السيد محمد كاظم القزويني
المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤
ماذا حدث في مجلس يزيد؟
وروى الشيخ المفيد في كتاب ( الإرشاد ) : قالت فاطمة بنت الحسين عليهالسلام :
« فلما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا! فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر (١) فقال : « يا أمير المؤمنين! هب لي هذه الجارية ـ وهو يعنيني ـ (٢) ، وكنت جارية وضيئة (٣) فأرعدت ، وظننت أن ذلك جائزلهم ، فأخذت بثياب
__________________
١ ـ رجل أحمر : أي أبيض : قال إبن منظور ـ في كتابه « لسان العرب » ـ : « ... لأن العرب لا تقول : رجل أبيض » من بياض اللون ، إنما الأبيض ـ عندهم ـ : الطاهر النقي من العيوب. فإذا أرادوا الأبيض من اللون قالوا : أحمر.
المحقق
٢ ـ يعنيني : يقصدني.
٣ ـ جارية : فتاة. وضيئة : مشرقة جميلة.
عمتي : زينب ، ـ وكانت تعلم أن ذلك لا يكون ـ وقلت :
« يا عمتاه : أوتمت وأستخدم »؟ (١)
فقالت زينب : « لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق » ، وقالت ـ للشامي ـ :
« كذبت ـ والله ـ ولؤمت ، والله ما ذلك لك ولا له (٢) ».
فغضب يزيد ، وقال : كذبت والله ، إن ذلك لي! ولو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت [ زينب ] : « كلا ، والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج عن ملتنا ، وتدين بغير ديننا »!
فاستطار يزيد غضباً ، وقال :
« إياي تستقبلن بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك »!!؟
فقالت زينب : « بدين الله ، ودين أبي ، ودين أخي إهتديت أنت وجدك وأبوك .. إن كنت مسلماً »!
قال : كذبت يا عدوة الله!!
قالت له : « أنت أمير تشتم ظالماً ، وتقهر
__________________
١ ـ أوتمت وأستخدم؟ : أي صرت يتيمة خادمة أيضاً؟
٢ ـ اي : ولا ليزيد.
بسلطانك ».
فكأنه استحيى وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية؟
فقال يزيد : « أعزب! وهب الله لك حتفاً قاضياً »!
فقال الشامي : من هذه الجارية؟
قال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب!!
فقال الشامي : الحسين بن فاطمة .. وعلي بن أبي طالب؟!
قال : نعم.
فقال الشامي : لعنك الله ـ يا يزيد ـ اتقتل عترة نبيك ، وتسبي ذريته؟ والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم.
فقال يزيد : والله لألحقنك بهم.
ثم أمر به فضرب عنقه. (١)
__________________
١ ـ الإرشاد ، ص ٢٤٦ ، وقد حكى ذلك المازندراني في « معالي السبطين » عن الإرشاد ، مع بعض الفروق في الكلمات ، ونحن جمعنا بين النسختين. وجاء ذلك ـ أيضاً ـ في تاريخ الطبرى ج ٥ ص ٤٦١.
المحقق
رأس الإمام الحسين عليه السلام
في مجلس الطاغية يزيد
وجاء في التاريخ : ثم وضع رأس الحسين عليهالسلام بين يدي يزيد ، وأمر بالنساء أن يجلس خلفه ، لئلا ينظرن إلى الرأس ، لكن زينب لما رأت الرأس الشريف هاج بها الحزن ، فأهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت ـ بصوت حزين يقرح القلوب ـ : « يا حسيناه!
يا حبيب رسول الله!
يابن مكة ومنى!
يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء!
يابن المصطفى »! (١)
__________________
١ ـ كتاب « الملهوف على قتلى الطفوف » ص ٢١٣.
قال الراوي : فأبكت ـ والله ـ كل من كان حاضراً في المجلس ، ويزيد ساكت!
ثم دعى يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكت به ثنايا الإمام الحسين عليهالسلام.
فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ويحك يا يزيد! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : « أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، قتل الله قاتليكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا ».
فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحباً. (١)
* * * *
وجعل يزيد يقول :
ليت أشياخي ببـدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
لأهلوا و استهلـوا فرحـا |
|
ثم قالـوا : يا يزيد لا تشـل |
__________________
١ ـ كتاب « الملهوف » ص ٢١٤.
قد قتلنـا القرم (١) من ساداتهم |
|
وعـدلنـاه ببـدر فـاعتـدل |
لعبـت هـاشـم بالملـك فـلا |
|
خبـر جـاء ولا وحـي نـزل |
لست من خندف إن لم أنتقم (٢) |
|
من بنـي أحمد ما كان فعل (٣) |
__________________
١ ـ القرم : السيد المعظم. كما في المعجم الوسيط. وفي نسخة : « قد قتلنا القوم من ساداتهم ».
٢ ـ خندف : إسم واحدة من جدات معاوية.
٣ ـ كتاب « الملهوف » لابن طاووس ص ٢١٤.
الفصل السادس عشر
لماذا خطبت السيدة زينب في مجلس يزيد؟
خطبة السيدة زينب عليهاالسلام في مجلس الطاغية يزيد
شرح خطبة السيدة زينب في مجلس يزيد
نص خطبة السيدة زينب
على رواية أخرى
لماذا خطبت السيدة زينب
في مجلس يزيد؟
لقد شاهدت السيدة زينب الكبرى عليهاالسلام في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشد أنواع الإهانة والإستخفاف بالمقدسات ، وأقبح أشكال الإستهزاء بالمعتقدات الدينية ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم .. في تصرفاته الحاقدة!!
مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته وإنكاره لأهم المعتقدات الإسلامية.
مضافاً إلى ذلك .. أن يزيد قام بجريمة كبرى ، وهي أنه وضع رأس الإمام الحسين عليهالسلام أمامه وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه ، وهو ـ حينذاك ـ يشرب الخمر!!
فهل يصح ويجوز للسيدة زينب أن تسكت ، وهي إبنة صاحب الشريعة الإسلامية ، الرسول الأقدس سيدنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!
كيف تسكت .. وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيف تلك الدعاوى وتفند تلك الأباطيل ، لأنها مسلحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع ، وقدرة البيان وقوة الحجة؟!
ولعل التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب ، لأن المجلس كان يحتوي على شخصيات عسكرية ومدنية ، وعلى شتى طبقات الناس. فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عاماً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان ، وقد خدعتهم الدعايات الأموية ، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحق من الباطل ، منذ أربعين سنة طيلة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد.
وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب إنتصار السلطة على عصابة عرفتهم أجهزة الدعاية الأموية بصورة مشوهة.
وقد تعود أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات.
أما ينبغي لحفيدة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحق والحقيقة ، وتعرف الباطل بكل صراحة ووضوح؟
بالرغم من أنها كانت أجل شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوث لا يليق بها ، لأنها سيدة المخدرات والمحجبات!
ولكن الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة الى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور ، والإنحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح.
خطبة السيدة زينب عليها السلام
في مجلس الطاغية يزيد
لقد روى الشيخ الطبرسي في كتاب « الإحتجاج » خطبة السيدة زينب الكبرى عليهاالسلام ، ورواها ـ أيضاً ـ السيد ابن طاووس في كتاب « الملهوف ».
وبين الروايتين بعض الفروق والإضافات المهمة ، ونحن نذكر ـ أولاً ـ نص الخطبة على رواية الطبرسي ، ثم نذكر شرحاً متواضعاً للخطبة .. وبعد الفراغ من شرحها ، نذكر نصاً آخر للخطبة على رواية أخرى من دون أن نشرح كلمات النص الثاني.
ونكتفي بذكر توضيحات مختصرة لبعض كلمات الخطبة ـ على رواية ابن طاووس ـ في هامش الصفحة ، والله المستعان.
روى الشيخ الطبرسي في كتاب « الإحتجاج » ما يلي :
« إحتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب ، حين رأت يزيد ( لعنه الله ) يضرب ثنايا الحسين عليهالسلام بالمخصرة (١).
« روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم ، وغيره من الناس : أنه لما دخل علي بن الحسين عليهالسلام وحرمه على يزيد ، وجيء برأس الحسين عليهالسلام ووضع بين يديه في طست ، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يقول :
لعبـت هاشم بالملـك فـلا |
|
خبـر جاء ولا وحـي نزل |
ليـت أشياخـي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
لأهلـوا و استهلـوا فرحـا |
|
ولقالـوا : يا يزيد : لا تشل |
__________________
١ ـ المخصرة ـ على وزن مكنسة ـ : عصا أو شبهها ، يتوكأ عليها .. ويأخذها الملك بيده ليشير بها إلى ما يريد. وقيل : هي عصا في رأسها حديدة محددة ، مثل حديدة رأس السهم.
المحقق
فجـزينـاه ببـدر مثـلاً (١) |
|
وأقمنـا مثل بـدر فاعتـدل |
لسـت من خندف إن لم أنتقم |
|
من بني أحمد ما كان فعل (٢) |
قالوا : فلما رأت زينب ذلك أهوت إلى جيبها فشقته (٣) ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : « يا حسيناه! يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن محمد المصطفى ».
__________________
١ ـ وفي نسخة : قد قتلنا القوم من ساداتهم.
٢ ـ خندف : لقب امرأة في الجاهلية وإلى لقبها إنتمت قبيلتها. كما يستفاد ذلك من كتاب « لسان العرب » لإبن منظور. وقيل : هي من جدات معاوية.
المحقق
٣ ـ جيب القميص : ما يدخل منه الرأس عند لبس القميص. كما في « المعجم الوسيط ». قال بعض المحققين من الخطباء « كانت المرأة المحجبة تلبس أكثر من ثوب ـ في ذلك الزمان ـ ، فإذا هاج بها الحزن لدرجة كبيرة ، تشق جيبها كرد فعل طبيعي للحزن الشديد الذي صار يعصر قلبها بكيفية خطرة ، ويبقى عليها أكثر من ثوب غير الثوب الذي شقت جيبه.
المحقق
قال : فأبكت ـ والله ـ كل من كان ، ويزيد ساكت ، ثم قامت على قدميها ، وأشرفت على المجلس ، وشرعت في الخطبة ، إظهاراً لكمالات محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإعلاناً بأنا نصبر لرضى الله ، لا لخوف ولا دهشة ، فقامت إليه زينب بنت علي ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ، وقالت :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على جدي سيد المرسلين.
صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله ، وكانوا بها يستهزئون ». (١)
أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض (٢) ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذواقتدار ، أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامةً
__________________
١ ـ سورة الروم ، الآية ١٠.
٢ ـ وفي نسخة : حيث أخذت...
وامتنانا (١) ، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (٢) والأمور لديك متسقة ، وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلاً مهلا ، لا تطش جهلاً ، أنسيت قول الله ( عزوجل ) : « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ، ولهم عذاب مهين » (٣).
أمن العدل ـ يابن الطلقاء ـ تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والشريف والوضيع ، والدنيئ والرفيع ، ليس معهن
__________________
١ ـ وفي نسخة : ولك عليه كرامةً وامتنانا.
المحقق
٢ ـ لعل الأصح : مستوثقة.
المحقق
٣ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٧٨.
من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، عتواً منك على الله ، وجحوداً لرسول الله ، ودفعاً لما جاء به من عند الله.
ولا غرو منك ولا عجب من فعلك ، وأنى ترتجى مراقبة إبن من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. أشد العرب لله جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً.
ألا إنها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر.
فلا يستبطى في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وأضغانا ، يظهر كفره برسول الله ، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم ، يهتف بأشياخه ـ :
لأهلـوا واستهلـوا فرحاً |
|
ولقالوا : يا يزيد : لا تشل |