وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

كقول الآلوسيّ فيه «إنّه أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة».

وما سبق عند السيد حيدر الآملي من عدّه في المناقب المتسالم عليها ، التي لا يفتقر ناقلها إلى كتاب.

وما عرفته عن ابن اللوحيّ من إسناد روايته إلى الفريقين ، وإصفاقهم على نقله.

وما سلف عن العلّامة النوري قدس سره أنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمايمة ، وأنّها جاءت في أخبار غير محصورة ، ومنصوص بها في كلمات العلماء ، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار.

إلى غير هذه من كلمات كثيرة تؤدّي ذلك المؤدّى.

على أنّ البحث لا يعدمنا النصّ الصريح بذلك :

قال العلّامة السيد هاشم البحراني ، المتوفّى سنة (١١٠٧ ه) في (مدينة المعاجز) : «قال محمّد بن علي بن شهر آشوب في (مناقبة) : أجمعت الشيعة على أنّه عليه السّلام ولد في الكعبة» (١)

والظاهر أنّ النقل عن كتاب (المناقب) نفسه الذي لم تقف عليه ، لا منتخبه المعروف المطبوع المشهور بمناقب ابن شهر آشوب ، وهو لابن جبر (٢) ، فلا تذهب المذاهب بالقارىء.

__________________

(١) مدينة المعاجز : ٧.

(٢) الثابت عند المتخصّصين أنّ المطبوع هو «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب ، وأنّ منتخبه الموسوم بـ (نخب المناقب) لأبي عبد الله الحسين بن جبر ، ما يزال مخطوطاً ، وموجوداً في بعض المكتبات. اُنظر الذريعة ٢٢ :.

١٦١

وفي (مناقب المعصومين عليهم السلام) عن (المناقب) أنّه إجماع أهل البيت عليهم السلام (١).

ورأيت في موسوعة لبعض الفضلاء المتأخّرين ، أنّ ولادته فيها هو الأشهر بل عليها الإجماع ، وإلى الآن لم يولد فيها غيره.

ولنا أن نثبت إجماع الشيعة على ذلك طوراً ، واتفاقها مع أهل السنّة تارةً.

أمّا اتفاق الشيعة :

فلا يعزب الجزم به أيّ باحث منقّب ، وقف على كلماتهم ، وسبر أخبارهم ، واطّلع على تواريخهم.

وقد عرفت في تضاعيف هذه الرسالة طرفاً من أحاديث الباب وكلمات العلماء ، وقد أرسلوا فيها حديث الولادة إرسال المسلّم ، نافين عنه أيّ شبهة وارتجاف.

وهناك جموع آخرين نوقفك على بعض عبائرهم أو مضامينها :

فمنهم العلّامة الأوحد قطب الدين محمّد ابن الشيخ عليّ الشريف اللاهيجي ، تلميذ المحقّق الداماد المترجم في (أمل الآمل) (٢) في كتابه القيّم الفخم (محبوب القلوب).

فقد نصّ ـ كما عرفته من علماء اُمّته قبلَه وبعدَه ـ بولادة الإمام عليه السلام داخل الكعبة ، يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب ، قبل الهجرة بثلاث وعشرين عاماً.

قال : «ولم يُولد في البيت الحرام قبلَه أحدٌ سواه ، وهي فضيلةٌ خصّه الله تعالى بها ، إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته».

__________________

(١) في الذريعة ٣٣٤ : ٢٢ : مناقب المعصومين (للشيخ عبد الخالق بن عبد الرحيم اليزدي) المتوفى سنة (١٢٦٨ ه).

(٢) أمل الآمل ٢٨٥ : ٢ / ٨٤٩.

١٦٢

ويقربُ منه ما ذكره البارع الجليل السيد عباس بن عليّ بن نورالدين الموسوي الحسيني المكّي في رحلته المساة بـ (نزهة الجليس ومنية الأذيب الأنيس) (١).

وما قاله العالم الناقد المتبحّر السيد نعمة الله الموسوي الجزائري ، المتوفى سنة (١١١٢ ه) في (الأنوار النعمانية) وناهيك به ناقداً للأخبار ، متبصراً فيها (٢).

ومنهم نظام الدين ، محمد بن الحسين التفرشيّ الساوجي ، تلميذ الشيخ بهاء الدين العاملي ، متمّم (جامعة العبّاسي) بعده ، بأمر الملك السعيد الشاه عباس الصفوي.

قال في الباب السابع من تكملة (الجامع) المذكورة : «إنّ ولادته عليه السلام في جوف الكعبة».

وكذلك أرسله إرسال المسلّم شيخنا الفقيه الأوحد الشيخ خضر بن شلال آل خدام العفكاوي النجفي ، المتوفى سنة (١٢٥٥ ه) في مزاره المسمّى بـ (أبواب الجنان وبشائر الرضوان).

قال : «ومولده الشريف في الكعبة الحرام بعد عام الفيل بثلاثين سنة».

ومثله في الجزم بذلك العلّامة المشارك في العلوم الحاج المولى الشريف الشيرواني ، نزيل تبريز ، من تلمذة سيّد الرياض ، وهو من ثقات علمائنا ، في كتابه (الشهاب الثاقب).

فقال : «إنه ولد في مكّة ببيت الله الحرام» ، قال : «ولم يولد فيه قطّ سواه ، لا قبلَه ولا بعدَه».

وعيّن التأريخ بليلة السبت لثلاث وعشرين من رجب ، قال : «وقيل : يوم الجمعة» (٣).

__________________

(١) نزهة الجليس ١٠٣ : ١.

(٢) الأنوار النعمانية ٣٧٠ : ١.

(٣) الشهاب الثاقب : فصل ٢.

١٦٣

ومنهم المحقّق الحكيم العارف الأخلاقي الفقيه المحدّث الشاعر المولى محمّد ابن المرتضى المدعو بالمحسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة (١٠٩١ ه) فقد أثبت ذلك في كتابه (تقويم المحسنين) في حوادث شهر رجب : «أنّ في ثالث عشرة يوم الجمعة على الأشهر ولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة ، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة ، وللنبيّ صلى الله عليه وآله يومئذ ثمان وعشرون سنة» (١).

وما ثله في ذكر الفضيلة بصفة الجزم بها الشيخ ابو محمّد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي في (إرشاده) وكذلك في تأريخ الاُسبوع والشهر ، وذكر أنّها كانت سنة ثلاثين من عام الفيل ، ونفى أن يكون قبلَه عليه السلام أو بعده أحدٌ قد وُلد في البيت ، وأنّها إحدى فضائله الجمّة المخصوصة به (٢).

ومثله العلّامة الأوحد ، الجامع للمعقول والمنقول ، الحاج السيد ميرزا حبيب الله ابن محمّد بن هاشم الموسوي الخوئي في شرح نهج البلاغة ، المسمّى (منهاج البراعة).

قال : «وقد خصّه الله بهذه الفضيلة على سائر الأنام ، ولم يولد في البيت أحدٌ قبلَه ولا بعدَه ، وفي ذلك يقول أبوه أبو طالب عليه السلام :

أنتَ الذي فرضَ الإله ولاءَهُ

ونطقتَ حقّاً بالجوابِ الصائبِ

 أنتَ الذي رفعَ الإله محلّهُ

وعَلا عَلاك على الشهابِ الثاقبِ

وولدتَ في البيت الحرام وخصّكَ

الباري بكلّ مكارمٍ ومواهبِ (٣)» (٤)

__________________

(١) تقويم المحسنين : ١٧.

(٢) إرشاد القلوب : ٢١١.

 (٣) علّق المولّف : أنا لا يروقني إثبات هذه الأبيات لشيخ الاُمة وأب الأئمة عليهم وعليه السلام ، فإنّ شعره أفحل من أن تعدّ هذه في عداده ، والعبرة هنا بكلام هذا السيّد الجليل لا الشعر المنقول ، ولا بأس بأن تكون لبعض الشعراء.

(٤) منهاج البراعة ٢١٦ : ١.

١٦٤

ومنهم العلّامة الفقيه السيّد حيدر الحسني الحسيني الكاظمي ، المتوفّى سنة (١٢٦٥ ه) قال في كتابه (عمدة الزائر) : «... وأنّه ولد بمكّة في البيت الحرام ، يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، وهو المشهور.

والأقوى عندي ما رواه الشيخ في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : كانت ولادته يوم الأحد ، لسبع خلون من شعبان ، وكان بين مولده ومولد رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثون سنة ، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت الله الحرام سواهُ ، إكراماً له وتعظيماً له من الله تعالى بذلك وإجلالاً لمحلّه» (١).

وقال سيّد الفقهاء ، الآية الباهرة ، السيد مهدي القزويني قدس سره ، المتوفّى سنة (١٣٠٠ ه) في (فلك النجاة) : «ولد يوم الجمعة ، ثالث عشر رجب ، وروي سابع شعبان ، والأول أشهر ، بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثين سنة ، في الكعبة البيت الحرام ، هو أوّل من أسلم يوم مبعث النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن عشر سنين ، وأوّل من صدّق به» (٢).

وفي (عدّة الرجال) للعلّامة المحقّق السيد محسن الأعرجي : «ولد أمير المؤمنين عليه السلام بعد عام الفيل ومولد النبي بثلاثين سنة ، في أيّام هِرَقل ، يوم الجمعة في رجب ، وقيل في شعبان في البيت الحرام ، ولم يولَد في البيت أحدٌ قبلَه ولا بعدَه» (٣).

ثمّ ذكر حديث يزيد بن قَعنب كما مرّ عن الصدوق.

__________________

(١) عمدة الزائر : ٥٤.

(٢) فلك النجاة : ٣٢٦.

(٣) عدّة الرجال ٥٤ : ٢.

١٦٥

وهذا العالم البّحاثة النقيد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه ، لكنّه لم يجد في حديث البيت أيّ ترديد ، فلم ينبس عنه ببنتِ شَفَةٍ ، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه ، وهو ذلك الصريح الشديد في البحث.

والشيخ عبد النبي الجزائري في (حاوي الأقوال) والشيخ أبو علي الرجالي في (منتهى المقال) وإن نقلا هذه الحقيقة الراهنة عمّن قلبهما من العلماء ، وقد أثبتنا في هذه الرسالة مقاله ، لكن العبرة في المقام بإخبات الرجلين ـ وهما من أعلام علماء الدين ـ بها ، وبخوعهما لصحّتها.

ومنهم البحر الخضمّ علّامة العصور السيّد عليّ خان المدني الشيرازي ، المتوفى سنة (١٢١٠ ه) في (الحدائق الندية في شرخ الفوائد الصمدية).

فقد نقل عن (الفصول المهمة) عبارته الآتية مكتفياً بها ، مذعناً بحقيقتها وسقّتها (١).

وهناك من مؤلّفي العصور الأخيرة العالم النقيد المولى عليّ أصغر البروجردي ، الذي أطلق القول الصراح في كتاب (عقائد الشيعة) : بأنّ «مولده عليه السلام في وسط البيت ، ضحى الجمعة ، بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبيّ الأعظم» (٢).

ولغيره كتاب آخر في المعارف الإلهية أحسنَ فيه وفي مبحث الإمامة ، لم يشكّ بأنّ مولد الإمام عليه السلام في الكعبة ، بعد عام الفيل بثلاثين عاماً في الثالث عشر من رجب يوم الجمعة.

قال : «ولم يولد فيها أحد سواه ، لا قبلَه ولا بعدَه».

__________________

(١) الحدائق الندية : ١٠ ، والفصول المهمة : ٣٠.

(٢) عقائد الشيعة : ٣١.

١٦٦

إلى هنا نكتفي من نماذج هذا الفصل بما ذكرناه ، على أنّ جميع ما وقفت عليه تحت عناوين هذه الرسالة شروى هذه النقول ، فيمكننا في هذا الموقف الاحتجاج بكلّ ذلك ، ولعلّها جمعاء كقطرٍ من بحرٍ ، بالنسبة إلى ما يجده السابر لكتب علمائنا.

وأمّا إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة ، فمن أجلى الحقائق وأثبتها.

لقد أسمعناك كلمة الحاكم في (المستدرك) وحكمه بتواتر النقل به.

ثمّ نقل الحافظ الكنجيّ الشافعيّ عنه ذلك بصفة اُخرى.

وحكم آخر بالتواتر عن المحدّث الدهلويّ.

وكلام الآلوسي بما يوافقهم ونصّه بـ «أنّ ذلك مشهور في الدنيا».

وما عن الصفوريّ الشافعي في ذلك.

وعن (تاريخ گزيده) لحمد الله المستوفي.

وعن (مطالب السؤول) لابن طلحة الشافعي.

وعن (مرآة الكائنات) لنشاجيّ زاده.

و (سير الخلفاء) للدهلويّ المعاصر.

وكتاب (الحسين) للسيد علي جلال الدين الحسيني.

وعن عبد الباقي أفندي العمري في قصيدته.

وعن المولى الروميّ ، ومعين الدين الجشتيّ ، وعبد الرحمن الجامي في شعرهم. والأمير محمد صالح الترمذي في (مناقبه).

بل ذكر العلّامة الشيخ أبو الحسن الشريف العامليّ في الفوائد الغروية والدرر النجفية) أنّه «روى حديث الولادة [في الكعبة] أكثر العامّة ، وأنّه يوم الجمعة ، ولم يولد فيها أحد غيره».

١٦٧

وإليك أسماء آخرين منهم لم يمتاروا في صحّة الخبر ، فسردوه خاضعين لأمره : قال نور الدين عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكّي المالكي ، المتوفى سنة (٨٥٥ ه) في (الفصول المهمة) : «ولد عليّ عليه السّلام بمكة المشرفّة ، بداخل البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب الفرد ، سنة ثلاثين من عام الفيل ، قبل الهجرد بثلاث وعشرين سنة ، وقيل : بخمس وعشرين سنة.

وقبل المبعث باثني عشرة سنة ، وقيل : بعشر سنين.

ولم يولد في البيت الحرام قبلَه أحدٌ سواه ، وهي فضيلة خصّهُ الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاء لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته» (١).

كما عرفت نقلها كذلك عن العلامة السيد علي خان المدني في (الحدائق الندية) قبيل هذا (٢).

والسيد مؤمن بن الحسن بن مؤمن الشَّبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) قال : «ولم يولد في البيت الحرام قبلَه أحد سواه ، قاله ابن الصباغ» (٣).

ونقل عن (الفصول) هذه مع نسبتها إلى مؤلّفها غيرُ واحد من أثبات أهل السنّة غير هؤلاء ، كالسّمهودي في (جواهر العقدين) وبرهان الدين الحلبيّ في (إنسان العيون) (٤).

وقال شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قز أُغلي الشهير بسبط ابن الجوزي في (تذكرة خواصّ الاُمّة) : «روى أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه السلام فضرها الطَلقُ ، ففُتِحَ لها باب الكعبة ، فدخلت فوضعته فيها.

__________________

(١) الفصول المهمة : ٣٠.

(٢) الحدائق الندية : ١٠.

(٣) نور الأبصار : ١٥٦.

(٤) إنسان العيون : ١٦٥.

١٦٨

وكذا حكيم بن حزام ولدته اُمه فيها.

قلت : وقد أخرج لنا أبو نعيم الحافظ حديثاً طويلاً في فضلها.

إلّا أنّهم قالوا : في إسناده رَوح بن صلاح ، ضعّفه ابن عَديّ فلذلك لم نذكره (١)» (٢).

عرفت أنّ ولادة حكيم فيها ، على تقدير صحّتها ، من جملة الصدف والاتفاقات غير القصدية ، فليس فيها فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض ، ويجب تطهيره.

وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي فُتح لاُمّه الباب ـ كما في عبارة السبط نفسه ـ ولم يُفتح لغيرها ، بالرغم من جهدهم في ذلك ، كما سبق في أحاديث كثيرة.

أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته ـ كما في أحاديث الشيعة ـ؟

ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهيّاً قصد به التنويه بِشَرَف المولود المبارك الذي شرَّف البيت بولادته فيه.

وقوله : «فيما رواه ابو نعيم من الرواية المحكوم عليها بالضعف».

فسياق العبارة يعطي أنّها في فضل فاطمة بنت أسد فحسب ، غير متضمّنة لحديث الميلاد الشريف ، فلا يهمنا إذن ضعيفةً كانت هي أو قوية.

__________________

(١) قال العسقلاني في لسان الميزان ٤٦٥ : ٢ : رَوح بن صلاح المصري ، ضعّفه ابن عدي ، وقد ذكره ابن حبّان في الثقفات ، وقال الحاكم : ثقة مأمون. انتهى.

وقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال ٦٣٦ : ١٣ حديثاً في فضلها عليها السلام عن أبي نعيم الحافظ في المعرفة والديلمي ، وقال : سنده حسن.

(٢) تذكرة الخواص : ١٠.

١٦٩

وإن كانت تتضمن شيئاً من ذلك فهو غير ضائر لنا ، فإنّ مستند السبط في أمر الولادة غيرها ، ولو كان مأخوذاً منها لتركه كما تركها لضعفها ، فإنّ الضعف إن كان مسقطاً لجميع الرواية عن الاعتبار وموجباً للتحرّج عن إيرادها ، فليس للاستناد إلى بعضها مبررٌ يرتضيه عالمٌ يترفّع عن التعويل على الأخبار الضعيفة.

فليس في نقله الحديث «يروى» بصيغة المجهول أيّ إيعاز إلى الوهن فيه ، بعد ما عرفت حال الرجل في خصوص المقام ، وهو المعهود منه في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده ، أو تصحيحه ، أو حذفه رأساً لضعفه.

وإنّما جاء به كذلك لتكثّر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّي لسردها ، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد.

وإنّما الغرض الإشارة إلى إحدى المسلمات بأوجز بيان.

ومثله من علمائنا ما وقع في عبارة السيد رضي الدين ابن طاوس ، المتوفّى سنة (٦٦٤ ه) في (الإقبال).

قال : «روي أنّ يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوة باثنتي عشر سنة» (١).

فالمسند فيه إلى تلك الرواية هو يوم الولادة ثالث عشر رجب الذي وقع الخلاف فيه ، لا محلّها المجمع عليه ، الذي تضافرت الروايات به وتواترت الأسانيد.

وما كان مثل السيّد ابن طاوس بالذي يخفى عليه جليّة الحال في المقامين ، وهو نابغة العلم وبحاثة الحديث ، وراوية السير.

وقال أحمد بن منصور الكازروني في (مفتاح الفتوح) : «ولدت فاطمة عليّاً عليه السلام في الكعبة.

__________________

(١) الإقبال : ٦٥٥.

١٧٠

ونقل عنها أنّها كانت إذا كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكّنها ، ولذا يقال عند ذكر اسمه : «كرّم الله وجهه» أي كرّم الله وجهه عن أن يسجد لصنم».

أنا لا أُحاول تصديق الرجل في كل ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة ، فإنّي لا اُصافقه على أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم ، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان.

ولو كات اُجوّز لها تلكم الاُسطورة ، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها.

لكنّي اعتقد أنّ كون الإمام سلام الله عليه في بطنها حملاً ، وتقدير كونها حاملاً له عليه السلام من الله سبحانه منذ الأزل ، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبر هان الربّ (العصمة) المانع يوسف عن الزنا.

وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمة عليهم وعليه السلام واُمهاتهم ، فهم مبرّءون عمّا يصمهم في دين أو دنيا.

ولهذا البحث مقالٌ ضافٍ لا يسعه المقام ، وإنّما المراد هنا فذلكة (١) المقام من أنّا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً ، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في (الصواعق).

ولقد أُسرَّ ناقلها حَسوا في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام ، كما تحامل على أبيه المقدّس ، فحكم بكفره لأمر دبَّرَ بليل ، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة.

وأسند عبد الرحمن الجاميّ في (شواهد النبوّة) (٢) حديث ولادة الكعبة إلى بعضهم.

غير أنّه خلط الحابل بالنابل ، وجاء بعثرات لا تقال.

__________________

(١) الفذكلة : مجمل ما فُصل وخلاصته. المعجم الوسيط ـ فذلك ـ ٦٧٨ : ٢.

(٢) شواهد النبوة : ١٩٨ ، ط. المطبعة الحيدرية ـ بومباي ـ سنة (١٢٨٨ ه).

١٧١

فحدّد عام المولد الشريف بالسابعة من عام الفيل ، عن الضدّ من ضرورة التاريخ والحديث ، وعلم النسب ، المثبتة أنّه في الثلاثين ، وشذّ من أرّخه بالثامن والعشرين منه.

ثمّ ذكر على ذلك : أنّه كان عند بعثة النبي صلى الله عليه وآله ابن خمسة عشر عاماً.

وعليه يجب أن تكون البعثة في الثاني عشر من عام الفيل ، أو أن يكون الإمام عندها إبن ثلاثة وثلاثين عاماً.

وكلاهما مخالف للضرورة والإجماع.

وعلى العلّات ، فالغرض من نقل ما ذكره الرجل هو ما عزاه إلى البعض من حديث الولادة نفسه ، فلا يقصر أن يكون إحدى روايات الباب.

وللجامي رباعية في حديث الولادة ، والشعراء تلمح إلى هذه الفضيلة بما يكاد أن يبلغ مبلغ الصراحة (١).

وقال الشيخ عبد الحقّ بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في (مدارج النبوة) ما ترجمته : «قالوا : إنّه سمّته ـ يعني الإمام عليه السلام ـ اُمّهُ فاطمة بنت أسد (حيدرة) موافقة لاسم أبيها أسد ، فإنّ حيدرة اسم للأسد ، ولمّا جاء أبو طالب كره ذلك ، فسمّاه (عليّاً).

وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله بالصديق كذا في (الرياض النضرة) (٢) : وكنّاه بأبي الريحانتين.

ولقّبه بـ (بيضة البلد) و (الأمين) و (الشريف) و (الهادي) و (المهتدي) و (ذي الاُذن الواعية) و (يعسوب الاُمّة).

وقالوا : إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة» (٣).

__________________

(١) أوردنا الرباعية في حديث الشعراء.

(٢) انظر الرياض النضرة ١٠٤ : ٣ و ١٠٧.

(٣) مدارج النبوة ٥٣١ : ٢ ، ط. دلول كشور ، ١٩١٤ م.

١٧٢

مترجماً من الفارسية.

ولا منافاة بين ما ذكره من أنّ أبا طالب عليه السلام سمّاه عليّاً ، وبين ما مرّ من أنّ التسمية كانت من عند الله سبحانه ، وأُنهيت إلى أبي طالب بطريق غير عادي.

وقد علمت أن شيخ الأبطح لما بلغه الأمر الإلهي سمّاه (عليّاً) فهي في الظاهر منسوبة إليه.

وأمّا تسرّع فاطمة بالتسمية فلا تصحّ عندي.

والأمير محمد صالح بن عبد الله الكشفيّ التّرمذي الأكبر آبادي ، بعد أن ذكر حديث يزيد بن قَعنب السابق ذكره بأسانيد متكرّرة مرسلاً له إرسال المسلّم في كتابه (المناقب) نقل عن أبي داود البناكتي أنّه «لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت» (١).

مترجماً من الفارسية.

وفي (روائح المصطفى) لصدر الدين أحمد البردوانيّ من متأخري علماء القوم : «كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، يوم الجمعة في الثالث عشر من الرجب» (٢).

مترجماً من الفارسية.

وفي كتاب (آئينه تصوّف) لشاه محمد حسن الجشتيّ : «أنّه عليه السلام ولد في الكعبة في الثامن عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل عند الضحى قبل مبعث البنيّ صلى الله عليه وآله بستّ سنين وستّة أيام» (٣).

مترجماً من الهندية.

__________________

(١) مناقب مرتضوي : ٨٧ ، ط. بومباي ، سنة (١٣٢١ ه).

(٢) روائح المصطفى : ١٠ ، ط. كالنبور ، سنة (١٣٠٢ ه).

(٣) آئينه تصوف : ٩ ، ط. لامپور ، سنة (١٣١١ ه).

١٧٣

وفيه من الغرائب تعيينه يوم الولادة بالثامن عشر من رجب ، وأغرب منه تحديده الوقت بما قبل البعثة بستّ سنين وستّة أيام.

فإنّ من المتسالم عليه أنّ مولده صلّى الله عليه وآله في عام الفيل ، وأنّ بعثته على رأس الأربعين من عمره الشريف ، فيجب أن تكون ولادة الإمام عليه السّلام ، وهي بعد الثلاثين من عام الفيل قبل المبعث بعشر سنين.

وفي (مفتاح النجا في مناقب آل العبا) لميرزا محمّد بن رستم معتمد خان الحارثيّ البدخشيّ ، بعد تحديد شهر الولادة ويومها من الاسبوع وسنتها بالجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، وأنّها بمكّة في البيت الحرام : «وسمّته اُمّه حيدرة ، وسمّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً ، فرضي أبواه بذلك ، ولم يولد في البيت الحرام أحدٌ سواه ، قبلَه ولا بعدَه ، وهي فضيلة خصّه الله بها».

وفي (كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب) للعلّامة الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي المدرّس بالأزهر ـ بعد التزامه فيه بشدّة التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة ، فيما زعمه ، لأنّ الإمام عليه السّلام في غنىً عنها لكثرة ما ثبت في السنّة من أحاديث فضائله ـ ، وأرسل إرسال المسلّم : أنّ من مناقبه ـ كرّم الله وجهه ـ ، أنّه ولد في داخل الكعبة ، ولم يعرف ذلك لأحدٍ غيره ، إلّا حكيم بن حزام رضي الله عنه.

ففي (شرح الشفا) للشيخ عليّ القاري ، بعد أن قال في حكيم بن حزام : «ولا يعرف أحدٌ ولد في الكعبة غيره على الأشهر» ما نصّه : «وفي (مستدرك الحاكم) أنّ عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ أيضاً ولد في داخل الكعبة» (١).

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢٥ و ٣٧ ، وشرح الشفا ١ : ١٥١ ، طبع الآستانة ، والمستدرك ٣ : ٤٨٣.

١٧٤

ليت القارىء لم يسحب ذيل أمانته على كلمة الحاكم الموجودة في (المستدرك) التي أسلفنا إثباتها عند إثبات تواتر هذا الحديث.

وليته ذكر قوله : «تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة».

ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ (١)؟ عذرته.

فهو حين رمى القول على عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلى الأشهر ـ المستخرج من علبة مخيلته ـ لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار.

فلا أقلّ من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً ، فكان الأحفظ لسمعته والأستر لَمينِه (٢) ، أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلى رأيت ، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحدٌ الحساب.

لكن الحقيقة لا بدّ وأن تبرز نفسها.

* * *

__________________

(١) مأخوذ من بيت لرؤيه من العجّاج ، عجزه : ليت شباباً بوعَ فاشتريت.

(٢) المين : الكذب. لسان العرب ـ مين ـ ١٣ : ٤٢٥.

١٧٥

١٧٦

(٥)

الولادة

في الكعبة المعظّمة

فضيلةٌ لعليٍّ عليه السّلام

خَصَّهُ بها ربُّ البيت

ومناقشة علميّة تفنّد حديث

ولادة أُم حكيم بن حزام المزعومة

بقلم

الاُستاذ شاكر شَبع النجفي

__________________

(١) مقال طبع في مجلة (تراثنا) العدد ٢٦ : ١١ ـ ٤٢.

١٧٧

١٧٨

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، وصحبه الأخيار المنتجبين.

أمّا بعد :

فقد حالفني الحظّ في مطالعة كتاب «عليٌّ وليد الكعبة» لسماحة الشيخ الحجّة الميرزا محمّد علي الغروي الاُردوبادي تغمّده الله برحمته ، وسبرت غوره بقدر ما وسعني ذلك ، فامتلأت نفسي إعجاباً وإكباراً له ، ووجدتني مندفعاً لتسجيل كلمة تُعرب عن مبلغ ارتياحي وابتهاجي بهذا الأثر القيّم ومكانته.

ولم يَعْرُني شكٌ في أنّه نفحة من نفحات أمير المؤمنين عليه السّلام منحها المؤلّف فاستأثر بها ، مطلقاً العنان لسعة باعه وقوّة بيانه المفعم بعناصر التجويد والإبداع ، موقفاً الباحث على جليّة حديث الولادة الميمونة ، مظهراً في أثناء ذلك مبلغ عنائه في جمع موادّه.

ولشدّة ما استهواني موضوع الكتاب بدأت أجمع استدراكات له ، تتميماً وتعضيداً ، والذي حداني إلى ذلك ثقتي بأنّه قدس سرّه لو أمدَّ الله في عمره لصنع مثل ما صنعت ، وبارك لي فيما كتبت ، خاصّة أنّي اقتفيت في هذا التتميم أثره ، وسلكت منهجه.

وقد تجمّعت لديّ نصوصٌ كثيرة من مخطوط الكتب بدأت أجمع استدراكات له ، تتميماً وتعضيداً ، والذي حداني إلى ذلك ثقتي بأنّه قدس سرّه لو أمدَّ الله في عمره لصنع مثل ما صنعت ، وبارك لي فيما كتبت ، خاصّة أنّي اقتفيت في هذا التتميم أثره ، وسلكت منهجه.

وقد تجمّعت لديّ نصوصٌ كثيرة من مخطوط الكتب ومطبوعها ، قديمها وحديثها ، نادرها ونفيسها ، ممّا كان الوصول إليه والحصول عليه في زمان الحجّة المؤلّف أمراً عسيراً ، ومجموع ذلك يغني لإثبات صحّة الحديث ، والكشف عن اتّفاق أهل العلم والفضل عليه.

١٧٩

ولكن الّذين (يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) لم تُطاوعهم نفوسهم لقبول فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ، وهذه أوّلها بما فيها من دلالات عميقة ، فحاولوا تشويهها بشتّى الأساليب ، تمريراً لسياسة معاوية في التصدّي لفضائل الإمام عليّ عليه السلام ، تلك السياسة التي دبّرها وعمّمها في مرسوم السلطاني يقول فيه : برئت الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته (١).

ثمّ كتب إلى عمّاله في جميع الآفاق :

إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب ، إلّا وتأتوني بمناقص له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبُّ إليّ وأقرُّ لعيني ، وأدحضُ لحجّة أبي تراب وشيعته (٢).

قال الراوي : فَرُويَت أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها! فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوع ، وبهتان منتشر (٣)!

وبهذه الجرأة والصلافة ملأوا كتبهم بالأكاذيب الكثيرة ، والفضائل المجعولة ، والأحاديث الموضوعة.

وحيث لم يطالوا إنكار فضيلة المولد الشريف للإمام علي عليه السلام لوضوحه واشتهاره ، بل تواتره والاتّفاق عليه ، عمدوا إلى وضع أُسلوب آخر لإخفاء أثرها ، وهو ادّعاء مثل ذلك لشخص آخر تهو الصحابي حكيم بن حزام ، وروّجوا لهذه المزعومة حسب الإمكانات التي هيّأتها لهم السلطة وأعوانها.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ٤٤ : ١١ عن كتاب «الأحداث» لأبي الحسن علي بن محمد المدائني.

(٢) المصدر السابق ٤٦ : ١١.

(٣) المصدر السابق.

١٨٠