أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

الوقوف خير من الاقتحام في الهلكة وبين أن يقال الأخذ بالشبهة موجب لدخول النار أو للهلكة ، فإنّ الثاني كالاخبار عن دخول النار بشرب الخمر مثلاً ظاهر في تأسيس الحرمة بلسان ترتب العقوبة ولو في طول الوصول. بينما الأوّل سياقه مسوق للتعليل والمفروغيّة عن ثبوت العلة في نفسها بقطع النظر عن هذا الحكم فليس الخطاب مسوقاً لتأسيس ترتب الهلكة والعقاب تعبداً ليستكشف منه جعل الحرمة المولوية بل ظاهر في دوران الحكم مدار ثبوت العلة المفروغ عنها أينما كانت كما أشار إليه السيد الخوئي قدس‌سره.

ثمّ انّ بعض الأعلام أجاب عن الاستدلال بهذه الطائفة بجواب آخر هو انّ اطلاقها تشمل الشبهات الموضوعية مع وضوح عدم وجوب الاحتياط فيها حتى عند الاخباري فلابد امّا من تخصيصها أو حملها على الارشاد ، والأوّل يأباه لسان الروايات فيتعين الثاني.

وفيه : أوّلاً ـ امكان دعوى اختصاص بعضها بالشبهات الحكمية من قبيل ما ورد في ذيله « وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه » ، وكذا ذيل مقبولة عمر بن حنظلة الظاهر في الاختصاص والنظر إلى الشبهة الحكمية.

وثانياً ـ إذا فرض انّ الروايات المذكورة كناية عن جعل ايجاب الاحتياط مطلقاً في كل شبهة بلسان ترتب العقوبة على المخالفة فلا موجب لفرض ابائها عن التخصيص فإنّ ما يأبى عنه إنّما هو الحكم العقلي الارشادي لا ايجاب الاحتياط المولوي كما هو واضح.

ص ١٠١ قوله : ( وفيه أوّلاً : قوّة احتمال رجوع الإشارة ... ).

لا يخلو من اشكال لوضوح انّ النظر لو كان إلى حرمة الاسناد بلا علم لكان

٤٠١

الأنسب الإشارة إلى ذلك وانّه لا ينبغي أن يفتى بلا علم مع انّه لم يذكر شيء من ذلك لا السائل ولا الإمام وإنّما فرض مجرد عدم العلم والتوقف ، على انّ الافتاء بلا علم حرام قطعي لا أنّه يجب التوقف للاحتياط فلا محالة يكون المراد بالاحتياط الاحتياط في العمل لا في الفتوى ، فالصحيح المناقشة الثانية ، ويمكن تقريبها بنحوين :

١ ـ ان ذكر « حتى تسألوا وتعلموا » في الذيل يمنع عن الإطلاق لحالة عدم امكان التوصل إلى الحكم الشرعي بعد الفحص.

٢ ـ أنّ هذا التعبير بنفسه قرينة على انّ النظر إلى تحصيل العلم ومنجزية الواقع قبل الفحص فيكون نظير أخبار وجوب التعلّم.

ص ١٠٣ قوله : ( إلاّ انّ هذا الكلام غير تام ... ).

بل تام لأنّ في أخبار البراءة ما يختص بالشبهة الحكمية ، بل لعل نظر السيد الخوئي إلى خصوص ذلك ومعه لو قيل بانقلاب النسبة أو اختصاص أدلّة البراءة بما بعد الفحص والشبهة البدوية تمّ ما ذكره السيد الخوئي ، فهذا الاشكال وكذلك ما ذكر من الوجه بصالح أخبار الاحتياط يتوقف على أن لا يكون في أخبار البراءة ما يختصّ بالشبهة الحكمية مثل حديث الحجب أو كل شيء مطلق أو غيرهما. نعم ، هناك اشكال آخر يرد على السيد الخوئي سنذكره في وجه تقديم الاستصحاب أيضاً.

ص ١٠٥ قوله : ( وثالثاً : ما تقدّم مراراً ... ).

إذا كان مقصود الميرزا انّ كل حجّية تجعل بملاك الكاشفية واحراز الواقع

٤٠٢

تكون بنحو جعل الطريقية والعلمية لم يتجه عليه هذا الاشكال لأنّ أخبار الاحتياط لا تجعل ذلك بهذا الملاك بخلاف دليل الاستصحاب.

ويمكن أن يقال : انّ تخصيص أدلّة الاحتياط بالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الإجمالي بحكم طرحها خصوصاً مثل المقبولة التي موردها الفحص ووصول خبرين متعارضين من دون علم اجمالي بالتكليف ، وكذلك روايات التثليث صريحة في شمول موارد عدم العلم وكون المحذور في ارتكاب الشبهة لا في ترك الفحص والتعلم ومعه لا يمكن تقديم الاستصحاب على هذه الأخبار ، بل لو تمت كانت النتيجة بالعكس. وهذا الاشكال وارد على تقديم أخبار البراءة على الاحتياط أيضاً.

ثمّ انّ للسيد الخوئي بيانات ثلاثة لتقديم أخبار البراءة على الاحتياط ذكر السيد الشهيد اثنين منها ، وثالثها حمل الأمر بالاحتياط على الاستحباب والرجحان لمكان الترخيص في أخبار البراءة الصريحة في عدم الالزام كما في سائر موارد حمل الأمر على الاستحباب بدليل الترخيص ؛ نعم روايات الهلكة كالصريح في التنجيز فلا يمكن هذا الحمل فيها ، إلاّ أنّها غير تامة دلالة لكونها ارشاد إلى موارد تنجز التكليف.

والجواب : أنّ هذا الجمع قد لا يصح في الأوامر الطريقية كما في المقام لوضوح أنّها طريق إلى تنجيز الحكم الواقعي ، وليس طلباً نفسياً لينقسم إلى الوجوب والندب الشديد والضعيف ، نعم يمكن حملها على الارشاد إلى حسن الاحتياط عقلاً ، إلاّ أنّه خلاف ظهور قوي في الخطاب الشرعي ، فليس من قبيل الحمل على الاستحباب.

٤٠٣

ص ١٠٦ قوله : ( فإنّه يقال ... ).

انّ ما تقدم منا في هذا الصنف من أخبار الاحتياط لم يكن الاحتياط الطولي الشرعي ، بل قلنا انّ مفاده الارشاد إلى ما يحكم به العقل من لزوم مستند للتحرك والعمل والوظيفة العملية ولو أن يكون البراءة العقلية ، وهذا غير الاحتياط الشرعي الطولي ، فهي امّا أن تثبت الاحتياط في الشك في الحكم الواقعي الالزامي ـ وهو احتياط معارض مع أخبار البراءة ـ أو تكون ارشاداً إلى الحكم العقلي المذكور المورود لدليل البراءة الشرعية حتى الطولية.

ص ١٠٧ قوله : ( ومدرسة المحقق النائيني ١ علّقت ... ).

ذكر السيد الخوئي أنّ البراءة العقلية موضوعها عدم البيان والبراءة الشرعية موضوعها الشك وعدم العلم ، وكل ما يجعل فيه العلمية والطريقية كاستصحاب الحرمة يرفع ذلك بالحكومة أو الورود. ثمّ جعل مراد الشيخ من الأصل الموضوعي ما يرفع موضوع أصالة البراءة.

وهذا المطلب مضافاً إلى انّه خلاف ظاهر الشرطية التي ذكرها الشيخ ، فإنّ ظاهرها ارادة تقدم الأصل الموضوعي السببي على الحكمي المسببي بقرينة تطبيقه على أصالة عدم التذكية ، غير صحيح ؛ فإنّه مضافاً إلى ما في الكتاب يرد عليه أنّ عطف البراءة العقلية على الشرعية غير صحيح ، لأنّ ارتفاعها بالامارة أو الأصل الالزامي الشرعي وإن كان بالورود ولكنه من الواضح انّه ليس بملاك جعل العلمية في الامارة أو الأصل الالزامي ، ولهذا حتى إذا كان الأصل الشرعي الالزامي أمراً بالاحتياط أي غير محرز ولم تجعل فيه الطريقية كان وارداً على قاعدة قبح العقاب ، لأنّ المراد بالبيان في موضوعها العلم بالحكم الواقعي أو

٤٠٤

الظاهري ، ولو كان غير محرز ولا كاشف فهذا خلط آخر في المقام لم يتعرض له الاستاذ قدس‌سره.

ثمّ انّ البحث عن جريان أصالة عدم التذكية وعدمه وهو الأصل الموضوعي السببي الحاكم على أصالة البراءة في باب اللحوم ينبغي ايراده كالتالي :

انّ الثابت في باب اللحوم حرمتان : حرمة اللحم ذاتاً ، وحرمته من جهة كونه غير مذكّى. والحرمة الاولى تثبت حتى في لحم الحيوان القابل للتذكية كالوحوش والأرنب. وعندئذٍ تارة يكون الشك في الحرمة الاولى بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية ، واخرى يكون الشك في الحرمة الثانية أي من جهة الشك في التذكية ، وهذا الشك أيضاً ينقسم بلحاظ قبول التذكية إلى حكمية تارة وموضوعية اخرى وإن كان بلحاظ الحرمة الثانية شبهة موضوعية في الحرمة.

والشك في الحرمة الاولى ـ أي كون الحيوان مأكول اللحم ذاتاً ـ خارج عن هذا التنبيه ، إلاّ أنّه يبحث فيه اجمالاً بأنّه إذا كانت الشبهة حكمية فإن كان عام يدل على حلية لحم كل حيوان أو حلية كل طعام إلاّما خرج بالدليل رجعنا فيه إلى العام ، وإلاّ كان المرجع استصحاب عدم جعل الحرمة أو أصالة الحل والبراءة ، وفي الشبهة الموضوعية أيضاً يرجع إلى أصالة البراءة ما لم يكن أصل موضوعي حاكم كما إذا شك في بقاء عنوان يوجب حرمة الأكل ولو مع التذكية.

وقد يجري في المقام استصحاب الحرمة الثانية حال الحياة في الشبهتين كما في الكتاب.

والجواب : أوّلاً ـ لا دليل على حرمة أكل الحيوان الحيّ من غير ناحية التذكية.

٤٠٥

وثانياً ـ لو سلّم فهو من استصحاب القسم الثالث للكلي إلاّ إذا قيل بأنّ حرمة أكل الحي مخصوص بغير الحرام ذاتاً ، وامّا الحرام ذاتاً فليس فيه في زمن الحياة أو بعد التذكية والموت إلاّحرمة واحدة وهي الحرمة الذاتية. فيكون من القسم الثاني للكلي.

إلاّ أنّ هذا أوّلاً : لا موجب له. وثانياً : لا يكفي ، لأنّ حرمة الحيّ بعنوان الحي تكون الحياة حيثية تقييدية فيه فتكون الحرمة الكلية المستصحبة غير ثابتة لذات الحيوان على كل تقدير ، فيكون فيه اشكال تبدّل الموضوع. وثالثاً : انّ استصحاب الكلي من القسم الثاني لا يجري في الأحكام بل في الموضوعات ، لأنّه جامع بين الحكم غير القابل للتنجيز والقابل للتنجيز.

وامّا البحث عن الحرمة بملاك عدم التذكية ، فإذا كانت الشبهة حكمية وافترضنا قيام دليل على قبول كل حيوان للتذكية والحلية من ناحيتها إلاّما خرج رجعنا عند الشك بنحو الشبهة الحكمية إلى هذا العام فيثبت التذكية والحلية. وما في تقريرات السيد الخوئي من عدم جواز الرجوع إلى العام في بعض أنحاء الشبهة الحكمية لكون التذكية ليست أمراً عرفياً غير صحيح ، فإنّ الرجوع إلى العام لا يتوقف على ذلك ؛ إذ ليس التمسك بمفهوم التذكية الشرعي بل بما دلّ على حلية أكل المذبوح بالشروط المذكورة أو عنوان ما ذكّاه الذابح بمفهومه العرفي. وأغرب منه اجرائه لاستصحاب عدم التذكية مع انّه على التركيب لا معنى له ، إذ لا شك إلاّفي المفهوم على ما سيأتي.

وأمّا إذا لم يكن عموم كذلك فقد يقال بالرجوع عندئذٍ إلى استصحاب عدم التذكية حيث يشك في تحققها بفري الأوداج.

٤٠٦

إلاّ انّ التحقيق يقتضي تنقيح أمرين :

١ ـ انّ التذكية هل هي اسم للأفعال المركبة أو لعنوان بسيط عرفي منتزع أو مسبب منها أو لعنوان شرعي مترتب عليها.

٢ ـ بناءً على كونها عنواناً بسيطاً فهل يكون عدمها المأخوذ في موضوع الحرمة مضافاً إلى ذات الحيوان أو إلى الحيوان المذبوح بما هو زاهق الروح أي بنحو الطولية تارة بنحو العدم المحمولي واخرى بنحو العدم النعتي ؛ فإن قيل في الأمر الأوّل بأنّها اسم لنفس الأعمال والشروط المركبة فلا موضوع لاستصحاب عدم التذكية ، إذ لا شك في شيء من تلك الأفعال والمركب بل بعضها مقطوع التحقق وبعضها مقطوع العدم ، وإنّما الشك في موضوعيّتها للتذكية وللحلية. نعم مفهوم اللفظ بما هو مفهوم اللفظ يشك في تحققه ، لكنه ليس موضوعاً للحكم وإنّما الموضوع واقع المفهوم لا حيثية المفهومية للفظ.

وبهذا يعرف عدم جريان الاستصحاب حتى في الشبهة المفهومية ، فالمرجع أصالة الحلّ والبراءة ، أو استصحاب عدم الحرمة ، لأنّه من الشك في مقدار الحرمة المجعولة بحسب الحقيقة.

وإن قيل بأنّ التذكية عنوان بسيط وحداني منتزع أو مترتب على الأفعال جرى استصحاب عدمها على كل حال ، لنفيه واثبات موضوع الحرمة ، غاية الأمر لابد من ملاحظة المطلب الثاني حينئذٍ ، فإن كان عدم التذكية مضافاً إلى الحيوان بنحو العدم النعتي أو المحمولي أو إلى المذبوح بنحو العدم المحمولي جرى الاستصحاب ، وكان من العدم الذي له حالة سابقة فعلية على الأوّل ومن العدم الأزلي على الثاني وإن كان عدم التذكية مضافاً إلى المذبوح بنحو العدم

٤٠٧

النعتي أي موضوع الحرمة المذوبح المتصف بكونه غير مذكى فهذا لا حالة سابقة له ولا يمكن اثباته بالعدم المحمولي أي عدم كون الذبح مذكّى إلاّبنحو الأصل المثبت.

وحيث انّ الحلية ثبتت بعنوان ( إلاّما ذكّى ) بنحو الاستثناء والتخصيص فيكون المستظهر هو العدم المحمولي الذي هو نقيض الموضوع الخارج بالتخصيص والاستثناء لا العدم النعتي بنحو القضية المعدولة.

ولا فرق في ذلك بين أنحاء الشبهة الحكمية المذكورة في الدراسات وفي الكتاب ، أي سواء كان الشك في القابلية للتذكية أو في مانعية شيء عارض كالجلل أو في شرطية شرط كالتسمية أو الاستقبال مطلقاً أو في حال النسيان. وما عن السيد الخوئي قدس‌سره من جريان أصالة عدم المانع عند الشك في مانعية العارض كالجلل لا نفهم له معنىً ، إذ لا يوجد لدينا أصل بهذا العنوان واستصحاب عدم المانعية لا أثر له ، إذ ليست حكماً شرعياً ولا موضوعاً للتذكية ولا هي المنجزة فإنّ المنجز هو الحرمة كما هو واضح.

نعم ، لو قيل بجريان الاستصحاب التعليقي أمكن اجرائه امّا في الحلية ابتداءً بأن يقال : لو كان يذبح بالشروط قبل الجلل كان حلالاً أو في التذكية بناءً على كونها حكماً وضعياً شرعياً فيقال لو كان يذبح قبل الجلل كان مذكى فالآن كذلك ، إلاّ أنّ الصحيح عدم جريان الاستصحاب التعليقي.

وأمّا الشبهة الموضوعية للتذكية ففيها الأقسام الثلاثة المتقدمة وهي :

١ ـ احتمال طروّ المانع كالجلل.

٤٠٨

٢ ـ احتمال كون الحيوان من الصنف الذي لا يقبل التذكية كما لو شك في كونه غنماً أو كلباً.

٣ ـ احتمال عدم تحقق بعض أفعال التذكية كالتسمية أو الاستقبال.

أمّا الأوّل : فيجري فيه استصحاب عدم تحقق الجلل المانع ، لأنّه حادث مشكوك مسبوق بالعدم ويثبت موضوع الحلية ؛ إلاّ إذا قيل بأنّ التذكية عنوان بسيط منتزع أو مترتب تكويناً على تلك الأفعال مع عدم الجلل ـ كعنوان النقاء والطيب التكويني مثلاً ـ لأنّ استصحاب عدم الجلل لا يثبت هذا العنوان التكويني إلاّبنحو الأصل المثبت ، ولا حالة سابقة لذلك العنوان قبل الذبح بحسب الفرض لتقومه بمجموع الأفعال والشروط ، فما عن السيد الخوئي من عدم الاشكال في هذا الشق على جميع التقادير في اثبات عنوان التذكية غير صحيح بل لابد وأن يرجع على هذا التقدير إلى استصحاب عدم التذكية. فتثبت الحرمة.

وأمّا الثاني : فإن فرضت التذكية فيه أمراً بسيطاً مترتباً شرعاً على الأفعال مع تلك الخصوصية المشكوكة فإن كانت الخصوصية وجودية كالغنميّة مثلاً جرى استصحاب عدم التذكية بنحو العدم الأزلي والنعتي على المبنيين المتقدمين لذلك ؛ كما يجري استصحاب عدم الغنمية الأزلي بناءً على جريانه حتى في مثل هذه العناوين الذاتية أو إذا فرضت الخصوصية غير ذاتية كالأهلية وبه يثبت عدم التذكية الموضوع للحرمة وإن كانت الخصوصية عدمية كعدم الوحشية جرى استصحاب عدم الوحشية الأزلي فتثبت التذكية فلا يجري استصحاب عدمها لكونه أصلاً موضوعياً بالنسبة إلى استصحاب عدم التذكية.

٤٠٩

وإذا كانت التذكية عنواناً بسيطاً ولكن تكوينياً لا شرعياً جرى استصحاب عدم التذكية بنحو العدم النعتي أو الأزلي ولا أثر لاستصحاب عدم الخصوصية المشكوكة كما هو واضح. وإذا كانت التذكية عنواناً مركباً أي اسماً لنفس الأفعال مع الخصوصية المشكوكة أي موضوع الحلية مركب منها فإذا كانت الخصوصية المأخوذة في الحلية عدمية كعدم الوحشية كما إذا كان عام فوقاني يدل على قبول كل حيوان للتذكية ولحلية الأكل بذبحه إلاّما خرج كالحيوان الوحشي جرى استصحاب عدمها لاثبات التذكية والحلية بنحو العدم الأزلي فتثبت الحلية ، ولو قيل بعدم جريان الأصل في الاعدام الأزلية جرت البراءة وأصالة الحلّ.

وإن لم يثبت ذلك ولكن كانت الحرمة والمانعية أي عدم التذكية ثابتة على عناوين ثبوتية كالثعلب والوحش والكلب فأيضاً جرى استصحاب عدمها لنفي موضوع الحرمة وهو كافٍ ولا يجب اثبات موضوع الحلية ولا يجري بحسب الفرض أصالة عدم التذكية وإن كان موضوع الحلية وعدم المانعية وجودياً وموضوع الحرمة والمانعية عدمياً كما إذا قام الدليل على حلية وتذكية الحيوان الأهلي فقط جرى استصحاب عدمه وثبتت الحرمة.

وبهذا يظهر الاشكال في التعبير في الكتاب حيث جعل فيه الحكم بالحلية والتذكية مبنياً على ثبوت عموم يدل على قبول كل حيوان للتذكية إلاّما خرج فيحرز عدم عنوان الخارج بنحو العدم الأزلي مع انّه يكفي لنفي الحرمة نفي موضوعها إذا كان وجودياً ولو لم يكن عام فوقاني مثبت لتذكية كل حيوان إلاّ ما خرج.

٤١٠

كما انّه بناء على عدم القول بالاستصحاب في الاعدام الأزلية أيضاً المرجع أصالة الحل والبراءة. وظاهر الكتاب خلافه.

ثمّ انّ ما جاء في الكتاب من التفصيل بين الجزئية والقيدية في التذكية وانّه على التقدير الثاني يجري في الشق الثاني ( أي أخذ العنوان الوجودي كالأهلية في التذكية ) استصحاب عدم المقيد بما هو مقيد ( ص ١١٢ ) أي عدم التذكية فهذا خلف فرض التركيب فإنّ المقيد بما هو مقيد عنوان بسيط. على انّه خلاف ما يأتي في محله من رجوع التقيدات إلى التركيب.

وأمّا الثالث : فالجاري فيه استصحاب عدم الفعل المشكوك تحققه كالاستقبال فيترتب عليه عدم التذكية إذا كان عنواناً بسيطاً شرعياً مترتباً على مجموع تلك الأفعال أو كان مركباً فإنّه يكون هذا المركب موضوعاً بحسب الحقيقة للحلية ونقيضه وهو انتفاء أحدهما موضوع للحرمة وإن كان التذكية عنواناً بسيطاً تكوينياً جرى ابتداءً استصحاب عدم التذكية بنحو العدم الأزلي أو النعتي حسب المبنى المبيّن سابقاً في اضافة عدم التذكية إلى اللحم.

فعلى جميع التقادير يجري الاستصحاب لاثبات موضوع الحرمة في هذا الشق.

الخلاصة :

الشك إمّا في المانع المسبوق بالعدم كالجلل وامّا في القابلية وامّا في فعل من أفعال التذكية كالاستقبال ، وكل من هذه الأقسام الثلاثة قد تكون الشبهة فيه حكمية وقد تكون موضوعية.

٤١١

والبحث عن جريان أصالة عدم التذكية فيها مبني على ملاحظة المطلب الأوّل وهو كون التذكية عبارة عن نفس الأفعال بشروطها أو عبارة عن عنوان وحداني بسيط منتزع عنها تكويناً أو مترتب عليها شرعاً. كما انّ هناك بحثاً آخر في كون استصحاب عدم التذكية على تقدير الجريان هل يكون من استصحاب العدم الأزلي ومبتنياً عليه أو لا.

وهذا ما لم يتفطن له السيد الخوئي قدس‌سره. كما انّه يرد على السيد الخوئي في الأقسام الثلاثة للشبهة الموضوعية في القسم الأوّل : انّ اثبات التذكية باستصحاب عدم الجلل لا يصحّ إذا كان أمراً بسيطاً منتزعاً عن الأفعال مع عدم الجلل كعنوان النقاء والطيب العرفي إلاّعلى القول بالأصل المثبت بل يجري استصحاب عدم التذكية أي ذاك العنوان البسيط فيثبت الحرمة.

وفي القسم الثاني : انّه بناءً على التركيب يجري استصحاب عدم الخصوصية الوجودية المأخوذة في التذكية إن لم يكن عام فوقاني كالأهلية مثلاً ـ إذا كان الدليل في الشبهة الحكمية يثبت حلية كل حيوان أهلي وقابليته للتذكية فشككنا في كون الحيوان وحشياً أو أهلياً ـ فيجري استصحاب عدم الأهلية فيثبت عدم التذكية والحرمة حتى على التركيب ولا يرجع إلى أصالة الحلّ. كما لا وجه لما قاله من انّ التذكية مقطوعة.

ويرد في القسم الأوّل من الشبهة الحكمية الذي ذكره في ذيل القسم الثاني في الدراسات من أصالة عدم تحقق المانع بأنّ هذا الأصل لا أساس له إلاّ الاستصحاب التعليقي وهو ممنوع بل يجري استصحاب عدم التذكية على البساطة ويرجع إلى أصالة الحلّ أو استصحاب عدم جعل الحرمة على التركيب.

٤١٢

ويرد على القسم الثالث : أوّلاً ـ عدم جريان أصالة عدم التذكية بناءً على التركيب لعدم الشك إلاّفي تحقق الاسم بما هو اسم لا في تحقق المفهوم.

وثانياً ـ منع ما ذكره من عدم امكان الرجوع إلى الإطلاق.

ص ١١٧ قوله : ( امّا المقام الأوّل فالمشهور حسن الاحتياط عقلاً واستحبابه شرعاً ... ).

الأمر المولوي بالاحتياط شرعاً يتصور بأحد أنحاء ثلاثة :

١ ـ الأمر الشرعي المولوي بالاحتياط بملاك مصلحة نفسية كالتعوّد والتمرين على الامتثال ، وهذا خطاب شرعي لم يستشكل الميرزا في امكانه ، وقد يستفاد من لسان بعض أوامر الاحتياط.

٢ ـ الأمر الشرعي المولوي الطريقي كما هو في سائر الأحكام الظاهرية الكاشفة عن اهتمام المولى بملاكاته اللزومية وأرجحيّتها من الملاكات الترخيصية ودرجة الأهمية قد تكون لزومية فيكون الأمر وجوبياً ، وقد تكون أقل فيكون استحبابياً.

وهذا لا يمكن استكشافه بقانون الملازمة بين حكم العقل والشرع بل لابد فيه من خطاب شرعي ، لأنّ العقل لا علم له بما هو الأهم من ملاكات المولى في موارد التزاحم الحفظي والاشتباه ، والمدّعى استفادة ذلك من أوامر الاحتياط بعد عدم دلالتها على وجوب الاحتياط الذي هو مدّعى الاخباري.

وهذا لا يرد عليه لا اشكال اللغوية لما في الكتاب ولا اشكال الميرزا لأنّه ليس مستكشفاً بقانون الملازمة ولا مرتبطاً بملاك حكم العقل بحسن الانقياد

٤١٣

والاحتياط ، ولهذا يكون متعلقه وهو الاحتياط مبايناً مفهوماً وأوسع صدقاً من موضوع حكم العقل بحسن الانقياد في موارد احتمال التكليف.

٣ ـ الأمر الشرعي المولوي بملاك الحسن العقلي نظير الأمر الشرعي بالعدل بملاك حسنه العقلي. وهذا أمر مولوي نفسي ـ على تقدير ثبوته ـ وليس طريقياً فهو كالأوامر النفسية الاخرى ، غاية الأمر ملاكه الحسن لا المصلحة ، والحسن قائم في عنوان الانقياد والاحتياط سواء صادف الملاك الواقعي أم لا. وهذا هو الذي يمكن أن يدّعى ثبوته واستكشافه بقانون الملازمة وهو الذي يمكن أن يورد عليه الميرزا قدس‌سره باستحالته في الأحكام العقلية الطولية والتي هي في سلسلة معلولات الأحكام.

وهذا الاشكال غير تام في المقام أيضاً ، لأنّ وجه الاستحالة إن كان التسلسل فهذا لا يلزم في المقام كما هو واضح وإن كان هو اللغوية كما يقال في الأمر بالاطاعة وان من لا يتحرك من الحكم الشرعي الأوّل لا يتحرك من الثاني أيضاً وانّ المحرّك على كل حال هو حكم العقل بلزوم طاعة أوامر المولى فإذا لم يكن حكمه بالنسبة إلى التكليف الأوّل محركاً فلا يكون محركاً بالنسبة إلى الثاني أيضاً ، فهذا البيان لو تمّ في اطاعة الأوامر والتكاليف الواصلة فهو لا يتم هنا ، لوضوح انّ الخطاب والأمر الشرعي اليقيني ولو كان استحبابياً قد يوجب انقياد العبد وتحرّكه بخلاف الحسن العقلي المجرد عن الخطاب والارادة الشرعية ، فإنّ العبد يتحرك من ارادة المولى وطلبه الحقيقي المولوي الجزمي بخلاف الحسن العقلي وبخلاف الخطاب الشرعي الواقعي غير الجزمي ولو كان لزوميّاً فلا لغوية في البين أصلاً.

٤١٤

وهكذا يتضح انّه سواء كان مدرك القول باستحباب الاحتياط في الشبهات البدوية الأخبار الآمرة بالاحتياط ـ بناءً على امكان استفادة ذلك من ألسنتها ولو بقرينة أخبار البراءة ـ أو قانون الملازمة بين ما حكم به العقل حكم به الشرع لا يرد عليه اشكال الميرزا قدس‌سره.

وبهذا يظهر التشويش في كلمات الأصحاب في المقام فراجع وتدبّر.

ص ١١٨ قوله : ( وهكذا يظهر عدم محذور في استفادة استحباب الاحتياط ... ).

إلاّ أنّ الانصاف انّ استفادته اثباتاً من تلك الروايات محل تأمل ؛ لأنّها جميعاً أجنبية عن ذلك ، وما يكون فيها صالحاً للاستحباب الطريقي كقوله : « أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت » حيث انّه أمر ظاهر في الطلب المولوي أيضاً تقدم عدم دلالته عليه وقوة احتمال نظره إلى لزوم حفظ الدين ومراعاته والاهتمام به.

ص ١٢٠ قوله : ( إلاّ أنّ الصحيح امكان اختيار الشق الأوّل ... ).

المقصود أنّ دليل الأمر بالاحتياط يحمل أيضاً على الاحتياط بلحاظ ما هو المأمور به لا على تفريغ الذمة واسقاط التكليف المحتمل المتوقف على قصد القربة ، وإنّما يستفاد لزوم قصد القربة بحكم العقل.

وهذا الكلام غير تام ، إذ يرد عليه :

أوّلاً ـ ما في الهامش وهو اشكال اثباتي ، وحاصله انّ الاحتياط ليس بهذا المعنى ، فإذا ورد في دليل مطلق لم يشمل المقام لا أنّه يشمله ويحمل على معنى آخر بدلالة الاقتضاء ، ولا يقاس بالأمر بالفعل بعنوانه الأولي والاتيان به بقصد

٤١٥

الأمر بحكم العقل ، فإنّ تعلّق الأمر بالعنوان المذكور مفروغ عنه هنا وهو لا يتوقف على شيء.

وثانياً ـ عدم شمول إطلاق الأمر بالاحتياط للعبادات المشكوكة على تقدير اشتراط قصد الأمر الجزمي في العبادة حتى لو قيل بامكان أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر ؛ وذلك لأنّه يوجد هنا محذور آخر غير لزوم الدور بلحاظ الجعل أو بلحاظ فعلية الحكم من ناحية القدرة ، الذي هو محذور عام في الأوامر التعبدية ، وحاصل هذا المحذور الآخر هو استحالة انطباق عنوان الاحتياط على الفعل بحسب نظر المكلّف ؛ لأنّه متوقف على الاتيان به بقصد أمر متعلق به ويدعو إليه وتعلق أمر به كذلك فرع انطباق عنوان الاحتياط عليه بنحو مفاد كان الناقصة ، فإذا توقف انطباق هذا العنوان عليه على الاتيان به بداعي الأمر الجزمي صار دوراً في مرحلة الموضوع واتصاف الفعل بأنّه احتياط حتى إذا فرضنا عدم اشتراط القدرة في التكليف ، فلا يرجع هذا إلى اشكال الميرزا قدس‌سره.

وإن شئت قلت : فعل الاحتياط يمكن الاتيان به بقصد الأمر الجزمي المتعلق به كما في كل أمر تعبدي متعلق بفعل إلاّ أنّ الكلام في انّ هذا العنوان ليس عنواناً أولياً بل ثانوي فكيف ينطبق على الاتيان بالفعل العبادي المشكوك لكي يمكن قصد هذا الأمر الجزمي المتعلق بعنوان الاحتياط فما لم ينطبق هذا العنوان الثانوي لا يمكن الاتيان بالفعل ـ كالصلاة مثلاً ـ بداعي الأمر بالاحتياط وانطباقه عليه فرع وجود أمر يدعو إلى ذلك الفعل في المرتبة السابقة فيستحيل أن يكون ذلك نفس الأمر المتعلّق بالاحتياط ، فالدور هنا في انطباق العنوان المأمور به على الفعل لا من ناحية القدرة ليصح الجواب المذكور في محله.

٤١٦

وبعبارة ثالثة : انّ قصد الأمر وإن كان عنواناً ثانوياً أيضاً إلاّ انّه كان يؤخذ كجزء أو قيد للمتعلق مع كون ذات الفعل أيضاً متعلقاً للأمر ولو ضمناً ، بينما في المقام لا يكون ذات الفعل متعلقاً للأمر الجزمي حتى ضمناً وإنّما متعلقه عنوان الاحتياط ، فكيف ينطبق عنوان الاحتياط المأمور به على الفعل الأولي بنحو مفاد كان الناقصة لكي يمكن الاتيان به بداعي هذا الأمر الجزمي ، فتعلق الأمر به فرع كونه احتياطاً بنحو مفاد كان الناقصة ، وكونه احتياطاً فرع تعلّق الأمر به ، وهذا دور في أصل التعلق في عالم الجعل.

وبعبارة رابعة : لولا الأمر الاستحبابي بالاحتياط كان الأمر العبادي المحتمل ساقطاً جزماً في مورد الشك وعدم العلم بناءً على اشتراط قصد الأمر الجزمي في العبادة فلا موضوع للاحتياط وخطابات الأمر بالاحتياط لا تحقق موضوع نفسها بل في طول فعلية موضوعها ـ من غير ناحية القدرة ـ تكون فعلية. وفي المقام احتمال التكليف من قيود موضوع الأمر بالاحتياط وإن كان سبب ارتفاعه عدم القدرة على الأمر العبادي الأوّل.

ودعوى إطلاق الأمر من ناحية قيد القدرة الحاصلة في طول الأمر لا يجدي في دفع هذا الاشكال.

ص ١٢٢ قوله : ( والثاني خلاف ظاهر حال الخطاب الصادر من المولى ... ).

ليس الظهور الحالي في المولوية في الخطابات الشرعية تقتضي أكثر من هذا المقدار ، وهو التفضل على العباد بتنجيز نفس الثواب البالغ إليه وضمانه له ، فإنّ هذا ليس ثابتاً عقلاً.

والحاصل : لا يقتضي الظهور الحالي المذكور أن يكون المولى في مقام جعل

٤١٧

أمر واستحباب بالخصوص ، خصوصاً وأنّ النظر في هذه الروايات إلى تنجيز الثواب لا الاستحباب والطلب ، بل ولا الترغيب في الفعل بأكثر مما يقتضيه تنجيز الثواب البالغ وضمانه للمكلّف الذي التمس ذلك الثواب تفضلاً عليه.

وهذا يمكن جعله احتمالاً سادساً هو الظاهر من هذه الأحاديث وهو الارشاد إلى الحكم العقلي العملي مع التفضّل المولوي على العباد بتنجيز وضمان نفس المقدار من الثواب البالغ له.

وهذا المعنى مضافاً إلى انّه المقدار المتيقن من منطوق هذه الروايات بحيث استفادة الأكثر من ذلك بحاجة إلى دلالة وعناية ولا دالّ عليها لا لفظي ولا حالي ، هو المناسب مع الاعتبارات التشريعية لاستبعاد ارادة جعل استحباب نفسي أو طريقي بهذا العرض العريض في مورد كل خبر ضعيف وكل ابلاغ مهما كان واهياً على استحباب الأفعال وبنحو القضية الحقيقية كما هو ظاهر بعضها مثل رواية محمّد بن مردان عن أبي جعفر عليه‌السلام « من بلغه من الله ثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه » (١).

ص ١٢٥ قوله : ( وثانياً : انّ ترتب الثواب إن كان من باب التفضّل ... ).

فرق هذا الاشكال عن الاشكال السابق الذي ذكر في قبال التمسك باطلاق الخطاب لغير صورة الانقياد لاثبات الاستحباب والأمر المولوي ، انّ المقصود في ذلك الاشكال انّه لا إطلاق لغير صورة الانقياد ؛ لأنّ قيد الطاعة وقصد الأمر الجزمي أو الاحتمالي انقياداً مأخوذ لا محالة في ترتب الثواب ، فإذا كان لابد من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٨٢ ، ب ١٨ من مقدّمات العبادات.

٤١٨

أصل هذا التقييد فلا معيّن لكون القيد مطلق قصد القربة والأمر ، لا خصوص قصد الانقياد وبلوغ ذاك الثواب ، بل لعلّ المتفاهم والأقرب مع لسان الروايات كون القيد المقدر هو قصد الانقياد بالخصوص.

والمقصود من الاشكال الثاني منع أصل الدلالة على الاستحباب بالملازمة حتى إذا فرضنا انّ المقدر قصد مطلق القربة لا خصوص الانقياد للأمر البالغ بالخبر الضعيف ؛ لأنّ نكتة استفادة الاستحباب من أدلّة ترتيب الثواب على المستحبات بالملازمة هو عدم صدق ترتب الثواب عليها ـ ولو مع أخذ قيد قصد القربة مفروغاً عنه وبنحو الشرط المقدر لترتب الثواب ـ إلاّ إذا كان قد تعلّق بها أمر ، وحيث انّه لم يؤخذ في موضوع ترتب الثواب في الخطاب إلاّذات الفعل فيستكشف تعلّق ذاك الأمر أيضاً بذات الفعل ؛ إذ لا منشأ له غير ذلك وإن كان فعلية ترتب الثواب عليه مشروطاً بقصد الأمر والقربة ، فيستفاد الاستحباب التوصلي لذلك الفعل ، وهذه النكتة لا تتم في المقام ؛ لأنّ ترتب الثواب على الثواب البالغ لا يتوقف على وجود أمر آخر ؛ لأنّه قد فرض في موضوعه بلوغ أمر ولو بخبر ضعيف ، وهو يكفي للانقياد ففرق بين ترتيب الثواب على فعل لم يفرض تعلق أمر به أصلاً وبين ترتيبه في مورد بلوغ ثواب أمر على عمل ، فالتوقف في الصدق والملازمة العقلية تام في الأوّل دون الثاني ، فلا وجه لاستكشاف تعلّق الأمر والاستحباب بذات الفعل ، فإنّ هذا يمكن أن يصدق من دون استكشاف أمر في البين كما هو واضح.

ويمكن الجواب على الاشكال الأوّل بأنّ القيد المذكور وإن كان مفروغاً عنه ومقدراً لفعلية ترتب الثواب ، إلاّ أنّ ما يقتضيه التقدير المذكور ليس بأكثر من أخذ أصل قصد قربي أو الهي في ترتب الثواب ، لا خصوص قصد الانقياد للأمر

٤١٩

والثواب البالغ ، والنسبة بين القيدين عرفاً نسبة الأقل إلى الأكثر في مقام التقييد ، فينفى التقييد الزائد وهو اشتراط القربة الخاصة بالاطلاق ومقدمات الحكمة.

كما انّه يمكن الجواب على الاشكال الثاني بأنّ إطلاق فعلية الثواب المترتب على العمل البالغ عليه الثواب لغير صورة قصد الانقياد يتوقف على تعلّق الأمر بذات هذا العنوان الثانوي فيدل بالملازمة على الاستحباب.

وإن شئت قلت : إذا كان الثواب مرتباً على ذات فعل سواء بعنوان أولي أو ثانوي استفيد منه تعلّق الأمر أيضاً بذات ذلك العنوان ، وإن كان فعلية الثواب عليه مشروطاً بقصد القربة أو الأمر.

اللهم إلاّ أن يقال بعدم الإطلاق المذكور في المقام ، بخلاف أدلّة سائر المستحبات التوصلية المفادة بلسان ترتيب الثواب.

وبعبارة اخرى : انّ هذه الدلالة الالتزامية العقلية من سنخ دلالة الاقتضاء التي لا يجري فيها الإطلاق ؛ لأنّه يكفي في دلالة الاقتضاء ثبوت أصل اللازم واندفاع اللغوية به ، وليس المتكلم في مقام البيان من تلك الناحية ليتم الإطلاق فيها ، وأمّا استفادة ذات العمل في سائر المقامات فباعتبار انّ ذكر الثواب كناية عن الأمر والمطلوبية فيها ، وحيث انها مرتبة على ذات الفعل فيكون كناية عن استحباب ذات الفعل أيضاً.

فالحاصل : ترتيب الثواب وحمله على ذات الفعل يخلع على الخطاب ظهوراً في انّه متعلق الأمر أيضاً ، وهذا بخلاف ترتيب الثواب على بلوغ أمر أو ثواب في المرتبة السابقة ، فإنّه لا تتم فيه لا الكنائية ولا الظهور المذكور ، فيكون مناسباً مع الارشاد إلى ثواب الانقياد ، غاية الأمر قد ضمنته هذه الروايات تفضلاً للعباد ،

٤٢٠