أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

ـ لولا نجاسته ـ تحصيلاً لليقين بالفراغ عن شرطية الستر في الصلاة ، أو وجود علم اجمالي بتكليف معاكس يكون أحد أطراف علمنا الإجمالي الأوّل طرفاً فيه أيضاً ، كما إذا علمنا بوجوب شرب ما في أحد الانائين من الدواء أو غير ذلك ، وكان أحد طرفيه المعين طرفاً للعلم الإجمالي بالنجاسة أو الحرمة مع طرف ثالث.

وفي هذا الفرض ـ بكلا شقيه ـ لا اشكال في أنّ مقتضى القاعدة منجزية كلا المقتضيين العقليين للاحتياط في نفسهما بعد سقوط الاصول المرخصة في الأطراف ، إلاّ أنّه هنا يقع التزاحم بين وجوب الموافقة القطعية لكل منهما مع الآخر ، حيث لا يمكن للمكلّف تحصيل ذلك في الطرفين ، ولكن حيث يكون العلم بالتكليف الواقعي في كلا المقتضيين فعلياً فالمخالفة القطعية منجزة في كليهما ، لامكانها فيهما معاً ، كما انّه لا يجوز ترك الموافقة القطعية في كليهما ؛ لأنّه متمكن منها في أحدهما فيتنجز ، فيتخيّر المكلّف عقلاً في ترك الموافقة القطعية لأحد العلمين الاجماليين أو المقتضيين للاشتغال. وهذا أحد شقوق الدوران بين المحذورين الذي هو مجرى أصالة التخيير العقلية ، وسيأتي تفصيل البحث فيه وفي شقوقه.

نعم ، لا يبعد حكم العقل هنا بتعيّن التكليف الأهم من التكليفين جزماً أو احتمالاً في مقام تحصيل الموافقة القطعية فتجب موافقته القطعية والمخالفة الاحتمالية للآخر ، وكذلك إذا كان احتمال المخالفة لأحدهما أكثر من الآخر فيجب تحصيل الموافقة القطعية للتكليف الأهم محتملاً أو الأكثر احتمالاً بحكم العقل القاضي في موارد فعلية تنجّز التكليف بلزوم حفظه بأية درجة ممكنة احتمالاً أو محتملاً.

٣٠١

وبهذا يظهر انّ ما في الكتاب من انّه لا يؤثر العلمان الاجماليان بلحاظ مادة الاجتماع للتزاحم بينهما لا يخلو من مسامحة.

٢ ـ أن يكون الأصل الالزامي شرعياً كما إذا فرضنا أنّ أحد طرفي علمنا الإجمالي بالتكليف مجرىً لاستصحاب تكليف معاكس ، كاستصحاب النجاسة أو الحرمة في المثال المتقدّم للعلم الإجمالي بالوجوب.

وقد حكم السيد الشهيد قدس‌سره في هذا الفرع ـ الذي لم يتعرّض له الاصوليون حتى في مباحث منجزية العلم الإجمالي ـ بالتعارض بين استصحاب النجاسة في الطرف المعيّن مع الاستصحاب أو أي أصل نافٍ للوجوب المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر ؛ لأنّ هذا الاستصحاب وإن كان الزامياً مثبتاً للحرمة ، إلاّ انّه ينفي الوجوب لا محالة ، بل يمنع عن جواز ارتكابه فيكون مع الأصل النافي للوجوب في الطرف الآخر مرخّصاً في تركهما فيكون ترخيصاً في المخالفة القطعية للوجوب المعلوم بالاجمال فيكون كالأصل الترخيصي النافي للوجوب في هذا الطرف من هذه الناحية.

نعم ، لو كان أصلاً مختصاً بهذا الطرف بعد سقوط الاصول النافية المشتركة في الطرفين وعدم وجود أصل نافٍ مختص في الطرف الآخر لكان جارياً بلا معارض طبقاً للمبنى المنقح في محله من سلامة الأصل المختص.

فالحاصل قد تعامل السيد الشهيد قدس‌سره مع هذا الأصل الشرعي الالزامي المعاكس نفس التعامل مع الأصل النافي لكونه أيضاً نافياً للالزام المعلوم بالاجمال فيدخل في المعارضة مع الاصول النافية في الأطراف الاخرى على

٣٠٢

القاعدة ، ونتيجة ذلك تنجيز العلم الإجمالي بالوجوب ووجوب الاحتياط باتيان كلا الطرفين حتى ما فيه استصحاب الحرمة أو النجاسة.

وهذا البيان وإن كان فنّياً على مقتضى القاعدة ؛ لأنّ الالزام بترك أحد الطرفين والترخيص في ترك الطرف الآخر كالترخيص في ترك الطرفين ترخيص في المعصية يوجب التعارض بين إطلاق دليل الأصلين لهما وترجيح أحدهما على الآخر لا مرجّح له فيسقطان معاً.

إلاّ أنّ الوجدان يحكم بأنّ مثل هذا الأصل الالزامي الشرعي في طرف العلم الإجمالي بالزام معاكس ينبغي أن يكون جارياً ولا يرفع اليد عنه ، وإنّما يسقط الأصل الترخيصي في الطرف الآخر فقط.

ويمكن تخريجه بناءً على ما هو الصحيح من انّ ملاك التعارض هو التناقض العرفي والعقلائي بين الغرض الالزامي المعلوم بالاجمال والترخيص الظاهري في الطرفين بملاك انّ الأغراض الالزامية لا تكون أهميّتها بدرجة خفيفة بحيث يوجب رفع اليد عنه مع كونه معلوماً بالاجمال في قبال مصلحة التسهيل في الشبهات.

أقول : بناءً على هذا المبنى يمكن أن يقال بأنّ التناقض المذكور يختص بما إذا كان الأصل الشرعي في الطرفين ترخيصياً ، وامّا إذا كان الأصل في أحد الطرفين الزامياً معاكساً فهذا معناه انّ هناك غرض الزامي آخر مهم عند الشارع وعندئذٍ أي مانع في أن يكون ذلك الغرض الالزامي أهم بدرجة بحيث يتقدم على الغرض الالزامي المعاكس له المعلوم بالاجمال فيتقدم عليه حتى إذا كان الأصل الالزامي المعاكس في الطرفين فضلاً عمّا إذا كان في طرف واحد فيجري

٣٠٣

الأصل الالزامي ولا يكون داخلاً في المعارضة مع الأصل في الطرف الآخر حتى إذا كان ترخيصياً ، وعندئذٍ امّا أن يجري في الطرف الآخر الأصل الترخيصي أيضاً لكونه شبهة بدوية بعد فرض تنجز الغرض الالزامي الآخر في الطرف الأوّل أو يقال بعدم جريانه لأنّه في قوة الترخيص في المخالفة القطعية للغرض الالزامي المعلوم بالاجمال كما هو الصحيح.

وإن شئت قلت : انّ دليل حجّية الأصل الالزامي يدل بالملازمة على أنّ الأصل الترخيصي في الطرف الآخر ليس بحجة ؛ لأنّ ملاكات الترخيص حتى إذا كانت اقتضائية فليست بدرجة بحيث تزاحم الغرض الالزامي المعلوم بالاجمال تزاحماً حفظياً بنحو يستلزم المخالفة القطعية ، وهذه دلالة التزامية للامارة لا الأصل ، والله الهادي للصواب.

ثمّ إنّ الأصل الالزامي في هذا المورد لو كان هو الاشتغال أو منجزية العلم الإجمالي ، فالفرق بين المسلكين واضح حيث يجب على القول بحجية الخبر الالزامي بدليل خاص العمل به بينما على القول بمنجزية العلم الإجمالي وقاعدة الاشتغال يثبت التخيير أو العمل بالأهم من الالزاميين المعلومين محتملاً أو احتمالاً بالنحو الذي ذكرناه.

وأمّا إذا كان الأصل الالزامي هو الاستصحاب فهو ساقط بالمعارضة دائماً ـ بناءً على القول بدخوله في المعارضة ـ لأنّ الاطراف الاخرى عادة فيها استصحابات نافية للتكليف ؛ إذ لا أقل من استصحاب عدم جعل الالزام فيها فلا يبقى فرق عملي بين المسلكين إذ يجب على كل تقدير مراعات جانب الخبر الالزامي.

٣٠٤

ص ٤١٩ قوله : ( الثاني : أن تكون المنجزية لسائر الأطراف من جهة سقوط الاصول المؤمنة ... ).

حاصله : انّ العلم الإجمالي منجز بلحاظ مورد الافتراق لسقوط الاصول في تمام الأطراف بالتعارض وإن كان غير صالح للتنجيز في مورد الاجتماع فإنّه لعدم إمكان الاحتياط باعتبار الدوران بين المحذورين لا لسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وانحلاله ، كما لو جرى في أحد الطرفين أصل منجز ، فليس المقام من موارد الانحلال.

ص ٤٢٠ قوله : ( وقد يقال هنا ... ).

حاصلها : اننا إذا افترضنا المعلوم بالاجمال حكماً واحداً لا أكثر وافترضنا خبرين أحدهما دلّ على وجوب الجمعة والآخر على حرمتها وفرضنا خبر آخر دلّ على وجوب شيء آخر في مسألة اخرى فمثل هذا العلم الإجمالي لا يمكن مخالفته القطعية ولا مخالفته القطعية إذ لو عملنا بالخبرين الدالين على الوجوب في المسألتين فلعلّ المعلوم بالاجمال هو الحرمة المفادة بخبر التحريم ولو عملنا بالخبر الدال على الوجوب في المسألة الاخرى والدال على الحرمة في الجمعة فلعل الحكم الواقعي هو وجوب الجمعة ولو تركنا الخبر في المسألة الاخرى ، فلعله هو الحكم الواقعي.

وعلى كل حال المخالفة والموافقة محتملة لأنّ المكلف لا يمكنه أن يترك الجمعة ويفعلها معاً فأحدهما ضروري الصدور منه وكل منهما يحتمل أن يكون هو الحكم ويحتمل أن يكون غيره فمن هذه الناحية يكون من قبيل موارد الدوران بين المحذورين ، فبناءً على جريان البراءة الشرعية عن كلا المحذورين في موارد الدوران بينهما تجري هنا في الأطراف الثلاثة أيضاً ؛ إذ لا يلزم منه

٣٠٥

الترخيص في المخالفة القطعية ولا الترخيص القطعي في المخالفة لامتناع المخالفة القطعية وكلا الأمرين مخصوصان بموارد إمكان المخالفة القطعية أعني إمكان تحصيل القطع بالمخالفة على ما هو مذكور في مبحث الاضطرار بل جريان البراءة الشرعية عن مورد الافتراق في المقام أوضح من جريانها عن المحذورين لوجود اشكال اثباتي هناك مانع عن جريانها وهو عدم احتمال الحلية بخلاف المقام حيث انّ مورد الافتراق يحتمل فيه الحلية إذ لا دوران فيه بين الوجوب والحرمة بحسب الفرض.

نعم ، هذا البيان يختصّ بالمورد الرابع والخامس بشقه الأخير لا شقه الأوّل الذي فيه علم اجمالي آخر يشترك في طرف مع العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار فإنّه كالمورد السادس من حيث امكان المخالفة القطعية لكل من المعلومين الاجماليين في نفسه بلحاظ أطرافه وهو يكفي في التعارض والتساقط بين الاصول المؤمنة ما لم نضم نكتة الكفاية في مبحث الاضطرار إلى غير المعين من سقوط العلم عن المنجزية ؛ لأنّ العلم الذي لا يمكن موافقته القطعية لا تحرم مخالفته القطعية أيضاً لجريان البراءة عن طرفه الآخر.

نعم ، العلم الآخر لابد من موافقته القطعية لعدم الاضطرار إلى تركها فيه فلا تجري الاصول المؤمنة في موردي افتراق كلا العلمين بل أحدهما وهو الذي خولف مخالفة احتمالية في الطرف المشترك وامّا الآخر فيجب الاحتياط فيه لامكانه بحسب الفرض وهذا غير مذكور في الكتاب.

وهذا هو معنى جريان روح تلك الشبهة هنا ولكنها شبهة غير صحيحة على ما حقق في محلها ، هذا مضافاً إلى تولد علم اجمالي ثالث بلحاظ مادتي

٣٠٦

الافتراق وهو المذكور في الجواب الثالث وهو يوجب التعارض بين الاصول المؤمنة في موردي افتراق العلمين الاجماليين.

وقد ناقش السيد الشهيد في الدورة السابقة وفي هذه الدورة في هذا الجواب بأنّه لا يتم فيما إذا كان العلم الإجمالي مستنداً إلى الاستقراء وتجميع القيم الاحتمالية للصدق في مجموع الأطراف ، لعدم إمكان تشكيل القضية الشرطية القائلة بأنّه إذا لم يكن هذا الخبر صادقاً كان الخبر الآخر صادقاً ؛ لأنّ فرض كذب ذلك الخبر هو فرض زوال العلم الإجمالي بزوال بعض القيم الاحتمالية المحصّلة له.

وهذا الاشكال كأنّه من رواسب الدورة السابقة ، فإنّ هذا لا ربط له بمحل بحثنا ؛ إذ لنا علم اجمالي بالفعل بثبوت الزام امّا في طرف العلم الإجمالي الصغير ، أو في سائر الأخبار ؛ لأنّ فرض عدم الالزام فيهما معاً مناقض مع فرض وجود علمين اجماليين لا يمكن تطابق معلوميهما معاً في مورد الاشتراك ـ لكونهما متعاكسين ـ فلا نحتاج إلى قضية شرطية واحراز موضوعها ليلزم المحذور المذكور.

نعم ، هذا البيان يفيد فيما إذا علمنا بكذب بعض الأطراف كما إذا علمنا بوجوب الجمعة وتعيين المعلوم بالاجمال بالعلم الصغير فيه وكذب الخبر الدال على حرمتها فإنّه سوف يزول العلم بثبوت الزام في دائرة سائر الأخبار ، وأين هذا من محل البحث.

وكأنّه وقع خلط بين ما يذكر من لزوم المضعف الكيفي لحصول العلم من تجميع القيم الاحتمالية بعامل الضرب وعدم كفاية المضعف الكمي وانّه من دون

٣٠٧

تدخل قيم احتمالية اخرى لا يمكن تحصيل العلم وبين المقام الذي فرض فيه حصول العلم ولو بلحاظ تدخل المضعف الكيفي فإنّه مع فرض فعلية العلم الإجمالي في دائرة الأخبار لا محالة يعلم اجمالاً بالالزام في أحد موردي الافتراق بين العلمين.

نعم ، قد يفرض انّ نفس قيام علم اجمالي صغير يشترك أحد أطرافه مع مورد خبر الزامي بنحو يعاكسه يوجب تضعيف قيمة ذلك الخبر وبالنتيجة يزول العلم الإجمالي في دائرة الاخبار لنقصان القيمة الاحتمالية لأحد أطرافه والذي كان دخيلاً في تحصيل العلم الإجمالي بصدق واحد منها ؛ إلاّ أنّ هذا خلف المفروض لأنّه يؤدي إلى زوال العلم الإجمالي في دائرة الأخبار فلا يصح شيء من الأجوبة الثلاثة أو الجوابان الثاني والثالث معاً على الأقل ، وهو خلاف المقصود.

والحاصل مع فرض فعلية العلم الإجمالي في دائرة الأخبار حتى مع اشتراك بعض أطرافه مع علم اجمالي آخر متعاكس معه في معلومه الالزامي فكما يتم الجواب الثاني يتم الجواب الثالث ، ولا يقدح بذلك ما ذكر في الاسس من عدم امكان تشكيل قضايا شرطية في العلوم الاجمالية الحاصلة من حساب الاحتمالات لأنّ تلك الكبرى صحيحة إلاّ أنّها لا تنطبق في المقام وإنّما تنطبق فيما إذا اريد تعيين المعلوم بالاجمال خارجاً في بعض الأطراف من خلال تلك القضية الشرطية عن طريق احراز انطباق شرطها وهو كذب بعض الأخبار في بعض الأطراف فيصح عندئذٍ أن يقال بأنّه مع فرض العلم بكذب بعض الأخبار يزول مبرر حصول العلم الإجمالي لأنّه مستند إلى تجميع القيم الاحتمالية في جميع الأطراف فلو زال بعضها زال أساس العلم فلا علم في الباقي ، وهذه الكبرى لا يمكن تطبيقها في المقام وذلك ببيانين يرجعان إلى روح واحدة :

٣٠٨

أحدهما : اننا لا نحتاج هنا إلى قضية شرطية أصلاً ، بل ننطلق من نفس العلمين الاجماليين الفعليين فنقول : حيث انّ معلومهما لا يمكن اجتماعهما معاً في مورد الاجتماع ؛ لأنّ أحدهما الوجوب والآخر الحرمة ، فلا محالة يوجد علم بالزام في أحد موردي الافتراق ، وهذا علم اجمالي ببرهان عقلي لا بحساب الاحتمال.

الثاني : انّ القضية الشرطية التي نحتاجها ليست هي إذا كذب الخبر الدال في مورد الاجتماع على الحرمة فالالزام ثابت في الخبر في مورد الافتراق ليقال بأنّ هذه الشرطية إذا لم يحرز شرطها فلا علم بجزائها وإذا احرز شرطها زال مبرّر العلم الإجمالي الحاصل بحساب الاحتمالات ، وإنّما الشرطية التي نحتاجها وتكفينا في المقام هي انّه إذا كان أحد الالزامين في مورد الاجتماع ـ حرمة صلاة الجمعة أو وجوبها ـ كذباً فيوجد الزام واحد على الأقل في موردي الافتراق واحراز شرط هذه القضية الشرطية لا يتوقف على احراز كذب الخبر في مورد الاجتماع ؛ لأنّ العلم بالجامع لا يتوقف على العلم بالفرد كما لا يستلزمه ، وحيث انّه محرز عقلاً ببرهان التناقض فيكون الجزاء محرزاً ومعلوماً لا محالة من دون أن يفقد العلم الإجمالي القائم على أساس حساب الاحتمالات مبرره في شيء من أطرافه.

نعم إذا فرض انّ كلا العلمين الاجماليين كان على أساس حساب الاحتمال فمع فرض اشتراك طرف بينهما بشكل متعاكس ، المستلزم للعلم بكذب أحدهما فيه ، فلا محالة لا يتشكل علم اجمالي بلحاظ موردي الافتراق ؛ لأنّه لا يوجد من أوّل الأمر أكثر من علم اجمالي واحد لا علمين اجماليين ، وفي ذلك لا يثبت تنجيز طرفي الافتراق لا بالجواب الثاني ولا بالجواب الثالث ، إذ لعلّ معلومنا

٣٠٩

الإجمالي في مورد الاجتماع والعلم الآخر لكذب طرفه في مورد الاجتماع لا علم به حتى بلحاظ مورد افتراقه فتجري البراءة في موردي الافتراق بلا أي محذور.

ص ٤٢٥ قوله : ( وأمّا خبر الثقة فهل يكون ميزان حجيته ... ).

قد يقال انّ مفاد السيرة الذي هو عمدة الدليل على الحجّية حجّية الخبر الموثوق به لا خبر الثقة وبينهما عموم من وجه كما هو واضح.

وفيه : إن اريد من الوثوق الاطمينان الشخصي فمن الواضح عدم حصوله من الأخبار الموجودة بأيدينا للنكات المذكورة فيما تقدم فلا يمكن أن تكون سيرة المتشرعة مبناها ذلك كما انّ الوارد في الأخبار عنوان الثقة في المخبر لا في الاخبار ، وسيرة العقلاء لا ترجع إلى ذلك ؛ لأنّ هذا معناه عدم السيرة من العقلاء على حجّية خبر الثقة ، لأنّ الاطمينان الشخصي حجة ولو حصل من طيران الغراب فلا موضوعية لخبر الثقة مع انّه له موضوعية بحسب الوجدان والارتكاز العقلائي وبشهادة ألسنة الروايات المتقدمة ، فأخبار الثقة كالظهور والدلالات له موضوعية في الحجّية العقلائية ، على انّ هذا يؤدي إلى سقوط أثر الأخبار عن الحجّية لعدم حصول الاطمئنان الموضوعي منها بالنكات المبينة في الكتاب.

وإن اريد من الوثوق مجرد الظن القوي أو الاطمئنان النوعي ، أي يفيد الاطمئنان ولو في غير هذا المورد فإن كان الحجة ذلك الظن القوي أو الاطمئنان النوعي ولو حصل من غير خبر الثقة لزم الغاء الموضوعية له ، وكون كل ظن قوي حجة بل يلزم الهرج والمرج إذ لا ضابط موضوعي لحصول هذا الظن إذا كان الميزان بالظن الشخصي فقد يحصل الظن سريعاً أو بطيئاً عند الناس كما في

٣١٠

القطاع والوسواس ، وإن اريد خصوص ما يحصل من خبر الثقة كان مساوقاً مع حجّية خبر الثقة ، وإن اريد ما يحصل من الخبر ولو لم يكن ثقة إذا كان المضمون مما يوثق ويظن به كان معناه انّ الميزان للحجية عندهم مطلق الظن القوي لأنّ خبر غير الثقة لا كاشفية له وإنّما الكاشفية ولو النوعية امّا للوثاقة أو للأسباب الخارجية كالشهرة ونحوها والأوّل يقتضي الاختصاص بخبر الثقة والثاني يقتضي حجّية مطلق الظن الشخصي النوعي وهو خلف.

وأمّا احتمال أخذ قيد زائد على وثاقة المخبر من الوثوق الزائد أو الوثاقة العالية فمنفية بالوجهين المذكورين في الكتاب.

ص ٤٢٦ قوله : ( الأوّل : أنّ خبر الثقة إذا زوحم بامارة أقوى ... ).

قد يناقش في ذلك بوجوه مذكورة في تقرير السيد الحائري حفظه الله.

١ ـ انّ ما يزول بالامارة على الخلاف إنّما هو الكشف والظن الشخصي الحاصل من الخبر لا الظن النوعي القائم على أساس العلم الإجمالي بصدق جملة من أخبار الثقات.

وفيه : انّ المفروض انّ تلك الامارة المعاكسة أيضاً فيها الظن النوعي بنفس هذا الملاك وبنفس الدرجة أو أقوى فتزول الكاشفية بكلا نوعيها في المقام فلا ملاك للحجية العقلائية.

٢ ـ انّ انتفاء الكاشفية بالامارة المزاحمة المساوية أو الأقوى في الكاشفية لا تمنع عن الإطلاق في الدليل اللفظي لأنّ العقلاء وإن كانوا لا يرون في ذلك نفس المقدار من الكاشفية إلاّ انهم لا يستبعدون الحجّية ولا يستهجنونها ولو

٣١١

لوجود الكاشفية النوعية بلحاظ ذات الخبر لا بما هو مزاحم مع امارة أقوى نظير ما نجده في باب حجّية الظهور فإنّه لا اشكال في حجّيته حتى إذا كان على خلافه امارة اخرى أقوى ليست بحجة.

وفيه : انّ هذا الكلام كان تاماً لو كان لنا دليل لفظي تأسيسي على حجّية خبر الثقة مطلقاً ، وليس لنا ذلك وإنّما الموجود الروايات المتقدمة التي ورد فيها التعبير بأنّ فلاناً ثقة ، أو الثقة المأمون ، وقد تقدم انّ هذا بمثابة تقدير الكبرى لمركوزيتها فيكون المقدر فيها ما هو المركوز عند العقلاء وعليه عملهم ، وليس هو بحسب الفرض إلاّخبر الثقة التي لا امارة قوية على كذبه.

فالحاصل : لسان الروايات لم يكن فيه دلالة لفظية مستقلة وتأسيسيّة على حجّية خبر الثقة ليتمسك باطلاقها ، وإنّما هي بلسان الاحالة على السيرة المركوزة عقلائياً وبمساعدتها فلا ينعقد لها إطلاق أكثر مما عليه العقلاء ، فالاشكال الاثباتي تام.

وأمّا النقض بالظهورات فلأنّ موضوعية الظهور غير قائمة بكشفه بل بالظهور والاقرار اللفظي الذي تحقق حين الكلام والثابت حتى مع العلم بالتخصيص أو قيام حجة أقوى على خلافه لما ثبت في محله من انّ ظهور الخطاب لا يزول بالقرائن المنفصلة وهذه الخصوصية باقية حتى مع قيام قطع أو امارة حجة على الخلاف فضلاً عن امارة غير حجة فلابد من العمل به ما لم يعلم أو تثبت حجة أقوى على الخلاف ، فلا يقاس حجّية الخبر به.

٣ ـ انّ مفاد روايات الترجيح بموافقة الكتاب حتى إذا كان موافقاً للعامة على المخالف للكتاب حتى إذا كان مخالفاً للعامة يدل على انّ الخبر الذي على خلافه

٣١٢

امارة أقوى أو مساوية وهو الخبر المعارض معه المخالف للكتاب وللعامة حجة أيضاً بل ظاهر أخبار العلاج انّ كل واحد من المتعارضين حجة في نفسه لولا الآخر فلا اشكال في عموم مقتضي الحجّية فيهما بحيث لو كان يمكن العمل بهما معاً لكان كلاهما حجة وإنّما عموم الحجة لعدم إمكان حجيتهما معاً.

وفيه : لو سلم كلتا النكتتين المفروضتين في هذا الوجه فإنّ هذا كلّه أجنبي عن محل البحث لأنّ التعارض بين الخبرين لا يستلزم زوال الكاشفية في ناحية الصدور وابتلائه بالمزاحم للعلم بصدور أحاديث متعارضة عن المعصومين كما شرحنا ذلك في بحوث التعارض تقية أو لجهات اخرى ، ومحل البحث ما إذا قامت امارة قوية نوعية توجب الوثوق بالخلل في الأخبار أي في صدور الخبر الذي ينقله الثقة بحيث تشكل قرينة على الكذب بمعنى عدم المطابقة مع الواقع في موارد اعراض المشهور من المقدماء فكيف يقاس ذلك على موارد التعارض؟ فالانصاف انّ هذه الشرطية في محلّها جدّاً.

ص ٤٢٩ قوله : ( وقد استشكلت مدرسة المحقق النائيني ١ ... ).

حاصل الكلام : انّ الحكومة في حجّية الظن يمكن تفسيرها بامور :

١ ـ ما عن السيد الخوئي قدس‌سره بأنّه عبارة عن التبعيض في الاحتياط.

وفيه : انّه ليس حكومة بالدقة وإنّما هذا يعني بقاء منجزية العلم الإجمالي بعد سقوطه في بعض الأطراف لأي سبب.

٢ ـ ما عن المحقق الخراساني قدس‌سره من حكم العقل بحجية الظن عند الانسداد فيكون التكليف منجزاً به لا بالعلم الإجمالي. وقد اعترض عليه بما في الكتاب

٣١٣

من لزوم أحد أمرين كلاهما مما لا يمكن المساعدة عليه ، امّا كون العقل جاعلاً أو نقض قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي تعني اختصاص المنجزية الذاتية بالعلم والبيان.

وفيه : إذا لوحظ روح المطلب وانّ هذه القاعدة مع حق الطاعة والمولوية أمر واحد كما هو المنهج الصحيح في البحث فمن الممكن دعوى انّ العقل يرى حق الطاعة للمولى في موارد الظنون عند انسداد باب العلم وعدم إمكان الامتثال العلمي بخلافه عند الانفتاح ، وبخلاف المشكوكات والموهومات حتى عند الانسداد ؛ لأنّ عدم امكان تحصيل العلم ولا العلمي مع الظن بالالزام لا إشكال في انّ مقتضى حق الطاعة فيه آكد وأشد فلعل مثل صاحب الكفاية يحكم به عقله العملي الذي هو المدرك لقاعدة قبح العقاب إذ ليس مدركه نصّ شرعي كما هو واضح ، فيكون الظن منجزاً للتكليف المظنون عند الانسداد ولو لم يكن علم اجمالي أو بشرط العلم الإجمالي رغم عدم تنجزه.

٣ ـ ما يستفاد من بعض عبائر تقريرات المحقق النائيني قدس‌سره من انّ التبعيض في الاحتياط لا يعني أكثر من سقوط وجوب الاحتياط في بعض أطراف العلم الإجمالي وبقائه في الأطراف الاخرى تعييناً ـ كما إذا قام الإجماع على عدم وجوبه في خصوص المشكوكات والموهومات ـ أو تخييراً ـ كما إذا قام على عدم وجوب الاحتياط التام ـ وامّا الحكومة فتأتي في مرحلة متأخرة عن ذلك وهي مرحلة الامتثال حيث يحكم العقل عندئذٍ بأنّ كل تكليف اشتغلت الذمة به وتنجز يجب في الخروج عنه الامتثال القطعي إن أمكن وإلاّ فالظني وإلاّ فالاحتمالي ولا يتنزّل إلى الامتثال الوهمي إلاّمع تعذر المراتب السابقة عليه.

٣١٤

وهذا المطلب يتوقف على أن يكون التكليف الواقعي منجزاً ، وأنّ المنجّز إذا كان هو العلم الإجمالي فهو ينجز التكليف الواقعي بخصوصيته لا بمقدار الجامع.

ولا يقال : انّ الاتيان بالمظنونات وحدها لا يوجب الظن بالاتيان بالأحكام الواقعية لبقاء المشكوكات التي يحتمل وجود الحكم فيها والنتيجة تتبع أخسّ المقدمتين.

فإنّه يقال : المقصود لزوم تحصيل الظن بامتثال التكليف المعلوم بالاجمال المنجز لا التكاليف الواقعية ، وهذا واضح.

٤ ـ ما يحتمل أن يكون مراد المحقق النائيني قدس‌سره من انّ العلم الإجمالي يقتضي تنجيز الواقع على كل حال والموافقة القطعية إلاّ إذا لم يمكن كما في موارد الدوران بين المحذورين أو الاضطرار إلى ترك بعض الأطراف ؛ أو دلّ دليل على عدم وجوبه وعندئذٍ إذا لم يكن في أحد الأطراف مرجح ثبت التخيير والتبعيض في الاحتياط وإن كان مرجح وهو الظن كان العلم الإجمالي منجزاً له إذ لا يلزم منه ترجيح بلا مرجح ، وهذا أيضاً يتوقف على أن يكون العلم الإجمالي منجزاً للواقع أي للخصوصية المشكوكة من التكليف المعلوم بالاجمال لا للجامع فحسب.

٥ ـ انّ العلم الإجمالي حتى إذا نجز الجامع فعلى القول بانكار البراءة العقلية يقع تعارض بين البراءات الشرعية في كل طرف للترجيح بلا مرجح فيتنجّز الخصوصية في كل طرف بالاحتمال ، ولكن حيث لا يمكن الاحتياط التام أو لا يجب يقع التزاحم بين الاحتمالات المتنجزة فيقال بأنّ العقل يحكم بلزوم تقديم الاحتمال الأقوى على الأضعف في مقام امتثال التكليف المنجز ولو بالاحتمال.

٣١٥

٦ ـ بعد ثبوت التنجيز للخصوصية في كل طرف امّا بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال المنجّز يحكم العقل ـ بعد عدم امكان الاحتياط أو وجوبه ـ بلزوم تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات من باب الأهمية ؛ وذلك لأنّ احتمال مطابقة المظنونات أكثر أي في دائرة المظنونات يظن بنسبة أكثر من الأحكام لا محالة من دائرة المشكوكات لأنّه مقتضى سريان الظنون من كل طرف إلى المجموع فيكون التكاليف والأغراض الالزامية الشرعية الموجودة فيها أكثر ، والأغراض الأكثر أهم من الأقل فبالتالي يكون احتمال أهمية الأغراض في دائرة المظنونات أكبر وأقوى من العكس.

وهذا البيان يتمّ في مورد تعدد الأحكام المعلومة بالاجمال ولا يتم في مورد العلم الإجمالي بحكم واحد ، وهذا التفسير يناسب مع ما جاء في أحد تقريري الميرزا قدس‌سره من التفصيل في الحكومة بين وحدة الحكم وتعدده فراجع كلامه.

ثمّ انّ تقرير الحكومة بالنحو المتقدم لتفسير كلام المحقق الخراساني يوجب انحلال العلم الإجمالي وجريان البراءة العقلية في غير المظنونات ، فلا نحتاج بناءً عليها إلى نفي وجوب الاحتياط بالاجماع أو بقاعدة نفي العسر والحرج بخلافه بناءً على الوجوه الاخرى ، وعندئذٍ يتوقف حكم العقل بترجيح المظنون على الموهوم أن يكون مدرك نفي الاحتياط هو الإجماع الذي قدره المتيقن الموهومات أو قاعدة نفي العسر والحرج بنحو تتعين في طرف الموهومات ولا تجري في كل الأطراف تخييراً ، وإلاّ لارتفع الحكم العقلي المذكور لكونه تعليقياً ، وسوف يأتي بيان وجه اختصاص جريان القاعدة في طرف الموهومات فقط.

٣١٦

ص ٤٣٦ قوله : ( وهذا التقرير أيضاً غير تام ... ).

ويمكن الايراد عليه أيضاً : بأنّ الاضطرار ليس إلى معين وإنّما تعيين ما يجوز تركه يكون بحكم العقل في طرف معين وهو المشكوكات والموهومات إلاّ أنّ هذا التعيين ظاهري لا واقعي فهو لا يرفع الحكم الواقعي إذا صادف ذلك الطرف وإنّما يرفع منجزيته فيكون العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي باقياً كما هو الحال في الاضطرار إلى طرف لا معين.

وإن شئت قلت : هذا التعين بحكم عدم التعين ؛ لأنّ الميزان أن يكون الاضطرار موجباً لرفع الحكم الواقعي على تقدير ، وهذا غير موجود هنا كما هو واضح. ويمكن جعل هذا بياناً آخر للاشكال الأوّل.

ص ٤٣٧ قوله : ( ونلاحظ على ما ذكره أوّلاً ـ ... ).

حاصله أمران :

١ ـ انّ قيام الإجماع أو الضرورة لا يوجب حلّ العلم الإجمالي ؛ لأنّه لا ينجز طرفاً معيناً وإنّما يمنع عن جريان البراءة الظاهرية في تمام الأطراف فيبقى العلم الإجمالي باقياً وصالحاً لتنجيز الواقع وغير منحل لا حقيقة ولا حكماً لعدم حصول العلم الوجداني وعدم قيام ما ينجز الحكم الواقعي على واقعه في طرف معين فيمكن للعلم الإجمالي أن ينجز التكليف الواقعي بلا محذور.

٢ ـ انّ قيام الإجماع أو الضرورة وحده لا يفيد في تتميم دليل الانسداد من دون ادخال منجزيّة العلم الإجمالي ، إذ غاية ما يلزم منه حرمة اقتحام تمام الأطراف ولا يوجب تعين المظنونات بل يمكن اجراء البراءة ولو العقلية عن تعينها لولا منجزية العلم الإجمالي واقتضائه للامتثال ، فإنّ حكم العقل أو الشرع

٣١٧

بترجيح المظنونات فرع تنجيز التكليف المعلوم بالاجمال ووجوب موافقته وانكشاف الفراغ عنه بالمقدار الممكن من الكشف ولو الظنّي. نعم ، لو قلنا بأنّ العقل يستقل بحجية الظن بمجرد سقوط البراءة الشرعية في المظنونات بلا حاجة إلى فرض منجزية العلم الإجمالي فسوف لا يتم شيء من الاشكالين كما هو واضح.

ص ٤٣٨ قوله : ( وثانياً انّ ما أفاده من استحالة تنجّز الشبهة ... ).

هذا المطلب متوقف على مقدمة مطوية ومسلمة في محلها وهي انّ المراد من قولهم المنجز لا يتنجز ان المتنجز في الرتبة السابقة لا يتنجز بمنجز آخر في الرتبة اللاحقة كما إذا كان تنجيزه طولياً ومتوقفاً على ذلك وامّا المنجزان العرضيان من دون طولية بينهما فلا محذور فيه كما إذا قامت امارتان أو أصلان منجزان على تكليف واحد ، وعلى هذا الأساس يقال بأنّ منجزية الظن في طول منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة المستوجب لتساقط الاصول الشرعية في الأطراف لا لوجوب الموافقة ، فسواء كانت الموافقة منجزة بالاحتمال ـ كما هو على مسلك الاقتضاء ـ أو بالعلم الإجمالي ـ كما هو على مسلك العلية ـ فلا محذور في تنجيز التكليف الواقعي المحتمل في المظنونات بالظن وبالاحتمال والعلم الإجمالي معاً. هذا إذا كان المقصود من منجزية الظن بنحو الحكومة المعنى المتقدم في شرح مرام صاحب الكفاية.

وأمّا إذا كان المراد من منجزية الظن بالحكومة ترجيح الامتثال الظني على الوهمي والشكي بعد فرض تنجز التكليف الواقعي المحتمل بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال وفرض تعذر أو تعسر الاحتياط التام فالأمر أوضح ؛ لأنّ منجزية الظن بهذا المعنى تعني صرف تنجيز العلم أو الاحتمال إلى الطرف المظنون أو

٣١٨

تفريغ الذمة عنه في مقام الامتثال بذلك ، فلا ربط له بكبرى انّ المنجز لا يتنجز أصلاً.

وأمّا إذا كان المراد منجزية الظن بنحو الكشف فهو وإن كان متوقفاً على منجزية الاحتمال أو العلم الإجمالي للموافقة القطعية أيضاً أعني في كل طرف وإلاّ فلعل الشارع اعتمد عليها بعد فرض حرمة المخالفة القطعية في تمام الأطراف. إلاّ انّ كشف جعل الشارع للظن حجة في هذا الحال ـ بعد فرض تعذر أو تعسّر الاحتياط التام ـ لا محذور فيه إذ المنجز هنا مجعول شرعي وليس عقلياً لكي يقال بأنّ المتنجز لا يتنجز وهذا واضح.

ص ٤٤٠ قوله : ( وعلى المبنى الأوّل ... ).

الفرق بين المباني الثلاثة : انّ المبنى الأوّل يجعل المنفي الحكم الحرجي بلسان نفي المسبب عنه بارادة السبب منه فيكون النفي حقيقياً والمبنى الثاني يجعل المنفي الحكم الحرجي بلسان نفي متعلقه ومعروضه تنزيلاً وادعاءً كما في « لا ربا بين الوالد والولد » ، والمبنى الثالث يجعل المنفي الضرر الخارجي الناشىء من قبل الشارع ، وفي الشريعة ويكون النفي حقيقياً ، والضرر أيضاً مستعمل في معناه الحقيقي.

ولازم الأوّل والثالث انطباق القاعدة في المقام لنفي الاحتياط لأنّ المرجح فيه ناشىء من الشريعة ومسبب عن الحكم الشرعي بعد ضمه دائماً إلى وجوب الطاعة وحق الطاعة للمولى سواءً في موارد العلم التفصيلي بالتكليف أو الإجمالي والتطبيقات الثلاثة صياغات متعددة لروح واحدة هي ما ذكرناه.

وهذا بخلاف المبنى الثاني ، فإنّ الثابت به الحكم بنفي ما هو معروض الحكم

٣١٩

فلابد وأن يكون معروضه ومتعلقه حرجياً وليس الاحتياط معروضاً للحكم الشرعي كما انّ الحكم الواقعي معروضه ليس حرجياً فاحتيج إلى أحد الوجوه المذكورة في الكتاب.

وقد يناقش حتى على المبنيين الآخرين بأنّ إطلاق المسبب على السبب إنّما يكون فيما إذا كان تحقيقه مستلزماً للضرر أو الحرج وامّا إذا لم يكن كذلك وإنّما تحصيل اليقين بتحقيقه مستلزم له فلا يكفي هذا لتصحيح إطلاق اسم المسبب على السبب لأنّ الغرض المولوي لم يستلزم الضرر وإنّما تحصيل اليقين بالامتثال مستلزم لذلك وليس هذا ضرراً ناشئاً من نفس الشريعة.

وهذا الاشكال لئن تمّ على الصياغة الاولى التي طبق فيها القاعدة على نفس الحكم الواقعي المعلوم بالاجمال ـ على نحو التوسط في التكليف والرفع المشروط لا المطلق ليلزم جواز المخالفة القطعية أيضاً ـ فهو لا يتم على الصياغتين الثانية والثالثة ؛ لأنّ المطبق عليه في الصياغة الثانية ايجاب الاحتياط الشرعي أو العقلي بلحاظ منشأه وروحه وهو تلك الدرجة من الاهتمام المولوي المقتضي للاحتياط عقلاً.

والاهتمام غرض مولوي تشريعي ، بل هو روح الحكم الظاهري كما تقدم في محله ، وليس أمراً تكوينياً وليس عنوان الجعل مأخوذاً في لسان القاعدة إلاّ استطراقاً إلى روحه وهو الأغراض التشريعية لا الاعتبار بما هو اعتبار ، وكذلك الصياغة الثالثة فإنّ عدم الترخيص في بعض الأطراف بحسب روحه ناشىء من تلك المرتبة الشديدة من الاهتمام المولوي الموجب لجعل ايجاب الاحتياط أو عدم جعل الترخيص اعتماداً على حكم العقل بالاحتياط ، وهذه مرتبة من التكليف والاهتمام التشريعي الالزامي فيكون مرفوعاً بالقاعدة.

٣٢٠