السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤
البيّنة ، فلا حرمة مع عدمهما ، وإن حُدَّ مع انتفاء الأول دون الثاني.
ولو لا الإجماع المحكيّ على القيد (١) لكان إطلاق التحريم متّجهاً ؛ تبعاً لإطلاق النصوص ، كالصحيح : عن رجل قذف امرأته بالزناء وهي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال ، فقال : « إن كان لها بيّنة تشهد لها عند الإمام جُلِدَ الحدّ ، وفُرِّق بينه وبينها ، ولا تحلّ له أبداً ؛ وإن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما قام معها ، ولا إثم عليها منه » (٢).
ومقتضاه ككلام جماعة (٣) تعلّق الحكم بالمتّصفة بالأمرين ، إلاّ أنّ في بعض النسخ الاكتفاء بأحدهما ، كما في المتن وعن الأكثر (٤) ، بل عليه الإجماع عن الغنية والسرائر (٥) ، وهو الحجّة فيه دون النسخة ؛ لضعفها أولاً بناءً على أنّ الراوي لها رواها في موضع آخر كالأُولى ومعارضتها لها ثانياً.
نعم ، يؤيّده الاكتفاء بالأخير في الخبرين أحدهما الحسن ـ : في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : « يُفرَّق بينهما ، ولا تحلّ له أبداً » (٦).
ويُدفَع أخصّية المورد بعدم القائل بالفرق ، ولا ينافيه استشكال
__________________
(١) الحدائق ٢٣ : ٦٤١ ، المفاتيح ٢ : ٢٤٥.
(٢) الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٨ ، الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ / ١٢٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٧ أبواب اللعان ب ٨ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦٦ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٦٤١.
(٤) انظر الروضة ٥ : ٢٢٥.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٥ ، السرائر ٢ : ٦٩٨.
(٦) الأول في : الكافي ٦ : ١٦٤ / ٩ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ / ٦٧٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٧ أبواب اللعان ب ٨ ح ١.
الثاني في : الكافي ٦ : ١٦٧ / ٢٠ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ / ٦٧٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٨ أبواب اللعان ب ٨ ح ٤.
التحرير في التحريم بالأول خاصّة ، مع فتواه به في الثاني ، سيّما مع استقرابه فيه أيضاً التحريم (١).
وفي إلحاق نفي الولد هنا على وجه يثبت به اللعان لولا الآفة بالقذف وجهان ، أوجههما : العدم ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الوفاق والنصّ.
وليس في الإجماع المحكيّ عن الشيخ على نفي اللعان في الخرساء والصمّاء (٢) دلالة عليه ؛ لاختصاصه بالقذف ، ومع ذلك فلا تلازم بين السقوط وثبوت التحريم ، فتأمّل.
وإطلاق (٣) النصّ كفتوى الأصحاب وصريح البعض (٤) عدم الفرق في ثبوت الحكم بين المدخول بها وغيرها ، وعليه فمتى حرمت قبل الدخول فالأجود ثبوت جميع المهر ؛ لثبوته بالعقد ، فيستصحب. وتنصّفه في بعض الموارد لا يوجب التعدية إلى هنا.
وألحق الصدوق في الفقيه بذلك قذف المرأة زوجها الأصمّ ، فحكم بتحريمها عليه مؤبّداً (٥).
للمرسل كالصحيح لكون المرسِل ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، كما حكاه الكشي (٦) ـ : في امرأة قذفت زوجها الأصمّ ، قال : « يُفرَّق بينها وبينه ، ولا تحلّ له أبداً » (٧).
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٥.
(٢) كما في الخلاف ٥ : ١٣.
(٣) كذا في « ص » و « ح » ، ولعل الأنسب : ومقتضى إطلاق ..
(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦٦ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٦٤٣.
(٥) الفقيه ٤ : ٣٦.
(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.
(٧) الكافي ٦ : ١٦٦ / ١٩ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ / ٦٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢٨ أبواب اللعان ب ٨ ح ٣.
إلاّ أنّ الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ، التي كادت تكون إجماعاً أوجب المصير إلى طرحه.
مضافاً إلى أنّ الموجب لاعتبار السند هو إجماع العصابة المحكيّ ، وفيه وهن بالنظر إلى المقام ؛ لمصير المعظم إلى الخلاف ، إلاّ أنّ العمل به أحوط ، وفيه تأييد لثبوت الحكم بقذف الزوجة الصمّاء بطريق أولى.
( السبب السادس : الكفر ولا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابيّة ) ابتداءً واستدامةً مطلقاً ( إجماعاً ) منّا ؛ بالكتاب (١) والسنّة (٢).
( وفي ) جواز نكاح ( الكتابية ) ابتداءً أقوالٌ منتشرة :
ما بين محرِّم مطلقاً ، كما عن المرتضى والحلّي وأحد قولي الشيخين (٣).
ومجوّز له كذلك ، كما عن الصدوقين والعماني (٤).
ومفصّل تارةً بالدوام فالأول ، ومتعة وملك يمين فالثاني ، كما عن أبي الصلاح وسلاّر (٥) وأكثر المتأخّرين (٦).
وأُخرى بالاختيار فالتحريم ، والاضطرار فالجواز إمّا في العقدين ،
__________________
(١) البقرة : ٢٢١.
(٢) الوسائل ٢٠ : ٥٣٣ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١.
(٣) المرتضى في الانتصار : ١١٧ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٤١ ، المفيد في المقنعة : ٥٠٠ ، الطوسي في التهذيب ٧ : ٢٩٦ ، والاستبصار ٣ : ١٧٨.
(٤) الصدوق في المقنع : ١٠٢ ، وحكاه عن والده والعماني في المختلف : ٥٣٠.
(٥) أبي الصلاح في الكافي : ٢٩٩ ، سلاّر في المراسم : ١٤٨.
(٦) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٩٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٤٩.
وأمّا ملك اليمين فالجواز مطلقاً ، كما عن الإسكافي (١).
وإمّا في الدوام خاصّة ، وأمّا المتعة فالجواز مطلقاً ، كما عن النهاية وابن حمزة والقاضي (٢).
ولكن المشهور منها ( قولان ) : الأول ، والثالث وهو أشهرهما ومختار المصنّف ؛ لقوله ( أظهرهما : أنّه لا يجوز غبطةً ) أي دواماً مطلقاً ، حتى في المجوسيّة ( ويجوز متعةً وبالملك في اليهودية والنصرانية ) خاصّة مطلقاً (٣) في الجانبين (٤).
أمّا الأول (٥) : فللإجماع عليه عن المرتضى والغنية صريحاً ، وسلاّر والتبيان ومجمع البيان والسرائر ظاهراً (٦).
واستلزام الزوجيّة المودّة بنصّ الآية (٧) وشهادة العادة ، وهي منهي عنها في الشريعة.
وخصوص الآيات المانعة عن التمسّك بعِصَم الكوافر (٨) ونكاح المشركات (٩) ، الشاملتين للمقام بالعموم ، وتفسير أهل الخصوص صلوات الله عليهم.
__________________
(١) على ما نقله عنه في المختلف : ٥٣٠.
(٢) النهاية : ٤٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٤١.
(٣) اي اختياراً واضطراراً. منه رحمهالله.
(٤) أي المنع والجواز. منه رحمهالله.
(٥) أي منع الدوام مطلقاً. منه رحمهالله.
(٦) المرتضى في الانتصار : ١١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢ ، سلاّر في المراسم : ١٤٨ ، التبيان ٩ : ٥٨٥ ، مجمع البيان ٥ : ٢٧٤ ، السرائر ٢ : ٥٤١.
(٧) الروم : ٢١.
(٨) الممتحنة : ١٠.
(٩) البقرة : ٢٢١.
ففي الصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (١) فقال : « هذه منسوخة بقوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٢).
ونحوه في تحقّق النَّسخ الخبر المرويّ في تفسير العيّاشي (٣).
وفي الخبر المعتبر بوجود من اجتمعت العصابة في سنده : « لا ينبغي نكاح أهل الكتاب » قلت : جعلت فداك ، وأين تحريمه؟ قال : « قوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٤).
ونحوه المرويّ في نوادر الراوندي في تفسير هذه الآية : « إنّ من كانت عنده كافرة على غير ملّة الإسلام ، وهو على ملّة الإسلام ، فيعرض عليها الإسلام ، فإن قبلت فهي امرأته ، وإلاّ فهي بريئة منه ، فنهى الله تعالى أن يمسك بعصمهم » (٥).
وفي الموثّق : « ما تقول يا أبا محمّد في رجل تزوّج نصرانيّة على مسلمة؟ » قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟! قال : « لتقولنّ ، فإن ذلك تعلم به قولي » قلت : لا يجوز تزويج النصرانيّة على المسلمة ولا غير المسلمة ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لقول الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ
__________________
(١) المائدة : ٥.
(٢) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ / ١٢٤٥ ، الإستبصار ٣ : ١٧٩ / ٦٤٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥٣٣ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١ ح ١.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٦ / ٣٨ ، المستدرك ١٤ : ٤٣٣ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١ ح ١.
(٤) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٧ / ١٢٤٤ ، الإستبصار ٣ : ١٧٨ / ٦٤٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١ ح ٤.
(٥) لم نعثر عليه في نوادر الراوندي ، ولكن رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره ٢ : ٣٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٢ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٥ ح ٧.
حَتّى يُؤْمِنَّ ) قال : « فما تقول في هذه الآية ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ ) » فقلت : قوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) نسخت هذه الآية ، فتبسّم ثم سكت (١).
مضافاً إلى السنّة المستفيضة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم (٢) ، المخالفة لجميع العامّة ، المشتهرة بين قدماء الشيعة كما يستفاد من الخلاف والمبسوط (٣) وكذا متأخّريهم ، كما استفاض نقله في كلام جماعة (٤).
المؤيّدة بالأخبار الناهية عن نكاح الأمة على الحرّة (٥) أو مطلقاً ؛ إمّا بناءً على أنّهنّ بمنزلتها كما يستفاد من المعتبرة (٦) أو بناءً على شمول تلك الأخبار للمسلمة ، فيتعدّى المنع إليهنّ بالأولويّة.
المعتضدة بظاهر ( مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (٧) المفسّرة في المرويّ في نوادر الراوندي : قال : « قال عليّ عليهالسلام : لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهوديّة ولا النصرانيّة ؛ لأنّ الله تعالى قال ( مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) » الحديث (٨).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٥٧ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٧ / ١٢٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٧٨ / ٦٤٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١ ح ٣.
(٢) الوسائل ٢٠ : ٥٣٣ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١.
(٣) الخلاف ٤ : ٣١١ ، المبسوط ٤ : ٢٠٩.
(٤) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ٦٤٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٩٧ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢.
(٥) الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦.
(٦) الكافي ٥ : ٤٥١ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٩ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ١٠ ح ٢.
(٧) النساء : ٢٥.
(٨) نوادر الراوندي : ٤٨ ، بحار الأنوار ١٠٠ : ٣٨٠ / ٢٠.
المؤكّدة بظاهر الآية ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (١) لأعميّة الاستواء منه من بعض الوجوه ومن جميع الوجوه ، ولا يصحّ نفي العامّ إلاّ بنفي جميع جزئيّاته ، فإذا انتفى التساوي في جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة لزم اندراجها تحت التحريم.
فلا مخلص عن حمل ما ظاهره الجواز مطلقاً ، أو في الجملة على الاتّقاء ، أو التقيّة.
مضافاً إلى قصور أسانيد أكثرها عن الصحّة ، ومتونها عن وضوح الدلالة ، زيادة على ما يأتي من احتمال الحمل على المتعة.
والصحيح منها غير صالح للمكافأة لما تقدّم من الأدلة ، مع تصريحه عليهالسلام فيه بـ : أنّ عليه في نكاحهنّ غضاضة (٢) ، أي : ذلّة ومنقصة.
مع احتماله كالباقي الحمل على المتعة ؛ لعدم صراحتها في الغبطة. وهو أوضح طريق في الجمع بين الأدلّة ، دون الحمل على الكراهة ، أو الجواز مع الضرورة ، مع اندفاعها بالعقد عليهنّ متعةً غالباً.
أمّا الثاني (٣) : فالمستند فيه بعد الإجماع المصرّح به في الخلاف والتبيان ومجمع البيان والغنية (٤) ، وخصوص ( إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٥) السنّة المستفيضة.
__________________
(١) الحشر : ٢٠.
(٢) الكافي ٥ : ٣٥٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٧ / ١٢٢٢ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ / ١٢٤٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥٣٦ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٢ ح ١.
(٣) أي جواز المتعة. منه رحمهالله.
(٤) الخلاف ٤ : ٣١٢ ، التبيان ٣ : ٤٤٦ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢.
(٥) المائدة : ٥.
ففي الموثّق : عن الرجل يتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة ، قال : « لا أرى بذلك بأساً » الخبر (١).
ونحوه المرسل كالموثّق (٢) ، والخبر الصحيح (٣) في قول ، وإن ضعف في المشهور ؛ لأنّه بالشهرة العظيمة المدّعى عليه الإجماع مجبور.
ولا يعارضها ما وقع فيه التصريح بالمنع فيها (٤) أيضاً ؛ لعدم المكافأة ، فليطرح ، أو يحمل على الكراهة ، ويفصح عنها الخبر : أيتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة؟ فقال : « يتمتّع من الحرّة المؤمنة أحبّ إليّ » (٥).
وله ظهور في الجواز أيضاً ، وبه كالباقي يخصّ أدلّة المنع ، مع أنّ المتبادر من النكاح والتزويج في أكثرها الدوام ، دون التمتّع وملك اليمين.
وأمّا الثالث (٦) : فبعد الإجماع عليه في التبيان ومجمع البيان (٧) ، فعموم ( فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٨) من دون معارض ، وفحوى
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٥ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٧ أبواب المتعة ب ١٣ ح ١.
(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٣ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥١٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٧ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٢.
(٣) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٤ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥١٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٧ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٣.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٩٣ / ١٣٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٨ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٧.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٣ / ١٣٩٠ ، التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤٥ / ٥٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٨ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٦.
(٦) وهو الجواز بملك اليمين. منه رحمهالله.
(٧) التبيان ٣ : ٤٤٦ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٢.
(٨) النساء : ٢٥.
أخبار جواز التمتّع ووطء المجوسيّة بملك اليمين ، كما يأتي.
وممّا ذكر ظهر الجواب عن دليل الجواز مطلقاً ، آيةً وروايةً.
وما يقال من عدم ثبوت النسخ بالخبر الواحد ، فلم يقم عليه دليل صالح ، والإجماع عليه غير معلوم ، ومعه يحمل آية الحلّ (١) على التمتّع ؛ جمعاً بين الأدلّة ، وهو من باب حمل العموم على الخصوص ، فيكون تخصيصاً في تخصيص (٢) ، وهو شائع يجب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه ، وهو ما قدّمناه.
( وفي ) جواز الأمرين (٣) بـ ( المجوسيّة قولان ، أشبههما : ) عند المصنّف تبعاً للنهاية (٤) ( الجواز ) على كراهة شديدة ؛ لخبرين قاصري السند :
في أحدهما : « لا بأس بالرجل أن يتمتّع بالمجوسيّة » (٥).
وفي الثاني : عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة ، فقال : « لا بأس » فقلت : المجوسيّة؟ فقال : « لا بأس » يعني متعة (٦).
والأقوى المنع عن العقد مطلقاً ؛ لما تقدّم من الأدلّة المطلقة من
__________________
(١) المائدة : ٥.
(٢) التخصيص الثاني هو تخصيص ما دلّ على منع نكاح المشركات بآية حلّ نكاح المحصنات من الذمّيات ، والأول تخصيص هذه الآية بالمتمتّعات منهنّ دون الدائمات ؛ للروايات منه عفي عنه ووالديه.
(٣) أي التمتع وملك اليمين. منه رحمهالله.
(٤) النهاية : ٤٥٧.
(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٧ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥٢٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٨ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٥.
(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥٢١ ، الوسائل ٢١ : ٣٨ أبواب المتعة ب ١٣ ح ٤.
الكتاب والسنّة ، الخالية عمّا يخصّصها هنا من الأدلّة ؛ لضعف الخبرين ، مع انتفاء جابر لهما في البين.
مضافاً إلى معارضتهما المعتبرة ، أحدها الصحيح كالصريح في المنع عن مطلق العقد ـ : عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسيّة ، قال : « لا ، ولكن إذا كان له أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها ، ويعزل عنها ، ولا يطلب ولدها » (١).
وأصرح منه الآخر : عن الرجل يتمتّع باليهوديّة والنصرانيّة ، قال : « لا أرى بذلك بأساً » قلت : فالمجوسيّة؟ قال : « أمّا المجوسيّة فلا » (٢).
وقريب منهما إطلاق الرضوي : « ولا يجوز تزويج المجوسيّة » (٣).
هذا مضافاً إلى دعوى التبيان كالسرائر فيه (٤) الإجماع (٥).
وفي هذه الأخبار دلالة على مغايرة المجوس لأهل الكتاب ، وعدم إرادتهم منهم عند الإطلاق ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، فلا يشملهم أدلّة إباحة التمتّع بهم.
( ولو ارتدّ أحد الزوجين ) أو هما دفعةً عن الإسلام ( قبل الدخول ) بالزوجة ( وقع الفسخ في الحال ) مطلقاً ، فطريّاً كان الارتداد أم ملّياً ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٥٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ / ١٢٢٣ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ / ٧٥٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٣ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٦ ح ١.
(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٥ ، الإستبصار ٣ : ١٤٤ / ٥٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٧ أبواب المتعة ب ١٣ ح ١.
(٣) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٣٥ ، المستدرك ١٤ : ٤٣٤ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ١ ح ٤.
(٤) أي إطلاق المنع. منه رحمهالله.
(٥) التبيان ٢ : ٢١٨ ، السرائر ٢ : ٥٤٢.
بالإجماع من أهل العلم كافّة في الأول (١) ، ومنّا في الثاني (٢) ، حكاهما في التذكرة (٣).
لإطلاق بعض ما تقدّم من الأدلّة في المنع عن نكاح الكتابيّة (٤).
والمعتبرة في المرتدّ الفطري (٥) ، الشاملة لصورتي الدخول وعدمه ، كما يأتي.
والخبر : في الملّي « المرتدّ تعزل عنه امرأته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ويستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب وإلاّ قتل » (٦).
وهي كما ترى خاصّة بارتداد الرجل خاصّة ، إلاّ أنّ ارتداد المرأة ملحق به ؛ للإجماع المركّب.
ويجب على الزوج نصف المهر إن كان الارتداد من الزوج ؛ لمجيء الفسخ من جهته ، فأشبه الطلاق. ثمّ إن كانت التسمية صحيحةً فنصف المسمّى ، وإلاّ فنصف المثل ، ومع عدم التسمية بالمرّة فالمتعة.
وقيل : يجب جميع المهر ؛ لوجوبه بالعقد ، ولم يثبت تشطيره إلاّ بالطلاق ونحوه إن قيل به فيه ، فلا يتعدّى إلى غيره ، ولا يخصّص الأصل القطعي بالقياس به (٧). وهو أقوى.
__________________
(١) أي ارتداد أحد الزوجين. منه رحمهالله.
(٢) أي ارتدادهما. منه رحمهالله.
(٣) التذكرة ٢ : ٦٤٧.
(٤) راجع ص ٢٦٢ ٢٦٣.
(٥) انظر الوسائل ٢٨ : ٣٢٣ أبواب حد المرتد ب ١ ح ٢ ، ٣.
(٦) الكافي ٧ : ٢٥٨ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ٨٩ / ٣٣٤ ، التهذيب ١٠ : ١٣٨ / ٥٤٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٤ / ٩٦١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٨ أبواب حد المرتد ب ٣ ح ٥ ؛ بتفاوت.
(٧) جامع المقاصد ١٢ : ٤١٠ ، المسالك ١ : ٤٩٠.
ولو كان الارتداد منها فلا مهر لها ؛ لمجيء الفسخ من قبلها ، كذا عُلِّل (١) ، وفيه إيماء إلى مسلّميّته بينهم.
ولعلّه للخبر : في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها ، قال : « يُفرَّق بينهما ، ولا صداق لها ؛ لأنّ الحدث كان من قبلها » (٢) وقصور السند (٣) منجبر بالعمل بالتعليل ، فتأمّل.
ويدلّ عليه أيضاً فحوى ما سيأتي من المعتبرة الدالّة على سقوط مهر النصرانيّة بإسلامها (٤) ، المستلزم للسقوط هنا بطريق أولى.
( ولو كان ) الارتداد ( بعد الدخول ، وقف ) انفساخ النكاح ( على انقضاء العدّة ) عدّة الطلاق ، إن كان الارتداد من الزوجة مطلقاً ، أو من الزوج من غير فطرة ، فإن رجع المرتدّ قبل انقضائها ، وإلاّ انفسخ.
وظاهر الأصحاب الاتّفاق على الحكم ومقدار العدّة ؛ بل صرّح به جماعة (٥) ؛ وهو الحجّة فيه ، دون النصوص ؛ لعدم استفادة شيء منهما منها.
بل ربما دلّ بعض المعتبرة على البينونة بمجرّد الردّة ، من دون توقّف على انقضاء العدّة ، كالحسن : « إذا ارتدّ الرجل عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثاً ، وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة ، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل التزويج فهو خاطب من الخطّاب ، ولا عدّة عليها منه ، وتعتدّ منه
__________________
(١) الروضة البهية ٥ : ٢٢٩ ، جامع المقاصد ١٢ : ٤١٠.
(٢) التهذيب ١٠ : ٣٦ / ١٢٦ ، الوسائل ٢٨ : ٧٨ أبواب حد الزنا ب ٧ ح ٨.
(٣) ببنان. منه رحمهالله.
(٤) في ص ٢٧٢.
(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٩٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦٧ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٧.
لغيره ، وإن مات أو قتل قبل العدّة اعتدّت منه عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدّة ، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتدّ عن الإسلام » (١).
ولكنّه شاذّ محتمل للتقيّة ؛ لحكاية ذلك عن بعض العامّة (٢).
ويمكن الاستدلال عليه بفحوى المعتبرة الدالّة على اعتبار انقضاء العدّة في البينونة المحضة في إسلام أحد الوثنيّين (٣) ؛ لأضعفيّة الكفر الارتدادي عن الأصلي ؛ لبقاء حرمة الإسلام فيه دونه ، فثبوت الحكم في الأقوى ملازم لثبوته في الأضعف بطريق أولى ، فتأمّل. فلا ريب في الأحكام المذكورة.
( إلاّ أن يكون ) المرتدّ هو ( الزوج ) وكان ( مولوداً على الفطرة ، فإنّه لا يقبل عوده ، وتعتدّ زوجته عدّة الوفاة ) إجماعاً ، وللمعتبرة :
منها الموثّق : « كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد [ محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم ] نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ ، فلا تقربه ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه » (٤).
ولا يسقط من المهر هنا وفي السابق شيء ؛ لاستقراره بالدخول المستمرّ بالأصل السالم عن المعارض.
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٥٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل : ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٥.
(٢) كابن قدامة في المغني والشرح الكبير ٧ : ٥٦٥.
(٣) الوسائل ٢٠ : ٥٤٦ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ٩.
(٤) الكافي ٧ : ٢٥٧ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٩ / ٣٣٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٦ / ٥٤١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ / ٩٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٤ أبواب حد المرتد ب ١ ح ٣ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.
( وإذا أسلم زوج الكتابيّة ) دونها ( فهو على نكاحه ، سواء كان قبل الدخول أو بعده ) دائماً كان التزويج أو منقطعاً ، كتابيّاً كان الزوج أو وثنيّاً ، جوّزنا نكاحها للمسلم ابتداءً أم لا ، إجماعاً.
للخبرين الآتيين فيمن أسلم عن خمس ، الدالّين على بقاء نكاح الأربع ، وانفساخ الزائد خاصّة.
ولإطلاق الصحيحين : عن رجل هاجر وترك امرأته في المشركين ، ثم لحقت بعد ذلك ، أيمسكها بالنكاح الأول؟ قال : « بل يمسكها وهي امرأته » (١) ، وينبغي تقييدهما بالكتابيّة ؛ للمعتبرة الآتية (٢).
( ولو أسلمت زوجته ) أي الكافر ( دونه ، انفسخ ) النكاح ( في الحال ، إن كان ) الإسلام ( قبل الدخول ) لعدم العدّة ، وامتناع كون الكافر زوجاً للمسلمة.
ولا مهر لها ؛ لمجيء الفرقة من قبلها ، وللصحيح : في نصراني تزوّج نصرانيّة ، فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : « قد انقطعت عصمتها ، ولا مهر لها ، ولا عدّة عليها منه » (٣).
والخبر المثبت للمهر (٤) مع قصور سنده ، وعدم مكافأته لما تقدّم
__________________
(١) أحدهما في : الكافي ٥ : ٤٣٥ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤١ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٥ ح ١. والآخر في : الكافي ٥ : ٤٣٥ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٠ / ١٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ١٨١ / ٦٥٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٠ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٥ ح ١ ؛ بتفاوت.
(٢) في ص ٢٧٥.
(٣) الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٧ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٦.
(٤) الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٩٢ / ٣١٥ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٨ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٧.
شاذّ لا تعويل عليه. وبفحواه يستدلّ لحكم الوثني.
( ووقف ) الفسخ ( على انقضاء العدّة ) عدّة الطلاق كما ذكروه من حين الإسلام ( إن كان بعده ) أي الدخول ، فإن انقضت ولم يسلم تبيّن بينونتها منه حين الإسلام كما ذكروه ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح.
وجميع ذلك موضع وفاق في الوثني ؛ مدلول عليه في الخبرين ، الآتي أحدهما في الوثنيّين المسلم أحدهما (١).
وفي الثاني : عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب ، كانت تحته امرأة ، فأسلم أو أسلمت ، قال : « ينظر بذلك انقضاء عدّتها ، فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدّة فقد بانت منه » (٢).
ومشهور بين الأصحاب في الكتابي ، بل في الخلاف : الوفاق على انفساخ النكاح بخروجها من العدّة (٣).
ويدلّ عليه عموم ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٤).
والصحيح : عن الرجل يكون له الزوجة النصرانيّة فتسلم ، هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال : « إذا أسلمت لم تحلّ له » قلت : جعلت فداك ، فإنّ
__________________
(١) انظر ص ٢٧٦.
(٢) الكافي ٥ : ٤٣٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠١ / ١٢٥٨ ، الإستبصار ٣ : ١٨٢ / ٦٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٦ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٣ ؛ بتفاوت.
(٣) الخلاف ٤ : ٣٢٥.
(٤) النساء : ١٤١.
الزوج أسلم بعد ذلك ، أيكونان على النكاح؟ قال : « لا ، يتزوّج بجديد » (١).
والصحيح : « إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرِّق بينهما » (٢).
والمراد بإطلاق التفريق فيه كعدم الحلّ في الأول هما بعد انقضاء العدّة ؛ إجماعاً.
وللخبر المعتبر (٣) : « إنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها ، فقال له عليّ عليهالسلام : أسلم ، فقال : لا ، ففرّق بينهما ، ثم قال : إن أسلمْتَ قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثم أسلَمْتَ فأنت خاطب من الخطّاب » (٤).
( وقيل ) هو الشيخ في النهاية والتهذيبين (٥) ـ : لم ينفسخ النكاح بانقضاء العدّة مطلقاً ، بل ( إن كان ) الزوج ذمّيا قائماً ، ( بشرائط الذمّة ، كان نكاحه ) صحيحاً ( باقياً ) بحاله ( و ) لكن ( لا يمكَّن من الدخول عليها ليلاً ، ولا من الخلوة بها نهاراً ) ولا من إخراجها إلى دار الحرب.
لأخبار قاصرة الأسانيد ، ضعيفة التكافؤ للمعارض ، أجودها المرسل كالصحيح : « إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة ، إذا أسلم أحد الزوجين
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٣٠٠ / ١٢٥٥ ، الاستبصار ٣ : ١٨١ / ٦٥٩ ، قرب الإسناد : ٣٧٨ / ١٣٣٥ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٢ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٥ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.
(٢) الكافي ٥ : ٤٣٥ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٧ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٤.
(٣) بوجود من أجمعت العصابة في سنده الجابر الضعفة لو كان ، مع أنّه قيل ( جامع المقاصد ١٢ : ٤٠٨ ) بصحته. منه رحمهالله.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٠١ / ١٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١٨٢ / ٦٦١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٦ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٢ وفيه : فقال علي عليهالسلام : لا يفرّق بينهما.
(٥) النهاية : ٤٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢.
فهما على نكاحهما ، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت معها ، ولكنه يأتيها بالنهار » (١).
مع احتمال بعضها الحمل على عدم البينونة في العدّة لا مطلقاً ، فلا ينافيها ثبوتها بعدها.
ومع ذلك فظاهر الشيخ الرجوع عنها في الخلاف ؛ لدعواه فيه على خلافها الوفاق (٢).
فلا عبرة بها وإن كانت أخصّ من المعارض ، وليس كلّ خاصّ يقدّم على العام ، ومع ذلك فبعض ما تقدّم خاصّ أيضاً (٣) ، كالصحيح (٤) في انفساخ النكاح بالإسلام قبل الدخول.
ودعوى اختصاص هذا القول بصورة الدخول ، فلا مدخل للصحيح في المتنازع (٥).
مدفوعة بتصريح المسالك بعمومه لصورتي الدخول وعدمه (٦) ، كما يفصح عنه إطلاق عبارته (٧) وعموم دليله.
فلا وجه لتردّد بعض من تأخّر (٨) ، ومصير آخر إليه (٩).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ١٢٥٩ ، الإستبصار ٣ : ١٨٣ / ٦٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤١ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٥ ح ٢.
(٢) الخلاف ٤ : ٣٢٦.
(٣) لتصريحه بذمّية الزوج. منه رحمهالله.
(٤) المتقدم في ص ٢٧٢.
(٥) البحراني في الحدائق ٢٤ : ٣٧.
(٦) المسالك ١ : ٤٩٠.
(٧) أي القائل. منه رحمهالله.
(٨) المختلف : ٥٣٢.
(٩) التنقيح الرائع ٣ : ١٠٢.
ولو أسلما معاً ثبت النكاح ؛ لانتفاء المقتضي للفسخ.
وللخبرين ، في أحدهما : النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً (١) من خمر وثلاثين خنزيراً ، ثم أسلما بعد ذلك ، ولم يكن دخل بها ، قال : « ينظر كَم قيمة الخمر وكَم قيمة الخنازير ، فيرسل بها إليها ، ثم يدخل عليها ، وهما على نكاحهما الأول » (٢).
( و ) لو أسلم أحد الزوجين الوثنيّين معاً ، المنسوبين إلى عبادة الوثن وهو الصنم وكذا من بحكمهما من الكفّار ( غير الكتابيّين ) وكان الإسلام قبل الدخول ، بطل النكاح مطلقاً ؛ لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة غير الكتابيّة ؛ لتحريمه ابتداءً واستدامةً إجماعاً. وإن كان الزوجة فأظهر ؛ إذ لا سبيل للكافر عليها.
ويجب نصف المهر أو الجميع لما تقدّم من عدم ثبوت التشطير إلاّ بالطلاق بإسلام الزوج ، دون إسلامها ، فيسقط ؛ لما مرّ (٣).
وبعد الدخول ( يقف ) الفسخ ( على انقضاء العدّة بإسلام أيّهما اتّفق ) فإن انقضت ولم يسلم الآخر تبيّن انفساخه من حين الإسلام ، وإن
__________________
(١) الدَّنّ : ما عظم من الرواقيد ، وهو كهيئة الحُبّ ، إلاّ أنّه أطول ، مستوي الصنعة في أسفله كهيئة قَوْنَس البيضة ، والجمع الدِّنان ، وهي الحِباب ؛ وقيل الدَّنُّ أصغر من الحُبّ ، له عُسْعُس فلا يقعد إلاّ أن يُحفَر له لسان العرب ١٣ : ١٥٩.
(٢) الأول في : الكافي ٥ : ٤٣٧ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٩١ / ١٣٨٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٦ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
الثاني في : الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٥ بتفاوت في السند ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ / ١٤٤٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٣ أبواب المهور ب ٣ ح ١.
(٣) من التعليل بمجيء الفسخ من قبلها ، في ص ٢٧٢.
أسلم فيها استمرّ النكاح.
كلّ ذلك بلا خلاف ، بل حكي عليه الإجماع (١).
للخبرين في الثاني (٢) ، تقدّم أحدهما في إسلام زوجة الوثني وتوقّف الفسخ فيه على انقضاء العدّة (٣).
وثانيهما المرسل كالصحيح : « وأمّا المشركون مثل : مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة ، فإن أسلمت المرأة ، ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها ، فهي امرأته ، فإن لم يسلم إلاّ بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه ، ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمّة له » الخبر (٤).
( ولو أسلم ) الوثني ومن في حكمه ، أو ( الذمّي وعنده أربع فما دون ) كتابيّات مطلقاً أو وثنيّات أسلمن معه ( لم يتخيّر ) للأصل ، وانتفاء المقتضي له من حرمة الجمع.
( ولو كان عنده أكثر من أربع ) نسوة مذكورات ( تخيّر أربعاً ) منهنّ من دون تجديد عقد ، بشرط جواز نكاحهنّ في شريعة الإسلام ، وفارق سائرهنّ من دون طلاق ، إن كان حرّا وهنّ حرائر ، وإلاّ اختار ما عُيِّن له سابقاً من حرّتين وأمتين ، أو أمة وثلاث حرائر. والعبد يختار حرّتين ، أو أربع إماء ، أو حرّة وأمتين ، ثم تتخيّر الحرّة في فسخ عقد الأمة وإجازته إن
__________________
(١) كما حكاه في التذكرة ٢ : ٦٥٢.
(٢) أي صورة بعد الدخول. منه رحمهالله.
(٣) راجع ص ٢٧٣.
(٤) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ١٢٥٩ ، الإستبصار ٣ : ١٨٣ / ٦٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٧ ، أبواب ما يحرم بالكفر ب ٩ ح ٥.
قلنا به ، وإلاّ بطل عقد الأمة خاصّة كما مرّ (١).
قيل : ولو شرطنا في نكاح الأمة الشرطين (٢) توجّه انفساخ نكاحها هنا إذا جامعت حرّة تحصل حاجته منها ؛ لقدرته عليها ، المنافية لنكاح الأمة (٣).
وفيه منع ؛ لأنّ المحكيّ عن المبسوط والتذكرة : الإجماع على اختصاص المنع بصورة الابتداء دون الاستدامة (٤). وهو الأوفق بظواهر الأدلّة ؛ لعدم تبادر الاستدامة من الأدلّة المانعة ، فيرجع فيها إلى أصالة الإباحة.
وعلى المنع مطلقاً (٥) ، لو تعدّدت الحرائر اعتبر رضاهنّ جُمَع ، ما لم يزدن على أربع ، فيعتبر رضاء من يختارهنّ من النصاب.
ولا فرق في التخيير بين من ترتّب عقدهنّ واقترن ، ولا بين اختيار الأوائل والأواخر ، ولا بين من دخل بهنّ وغيرهنّ.
ولو أسلم معه أربع وبقي أربع ، فالأقوى بقاء التخيير ؛ لإطلاق النصّ. وفيه نظر.
وقيل بتعيّن المسلمات ؛ لشرف الإسلام (٦). وهو أحوط.
وحكي على أصل الحكم الإجماع عن ظاهر المبسوط والتذكرة (٧) ؛ وهو المستند فيه كالخبر : في مجوسيّ أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه ،
__________________
(١) في ص ٢١٨.
(٢) المذكورين في ص ٢١٣.
(٣) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٣٣.
(٤) المبسوط ٤ : ٢٢٠ ، التذكرة ٢ : ٦٥٢.
(٥) أي استدامةً وابتداءً. منه رحمهالله.
(٦) قال به صاحب الحدائق ٢٤ : ٤٠.
(٧) المبسوط ٤ : ٢٣٠ ، التذكرة ٢ : ٦٥٢.