أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]
المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٦
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم
محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي (١)
من أهل سبتة ، أبو القاسم بن أبي زكريا بن أبي طالب.
حاله : من أهل الظّرف والبراعة ، والطبع المعين ، والذكاء ، رئيس سبتة ، وابن رؤسائها ، وانتقل إلى غرناطة عند خلعه وانصرافه عن بلده. أقام بها تحت رعي حسن الرّواء ، مألفا للظرفاء ، واشتهر بها أدبه ، ونظر في الطّبّ ودوّن فيه ، وبرع في التّوشيح. ثم انتقل إلى العدوة ، انتقال غبطة وأثرة ، فاستعمل بها في خطط نبيهة ، وكتب عن ملوكها ، وهو الآن بالحالة الموصوفة.
وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه (٢) : فرع تأوّد من الرئاسة في دوحة ، وتردّد بين غدوة في المجد وروحة ، نشأ والرئاسة العزفيّة تعلّه وتنهله ، والدّهر يسيّر أمله الأقصى ويسهّله ، حتى اتّسقت أسباب سعده ، وانتهت إليه رياسة سلفه من بعده ، فألقت إليه رحالها وحطّت ، ومتّعته بقربها بعدما شطّت. ثمّ كلح له الدهر بعد ما تبسّم ، وعاد زعزعا (٣) نسيمه الذي كان يتنسّم ، وعاق هلاله عن تمّه ، ما كان من تغلّب ابن عمّه ، واستقرّ بهذه البلاد نائي (٤) الدار بحكم الأقدار ، وإن كان نبيه المكانة والمقدار ، وجرت عليه جراية واسعة ، ورعاية متتابعة ، وله أدب كالرّوض باكرته
__________________
(١) ترجمة العزفي في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٥٢) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٨) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٧٨) وجاء في أزهار الأرض أنه ولد بسبتة عام ٦٩٩ ه ، وبويع بها بعد أبيه عام ٧١٩ ه ، وخلع في سنة ٧٢٠ ه ، فكانت دولته ستة أشهر ، وتوفي بفاس سنة ٧٦٨ ه. وقد ذكرنا ذلك ؛ لأن ابن الخطيب لم يذكره هنا كعادته مع سائر التراجم.
(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٨).
(٣) الزعزع : الريح الشديدة. لسان العرب (زعزع).
(٤) في نفح الطيب : «نازح».
الغمائم ، والزّهر تفتّحت عنه الكمائم ، رفع منه راية خافقة ، وأقام له سوقا نافقة. وعلى تدفّق أنهاره ، وكثرة نظمه واشتهاره ، فلم أظفر منه إلّا باليسير التافه بعد انصرافه.
شعره : قال : [مجزوء الرجز]
أفديك يا ريح الصّبا |
|
عوجي على تلك الرّبى |
واحد النّعامى سحرا |
|
ترسل غماما صبّا |
على ربى غرناطة |
|
لكي تقضّي ما ربا |
ثم ابلغي (١) يا ريح |
|
عن صبّ سلاما طيّبا |
ومن منظومه أيضا في بعض القضاة الفاسيّين ، وهو من البديع ، وورّى فيه ببابين من أبواب المدينة : [المتقارب]
وليت بفاس أمور القضاء |
|
فأحدثت فيها أمورا شنيعه |
فتحت لنفسك باب الفتوح |
|
وغلقت للناس باب الشّريعة |
فبادر مولى الورى فارس |
|
بعزلك عنها قبيل الذّريعه |
وقال : [الكامل]
دع عنك قول عواذل ووشاة |
|
وأدر كؤوسك يا أخا اللّذّات |
واخلع عذارك لاهيا في شربها |
|
واقطع زمانك بين هاك وهات |
خذها إليك بكفّ ساق أغيد |
|
لين المعاطف فاتر الحركات |
قد قام من ألحاظه إنسانها |
|
مثبّتا في فترة اللحظات |
يسقيكها حمراء يسطع نورها |
|
في الكأس كالمصباح في المشكات |
رقّت وراقت في الزّجاجة منظرا |
|
لمّا عدت تجلي على الرّاحات |
لا تمزجنها في الأبارق إنها |
|
تبدو محاسنها لدى الكاسات |
عجبا لها كالشمس تغرب في فم |
|
لكن مطالعها من الوجنات |
نلنا بها ما نشتهيه من المنى |
|
في جنّة تزهى على الجنّات |
رفّت عليها كلّ طلّ سجسج |
|
من كلّ غضّ يانع الثمرات |
ما بين خضر حدائق وخمائل |
|
وجداول تفضي إلى دوحات |
سرى النسيم بها يصافح زهره |
|
فيهبّ وهو مورّج النفحات |
__________________
(١) في الأصل : «أبلغي» وكذا ينكسر الوزن.
وشدا لنا فيها مغنّ شادن |
|
حاز المدى سبقا إلى الغايات |
طربت له القضب اللّدان وبادرت |
|
رجعا له تختال في الحبرات |
مرّت عليه ركّعا لكنها |
|
جعلت تحيّتها لدى الرّكعات |
قصرت صلاة الخوف منه فقرّبت |
|
قربانها وحفته بالزّهرات |
والعود مثناه يطابق زيّها |
|
فيها (١) ردانات على رنّات |
إن جسّ مثلثه بان بغنّة (٢) |
|
في اليمّ منه ثقيلة النّغمات |
فكان ما غنّت عليه الورق من |
|
ألحانها ألقاه للقينات |
عكفت على ألحانها تشدو لنا |
|
خلف السّتائر باختلاف لغات |
فكأنها عجم تورات بالحجاب |
|
وردّدت سورا من التّورات |
نطقت بأفصح نغمة في شدوها |
|
تتلو علينا هذه الآيات |
ومما أنشده ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم : [المتقارب]
إذا لم أطق نحو نجد وصولا |
|
بعثت الفؤاد إليها رسولا |
وكم حلّ قلبي رهينا بها |
|
غداة نوى الرّكب فيها النزولا |
محل بها في الحلال التي |
|
ضحى أصبح القوم فيها حلولا |
وكم بتّ فيها غداة النّوى |
|
أسحّ من العين دمعا همولا |
على شمس حسن سما ناظري |
|
إليها وعنّي توارت أفولا |
وقفت بوادي الغضا ساعة |
|
لعلّي أندب فيها الطّلولا |
وفي البان من أيكه ساجع |
|
يرجّع بالقضب منها الهديلا |
بحقّ الهوى يا حمام الحمى |
|
ترفّق بقلبي المعنّى قليلا |
فقد هجت تالله أشواقه |
|
بذكرك إلفا ثنى (٣) أو خليلا |
ألم تدر أن ادّكاري الهوى |
|
يذيب ويعنى الفؤاد العليلا؟ |
رعى الله تلك المطايا الّتي |
|
إلى الحجّ وخدا سرت أو ذميلا |
ويا عجبا كيف خفّت بهم |
|
وحمّلت القلب حملا ثقيلا |
وودّعني الصبر إذ ودّعوا |
|
فما أن وجدت إليه سبيلا |
وآثرت ، يا ويح نفسي ، المقام |
|
وآثر أهل الوداد الرّحيلا |
__________________
(١) في الأصل : «في» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) الغنّة : صوت يخرج من الخيشوم. محيط المحيط (غنن).
(٣) في الأصل : «ثانيا» ، وكذا ينكسر الوزن.
وجادوا رجاء (١) الرّضى بالنفوس |
|
وكنت بنفسي ضنينا بخيلا |
ندمت على السّير إذ فاتني |
|
ولازمت حزني دهرا طويلا |
وفاز المخفّون إذ يمّموا |
|
منازل آثارها لن تزولا |
وحجّوا وزاروا نبيّ الهدى |
|
محمدا الهاشميّ الرسولا |
وفازوا بإدراك ما أملوا |
|
ونالوا لديه الرّضى والقبولا |
ولو كنت في عزمهم مثلهم |
|
إذا لانصرفت إليه عجولا |
ولكنني أثقلتني الذنوب |
|
وما كنت للثّقل منها حمولا |
ركبت مطيّة جهل الصّبا |
|
وكانت أوان التّصابي ذلولا |
ومالت بي النّفس نحو الهوى |
|
وقد وجدتني غرّا جهولا |
فطوبى لمن حلّ في طيبة |
|
وعرّس بالسّفح منها الحمولا |
ونال المنى في منّى عندما |
|
نوى بالمنازل منها نزولا |
وأصفى الضمائر نحو الصّفا |
|
يؤمّل للوصل فيه الوصولا |
وجاء إلى البيت مستبشرا |
|
ليطهر بالأمن فيه دخولا |
وطاف ولبّى بذاك الحمى |
|
ونال من الحجر قصدا وسولا |
بلاد بها حلّ خير الورى |
|
فطوبى لمن نال فيها الحلولا |
نبيّ كريم سما رفعة |
|
وقدرا جليلا ومجدا أصيلا |
وكان لأمّته رحمة |
|
بفضل الشفاعة فيهم كفيلا |
وكان رؤوفا رحيما لهم |
|
عطوفا شفيعا عليهم وصولا |
له يفزعون إذا ما رأوا |
|
لدى الحشر خسفا وأمرا مهولا |
وإن جاء في ذنبهم شافعا |
|
بدا الرّحب من ربّه والقبولا |
له معجزات إذا عدّدت |
|
تفوت النّهى وتكلّ العقولا |
ولن يبلغ القول معشارها |
|
وإن كان الوصف فيها مطيلا |
وقسّ البيان وسحبانه (٢) |
|
يرى ذهنه في مداها كليلا |
تخيّره الله في خلقه |
|
فكان الخطير لديه المثيلا |
__________________
(١) في الأصل : «رجا» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٢) قسّ : هو قسّ بن ساعدة بن عمرو الإيادي ، أسقف نجران ، وخطيب العرب وشاعرها ، يضرب به المثل في البلاغة. وسحبان : رجل من بني باهلة يضرب به المثل في الخطابة والفصاحة ، فيقال : أخطب من سحبان وائل.
ولم ير في النّاس ندّا له |
|
ولا في الخلائق منه بديلا |
وأبقى له الحكم في أرضه |
|
فكان الأمين عليها الوكيلا |
وكلّ ظلام وظلم بها |
|
على الفور لمّا أتى قد أزيلا |
وكانت كنار لظى فتنة |
|
فعادت من الأمن ظلّا ظليلا |
وقد زان حسن الدّجى جيله |
|
إذا ذكر الدهر جيلا فجيلا |
وأيّامه غرر قد بدت |
|
بوجه الدّنا والليالي حجولا |
رسول كريم إذا جئته |
|
ويمّمت مغناه تلقى القبولا |
بمولده في زمان الربيع |
|
ربيع أتانا يجرّ الذّيولا |
فأهلا به الآن من زائر |
|
أتانا بفضل يفوق الفضولا |
وقام الإمام به المرتضى |
|
فنال ثوابا وأجرا جزيلا |
هو المستعين أبو سالم |
|
مليك ترفّع قدرا جليلا |
وحاز من الصّيت ذكرا أثيرا |
|
ومن كرم الخيم مجدا أثيلا |
سليل عليّ غمام النّدى |
|
ألا أيّد الله ذاك السّليلا |
فتى أوسع النّاس من جوده |
|
عطاء (١) جزيلا وبرّا حفيلا |
حلاه الوقار ولاقيه |
|
إذا ارتاح للجود يلفى عجولا |
وقد شاع عنه جميل الثّناء (٢) |
|
وعمّ البسيطة عرضا وطولا |
وما منّ بالوعد إلّا وفى |
|
فلم يك بالوعد يوما مطولا |
ولا في علاه مغال لمن |
|
يكثّر في الملك قالا وقيلا |
تفرّد بالفضل في عصره |
|
وكان بعرف الأيادي كفيلا |
أطاعت له حين وافى البلاد |
|
رضّى عندما حلّ فيها حلولا |
وجاء (٣) لطاعته أهلها |
|
سراعا يرومون فيها الدّخولا |
فنبّه قدر الموالي بها |
|
وأكسف فيها المعادي خمولا |
|
||
ومهّد بالأمن أفكارها |
|
وأمّن بالعدل فيها السبيلا |
وكفّ أكفّ التعدّي بها |
|
فلا يظلم الناس فيها فتيلا |
وعصر الكروب الذي قد مضى |
|
زمان المسرّات منه أديلا |
__________________
(١) في الأصل : «عطا».
(٢) في الأصل : «الثنا».
(٣) في الأصل : «وجا».
أتانا إلى الغرب في شوكة |
|
بها عاد جمع الأعادي قليلا |
وفوق رؤوس الطغاة انتضى |
|
حساما ليسمع فيها صليلا |
وجرّد من عزمه مرهفا |
|
لحسم أمور المناوي صقيلا |
وكل كفور معاد له |
|
سيأخذه الله أخذا وبيلا |
أعزّ الخلائق لمّا ولي |
|
ونوّه من كان منهم ذليلا |
وراعى لمن جاءه داخلا |
|
حماه من القاصدين الدّخيلا |
فكان بأفعاله قصده |
|
إلى منهج الفضل قصدا جميلا |
وصحّ انتعاش المعالي به |
|
وقد كان شخص المعالي عليلا |
وشيّد مبنى العلا بالنّدى |
|
ووثّقه خشية أن يميلا |
ينيل ويعطي جزيل العطاء (١) |
|
فما زال أخرى الليالي منيلا |
ودام مدى الدّهر في رفعة |
|
تثير من الحاسدين الغليلا |
ولا برح السعد في بابه |
|
يؤمّ به مربعا أو مقيلا |
محمد المكودي (٢)
من أهل فاس ، يكنى أبا عبد الله.
حاله : من «الإكليل» (٣) : شاعر لا يتعاطى (٤) ميدانه ، ومرعى بيان ورف عضاهه (٥) وأينع سعدانه (٦) ، يدعو الكلام فيهطع (٧) لداعيه ، ويسعى في اجتلاب المعاني فتنجح مساعيه ، غير أنه أفرط في الانهماك ، وهوى إلى السّمكة من أوج السّماك (٨). وقدم (٩) على هذه البلاد مفلتا من رهق تلمسان حين الحصار ، صفر اليمين واليسار من اليسار ، ملئ هوى أنحى على طريفه وتلاده ، وأخرجه من بلاده.
__________________
(١) في الأصل : «العطا».
(٢) هو محمد بن محمد المكودي ، ترجمته في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٥ ، ٣٧٨) وأزهار الرياض (ج ٥ ص ٤٩) وجاء فيه أنه : أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المكودي.
(٣) النص مع الشعر في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٨ ـ ٣٧٩).
(٤) في النفح : «لا يتقاصى».
(٥) في الأصل : «عضله» والتصويب من النفح.
(٦) السّعدان : نبت له شوك. لسان العرب (سعد).
(٧) يهطع : يسرع. لسان العرب. (هطع).
(٨) السمكة : برج في السماء. والسّماك : واحد السّماكين وهما كوكبان نيّران ، يقال لأحدهما السّماك الرامح وللآخر السماك الأعزل ، ومراده أنه هوى من الأوج إلى الحضيض. لسان العرب (سمك).
(٩) في النفح : «قدم».
ولمّا جدّ به البين ، وحلّ هذه البلاد (١) بحال تقبحها العين ، والسيف بهزّته ، لا بحسن بزّته ، دعوته (٢) إلى مجلس أعاره البدر هالته ، وخلع عليه الأصيل غلالته ، وروض تفتّح كمامه ، وهمى عليه غمامه ، وكاس أنس تدور ، فتتلقّى نجومها البدور. فلمّا ذهبت المؤانسة بخجله ، وتذكّر هواه ويوم نواه حتّى خفنا حلول أجله ، جذبنا للمؤانسة زمامه ، واستقينا (٣) منها غمامه ، فأمتع وأحسب ، ونظر ونسب ، وتكلّم في المسائل ، وحضر (٤) بطرف الأبيات وعيون الرسائل ، حتى نشر الصباح رايته ، وأطلع النهار آيته.
ومما أنشدنا ونسب لنفسه (٥) : [الوافر]
غرامي فيك جلّ عن القياس |
|
وقد أسقيتنيه بكل كاس |
ولا أنسى هواك ولو جفاني |
|
عليك أقاربي طرّا وناسي |
ولا أدري لنفسي من كمال |
|
سوى أنّي لعهدك غير ناس |
وقال في غرض معروف (٦) : [الطويل]
بعثت بخمر فيه ماء وإنّما |
|
بعثت بماء (٧) فيه رائحة الخمر |
فقلّ عليه الشكر إذ قلّ سكرنا |
|
فنحن بلا سكر وأنت بلا شكر |
ومما خاطبني به (٨) : [البسيط]
رحماك بي فلقد خلّدت في خلدي |
|
هوى أكابد منه حرّة (٩) الكبد |
حللت عقد سلوّي في (١٠) فؤادي إذ |
|
حللت منه محلّ الروح في (١١) جسدي |
مرآك بدري وذكراك التذاذ فمي |
|
ودين حبّك إضماري ومعتقدي |
ومن جمالك نور لاح في بصري |
|
ومن ودادك روح حلّ في خلدي |
لا تحسبنّ فؤادي عنك مصطبرا (١٢) |
|
فقبل حبّك كان الصبر طوع يدي |
وهاك جسمي قد أودى النّحول به |
|
فلو طلبت وجودا منه لم تجد |
__________________
(١) في النفح : «البلدة».
(٢) في النفح : «دعوناه».
(٣) في النفح : «واستسقينا».
(٤) في النفح : «وحاضر».
(٥) في النفح : «فممّا نسبه إلى نفسه وأنشدناه قوله».
(٦) اكتفى في النفح بالقول : «وقال».
(٧) في الأصل : «بما» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٨) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦).
(٩) في النفح : «حرقة».
(١٠) في النفح : «عن».
(١١) في النفح : «من».
(١٢) في الأصل : «مصطبر». والتصويب من النفح.
بما بطرفك من غنج ومن حور |
|
وما بثغرك من درّ ومن برد |
كن بين طرفي وقلبي منصفا فلقد |
|
حابيت (١) بعضهما فاعدل ولا تحد |
فقال لي قد جعلت القلب لي وطنا |
|
وقد قضيت على الأجفان بالسّهد |
وكيف تطلب عدلا والهوى حكم |
|
وحكمه قطّ لم يعدل على أحد |
من لي بأغيد لا يرثي إلى شجن |
|
وليس يعرف ما يلقاه ذو كمد |
ما كنت من قبل إذعاني لصولته (٢) |
|
إخال أنّ الرّشا يسطو على الأسد |
إن جاد بالوعد لم تصدق مواعده |
|
فإن قنعت بزور الوعد لم يعد |
شكوته علّتي منه فقال : ألا (٣) |
|
سر للطبيب فما برء الضّنى بيدي |
فقلت : إن شئت برئي أو شفا ألمي |
|
فبارتشاف لماك الكوثريّ جد |
وإن بخلت فلي مولى يجود على |
|
ضعفي ويبرئ ما أضنيت من جسدي (٤) |
وخرج إلى المدح فأطال.
المقرئون والعلماء ـ الأصليون منهم
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى
ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي
(٥) يكنى (٦) أبا القاسم ، من أهل غرناطة وذوي الأصالة والنباهة فيها ، شيخنا رحمة الله عليه.
أوليته : أصل (٧) سلفه من ولبة (٨) من حصون البراجلة ، نزل بها أولهم عند
__________________
(١) حابيت بعضهما : نصرته وملت إليه ؛ يقال : حابى القاضي في الحكم إذا مال منحرفا عن الحق.
لسان العرب (حبا).
(٢) في النفح : «لسطوته».
(٣) في الأصل : «فقال الأمر للطبيب فما ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٤) في الأصل : «جسد» والتصويب من النفح.
(٥) ترجمة ابن جزي في الكتيبة الكامنة (ص ٤٦) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٤) والديباج المذهب (ص ٢٩٥) ونيل الابتهاج (ص ٢٣٥) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٥٨).
(٦) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٨) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).
(٧) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٨) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).
(٨) في الأصل : «ولمة» والتصويب من النفح وأزهار الرياض.
الفتح صحبة قريبهم أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي ، وعند خلع دعوة (١) المرابطين ، وكانت لجدهم بجيّان رئاسة وانفراد بالتدبير.
حاله : كان (٢) ، رحمه الله ، على طريقة مثلى من العكوف على العلم ، والاقتصاد (٣) على الاقتيات من حرّ النّشب (٤) ، والاشتغال بالنّظر والتّقييد والتّدوين ، فقيها ، حافظا ، قائما على التدريس ، مشاركا في فنون من العربية (٥) ، والفقه ، والأصول ، والقراءات ، والحديث ، والأدب ، حفظة (٦) للتفسير ، مستوعبا للأقوال ، جمّاعة للكتب ، ملوكي الخزانة ، حسن المجلس ، ممتع المحاضرة ، قريب الغور ، صحيح الباطن. تقدّم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنّه ، فاتّفق على فضله ، وجرى على سنن أصالته.
مشيخته : قرأ (٧) على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير (٨) ، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والقرآن. وروى عن أبي الحسن بن مستقور. وقرأ القرآن على الأستاذ المقرئ الرّاوية المكثر أبي عبد الله بن الكمّاد ، ولازم الخطيب أبا عبد الله بن رشيد ، وسمع على الشّيخ الوزير أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن المؤذن ، وعلى الراوية المسن أبي الوليد الحضرمي. يروي عن سهل بن مالك وطبقته. وروى عن الشيخ الرّاوية أبي زكريا البرشاني ، وعن الرّاوية الخطيب أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن علي الأنصاري ، والقاضي أبي المجد بن أبي علي بن أبي الأحوص ، والقاضي أبي عبد الله بن برطال ، والشيخ الوزير ابن أبي عامر بن ربيع (٩) ، والخطيب الولي أبي عبد الله الطّنجالي ، والأستاذ النظّار المتفنّن أبي القاسم قاسم بن عبد الله بن الشّاط. وألّف الكثير في فنون شتى.
تواليفه : منها (١٠) كتاب «وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم» وكتاب «الأنوار السّنية في الكلمات السّنّية» وكتاب «الدّعوات والأذكار ، المخرجة من صحيح
__________________
(١) في النفح : «دولة».
(٢) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٨) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٥).
(٣) في النفح : «والاقتصار» ، وفي أزهار الرياض : «على العلم والأقتيات من حرّ ...».
(٤) النّشب : المال ، وحرّ النشب : خالص المال. لسان العرب (نشب).
(٥) في النفح : «من عربية ، وفقه ، وأصول ، وقراءات ...».
(٦) في أزهار الرياض : «حافظا».
(٧) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٨) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٥).
(٨) في النفح : «أبي جعفر بن جعفر بن الزبير».
(٩) ورد اسمه في النفح والأزهار : أبو عامر بن ربيع الأشعري.
(١٠) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٩) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٥).
الأخبار» وكتاب «القوانين الفقهية ، في تلخيص مذهب المالكية» و «التنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبليّة» وكتاب «تقريب الوصول إلى علم الأصول» وكتاب «النّور المبين ، في قواعد عقائد الدين» وكتاب «المختصر البارع ، في قراءة نافع» وكتاب «أصول القرّاء الستة غير نافع» ، وكتاب «الفوائد العامة ، في لحن العامّة» ، إلى غير ذلك مما قيّده في التفسير والقراءات وغير ذلك. وله فهرسة كبيرة اشتملت (١) على جملة من أهل المشرق والمغرب.
شعره : قال (٢) في الأبيات الغينيّة ذاهبا مذهب الجماعة كأبي العلاء المعرّي ، والرئيس أبي المظفر (٣) ، وأبي الطاهر السّلفي ، وأبي الحجاج ابن الشيخ ، وأبي الربيع بن سالم ، وأبي علي بن أبي الأحوص ، وغيرهم ، كلهم نظم في ذلك (٤) : [الطويل]
لكلّ بني الدنيا مراد ومقصد |
|
وإنّ مرادي صحّة وفراغ |
لأبلغ في علم الشّريعة مبلغا |
|
يكون به لي للجنان بلاغ (٥) |
وفي (٦) مثل هذا فلينافس أولو (٧) النّهى |
|
وحسبي من الدنيا الغرور بلاغ (٨) |
فما الفوز إلّا في نعيم مؤبّد |
|
به العيش رغد والشّراب يساغ |
وقال في الجناب النّبوي (٩) : [الطويل]
أروم امتداح المصطفى ويردّني (١٠) |
|
قصوري عن إدراك تلك المناقب |
ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر؟ |
|
ومن لي بإحصاء (١١) الحصى والكواكب |
ولو أنّ أعضائي غدت ألسنا إذا |
|
لما بلغت في المدح بعض مآربي (١٢) |
__________________
(١) في النفح : «اشتهرت».
(٢) قارن بنفح الطيب (ج ٨ ص ٥٩) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٥ ـ ١٨٦).
(٣) في النفح : «وابن المظفر». وفي الأزهار : «والرئيس ابن المظفر».
(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٥٩) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٦).
(٥) الجنان ، بالفتح : القلب. والبلاغ : الكفاية. لسان العرب (جنن) و (بلغ).
(٦) في المصدرين : «ففي».
(٧) في الأزهار : «ذوو».
(٨) في المصدرين : «وحسبي من دار الغرور ...». والبلاغ : الإيصال والتبليغ. لسان العرب (بلغ).
(٩) الأبيات في الديباج المذهب (ص ٢٩٦) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٥٩ ـ ٦٠) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٦) والكتيبة الكامنة (ص ٤٨) وجاء فيه : «الجانب النبوي».
(١٠) في النفح : «فيردّني». وفي الكتيبة : «فيصدّني».
(١١) في الأصل : «بإحصا» ، والتصويب من المصادر.
(١٢) في أزهار الرياض : «غدت وهي ألسن لما بلغت في القول ...».
ولو أنّ كلّ العالمين تألّفوا (١) |
|
على مدحه لم يبلغوا بعض واجب |
فأمسكت عنه هيبة وتأدّبا |
|
وخوفا وإعظاما لأرفع جانب (٢) |
وربّ سكوت كان فيه بلاغة |
|
وربّ كلام فيه عتب لعاتب |
وقال ، رحمه الله ، مشفقا من ذنبه (٣) : [البسيط]
يا ربّ إنّ ذنوبي اليوم قد كثرت (٤) |
|
فما أطيق لها حصرا ولا عددا |
وليس لي بعذاب النّار من قبل |
|
ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا |
فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي |
|
ولا تذيقنّني (٥) حرّ الجحيم غدا |
وقال في مذهب الفخر (٦) : [الوافر]
وكم من صفحة كالشمس تبدو |
|
فيسلي (٧) حسنها قلب الحزين |
غضضت الطّرف عن نظري إليها |
|
محافظة على عرضي وديني (٨) |
وفاته : فقد (٩) وهو يشحذ الناس ويحرّضهم ، ويثبّت بصائرهم ، يوم الكائنة بطريف (١٠) ، ضحوة يوم الاثنين السابع (١١) لجمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة ، تقبّل الله شهادته. وعقبه ظاهر بين القضاء والكتابة.
محمد بن أحمد بن فتّوح بن شقرال اللخمي
شرقي الأصل ، من سكان غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالطّرسوني.
__________________
(١) في النفح : «تسابقوا إلى مدحه».
(٢) في الكتيبة : «فأسكتّ عنه ... هيبة ...». وفي الأزهار : «فأقصرت عنه ... لأعظم جانب».
وفي النفح : «وعجزا» بدل «وخوفا».
(٣) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٤٧ ـ ٤٨) والديباج المذهب (ص ٢٩٦) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٧) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٦٠).
(٤) في الكتيبة : «قد عظمت».
(٥) في الأصل : «ولا عذيقني» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصادر.
(٦) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٤٧) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٦).
(٧) في الكتيبة : «يسلّي».
(٨) في الكتيبة : «عن نظر إليها ... على علمي وديني».
(٩) قارن بأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٨٧) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٦١).
(١٠) يشير هنا إلى الموقعة الشهيرة التي كانت بين الإسبان وبني مرين في سنة ٧٤١ ه ، والمسماة بموقعة طريف ، وكان مع بني مرين قوات السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، صاحب غرناطة. وكانت الهزيمة فيها للمسلمين. اللمحة البدرية (ص ١٠٥).
(١١) في النفح : «تاسع جمادى الأولى».
حاله : نقلت من خطّ شيخنا أبي البركات بن الحاج : أمتع الله به ، كنّى نفسه أبا عبد الرحمن ، ودعي بها وقتا ، وكوتب بها. وكان له ابن سمّاه عبد الرحيم ، فقلنا له : سمّه عبد الرحمن ، ليعضّد لك الكنية التي اخترت ، فأبى. كان هذا الرجل قيّما على النحو والقراءات واللغة ، مجيدا في ذلك ، محكما لما يأخذ فيه منه ، وكانت لديه مشاركة في الأصلين والمنطق ، طمح إليها بفضل نباهته وذكائه ، وشعوره بمراتب العلوم ، دون شيخ أرشده إلى ذلك. يجمع إلى ما ذكر خطّا بارعا ، وظرفا وفكاهة ، وسخا نفس ، وجميل مشاركة لأصحابه بأقصى ما يستطيع. وكان صنّاع اليدين يرسم بالذّهب ، ويسفّر ، ويحكم عمل التّراكيب الطّبّية. وعلى الجملة ، فالرجل من أجلّ نبلاء عصره ، الذين قلّ أمثالهم.
مشيخته : أخذ القراءات عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن ابن أبي العيش ، وبه تفقّه ببلده ألمريّة. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ، والخطيب أبي جعفر بن الزيات ، والراوية أبي الحسن بن مستقور ، والولي أبي عبد الله الطّنجالي ، وصهره الخطيب أبي تمام غالب بن حسن بن سيدبونه ، والخطيب أبي الحسن القيجاطي ، والخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد ، وغيرهم.
شعره : من شعره قوله : [الطويل]
إذا قذفت بي حيثما شاءت النّوى |
|
ففي كل شعب لي إليك طريق |
وإن أنا لم أبصر محيّاك باسما |
|
فإنسان عيني في الدموع غريق |
فإن لم تصل كفّي بكفّك وافيا |
|
فأسمال أحبابي لدّي فتوق |
محنته : أحظاه وزير الدّولة أبو عبد الله بن المحروق (١) ، واختصّه ، ورتّب له بالحمراء جراية ، وقلّد نظره خزانة الكتب السلطانية. ثم فسد ما بينهما ، فاتّهمه ببراءات كانت تطرح بمذامّه بمسجد البيّازين (٢) ، وترصد ما فيها ، فزعم أنه هو الذي طرحها بمحراب المسجد ، فقبض عليه واعتقل ، ثمّ جلّاه إلى إفريقية.
__________________
(١) هو محمد بن أحمد بن محمد بن المحروق ؛ تولّى الوزارة لسلطان غرناطة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل النصري ، عام ٧٢٥ ه ، ثم قتل بأمر السلطان المذكور عام ٧٢٩ ه. اللمحة البدرية (ص ٩٤).
(٢) هو أحد مسجدي حيّ البيازين ، أشهر أحياء مدينة غرناطة ، حوّله الإسبان إلى كنيسة بعد سقوط غرناطة سنة ٨٩٧ ه ، وما يزال حتى اليوم بعض أسوار هذا المجسد قائمة مع جزء من صحنه.
وفاته : ولمّا بلغته بإفريقية وفاة مخيفه ، كرّ راجعا إلى الأندلس ، فتوفي في طريقه ببونة (١) ، من بلاد العنّاب أو بأحوازها في أواخر عام ثلاثين ، أو أقرب من الأواخر وسبعمائة.
محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النّون التّغلبي
ويعرف بابن الرمّالية ، من أهل غرناطة ، ويعرف خلفه الآن ، ببني مرزبّة ، ولهم أصالة وقدم وجدة.
حاله : فقيه ، نبيه ، نبيل ، ذكي ، عنده معرفة بالفقه والأدب والعربية ، حسن المشاركة والمحاضرة ، حاضر الذهن ، ذاكر لما قرأه.
مشيخته : روى عن الإمام أبي بكر بن العربي. قال أبو القاسم الملّاحي : وحدّثني سنة أربع وستمائة ، قال : حدّثني الإمام أبو بكر بن العربي ، رضي الله عنه ، قال : حدّثني محمد بن عبد الملك السّبتي ، قال : خرجت مع أبي الفضل الجزيري مشيّعين لقافلة الحاجّ من بغداد ، ومودّعين لها من الغد ، وحين أصبحنا أثيرت الجمال ، وفرض الناس الرّحال ، ونحن بموضع يعرف بجبّ عميرة ، إذا بفتى شاحب اللّون ، حسن الوجه ، يشيّع الرّواحل ، راحلة بعد أخرى ، حتى فنيت ، ومشى الحاجّ ، وهو يقول في أثناء تردّده ونظره إليها : [الطويل]
أحجّاج بيت الله ، في أيّ هودج |
|
وفي أيّ بيت من بيوتكم حبّي؟ |
أأبقى رهين القلب في أرض غربة |
|
وحاديكم يحدو فؤادي مع الرّكب؟ |
فوا أسفا لم أقض منكم لبانتي |
|
ولم أتمتّع بالسلام وبالقرب |
وفرّق بيني بالرّحيل وبينكم |
|
فها أنذا أقضي على إثركم نحبي |
يقولون هذا آخر العهد منكم |
|
فقلت وهذا آخر العهد من قلبي (٢) |
قال : فلمّا كمل الحاجّ المشي ، وانقطع رجاؤه ، وجعل يخطو هائما ، وهو ينشد ، ثمّ رمى بنفسه إلى الأرض وقال : [المديد]
خلّ دمع العين ينهمل |
|
بان من تهواه وارتحل |
أيّ دمع صانه كلف |
|
فهو يوم البين ينهمل |
__________________
(١) بونة : مدينة قديمة من بلاد إفريقية ، على ساحل البحر ، مرساها من المراسي المشهورة ، وتسمى بلد العنّاب لكثرة العناب فيها. الروض المعطار (ص ١١٥).
(٢) في الأصل : «قلب» بدون ياء.
قال : ثم مال على الأرض ، فبادرنا إليه فوجدناه ميّتا ، فحفرنا له لحدا ، وغسّلناه وكفّنّاه في رداء وصلّينا عليه ، ودفنّاه.
وفاته : وفاة المترجم به سنة خمسين وستمائة.
محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدري (١)
من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن بيبش (٢).
حاله : كان (٣) خيّرا ، منقبضا ، عفّا ، متصاونا ، مشتغلا بما يعنيه ، مضطلعا (٤) بالعربية ، عاكفا عمره على تحقيق اللّغة ، مشاركا في الطّب ، متعيّشا من التّجارة في الكتب ، أثرى منها ، وحسنت حاله. وانتقل إلى سكنى سبتة ، إلى أن حططت بها رسولا في عام اثنتين وخمسين وسبعمائة ، فاستدعيته ونقلته إلى بلده ، فقعد للإقراء به إلى أن توفي.
وجرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بما نصّه (٥) : معلّم مدرّب ، مسهّل مقرّب ، له في صنعة العربية باع مديد ، وفي هدفها سهم سديد ، ومشاركة في الأدب لا يفارقها تسديد ، خاصيّ المنازع مختصرها ، مرتّب الأحوال مقرّرها ، تميّز لأول وقته بالتّجارة في الكتب فسلّطت عليها (٦) منه أرضة آكلة ، وسهم أصاب من رميتها شاكلة (٧) ، أترب بسببها وأثرى ، وأغنى جهة وأفقر أخرى ، وانتقل لهذا العهد الأخير إلى سكنى غرناطة (٨) مسقط رأسه ، ومنبت غرسه ، وجرت عليه جراية من أحباسها (٩) ، ووقع عليه قبول من ناسها ، وبها تلاحق به الحمام ، فكان من ترابها البداية وإليه التمام. وله شعر لم يقصر فيه عن المدى ، وأدب توشّح بالإجادة وارتدى.
مشيخته : قرأ على شيخ الجماعة ببلده أبي جعفر بن الزبير ، وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد ، والوزير أبي محمد بن المؤذن المرادي ، والأستاذ عبد الله بن الكمّاد ، وسمع على الوزير المسنّ أبي محمد عبد المنعم بن سماك. وقرأ بسبتة على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي.
__________________
(١) ترجمة العبدري في الكتيبة الكامنة (ص ٩٠) وبغية الوعاة (ص ١٠٠) والدرر الكامنة (ج ٤ ص ٣٥٨) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٥٨) و (ج ٨ ص ٣٧٩).
(٢) في بغية الوعاة : «بليش». وفي الكتيبة : «بيش».
(٣) النص في بغية الوعاة (ص ١٠٠) بتصرف.
(٤) في البغية : «متضلعا».
(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٩ ـ ٣٨٠).
(٦) في النفح : «منه عليها».
(٧) في النفح : «الشاكلة».
(٨) كلمة «غرناطة» غير واردة في النفح.
(٩) الأحباس : الأوقاف. لسان العرب (حبس).
شعره : أنشدني بدار الصّناعة السلطانية من سبتة تاسع جمادى الأولى من عام اثنين وخمسين المذكور ، عند توجّهي في غرض الرسالة إلى السلطان ملك المغرب ، قوله يجيب عن الأبيات المشهورة ، التي أكثر فيها الناس وهي (١) : [مخلع البسيط]
يا ساكنا قلبي المعنّى |
|
وليس فيه سواك ثان |
لأيّ معنى كسرت قلبي |
|
وما التقى فيه ساكنان؟ |
فقال (٢) : [مخلع البسيط]
نحلتني طائعا فؤادا |
|
فصار إذ حزته مكاني (٣) |
لا غرو إذ كان لي مضافا |
|
أنّي على الكسر فيه باني |
وقال يخاطب أبا العباس عميد سبتة ، أعزّه الله ، وهي ممّا أنشدنيه فيه التاريخ المذكور ، وقد أهدى إليه أقلاما (٤) : [الطويل]
أنا ملك الغرّ التي سيب جودها |
|
يفيض كفيض المزن بالصّيّب القطر |
أتتني منها تحفة مثل حدّها (٥) |
|
إذا انتضيت كانت كمرهفة السّمر |
هي الصّفر لكن تعلم البيض أنها |
|
محكّمة فيها على النّفع والضّرّ |
مهذّبة الأوصال ممشوقة كما |
|
تصاغ (٦) سهام الرّمي من (٧) خالص التّبر |
فقبّلتها عشرا ومثّلت أنني |
|
ظفرت بلثم في أناملك العشر |
وأنشدني في التاريخ المذكور في ترتيب حروف الصحاح قوله (٨) : [الطويل]
أساجعة بالواديين تبوّئي |
|
ثمارا جنتها حاليات خواضب |
دعي ذكر روض زاره (٩) سقي شربه |
|
صباح ضحى طير ظماء (١٠) عصائب |
غرام فؤادي قاذف كلّ ليلة |
|
متى ما نأى وهنا هواه يراقب |
__________________
(١) البيتان في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٥٩) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٠). وورد فقط صدر البيت الأول في الكتيبة الكامنة (ص ٩١).
(٢) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٩١) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٥٩) و (ج ٨ ص ٣٨٠).
(٣) في الأصل : «مكان» ، والتصويب من المصدرين.
(٤) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٩١) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٠).
(٥) في الأصل : «عدّها» ، والتصويب من المصدرين.
(٦) في النفح : «تصوغ».
(٧) في الكتيبة : «أو».
(٨) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٩٢) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٥٨) و (ج ٨ ص ٣٨٠).
(٩) في المصدرين : «زانه».
(١٠) في الأصل : «طما» والتصويب من المصدرين.
ومن مطولاته ما رفعه على يدي السلطان وهو قوله (١) : [الوافر]
ديار خطّها مجد قديم |
|
وشاد بناءها شرف صميم |
وحلّ جنابها الأعلى علاء (٢) |
|
يقصّر عنه رضوى أو شميم |
سقى نجدا بها وهضاب نجد |
|
عهاد ثرّة (٣) وحيا عميم (٤) |
ولا عدمت رباه رباب مزن |
|
يغادي روضهنّ ويستديم |
فيصبح زهرها يحكي شذاه |
|
فتيت المسك يذكيه النّسيم |
وتنثره (٥) الصّبا فتريك درّا |
|
نثيرا خانه عقد نظيم |
وظلّت في ظلال الأيك تشدو |
|
مطوّقة لها صوت رخيم |
ترجّع في الغصون فنون سجع |
|
بألحان لها يصبو الحليم |
أهيم بملتقى الوادي بنجد |
|
وليس سواه في واد أهيم |
وكنت صرفت عنه النفس كرها |
|
وما برحت على نجد تحوم |
وما ينفكّ لي ولها نزاع |
|
إلى مغنى به ملك كريم |
له بيت سما فوق الثّريّا |
|
وعزّ لا يخيم ولا يريم |
تبوّأ من بني نصر علاها |
|
وأنصار النبيّ (٦) له أروم |
أفاض على الورى نيلا وعدلا (٧) |
|
سواء فيه مثر أو عديم |
ملاذ للملوك إذا ألمّت |
|
صروف الدهر أو خطب جسيم |
تؤمّله فتأمن في ذراه |
|
وتدنو من علاه فيستقيم (٨) |
ويبدو في نديّ (٩) الملك بدرا |
|
تحفّ به الملوك وهم نجوم |
بوجه يوسفيّ الحسن طلق |
|
يضيء بنوره اللّيل البهيم |
وتلقاه العفاة (١٠) له ابتسام |
|
ومنه للعدى أخذ أليم (١١) |
__________________
(١) القصيدة في الكتيبة الكامنة (ص ٩٢ ـ ٩٣).
(٢) في الأصل : «علا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.
(٣) في الأصل : «عماد ثرّة» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.
(٤) في الأصل : «تميم» والتصويب من الكتيبة.
(٥) في الكتيبة : «وتنشره».
(٦) في الأصل : «للنبيّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(٧) في الكتيبة : «عدلا ونيلا».
(٨) في المصدر نفسه : «فتستنيم».
(٩) في الأصل : «ندى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(١٠) في الأصل : «للعفاة» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(١١) في الأصل : «للييم» والتصويب من الكتيبة.
فيا شرف الملوك لك انقطاعي |
|
وإنّي في محلّكم خديم |
وآمالي أملت إليك (١) حتّى |
|
وردن على نداك وهنّ هيم |
فلا ظمأ (٢) ووردك خير ورد |
|
نمير ماؤه عذب جميم |
ولا أضحى وفي مغناك ظلّ |
|
ظليل حين تحتدم السّموم |
ركبت البحر نحوك والمطايا |
|
تسير لها ذميل أو رسيم |
وإنّ علاك إن عطفت بلحظ |
|
عليّ فذلك العزّ المقيم (٣) |
فوا أسفي على عمر تقضّى |
|
بدار ليس لي فيها حميم |
سوى ثمر للفؤاد ذهبت عنه |
|
وبين جوانحي منه كلوم |
ودون لقائها عرض الفيافي |
|
ونجد (٤) موجه طود عظيم |
لعلّ الله ينعم باجتماع |
|
وينظم شملنا البرّ الرحيم |
بقيت بغبطة وقرار عين |
|
بملك سعده أبدا يدوم |
كما دامت حلى الأنصار تتلى |
|
يشيد بذكرها الذّكر الحكيم |
عليك تحية عطر شذاها |
|
كعرف (٥) الرّوض جادته الغيوم |
مولده : بغرناطة في رجب (٦) ثمانين وستمائة. وتوفي عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة ، ودفن بباب إلبيرة ، وتبعه من الناس ثناء حسن ، رحمه الله.
محمد بن محمد النّمري الضّرير
من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرفه بنسبه.
حاله : من عائد الصلة : كان حافظا للقرآن ، طيب النّغمة به ، طرفا في ذلك ، من أهل المشاركة في العلم ، واعظا بليغا ، أستاذا يقوم على العربية قيام تحقيق ، ويستحضر الشّواهد من كتاب الله وخطب العرب وأشعارها ، بعيد القرين في ذلك ، آخذا في الأدب ، حفظة للأناشيد والمطوّلات ، بقيّة حسنة ممتعة.
__________________
(١) في الأصل : «لمليك» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(٢) في الأصل : «فللظما ورودك» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(٣) في الكتيبة : «القديم».
(٤) في الكتيبة : «وبحر».
(٥) في الأصل : «تعرّف» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.
(٦) في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨١): «مولده في حدود ثمانين وستمائة».
مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي عبد الله بن الفخّار الأركشي (١) ، وبه تأدّب ، ولازمه كثيرا ، فانتفع به.
شعره : ممّا صدّر به رسالة لزوجه وهو نازح عنها ببعض البلاد. فقال : [الطويل]
سلام كرشف الطّل في مبسم الورد |
|
وسيل نسيم الريح بالقضب الملد |
سلام كما ارتاح المشوق مبشّرا |
|
برؤية (٢) من يهواه من دون ما وعد |
سلام كما يرضي المحبّ حبيبه |
|
من الجدّ في الإخلاص والصّدق في الوعد |
سلام وتكريم وبرّ ورحمة |
|
بقدر مزيد الشوق أو منتهى الودّ |
على ظبية في الأنس مرتعها الحشا |
|
فتأوي إليه لا لشيح ولا رند |
ومن أطلع البدر التّمام جبينها |
|
يرى تحت ليل من دجى الشّعر مسودّ |
وثغر أقاح زانه سمط لؤلؤ |
|
يجبّ به المرجان في أحكم النّضد |
يجول به سلسال راح معتّق |
|
حمته ظبا الألحاظ صونا عن الورد |
فلله عينا من رأى بدر أسعد |
|
وروضة أزهار علت غصن القدّ |
وبشرى لصبّ فاز منها بلمحة |
|
من القرب بشراه بمستكمل السّعد |
وأضحى هواها كامنا بين أضلعي |
|
كمزن خفيّ النار في باطن الزّند |
وراحت فراح الروح إثر رحيلها (٣) |
|
وودّعت صبري حين ودّعها كبدي (٤) |
وصارت لي الأيّام تبدو لياليا |
|
وقد كان ليل الوصل صبحا بها يبدي (٥) |
فساعاتها كالدهر طولا وطالما |
|
حكى الدهر ساعات بها قصرا عندي |
ومنها :
ترى قلبها هل هام مني بمثل ما |
|
بقلبي من الحبّ الملازم والوجد؟ |
وهل هي (٦) ترعى ذمّتي ومودّتي |
|
كما أنا أرعاها على القرب والبعد؟ |
__________________
(١) نسبة إلى أركش Arcos de la Frontera ، وهي حصن بالأندلس على وادي لكة. الروض المعطار (ص ٢٧).
(٢) في الأصل : «برويا» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٣) في الأصل : «رحلها» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٤) في الأصل : «كبد» بدون ياء.
(٥) في الأصل : «يبد» بدون ياء.
(٦) كلمة «هي» ساقطة في الأصل.