السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥
( النظر الثاني )
( في المهور )
( وفيه أطراف ) :
( الأول ) : فيما يصحّ الإمهار به.
فنقول : ( كلّ ما ) صحّ أن ( يملكه المسلم ) وإن قلّ بعد أن يكون متموّلاً جاز أن ( يكون مهراً ، عيناً ) مشخّصاً ( كان ، أو ديناً ) في الذمّة ( أو منفعة ) منفعة العقار ، أو الحيوان ، أو العبيد ، أو الأجير ، أجنبيّا كان أو زوجاً ، بلا خلاف ، إلاّ فيما يأتي ( كتعليم الصنعة والسورة ) أو علم غير واجب ، أو شيء من الحكم والآداب ، أو شعر ، أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة.
( ويستوي فيه ) أي التعليم ( الزوج والأجنبي ) بلا خلاف في الأخير مطلقاً ، وفي الأول إذا لم يكن مراداً منه بنفسه مقدّراً بمدّة معيّنة ، بل علّق بذمّته ، أعمّ من أن يأتيه بنفسه أو بغيره ، فيصحّ هنا قطعاً ووفاقاً ، وقد
حكاه جماعة (١).
( أمّا لو جعلت ) الزوجة ( المهر استئجار ) الزوج لأن يعلّم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليّها ( مدّة ) معيّنة ، كشهر أو شهرين أو سنة ( فـ ) في الصحّة ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما : الصحّة و ( الجواز ) للأصل ، وعموم الآية : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ ) (٢) ، والمعتبرة المستفيضة ب : أنّ المهر ما تراضيا عليه ، منها الصحاح : « الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير » (٣).
خلافاً للنهاية ، فأبطله (٤) ؛ للصحيح : عن الرجل يتزوّج المرأة وشرط لأبيها إجارة شهرين ، فقال : « إنّ موسى عليهالسلام علم أنّه سيتمّ له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم بأنّه سيبقى حتى يفي؟! وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتزوّج المرأة على السورة ، وعلى الدرهم ، وعلى القبضة من الحنطة » (٥).
وليس نصّاً في البطلان ، فيحتمل الكراهة ، مع عدم مكافأته لما مرّ ، وأداء العمل به إلى فساد الإصداق بنحو تعليم سورة أو إجارة غيره ؛ للاشتراك في العلّة المنصوصة فيه ، مع أنّه تضمّن جواز جعل الأول مهراً ، مع الإجماع عليه ، ودلالة المعتبرة عليه
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٤ ، نهاية المرام ١ : ٣٦٢ ، انظر جامع المقاصد ١٣ : ٣٣٤ ، الشرائع ٢ : ٢٧٢.
(٢) النساء : ٢٤.
(٣) الوسائل ٢١ : ٢٣٩ أبواب المهور ب ١.
(٤) النهاية : ٤٦٩.
(٥) الكافي ٥ : ٤١٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٠ أبواب المهور ب ٢٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
كالصحيح المتضمّن لتزويج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم امرأة من رجل على أن يعلّمها ما يحسن من القرآن (١).
ونحوه المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده ـ : عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب الله عزّ وجلّ ، فقال : « لا أُحبّ أن يدخل بها حتى يعلّمها السورة » (٢).
وبالجملة : فمثل هذه الرواية كيف يعارض ما مرّ من الأدلّة؟! مع اعتضادها بالأصل ، وعموم الآية الكريمة ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، فقد رجع عنه الشيخ في المبسوط والخلاف مدّعياً فيه على جواز جعل الإجارة مهراً على الإطلاق الوفاق (٣).
( ولا تقدير للمهر في القلّة ) ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حنطة بإجماع الطائفة ، وعموم الآية ، والمعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، وخصوص الرواية السابقة المنبئة عن تزويج المرأة في زمنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقبضة من الحنطة.
( ولا في الكثرة على الأشبه ، بل يتقدّر بالتراضي ) بينهما ، وهو الأشهر بين الطائفة ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، وربما أشعر بحكايته عبارة العلاّمة (٤) ، وحكي صريحاً عن بعض الأجلّة (٥).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥٤ / ١٤٤٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٢ أبواب المهور ب ٢ ح ١.
(٢) الكافي ٥ : ٣٨٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٦٧ / ١٤٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٥٤ أبواب المهور ب ٧ ح ٢.
(٣) المبسوط ٤ : ٢٧٣ ، الخلاف ٤ : ٣٦٦.
(٤) في المختلف (٥٤١). منه رحمهالله.
(٥) انظر التنقيح الرائع ٣ : ٢٠٨ ٢٠٩.
للأصل ، وما مضى من الأدلّة ، وخصوص الآية الشريفة : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) (١) ، وهو المال العظيم ، وفي القاموس : القِنطار بالكسر : وزن أربعين أُوقيّة من ذهب أو فضة ، أو ألف [ ومائتا ] دينار ، أو ألف ومائتا أُوقيّة ، أو سبعون ألف دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مائة رطل من ذهب أو فضّة ، أو ملء مسْك ثور ذهباً أو فضّة (٢).
والصحيح : « لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ولأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزاً ، والذي جعله لأبيها فاسداً » (٣).
وحكى الشيخ في المبسوط : أنّ الحسن بن عليّ عليهماالسلام أصدق امرأة مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم ، وأن عمر أصدق بنت أمير المؤمنين عليهالسلام أربعين ألف درهم ، وذكر أنّ جماعة من الصحابة والتابعين أصدقوا نحو ذلك (٤).
ومنع المرتضى رضياللهعنه الزيادة على مهر السنّة (٥) ، وهو خمسمائة درهم كما في النصوص المستفيضة (٦) ؛ محتجّاً بإجماع الفرقة ، وبه رواية ضعيفة لا تصلح للحجّية (٧) ، سيّما في مقابلة ما مضى من الأدلّة. والإجماع بمصير الأكثر بل الجميع إلى الخلاف موهون ، ومع ذلك معارض بمثله ،
__________________
(١) النساء : ٢٠.
(٢) القاموس ٢ : ١٢٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(٣) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٣ أبواب المهور ب ٩ ح ١.
(٤) المبسوط ٤ : ٢٧٢.
(٥) الانتصار : ١٢٤.
(٦) الوسائل ٢١ : ٢٤٤ أبواب المهور ب ٤.
(٧) التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٦١ أبواب المهور ب ٨ ح ١٤.
بل وأقوى كما لا يخفى ، وجميع التفاسير للقنطار ترد عليه ، والخبر الصحيح حجّة بيّنة ، مضافاً إلى عموم الآيات والمعتبرة المستفيضة. ودفعه على أصله (١) من عدم صيغة تخصّه كما في المسالك (٢) غريب ؛ لاختصاصه كما صرّح به بما عدا الشرع ، وإلاّ فقد صرّح بخلافه ووجود صيغة تخصّه فيه (٣).
وبالجملة : فهو ضعيف جدّاً.
نعم ، يستحبّ الاقتصار عليه ؛ لذلك ، ولإصداق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم به لأزواجه جُمع (٤).
ولو احتيط مع إرادة الزيادة بجعل الصداق السنّة وما زاد نحلة كان حسناً ؛ تأسّياً بمولانا الجواد عليهالسلام ، حيث فعل ذلك بابنة المأمون ، قال : « وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأزواجه ، وهو اثنتا عشرة أُوقيّة ونَشّ ، على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مائة ألف » (٥).
( ولا بُدّ من تعيينه ) إذا ذُكِر من متن العقد ؛ ليخرج عن الجهالة الموجبة للغرر والضرر المنهيّ عنهما في الشريعة.
ويتحقّق ( بالوصف ) المعيِّن له ولو في الجملة ، ولا يعتبر فيه استقصاء الأوصاف المعتبرة في السَّلم.
( أو بالإشارة ) ك : هذا الثوب ، وهذه الدابّة ، مثلاً.
__________________
(١) أي المرتضى. منه رحمهالله.
(٢) المسالك ١ : ٥٣٥.
(٣) الذريعة إلى أُصول الشريعة ١ : ٢٣٩.
(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٢٤٤ أبواب المهور ب ٤.
(٥) مكارم الأخلاق : ٢٠٥ ، البحار ١٠٠ : ٢٧١ / ٢٢ ، المستدرك ١٥ : ٦٣ أبواب المهور ب ٤ ح ٤ ، بتفاوت يسير.
( وتكفي ) فيه ( المشاهدة عن ) اعتبار ( كيله أو وزنه ) أو عدّه ، كقطعة من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها ، وقبّة من طعام لا يعلم كيلها ؛ لارتفاع معظم الغرر بذلك ، واغتفار الباقي في النكاح ؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه ، كما قطع به الأصحاب. وعضده الأصل ، وعموم الكتاب والسنّة المتقدّمة ، سيّما الصحيح المتقدّم ، المتضمّن لتزويجه صلىاللهعليهوآلهوسلم المرأة من الرجل بما يحسن من القرآن مع جهالته قطعاً (١) ، والمتضمّن لإمهار النسوة في زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقبضة من حنطة مع جهالتها (٢) ؛ مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة بالاكتفاء بمثلها في عقد المتعة (٣) مع اشتراطه في صحّته إجماعاً ، فالاكتفاء بها هنا أولى ؛ لعدم الاشتراط فيه قطعاً ، فتأمّل جدّاً.
ويشكل الحكم لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول ليرجع بنصفه.
وفي الرجوع إلى الصلح مطلقاً ، أو تضمينه مهر المثل في الأول ، قولان.
الأشهر الأظهر : الأول.
وضُعِّف الثاني بأنّ ضمان المهر عندنا ضمان يد ، لا ضمان معاوضة ، ومن ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة. نعم ، هو مذهب بعض العامّة (٤).
ويدفعه أيضاً أصالة البراءة لو علم زيادته عن المسمّى ،
__________________
(١ و ٢) راجع ص ٦.
(٣) انظر الوسائل ٢١ : أبواب المتعة ب ٢١ ح ٢ ، ٥.
(٤) انظر المسالك ١ : ٥٣٦ ، نهاية المرام ١ : ٣٦٧.
والاستصحاب لو علم نقصه عنه ، فتأمّل.
( و ) حيث قد عرفت اشتراط صحّة المهر بالتعيين ولو في الجملة ، تعيّن فساده مع عدمه بالمرّة والرجوع إلى مهر المثل ، بلا خلاف فيه كما حكي (١) ، ومقتضاه اطّراد الحكم فيما ( لو تزوّجها على خادم و ) الحال أنّه ( لم يعيّن ) أصلاً ، وعليه فتوى جماعة من المتأخّرين (٢).
عملاً بالأصل. ولا دليل على كلّيته سوى الإجماع وليس في محلّ النزاع والنهي عن الغرر المخصَّص في المقام بالإجماع ، وبالدليل الذي مرّ ، ومقتضاه الاكتفاء بما تراضيا عليه كائناً ما كان ، خرج عنه ما لم يعيَّن أصلاً بالاتّفاق ، وبقي الباقي.
واستضعافاً لأدلّة الخلاف. وسيأتي الجواب عنه.
والأصحّ وفاقاً لأكثر القدماء ، كالمبسوط والخلاف والغنية والمهذّب والجامع (٣) ، وبعض من تأخّر ، كالعلاّمة في الإرشاد (٤) ما اختاره الماتن هنا بقوله :
( فلها الوسط ، وكذا لو قال : دار ، أو : بيت ) للأصل ، وضعف دليل الخلاف ، وخصوص المعتبرة :
منها الخبر المعتبر بوجود ابن أبي عمير في سنده ، فلا يضرّه ضعف
__________________
(١) المسالك ١ : ٥٣٦ ، وقد حكاه عنه في الحدائق ٢٤ : ٤٣٨.
(٢) كفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٩٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٦٨.
(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٠ ، الخلاف ٤ : ١٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، المهذب ٢ : ٢٠٦ ، الجامع للشرائع : ٤٤١.
(٤) الإرشاد ٢ : ١٥.
راويه ـ : رجل تزوّج امرأة على خادم ، قال : فقال لي : « وسط من الخدم » ، قال : قلت : على بيت؟ قال : « وسط من البيوت » (١) ، ونحوه خبر آخر (٢).
والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح في الدار خاصّة (٣).
وهي مع اعتبار سند أكثرها معتضدة بالشهرة القديمة المدّعى عليها الإجماع كما عن الخلاف (٤) ، المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة ، فلا وجه للقدح فيها من حيث السند.
كما لا وجه له فيها من حيث المتن باعتبار جهالة الوسط من حيث تعدّد أفراده ؛ بناءً على ما عرفت من المنع عن إطلاق ضررها ، مع استفاضة النصوص المعاضدة بعموم الكتاب بعدمه ؛ مع أنّ هذه الجهالة قريبة من الجهالة بمقدار الصبرة المشاهدة ، بل نحوها ، مع اتّفاقهم على عدم ضررها.
والأحوط المصير إلى ما ذكروه إن لم يُعقَد بمثل ذلك بأن يعيّن القيمة ، والرجوع إلى الصلح معه إن لم يحصل التراضي إلاّ به.
( ولو قال : ) أتزوّجك ( على السنّة ) مكتفياً به ( كان ) المهر ( خمسمائة درهم ) قطعاً لو قصداها عالمين بها ، ومطلقاً على الأشهر الأظهر.
للخبر المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده ، فلا يضرّ جهالة راويه ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٨١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٣ أبواب المهور ب ٢٥ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
(٢) الكافي ٥ : ٣٨١ / ٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٣ أبواب المهور ب ٢٥ ح ١.
(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٥ / ١٥٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٨٤ أبواب المهور ب ٢٥ ح ٣.
(٤) الخلاف ٤ : ٣٧١.
إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كما في الروضة (١) وعن غيره من الأجلّة (٢) ، وفيه : قلت له : رجل يتزوّج امرأة ولم يسمّ لها مهراً ، وكان في الكلام : أتزوّجك على كتاب الله وسنّه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها ، فمالها من المهر؟ قال : « مهر السنّة » قال : قلت : يقولون أهلها : مهور نسائها؟ قال : فقال : « هو مهر السنّة » وكلّما قلت له شيئاً ، قال : « مهر السنّة » (٣).
وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه ، أو مع علمهما وعدم قصدهما إيّاه ، وبقبوله الغرر في الجملة كما تقرّر ومرّ ، فلا وجه لتوقّف بعض من تأخّر (٤).
ثم مقتضى الحكم والمستند : ثبوت المهر بالعقد ، كالمعيّن بالذكر فيه لا بالدخول كمهر السنّة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه ؛ ويدلّ عليه إثباته بالموت قبل الدخول ، كما يظهر من الرواية.
( ولو ) تزوّجها و ( سمّى لها مهراً ) معيّناً ( ولأبيها ) أو غيره واسطة أو أجنبيّ ( شيئاً ) خارجاً عنه ، بحيث يكون المجموع في مقابلة البضع ، لا عطيّة في البعض أو جعالة فيه ؛ للّزوم في الثاني دون الأول قطعاً فيهما ، ويعتبر فيه أيضاً الذكر بالتسمية خاصّة لا الاشتراط ، وحينئذٍ لزم مهرها و ( سقط ما سمّى له ) إجماعاً كما عن الخلاف في الأول (٥) ، والغنية
__________________
(١) الروضة ٤ : ٣٤٦.
(٢) انظر الحدائق ٢٤ : ٤٤٢ ، وهو في جامع المقاصد ١٣ : ٣٤٤.
(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٣ / ١٤٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ١.
(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٦ ، ٥٤٢.
(٥) الخلاف ٤ : ٣٨٧ ٣٨٨.
في الثاني (١).
وللصحيح : « لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ، وجعل لأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزاً ، والذي جعله لأبيها فاسداً » (٢).
ويعضد السقوط : أنّ الساقط ليس من أركان النكاح ولا من العوض المعتبر فيه ، فكان لغواً لا دليل على لزومه ، سوى ذكره في العقد ، وهو غير صالح له.
ونسبة الخلاف إلى الإسكافي هنا (٣) بناءً على حكمه بالاحتياط بالوفاء بالمجعول للمجعول له ليس في محلّه ؛ لظهور الاحتياط في الاستحباب ، مع احتمال إرادته الجعالة بالمعنى المعروف ، وليس من محلّ الفرض في شيء ؛ لتصويره في لزوم المجعول للمجعول له بمجرّد العقد لا بغيره ، والاحتمال ينافيه.
ثم إنّ إطلاق النصّ والفتاوي يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبّب تسمية الشيء للأب لتقليل المهر بزعمها لزومه بذكره في العقد ، أم لا. وربما يستشكل في الأول ، وهو حسن ، لولا النصّ الصحيح المعتضد بما مرّ.
ولو جُعِل المسمّى للأب جزءاً من المهر كأن أمهرها شيئاً ، وشرط أن يعطي أباها منه شيئاً لزم الشرط لو كان على اختيار من دون شائبة إكراه وإجبار ، وفاقاً للإسكافي والإرشاد والشهيد في النكت وشارح الكتاب (٤) ،
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.
(٢) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٤ / ٨١١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٣ أبواب المهور ب ٩ ح ١.
(٣) حكاه عنه في التنقيح الرائع ٣ : ٢١١.
(٤) حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع ٣ : ٢١١ ، انظر الإرشاد ٢ : ١٥ ، حكاه عن الشهيد في جامع المقاصد ١٣ : ٣٩٧ ، شارح الكتاب في نهاية المرام ١ : ٣٦٩.
فإنّه شرط سائغ في عقد لازم ، فيلزم ؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (١) وبالشرط (٢) مع خروجه عن النصّ.
ويعضده النبويّ (٣) والمرتضويّ (٤) : « أحقّ الشروط ما نكحت به الفروج ». خلافاً للأكثر ، فيصحّ المهر ويفسد الشرط خاصّة أيضاً كالسابق ، ولا دليل عليه ، وعلى تقديره معارَضٌ بما مرّ.
وعلى المختار : ارتجع بنصف المجموع بالطلاق ، حتى نصف مأخوذ الأب.
( ولو عقد الذمّيان ) أو غيرهما من الكفّار وإنّما خصّ بهما تبعاً للنصّ ـ ( على ) ما لا يملك في شرعنا ، كـ ( خمر أو خنزير ، صحّ ) العقد والمهر بلا خلاف ؛ لأنّهما يملكانه في شرعهما.
( ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض ، فلها ) على الأشهر الأظهر ( القيمة ) عند مستحلّيه ؛ لخروجه عن ملك المسلم ( عيناً كان أو مضموناً ) لأنّ المسمّى لم يفسد. ولهذا ، لو كان قد أقبضها إيّاه قبل الإسلام برئ ، وإنّما تعذّر الحكم به لمانع الإسلام ، فوجب المصير إلى قيمته ؛ لأنّها أقرب شيء إليه ، كما لو جرى العقد على عين وتعذّر
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤.
(٣) مسند أحمد ٤ : ١٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٤٤ / ٢١٣٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٩٨ / ١١٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٨ ؛ بتفاوت يسير.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٢ / ١٢٠١ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٧ أبواب المهور ب ١١ ح ٧ ؛ بتفاوت يسير.
تسليمها ، ومثله : ما لو جعلا ثمناً لمبيع ، أو عوضاً لصلح ، أو غيرهما.
هذا ، مضافاً إلى النصّ : النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً من خمر وثلاثين خنزيراً ، ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها ، قال : « ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنزير ، فيرسل بها إليها ، ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول » (١).
وقيل (٢) : يجب مهر المثل ؛ تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد.
وفيه : منع كما مرّ.
ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان ، وهو هنا ممكن ، وإنّما عرض عدم صلاحيّته للتملّك لهما.
ويضعّف بأنّ التعذّر الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى ، هذا ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى ، فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد ، أو أنقص ، فيعترف هو باستحقاق الزائد ، وحيث لم يقع المسمّى فاسداً فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟! وربما يستدلّ له بالخبر : « إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئاً من ذلك » أي الخمر والخنزير الممهورة بهما « ولكن يعطيها صداقاً » (٣).
وليس نصّاً في المطلوب ، فيحتمل القيمة ، وعلى تقديره فلا يعارض ما مرّ ، مع ضعف سنده وعدم مجبوريّته.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٩١ / ١٣٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير. والدَّنّ : كهيئة الحُبّ إلاّ أنّه أطول منه وأوسع رأساً ، والجمع دِنان. المصباح المنير : ٢٠١.
(٢) انظر الروضة البهية ٥ : ٣٤٣.
(٣) الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٥ ، وورد في التهذيب ٧ : ٣٥٥ / ١٤٤٧ ، والوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ١ ؛ بتفاوت.
ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه ، سقط بقدر المقبوض ، ووجب قيمة الباقي. وعلى الثاني (١) : يجب بنسبته من مهر المثل.
وفي ذكر المضمون في العبارة ردّ على بعض العامّة ، حيث فرّق بينهما ، وحكم في العين أنّها لا تستحقّ غيره ، دون المضمون ، فإنّها تستحقّ معه مهر المثل (٢). وهو مقطوع بفساده.
( ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ) ونحوها ممّا لا يملك إجماعاً ، ( ولو عقد ) عليها فسد المهر إجماعاً و ( صحّ ) العقد على الأصحّ الأشهر ، كما عن الإسكافي والطوسي والحلّي وابن زهرة العلوي وابن حمزة والعلاّمة وابن المفلح الصيمري والشهيد (٣) وأكثر المتأخّرين (٤) ، بل نفى عنه الخلاف في الغنية إلاّ عن مالك وبعض الأصحاب (٥).
لدخوله في عموم ما دلّ على وجوب الوفاء به (٦).
ولا مخرج عنه سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا ؛ بناءً على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه.
وفيه : أنّ الشرط حصوله ، وقد وُجِد ، فثبت الصحّة المشروطة به ،
__________________
(١) أي القول. منه رحمهالله.
(٢) الشرح الكبير ٧ : ٥٩١.
(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٤١ ، الطوسي في المبسوط ٤ : ٢٧٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٧٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٦ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٣١ ، والقواعد ٢ : ٣٧ ، الشهيد في المسالك ١ : ٥٣٤.
(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٢١٣ ، جامع المقاصد ١٣ : ٣٧٣ ، كشف اللثام ٢ : ٨٠.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.
(٦) المائدة : ١.
وبطلان المتعلّق غير ملازم لبطلانه (١) أوّلاً ، فقد يكون الرضاء بالتزويج باقياً بعد المعرفة ببطلان المرضيّ به ، وعلى تقديره فاللاّزم منه ارتفاع الرضاء من حين المعرفة بالبطلان وعدمُ البقاء ، وليس شرطاً في الصحّة ، بل الوجود ، وقد حصل.
ودعوى استلزام بطلان المرضيّ به بطلان أصل الرضاء وعدم حصوله (٢) ، فاسدةٌ بالضرورة.
هذا ، ويدلّ عليه فحوى ما دلّ على صحّة العقد المشتمل على الشروط الفاسدة (٣) ؛ لدلالتها على توقّف حصول الرضاء عليها ، وانتفائه حين العقد عند انتفائها ، فالصحّة فيه مستلزم لثبوتها هنا بطريق أولى كما لا يخفى ؛ لعدم التصريح فيه بعدم الرضاء مع انتفاء المرضيّ به جدّاً.
وممّا ذكر ظهر ضعف القول بالبطلان ودليله كما يأتي ، ولكن الاحتياط لا يترك.
( و ) على المختار ، فهل ( لها مع الدخول ) بها ( مهر المثل ) مطلقاً كان للمسمّى قيمة أم لا؟ كما في الشرائع والإرشاد والتحرير والتلخيص والتبصرة وعن السرائر والجامع والوسيلة وموضع من الخلاف (٤).
أو القيمة كذلك (٥) ، ولكن يقدّر ما لا قيمة له ذا قيمة ، كالحرّ عبداً؟
__________________
(١) أي الرضاء. منه رحمهالله.
(٢) انظر نهاية المرام ١ : ٣٧١ ، المهذب البارع ٣ : ٣٩٠.
(٣) انظر الوسائل ٢١ : ٢٧٥ أبواب المهور ب ٢٠.
(٤) الشرائع ٢ : ٣٢٤ ، الإرشاد ٢ : ١٤ ، التحرير ٢ : ٣١ ، التلخيص ( الينابيع الفقهية ٣٨ ) : ٤٧٩ ، التبصرة : ١٤١ ، السرائر ٢ : ٥٧٧ ، الجامع للشرائع : ٤٤١ ، الوسيلة : ٢٩٦ ، الخلاف ٤ : ٣٦٣.
(٥) أي مطلقاً. منه رحمهالله.
كما عن المبسوط (١).
أو فيما له قيمة كالخمر ، وأمّا ما لا قيمة له فالأول (٢)؟ كما عن بعض الأصحاب (٣).
أقوال ، أشهرها وأظهرها : الأول ؛ لبطلان المسمّى بعدم الصلاحيّة للصداق بالضرورة ، فيخلو العقد عنه ، فتلحق بمفوّضة البضع ، ولها مع الدخول مهر المثل ؛ لأنّه عوض البضع حيث لا تسمية.
ولها المتعة لو طُلِّقت قبله ، على قول حكاه في الروضة (٤).
وأطلق العلاّمة في جملة من كتبه ثبوت المثل ولو قبل الدخول (٥) ؛ ووُجِّه بوقوع العقد بالعوض فلا تفويض ، وحيث تعذّر انتقل إلى البدل ، وهو المثل (٦).
ويضعّف بأنّ هذا العوض كالعدم ، مع أنّ المثل إنّما يثبت بدليّته عن الوطء لا عن المهر الفاسد.
وأمّا احتجاج الثاني بأنّ قيمة المسمّى أقرب إليه عند التعذّر ، وأنّهما عقدا على شخص باعتبار ماليّته ، فمع تعذّره يجب المصير إلى الماليّة.
فضعيف ؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة فرع صحّة العقد على ذي القيمة ؛ لأنّ القيمة لم يقع التراضي عليها ، وتقدير الماليّة هنا ممتنع شرعاً ، فيجب أن تُلغى كما الغي التعيين.
__________________
(١) المبسوط ٤ : ٢٩٠.
(٢) أي مهر المثل. منه رحمهالله.
(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٣٥ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٩.
(٤) الروضة ٥ : ٣٤٧.
(٥) انظر التحرير ٢ : ٣١ ، والقواعد ٢ : ٣٦.
(٦) انظر المهذب البارع ٣ : ٣٩٠.
ولا ثمرة بعد الدخول مع توافق المثل والقيمة ، ومع التخالف يرجع إلى الاحتياط. ولو قيل بالرجوع إلى الأقلّ كان وجهاً إن لم يكن إحداث قول ؛ تمسّكاً بالأصل ، مع عدم الدليل على الزائد ؛ لفقد النصّ ، وانتفاء الإجماع في محلّ النزاع. لكن اشتغال الذمّة بالمهر قطعاً يقتضي المصير إلى مراعاة الأكثر ؛ تحصيلاً للبراءة القطعيّة ، وكيف كان فهو أحوط.
ويأتي على القول بالقيمة مطلقاً أو في الجملة لزوم النصف مع الطلاق قبل الدخول ، ويدفعه الأصل ، لكن اللازم منه ثبوت المتعة ، فليس مثله بحجّة. ولو قيل بأقلّ الأمرين كان وجهاً ، فتأمّل جدّاً.
( وقيل ) ـ كما عن الشيخين والقاضي والتقي (١) ـ : ( يبطل العقد ) من أصله ؛ استناداً إلى ما أجبنا عنه ، والتفاتاً إلى أنّه عقد معاوضة ، فيفسد بفساد العوض ، وهو إعادة للمدّعى يدفعه الإجماع على عدم كونه كعقود المعاوضات المحضة المقصود بها مجرّد المعاوضة ؛ ولذا صحّ مع عدم ذكر المهر في متنه ، بل مع اشتراط عدمه فيه.
ثم إنّ هذا إذا علماه خمراً مثلاً.
وأمّا إذا عقدا عليه ظانّين حلّيته ، صحّ العقد قولاً واحداً ، كما يظهر منهم ، وفيه تأييد لما قلناه ؛ لاتّحاد طريق المسألتين.
وفي ثبوت المثل مطلقاً ، أو مع الدخول ، أو عدمه ولزوم مثل الخمر من الخلّ ، أو القيمة مطلقاً ، أقوال ، والأشهر : الأول ، كما مضى.
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٥٠٨ ، الطوسي في النهاية : ٤٦٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٠ ، التقي في الكافي في الفقه : ٢٩٣.