أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

ولو بضميمة أدلّة التقليد ليس بأكثر من فحصه بنفسه أو فحص الخبير فإنّه لا وجه لأكثر من هذا المقدار من التقييد والتخصيص.

وامّا الاصول العملية فبالنسبة للحكم الظاهري الاستصحابي ، إن قلنا بأنّ موضوعه واقع الحالة السابقة فهو أمر واقعي مشترك أيضاً فيكون يقين المجتهد طريقاً محضاً لاحرازه للمقلد ، وإن قلنا بموضوعية اليقين السابق كان الحكم الاستصحابي ثابتاً لمن قلّده في ذلك لأنّه يثبت في حقه الحالة السابقة بالحجة والعلم التعبدي ، والمقرر في محله جريان الاستصحاب في ذلك. وبالنسبة للفحص اللازم في جريان الاصول فقد عرفت حاله.

وأمّا الاصول غير المحرزة فبالنسبة إلى الفحص قد عرفت الحال وبالنسبة إلى عدم العلم فهو مشترك بحسب الفرض بين المقلّد والمجتهد. يبقى حجّية الظن عند الانسداد على الحكومة.

والصحيح فيه انّه أيضاً مرجعه إلى استكشاف عدم ايجاب الاحتياط في المشكوكات والموهومات عند المجتهد الخبير حتى على مقلّديه ، والاحتياط الثابت بحكم العقل في غيرهما من أوّل الأمر على الجميع.

وأمّا البراءة العقلية على القول بها فالرجوع إلى المجتهد من قبل المقلّد في موردها يكون بمعنى الرجوع إليه في تحقق شرطها وهو أمر واقعي مشترك وهو عدم وجود حكم واقعي أو ظاهري الزامي أو ايجاب احتياط رافع لموضوع البراءة العقلية ، وهذا معناه التأمين الشرعي الظاهري للمقلّد من ناحية عدم الفحص فقط.

وأمّا كبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلابد وأن يحكم به عقله ، ولا يعقل فيه

٢١

التقليد إلاّبمعنى جعل حكم ظاهري ترخيصي شرعي لو فرض ورود دليل التقليد في هذا المورد بالخصوص.

فالحاصل المقلد يرجع إلى المجتهد في الأحكام الواقعية المشتركة وهي امّا معلومة بنفسها أو معلوم مقدار تنجزها وثبوتها التنجيزي أو التأميني الشرعي ، وهو أمر واقعي مشترك إلاّفي الاستصحاب بناءً على موضوعية اليقين السابق وكذلك في موارد منجزية العلم الإجمالي حيث يكون التقليد فيهما طولياً أي بعد احراز موضوع الحكم الظاهري بالاستصحاب أو احراز موضوع التنجيز العقلي.

وأمّا لسان الافتاء والفتوى فذاك أمر اثباتي ومربوط بعالم الصياغة كما هو مقرّر من قبل سيدنا الشهيد قدس‌سره.

ونلخص البحث كلّه بأنّ هناك مشكلتين كلتاهما يمكن حلهما على كلا المسلكين.

اولاهما ـ كيفية افتاء من لا يقلد هذا المجتهد بالحكم الظاهري الثابت في حقه ، حيث انّ الارتكاز الفقهي قائم على أنّ له أن يفتيه بذلك وانّه حكم الله في حقه أيضاً بحسب نظره ولو فرض انّه لم يجز لذلك العامي أن يقلّده.

ثانيتهما ـ كيفية تخريج تقليد العامي له في موارد الحكم الظاهري على القاعدة أي من باب رجوع الجاهل إلى العالم في حكم ثابت في حقه بقطع النظر عن التقليد.

امّا حل المشكلة الاولى ففي مورد الأمارات والاصول التنزيلية يوجد حلاّن يتمان على كلا المسلكين :

٢٢

١ ـ الافتاء بالحكم الواقعي المشترك امّا من باب قيام الأمارة والأصل التنزيلي مقام القطع الموضوعي في هذا الأثر وهو جواز الافتاء والاسناد أو من جهة كونه أثراً للواقع لا للعلم به كما هو الصحيح.

٢ ـ الافتاء بالحكم الظاهري حتى لمن لا يقلده امّا على مسلك وجود المبادئ للحكم الظاهري فلثبوته في حق العامي الشاك في المسألة ـ وهو أحد أجزاء موضوع الحكم الظاهري ـ وكون سائر أجزاء الموضوع امور واقعية وامّا على مسلك اختصاص الحكم الظاهري بالوصول فلأنّ الوصول عندهم شرط الفعلية لا الجعل فيمكنه أن يفتيه بكبرى الجعل وصغراه من غير ناحية الوصول ، وهما أمران واقعيان ، غاية الأمر لا يكون ذلك الحكم الظاهري فعلياً في حق غير من يكون رأيه هذا حجة في حقه حيث يتحقق الوصول بذلك ولا ارتكاز على خلاف ذلك في باب الأحكام الظاهرية ، فكأنّ الفتوى هي أنّ من يكون رأيي واخباري حجة له يكون الجعل الظاهري المذكور فعلياً في حقه ، وهذا من لوازم اشتراط الوصول في الحكم الظاهري في تمام الموارد حتى الامارات المثبتة لها في حق المجتهد ويلتزم به القائل بهذا المسلك في تمام الموارد حيث يكون الوصول قيداً في مؤداها وموضوعها لباً.

وهذا يعني ـ بعد فرض كون المجعول الفعلي أمراً وهمياً ـ أنّه يفتيه بكبرى الجعل المقيد بالوصول ، بينما على المسلك الآخر يخبره بكبرى الجعل غير المقيد بالوصول ، فالاشكال كان ناشئاً من تصور كون الافتاء بالحكم الظاهري بمعنى المجعول الفعلي والمفروض انّه أمر وهمي تصوري والأمر الحقيقي هو الاخبار أو الافتاء بالكبرى والصغرى.

٢٣

وفي موارد الاصول والأحكام الظاهرية غير التنزيلية يمكنه الافتاء بالحكم الظاهري الفعلي على القول بوجود مبادئ للحكم الظاهري ؛ إذ موضوع هذه الأحكام الشك وهو محرز في حق العامي على كل حال وعدم وجود حاكم في معرض الوصول ثابت بحسب فحص المجتهد وعلى القول الآخر أيضاً يمكنه الافتاء بجعل ذلك الحكم الظاهري كبروياً وبصغراه من غير ناحية الوصول أي بالحكم الظاهري لمن يصل إليه ذلك ولو بنفس حجّية فتواه له ، وقد قلنا انّه ليس على خلاف الارتكاز بناءً على أخذ الوصول شرطاً في الفعلية.

والتعبير بالافتاء بالحكم الظاهري الفعلي أو بالكبرى والصغرى مطلب واحد يختلفان في التعبير بناءً على ما هو الصحيح من انّ المجعول الفعلي أمر وهمي فلا فرق من هذه الناحية بين المسلكين. نعم ، الفرق بينهما من حيث انّ الجعل أي الكبرى المخبر به على الأوّل ليس الوصول قيداً فيه وعلى الثاني يكون قيداً فيه وهذا يلتزم به صاحب المسلك الثاني كما قلنا في تمام أدلّة الأحكام الظاهرية ، ولهذا قلنا انّه ليس فيه ما يخالف الارتكاز بالدقة.

وأمّا حل المشكلة الثانية فلأنّ الشك الموضوع لبّاً لكلّ الأحكام الظاهرية ثابت بحسب الفرض للعامي والظن الذي يراد به الظن النوعي المتمثل في الامارة كالخبر والظهور ونحوهما أمر واقعي ، وكذلك عدم وجود حاكم أو معارض في معرض الوصول والاستصحاب ركنه ثبوت الحالة السابقة واقعاً وهو أيضاً أمر واقعي مشترك فيكون رجوع العامي إلى المجتهد لأخذ الكبرى والصغرى رجوعاً في أمرين واقعيين ثابتين في حقه أيضاً ، غاية الأمر على مسلكنا من ثبوت المبادئ للأحكام الظاهرية وعدم اشتراط الوصول ثبوت هذا المقدار يستلزم ثبوت الحكم الفعلي الذي هو أمر وهمي ، وعلى مسلك

٢٤

الميرزا قدس‌سره يكون الجعل مقيداً لباً بالوصول الحاصل في المقام بنفس تقليده في الكبرى والصغرى من ناحية الوصول فيكون التقليد في الكبرى والصغرى من غير ناحية الوصول تقليداً على القاعدة غاية الأمر ترتب الأثر العملي المهم للمقلّد وهو رفع منجزية احتمال الالزام الواقعي في كل مسألة إنّما يترتب في طول التقليد ، وهذا أمر مشترك بين المسلكين فاننا لو قلنا بأنّ الحكم الظاهري غير مشروط بالوصول أيضاً لا ترتفع المنجزية العقلية قبل التقليد عن العامي لأنّ ثبوت الحكم الظاهري ومباديه الترخيصية واقعاً لا يكفي لرفع المنجزية العقلية للشبهة من دون اجتهاد أو تقليد كما هو واضح.

وهذا يعني ـ بعد فرض انّ حقيقة الحكم الفعلي والمجعول أمر وهمي ـ انّه لا فرق حقيقي بين المسلكين في مسألة التقليد إلاّمن ناحية أنّ الجعل وكبرى الحكم الظاهري الذي هو أمر واقعي ثابت يقلده فيه العامي على مسلكنا لا يكون مقيداً بالوصول ، وعلى مسلك الميرزا مقيد بالوصول ، وهذا فرق في مؤدّى المحكي بالفتوى والحجة لا نفس الحجّية والتقليد ولا في ترتب الأثر العملي ، وهو رفع المنجزية الفعلية الثابتة قبل التقليد ، فعلى كلا المسلكين المنجزية ثابتة عقلاً قبل التقليد ، وعلى كليهما التقليد رجوع إلى العالم في اثبات أمر واقعي ثابت بقطع النظر عن التقليد مفيد في رفع المنجزية في حق المقلّد وهو كبرى الجعل وصغراه ، وعلى كلا المسلكين أيضاً يكون نفس هذا التقليد رافعاً للمنجزية ومثبتاً لذلك الحكم الظاهري المؤمن وإنّما الفرق انّه على أحدهما ما يفتيه به المجتهد من كبرى الحكم الظاهري قد اخذ في موضوعه شرط الوصول والآخر لم يؤخذ ذلك ؛ فالفرق في المفتى به اطلاقاً وتقييداً بالوصول لا في حجّية الفتوى.

٢٥

وهذا الفرق في المفتى به يلتزم به من يقول بشرطية الوصول في الحاكم الظاهري في تمام أدلّة الأحكام الظاهرية حتى في حق المجتهد نفسه ، فما يكون أمراً مشتركاً وحكماً موضوعياً ثابتاً في حق المجتهد يكشفه بالدليل بنفسه يكون ثابتاً للمقلد يكشفه بالتقليد.

وهذا التحليل يوضح لنا كيف انّ كل هذا الاشكال نشأ من تصور أنّ الفتوى يكون بالحكم الفعلي وانّ عالم المجعول الفعلي أمر حقيقي كما هو مسلك الميرزا ، فهذه المسألة كأنّه استرسل فيها سيدنا الشهيد قدس‌سره تأثراً بطرز تفكيرهم من التفكيك بين مرحلة الجعل والمجعول الفعلي. حيث انّه إذا كان اللازم هو الافتاء بالمجعول الفعلي في حق المقلد اتجه المحذور واحتجنا في مقام رفعه إلى الافتاء بالحكم الواقعي أو بالحكم الظاهري لمن يقلّده وأن يكون التقليد في الكبرى والصغرى من غير ناحية الوصول ويتحقق الوصول بنفس التقليد فيهما ، وعندئذٍ قد يقال أنّه خلاف الارتكاز وخلاف كون الحكم الفعلي مشتركاً ثابتاً في حق العامي قبل التقليد.

وامّا إذا قلنا أنّ الافتاء بالمجعول الفعلي ليس إلاّعبارة عن الافتاء بكبرى الجعل وبصغراه لأنّهما الأمران الحقيقيان وامّا تولّد المجعول الفعلي منهما فهو أمر وهمي تصوري ، فالتقليد على كل حال يكون في الكبرى والصغرى من غير ناحية الوصول ، وهما أمران واقعيان والمقلّد يشخصهما في حق نفسه كما في الأحكام الواقعية تماماً غاية الأمر يكون الفرق في أخذ قيد الوصول وعدمه في موضوع الكبرى وهذا فرق بين المسلكين فيما يفتى به لا في أصل الفتوى ، فلا محذور لا في الافتاء ولا في التقليد ، ويكون هذا نظير افتاء المجتهد بوجوب القصر في الصلاة على العالم به ولو بنفس التقليد ، ونظير ثبوت الأحكام الظاهرية

٢٦

في حقّ المجتهد نفسه بأدلّتها التفصيلية وامّا لزوم التقليد فعلى كلا المسلكين يكون لرفع المنجزية الثابتة في كل شبهة قبل التقليد أو الاجتهاد على المكلفين جميعاً.

والتقليد على أحد المسلكين وإن كان محققاً لأحد أجزاء الموضوع ـ الصغرى ـ إلاّ انّه يتحقق بنفسه في طول التقليد في الكبرى والصغرى من غير ناحية الوصول التي هي امور واقعية مشتركة بحسب الفرض فلا يكون الاشكال في حقيقة التقليد فيما يرجع فيه إلى المجتهد.

نعم ، قد يسأل عن وجه لزوم هذا التقليد في الأمر المشترك ليصل إلى العامي فيتنجز أو يثبت التأمين في حقه ، والجواب أنّ وجه لزومه على كلا المسلكين واحد وهو رفع المنجزية القبلية للأحكام الواقعية المعلومة اجمالاً بل المحتملة أيضاً ، لكون الشبهة قبل الفحص. وعلى هذا الأساس لابد من فرض أصل الاشكال على أساس مسلك الميرزا القائل بالحكم الفعلي المجعول وانّ الافتاء لابد وأن يكون به لا بمنشئه دائماً وهو الصغرى والكبرى ، وينبغي تغيير منهج البحث على هذا الأساس ، فراجع وتأمل.

ص ١٧ قوله : ( ثمّ انّه يمكن أن يستشكل في حجّية رأي المجتهد المفضول ... ).

الاشكال في كيفية حصول اليقين مع الاعتراف بأعلمية الآخر أو احتماله مع العلم بوجود الخلاف بل واحتماله أيضاً.

وقد اجيب عليه في الدورة السابقة بأنّ المجتهد غير الأعلم بالرجوع إلى الأعلم تنقلب وظيفته من عدم وجدان الحجة مثلاً على الالزام إلى الحجة التي

٢٧

وجدها الأعلم بأعلميته من ظهور أو سند أو اجماع أو غير ذلك ، وهذا لا يقدح في حجّية ذلك الحكم الظاهري بالفعل لغير الأعلم إذا كان قد فحص بمقدار وسعه في المسألة ولم يجد ما يدله على الالزام فإنّه لا يستفاد من مجموع أدلّة وجوب الفحص العقلائية أو الشرعية ـ كروايات هلا تعلّمت ـ أكثر من هذا المقدار من الفحص أي فحص كل خبير بحسب ما لديه من القدرة والخبرة ، كما وانّه يمكن أن ينقض بمثل ذلك في الأعلم ، فإنّه قد يتحقق مثل هذا الاحتمال في حقّه أيضاً إذا احتمل وجود حجة ولو اتفاقاً لدى غيره المفضول أو المساوي له.

إلاّ أنّ كلا هذين الجوابين قد عدل عنهما السيد الشهيد في الدورة الثانية لعدم تماميتهما. أمّا الثاني فلأنّه من المعقول دعوى حصول الاطمئنان عادة للأعلم بعدم وجود حجة كذلك بعد استكمال فحصه ولو فرض عدم استكمال الفحص أو احتمال خصوصية في مورد يلتزم فيه بوجوب الفحص عن مدرك غير الأعلم أو المساوي هناك أيضاً.

وامّا الأوّل فلأنّه :

أوّلاً ـ أدلّة الفحص مطلقة تشمل كل مورد يحتمل فيه أن يحصل على حجة ولو لدى الأعلم ، لأنّ هذا الفحص في وسعه أيضاً كالفحص عن الأدلّة في سائر مظانّها وعند العلماء والفقهاء السابقين فأي فرق بين مورد ومورد؟

وثانياً ـ كثيراً ما يكون احتمال الاختلاف بينه وبين الأعلم من باب احتمال التخطئة ، أي لا يكون من باب رفع الموضوع للحكم الظاهري بل رفع المحمول كما لو احتمل الخطأ في تشخيص الحكم الواقعي أو في أصل الحكم الظاهري بمعنى أنّه حصل على امارة على الترخيص مثلاً يحتمل انّه لو يراجع الأعلم يثبت

٢٨

خطأه فيكون شكه في أصل ثبوت هذا الحكم الظاهري الترخيصي لا من ناحية مقدار الفحص ليقال بكفاية هذا المقدار من الفحص وكذلك لو كان الشك في أصل صحة كبرى الحكم الظاهري الترخيصي الذي تمسك باطلاقه في كل مورد ، فمسألة كفاية هذا المقدار من الفحص إنّما تجدي فيما إذا كان تمامية أصل ذلك الحكم الظاهري الترخيصي وإطلاق دليله ثابتاً مقطوعاً به عندهما وليس تمام موارد الحكم الظاهري كذلك كما هو واضح.

والصحيح في الجواب في الجملة : ما في الكتاب من إمكان حصول الجزم أو الاطمئنان لغير الأعلم امّا باعتبار أنّ مجموع المسائل الاستدلالية ومدارك كل مسألة كثيرة ونسبة الاختلاف ضئيلة بحيث يكون في قباله اطمئنان بالعدم بناءً على قبول حجّية الاطمئنان في أمثال المقام بالنكات المذكورة في الكتاب.

أو باعتبار التفاتة إلى نظر الأعلم في مسألة خاصة بالتمام والالتفات إلى نكتة زائدة ، ممّا يوجب نفي احتمال غفلته عن شيء آخر عادة وجزمه بتمامية فحصه. أو باعتبار انّ المسألة مما ترجع إلى نكات ذاتية وذوقية أو استظاهرية غير قابلة للبحث والنقاش ، إلاّ أنّه في غير هذه الحالات لو فرض الالتفات والتوجّه وبقاء احتمال معتدّ به بوجود دليل أو نكتة لدى الأعلم لو علم بها لتغيّر نظره فلا محالة ينتفي الجزم لديه ، من دون الرجوع إلى مدرك فتوى الأعلم المخالف معه في المسألة فيلتزم بوجوب الفحص فيه.

ص ٢٠ قوله : ( الجهة الثانية : في الأقسام ... ).

أشكل صاحب الكفاية على التقسيم الثلاثي باشكالين :

الأوّل : التداخل في الأقسام حيث انّ الظن غير المعتبر ملحق بالشك من

٢٩

حيث الحكم.

واجيب عنه بثلاث أجوبة :

١ ـ المراد بالظن خصوص المعتبر كما لعله ظاهر تعبير الشيخ في بحث الاصول العملية ، ذكره السيد الخوئي.

وفيه : مضافاً إلى انّه خلاف ظاهر الظن وخلاف المنهجية أيضاً إذ المنظور في التقسيم الرتبة السابقة على الاعتبار الشرعي والحجّية لبيان موضوعاتها المتنوعة فلا معنى لأخذ الاعتبار قيداً في هذه المرتبة.

٢ ـ أنّ الملحوظ امكان الحجّية وامتناعها وضرورتها لا فعليتها فلا يلزم التداخل. ذكره الميرزا في الأجود والسيد الخوئي في المصباح.

وفيه : أنّ الامكان ثابت للشك أيضاً إلاّ إذا اريد بالشك مجموع الاحتمالين لا أحد طرفيه وهو بلا موجب ولهذا لم يكن المراد بالظن إلاّ أحد الاحتمالين أيضاً.

ودعوى : أنّ أحد الاحتمالين في الشك غير قابل لجعل الكاشفية والحجّية له بخلاف الظن.

يدفعها : بأنّ الكاشفية التعبدية يمكن جعلها له ولهذا جعلت في الاستصحاب باعتراف هذا العلم. هذا مضافاً إلى انّ الملحوظ والمهم ليس هو إمكان الحجّية بل الحكم الظاهري الفعلي والظن غير المعتبر حكمه الفعلي حكم الشك بحسب الفرض فالتداخل بلحاظ ما هو المهم ثابت.

٣ ـ ما ذكره الميرزا في الفوائد من انّ التقسيم باعتبار مرتبة أسبق من الاعتبار من أجل تقسيم مواضيع الكتاب فلابد من جعل موضوع القسم الثاني الظن لكي

٣٠

يبحث فيه عن اعتباره وعدمه وما هو معتبر منه وما لا اعتبار له لا خصوص الظن المعتبر. فالتثليث بلحاظ الأنواع التكوينية الثلاث لدرجات التصديق والكشف من اجل البحث عن حكم كل قسم منها امكاناً ووقوعاً. وهذا منهج تدويني صحيح.

الثاني : انّ أحكام القطع غير مختص بما إذا تعلق بالحكم الواقعي بل يشمل القطع بالحكم الظاهري أيضاً فلابد من جعل التقسيم ثنائياً من انّه امّا أن يحصل له القطع بحكم شرعي أو لا كما في الكفاية.

وفيه : انّ الملحوظ سواءً كان تقسيم البحث أو بيان حكم كلي من العناوين الثلاثة لابد من جعل التقسيم ثلاثياً ، لأنّ مناط وملاك كل حكم ظاهري لابد من ابرازه.

وإن شئت قلت : انّ القطع بالحكم الظاهري وإن كان ملحقاً بالقطع بالحكم الواقعي من حيث آثار القطع إلاّ أنّ ما هو المهم هو البحث عن ثبوت نفس ذلك الحكم الظاهري والمفروض انّ موضوعه الظن والشك كما لا يخفى كيف ولو كان النظر إلى النتيجة النهائية لأمكن ارجاع الجميع إلى عنوان واحد وهو تشخيص الوظيفة القطعية سواء كانت حكماً شرعياً واقعياً أو ظاهرياً أو حكماً عقلياً.

لا يقال : لو جعلنا التقسيم ثلاثياً يلزم التداخل حيث يدخل الظن والشك المعتبرين في القطع بالحكم الظاهري من حيث احكامه.

فإنّه يقال : ليس هذا من التداخل لأنّ دخولهما من حيث القطع بالحكم الظاهري في أحكام القطع لا ينافي ثبوت أحكام الظن والشك عليهما من حيث هما ظن وشك أي بحسب الحقيقة يكون في مورده موضوعان أحدهما الظن

٣١

والشك والآخر القطع بحكم هذا الظن والشك ، والأوّل ملحق بأحد القسمين الأخيرين ، والثاني بالقسم الأوّل ، وليس هذا من التداخل في الأحكام.

نعم ، قد يقال : بلحاظ منهجة البحث ينبغي جعل المراد من الحكم في المقسم الواقعي الذي هو الحكم المنجز ويكون المراد بيان حكم القطع والظن والشك من حيث تنجيز ذلك الحكم وعدمه في مواردها فلأجل أن لا يتداخل الأقسام في منهج البحث لابد من جعل المراد بالحكم في المقسم الواقعي بالخصوص لأنّ الأثر المهمى الملحوظ هو التنجيز والتعذير ولا يكون إلاّبلحاظ الحكم الواقعي فيكون التقسيم ثلاثياً ومتعلق الأقسام الثلاثة هو الحكم الواقعي بالخصوص.

وبعبارة اخرى : حيث انّ هذا التقسيم يكون بلحاظ ما هو موضوع الأحكام الظاهرية والقابلة للتنجيز والتعذير فكان لابد من ارادة الحكم الواقعي لكي لا يتداخل الأقسام. وهذا لا يمنع عن معقولية البحث ثبوتاً عن احكام القطع والظن والشك فيما إذا تعلقت بالأحكام الظاهرية وجريان الحكم الظاهري عن الحكم الظاهري ، وهذا صنعناه في الكتاب من التفكيك بين الحيثيتين.

إلاّ أنّ هذا ليس من التداخل كما ذكر أوّلاً وكون المنجز هو الحكم الواقعي لا يقتضي تخصيص الحكم المتعلق بالأقسام الثلاثة بالواقعي بالخصوص لو فرض جريان الحكم الظاهري عن الحكم الظاهري.

وأمّا البحث في الجهة الثالثة ، ففي معقولية اجراء الوظائف الظاهرية بلحاظ الشك أو الظن في الأحكام الظاهرية وعدمها.

والتحقيق أن يقال : انّ اجراء الوظائف المذكورة بلحاظ الشك أو الظن في الأحكام الظاهرية يمكن أن يراد به أحد معنيين.

٣٢

الأوّل : اجرائها عنها كما تجري عن الأحكام الواقعية من أجل التنجيز والتعذير بلحاظها ، وهذا المعنى غير معقول لما ثبت في محلّه من أنّ الأحكام الظاهرية أحكام طريقية ليس لها مبادئ نفسية ، ومن هنا لا يعقل لها منجزية ومعذرية مستقلة عن الواقع ، وإنّما هي تنجز الواقع وتعذر عنها ، فلا معنى لاجراء التنجيز عن تنجيزها بل يكون التنجيز أو التعذير بلحاظ الواقع ومبادئه النفسية دائماً.

لا يقال : فكيف تجري أصالة الاشتغال في موارد قيام الحجة الظاهرية على الالزام اجمالاً كالبينة على نجاسة أحد انائين ، فإنّ الحكم الواقعي ليس معلوماً حتى اجمالاً ، بل مشكوك بحسب الفرض فتجري عنه البراءة لولا منجزية الحكم الظاهري في نفسه.

فإنّه يقال : قيام الحكم الظاهري الإجمالي يوجب تساقط الاصول الشرعية المؤمنة في الطرفين لمنافاتها وتناقضها مع نفس الحكم الظاهري الالزامي والحجة الإجمالية ، وامّا البراءة العقلية على القول بها فلا تجري مع العلم بالحجة الإجمالية على الالزام كما ذكره القائلون بها ، فيكون حكم العقل بالاشتغال والتنجيز بلحاظ الحكم الواقعي المحتمل لا محالة وإن كان لقيام الحجة الالزامية دخل في حكم العقل بالتنجيز حتى على مسلك حقّ الطاعة لوضوح انّ حق الطاعة في مورد العلم الإجمالي ولو بالاهتمام الظاهري المولوي أشد وآكد من موارد الشك المجرد.

ثمّ انّه يترتب على ما ذكر أن يكون موارد مخالفة الواقع عصياناً لا تجرياً خلافاً لما في الكتاب.

٣٣

الثاني : جريان الوظائف المذكورة في الظن والشك المتعلقين بالحكم الظاهري فيقعان موضوعاً لتلك الوظائف رغم أنّ التنجيز أو التعذير الحاصل بجريان تلك الوظائف إنّما يكون بلحاظ الحكم الواقعي ، وهذا هو معنى جريان الوظائف الظاهرية عن الظن والشك المتعلقين بالأحكام الظاهرية لا المعنى الأوّل.

والصحيح هنا التفصيل بين الأمارات والاصول التنزيلية فإنّها تجري عن الحكم الظاهري إذا قامت عليها كما في اثبات الظهور بالخبر أو حجّية الخبر بالظهور الكتابي أو اثبات البراءة الشرعية أو أيّة قاعدة ظاهرية بالخبر أو الظهور وكلها من قيام الظن المعتبر على حكم ووظيفة ظاهرية ، وكذلك استصحاب الحجّية إذا شك في بقاء حجّية خبر الثقة مثلاً أو نسخها وكذلك استصحاب البراءة الشرعية ، من دون فرق في ذلك بين مسلك اختصاص الأحكام الظاهرية بالوصول وعدمه لأنّ هذا وصول لها أيضاً فإنّهم لا يقصدون بالوصول الوصول الوجداني بالخصوص.

وامّا الاصول غير التنزيلية كالبراءة أو الاحتياط الشرعيين فإذا قلنا بمسلك الاختصاص بالوصول لم يكن معنى لاجرائهما عن الشك في الحكم الظاهري إذ عند الشك وعدم وصول الحكم الظاهري المشكوك ولو بالحجة أو الأصل التنزيلي لا يكون ثابتاً واقعاً فلا شك فيه لكي يكون موضوعاً لتلك الوظيفة بل يقطع بعدم فعليته ـ وهذا هو التعليل الصحيح لا ما في ظاهر الكتاب ـ وامّا على المسلك الصحيح من انّ الحكم الظاهري محفوظ حتى مع عدم وصوله فيكون الشك فيه معقولاً فتشمله الوظيفة المقرّرة.

٣٤

وقد أشكل على ذلك السيد قدس‌سره في الدورة السابقة بأنّه مع الشك في الحكم الواقعي امّا أن تجري تلك الوظيفة كالبراءة بلحاظه أم لا تجري ، فإن لم تكن تجري بأن كان الواقع منجزاً فأي فائدة في اجرائها عن الحكم الظاهري المشكوك مع فرض كونه لابد له من الاحتياط تجاه الواقع الذي هو المنجز دائماً وإن كانت تجري البراءة عن الواقع ويؤمن من ناحيته فأي حاجة إلى اجرائها عن الحكم الظاهري بل أيّة فائدة له بعد أن لم يكن على مخالفته عقاب.

وهذه المناقشة غير تامة ، فإنّه بناءً على مسلكنا يعقل أن يكون اهتمام المولى تجاه الملاكات الواقعية تختلف من مورد الشك في الواقع المجرّد والشك في اهتمام المولى بالواقع عند الشك فيه فيحكم بالبراءة في الأوّل وبالاحتياط في الثاني أو بالعكس ، غاية الأمر هذا لا يظهر أثره في مورد شك في الواقع يكون مشمولاً لاطلاق دليل الحكم الظاهري حيث انّه بالتمسك به ينفى الشك في جعل ذلك الحكم الظاهري فيه ، وإنّما يظهر أثره في الشبهة المصداقية لدليل الحكم الظاهري كما إذا شك في حرمة شيء وكان هناك رواية على الحرمة يشك في وثاقة راويها بنحو لا يمكن اثباته أو نفيه بالاستصحاب ، فلا يمكن التمسك بدليل البراءة في الشبهة ابتداءً لكونه من الشبهة المصداقية لمخصّصه ـ وهو دليل حجّية خبر الثقة المخصّص لإطلاق دليل البراءة ـ فحينئذٍ يمكننا التمسك بأصالة البراءة بلحاظ الشبهة الثانية الطولية حيث انّه بلحاظها لا تكون شبهة مصداقية إذ لا يوجد خبر ثقة على وثاقة الراوي ، ولنفرض انّه فحص عن وثاقته وعدمها أيضاً ولم يجد دليلاً على أحدهما ، لكن لا يمنع عن جريان البراءة في مثل هذه الشبهات الموضوعية والتي هي حكمية من حيث النتيجة. نعم ، لو قلنا بأنّ دليل حجّية خبر الثقة إنّما يقيّد دليل البراءة كبروياً بخصوص موارد وجود خبر ثقة

٣٥

على الالزام واصل إلى المكلّف ، لا بوجوده الواقعي ، فلا يظهر هذا الأثر.

وبهذا يتضح أنّ التمسك بالبراءة أو الاحتياط ـ أي الحكم الظاهري غير التنزيلي ـ في الشك في الحكم الظاهري يكون معقولاً ومفيداً أيضاً في التأمين أو التنجيز عن الواقع المحتمل ولا يرد ما ذكر في النقاش من انّ البراءة أو الاحتياط عن الواقع يغنينا عن ذلك ، فإنّه في مثل المقام لا تجري البراءة أو الاحتياط ـ على القول به ـ عن الواقع لكون الشبهة مصداقية لدليله فنحتاج إلى البراءة أو الاحتياط في الشك الطولي المتعلّق بالحكم الظاهري المشكوك فيه بنحو الشبهة المصداقية ويكون ذلك مؤمناً أو منجزاً عن الحكم الواقعي في هذه المرتبة من الشك. ولولا جريان الحكم الظاهري المذكور لما أمكن التأمين أو التنجيز للواقع ؛ هذا لو فرض إطلاق في دليل ذلك الحكم الظاهري لهذه المرتبة من الشك كما هو الغالب وإلاّ فقد تختلف النتيجة إذا احتملنا الفرق في درجة ونوع اهتمام المولى في الشبهتين الشبهة الأولية المتعلقة بالواقع والشبهة الثانوية الطولية ومعه لا يكفي اثبات نفس الحكم الظاهري من مجرد ثبوته في سائر الموارد التي يكون الشك المتعلّق بالواقع موضوعاً لاطلاق دليل ذلك الحكم الظاهري فقد تصل النوبة إلى ما يحكم به العقل من الوظيفة وعندئذٍ قد تكون تلك الوظيفة العقلية مخالفة مع ذلك الحكم الظاهري بأن يكون احتياطاً في مورد البراءة أو بالعكس حسب اختلاف المباني.

٣٦

حجّية القطع

ص ٢٧ قوله : ( حجّية القطع : ... ).

وفيه نقطتان للبحث :

اولاهما ـ حجّية القطع.

الثانية ـ إمكان الردع عن العمل به.

أمّا النقطة الاولى من البحث : فالحجية لها معان عديدة قد يقع الخلط فيما بينها الحجّية المنطقية والتكوينية والاصولية.

أمّا الحجّية المنطقية فهي المعبر عنها في كلماتهم بطريقية القطع لاثبات متعلقه وهو المعلوم والمقطوع به.

والطريقية : يقصد بها كونه بذاته انكشافاً ورؤية للواقع المقطوع به ، فهذه حقيقة القطع وماهيته فإنّه عبارة عن رؤية الشيء المقطوع به ولكنه رؤية للمعلوم بالذات لا المعلوم بالعرض وإلاّ لاستحال تخلف القطع عن الواقع ، فالطريقية إلى المعلوم بالذات هي ذات القطع وماهيته ، وهذا هو المراد بكونها ذاتية للقطع ؛ لأنّ المعلوم بالذات عين القطع والاختلاف بينهما بالاعتبار. والطريقية إلى المعلوم بالعرض والواقع الخارجي أمر زائد على القطع بل ليس لازماً له وإن كان ثابتاً للعلم القائم على أساس موضوعي صحيح وهذا هو البحث المعروف في المنطق

٣٧

بنظرية المعرفة أو حقانية مطابقة العلم للواقع إذا حصل من منشئه الصحيح وهو خارج عن غرض الاصولي.

وامّا الحجّية التكوينية والعملية فيراد بها المحركية والدفع الخارجي التكويني نحو المقطوع به على النحو المناسب لغرض القاطع ، وهذا كسابقه ليس هو مقصود الاصولي في المقام.

وامّا الحجّية الاصولية فهي الحجّية العقلية بمعنى التنجيز والتعذير والمعبر عنه في كلمات الشيخ بوجوب متابعة القطع عقلاً أي حكم العقل بذلك وبترتب استحقاق العقوبة على مخالفة القطع بالالزام والعذر وقبح العقاب في مورد العمل بما يقطع فيه بالترخيص ولو صادف الحرام الواقعي ، وبذلك يعرف أنّ الحجّية بهذا المعنى ليست أمراً تكوينياً كالمعنى الأوّل ، ولا حالة طبيعية غريزية كالثاني بل حكم عقلي عملي ، وهناك بحث في حقيقة الأحكام العقلية العملية بالتحسين والتقبيح هل هي الزامات عقلية أو بناءات عقلائية أو لوازم واقعية نفس الآمرية.

ولا إشكال في عدم كونه حكماً عقلياً بمعنى التشريع والالزام إذ ليس للعقل ذلك وإنّما هو ادراك عقلي عملي ، ونتيجة لذلك اختلف في أنّه من القضايا المشهورة كما هو أحد القولين في تفسير الأحكام العقلية العملية أو من مدركات العقل الاعتبارية بالمعنى الفلسفي أو الواقعية ـ وبناء العقلاء في هذه الموارد ليس إلاّ بمعنى ادراك عقولهم لها لا تشريعها ووضعها ـ بناءً على ما هو الصحيح من انّ لوح الواقع أوسع من لوح الوجود حتى في الفلسفة النظرية ومدركات العقل النظري ، ولابد هنا من الإشارة إلى نكات :

١ ـ انّ الحجّية بالمعنى المذكور للقطع لا يمكن أن يستدل عليه بقاعدة قبح

٣٨

الظلم وحسن العدل وأنّ مخالفة القطع بتكليف المولى وعصيانه ظلم له ، اللهم إلاّ أن يراد بذلك مجرد التنبيه واثارة المرتكزات الفطرية والوجدانية ؛ لأنّ الظلم والعدل فرع ثبوت حق الطاعة في المرتبة السابقة ليكون سلبه ظلماً واعطائه عدلاً ، فلو اريد اثبات هذا الحق بالقاعدة لزم الدور.

وهذا اشكال عام على كبرى هذه القاعدة ، وسوف يأتي التعرض إليه في محله. فالأصح الاستدلال عليه بادراك العقل لصغرى هذه القاعدة ، أي ثبوت حق الطاعة والمولوية وقبح المخالفة للمولى في مورد القطع بالزاماته وقبح معاقبة العبد في مورد العمل بالقطع بالترخيص.

٢ ـ انّ أحكام العقل العملي مدركات واقعية نفس أمرية وليست قضايا مشهورة مجعولة من قبل العقلاء لحفظ نظامهم ، وسوف يأتي البحث عن ذلك مفصلاً في التجري حلاًّ ونقضاً.

٣ ـ انّ حق الطاعة (١) والمولوية على أقسام ثلاثة كما في الكتاب ، ولابد وأن ترجع إلى المولوية الذاتية أي لابد من فرض وجود مولوية وحكم عقلي أولي ذاتي في مبدأ الاعتبار والحجّية ، ولا يمكن أن تكون جعلية ، وإلاّ لاستحال حجّية أي حكم ؛ إذ جعل الحجّية حاله حال جعل الحكم الواقعي الأوّل ، اللهم إلاّ إذا لزم العمل بمجرد لقلقة الجعل الاعتباري أو الالزام بالقوة خارجاً وكلاهما لا يقبلهما العقل السليم ملاكاً للتنجيز والتعذير.

__________________

(١) وملاك المولوية الذاتية نفس الخالقية وكونها من صنعه وعمله لا حيثية شكر المنعم فإنّ المنعميةحيثية أبعد في نظر العقل العملي من حيثية الخالقية والمالكية وهذا هو روح مطلب الاستاذ ، وهو صحيح لا غبار عليه فلا يحتاج إلى ملاحظة حيثية الانعام بالخلق فما في الهامش غير تام.

٣٩

ومنه يعرف : انّه لا يمكن أن تكون حجّية القطع حكماً عقلائياً انشائياً أي جعلاً ؛ نعم يمكن أن يكون حكماً تصديقياً خبرياً ولكنه تلقيني وذلك مطلب آخر سوف يأتي تفنيده.

وبعبارة اخرى : أنّ المنجزية بمعنى لزوم الاتباع يستحيل أن تكون أمراً جعلياً تشريعياً ، إذ لو لم يكن أمر المولى وجعله للالزام بالفعل حجّة ولازم الاتباع ـ بقطع النظر عن جعل المنجزية ولزوم الاطاعة ـ فهذا يسري إلى جعل الأمر بلزوم الاطاعة والاتباع أيضاً ، فلابد وأن ننتهي إلى حكم عقلي ذاتي بلزوم الاتباع وكل حجّية لأي جعل وأمر لابد وأن ينتهي إلى ذلك وإلاّ كان مصادرة.نعم الالزام الخارجي بالقوة والاجبار أمر ممكن إلاّ انّه نفوذ خارجي ثابت في حق الظالمين أيضاً لا نفوذ قانوني وعقلي.

٤ ـ انّ منجزية القطع ومعذريته رجعت بالتحليل إلى ادراك العقل العملي لحق الطاعة والمولوية الذاتية في مورد القطع وهذه ليست قضية عقلية عملية اخرى تثبت للقطع وراء مولوية المولى الثابتة له واقعاً كما هو التصور المشهور ، وحيث انّ مولوية المولى الحقيقي مطلقة ولا حدّ لها فتكون المولوية والمنجزية مطلقة ثابتة في تمام موارد امكانها وهي كل ما لم يقطع بالترخيص.

وتوضيح ذلك : انّ المشهور يستفاد من كلماتهم ومنهج بحثهم في المقام أنّهم يفترضون مولوية المولى ووجوب اطاعته حكماً عقلياً عملياً ثابتاً واقعاً لأحكام المولى بنفس ثبوت ملاك مولويته كالخالقية والمالكية أو المنعمية ، ويجعلون ذلك أمراً مقرراً في علم الكلام والعقائد لا الاصول ، ثمّ يبحثون في الاصول عن منجزية القطع بالزامات المولى كحكم عقلي عملي آخر موضوعه القطع بالزام المولى ، ومن هنا جعلوا المنجزية من لوازم القطع العقلية واعتبروا ذلك حكماً

٤٠