السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١
والصحيح : عن رجل قتل امرأة خطأً وهي على رأس الولد تمخض؟ قال : « عليه الدية خمسة آلاف درهم » الحديث (١).
( ولا تختلف دية الخطأ والعمد ) وشبههما ( في شيء من المقادير ) الستة ( عدا النعم ) أي الإبل ، فتختلف دية الثلاثة فيها كما عرفته ، وأمّا عدم الاختلاف فيما عداها وثبوته في شبيه العمد والخطأ أيضاً مخيّراً بينها فقد ذكره جماعة ، كالفاضلين هنا وفي الإرشاد والقواعد ، والشهيدين في اللمعتين ، وغيرهما (٢) ، من غير ذكر خلاف ولا إشكال ، وهو أيضاً ظاهر الحلّي (٣) مدّعياً عليه الإجماع في ظاهر كلامه ، وهو الحجة.
مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص الواردة بالستة كما عرفته ، وتصريح جملة منها بالتخيير بين جملة منها في الخطأ ، ولا قائل بالفرق ، ففي الخبر : « دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل ، أو عشرة آلاف من الورق ، أو ألف من الشاة » وقال : « دية المغلظة التي تشبه العمد وليست بعمد أفضل من الخطأ بأسنان الإبل : ثلاث وثلاثون حقّة » إلى آخر ما تقدم (٤).
وفي آخر : « والخطأ مائة من الإبل ، أو ألف من الغنم ، أو عشرة آلاف درهم ، أو ألف دينار ، وإن كانت الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض » إلى آخر ما سبق أيضاً (٥).
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٩٩ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٨٥ / ٧٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٦ أبواب ديات النفس ب ٥ ح ٣.
(٢) الإرشاد ٢ : ٢٣٣ ، القواعد ٢ : ٣٢٢ ، اللمعة والروضة البهية ١٠ : ١٧٥ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٤ : ٤٦٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٩٥ ، والمفاتيح ٢ : ١٤٣.
(٣) السرائر ٣ : ٣٢٣.
(٤) في ص ٣٥٠.
(٥) في ص ٣٥٣.
وفي ثالث : « دية الرجل مائة من الإبل ، فإن لم يكن فمن البقر » إلى أن قال : « هذا في العمد ، وفي الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة » (١).
والصحيحة المتقدمة (٢) صريحة في ثبوت الدراهم في قتل الخطأ في المرأة ، فكذا غيره وغيرها ؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً كما مضى ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه ، وإن كان ربما يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين (٣) حصول نوع شك له وريبة.
( وفي ) مقدار ( دية ) الحرّ ( الذمي ) روايتان ، بل ( روايات ، والمشهور ) منها التي عليها عامّة أصحابنا إلاّ النادر : أنّها ( ثمانمائة درهم ) مطلقاً ، يهوديّاً كان أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً ، وهي مع ذلك صحاح ومعتبرة مستفيضة كادت تبلغ التواتر ، معتضدة بالأصل وبمخالفة العامّة والإجماع المحكي في الغنية وكنز العرفان (٤) ، ففي الصحيح : عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي؟ قال : « ديتهم سواء ثمانمائة درهم » (٥).
والرواية الثانية منها الصحيح : « دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم »(٦).
وقريب منه الموثّق كالصحيح : « من أعطاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذمّة فديته
__________________
(١) التهذيب ١٠ : ١٦١ / ٦٤٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٧ أبواب ديات النفس ب ١ ح ١٢.
(٢) في ص ٣٥٧.
(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٩٥.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، كنز العرفان ٢ : ٣٦٩.
(٥) الكافي ٧ : ٣١٠ / ١١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٦ / ٧٣٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٨ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٨ أبواب ديات النفس ب ١٣ ح ٥.
(٦) الفقيه ٤ : ٩١ / ٢٩٨ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ / ٧٣٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٩ / ١٠١٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢١ أبواب ديات النفس ب ١٤ ح ٢.
كاملة » الخبر (١).
ومنها الضعيف : « دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة » وقال : « إنّ للمجوس كتاباً يقال له : جاماس (٢) » (٣).
وهي كما ترى قاصرة عن المقاومة للرواية الاولى من وجوه شتّى ، سيّما مع اختلافها ، ومخالفة بعضها بعضاً ، وموافقتها للعامّة العمياء ، كما حكاه عنهم خالي العلاّمة المجلسي رحمهالله ولأجله حملها على التقية ، فقال : والأظهر حمل ما زاد على ثمانمائة على التقية ؛ لموافقتها لمذاهب العامّة ؛ إذ ذهب جماعة منهم إلى أنّ ديته ثلث دية المسلم ( أربعة آلاف درهم ) (٤) ورووا ذلك عن عمر وعثمان ، وذهب إليه الشافعي ، ورووا أيضاً عن عمر رواية أُخرى ، وهي أنّ دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم (٥).
وهي مع ذلك شاذّة لا عامل بإطلاقها.
إذاً الأقوال في المسألة أربعة : منها : ما مرّ.
ومنها : ما عليه شيخ الطائفة في كتابي الحديث والنهاية (٦) : من التفصيل بين قتل الذمّي اتفاقاً فثمانمائة ، وقتله اعتياداً فما في الأخبار
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٩٢ / ٢٩٩ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ / ٧٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٩ / ١٠١٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢١ أبواب ديات النفس ب ١٤ ح ٣.
(٢) في نسخة من الفقيه : جاماسف ، وفي اخرى : جاماسب.
(٣) الفقيه ٤ : ٩١ / ٢٩٦ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ / ٧٣٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٩ / ١٠١٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٢ أبواب ديات النفس ب ١٤ ح ٤.
(٤) ما بين القوسين ليس في المصدر.
(٥) ملاذ الأخيار ١٦ : ٣٨٢.
(٦) الاستبصار ٤ : ٢٦٩ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ، النهاية : ٧٤٩.
الأخيرة باختلافها ، بحمله له على اختلاف نظر الحاكم ، قال : فإذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة ، وأربعة آلاف درهم اخرى ، بحسب ما يراه أصلح في الحال وأردع ، فأمّا من كان ذلك منه نادراً لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم ، حسب ما تضمنته الأخبار الأوّلة.
ونفى عنه البأس في المختلف (١) ، ومال إليه بعض من تأخّر (٢) ؛ لظهور وجه الجمع المزبور من الموثق : عن مسلم قتل ذمّيا؟ قال : فقال : « هذا شيء شديد لا يحتمله الناس ، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد ، وعن قتل الذمّي » ثم قال : « لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيين » الخبر (٣).
وفيه نظر ؛ لاشتراك الجمع المفتي به بالتكافؤ المفقود في المقام ؛ لكثرة الأخبار الأوّلة ، وصحتها ، وموافقتها الأصل ، واشتهارها بإطلاقها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع كما عرفته من الغنية (٤) ، ولا كذلك الأخبار الأخيرة حتى الموثقة المستشهد بها عليه ، فإنّها بطرف الضدّ لتلك في المرجّحات المزبورة.
ومنها : قولا الصدوق في الفقيه والإسكافي (٥) المفصِّلان تفصيلاً لا يوجد أثر لهما في الأخبار المزبورة ، كما لا أثر لتفصيل الشيخ فيها وإن
__________________
(١) المختلف : ٨١٨.
(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٩٦.
(٣) التهذيب ١٠ : ١٨٨ / ٧٣٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٠ / ١٠٢٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢١ أبواب ديات النفس ب ١٤ ح ١.
(٤) راجع ص ٣٥٩.
(٥) أحدهما في الفقيه ٤ : ٩١ ، والآخر حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨١٨.
أشعر به الموثق ، ولا شاهد لتفصيلهما أصلاً ، فإذاً قولهما أضعف الأقوال جدّاً ، فلا فائدة لذكرهما.
( ودية نسائهم ) الحرائر ( على النصف من ذلك ) أربعمائة درهم ، بلا خلاف أجده ، ولعلّ مستنده عموم الأدلّة المتقدمة بأنّ المرأة نصف الرجل في الدية.
قيل : ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته. وفي التغليظ بما يغلظ به المسلم نظر : من عموم الأخبار ، وكون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولعلّ الأوّل أقوى ، وكذا تتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف كالمسلم (١).
ولعلّ المستند في جميع ذلك نحو ما احتملنا كونه مستنداً في أصل المسألة ، مع دعوى الإجماع عليه في الغنية (٢).
( ولا دية لغيرهم ) أي غير الثلاثة ( من أهل الكفر ) مطلقاً ، حتى أنّ أهل الكتاب لو خرجوا عن الذمّة لم يكن لهم دية ، بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، مع عدم معلومية انصراف إطلاقات الدية إليهم ، وإشعار جملة من المستفيضة الواردة في دية أهل الذمّة باختصاص شرعيتها لأهل الكفر بهم خاصّة.
مضافاً إلى الموثق كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه : عن دماء المجوس واليهود والنصارى ، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين ، وأظهروا العداوة لهم؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون
__________________
(١) قاله الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٩١.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.
متعوّداً لقتلهم » الحديث (١) ، فتدبّر.
( وفي ) دية ( ولد الزنا ) المظهر للإسلام ( قولان ) بل أقوال ( أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين بل عليه عامّتهم ( أنّ ديته كدية الحرّ المسلم ) لعموم الأدلّة على إسلام من أظهره ، وجريان أحكامه عليه من غير قاطع على استثناء ولد الزناء ، مضافاً إلى إطلاق أخبار الديات ، وتصريح بعضها بالمسلم أو المؤمن الصادقين عليه بمجرّد إظهارهما ، كما مضى.
والقول الثاني للصدوق وعلم الهدى (٢) ، وهو أنّ ديته كدية أهل الكتاب ثمانمائة درهم ، كما في النصوص الصريحة المروية في آخر باب الزيادات من التهذيب (٣).
لكنها ما بين مرسلة ، وضعيفة بالجهالة ، مع عدم جابر لها بالمرّة سوى دعوى الإجماع في كلام الأخير ، وهي لندرة القائل ، بل عدمه إلاّ المدّعى وبعض من سبقه موهونة ، فهي ضعيفة ، كدعوى كفره التي استدل بها أيضاً مضافاً إلى الدعوى السابقة ؛ لمنعها ، كما هو ظاهر المتأخّرين ، وصرّح به في المختلف ، فقال : والأصل الذي بنى السيّد عليه من كفر ولد الزناء ممنوع (٤).
أقول : ولو صحّت هذه الدعوى لكان مقتضاها عدم الدية مطلقا ، كما عليه الحلّي (٥) مستدلاًّ بها ، هذا.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٠٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٩٢ / ٣٠١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٩ / ٧٤٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٧١ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٣ أبواب ديات النفس ب ١٦ ح ١.
(٢) المقنع : ١٨٥ ، الانتصار : ٢٧٣.
(٣) التهذيب ١٠ : ٣١٥.
(٤) المختلف : ٧٩٤.
(٥) السرائر ٣ : ٣٥٢.
وقول السيّد ليس بذلك البعيد ؛ للأصل ، مع عدم معلومية دخول نحو ولد الزناء في إطلاق أخبار الديات ، حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن والمسلم ؛ لإطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه ، من حيث عدم تبادره منه ، مع انسياقه سياق بيان مقدار الديات وغيره ممّا لا يتعلق بما نحن فيه ، فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به.
وكذا شمول ما دلّ على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع ، فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله ، وإنّما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمّي ؛ لفحوى ما دل على ثبوتها فيه ، مع شرفه بإسلامه الظاهري ، وليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي.
ويمكن أن يجعل ما ذكرناه جابراً للنصوص والإجماع المحكي ، مع تأيّد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلّي المتأخّر عن حاكيه ، وأمّا الشهرة فإنّما هي من زمن المحقّق ومن بعده.
وإلى الروايات مع الجواب منها أشار الماتن بقوله : ( وفي رواية ) أنّ ديته ( كدية الذمّي ، وهي ضعيفة ) بما مرّ ، إلاّ أن يجبره السيّد بما عرفته.
مضافاً إلى أنّ السند في بعضها (١) صحيح إلى جعفر بن بشير ، وهو ثقة ، والإرسال بعده لعلّه غير ضارٍّ ؛ لقول النجاشي : روى عن الثقات ورووا عنه (٢). قاله في مدحه ، ولا يكون ذلك إلاّ بتقدير عدم روايته عن الضعفاء ، وإلاّ فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدح كما لا يخفى ، هذا.
مع احتمال انجبارها أيضاً بنحو الأخبار الواردة في غسالة الحمّام (٣) ؛
__________________
(١) الفقيه ٤ : ١١٤ / ٣٨٩ ، التهذيب ١٠ : ٣١٥ / ١١٧٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٢ أبواب ديات النفس ب ١٥ ح ٢.
(٢) رجال النجاشي : ١١٩.
(٣) الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١.
المانعة عنها ، معلّلةً بأنّه يغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزناء ، حيث ساقته في سياق أهل الكتاب مشعرةً باتحادهم في الحكم والمماثلة ، فتأمّل ، هذا.
وفي الصحيح : كم دية ولد الزناء؟ قال : « يعطى الذي أنفق ما أنفق عليه » الحديث (١).
وهو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلّي وأنّها ما أنفق عليه ، وهو يشمل ما قصر عن دية الحرّ المسلم ، بل والذمّي أيضاً ، بل لعلّه ظاهر فيه ، إلاّ أنّ الأخير خارج بالإجماع ، كخروج ما زاد عنه به أيضاً ، فيتعيّن الثمانمائة جدّاً.
مع أنّ العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحرّ المسلم كالصريح ، بل لعلّه صريح في عدم لزومها ، فيضعّف به ما عليه المشهور جدّاً ، ويتعيّن قول السيّد ظاهراً ، فتأمل جدّاً.
( ودية العبد قيمته ) ما لم تتجاوز دية الحرّ ( ولو تجاوزت دية الحرّ ردّت إليه ) (٢) ودية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة.
والاعتبار بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً وإن كان مولاه ذمّيا على الأقوى ، وبدية الذمّي إن كان المملوك ذمّيا ولو كان مولاه مسلماً على الأقوى أيضاً ، وقد مضى الكلام في المسألة وما يتعلّق بها مستوفى في كتاب القصاص في الشرط الأوّل من شرائطه ، فلا وجه لإعادته.
( و ) هي كدية الأحرار ( تؤخذ من مال الجاني إن قتله ) أي العبد
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٩ ، التهذيب ٩ : ٣٤٣ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٤ : ١٨٣ / ٦٨٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٣ أبواب ديات النفس ب ١٥ ح ٤.
(٢) في المختصر المطبوع : إليها ، وهو الأنسب.
( عمداً أو شبيهاً به ، ومن عاقلته إن قتله خطأً ).
( ودية أعضائه ) وجراحاته تؤخذ ( بنسبة ) العضو إلى الكل من حيث ( قيمته ) على قياس نسبة أعضاء الحرّ إلى كلّه من حيث الدية ( فما ) أي أيّ عضو ( فيه ) أي في ذلك العضو حال كونه ( من الحرّ ) (١) ( ديته ) أي دية الحر ( فـ ) في ذلك العضو ( من العبد قيمته ، كاللسان والذكر ) واليدين والرجلين ، فلو جنى عليها من العبد كان فيها تمام قيمته ما لم يتجاوز دية الحرّ ، كما أنّه لو جنى عليها من الحرّ كان فيها كمال ديته.
( وما فيه ) أي أيّ عضو من الحرّ في الجناية عليه ( دون ذلك ) أي دون كمال الدية من نصفها أو ثلثها مثلاً ( فـ ) في الجناية عليه من العبد من قيمته ( بحسابه ) أي بحساب ما يؤخذ فيه من الدية في الحرّ ، فلو قطع إحدى يديه الصحيحة مثلاً يؤخذ من قيمته نصفها ، كما أنّه يؤخذ نصف دية الحرّ لو قطعت منه ، وفي حكم العبد بالنسبة إلى الحرّ الأمة بالنسبة إلى الحرّة.
وبالجملة : الحرّ أصل للعبد في المقدّر له ( و ) ينعكس في غيره ، فيكون ( العبد أصل الحرّ فيما لا تقدير فيه ) منه ، فيفرض الحرّ عبداً سليماً من الجناية وينظر كم قيمته حينئذٍ ، ويفرض عبداً فيه تلك الجناية وينظر كم قيمته ، وينسب إحدى القيمتين إلى الأُخرى ، ويؤخذ له من الدية بتلك النسبة.
والوجه في جميع ذلك واضح ، مع عدم خلاف فيه أجده ، وفي المسالك أنّه كالمتفق عليه (٢) ، ويشهد له النصوص المستفيضة ، منها زيادةً
__________________
(١) في النسخ زيادة : مِن.
(٢) المسالك ٢ : ٤٦٤.
على الموثقة الآتية القوي : « جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن » (١).
ومنها : « إذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته » (٢).
ومنها : في رجل شجّ عبداً موضحة ، قال : « عليه نصف عشر قيمته » (٣).
( ولو جنى جان على العبد ) وفي معناه الأمة ( بما فيه قيمته فليس للمولى المطالبة ) بها ( حتى يدفع العبد برمّته ) أي بتمامه إلى الجاني أو عاقلته إن قلنا بأنّها تعقله ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (٤) ، وبه صريح الموثّقة : « قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنّه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد ، ويأخذ العبد » (٥).
وفيهما الحجة ، دون ما علّل به من استلزام جواز المطالبة مع عدم دفعه الجمع بين العوض والمعوّض عنه ؛ لاندفاعه بأنّ القيمة عوض الجزء الفائت لا الباقي ، ولذا قيل بجوازها معه فيما لو كان الجاني على العبد
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٣ ، التهذيب ١٠ : ١٩٣ / ٧٦٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٨ ح ٢.
(٢) التهذيب ١٠ : ١٩٦ / ٧٧٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٨ ح ٤.
(٣) الكافي ٧ : ٣٠٦ / ١٣ ، الفقيه ٤ : ٩٤ / ٣١٠ ، التهذيب ١٠ : ١٩٣ / ٧٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٨ ح ١.
(٤) منهم الطوسي في الخلاف ٥ : ٢٦٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٩٨ ، والمحقّق الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٤٦.
(٥) التهذيب ١٠ : ١٩٤ / ٧٦٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٨ ح ٣.
غاصباً له (١) ، وإنّما قيل بعدم الجواز في غيره للنص والوفاق.
أقول : لا اختصاص لهما بغير الغاصب ، بل يشملانه إطلاقاً ، بل عموماً في الأوّل من حيث ترك الاستفصال فيه المفيد له على الأقوى ، فتأمّل جدّاً.
( ولو كانت الجناية ) على المملوك ( بما دون ذلك ) أي بما لا يبلغ قيمته ( أخذ ) المولى ( أرش الجناية ) بنسبته من القيمة ( وليس له ) أي للمولى ( دفعه ) أي العبد إلى الجاني ( والمطالبة بالقيمة ) أي بتمام قيمة العبد إلاّ برضاء الجاني ، بل يمسكه ويطلبه بدية الفائت مع التقدير ، أو أرشه مع عدمه في الحرّ ، فإنّه حقّه ، دون الدفع والمطالبة بتمام القيمة ؛ لأنّ ذلك معاوضة لا تثبت إلاّ بالتراضي.
قيل : وللعامّة قول بأنّ له ذلك (٢).
( ولا يضمن المولى جناية العبد ) مطلقاً ، و ( لكن يتعلّق برقبته ، وللمولى ) الخيار بين دفعه أو ( فكّه بأرش الجناية ) أو بأقلّ الأمرين منه ومن القيمة ، على الخلاف المتقدم في القصاص في البحث المتقدم إليه قريباً الإشارة.
( و ) مضى ثمة أيضاً الكلام في أنّه ( لا تخيّر لوليّ ) (٣) ( المجني عليه ) بل للمولى إذا كانت الجناية خطأً ، وينعكس إذا كانت عمداً.
( و ) أنّه ( لو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخيّر المولى ) أيضاً ( في دفع الأرش أو تسليمه ليستوفي المجني عليه ) منه ( قدر الجناية
__________________
(١) انظر الروضة ١٠ : ١٩٨ ، والمفاتيح ٢ : ١٤٦.
(٢) قال به في كشف اللثام ٢ : ٤٩٧.
(٣) في « ح » والمختصر المطبوع : لمولى.
استرقاقاً أو بيعاً ) ويكون المولى معه فيما يفضل شريكاً.
( و ) أنّه ( يستوي في ) جميع ( ذلك الرقّ المحض والمدبّر ) مطلقاً ( ذكراً كان أو أُنثى ، أو أُمّ ولد على التردّد ) في الأخير لم يسبق ذكره فيما مضى ، ينشأ : من عموم الأدلّة على أنّ المولى لا يعقل مملوكه ، ومن أنّ المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها فأشبه ما لو أعتق الجاني عمداً.
مضافاً إلى النص : « أُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها ، وما كان من حقوق الله عزّ وجلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها » الحديث (١).
وهذا خيرة الشيخ في ديات المبسوط ، نافياً الخلاف فيه إلاّ عن أبي ثور ، قال : فإنّه قال : أرش جنايتها في ذمّتها يتبع به بعد العتق (٢) ، وتبعه القاضي (٣).
والأوّل مذهبه في استيلاد المبسوط والخلاف (٤) ، مدّعياً عليه إجماع الفرقة وأخبارهم على أنّها مملوكة يجوز بيعها ، وتبعه الحلّي وأكثر المتأخّرين ، كالفاضلين في الشرائع والتحرير والقواعد ، وفخر الدين في شرحه ، والشهيدين في ظاهر المسالك وصريح اللمعة (٥) ، ونسبه في شرحها إلى المشهور. ولعلّه أقوى.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٠٦ / ١٧ ، التهذيب ١٠ : ١٩٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٣ أبواب القصاص في النفس ب ٤٣ ح ١.
(٢) المبسوط ٧ : ١٦٠.
(٣) المهذّب ٢ : ٤٨٨.
(٤) المبسوط ٦ : ١٨٧ ، الخلاف ٥ : ٢٧٢.
(٥) السرائر ٣ : ٢٢ ، الشرائع ٤ : ٢٤٨ ، التحرير ٢ : ٢٦٩ ، القواعد ٢ : ٣٢٣ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٦٨٥ ، المسالك ٢ : ١٦١ ، اللمعة ( الروضية البهية ٦ ) : ٣٧٢.
ويمنع عن كون الاستيلاد مانعاً من البيع هنا ؛ لأنّ حق الجناية من الاستيلاد أقوى.
والنصّ قاصر سنداً بالجهالة ، وإن روى عن موجبها الحسن بن محبوب الذي قد أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة ؛ لعدم بلوغه بذلك درجة الصحة فضلاً أن يعارض به الأدلّة المعتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكية.
ونفي الخلاف موهون بنقل النافي له الإجماع على الخلاف ، مع نفي الحلّي الخلاف عنه أيضاً (١) ، بل ظاهره إجماعنا عليه كما في الخلاف ، وأنّ خلافه مذهب أهل الخلاف ، وعليه يتعيّن حمل الرواية على التقية.
__________________
(١) السرائر ٣ : ٢٢.
( النظر الثاني )
( في ) بيان ( موجبات الضمان ) للدية مطلقاً
( والبحث ) فيه ( إمّا في المباشرة ، أو التسبيب ، أو تزاحم الموجبات ).
أمّا المباشرة : ( فضابطها الإتلاف لا مع القصد ) إليه وإن قصد الفعل الموجب له ، كمن رمى غرضاً فأصاب إنساناً ، أو ضربه للتأديب فمات مثلاً.
وحيث قد عرفت ذلك ( فـ ) اعلم أنّ ( الطبيب يضمن في ماله من ) بل مطلق ما ( يتلف بعلاجه ) ولو طرفاً ؛ لحصول التلف المستند إلى فعله ، ولا يطلّ دم امرئ مسلم ؛ ولأنّه قاصد إلى الفعل مخطئ في القصد ، فكان فعله شبيه عمد وإن احتاط واجتهد وأذن المريض أو وليّه ، وكان حاذقاً ماهراً في فنّه علماً وعملاً ؛ لأنّ ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا ، لتحقق الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى وإن اختلف الضامن.
وهذا الحكم ممّا لم أجد خلافاً فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصراً في المعرفة ، أو عالج من غير إذن من يعتبر إذنه ، وبنفي الخلاف هنا صرّح المقدّس الأردبيلي (١) رحمهالله وفي التنقيح عليه الإجماع (٢).
وأمّا إطلاقه حتى في ما لو كان عارفاً وعالج مأذوناً فلا خلاف فيه
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٤ : ٢٢٧.
(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٤٦٩.
أجده أيضاً ، إلاّ من الحلّي (١) ، حيث قال هنا بعدم الضمان ؛ للأصل ؛ ولسقوطه بإذنه ؛ ولأنّه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضمان.
وهو مع شذوذه ، بل ودعوى الإجماع على خلافه في كلام جماعة ، كابن زهرة والماتن في نكت النهاية والشهيد في نكته كما حكاه عنه في الروضة (٢) مضعّف بأنّ أصالة البراءة ينقطع بدليل شغل الذمّة ، وهو ما قد عرفته ، والإذن إنّما هو في العلاج لا في الإتلاف ، ولا منافاة بين الجواز والضمان كالضارب للتأديب ، هذا.
ويعضد المختار المعتبران الآتيان في إفادة البراءة سقوط الضمان ، وتضمين الأمير عليهالسلام قاطع حشفة الغلام.
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل ، مع نفي الحلّي بنفسه الخلاف عن صحة الأخير ، لكن وجّهه بأنّ المراد أنّه فرّط فقطع غير ما أُريد منه ، فإنّ الحشفة غير محل الختان.
ولا جواب لهذا التوجيه إلاّ من حيث الحكم بتعيّنه ؛ إذ لا دليل في الخبر عليه ، مع احتماله الحمل على غير صورة التفريط ، كاحتماله الحمل على صورته.
والأولى في الجواب عنه الاكتفاء بهذا الاحتمال ، فإنّه بمجرّده كافٍ في ردّ دلالة الرواية على الحكم في المسألة ؛ لكونها قضية في واقعة.
( ولو أبرأه المريض ) المعالج ( أو الوليّ ) له من الجناية قبل
__________________
(١) السرائر ٣ : ٣٧٣.
(٢) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ، نكت النهاية ٣ : ٤٢١ ، الروضة ١٠ : ١١٠ ، وهو في غاية المراد ٤ : ٤٤٨.
وقوعها ( فالوجه الصحة ) وفاقاً للشيخ وأتباعه والحلبي (١) ، بل المشهور كما في المسالك وغيره (٢) ( لإمساس ) (٣) ( الضرورة ) والحاجة ( إلى ) مثل ذلك ؛ إذ لا غنى عن ( العلاج ) وإذا عرف الطبيب أنّه لا مخلص له عن الضمان توقّف عن العمل مع الضرورة إليه ، فوجب في الحكمة شرع الإبراء ؛ دفعاً للضرورة.
( ويؤيده رواية ) النوفلي عن ( السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام ) قال : « قال أمير عليهالسلام : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه ، وإلاّ فهو ضامن » (٤) وإنّما ذكر الولّي لأنّه هو المطالب على تقدير التلف ، فلمّا شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولّى المطالبة.
( وقيل ) والقائل الحلّي (٥) : إنّه ( لا يصح ؛ لأنّه إبراء ممّا لم يجب ) وأيّده شيخنا الشهيد الثاني (٦) مجيباً عن الأدلّة السابقة ، قال : فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجرّدها مع قيام الأدلّة على خلافه ، والخبر سكوني ، مع أنّ البراءة حقيقة لا تكون إلاّ بعد ثبوت الحق ؛ لأنّها إسقاط ما في الذمّة من الحق ، وينبّه عليه أيضاً أخذها من الوليّ ؛ إذ لا حقّ له قبل الجناية ، وقد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدّت إلى الأذى (٧) ، انتهى.
__________________
(١) الشيخ في النهاية : ٧٦٢ ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٤٩٩ ، والحلبي في الكافي : ٤٠٢.
(٢) المسالك ٢ : ٤٩٠ ، وانظر المفاتيح ٢ : ١١٧.
(٣) كذا ، ولعلّ الأنسب : لمسيس ، أو : لمساس ..
(٤) الكافي ٧ : ٣٦٤ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٤ / ٩٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٠ أبواب موجبات الضمان ب ٢٤ ح ١.
(٥) السرائر ٣ : ٣٧٣.
(٦) في « ن » و « ح » زيادة : في كتابيه.
(٧) المسالك ٢ : ٤٩٠.
وما ذكره من الجواب عن الحاجة لم أفهمه ، وعن الرواية بالضعف فمجبور على تقديره بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلامه ، نعم دلالتها ضعيفة بما ذكره ، ولعلّه لذا جعلها الماتن مؤيّدة لا حجة.
لكن أجاب عنه بعض الأجلّة فقال : لأنّك تعرف أنّ معنى « تطبّب » أنّه أراد فعله لا أنّه فعله ، وهو ظاهر ، وقد مرّ وجه إسناده إلى الوليّ وأنّه تنبيه على صحة إبراء المريض إذا كان الحق له بالطريق الأولى ، وأنّه لا يحتاج حينئذٍ إلى الأمر به ، وهو ظاهر (١) ، انتهى.
وهذا الجواب وإن كان بعيداً لغة ، إلاّ أنّه لعلّه يساعده العرف وفهم الفقهاء ، حيث فهموا من الرواية هذا ، لا ما ذكره شيخنا وتفرّد به في الجواب عنها.
وبالجملة : المسألة محل تردّد كما هو ظاهر الفاضلين ـ رحمهما الله ـ في الشرائع والإرشاد والقواعد وغيرهما (٢).
لكن مقتضى الأصل مع عدم معلومية شمول ما دلّ على الضمان بالجناية شبيه العمد لها بعد الإذن والإبراء عدم الضمان ، وإلى هذا الوجه أشار المولى الأردبيلي رحمهالله فقال : وما ثبت شرعاً أنّ كل إتلاف موجب للضمان (٣) ، هذا.
مضافاً إلى مسيس الحاجة ، والجواب عنه في كلام شيخنا قد عرفتَ أنه ما عرفتُه.
__________________
(١) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٣١.
(٢) الشرائع ٤ : ٢٤٩ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٢ ، القواعد ٢ : ٢١٣ ، المهذّب البارع ٥ : ٢٦٢.
(٣) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٢٩.
وأيّده المقدّس الأردبيلي رحمهالله بـ « المؤمنون عند شروطهم » قال : ومرجع الإبراء عدم المؤاخذة ، وعدم ثبوت حق لو حصل الموجب ، ولا استبعاد في لزوم الوفاء بمعنى عدم ثبوت حق حينئذٍ ، أو أنّه يثبت ويسقط ، فلا يكون إسقاطاً لما ليس بثابت ، فتأمّل.
( وكذا البحث في البيطار ) في المسألتين ، فإنّه طبيب أيضاً لكن في الحيوان.
( والنائم إذا انقلب على إنسان أو فحص برجله ) أو يده ، أي قلبهما ( فقتلـ ) ـه أو جرحه ( ضمن ) الدية ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في التنقيح وغيره (١).
وهل هي ( في ماله ) أم ( على ) عاقلته؟ ( تردّد ) واختلاف ، فبين قائلٍ بالأوّل ، كالشيخين في النهاية والمقنعة وغيرهما من القدماء (٢) ، ومختارٍ للثاني ، كأكثر المتأخّرين ، بل عامّتهم.
وهو الأظهر ؛ لأنّه مخطئ في فعله وقصده ، فيكون خطأً محضاً وديته على العاقلة اتفاقاً ، كما مضى ؛ مضافاً إلى التأيّد بالنصوص الآتية ، وإن خالفت الأُصول في صورة واحدة لا دخل لها بمفروض المسألة.
مع أنّا لم نجد للقول الأوّل دليلاً عدا ما يستفاد من الشيخ من دعوى كونه شبيه عمد ، وفيه ما عرفته.
نعم يظهر من الحلّي رحمهالله أنّ به رواية ، حيث قال : والذي يقتضيه أُصول مذهبنا أنّ الدية في جميع هذا يعني هذا ومسألة الظئر الآتية على العاقلة ؛ لأنّ النائم غير عامد في فعله ، ولا عامد في قصده ، وهذا حدّ قتل
__________________
(١) التنقيح الرائع ٤ : ٤٧١ ، غاية المرام ٤ : ٤٢٥.
(٢) النهاية : ٧٥٨ ، المقنعة : ٧٤٧ ، وانظر المراسم : ٢٤١ ، الجامع للشرائع : ٥٨٣.
الخطأ المحض ، ولا خلاف أنّ دية قتل الخطأ المحض على العاقلة ، وإنّما هذه أخبار آحاد لا يرجع بها على الأدلّة ، والذي ينبغي تحصيله في هذا أنّ الدية على النائم نفسه ؛ لأنّ أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس ، وذلك لا يحمله العاقلة بلا خلاف (١) ، انتهى.
ولم نقف على هذه الرواية ، ولا أشار إليها أحد غيره ، فمثلها مرسلة لا تصلح للحجية ، فضلاً أن يخصّص بها الأُصول القطعية المعتضدة بالشهرة العظيمة ، لكنّها فيما إذا لم يكن النائم ظئراً.
( أمّا ) لو كان هو ( الظئر فـ ) للأصحاب فيه أقوال ثلاثة :
أحدها : التفصيل ، وهو أنّها ( إن طلبت المظائرة للفخر ) والعزّة ( ضمنت الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات ، وإن كانت ) طلبتها ( للفقر ) والحاجة ( فالدية على العاقلة ) اختاره الماتن هنا وفي الشرائع والنكت ، والفاضل في الإرشاد ، تبعاً للشيخ وابن حمزة (٢) ، وبه نصوص صريحة ، لكن في سندها ضعف وجهالة ، وفي متنها مخالفة للأُصول المتقدمة ؛ ولذا اختار الأكثر خلافها ، وإن اختلفوا في محل الدية.
فبين من جعله مالها مطلقاً ، كالمفيد والديلمي والحلّي كما عرفته وابن زهرة (٣) ، مدّعياً عليه إجماع الإمامية.
ومن جعله العاقلة ، كالفاضل في التحرير والقواعد والمختلف ، وشيخنا في المسالك (٤) ، وحكاه عن أكثر المتأخّرين.
__________________
(١) السرائر ٣ : ٣٦٥.
(٢) الشرائع ٤ : ٢٥٢ ، نكت النهاية ٣ : ٤١١ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٣ ، النهاية : ٧٥٧ ، الوسيلة : ٤٥٤.
(٣) المقنعة : ٧٤٧ ، المراسم : ٢٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.
(٤) التحرير ٢ : ٢٦٢ ، القواعد ٢ : ٣١٣ ، المختلف : ٧٩٩ ، المسالك ٢ : ٤٩٣.
ولعلّه الأظهر ؛ للأُصول المتقدّمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة ؛ لوهن إجماع ابن زهرة في نحو المسألة بلا شبهة ، وقصور النصوص بما عرفته.
لكن عن الماتن في نكت النهاية أنّه قال : لا بأس بالعمل بها ؛ لاشتهارها ، وانتشارها بين الفضلاء من علمائنا ، ويمكن الفرق بين الظئر وغيرها بأنّ الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف ، فيضمن لا مع الضرورة (١) ، انتهى.
ولو صحّت هذه الشهرة كانت جابرة ، لكنّها كدعوى الإجماع موهونة ، فلا يجسر بهما على الخروج عن الأُصول المتقدمة ، مع أنّ دعواها معارضة بدعوى شيخنا في المسالك الأكثرية بين المتأخّرين كما عرفته.
( ولو أعنف ) الرجل ( بزوجته جماعاً ) قبلاً أو دبراً ( أو ضمّاً فماتت ضمن الدية ) (٢) في ماله إن لم يتعمّد القتل أو ما يؤدّي إليه غالباً ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة المتأخّرين ؛ لأنّه قتل شبيه العمد ؛ لقصده الفعل وخطائه في القصد.
وللنصوص ، منها الصحيح : عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه؟ قال : « الدية كاملة ، ولا يقتل الرجل » (٣).
وعن الماتن أنّه قال : لا يقال : فعله سائغ فلا يترتب عليه ضمان ؛ لأنّا نمنع ولا نجيز له العنف ، قال : أمّا لو كان بينهما تهمة وادّعى ورثة الميت
__________________
(١) نكت النهاية ٣ : ٤١١.
(٢) في المختصر المطبوع ونسخة في « ح » زيادة : وكذا الزوجة.
(٣) الفقيه ٤ : ٨٢ / ٢٥٩ ، التهذيب ١٠ : ٢١٠ / ٨٢٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٩ أبواب موجبات الضمان ب ٣١ ح ١.