل ) بتقديم الثاني ( وقبل الخوض ) في تنقيح المرام ينبغي التعرض لبيان الشقوق المتصورة للعام والخاص المتخالفين ناسخا ومخصصا ومنسوخا ( فنقول ) إذا ورد عام وخاص متخالفان ( فاما ) ان يكونا متقارنين ، واما ان يكونا متعاقبين ( وعلى الثاني ) فالمتقدم منهما ، اما ان يكون هو العام ، واما ان يكون هو الخاص ( وعلى التقديرين ) فالخاص أو العام المتأخر ( اما ) ان يكون وروده قبل وقت العمل بالمتقدم ( واما ) يكون وروده بعد وقت العمل به ( والظاهر ) ان في جميع هذه الفروض يتأنى الدوران المزبور بين النسخ والتخصيص ( فان في فرض ) تأخر العام عن الخاص كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخا بالعام ( كما أن ) في فرض تأخر الخاص عن العام يتصور احتمال المخصصية والناسخية للخاص المتأخر ( من غير فرق ) بين ان يكون ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده ( وهكذا ) في فرض ورودهما متقارنين ، حيث يتصور احتمال المخصصية والناسخية بل المنسوخية للخاص.

( ولكن ) الذي يظهر من جماعة هو التفصيل بين الشقوق المذكورة للعام والخاص من حيث الناسخية تارة والمخصصية ، أخرى ، والقابلية للامرين ثالثة ( حيث ) انهم اعتبروا ( في التخصيص ) ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام لا بعده معللين ذلك بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وفي النسخ ) وروده بعد وقت العمل بالعام ( لان ) النسخ رفع للحكم الثابت الفعلي من جميع الجهات ، فلا يكفي فيه مجرد فرضية الحكم ولو بفرض موضوعه ما لم يصل إلى مرحلة الفعلية ، فقبل وقت العمل بالعام لا يكون الحكم الا فرضيا ( فعلى هذا الضابط ) يكون الخاص المقارن للعام والخاص الوارد بعد العام قبل وقت العمل به مخصصا محضا لا ناسخا ، لعدم حكم فعلى حينئذ للعام كي يقبل النسخ ( وكذا ) في العام الوارد بعد الخاص قبل وقت العمل به ( حيث ) يكون الخاص في هذه الفروض الثلاثة

١٥١

مخصصا وبيانا للعام لا ناسخا ولا منسوخا ( ويكون ) الخاص الوارد بعد العام وبعد حضور وقت العمل به ناسخا للعام لا مخصصا لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ( فيختص ) مورد الدوران بين النسخ والتخصيص بما إذا كان الخاص مقدما على العام ، وكان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص ( إذ في مثله ) كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخا بالعام ( هذا ) ملخص ما أفادوه في المقام من التفصيل بين الصور المذكورة ناسخا ومنسوخا ومخصصا ( وقد عرفت ) ابتنائه ( على مقدمتين ) إحديهما قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وثانيتهما ) كون النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت ( ولكن لا يخفى ) ما في المقدمتين.

( اما المقدمة الأولى ) وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( ففيه ) ان المراد من الحاجة ان كان حاجة المولى إلى الفعل أو إلى البيان ( فالكبرى ) وان كانت مسلمة ، فان التأخير حينئذ قبيح بل مستحيل ، لأنه من نقض الغرض المستحيل من الحكيم حتى عند الأشعري ( ولكن ) الصغرى ممنوعة ( إذ يمنع ) تعلق الغرض الجدي من القاء تلك العمومات لبيان المراد الواقعي ( ومجرد ) كونه وقت حاجة المكلف في العمل بالعموم ، لا يقتضي كونه وقتا لحاجة المولى إلى الفعل أوال البيان بل نفس تأخير البيان في المنفصلات دليل على عدم حاجة المولى إليه ( وان كان ) المراد من الحاجة حاجة العبد إلى العمل ولو لم يكن وقتا لحاجة المولي ، فقبحه غير معلوم ، بل معلوم العدم ( بداهة ) انه لا قبح فيه إذا كان التأخير عن مصلحة أوجبت اخفاء الحكم الواقعي إلى زمان ورود المخصص ( فيمكن ) ان تكون المصلحة في القاء الظهور إلى المكلف على خلاف المراد الواقعي ليتكل عليه العبد ويكون حجة له وبيانا إلى أن تقتضي المصلحة بيان المراد الجدي ( وبالجملة ) اخفاء المراد الجدي مع القاء الحجة على خلاف الواقع لمصلحة مما لا قبح فيه ( كما يظهر ) ذلك من ملاحظة نصب الطرق غير العلمية في الموارد التي يؤدى إلى خلاف الواقع ، كما أجبنا به عن ابن قبة ببعض تقريباته ( وحينئذ ) فكما ان الوظيفة الظاهرية في موارد الطرق المنصوبة المؤدية أحيانا إلى خلاف الواقعيات هو الاخذ بها حجة وبيانا ، وفي غير مواردها هو

١٥٢

الرجوع إلى ما يستقل به العقل من البراءة أو الاحتياط ( كذلك ) في المقام ، فقبل ورود البيان على التخصيص يكون المكلف محكوما بالحكم الظاهري بالعمل على طبق العالم إلى مجيء البيان على المراد الواقعي بلا ورود محذور قبح في البين ( والمراد ) من الحكم الظاهري انما يكون هو الحكم المستفاد من أصالة الظهور عند الشك في مطابقة ظهور العام للواقع ، لا ما تضمنته العمومات ( فان ) مفاد العمومات ليس الا الحكم الواقعي ، فما في تقرير بعض الأعاظم من جعل الحكم الظاهري عبارة عن مفاد العمومات مبنى على المسامحة أو طغيان القلم ، والا فبطلانه واضح ( وبما ذكرنا ) ظهر ان مخصصية الخاص للعام لا يتعين بوروده قبل وقت العمل بالعام ، بل كما يصلح للمخصصية في الفرض المزبور يصلح للمخصصية أيضا في فرض وروده بعد وقت العمل بالعام ، فيمكن ان تكون المخصصات المتأخرة الواردة عن الأئمة (ع) هي المخصصات حقيقة ، لا انها كاشفات عن اتصال كل عام حين صدوره بمخصصه ( وتوهم ان ) مصلحة الحكم الواقعي الذي هو مفاد المخصصات المنفصلة ان كانت تامة فلا بد من اظهاره والتكليف به من الأول ( وان لم تكن ) تامة ولو بحسب مقتضيات الزمان بان يكون للزمان دخل في الملاك فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون مفاد العام حكما ظاهريا ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاص ، وفي مثله يكون الخاص المتأخر عن وقت العمل بالعام ناسخا لا مخصصا ( مدفوع ) بما ذكرنا من أن مجرد تمامية ملاك الحكم الواقعي في المخصصات المنفصلة لا يلازم وجوب اظهاره والتكليف به من الأول ، لا مكان ان يكون في التأخير مصلحة ولو كانت هي لتسهيل على المكلفين في الصدر الأول أو جلب رغبتهم في الإطاعة والعبودية أو غير ذلك ( فيمكن ) حينئذ ايكال اظهاره إلى أوصيائه عليهم‌السلام مع اعطاء الحجة فعلا على خلاف الواقع.

( واما المقدمة الثانية ) ففيها منع كون النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت الفعلي من جمع الجهات ( بل نقول ) انه يكفي في صحته مجرد ثبوت الحكم ولو بمرتبة انشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه في مقابل عدمه ، كما في الموقتات والمشروطات

١٥٣

قبل تحقق وقتها وشرطها ( فإنه ) كما يصدق على جعل مثله انه ايجاد للحكم كذلك يصدق على رفعه انه نسخ له ، بلا احتياج في صحة رفعه إلى فعليته ( ولذلك ) ترى صحة النسخ في الاحكام العرفية في الموقتات والمشروطات قبل وقتها وشرطها في مثل قول المولى لعبده يجب اطعام العلماء في شهر كذا ، أو ان جائك عالم فأكرمه ( وقوله ) بعد هنيئة نسخت هذا الحكم ( فإذا كان ) هذا المقدار من الثبوت في الاحكام العرفية كافيا في صدق الرفع وصحة النسخ ( كذلك ) في الأحكام الشرعية ، فيكتفي في صحة النسخ فيها كونه رفعا لما هو المنشأ بالانشاء السابق ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الحكم وشرطه ( ثم إن ذلك ) بناء على المشهور من إناطة فعلية الحكم في الواجبات المشروطة بوجود شرائطها خارجا ، لجعلهم الخطابات الشرعية الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المحمول فيها في الفعلية والفرضية فعلية وجود موضوعه وفرضيته ( واما ) على المختار فيها من إناطة الحكم فيها بفرض وجود الشرط في لحاظ الآمر ولو طريقا إلى الخارج ، لا بوجوده خارجا كما شرحناه في الجزء الأول من الكتاب في مبحث الواجب المشروط في مقدمة الواجب ، فلا محالة يكون الحكم فعليا فيها ، غايته منوطا بفرض وجود الشرط في لحاظه الآمر ( ومع ) فعلية الحكم فيها قبل وجود شرائطها خارجا ( لا بأس ) بالالتزام بصحة النسخ فيها قبل تحقق شرطها خارجا وقبل وقت العمل بها ولو على القول بكون النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت ( إذ لا يحتاج ) في صحة النسخ حينئذ إلى أزيد من فعلية الخطاب بمضمونه حسب استعداد الخطاب لها ( نعم ) لو كان المقصود من فعلية الخطاب بمضمونه هي الفعلية المطلقة حتى بالمرتبة المساوقة لمحركية العبد فعلا نحو الامتثال ( لكان ) للاشكال المزبور كمال مجال لاحتياج صحة النسخ حينئذ إلى فعلية وجود الشرط خارجا الملازم للمحركية الفعلية المساوق لوقت العمل ( ولكنه ) من الأغلاط ( لوضوح ) ان هذه المرتبة من الفعلية انما هي من شؤون تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد خارجا ( ومثله ) كما ترى أجنبي عن مضمون الخطاب ، لكونه في مرتبة متأخرة عن الخطاب بمضمونه ، فلا يمكن اخذ هذه المرتبة في

١٥٤

مضمون الخطاب المحفوظ في مرتبة نفسه كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فلو قلنا ان النسخ رفع للحكم الفعلي الثابت ، فلا بد من أن يراد به رفع ما هو مضمون الخطاب الصادر من المولى بماله من الفعلية المناسبة له المحفوظة في المرتبة السابقة عن مرحلة المحركية الخارجية التي هي من شؤون تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد ( وبعد ) تحقق الفعلية بهذا المعنى على المختار في الموقتات والمشروطات ، لا يحتاج في صحة النسخ إلى حضور وقت العمل ووجود شرائط الحكم خارجا ( ولازمه ) بطلان التفصيل السابق ، لتساوي جميع الفروض المتقدمة للعام والخاص في صحة التخصيص والنسخ ، لدوران الامر في الخاص المتقدم على العام بشقيه بين كونه مخصصا للعام أو منسوخا ، وفي الخاص المتأخر عن العام بكلا شقيه بين كونه مخصصا أو ناسخا ( فلا بد ) حينئذ من وجود مرجح لترجيح أحد الامرين على الآخر.

( وبعد ذلك ) نقول : انه قد يرجح التخصيص على النسخ لكثرته وشيوعه حتى قيل ما من عام الا وقد خص ( ولأن ) النسخ تخصيص في الأزمان وهو أقل موردا من تخصيص الافراد فيجب تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران ( وفيه ) اما الوجه الأول ، فيرد عليه أولا انه نفرض الكلام في أول زمان ورودهما الذي لم يبلغ التخصيص بعد إلى حد الكثرة ( فان الظاهر ) هو بنائهم قديما وحديثا على تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران بينهما حتى في الخصوصات الواردة في بدو الشريعة ( ودعوى ) ان المقصود من كثرة التخصيص الموجب للحمل عليه عند الدوران انما هو بالنظر إلى الاحكام العرفية ، لا بلحاظ الخطابات الشرعية ، كي ينتقض بفرض ورودهما في بدو الشريعة ( مدفوعه ) بمنع أكثرية التخصيص من النسخ في الاحكام العرفية ( بل الامر ) فيها يكون بالعكس ، بلحاظ ما هو الغالب من خفاء الموانع والمزاحمات الواقعية على العرف والعقلاء حين تشريعهم الاحكام وعدم اطلاعهم عليها الا بعد ابتلائهم بها ( بل إن تأملت ) ترى رجوع أكثر التخصيصات الواردة في أحكامهم إلى النسخ ، كما هو المشاهد بالعيان والوجدان ( وعلى فرض ) تسليم أكثرية التخصيص من النسخ في أحكامهم يمنع كون مجرد الأكثرية موجبا

١٥٥

لترجيح احتمال التخصيص ما لم تكن بمثابة توجب انس الذهن به ( واما الوجه الثاني ) ففيه مضافا إلى ما أوردناه على الوجه الأول ، انه يمنع كون النسخ تخصيصا في الأزمان الراجع إلى التصرف الدلالي ( بشهادة ) صحة النسخ عقيب العموم الأزماني ولو بزمان يسير بلا استبشاعه ( في مثل ) قوله أكرم زيدا في كل يوم أو كل زمان ، وقوله عقيب ذلك بزمان يسير نسخت هذا الحكم خصوصا قبل حضور وقت العمل بالعام ( فإنه ) لو كان النسخ تخصيصا في الأزمان يلزم في نحو المثال التخصيص المستهجن بل القبيح لكونه من التخصيص المستوعب لجميع افراد الأزمنة ( فصحة ) النسخ في نحو المثال أقوى شاهد على عدم ارتباط النسخ بباب التخصيص الذي هو من التصرف الدلالي ( بل التحقيق ) في النسخ كما بيناه في مبحث العام والخاص هو كونه من سنخ التصرفات الجهتية الراجعة إلى التصرف في جهة الحكم ، بعدم كونه مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له ، لا إلى التصرفات الدلالية الراجعة إلى عدم كون الدلالة مطابقا للمراد الجدي ( ففرق ) واضح حينئذ بين التخصيص والنسخ ( فان ) في باب التخصيص يكون المراد الجدي من العام على خلاف مدلوله ، فيكون الخاص يتكفله للتصرف في الدلالة مبينا لما هو المراد الجدي من العام ( بخلاف ) باب النسخ ، فان المراد الجدي فيه يكون على طبق مدلول العام بما هو عام ، غاية الامر لا تكون إرادة الجد بالمدلول لبيان الجد بالمراد الواقعي ، كما في التقية وبذلك يكون النسخ تصرفا في الحكم المجعول في المورد ومبينا لعدم كونه مجعولا على طبق الجد بالواقع على حسب المقتضيات الموجودة في موضوعه ، من غير فرق بين ان يكون النسخ راجعا إلى أصل ثبوت الحكم ، أو إلي دوامه واستمراره من بيان انتهاء أمده أو ابتلائه بالموانع والمزاحمات أو غير ذلك من الوجوه في التي تقتضي الحكمة تحميل شيء على المكلف لامتحان أو غيره على خلاف الجهات الواقعية الموجودة من اظهار أصل ثبوت الحكم أو دوامه واستمراره مع علمه بأنه ليس له في الواقع ثبوت ولا دوام واستمرار ، لوجود

١٥٦

الموانع والمزاحمات المهمة في نظره مع قيام المصلحة على اخفائها على المكلف إلى غير ذلك من الوجوه التي يصحح بها النسخ الوارد في الأحكام الشرعية ، بلا ورود محذور جهل أو تغيير إرادة في ساحة قدسه سبحانه تعال الله عن ذلك علوا كبيرا ( وكيف كان ) فقد يقال في ترجيح التخصيص على النسخ عند الدوران بوجوه اخر ( منها ) ما عن بعض الأعاظم قده من أن النسخ متوقف على ثبوت حكم العام لما تحت الخاص من الافراد من الأول ( ومقتضى ) حكومة أصالة الظهور في طرف الخاص على أصالة الظهور في العام هو عدم ثبوت حكم العام لافراد الخاص ، فيرتفع موضوع النسخ ( وفيه ) انه يتم ذلك بناء على ما سلكناه من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق واستقراره بعدم البيان على التقييد متصلا بالكلام الذي وقع به التخاطب ( واما ) على مختاره من تعميم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة لمطلق البيان ولو منفصلا وتحكيم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي حتى في المنفصلين : لا مجال لتحكيم أصالة الظهور في الخاص في المقام على أصالة العموم في العام بعد كون ظهور الأول في الدلالة على ثبوت مدلوله من الأول بمقتضى الاطلاق ومقدمات الحكمة وظهور العام فيه بالوضع ( ومنها ) ترجيح التخصيص عليه بما يرجع التصرف الدلالي على التصرف الجهتي عند الدوران بين التخصيص والثقية ، من الجمع بين السندين مهما أمكن ( بتقريب ) ان الحمل على النسخ يوجب الغاء التعبد بسند المنسوخ رأسا ، لعدم انتهاء الامر في التعبد به إلى اثر عملي لا بالنسبة إلى الأزمنة المتقدمة لخروجه من محل الابتلاء حتى بأثره ، ولا بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة لفرض منسوخيته ( بخلاف ) الحمل على التخصيص ، فإنه معه يبقى للعام مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده ( فعند الدوران ) بين النسخ والتخصيص ، يكون أصالة التعبد بسندهما مهما أمكن مرجحا للتصرف الدلالي على التصرف الجهتي ( وفيه ) انه لو تم ذلك ، فإنما هو في الخاص المتقدم ، لما يلزم من فرض منسوخيته بالعام المتأخر طرح أصل مضمونه الموجب للغوية التعبد بسنده أيضا ( واما ) في الخاص المتأخر عن العام ( فلا مجال ) لهذا الكلام ( لبقاء )

١٥٧

العام على حاله في بعض مدلوله بالنسبة إلى بقية الافراد المندرجة تحته على تقديري مخصصية الخاص وناسخيته ، بلا انتهاء الامر فيه إلى لغوية التعبد بسنده ( ومنها ) ان تقديم التخصيص على النسخ انما هو من جهة اقتضاء الأصل الجهتي وتقدمه الرتبي على الأصل الدلالي ( وبتقريب ) ان أصالة الظهور انما تجري في الظهورات الصادرة لبيان الحكم الواقعي ، فيكون الأصل الجهتي كالأصل السندي منقح موضوع الأصل الدلالي وفي رتبة متقدمة عليه ، لكونه مثبتا لصدور الظاهر لبيان الحكم الواقعي لا لتقية ونحوها ( ولازم ذلك ) هو جريانه في المرتبة السابقة على الأصل الدلالي بلا معارض في مرتبة جريانه ( وبعد ) جريانها لا بد من التخصيص والتصرف الدلالي في العام ( من غير فرق ) بين ظهور الخاص على فرض المخصصية في ثبوت مدلوله ، من الأول ، وبين عدم ظهوره في ذلك أو ظهوره في ثبوت مدلوله من الحين ( وان كان ) على الأخير لا ثمرة عملية بين النسخ والتخصيص ، للعلم بحجية ظهور العام ومرجعيته على كل تقدير إلى حين صدور الخاص ، ولزوم الاخذ بالخاص ورفع اليد عن عموم العام بعد صدور الخاص كذلك ( وفيه ) ان مجرد تقدم الطبعي لبعض هذه الأصول لا يقتضى الإناطة والشرطية بين بعضها وبعض الآخر في مقام الحجية ( لوضوح ) ان الانتهاء إلى العمل شرط في التعبد بكل واحد من الأصول الثلاثة أعني أصالة الصدور والجهة والظهور ( وبعد ) ان كان الانتهاء إلى العمل منوطا بسد الاحتمالات الثلاثة من احتمال عدم الصدور ، وعدم كون الصادر لبيان غير الحكم الواقعي ، وعدم مخالفة الظاهر لما هو المراد الواقعي ( فلا محالة ) يكون مجموع الأصول الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الأثر العملي بحيث بانتفاء بعضها ينتفى الأثر فينتفي التعبد عن البقية من غير ترتب في هذه المرحلة لبعضها على البعض الآخر بحيث يكون بعضها مأخوذا في موضوع الآخر ( نعم ) هي متلازمات في مقام الحجية بحيث لا يكون بعضها حجة الا في ظرف حجية الآخر لأجل ان الأثر العملي لا يكون إلا في ظرف حجية الجميع ، نظير اجزاء المركب المأمور به في كونها متلازمات في مقام الاتصاف بالوجوب بلا إناطة

١٥٨

بعضها بوجود غيره ( ولازم ) ذلك عدم تقدم أحد هذه الأصول الثلاثة الجارية في السند أو الجهة أو الدلالة على الآخر في مقام الجريان على وجه يكون جريان بعضها منقحا لموضوع الآخر وفي رتبة متقدمة على جريانه ( بل اللازم ) في مثله تزاحم الأصول الثلاثة عند العلم بمخالفة بعضها للواقع وسقوطها عن الاعتبار الا في الموارد التي يبقى مقدار من الظهور والدلالة القابلة للاخذ بها ، فيؤخذ حينئذ بالجميع بملاحظة العمل المترتب عليه بالنسبة إلى هذا المقدار ، كما في موارد الجمع الدلالي العرفي ( وعلى ذلك ) فبعد عدم مرجح خارجي لتقديم التخصيص على النسخ ينتهى الامر إلى الأصول العملية ( فإذا كان ) الخاص مقدما على العام ، كان المرجع بعد تعارض أصالة الجهة في الخاص مع أصالة الظهور في العام وعدم مرجح لأحدهما ، هو استصحاب حكم الخاص المتقدم ( واما ) إذا كان الخاص متأخرا عن العام فان كان الخاص واردا قبل وقت العمل بالعام ، فلا ثمرة تترتب على كونه ناسخا أو مخصصا ( لان ) العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص المتأخر ( وان كان ) واردا بعد العمل بالعام ، فان لم يكن له ظهور في ثبوت مدلوله من حين ورود العام ، فلا اشكال في أن المتبع هو أصالة العموم إلى حين ورود الخاص ، لجريان كل من الأصل الجهتي والدلالي في العام إلى حين ورود الخاص ، وبعد ورود الخاص يكون المتبع هو الخاص على كل تقدير ( وان كان ) له ظهور في ثبوت مدلوله من الأول ، فبالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاص ، لا يترتب اثر عملي على كونه ناسخا أو مخصصا ، لان العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص دون العام ناسخا كان أو مخصصا ( واما بالإضافة ) إلى الأزمنة المتقدمة عن ورود الخاص ، فيدور الامر في العام بين التصرف في ظهوره أو التصرف في جهته ( ولكن ) طرف المعارضة بدوا لما كان هو اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مدلوله من الأول لمنافاته مع قضية ظهور العام في العموم ، ( فلا جرم بعد تساقطهما يجري ) عليه حكم التخصيص إذا كان مفاد الخاص نقيضا لحكم العام ، وحكم النسخ إذا كان ضدا له ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب اثر عملي على هذه الفروض بالنسبة إلينا مع تأخر زماننا عن

١٥٩

زمان ورود العام والخاص لخروج ذلك كله عن محل ابتلائنا حتى بلحاظ آثارها ( فان الواجب علينا ) هو الاخذ بالخاص المتأخر والعمل على طبقه ناسخا كان أو مخصصا ( نعم ) في الخاص المتقدم على العام يترتب ثمرة عملية مهمة على كونه مخصصا أو منسوخا ( ولكن ) عرفت ، ان المرجع فيه بعد سقوط الأصل الجهتي في الخاص بالمعارضة مع الأصل الدلالي في العام هو استصحاب حكم المخصص ( هذا كله ) إذا كان التعارض بين الدليلين لا أكثر.

( الامر الخامس ) إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين ، ففيه صور كثيرة ( الصورة الأولى ) ما إذا ورد عام وخاصان متبائنان ، كما لو قام دليل على وجوب اكرام العلماء ، وقام دليل آخر على عدم وجوب اكرام الكوفيين من العلماء ، وقام دليل ثالث على عدم وجوب اكرام البصريين من العلماء ( فان النسبة ) بين قوله أكرم العلماء ، وبين كل من قوله لا يجب اكرام الكوفيين ، وقوله لا يجب اكرام البصريين هي العموم المطلق ( وبالنسبة ) بين كل من الخاصين مع الآخر هي التباين ( ولا اشكال ) في تخصيص العام بكل واحد من الخاصين إذا لم يلزم منه التخصيص المستهجن ، أو بقاء العام بلا مورد ( واما ) إذا لزم منه التخصيص الأكثر المستهجن أو التخصيص المستغرق ( فلا بد ) في مثله من معاملة التعارض بين العام ومجموع الخاصين باعمال المرجحات السندية ( فان ) اخذ بالخاصين ترجيحا أو تخييرا طرح العام ولا تعارض بينهما ( وان اخذ ) بالعام كذلك ، فحيث ان المعارض للعام هو مجموع الخاصين دون الجميع ، يقع بين الخاصين تعارض بالعرض فيعامل معهما معاملة المتعارضين ( فان كان ) لاحد الخاصين مزية على الآخر يؤخذ به ويخصص به العام ويطرح الآخر ( والا ) فيؤخذ بأحدهما تخييرا ويخصص به العام ويطرح الآخر ( ثم إن ذلك ) إذا لم يكن بين الخاصين معارضة ذاتية كما في المثال ، والا فلا بد من اعمال الترجيح بينهما أو لا ، ثم تخصيص العام بالراجح منهما ولا وجه حينئذ لأعمال الترجيح في العام لأنه فرع معارضة الخاصين معه ، فإذا كان الترجيح بينهما اقتضى قصر الحجية بذى المرجح منهما يسقط الآخر عن صلاحية المعارضة

١٦٠