السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤
( و ) صوم ( الصمت ) بأن ينوي الصوم ساكتاً ، فإنّه محرّم في شرعنا ، لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً للصوم بالنيّة.
( و ) صوم ( الوصال ) كذلك : ( وهو ) عند الأكثر كما في المدارك والذخيرة (١) بل المشهور كما في المسالك (٢) ـ : ( أن يجعل عشاءه سحوره ) كما في الصحيحين (٣) ، وغيرهما (٤).
وفي السرائر وعن الاقتصاد والمعتبر : إنّه صوم يومين بليلة (٥) ؛ للخبر (٦). وفي سنده ضعف.
وفي المسالك والروضة (٧) وغيرهما (٨) : حصوله بكلّ منهما.
وهو حسن إن أُريد من حيث التحريم ؛ لعموم بعض الأدلّة ، وهو كونه بدعة.
وإن أُريد من حيث حصول الوصال الشرعي ، المنهي عنه بالخصوص في النصوص ، حتى لو نذر أن لا يأتي به كفّر لو أتى به بالتفسير الثاني ، فمشكل ، لضعف ما دلّ عليه سنداً وعدداً واشتهاراً ، بالإضافة إلى ما دلّ على الأول.
__________________
(١) المدارك ٦ : ٢٨٣ ، الذخيرة : ٥٢٢.
(٢) الكافي ٤ : ٩٥ / ٢ ، ٤٣ الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٧ ، ٩.
(٣) الفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٥.
(٤) الفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٥.
(٥) السرائر ١ : ٤٢٠ ، الاقتصاد : ٢٩٣ ، المعتبر ٢ : ٧١٤.
(٦) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٩٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٣.
(٧) المسالك ١ : ٨١ ، الروضة ٢ : ١٤١.
(٨) كالحدائق ١٣ : ٣٩٣.
والأصل في تحريم الثلاثة بعد الإجماع الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (١) ـ : الاعتبار المتقدّمة إليه الإشارة ، والنصوص المستفيضة ، المتكفّل جملة منها للجميع كرواية الزهري (٢) ، والفقه الرضوي (٣) وجملة منها لآحادها ، وفيها الصحيح وغيره (٤).
وفي العامّة لها التصريح بحرمتها ، ومقتضاها فسادها أيضاً ، كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك والذخيرة (٥) وغيرهما (٦).
وربما احتمل صحّتها ما عدا الأول وإن حرمت ؛ لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة ، وتوجّه النهي إلى خارج العبادة (٧).
وهو ضعيف ، بعد وجود النصّ المُضيف للتحريم إلى نفس الصوم ، المنجبر ضعف سنده أو قصوره بفتوى الأصحاب.
مع أنّ الصوم عبادة تتوقّف صحّتها على قصد القربة ، وهي في الصيام المزبورة غير حاصلة ، فتفسد أيضاً من هذه الجهة. ولعلّه لذا ورد النهي عنها.
وبموجب ذلك يصحّ الصوم نهاراً صمتاً ووصلاً ، حيث لم يحصلا في النيّة ابتداءً ، وإن حصلا أخيراً اتّفاقاً ، وبذلك صرّح بعض أصحابنا (٨) ،
__________________
(١) كصاحبي المدارك ٦ : ٢٨٢ ، والذخيرة : ٥٢٢.
(٢) الكافي ٤ : ٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٦ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٥١٣ أبواب الصوم المحرم ب ١ ح ١.
(٣) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٠٢ ، المستدرك ٧ : ٥٥٦ أبواب الصوم المحرم ب ٩ ح ١.
(٤) انظر الرسائل ١٠ : أبواب المحرم الأبواب ٤ ، ٥ ، ٦.
(٥) المدارك ٦ : ٢٨٢ ، الذخيرة : ٥٢٢.
(٦) كما في الحدائق ١٣ : ٣٩١.
(٧) المدارك ٦ : ٢٨٣.
(٨) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨١ ، والروضة ٢ : ١٤٢.
وعزاه في المدارك إلى الأصحاب ، لكن قال : الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك ، إذ المستفاد من الرواية تحقّق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقاً (١).
وأشار بالرواية إلى الصحيح : « الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره » (٢).
وفيه نظر ؛ إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي ، يعني : الذي يُقرَن بالقربة ، لا مطلق الصيام.
وأظهر منه الصحيح الآخر في تعريفه : « يصوم يوماً وليلة ، ويفطر في السحر » (٣) لمكان لفظ « الصوم » المضاف إلى الليلة ، وذكر الإفطار بعده ، لصيرورته حقيقة شرعية أو متشرّعة في التناول بعد الإمساك الخاص ، لا مطلق الإمساك ، فتدبّر.
( وصوم الواجب سفراً ) على وجه موجب للقصر ( عدا ما استثني ) ممّا مرّ من المنذور المقيّد به ، وثلاثة الهدي ، وبدل البدنة.
وفُهِمَ من تقييده بالواجب جوازُ المندوب ، وقد مرّ الكلام في الجميع مفصّلاً (٤).
__________________
(١) المدارك ٦ : ٢٨٣.
(٢) الكافي ٤ : ٩٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٧.
(٣) الكافي ٤ : ٩٦ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٩.
(٤) في ص : ٢٥٨٤ ٢٥٨٦.
( الخامس ) ( في اللواحق )
( وهي مسائل ) :
( الاولى : المريض ) المتضرّر بالصوم ( يلزمه الإفطار ) ولو ( مع ظنّ الضرر )
بلا خلافٍ يظهر ، بل عليه الإجماع في كلام جمع (١) ، والنصّ بجوازه مستفيض (٢) ، مضافاً إلى العقل ، والكتاب : ( فعدّةٌ من أيّامٍ أُخَر ) (٣) فتدبّر.
والمرجع في الظنّ إلى ما يجده ولو بالتجربة في مثله سابقاً ، أو بقول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً.
ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة وشدّة بحيث لا يتحمّل عادةً ، أو لبُطء برئه.
( و ) حيث يحصل الضرر ( لو تكلّفه لم يجزه ) إجماعاً ؛ للنهي عنه المفسد للعبادة عندنا.
وهل الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يباح له الفطر؟
تردّد فيه في المنتهى ، قال : من وجوب الصيام بالعموم وسلامته من
__________________
(١) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٥٩٦ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٢٨٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٢٣ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١٦٩.
(٢) الوسائل ١٠ : ٢١٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٨.
(٣) البقرة : ١٨٤ ١٨٥.
المرض ، ومن كون المرض إنّما أُبيح له الفطر لأجل التضرّر به ، وهو حاصل هنا ، لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى (١).
وقيل (٢) : ويمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٤) وقوله : عليهالسلام في صحيحة حريز : « كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » (٥).
أقول : بل في صدرها دلالة عليه أيضاً ؛ حيث قال : « الصائم إذا خاف على عينيه الرمد أفطر » (٦) وهو بإطلاقه يشمل صورة السلامة من الرمد ، ولا قائل بالفرق.
ثم إنّ إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظنّ الضرر ، بل احتمله احتمالاً متساوياً ؛ لصدق الخوف عليه حقيقةً عرفاً وعادةً ، وعليه فيتوجّه الإفطار حينئذ.
لكن ظاهر العبارة ونحوها اعتبار الظنّ ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فلعلّ المتوجّه العدم وكفاية الاحتمال المتساوي.
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٥٦٩.
(٢) الحدائق ١٣ : ١٧١.
(٣) الحج : ٧٨.
(٤) البقرة : ١٨٥.
(٥) الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.
(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.
( الثانية : المسافر ) حيث يجب عليه قصر الصلاة ( يلزمه الإفطار ) أيضاً :
( ولو صام عالماً بوجوبه قضاه ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة به في جملة من العبائر ، كالإنتصار والخلاف والمنتهى والمدارك (١).
( و ) فيه (٢) وفي غيره (٣) : الإجماع على أنّه ( لو كان جاهلاً ) بالحكم ( لم يقض ) كما هو الظاهر ؛ وهو الحجّة في المقامين.
مضافاً إلى النهي المفسد للعبادة في الأول ، والصحاح المستفيضة فيه وفي الثاني :
منها : « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه » (٤).
وفي إلحاق الناشي به أم بالعامد وجهان ، بل قولان :
من تقصيره في التحفّظ.
ومن فوات وقته ، ومنع تقصير الناسي ، ولرفع الحكم عنه.
والأحوط : الثاني ؛ لإطلاق النصّ (٥) الشامل لمحلّ الفرض ، وإن احتمل اختصاصه بحكم التبادر بالعمد. وعلى هذا الشهيد في اللمعة ، ويميل إلى الآخر شارحها (٦).
__________________
(١) الانتصار : ٦٦ ، الخلاف ٢ : ٢٠١ ، المنتهى ٢ : ٥٩٧ ، المدارك ٦ : ٢٨٥.
(٢) المدارك ٦ : ٢٨٥.
(٣) الحدائق ١٣ : ٣٩٧.
(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٦٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.
(٥) الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ١ ، ٤.
(٦) الروضة ٢ : ١٢٦.
ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا ، وقضيا قطعاً.
( الثالثة : الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ) بلا خلاف أجده فتوًى ورواية ، إلاّ ما سبقت إليه الإشارة في كتاب الصلاة.
( و ) لكن ( يشترط في قصر الصوم تبييت النيّة ) للسفر من الليل ، عند الماتن هنا وفي الشرائع والمعتبر (١) ، وفاقاً للشيخ في النهاية والجمل والقاضي (٢) في الجملة (٣).
للنصوص المستفيضة ، أظهرها سنداً الموثّق : في الرجل يسافر في شهر رمضان ، أيفطر في في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ، ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه » (٤).
ونحوه المراسيل الثلاثة ، أكثرها لجملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، كصفوان وابن مسكان ، وهي بجملتها أو أكثرها ظاهرة في الخروج قبل الزوال.
فإنّ في بعضها : « فإن هو أصبح ولم ينو السفر قصّر ولم يفطر » (٥).
__________________
(١) الشرائع ١ : ٢١٠ ، المعتبر ٢ : ٧١٥.
(٢) النهاية : ١٦١ ، الجمل ( الرسائل العشر ) : ٢٢١ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٤.
(٣) متعلق بقوله « وفاقاً » ؛ وذلك لأن ظاهر المصنف جواز القصر ، بل وجوبه مع التبييت أيّ وقتٍ سافر ، وظاهر الشيخ في النهاية أنه مع التبييت لو سافر بعد الزوال كان عليه الإمساك والقضاء ، وكذلك في المبسوط ، لكنه لم يذكر وجوب القضاء ( منه رحمهالله ).
(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٠.
(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٥ / ٦٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٦ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١١.
وفي آخر : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم ، واعتدّ به من شهر رمضان » (١).
وفي الثالث : « إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل ، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر ، وعليك قضاء ذلك اليوم » (٢).
وعليها ينزّل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار ، كالحسن أو الموثّق : عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : « يتمّ صومه ذلك » (٣).
والخبر : « إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم ، إلاّ أن يدلج دُلْجَة » (٤).
بحملها على ما إذا لم يبيّت ، بل ظاهر الحسن ذلك ، للفظ : « يتمّ صومه » الظاهر في نيّته من الليل ، فتأمّل.
وعلى صورة التبييت يحمل ما دلّ على الإفطار ، ولو مع السفر بعد الزوال.
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣٢٠ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٢.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٣.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٨ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٥.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٧ / ٦٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٦ ، والدُّلْجَة : سير الليل ، يقال أدْلَج بالتخفيف : إذا سار من أول الليل ، وبالتشديد : إذا سار من آخره مجمع البحرين ٢ : ٣٠٠ ٣٠٢.
وهو حسن ، لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصّلة بين السفر قبل الزوال فيفطر ، وبعده فيتمّ ، فإنّها لا تقبل الحمل على شيء من ذلك ، إلاّ بتكلّف بعيد (١) لا وجه له ، عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة ، وهو غير منحصر في ذلك.
فيحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو : حمل نصوص هذا القول بجملتها مفصّلها ومطلقها ، بعد التنزيل على التقية ، فقد حكي القول بوجوب الصوم مع تبييت نيّته عن جماعة من العامّة ، كالشافعي ومالك والأوزاعي وأبي ثور والنخعي وأبي حنيفة (٢).
بل هذا الجمع أولى ؛ لرجحان المستفيضة الآتية سنداً واعتضاداً بفتوى جماعة من أعيان القدماء وأكثر المتأخّرين ، مع وضوح الشاهد عليه نصّاً (٣) واعتباراً.
( و ) لذا ( قيل : الشرط خروجه قبل الزوال ) فيفطر معه مطلقاً (٤) ، ويصوم مع عدمه ، كذلك.
والقائل : المفيد ، والإسكافي ، والحلبي لكنّه أوجب القضاء مطلقاً والصدوق في ظاهر الفقيه ، والمقنع ، والكليني في الكافي ، وإليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه ، وولده ، والشهيدان (٥) ، وغيرهم من
__________________
(١) وهو حمل الإفطار قبل الزوال فيها على صورة التبييت ، والصوم بعده على صورة العدم ( منه رحمهالله ).
(٢) حكاه العلامة في المنتهى ٢ : ٥٩٩ ؛ وأنظر المغني لابن قدامة ٣ : ٩٠.
(٣) وهو قوله « خذ بما خالف العاقة » ( منه رحمهالله ) ، أنظر الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ / ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.
(٤) سواء بيَّت نية السفر أم لا ( منه رحمهالله ).
(٥) المفيد في المقنعة : ٣٥٤ ، عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٢ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ، المقنع : ٦٢ ، الكافي ٤ : ١٣١ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٥٩٨ ٥٩٩ ، والمختلف : ٢٣١ ، والتحرير ١ : ٨٣ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٤ ، الشهيدان في اللمعة وشرحها ( الروضة ٢ : ١٢٧ ).
المتأخّرين (١).
للمعتبرة المستفيضة ، الراجحة على مقابلتها بما عرفته.
منها : الصحيح : عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، قال : فقال : « إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه » (٢).
والصحيح : في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : « إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم » فقال : « يعرف ذلك بقول علي عليهالسلام : أصوم وأُفطر حتى إذا زالت الشمس عزم عليّ » يعني الصيام (٣).
ونحوهما الموثّق (٤) بابني فضّال وبكير ، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما.
وقريب منها الصحيح (٥) الدال على الحكم الأول (٦) بالمفهوم ، وعلى الثاني بالمنطوق.
__________________
(١) كصاحب المدارك ٦ : ٢٨٧.
(٢) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٧١ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ١٣١ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٤.
(٥) الكافي ٤ : ١٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١.
(٦) هو الإفطار مع السفر قبل الزوال ( منه رحمهالله ).
وهذه النصوص مع ما هي عليه من الاستفاضة واعتبار أسانيدها جملة ، بالصحّة في أكثرها ، والقرب منها في باقيها ، وصراحة أكثرها معتضدة في الحكم الأول بعموم الكتاب والسنّة المتواترة بوجوب القصر على كلّ مسافر.
وخصوصِ المعتبرة والإجماعات ، القائلة على الكلّية : « إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت » (١).
ونفيِ الخلاف عنه للمحكي في السرائر ، لكن مع التبييت خاصّة (٢).
وفي الثاني إلى الإجماع المحكي في الخلاف عليه مطلقاً (٣).
( وقيل : ) يجب أن ( يقصّر ) في الصوم مطلقاً ( ولو خرج قبل الغروب ) ولم يبيّت نيّة السفر ليلاً.
والقائل بذلك : والد الصدوق في الرسالة والحلّي في السرائر صريحاً (٤) ، والسيّدان والعماني والفاضل في الإرشاد ظاهراً (٥).
للعمومات ، وخصوص الخبر : في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (٦).
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨ / ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ / ٥٥١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.
(٢) السرائر ١ : ٣٩٢.
(٣) الخلاف ٢ : ٢٠١.
(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٣٠ ، السرائر ١ : ٣٩٢.
(٥) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٧١ نقله عن العماني في المختلف : ٢٣٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٢.
(٦) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٤ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٤.
والرضوي : « فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر » (١).
والعمومات مخصّصة بما عرفته.
والخبر مقطوع ، ومع ذلك في سنده ضعف بالجهالة.
والرضوي مع قصوره عن الصحّة معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه ، وهو قوله : « وإن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم ، وليس عليك القضاء ، لأنه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافرة » (٢).
ومع ذلك ، فهو كسابقه قاصر عن مقاومة الأدلّة المتقدمة ، فلا يمكن المصير إليهما بالكلّية.
وهنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ ، عدا ما عن المبسوط من جعل الشرط التبييت والخروج قبل الزوال معاً (٣) ، وما في المختلف من التخيير بين الصوم والإفطار بعد الزوال (٤) ، وتبعه جماعة من متأخّري المتأخّرين ، لكن لم يقيّدوه ببَعد الزوال (٥).
لإمكان استناد الأول إلى الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين ، بتقييد إطلاق ما دلّ على الإفطار بما إذا خرج قبل الزوال ، وما دلّ عليه في صورة القيد بما إذا بيّت ، لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، فيقيّد عموم كلٍّ منهما بخصوص الآخر ، فإنّ الظاهر يحمل على
__________________
(١) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٠٨ ، المستدرك ٧ : ٣٨١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٧ ح ٢.
(٢) فقه الرضا عليهالسلام : ١٦٠.
(٣) المبسوط ١ : ٢٨٤.
(٤) المختلف : ٢٣٢.
(٥) كما في المدارك ٦ : ٢٩٠ ، والذخيرة : ٥٣٨.
النصّ.
ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد ، وهو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين كما في الوسائل (١) ، فإنّه يحتاج إلى شاهد ، ومع ذلك فهو كسابقه فرع التكافؤ بين المتعارضين ، المفقود في البين ؛ لرجحان ما دلّ على التحديد بالزوال بما عرفته.
واستنادِ الثاني إلى الصحيح : « إذا أصبح في بلده ثم خرج ، فإن شاء صام ، وإن شاء أفطر » (٢).
وهو حسن إن وُجد به من القدماء قائل ، وليس.
ومع ذلك ، فليس لنصوص المختار بمكافئ ، فليطرح أو يحمل على أنّ المراد : صام بتأخير المسافرة إلى بعد الزوال وأفطر بتقديمها عليه.
هذا ، مع أنّ العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى هذا الصحيح ، فالأحوط الاقتصار عليه على كلّ حال ، وأحوط منه عدم المسافرة إلاّ قبل الزوال مع تبييت النية.
( وعلى التقديرات ) والأقوال ( لا ) يجوز أن ( يفطر ، إلاّ حيث تتوارى جدران البلد الذي خرج منه ، أو يخفى أذانه ) اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، كما مضى.
الرابعة : ( الشيخ والشيخة إذا عجزا ) عن الصيام أصلاً ، أو مع مشقّة شديدة ، جاز لهما الإفطار إجماعاً ، فتوًى ودليلاً ، كتاباً (٣) وسنّة (٤) ،
__________________
(١) الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ عنوان الباب.
(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٧ / ١٠١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٧.
(٣) البقرة : ١٨٤.
(٤) الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥.
و ( تصدّقا عن كلّ يوم بمدّ من الطعام ) أو مدّين على الخلاف.
بلا خلاف أجده في الصورة الثانية ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الكتاب (٢) ، والسنّة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما » (٣).
ونحوه آخر لراويه أيضاً ، إلاّ أنّه بدّل المدّ فيه بالمدّين (٤).
وحمله الأصحاب على الاستحباب ومنهم الشيخ في الاستبصار (٥) جمعاً بينه وبين سائر أخبار المسألة المتضمّنة للمدّ خاصّة ، ومنها الرواية الأُولى لراوي هذه الرواية كما عرفته.
وحمله في التهذيب على اختلاف مراتب الناس في القدرة (٦). ولا شاهد له.
وفيه (٧) : عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، قال
__________________
(١) منهم السيد المرتضى في الانتصار : ٦٨ ، والعلامة في المختلف : ٢٤٥.
(٢) البقرة : ١٨٤.
(٣) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٢.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٢.
(٥) الإستبصار ٢ : ١٠٤.
(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٨ ٢٣٩.
(٧) أي في الصحيح ( منه رحمهالله ).
« يتصدّق في كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين » (١) ونحوه آخر (٢).
وفي مرسلة ابن بكير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في قول الله عزّ وجل : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٣) قال : « الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك ، فعليهم لكلّ يوم مدّ » (٤).
وفي المروي في تفسير العيّاشي كما حكي في تفسيرها أنّه : « هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ، والمريض » (٥).
وفي المروي فيه أيضاً فيه أنّه : « المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير » (٦).
وإطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأُولى ، فتجب فيها الفدية أيضاً ، كما عليه الشيخ في النهاية والاقتصاد والمبسوط ، والعماني ، والإسكافي ، وابنا بابويه ، والقاضي ، والماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد والقواعد والمنتهى ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وابن فهد
__________________
(١) الكافي ٤ : ١١٦ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٥.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٩.
(٣) البقرة : ١٨٤.
(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢١١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٦.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٧٨ / ١٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٧.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٧٩ / ١٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٨.
في المهذّب فيما حكي (١) ، وغيرهم (٢).
( وقيل : لا تجب عليهما ) الفدية ( مع العجز ، و ) أنّه إنّما ( يتصدّقان مع المشقّة ) خاصّة.
والقائل به : المفيد والمرتضى وابن زهرة والديلمي والحلّي والحلبي فيما حكي والفاضل في المختلف وشيخنا في المسالك والروضة والمحقق الثاني (٣) ، وكثير (٤) ، وعن التذكرة والمنتهى : أنّه مذهب الأكثر (٥).
ولعلّه الأظهر ؛ للأصل ، وظاهر الخبر المروي في الفقيه والتهذيب : قلت له عليهالسلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : « ليومئ برأسه إيماءً ) إلى أن قال : قلت له : فالصيام؟ قال : « إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع الله تعالى عنه ، وإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ ، وإن لم يكن له يسار فلا شيء عليه » (٦).
__________________
(١) النهاية : ١٥٩ ، الاقتصاد : ٢٩٤ ، المبسوط ١ : ٢٨٥ ، حكاه عن العماني والإسكافي وابن بابويه في المختلف : ٢٤٤ ، الصدوق في المقنع : ٦١ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، الشرائع ١ : ٢١٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، القواعد : ٦٧ ، المنتهى ٢ : ٦١٨ ، الدروس ١ : ٢٩١ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٢٧ ، المهذب البارع ٢ : ٨٦.
(٢) كصاحب المدارك ٦ : ٢٩٣ ، وانظر مجمع الفائدة ٥ : ٣٢١.
(٣) المفيد في المقنعة : ٣٥١ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٠٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٢ ، المختلف : ٢٤٤ ، المسالك ١ : ٨١ ، الروضة ٢ : ١٢٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٥٤.
(٤) كالفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٢.
(٥) التذكرة ١ : ٢٨٠ ، المنتهى ٢ : ٦١٨.
(٦) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١٠ ، وفيها : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام.
وقريب منه الصحيحة الأُولى (١) ، على احتمال (٢) لا يخلو عن قرب.
وضعف السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية (٣) ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في الانتصار (٤) ، ونفي الخلاف عنه في الغنية (٥) ، وأقلّهما إن لم نقل بكونهما حجّة مستقلّة إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا شبهة ، فيجبر بها مضافاً إلى ما مرّ ضعف الرواية.
وبهذا يقيّد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر بالصورة الثانية ، وإلاّ كما هو ظاهر جماعة (٦) فلا معارضة له لما قدّمناه من الحجّة.
نعم ، ربّما كان ظاهر بعض الأخبار الإطلاق ، بل خصوص الصورة المقابلة (٧) ، لكنه لضعف السند ، وعدم المعارضة لا يصلح للحجّية.
هذا ، والمسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة ، ولذا تردّد فيها جماعة (٨) ، فالأحوط ما في العبارة ، وإن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوّة.
__________________
(١) المتقدمة في ص : ٢٦٥٦.
(٢) وهو كون المراد بما لا يقدر عليه : الصوم ، لا الفدية. ووجه القرب إشعار لفظة : « لا حرج عليهما » بالقدرة في الجملة ، وممّا ذكرنا يظهر فساد دعوى كون هذه الصحيحة مطلقة شاملة للصورة الأولى أيضاً ؛ إذ فإن تقدير تساوي الاحتمالين تكون الرواية بالنسبة إليها مجملة ، محتملة لها وللصورة الأخرى خاصة. ودعوى ظهور الاحتمال المقابل بعيدة ، بل لعلّها فاسدة. ( منه رحمهالله ).
(٣) انظر الحدائق ١٣ : ٤٢٣.
(٤) الانتصار : ٦٧.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٦) كالفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٢.
(٧) الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ الأحاديث ٧ ، ١١ ، ١٢.
(٨) انظر المهذب البارع ٢ : ٨٦ ، والذخيرة : ٥٣٦ ، والكفاية : ٥٣.
وهل يجب عليهما القضاء مع القدرة؟
قيل : نعم (١) ، وهو الأشهر على ما صرّح به جمع (٢).
وقيل : لا (٣) ، كما هو ظاهر سياق العبارة ، وحكي عن والد الصدوق أيضاً (٤).
ولعلّه الأقوى ؛ للأصل ، وإطلاق الصحيحة الأُولى (٥) ، والرضوي (٦).
وحملهما كالعبارة ونحوها على الغالب من عدم القدرة على القضاء ، وإن كان متوجّهاً ، إلاّ أنّ ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلاً ، لا خصوصاً ولا عموماً ، لاختصاص نحو الكتاب : ( فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر ) (٧) بالفائت مرضاً أو سفراً ، وليس محلّ الفرض منهما ، فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعاً.
( وذو العُطاش ) بضمّ أوله ، وهو : داء لا يَروى صاحبه ، ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار ( يفطر ) إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالتحرير والتذكرة والمنتهى (٨) ، وغيرها (٩) ، وللكتاب (١٠) ، والسنّة المستفيضة عموماً وخصوصاً ، ومنه الصحيح الذي
__________________
(١) انظر الشرائع ١ : ٢١١ ، والمختلف : ٢٤٥.
(٢) الكفاية : ٥٣ ، المفاتيح ١ : ٢٤١ ، الحدائق ١٣ : ٤٢٣.
(٣) المفاتيح ١ : ٢٤١.
(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٥.
(٥) المتقدمة في ص : ٢٦٥٦.
(٦) فقه الرضا عليهالسلام : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٣٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٣.
(٧) البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥.
(٨) التحرير : ٨٥ ، التذكرة ١ : ٢٨١ ، المنتهى ٢ : ٦١٩.
(٩) كالذخيرة : ٥٣٦.
(١٠) البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥.
مضى (١) ، والموثق (٢) ، وغيرها (٣).
( ويتصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ ) من طعام.
( ثم إن بريء قضى ) بلا خلافٍ في وجوبه ، كما في ظاهر المختلف (٤) وغيره (٥) وصريح الحلّي (٦) ؛ لأنّه مريض ، فيشمله عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.
ونفيه على الإطلاق في الصحيح الماضي محمول على صورة العجز عنه باستمرار المرض وعدم برئه ؛ جمعاً بينه وبين سابقه (٧) ، لرجحانه بشهرته وقطعيّته ، دون الصحيح ، لظنيّته.
وليس التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقاً ، فيكون الصحيح لخصوصيّته بالتقديم أولى ؛ لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى خصوص المرض ، وأمّا بالنسبة إلى انقطاعه واستمراره فعامّ.
كما أنّ سابقه بالإضافة إلى انقطاع المرض خاص ، وبالإضافة إلى نفسه (٨) عام (٩).
فيمكن تخصيص كلّ منهما بصاحبه ، فلا بدّ من الترجيح. ولا ريب
__________________
(١) في ص : ٢٦٥٦.
(٢) الكافي ٤ : ١١٧ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٢١٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.
(٣) الوسائل ١٠ : ٢١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٣ ، ٦ وب ١٦ ح ٢.
(٤) المختلف : ٢٤٥.
(٥) المسالك ١ : ٨١.
(٦) السرائر ١ : ٤٠٠.
(٧) أي : عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.
(٨) أي نفس المرض.
(٩) يشمل العطاش وغيره ( منه رحمهالله ).
أنّه مع العموم دون الصحيح ؛ لقطعيّة متنه واشتهاره ، بل عدم ظهور خلاف فيه فيما نحن فيه ، فينبغي تقييد الصحيح به ، وحمله على صورة بقاء المرض واستمراره.
فمَيلُ بعض متأخّري المتأخّرين إلى العمل بإطلاق الصحيح وتخصيص العموم به (١) ، فيه ما فيه.
وأمّا التصدّق ، ففي وجوبه خلاف. والأجود فيه وفاقاً لكثير ، ومنهم : الفاضل في جملة من كتبه ، والمرتضى ، والحلّي (٢) التفصيل بين استمرار المرض فيجب بدلاً عن القضاء ، وعدمه فلا.
استناداً في الأول إلى الصحيح الماضي (٣) ، مضافاً إلى عموم ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى آخر ، كما مرّ (٤).
وفي الثاني إلى الأصل ، وعدم ظهور دليل على تخصيصه ، عدا إطلاق الصحيح الماضي ، وهو بعد تنزيله بالنسبة إلى القضاء على خصوص صورة الاستمرار غير معلوم الشمول لما نحن فيه ، فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه أيضاً احتمالاً متساوياً إن لم يكن أولى.
خلافاً للشيخ (٥) وجماعة (٦) ، فأوجبوه مطلقاً ؛ ولم أقف لهم على
__________________
(١) الحدائق ١٣ : ٤٢٦.
(٢) الفاضل في المنتهى ٢ : ٦١٩ ، والمختلف : ٢٤٥ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦. الحلي في السرائر ١ : ٤٠٠.
(٣) المتقدم في ص : ٢٦٥٦.
(٤) في ص : ٢٦١١.
(٥) المبسوط ١ : ٢٨٥ ، النهاية : ١٥٩.
(٦) منهم الصدوق في المقنع : ٦١ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٣٢٦.