السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
( كتاب الإجارة )
( وهي ) لغة : الأُجرة ، وهي : كرى الأجير ، لا مصدر آجر يوجر ، فإنّه الإيجار.
وشرعاً : ( تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم ).
وقيل : عقدٌ ، ثمرته ذلك (١). ومنشأ الخلاف تقدّم في البيع.
وكيف كان ، هو أو التمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود ، وخرج بتعلّقه بالمنفعة البيع والصلح المتعلّق بالأعيان ، وبالعوض الوصيّة بالمنفعة ، وبالمعلوم إصداقها ، إذ ليس في مقابلها عوض معلوم سوى البضع ، وليس بمعلوم.
وينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم ؛ فإنّه ليس إجارة بناءً على جعله أصلاً مستقلا ، كما هو الأشهر الأقوى.
والأصل فيه بعد إجماع المسلمين ، كما في المهذب وظاهر الغنية وغيرهما من كتب الجماعة ـ (٢) الكتاب والسنة المتواترة الخاصيّة والعاميّة ،
__________________
(١) العلاّمة في القواعد ١ : ٢٢٤ ، السبزواري في الكفاية : ١٢٤.
(٢) المهذب ١ : ٤٧٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٠٠ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٢٩٠ ، والمهذب البارع ٣ : ١٩ ، والحدائق ٢١ : ٥٣٠.
قال سبحانه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) وقال : ( لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ) (٢) ونحوهما آيات أُخر (٣).
وأمّا السنّة فستتلى عليك جملة منها في تضاعيف المباحث الآتية.
ويشترط فيها بعد أهليّة المتعاقدين ما يدلّ على الإيجاب والقبول ، كآجرتك ، أو أكريتك ، أو ملّكتك منفعتها سنة ، فيقول : قبلت ، أو استأجرت ، أو نحوهما ، بلا خلاف.
وأمّا اشتراط العربية والماضوية ونحوهما من الأُمور المختلف في اعتبارها في العقود اللازمة يظهر الكلام فيه نفياً وإثباتاً من الرجوع إلى ما قدّمناه في البيع (٤) ، فإنّهما كسائر العقود اللازمة من باب واحد.
( و ) حيث انعقدت بشرائطها المعتبرة ( تلزم من الطرفين ) الموجر والمستأجر ، بلا خلاف ، بل عليه الوفاق كما في المسالك وغيره (٥) ؛ لعموم الأمر بالوفاء ، وصريح المستفيضة ، منها الصحيحان وغيرهما : عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل ، فقال : « الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه ، والخيار في أخذ الكرى إلى ربّها إن شاء أخذ وإن شاء ترك » (٦).
ومنها : رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنة بأُجرة معلومة ليخيط
__________________
(١) الطلاق : ٦.
(٢) الكهف : ٧٧.
(٣) النساء : ٢٤ ، الممتحنة : ١٠ ، القصص : ٢٦.
(٤) راجع ج ٨ : ٢١٥.
(٥) المسالك ١ : ٣٢٠ ؛ وانظر جامع المقاصد ٧ : ٨٣ ، والكفاية : ١٢٤.
(٦) الأوّل : الكافي ٥ : ٢٩٢ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٥٩ / ٦٩٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠٩ / ٩٢٠ ، الوسائل ١٩ : ١١٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٧ ح ١.
الثاني : التهذيب ٧ : ٢١٠ / ٩٢٢ ، الوسائل ١٩ : ١١٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٧ ح ١.
له ، ثمّ جاء رجل فقال : سلّم ابنك منّي سنة بزيادة ، هل له الخيار في ذلك؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا؟ فكتب عليهالسلام : « يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف » (١).
( وتنفسخ بالتقايل ) بلا خلاف ؛ لعموم أدلّة استحبابه ، كما مضى في البيع وغيره ، وسيأتي بعض النصوص الدالّة عليه ، وكذا بكل واحد من الأسباب المقتضية له ممّا يأتي.
( ولا تبطل بالبيع ) بلا خلاف في الظاهر ، وعليه الإجماع في الغنية (٢) ؛ للأصل ، وعدم المنافاة ، فإنّ الإجارة تتعلق بالمنافع والبيع بالعين وإن تبعتها المنافع حيث يمكن.
وللنصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : رجل استأجر ضيعة من رجل ، فباع الموجر تلك الضيعة بحضرة المستأجر ولم ينكر المستأجر البيع ، وكان حاضراً له شاهداً ، فمات المشتري وله ورثة ، هل يرجع ذلك الشيء في ميراث الميت ، أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته؟
فكتب عليهالسلام : « يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته » (٣) وقريب منه غيره (٤).
وفي الصحيح : « لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى ، ولكن يبيعه على أن الّذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى على ما شرط والإجارة ». قلت : فإن ردّ على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٠٦ / ٤٤١ ، الوسائل ١٩ : ١١٨ أبواب أحكام الإجارة ب ١٥ ح ١.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.
(٣) الفقيه ٣ : ١٦٠ / ٧٠١ ، الوسائل ١٩ : ١٣٤ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ١.
(٤) التهذيب ٧ : ٢٠٧ / ٩١٠ ، الوسائل ١٩ : ١٣٤ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ٢.
النفقة والعمارة فيما استأجره؟ قال : « إن كان على طيبة النفس ورضا المستأجر بذلك لا بأس » (١).
وفي الخبر : « له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أن للمتقبّل من السنين ماله » (٢).
وظاهرهما توقف جواز البيع على الاشتراط المذكور فيهما ، وبه أفتى شيخ الصدوق ، على ما حكاه عنه في الفقيه (٣).
ولعلّ الوجه في النهي عن البيع بدونه وجوب الإخبار بعيب المبيع حيث كان وقت البيع ، وقيل باستحبابه (٤) ، وعليه يصرف النهي إلى الإرشاد أو الكراهة.
ووجه العيب في المسألة واضح ؛ للتعيب بنقص المنفعة المستوفاة بعقد الإجارة ، فإن كان المشتري عالماً به صبر إلى انقضاء المدّة ، وإلاّ تخيّر بين فسخ العقد وإمضائه مجاناً.
وإطلاق العبارة كغيرها وصريح جماعة (٥) عدم الفرق في الحكم بعدم البطلان به بين كونه من المستأجر وغيره ، ولا خلاف ولا إشكال في الثاني ، وكذلك الأوّل على قول قوي ؛ لبعض ما مرّ ، مع أنّه بين المتأخّرين أشهر.
__________________
(١) الفقيه ٤ : ١٨٥ / ٦٤٩ ، التهذيب ٩ : ١٤١ / ٥٩٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٤ / ٣٩٩ ، الوسائل ١٩ : ١٣٥ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ٣.
(٢) الكافي ٥ : ٢٧٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٠٨ / ٩١٤ ، الوسائل ١٩ : ١٣٥ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ٤.
(٣) الفقيه ٣ : ١٦٠.
(٤) كما قال به صاحب الحدائق ٢١ : ٥٣٨.
(٥) منهم : ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٩٢ ، والشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٤ : ٣٢٩.
خلافاً لمن ندر (١).
وتظهر ثمرة الخلاف في استحقاق الموجر الأُجرة لباقي المدة ، فيتوجه على المختار ، ولا على غيره.
( و ) كما لا تبطل به كذا ( لا ) تبطل ( بالعتق ) لعين ما مرّ من الدليل سوى الأحاديث.
( وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان ) (٢) ( : نعم ) وتبعهما القاضي والديلمي وابن حمزة وابن زهرة مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة (٣) تبعاً لشيخ الطائفة في الخلاف وكذا في المبسوط (٤) ، حيث ادّعى فيه ذلك في الظاهر ، لكن على التفصيل بين الموجر والمستأجر بالبطلان بموت الثاني دون الأوّل. وجعله الأصحاب قولاً ثالثاً في المسألة ، ونسبه القاضي إلى أكثر الإماميّة (٥).
وحجتهم عليه مطلقا أو في الجملة غير واضحة ، عدا ما نسب إليهم وصرّح به في الغنية (٦) من تعذّر استيفاء المنفعة في موت الأوّل والأُجرة في موت الثاني ، فالأوّل : لأن المستأجر استحقّ استيفاءها على ملك الموجر فبالموت ينتقل إلى الوارث وتحدث المنافع على ملكهم فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للموجر ، والثاني : لأنّه استحق من مال الموجر وبالموت
__________________
(١) انظر الإرشاد ١ : ٤٢٥.
(٢) المفيد في المقنعة : ٦٤٠ ، الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٩١ ، والنهاية : ٤٤٤.
(٣) القاضي في المهذب ١ : ٥٠١ ، الديلمي في المراسم : ١٩٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.
(٤) الخلاف ٣ : ٤٩١ ، المبسوط ٣ : ٢٢٤.
(٥) المهذب ١ : ٥٠١.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.
تنتقل التركة إلى الورثة ، وأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين وقد تعذّر ذلك بالموت ، فتبطل الإجارة.
وفيه بعد النقض بتزويج الأمة المنتقلة بموت مالكها إلى الورثة ، وبنفس الإجارة ، حيث لا تبطل بالبيع والعتق ، كما مرّت إليه الإشارة (١) ، مع اقتضاء هذه التعليلات بطلانها بهما أيضاً كما ادّعوه في المسألة أن دعوى انتقال كلّ من المنفعة والأُجرة بالموت إلى الورثة فلا يستحقهما عليهم الطرف الآخر ممنوعة ، كيف لا وهي مصادرة محضة ، وشبهة جوابها واضح ؛ فإنّ المنتقل إليهم في موت الموجر العين المسلوبة المنافع مدّة الإجارة ، وفي موت الآخر التركة مستثنى منها الأُجرة اللازمة بالإجارة السابقة ، وإن هي حينئذٍ إلاّ كالديون اللازمة في التركة بأحد موجباتها المتقدّمة على الموت.
فلم يبق ما يؤيّد به مذهب الجماعة إلاّ حكاية الإجماعات المتقدّمة ، وهي بعد معارضتها بأقوى منها كما سيأتي إليه الإشارة موهونة أوّلاً : بمصير عامة المتأخّرين وكثير من القدماء إلى الخلاف ، وثانياً : بتعارض أحدهما مع الآخر ، فإنّ إجماع الخلاف والغنية مدّعى على البطلان بالموت على الإطلاق ، وإجماع المبسوط على عدمه كذلك واختصاص البطلان بموت الثاني.
نعم ، هما متّفقان على دعواه على البطلان بموته ، لكن يقتصر في الجواب عنه حينئذٍ على الأوّلين ، وإن اعتضد بدعوى الماتن في الشرائع عليه الشهرة (٢) ، كدعوى القاضي الأكثرية مع اختلافهما وتعارضهما في
__________________
(١) راجع ص : ٩.
(٢) الشرائع ٢ : ١٧٩.
الإطلاق وعدمه ، كحكاية الإجماعين المتقدّمين.
( وقال المرتضى ) والحلبي والحلّي (١) ( لا تبطل ) مطلقا ( وهو أشبه ) وأشهر بين من تأخّر ، بل عليه عامّتهم بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم ، وبه صرّح في المسالك (٢) ، ولعلّه كذلك ، فيمكن أخذها حجة.
مضافاً إلى اعتضادها بالشهرة القديمة كما يظهر من السرائر في بحث المزارعة (٣) ، وإطلاق المستفيضة المتقدّمة بلزوم الإجارة إلى المدّة المضروبة واستصحاب الحالة السابقة السليمين عمّا يصلح للمعارضة ، كما مرّ إليه الإشارة.
وفي الخبر : عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الإجارة في كلّ سنة عند انقضائها ، لا يقدّم لها شيء من الإجارة ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة؟ فكتب عليهالسلام : « إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله تعالى » (٤).
وفي آخر : رجل استأجر ضيعة من رجل ، فباع الموجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر ولم ينكر البيع وكان حاضراً شاهداً
__________________
(١) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٤ ، الحلبي في الكافي : ٣٤٨ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٦٠.
(٢) المسالك ١ : ٣٢١.
(٣) السرائر ٢ : ٤٤٩.
(٤) الكافي ٥ : ٢٧٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٠٧ / ٩١٢ ، الوسائل ١٩ : ١٣٦ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٥ ح ١.
عليه .. ، وقد مرّ (١).
وفي الاستدلال بهما على عدم البطلان مع قطع النظر عن قصور سند الأول نظر إن لم يكن الأوّل على الدلالة على خلافه أظهر ، مع اختصاصهما بموت الموجر ومن في حكمه ، فليس فيهما حجّة على المفصّل بينه وبين غيره.
ثمّ كلّ ذا إذا لم يشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه ، وإلاّ بطلت بموته ؛ عملاً بالشرط. كما تبطل عند جماعة (٢) بموت الموجر حيث تكون العين المستأجرة موقوفة عليه وعلى من بعده من البطون فيؤجرها مدّة ويتّفق موته قبل انقضائها ؛ لانتقال الحق إلى غيره ، وليس له التصرّف إلاّ زمن استحقاقه ، ولهذا لا يملك نقلها ولا إتلافها.
والفرق بينه وبين غير الوقت تلقّى الطبقة الثانية العين الموقوفة عن الواقف دون الموجر ، بخلاف الوارث فإنّه يتلقّى الملك فيه عن الميت ، فتدبّر.
قالوا : نعم ، لو كان ناظراً وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته.
لكن الصحّة حينئذٍ ليست من حيث إنّه موقوف عليه ، بل من حيث إنّه ناظر.
ومثله الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك.
( وكلّ ما تصحّ إعارته ) شرعاً من الأعيان المنتفع بها مع بقائها ( تصحّ إجارته ) بلا خلاف في الظاهر ، وبه صرّح في السرائر والغنية (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، والعمومات كتاباً وسنة.
دون ما ليس كذلك مطلقا ، ولو في نحو المنحة ، إجماعاً هنا ، كما
__________________
(١) في ص : ٩.
(٢) منهم : الشيخ في الخلاف ٣ : ٥٥٢ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ٨٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢١ ، والروضة البهية ٤ : ٣٣٠.
(٣) السرائر ٢ : ٤٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.
عن التذكرة (١) ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى مخالفته الأصل ؛ إذ ليس الإجارة في العرف واللغة عبارة إلاّ عمّا كانت العارية فيه حقيقة لكن مع العوض ، ويفترقان بلزومه خاصّة.
وثبوت المخالفة له في العارية في نحو المنحة بعد قيام الدليل عليه من الإجماع والرواية غير موجب لإلحاق الإجارة بها فيها ؛ إذ ليس إلاّ قياساً فاسداً في الشريعة ، مع كونه مع الفارق ، بناءً على لزوم الإجارة وجواز العارية ، فيغتفر فيها ما لا يغتفر في العقود اللازمة.
( وإجارة المشاع جائزة ) مطلقا ، استأجره من شريكه أو غيره ، عندنا ، كما في المسالك والروضة (٢) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، والعمومات كتاباً وسنّة.
ولا مانع منه باعتبار عدم القسمة ؛ لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك ، ولكن لا يسلم العين المشتركة إلاّ بإذنه ، ولو أبى رفع الأمر إلى الحاكم ، كما إذا نازع الشريكان.
ثمّ إنّه إذا كان المستأجر عالماً بالحال ، وإلاّ فله الفسخ ؛ دفعاً للضرر.
( والعين ) المستأجرة ( أمانة لا يضمنها المستأجر ، ولا ما ينقص منها ، إلاّ مع تعدٍّ أو تفريط ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ، فما عليه؟ قال : « إن كان اشترط أن لا يركبها
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٩٥.
(٢) المسالك ١ : ٣٢١ ، الروضة ٤ : ٣٣١.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.
غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه شيء » (١).
وفيه في المتعدّي : أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟
قال : « نعم » قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ فقال : « عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه » (٢).
وفي الخبر فيه أيضاً : « وإن عطب الحمار فهو ضامن » (٣).
وفي آخر : « إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن ، وإن سقطت في بئر فهو له ضامن لأنّه لم يستوثق منها » (٤).
هذا مضافاً إلى بعض النصوص المتقدّمة (٥) في العارية المعلِّل عدم ضمانها بالأمانة التي هي بعينها في المقام موجودة ، ونحوه النصوص المستفيضة (٦) الواردة في عدم ضمان الأجير لما يتلف في يده إذا كان أميناً.
وكذلك الأجير إذا هلك ، صغيراً كان أو كبيراً ، حرّا أو عبداً ؛ لبعض ما مرّ من التعليل ، وعليه إجماع المسلمين كما في المفاتيح وغيره (٧).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٩١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٢ ، الوسائل ١٩ : ١١٨ أبواب أحكام الإجارة ب ١٦ ح ١.
(٢) الكافي ٥ : ٢٩٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٣٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ١٩ : ١١٩ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ١ فيه وفي الكافي بتفاوت يسير.
(٣) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢١٣ / ٩٣٧ ، الوسائل ١٩ : ١٢١ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ٢.
(٤) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٢ / ٧٠٩ ، التهذيب ٧ : ٢١٤ / ٩٣٩ ، الوسائل ١٩ : ١٢١ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ٣.
(٥) راجع ج ٩ ص ٤٤٦.
(٦) انظر الوسائل ١٩ : ١٤١ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٢.
(٧) المفاتيح ٣ : ١١٢ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٣١٨.
ثمّ إن إطلاق العبارة وغيرها من عبائر جماعة وصريح آخرين (١) ، وربما نسب إلى الشهرة (٢) عدم الفرق في الحكمين بين التلف في المدّة أو بعدها ، ولا خلاف فيه في الحكم الثاني مطلقا ، وكذا في الأوّل في الصورة الأُولى ؛ والوجه في الجميع واضح.
وأمّا ثبوته في الثانية فلأصالتي البراءة واستصحاب الحالة السابقة السليمتين عمّا يصلح للمعارضة ، عدا توهّم استلزام انقضاء المدّة صيرورة العين أمانة شرعية تضمن لو أخلّ بردّها فوراً.
ويضعف بمنع وجوب الردّ ، وإنّما يجب بعد المطالبة تمكينه منها والتخلية بينه وبينها كسائر الأمانات ؛ للأصلين المتقدّمين. نعم ، لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدّة ضمن.
فخلاف الإسكافي والطوسي (٣) حيث أطلقا الضمان بعد المدّة مع الإخلال بالفوريّة ، نظراً إلى أنّه غير مأذون فيه فيضمنها مطلقا ، ويجب عليه مئونة الردّ ضعيف غايته.
وفي جواز اشتراط الضمان حيث لم يثبت بأصل العقد ، لعموم الوفاء بالشروط ، أم العدم ، لمنافاته لمقتضاه فيفسد قولان. والثاني أشهر ، والأوّل أظهر ، لما مرّ ، مع ضعف المعارض ، لمنع المنافاة على إطلاقه ، بل هو حيث لم يكن هناك شرط.
وفي الخبر : عن رجل استأجر سفينة من ملاّح ، فحملها طعاماً
__________________
(١) منهم : المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨٠ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٢٣٤ ، والشهيد في المسالك ١ : ٣٢١ ، والروضة ٤ : ٣٣١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٢٤.
(٢) كما في الحدائق ٢١ : ٥٤٣.
(٣) نقله عن الإسكافي في المسالك ١ : ٣٢١ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٢٤١.
واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه ، فقال : « جائز » قلت : إنّه ربما زاد الطعام ، قال : فقال : « يدّعي الملاّح أنّه زاد فيه شيئاً؟ » قلت : لا ، قال : « لصاحب الطعام الزيادة ، وعليه النقصان إذا كان قد شرط عليه ذلك » (١).
وعلى الثاني ففي فساد العقد بفساد الشرط أم لا قولان ، الأشهر الأوّل.
( وشروطها ) أي الإجارة ( خمسة ) بل ستة.
أحدها : ( أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف ) بلا خلاف ، بل في الغنية (٢) عليه الإجماع ؛ لعموم أدلّة الحجر على غيرهما ، فلا تصحّ إجارة الصبي مطلقا ، وإن كان مميّزاً وأذن له الولي ، على الأقوى ، ولا المجنون مطلقا ، ولا المحجور عليه بدون إذن الولي أو مَن في حكمه ، لا مطلقا.
( و ) ثانيها : ( أن تكون الأُجرة معلومة كيلاً أو وزناً ) أو عدّاً ، إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع ، أو مشاهدة إن لم تكن كذلك.
( وقيل : ) كما عن المبسوط والمرتضى (٣) إنّه ( تكفي المشاهدة ) فيها عن اعتبارها بأحد الأُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها ؛ لأصالة الصحّة ، وانتفاء الغرر بالمشاهدة.
والأصحّ الأوّل ، وفاقاً للنهاية والحلّي (٤) وكافة المتأخّرين ؛ لأنّ
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٤٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢١٧ / ٩٤٩ ، الوسائل ١٩ : ١٥٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٣٠ ح ٥.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.
(٣) المبسوط ٣ : ٢٢٣ ، حكاه عن المرتضى في المسالك ١ : ٣٢١.
(٤) النهاية : ٤٤٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٥٩.
الإجارة كالمبايعة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة ، فلا بدّ فيها من انتفاء الغرر والجهالة عن العوضين المنفيين في الشريعة.
وما ربما يقال من اختصاص المنع عنهما بالبيع ولا دليل على التعدّي عدا القياس المحرّم (١) ، غريب ؛ لتوجه النظر إليه أوّلاً : بعدم الخلاف في المنع عنهما مطلقاً ، بل هو مجمع عليه بين كافّة العلماء ، والشاهد عليه سند المخالف ، حيث جعله ارتفاع الغرر لا اختصاص المنع عنه بالبيع ؛ مضافاً إلى استنادهم عليه في جميع موارد الفقه ، حتى إن القائل هو بنفسه أيضاً كذلك.
وثانياً : بدعوى الإجماع على المنع عنهما وإفسادهما الإجارة المختلف (٢) وشرح الشرائع للمفلح الصيمري.
وثالثاً : بدعوى الغنية الإجماع على اشتراط المعلوميّة (٣) ، والمتبادر منها ما لم يكن فيه غرر ولا جهالة بالكلية.
وبالجملة لا شبهة في اشتراط عدمهما ، ولا نزاع فيه بالمرّة ، وإنما هو في ارتفاعهما بالمشاهدة ، وهو أمر آخر. والحق فيه مع الجماعة ؛ لأنّ دعوى الارتفاع بها فاسدة بلا شبهة ، ومع التنزّل فصحّتها غير معلومة ، والجهالة ممكنة كعدمها ، وبالتردّد بينهما يشكّ في تحقّق شرط الصحّة فيشكّ لأجله في صحّة الإجارة ، والأصل فسادها بالضرورة ، والعمومات بما دلّ على اشتراط المعلومية من الإجماع مخصّصة ، فلا معنى لأصالة الصحّة.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٢٦ ، الحدائق ٢١ : ٥٤٨.
(٢) المختلف : ٤٦٠.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.
( و ) اعلم أن مورد الخلاف إنّما هو فيما ( لو كان ) الأُجرة ( ممّا يكال أو يوزن ) أو يعدّ ، وأمّا لو كانت ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار ونحوها من الأمتعة كَفَتْ فيها قولاً واحداً.
( وتملك الأُجرة بنفس العقد ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية وعن التذكرة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى اقتضاء صحة المعاوضة انتقال كلّ من العوضين إلى الآخر.
قالوا : لكن لا يجب تسليمها إلاّ بتسليم العين المستأجرة ، أو العمل إن وقعت عليه الإجارة ، وفي شرح الإرشاد الإجماع عليه (٢) ، وخصّه في الكفاية بما إذا كان ذلك مقتضى العادة (٣).
ولعلّ الوجه في العموم بعد الإجماع المتقدّم الأصل ، مع احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الدفع ، لاحتمال عدم إمكان استيفاء المنفعة بالموت وشبهه ، وهو منفي ، فللمستأجر التأخير إلى التسليم ، إلاّ أن يكون هناك عادة تقضي بالتعجيل فيجب كاشتراطه ، لإقدامه فيهما على الضرر.
وفائدة الملكية مع عدم وجوب التسليم تبعيّة النماء متصلاً أو منفصلاً لها إن وقع العقد عليها بعينها.
وأمّا مع تسليمهما فيجب تسليمها ( معجّلة ) بعده ( مع الإطلاق ) وعدم تقييد العقد بتأجيلها ( أو اشتراط التعجيل ) بلا خلاف ؛ لأنّ تسليم أحد العوضين يسلِّط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك.
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠ ، التذكرة ٢ : ٢٩١.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٦.
(٣) الكفاية : ١٢٤.