علي موسى الكعبي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-425-6
الصفحات: ١٥٢
طالب إلى الحسن ، وأوصى الحسن إلى الحسين ، وأوصى الحسين إلىٰ عليّ بن الحسين ، وأوصىٰ علي بن الحسين إلىٰ محمّد بن علي الباقر ، وأوصىٰ محمّد بن علي الباقر إلىٰ جعفر بن محمّد الصادق ، وأوصىٰ جعفر بن محمد الصادق إلىٰ موسىٰ بن جعفر ، وأوصىٰ موسىٰ بن جعفر إلى ابنه علي بن موسى الرضا ، وأوصىٰ علي بن موسى الرضا إلى ابنه محمّد بن علي ، وأوصىٰ محمّد بن علي إلى ابنه علي بن محمّد ، وأوصىٰ علي بن محمّد إلى ابنه الحسن بن علي ، وأوصى الحسن بن علي إلى ابنه حجّة الله القائم بالحق (١).
وهكذا نصّ كل وصي على اللاحق له ضمن سلسلة متصلة متتابعة ، وقد صحّت بذلك أحاديث الإمامية وتناقلتها نفائس مصادرهم ، وهي كثيرة ، ومن أهم المصادر التي عنيت بترتيب النصوص على الأئمة عليهمالسلام :
١ ـ الكافي ، لثقة الإسلام الكليني ، المتوفى سنة ٣٢٨ أو ٣٢٩ ه.
٢ ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه القمي ، ، المتوفى سنة ٣٢٩ ه.
٣ ـ إثبات الوصية ، للمسعودي ، المتوفى سنة ٣٤٦ ه.
٤ ـ إثبات النص على الأئمة ، أو نصوص الأئمة ، للشيخ الصدوق ، المتوفى سنة ٣٨١ ه.
٥ ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر عليهمالسلام ، للخزاز ، من أعلام القرن الرابع.
٦ ـ الارشاد ، للشيخ المفيد ، المتوفى سنة ٤١٣ ه.
٧ ـ الاستبصار في النص على الأئمة ألاطهار ، للكراجكي ، المتوفي سنة ٤٤٩ ه.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٧٧.
٨ ـ روضة الواعظين ، للفتال النيسابوري ، المتوفى سنة ٥٠٨ ه.
٩ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ، لأمين الإسلام أبي علي الطبرسي ، المتوفى سنة ٥٤٨ ه.
١٠ ـ اتفاق صحاح الأثر في إمامة الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام ، لابن البطريق ، المتوفى سنة ٦٠٠ ه.
١١ ـ استقصاء النظر في إمامة الأئمة الاثني عشر ، لابن ميثم البحراني ، المتوفى سنة ٦٧٩ ه.
١٢ ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهمالسلام ، لأبي الحسن الاربلي ، المتوفى سنة ٦٨٧ ه.
١٣ ـ إثبات الهداة ، للحر العاملي ، المتوفى سنة ١١٠٤ ه.
١٤ ـ الانصاف في النص على الأئمة الاثني عشر من آل محمد الأشراف ، للسيد هاشم البحراني ، المتوفي سنة ١١٠٧ ه.
وغيرها كثير أظهرت الحق لسائله وأنارت الطريق لسابله.
أهل البيت عليهمالسلام هم الأوصياء
تقدّم في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام أنه وصف أهل البيت عليهمالسلام بأن « فيهم الوصية والوراثة » وجاء في كلام الإمام الحسن عليهالسلام : « وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه » ونضيف هنا :
١ ـ روىٰ ثقة الإسلام الكليني بالاسناد عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل الجنة التي وعدنيها ربّي ، ويتمسّك بقضيب غرسه ربي بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب وأوصياءه من بعده ، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال ، ولا يخرجونكم من باب هدىٰ ، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، واني سألت ربّي
ألاّ يفرق بينهم وبين الكتاب حتّىٰ يردا الحوض » (١).
٢ ـ وروى الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أنا سيّد النبيين ، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم القائم » (٢).
٣ ـ وعن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أنا سيّد النبيين ، ووصيي سيد الوصيين ، وأوصياؤه سادة الأوصياء ... » (٣).
٤ ـ وعن الإمام الباقر عليهالسلام ، قال : « إن أقرب الناس إلى الله عزّوجل ، وأعلمهم به ، وأرأفهم بالناس محمد صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام ، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا ـ عنى بذلك حسيناً وولده عليهمالسلام ـ فإن الحق فيهم ، وهم الأوصياء ، ومنهم الأئمة ، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم » (٤).
٥ ـ وعن الإمام الهادي عليهالسلام في ( الزيارة الجامعة ) التي يزار بها الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام : « السلام علىٰ محالّ معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحَفَظة سرّ الله ، وحَمَلة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٠٩ / ٦ باب ما فرض الله ورسوله صلىاللهعليهوآله من الكون مع الأئمة عليهمالسلام ـ كتاب الحجة.
(٢) إكمال الدين : ٢٨٠ / ٢٩ ، عيون أخبار الرضا عليهمالسلام / الشيخ الصدوق ١ : ٥٢ / ٣١ ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف ـ ١٣٩٠ ه ، ورواه القندوزي عن جابر ، في ينابيع المودة ٣ : ١٠٥ ـ باب ٧٧ ـ بيروت.
(٣) الفقيه ٤ : ١٢٩ / ١ باب ٧٢.
(٤) إكمال الدين : ٣٢٨ / ٨.
الله صلىاللهعليهوآله ورحمة الله وبركاته » (١).
٦ ـ وجاء عن جابر بن يزيد الجعفي ، أنه كان إذا حدّث عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليهالسلام يقول : حدّثني وصيّ الأوصياء (٢).
٧ ـ وجاء عن هارون الرشيد أنه وصف الأئمة عليهمالسلام من أمير المؤمنين إلى الإمام الكاظم عليهالسلام بالأوصياء ، فقد دخل عليه علي بن حمزة الكسائي ، فأخبره الرشيد باختلاف الأمين والمامون ، وما يقع بينهما من سفك الدماء وهتك الستور وكثرة القتلىٰ ، فقال له الكسائي : أيكون ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ لأمرٍ رؤي في أصل مولدهما ، أو لأثرٍ وقع لأمير المؤمنين في أمرهما ؟ فقال : لا والله إلاّ بأثر واجب حمله العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء (٣).
وجاء في ( الأخبار الطوال ) أن الداخل عليه كان الأصمعي ، وأنه قال للرشيد : يا أمير المؤمنين ، هذا شيء قضىٰ به المنجمون عن مولدهم ، أو شيء آثرته العلماء في أمرهما ؟ قال الرشيد : بل شيء آثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما.
قالوا : فكان المأمون يقول في خلافته : قد كان الرشيد سمع جميع ما جرىٰ بيننا من موسىٰ بن جعفر بن محمّد ، فلذلك قال ما قال (٤).
__________________
(١) التهذيب / الشيخ الطوسي ٦ : ٩٦ / ١٧٧ ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ـ ط ٤.
(٢) ميزان الاعتدال / الذهبي ١ : ٣٨٣ ـ دار الفكر ـ بيروت ، تهذيب التهذيب / ابن حجر ٢ : ٤٣ ـ دار الفكر ـ ط ١ ـ ١٤٠٤ ه.
(٣) مروج الذهب ٣ : ٣٥١ ـ دار الهجرة ـ قم ، الفتوح / ابن أعثم ـ المجلد الرابع : ٤١٦.
(٤) الأخبار الطوال / أبو حنيفة الدينوري : ٥٦٦ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
خامساً : مدونات في الوصية
حظيت الوصية كغيرها من المفردات والمفاهيم المهمة في ثقافتنا الإسلامية بالتأليف والتصنيف ، لتأكيد هذا المفهوم النبوي وتعميق وجوده في أذهان الاُمة عبر العصور ، وفيما يلي بعض تلك المصنفات مرتبة حسب الحروف مع بيان المصادر التي ذَكَرتْها :
١ ـ إثبات الوصية ـ لمحمّد بن النعمان الأحول ، المعروف بمؤمن الطاق ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام (١).
٢ ـ إثبات الوصية ـ منسوب إلى العلاّمة الحلي ( ت / ٧٢٦ ه ) ، وقد سمّاه المؤلف ( الحجج القوية في بيان الوصية ) (٢).
٣ ـ إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليهالسلام ـ لأبي سعيد أحمد بن رُميح المروزي (٣).
٤ ـ إثبات الوصية لعلي عليهالسلام ـ للشيخ الصدوق ( ت / ٣٨١ ه ) (٤).
٥ ـ إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ـ لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي ( ت / ٣٤٦ ه ) (٥).
٦ ـ التحفة البهية في إثبات الوصية ـ للسيد هاشم البحراني
__________________
(١) معالم العلماء / ابن شهر آشوب : ٩٥ / ٦٥٨ ، الفهرست / الطوسي : ١٣١ / ٥٨٣.
(٢) مطبوع ، نشر دار الكتب التجارية ـ النجف ـ ١٣٧٠ ه.
(٣) معالم العلماء / ابن شهر آشوب : ٢٤ / ١١٧.
(٤) رجال النجاشي : ٣٨٩ / ١٠٤٩.
(٥) رجال النجاشي : ٢٥٤ / ٦٦٥ ، مطبوع عدّة مرّات.
( ت / ١١٠٧ ه ) ، الذي قال عنه : ذكرت فيه ما يزيد على أربعمائة وخمسين حديثاً من طرق الخاصة والعامة ، وذكرت في مقدمة هذا الكتاب المصنفين الذين صنفوا في إثبات الوصية والأوصياء ، وهم اثنان وعشرون مصنّفاً من الرجال المعتبرين والمشايخ المشهورين ، ولكلّ رجلٍ منهم مصنف (١).
٧ ـ الرسالة في إثبات الوصاية ـ للشهيد زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام ( ت / ١٢٢ ه ) (٢). ولعلّه الآتي تحت عنوان ( الوصية والإمامة ).
٨ ـ العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين عليهالسلام ـ للقاضي المحدث محمّد ابن علي الشوكاني ( ت / ١٢٥٠ ه ) (٣).
٩ ـ علي عليهالسلام والوصية ـ للشيخ نجم الدين العسكري ، الذي ذكر فيه (١٨٢) حديثاً تنصّ على أن علياً عليهالسلام وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وخليفته وإمام اُمته من بعده (٤).
١٠ ـ الوصيّ ـ للسيد علي نقي الحيدري ، الذي جمع فيه (١٠٠) حديث نبوي صريحة بالوصية (٥).
١١ ـ الوصية ـ لأكثر من مؤلف ، منهم : أبو العباس أحمد بن يحيىٰ بن قافة
__________________
(١) ذكر ذلك في كتابه ( غاية المرام ) : ١٦٨ ـ الطبعة الحجرية ، وراجع : الذريعة / آقا بزرك ٢٦ : ١٦٢ / ٨١٥ دار الأضواء ـ بيروت ـ ١٤٠٣ ه ، رياض العلماء / عبد الله أفندي ٥ : ٣٠٢ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ١٤٠١ ه.
(٢) تدوين السنة الشريفة / السيد محمّد رضا الجلالي : ١٥٨.
(٣) نشر مركز الغدير ـ قم ـ ١٤١٩ ه.
(٤) مطبوع في دار الزهراء ـ بيروت ـ ١٣٩٨ ه.
(٥) الوصي : ١١ ـ ٩٦ ـ مطبعة المعارف ـ بغداد ـ ١٣٧٥ ه. نشر مكتبة أهل البيت العامة ، ١٣٧٥ ه.
الكوفي ، وعيسىٰ بن المستفاد البجلي ، ومحمد بن سنان الزاهري ، والمفضل بن عمر (١).
١٢ ـ الوصية في الإمامة ـ لإبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال الثقفي ، ( ت / ٢٨٣ ه ) (٢).
١٣ ـ الوصية والإمامة ـ لزيد بن علي عليهالسلام الشهيد سنة ١٢٢ ه (٣).
١٤ ـ الوصية والإمامة ـ لأبي الحسن علي بن رئاب الكوفي ، من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهماالسلام (٤).
١٥ ـ الوصية والردّ على من أنكرها ـ لهشام بن الحكم ، ( ت / ١٩٩ ه ) ، من أصحاب الامامين الصادق والكاظم عليهماالسلام (٥). وغيرما ذكرناه كثير (٦).
وأفردها جمع آخر من المصنفين في أبواب أو فصول من مصنفاتهم ، منهم : ابن شهر آشوب ، والعلاّمة المجلسي ، والسيد الهاشم البحراني ، والشهيد
__________________
(١) راجع : رجال النجاشي : ٢٩٨ / ٨٠٩ و ٣٢٨ / ٨٨٨ ـ قم ـ ١٤٠٧ ه ، معالم العلماء / ابن شهر آشوب : ١٢٤ / ٨٣٦ ـ النجف ـ ١٣٨٠ ه ، الذريعة ٢٥ : ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٢) رجال النجاشي : ١٧ / ١٩ ، معالم العلماء : ٤ / ١.
(٣) مطبوع بتحقيق الدكتور حسن محمد تقي سعيد ـ مجلة الموسم ـ العدد ٢ ـ ١٩٨٩ م ـ ص ٦٧١ ـ مجلة تراثنا ـ العدد ٢٧ ـ ص ١١٧.
(٤) رجال النجاشي : ٢٥٠ / ٦٥٧.
(٥) فهرست ابن النديم : ٢١٨ ، رجال النجاشي : ٤٣٣ / ١١٦٤ ، معالم العلماء : ١٢٨ / ٨٦٢.
(٦) راجع : أصل الشيعة وأصولها / كاشف الغطاء : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ـ مؤسسة الإمام علي عليهالسلام ـ قم ـ ١٤١٥ ه ، مصادر نهج البلاغة / عبد الزهراء الحسيني ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه.
التستري (١) وغيرهم كثير.
وتوسّع السيد هاشم البحراني في ذكر أحاديث الوصية ، فقد جعلها في بابين من كتابه ( غاية المرام ) كليهما تحت عنوان : في أن علياً عليهالسلام وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله وبنيه الأحد عشر هم الأوصياء والأئمة عليهمالسلام بنص رسول الله صلىاللهعليهوآله .
الأول : من طريق العامة ، وضمّنه سبعين حديثاً ، والثاني : من طريق الخاصة ، وفيه مائة وعشرة أحاديث (٢).
المبحث الثاني : الأحاديث الجارية مجرى الوصية
هناك مزيد من النصوص الصحيحة المتعاضدة التي تجري مجرى الوصية في كونها تؤكّد وتبين جملة مفاهيم تنسجم مع معنى الوصية كالخللافة والوزارة والولاية والقيادة والسيادة والإمامة والإمرة وغيرها ممّا يؤكد أن الوصية تعني المرجعية السياسية والروحية والفكرية الثابتة من الله جلّ وعلا للوصي دون غيره من أفراد الأُمة ، وفيما يلي نذكر بعض تلك المفاهيم مدعمة بالنصوص :
أولاً : الخلافة
عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبيّ ، إنه لا ينبغي ان أذهب إلاّ وأنت
__________________
(١) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٥٨ ـ ٦٤ ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ ١٤٢١ ه ، بحار الأنوار ٣٨ : ١ ـ ٢٦ ، غاية المرام / البحراني : ١٥٢ و ١٦٨ ، إحقاق الحق / التستري ٤ : ٧١ ـ ١٢٧ ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم.
(٢) راجع : غاية المرام ـ المقصد الأول ـ الباب (٢٢) و (٢٣) ، وسنورد قائمة بأسماء الكتب الواردة في الوصية في آخر هذا المبحث.
خليفتي » (١).
ثانياً : الإمامة
١ ـ عن زيد بن ارقم ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ألا أدلكم علىٰ ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا ؟ إن وليكم الله ، وإن إمامكم علي بن أبي طالب ، فناصحوه وصدّقوه ، فإن جبرئيل أخبرني بذلك » (٢).
٢ ـ وعن أسعد بن زرارة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اُوحي إليّ في عليّ ثلاث : إنه سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجّلين » (٣).
٣ ـ وعن أنس بن مالك وأبي برزة الأسلمي : أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « إن ربّ العالمين عهد إليّ عهداً في علي بن أبي طالب فقال : إنه راية الهدىٰ ، ومنار الايمان وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني » (٤).
ثالثاً : الولاية
١ ـ ما تواتر نقله عند الفريقين من قوله صلىاللهعليهوآله في خطبة الغدير الشهيرة وهو أخذ بيد عليّ عليهالسلام : « ألستم تعلمون أني أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ » قالوا : بلىٰ. قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (٥). واشتهر عن عمر ابن الخطاب أنه لقىٰ
__________________
(١) مسند أحمد ١ : ٣٣١ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٣ ـ ١٣٤ وصححه ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢٣ ، الاصابة ٢ : ٥٠٩.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٩٨.
(٣) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ـ وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
(٤) حلية الأولياء ١ : ٦٩ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٨.
(٥) حديث الغدير كثير الطرق جداً ؛ رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً ، وابن
علياً عليهالسلام فقال له : هنيئاً لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (١).
والمراد بالمولىٰ في الحديث الأولى بالتصرّف ، وهو الذي فهمه الصحابة المعاصرون لصدور النصّ ، ومنهم حسان بن ثابت حيث أنشد :
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
|
بُخمّ وأسمع بالرسول مناديا |
إلى أن يقول :
فقال له قم يا علي فانني |
|
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً |
__________________
جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، والجزري المقرئ من ثمانين طريقاً ، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً ، والحافظ أبو بكر الجعابي من مائة وخمسة وعشرين طريقاً ، والحافظ أبو العلاء العطار الهمداني من مائتين وخمسين طريقاً ، راجع : اقبال الأعمال / السيد ابن طاوس : ٦٧٢ في دعاء ليلة الغدير ، وسنن الترمذي ٥ : ٦٣٣ / ٣٧١٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥ / ١٢١ ـ دار الفكر ـ بيروت ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩ و ١٣٤ و ٣٧١ و ٥٣٣ ، مصابيح السنة ٤ : ١٧٢ / ٤٧٦٧ ، مسند أحمد ١ : ٨٤ و ٨٨ و ١١٩ و ١٥٢ و ٣٣١ ، و ٤ : ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٥ : ٣٤٧ و ٣٥٨ و ٣٦١ ، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : الحديث ٩٤٧ و ٩٥٩ و ٩٦٧ و ١٠٠٧ و ١٠٢١ و ١٠٤٨ و ١١٦٧ و ١٢٠٦ بطرق صحيحة ، أمالي الشجري ١ : ١٤٥ و ١٤٦ بعدة طرق ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان / ابن بلبان ٩ : ٤٢ / ٦٨٩١ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، المعجم الكبير / الطبراني ٤ : ٢٧٣ ـ دار إحياء التراث العربي ، و٥ : ١٦٦ ـ ١٦٧ و ١٧٠ ، الصواعق المحرقة : ٤٣ ـ ٤٤ وصححه / الهيتمي ـ مكتبة القاهرة ، ١٣٨٥ ه ، واُنظر : الغدير / العلاّمة الأميني ١ : ٣١٣ وما بعدها وغيرها كثير.
(١) مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ، تفسير الرازي ١٢ : ٥٣ ، تذكرة الخواص : ٣٦.
فمن كنت مولاه فهذا وليه |
|
فكونوا لهُ أنصار صدق مواليا (١) |
ومنهم قيس بن سعد بن عبادة حيث قال :
وعلي إمامنا وإمام |
|
لسوانا أتىٰ به التنزيلُ |
يوم قال النبي : من كنت مولا |
|
ه فها مولاه ، خطب جليلُ |
إن ما قاله النبي على الأُمّ |
|
ةِ حتمُ ما فيه قالٌ وقيلُ (٢) |
ومنهم عمرو بن العاص حيث قال :
وكم قد سمعنا من المصطفى |
|
وصايا مخصصة في علي |
وفي يوم خمّ رقى منبراً |
|
يبلّغ والركبُ لم يرحلِ |
وفي كفّهُ معلناً |
|
ينادي بأمر العزيز العلي |
ألستُ بكم منكم في النفوس |
|
بأولى فقالوا بلى فافعلِ |
فأنحله إمرة المؤمنين |
|
من الله مُستخلف المُنحِلِ (٣) |
٢ ـ وعن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إنّ عليّاً منّي وأنا
__________________
(١) الجمل / المفيد : ٢٢٠ ـ دار المفيد ـ ١٤١٤ ه ، الارشاد / المفيد ١ : ١٧٧ ـ دار المفيد ـ ١٤١٤ ه ، الفصول المختارة / السيد المرتضى ٢٠٩ و ٢٣٥ ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه ، المناقب / الخوارزمي : ٨٠ ، مقتل الحسين / الخوارزمي ١ : ٤٧ ، تذكرة الخواص : ٣٩ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٧ ، كنز الفوائد / الكراجكي ١ : ٢٦٨ ـ دار الأضواء ـ بيروت ، كشف الغمة / الأربلي ١ : ٣١٩ ـ تبريز ـ إيران ، كفاية الطالب : ٦٤ ، وخرجها الأميني في الغدير ٢ : ٦٥ من (٢٦) مصنّفاً.
(٢) الفصول المختارة : ٢٣٦ ، كنز الفوائد ٢ : ٩٨ ، تذكرة الخواص : ٣٩ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٧ ، وخرّجها الأميني في الغدير ٢ : ١١٣ من عدّة مصادر.
(٣) الغدير ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٤ عن عدّة مصادر.
منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (١).
٣ ـ وعن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من يريد أن يحيا حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فانه لن يخرجكم من هدىٰ ، ولن يدخلكم في ضلالة » (٢).
وهو صريح بأمر التمسّك بولايته.
٤ ـ وعن عمار بن ياسر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اُوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاّه فقد تولاّني ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّوجلّ » (٣).
وهذا الحديث يدل على أن المراد بالولاية هنا أولوية التصرّف ، لا المحبّة كما قيل ، لأنه صلىاللهعليهوآله ذكر الولاية أولاً ، ثمّ عطف عليها بذكر المحبة ، وذلك يقتضي المغايرة.
رابعاً : الوراثة
١ ـ عن ابن أبي أوفىٰ ـ في حديث المؤاخاة ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : « والذي بعثني بالحق ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسىٰ غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي » قال : « ما أرث منك يا نبي الله ؟ » قال : « ما ورثت الأنبياء من قبلي » قال :
__________________
(١) خصائص النسائي : ٢٣ ـ مطبعة التقدّم ـ القاهرة ، مسند أحمد ٤ : ٤٣٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٢ / ٣٧١٢.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٨ وصححه.
(٣) ترجمة عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق / ابن عساكر ٢ : ٥٩٧ و ٥٩٨ ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ ١٣٩٨ ه ، مجمع الزوائد ٩ : ١١١ ، المناقب / لابن المغازلي : ٢٣٠ / ٢٧٧ / كنز العمال ١١ : ٦١٠ / ٣٢٩٥٣.
« وما ورثت الأنبياء من قبلك ؟ » قال : « كتاب ربّهم ، وسنّة نبيهم » الحديث (١).
٢ ـ عن أبي إسحاق ، قال : سألت قثم بن العباس : كيف ورث علي رسول الله صلىاللهعليهوآله دونكم ؟ قال : لأنه كان أولنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً (٢).
وواضح أن السبق إلى الإسلام وشدّة القرب من النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يقتضيان حجب الأقرب في النسب عن حقّه في الإرث ، فلابدّ أنه يعني به الارث المتعلق بالخلافة النبوية ومقتضياتها من الكتاب والعلم كما في الحديث الأول ، والاعداد النبوي والسابقة كما في هذا الحديث ، وليس الإرث بالمدلول الفقهي المتعارف.
ومن هنا كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ... والله إني لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي ؟ » (٣) أي في خلافته.
خامساً : الوزارة
١ ـ عن أسماء بنت عميس ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اللهمّ إني أقول كما قال أخي موسىٰ : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي ، أخي علياً ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنك كنت بنا بصيراً » (٤).
__________________
(١) ترجمة عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق ١ : ١٢٣ / ١٤٨ ، الرياض النضرة ٣ : ١١٩ ، تذكرة الخواص : ٣١ ، نظم درر السمطين / الزرندي : ٩٥ ـ مطبعة القضاء ـ النجف ـ ط ١ ـ ١٣٧٧ ه.
(٢) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٢٥ ، وصححه.
(٣) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٢٦.
(٤) الرياض النضرة ٣ : ١٠١ ، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٦٧٨ /
والأمر في قوله صلىاللهعليهوآله : « وأشركه في أمري » يتعلّق بالمهام التبليغية في حركة الرسالة والأداء عن النبي صلىاللهعليهوآله وغير ذلك من مواقع الإمامة والقيادة.
٢ ـ وعن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : « ألا اُرضيك يا علي ؟ » قال : « بلى يارسول الله » قال : « أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني ، وتنجز موعدي ، وتبرئ ذمّتي ... » (١).
٣ ـ قال ابن أبي الحديد : ويدلّ على أنه وزير رسول الله صلىاللهعليهوآله من نص الكتاب والسنة ، قول الله تعالىٰ : ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (٢) وقال النبي صلىاللهعليهوآله في الخبر المجمع علىٰ روايته بين سائر فرق الإسلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسىٰ ، إلاّ أنه لا نبي بعدي » (٣) فأثبت له جميع مراتب هارون من موسىٰ ، فاذن هو وزير رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وشادّ أزره ، ولولا أنه خاتم النبيين لكان شريكاً في أمره (٤).
سادساً : الإمرة
١ ـ عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو أخذ بضبع علي ابن أبي طالب رضياللهعنه وهو يقول : « هذا أمير ـ إمام ـ البَرَرة ، وقاتل الفَجَرة ،
__________________
١١٥٨ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٧٩ ـ ٤٨٣ ، تذكرة الخواص : ٣٠ ، ترجمة عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق ١ : ١٢٠ / ١٤٧.
(١) المعجم الكبير / الطبراني ١٢ : ٣٢١ / ١٣٥٤٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢٤.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ٢٩ ـ ٣٢.
(٣) راجع : صحيح البخاري ٥ : ٨٩ / ٢٠٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ / ٣٠ ـ ٣٢ ، مسند أحمد ١ : ١٧٠ و ١٧٧ و ١٧٩ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ / ٣٧٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥ / ١٢١ ـ دار الفكر ـ بيروت.
(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢١١.
منصور من نصره ، مخذول من خذله » (١).
٢ ـ عن بريدة الأسلمي ، قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن نسلّم علىٰ عليّ بإمرة المؤمنين (٢). وإمرة المؤمنين لا يمكن تأويلها بغير معنى الخلافة والقيادة.
المبحث الثالث : مظاهر الاصطفاء
ذكرنا في دلالة أحاديث الوصية أن اختيار الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخّل فيه أحد ، ذلك لأن الوصية امتداد لحركة النبوة والقيام بأعباء استكمال المسيرة النبوية في قيادة الأُمّة وحفظ رسالتها ، والوصي خليفة النبي ووارث علمه وحامل أسراره ، فلابدّ أن يمتلك مؤهلات ومزايا خاصة ليست في غيره من سائر الناس تؤهّله لتسنّم الخلافة ونيل شرف الوصاية ، وتلك المزايا هي مظاهر للاصطفاء الإلهي تتجسّد في شخص الوصيّ دون غيره من أفراد الأُمّة.
ومن يتعمّق في دراسة خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام يجد
__________________
(١) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٢٩ ، الصواعق المحرقة : ١٢٥ باب ٩ ـ مكتبة القاهرة ـ ط ٢ ـ ١٣٨٥ ه ، ترجمة الإمام عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق ٢ : ٤٧٦ / ١٠٠٤ و ٤٧٨ / ١٠٠٥ ، الجامع الصغير / السيوطي ٢ : ١٧٧ / ٥٥٩١ ـ دار الفكر ـ بيروت.
(٢) ترجمة الإمام عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق ٢ : ٢٦٠ / ٧٨٤ ، تلخيص الشافي ٢ : ٤٥ ، أمالي الطوسي : ٣٣١ / ٦٦١ ، اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليهالسلام / ابن طاوُس : ١٣٢ ـ باب ٣ ، و ١٧٦٢ ـ باب ١٧٦ ، و ٢٢٩ ـ باب ٦٩ ، و ٣٦٢ ـ باب ١٢٨ ـ دار الكتاب ـ قم ـ ١٤١٣ ه.
مظاهر الاصطفاء والعناية الإلهية واضحة فيه معدومة في غيره ، وكلّها تشهد له بالخلافة والولاية بعد ابن عمّه المصطفى صلىاللهعليهوآله ، وفيما يلي نذكر بعضها :
أولاً ـ الولادة في البيت
فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ ولدت أمير المؤمنين عليهالسلام في جوف الكعبة (١). وتلك فضيلة باهرة ومنقبة عظيمة اختصّ بها دون سواه ، ونال بها شرف الاصطفاء في خصوصية الزمان ، والتفرّد في شرف المكان. أما من حيث تجليات الاصطفاء في زمان الولادة ، فقد شاءت الارادة الإلهية أن يطلّ الوصيّ على الدنيا في وقت ارهاصات النبوة ، وتباشير الرحمة ، حيث كان المصطفىٰ صلىاللهعليهوآله يسمع الهتاف من السماء ، ويسلّم عليه الحجر والشجر ، وهو في ربيعه الثلاثين ، وكان منقطعاً إلىٰ عبادة ربه ( ففي خارج البيت العتيق كانت الارادة الإلهية تهيء للناس رسولاً كريماً يتحدّىٰ عالم الأوثان ، وفي داخل البيت كانت الارادة الإلهية قد هيأت للمصطفىٰ خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ
__________________
(١) راجع : مستدرك الحاكم ٣ : ٤٨٣ ، مناقب ابن الغازلي : ٦ / ٣ ، الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٣٠ ـ دار الكتب التجارية ـ النجف ، تذكرة الخواص : ١٠ ، كفاية الطالب : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، روضة الواعظين / الفتال النيسابوري : ٨١ ـ منشورات الرضي ـ قم ، كشف الغمة ١ : ٥٩ ، العمدة / ابن البطريق : ٢٧ / ٨ ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ ١٤٠٧ ه ، أمالي الطوسي ٧٠٦ / ١٥١١ ، علل الشرائع / الصدوق : ١ ١٣٥ / ٣ ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف ـ ١٣٨٥ه ، معاني الأخبار / الصدوق : ٦٢ / ١٠ ـ جماعة المدرسين ـ قم ، أمالي الصدوق ١٩٤ / ٢٠٦ ، إرشاد القلوب / الديلمي : ٢١١ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ، كشف اليقين / العلاّمة الحلي : ١٧ ـ وزارة الثقافة والارشاد ـ إيران ـ ١٤١٦ ه ، نهج الحق / العلاّمة الحلي : ٢٣٣ ـ دار الهجرة ـ قم ـ ١٤٠٧ ه.
اللحظة الأولىٰ للولادة ) (١).
أما تجليات الاصطفاء في اختيار الكعبة المشرفة مكاناً لولادة الوصيّ عليهالسلام ، فلا ريب أن الله تعالىٰ قد طهره بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته ، ومعلوم أن ولادته عليهالسلام في بيت العبادة بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة ، كانشقاق جدار البيت ، وخروج الوليد شاخصاً بوجهه إلى السماء ، مستقبلاً الأرض بكفيه ، ناطقاً باسم الله ، مديراً ظهره للأصنام ، كل ذلك دليل على أن تلك الولادة في مكانها وكيفيتها وزمانها ، كانت اصطفاءً تتجلّىٰ فيه المشيئة الإلهية ، وأن الوصي كان محل العناية الربانية منذ يوم ولادته ( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (٢).
ثانياً ـ التربية النبوية
ومن مظاهر الاصطفاء في شخص علي عليهالسلام هو حصوله علىٰ شرف التربية النبوية منذ نعومة أظفاره حتىٰ رحيل المصطفىٰ صلىاللهعليهوآله إلىٰ رحمة ربّه حيث كان آخر الناس عهداً به.
تربّىٰ عليّ في حجر النبي صلىاللهعليهوآله بعيداً عن أباطيل الجاهلية ، ودون أن تُلبسه من مدلهمات ثيابها ، أو تنجسه بأنجاسها ، فقد ولد في الجاهلية مسلماً وأحزر قصب السبق إلى الإيمان بالإسلام ، مكرماً وجهه عن الشرك وعبادة الأوثان ، وتلقّته يد النبوة لتحنو عليه منذ الصغر ، فكان النبي صلىاللهعليهوآله يلي تربيته ويراعيه في نومه ويقظته ويحمله علىٰ صدره وعاتقه ، ويحبوه بألطافه وتحفه ،
__________________
(١) علي بن أبي طالب سلطة الحق / عزيز السيد جاسم : ١٥ ـ مؤسسة سينا للنشر ـ مصر ـ ومؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت ـ ١٩٩٧ م.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.
ويقول : « هذا أخي وناصري ، وصفيي وصيي ، وذخيرتي وكهفي » (١).
وكان علي عليهالسلام يتبعه اتباع الظلّ ، مقتدياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم ، وعظمة نفسه ، وطهره ونقائه ، وحسن سيرته ، وبذلك تهيّأت له فرص التفاعل مع النبي صلىاللهعليهوآله والاندماج بخط رسالته ما لم يتهيأ لغيره ، قال عليهالسلام : « قد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد ، يضمني إلىٰ صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسني جسده ، ويُشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، ... ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ... » (٢).
ومن مظاهر شرف الاصطفاء ، هو أنتقال الوصي منذ السادسة من عمره إلىٰ بيت النبي صلىاللهعليهوآله ، ذكر البلاذري وعلي بن الحسين الأصفهاني : أن قريشاً أصابها أزمة وقحط ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعمّيه حمزة والعباس « ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المَحْل ؟ » فجاءوا إليه ، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم ، فقال : دعوا لي عقيلاً ، وخذوا من شئتم ، فأخذ العباس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، وأخذ محمّد صلىاللهعليهوآله علياً عليهالسلام وقال لهم : « قد أخذت ـ من اختاره الله لي عليكم ـ علياً » (٣).
إذن فقد شاءت عناية الربّ أن يعيش الوصيّ عليهالسلام في كنف النبي صلىاللهعليهوآله ، وأن يمتاز من دون سائر أفراد الأُمّة بعمق وجوده في حياة النبيّ القائد صلىاللهعليهوآله ، فهو
__________________
(١) اثبات الوصية : ١٢١ ، كنز الفوائد ١ : ٢٥٥.
(٢) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ٣٠٠ / خ ١٩٢.
(٣) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٥.
ربيبه ، تأدّب علىٰ يديه ، وتعلّم خصال نفسه الزكية ، وكان من ثمار تلك العناية الإلهية والتربية النبوية إن صارت شخصية الوصي عليهالسلام نسخة ناطقة بشمائل النبي صلىاللهعليهوآله وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره وهديه ، وأن ينال الذروة العليا من مبادئ الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة ، وأن يتحلّىٰ بخصائص فريدة ومناقب فذّة ومزايا عجيبة. قال صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : « أنت مني ، وأنا منك » (١) وقال صلىاللهعليهوآله : « ما من نبيّ إلاّ وله نظير في أُمته ، وعلي نظيري ». (٢).
ثالثاً ـ السبق إلى الإسلام والتقدّم إلى الإيمان
ليس في حياة علي عليهالسلام يوم للشرك أو الوثنية ، بل ولد في الإسلام دفعة واحدة وإلى الأبد ، فكان مثار أُعجوبة ودهشة أبدية ، أن يولد علي عليهالسلام مسلماً في زمن الجاهلية ، وذلك شرف عظيم لا يدانىٰ ، ومظهر من مظاهر الاصطفاء لا يضاهىٰ.
وحينما بلغ علي عليهالسلام العاشرة ، كان الوحي قد أمر الرسول صلىاللهعليهوآله بالدعوة ، فكان عليّ عليهالسلام ربيب الوحي وغرسة النبوة ، يرىٰ نور الوحي والرسالة : ويشمّ عبق النبوة ، ويسبق الناس إلى الإيمان بالواحد الأحد ، والتصديق بالنبي الخاتم صلىاللهعليهوآله ، والتقدّم إلىٰ محراب الصلاة مع ابن عمّه المبعوث رحمةً للعالمين.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٢ و ٥ : ٨٧ ، سنن الترمذي : ٦٣٥ / ٣٧١٦ ، مصابيح السنة / البغوي ٤ : ١٧٢ / ٤٧٦٥.
(٢) الرياض النضرة ٣ : ١٠٣ ، ذخائر العقبىٰ : ٦٤.
وخديجة ، وأنا ثالثهما ، أرىٰ نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوه ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلىاللهعليهوآله ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع ، وترىٰ ما أرىٰ ، إلاّ أنك لست بنبي ، ولكنك لوزير ، وإنّك لعلىٰ خير ... » (١).
وقال عليهالسلام : « أنا عبد الله وأخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمة » (٢).
رابعاً ـ السبق في العلم
ومن مظاهر الاصطفاء سبق عليّ عليهالسلام لكلّ من عاصره من الصحابة وغيرهم في العلم ، فلقد أودع رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً عليهالسلام سنَّتَه كاملةً وكان أعلم الناس بها ، كما في حديث عائشة (٣) ، وعلّمه ألف بابٍ من العلم ، يُفتح له من كل باب ألف باب (٤) ، وكان يخصّه بمفاهيم الرسالة وخصائصها ، ويختلي به ويناجيه لساعات طويلة من الليل والنهار ، فكان له من رسول الله صلىاللهعليهوآله مدخلان : مدخل بالليل ومدخل بالنهار (٥) ، ويأتيه كل سحر وكلّ غداة (٦) ، وكان عليهالسلام يقول : « إذا سألت رسول الله أنبأني ـ أو أعطاني ـ وإذا سكّت
__________________
(١) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ٣٠١ / خ ١٩٢.
(٢) المستدرك / الحاكم ٣ : ١١١ ـ ١١٢.
(٣) الصواعق المحرقة : ١٢٧.
(٤) ترجمة الإمام علي عليهالسلام من تاريخ دمشق ٢ : ٤٨٥ / ١٠١٢.
(٥) مسند أحمد ١ : ٨٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٢ / ٣٧٠٨.
(٦) مسند أحمد ١ : ٨٥ و ١٠٧.