أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
المحقق: عصام عبد السيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨
وقد فوّض الله تعالى إلى نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر دينه ، فقال : ( وما ءاتاكم الرَّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (١) وقد فوض ذلك إلى الأئمّة عليهمالسلام.
وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم (٢) مشايخ قم وعلماءهم إلى القول بالتقصير.
وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي (٣) بالعبادة مع تدينّهم (٤) بترك الصلاة وجميع الفرائض ، ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى ، ودعوى اتباع الجنّ (٥) لهم ، وأنّ الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياء عليهمالسلام.
ومن علاماتهم أيضاًَ دعوى علم الكيمياء ولا يعلمون منه (٦) إلا الدغل وتنفيق الشبه والرصاص على المسلمين (٧).
__________________
(١) الحشر ٥٩ : ٧.
(٢) في جميع النسخ زيادة : إلى ، وهي في غير محلها.
(٣) في بعض النسخ : التحلّي.
(٤) أثبتناها من ج ، وفي النسخ : دينهم.
(٥) في بعض النسخ : « ودعوى انطباع الحق » مكان « ودعوى اتباع الجنّ ».
(٦) في ر زيادة : شيئاً.
(٧) راجع البحار ٢٥ / ٣٤٢.
[٣٨]
باب الإعتقاد في الظالمين
قال الشيخ رحمهالله : اعتقادنا فيهم أنّهم ملعونون ، والبراءة منهم واجبة.
قال الله تعالى : ( وما للظَّالمين من أنصار ) (١).
وقال الله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أُولئكَ يعرضون على ربِّهم ويقول الأشهد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين * الّذين يصدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون ) (٢).
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية : إنّ سبيل الله في هذا الموضع علي بن أبي طالب عليهالسلام.
والأئمّة في كتاب الله تعالى إمامان (٣) : إمام هدى (٤) ، وإمام ضلالة.
قال الله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) (٥).
وقال الله تعالى : ( وجعلنهم أئمّة يدعون إلى النَّار ويوم القيامة لا ينصرون * وأتبعنهم في هذه الدُّنيا لعنةً ويوم القيمة هم من المقبوحين ) (٦).
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٠.
(٢) هود ١١ : ١٨ ـ ١٩.
(٣) العبارة في م ، ج : علي بن أبي طالب عليهالسلام والأئمّة ، وفي كتاب الله تعالى إمامان.
(٤) أثبتناها من ج ، وهامش ر ، وبحار الأنوار ٢٧ : ٦٠ ، وفي النسخ : عدل.
(٥) الأنبياء ٢١ : ٧٣.
(٦) القصص ٢٨ : ٤١ ، ٤٢.
ولمّا نزلت هذه الآية ( واتقوا فتنةً لا تصيبَّن الّذين ظلموا منكم خاصّةً ) (١). قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من ظلم عليّاً مقعدي هذا بعد وفاتي ، فكأنّما جحد نبوتّي ونبوّة الأنبياء قبلي ».
ومن تولّى ظالماً فهو ظالم.
قال الله تعالى : ( يا أيُّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فاُولئك هم الظلمون ) (٢).
وقال تعالى : ( ومن يتولَّهم منكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظلمين ) (٣).
وقال تعالى : ( يا أيّها الّذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحب القبور ) (٤).
وقال تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أُولئكَ كتب في قلوبهم الإيمان » (٥).
وقال تعالى : ( ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسكم النار ) (٦).
والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو ظالم ملعون ، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون.
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٢٥.
(٢) التوبة ٩ : ٢٣.
(٣) المائدة ٥ : ٥١.
(٤) الممتحنة ٦٠ : ١٣.
(٥) المجادلة ٥٨ : ٢٢.
(٦) هود ١١ : ١١٣.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله وسله : ( من جحد عليّاً إمامته بعدي فقد جحد نبوّتي ، ومن جحد نبوّتي فقد جحد الله ربوبيته » (١).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : « يا علي ، أنت المظلوم بعدي ، من ظلمك فقد ظلمني ، ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن جحدك فقد جحدني ، ومن والاك فقد والاني ، ومن عاداك فقد عاداني ، ومن أطاعك فقد أطاعني ، ومن عصاك فقد عصاني ».
واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهمالسلام أنّه بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء (٢).
واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين (٣) وأنكر واحداً من بعده من الأئمّة أنّه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤).
وقال الصادق عليهالسلام : « المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا » (٥).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الأئمّة من بعدي اثنا عشر ، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، طاعتهم طاعتي ، ومعصيتهم معصيتي ، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني » (٦).
وقال الصادق عليهالسلام : « من شك في كفر أعدائنا الظالمين لنا فهو كافر ».
__________________
(١) نحوه رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار : ٣٧٢ باب معنى وفاء العباد ح ١.
(٢) العبارة في م : من جحد جميع الأنبياء ، وفي س : من جحد نبوة الأنبياء. وفي م زيادة ، وأنكر نبوّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٣) في م ، ق زيادة : وجحد.
(٤) العبارة في م : إنه بمنزلة من أنكر بجميع ( كذا ) الأنبياء.
(٥) الهداية : ٧.
(٦) كمال الدين ١ : ٢٥٨ ح ٣.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « ما زلت مظلوماً منذ ولدتني اُمّي ، حتى إنّ عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول : لا تذروني حتى تذروا عليّاً ، فيذروني وما بي رمد ».
واعتقادنا فيمن قاتل عليّاً عليهالسلام قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من قاتل عليّاً فقد قاتلني ، ومن حارب عليّاً فقد حاربني ، ومن حاربني فقد حارب الله ».
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (١).
وأمّا فاطمة صلوات الله عليها فاعتقادنا فيها أنّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والأخيرين ، وأنّ الله يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها (٢) ، وأنّها خرجت من الدنيا ساخطة على ظالميها وغاصبيها ومانعي إرثها (٣).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، من آذاها فقد آذاني ، ومن غاظها فقد غاظني (٤) ، ومن سرّها فقد سرّني » (٥).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، وهي روحي الّتي بين جنبيّ ، يسوؤني ما ساءها ، ويسرّني ما سرّها » (٦).
واعتقادنا في البراءة أنّها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة (٧)
__________________
(١) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٥٩ ح ٢٢٣ ، والطوسي في أماليه ١ : ٣٤٥.
(٢) في م ، ر : زيادة : « وإنّ الله فطمها وفطم من أحبّها من النار ».
(٣) العبارة في م ، ر ، ج : ومن نفى إرثها من أبيها.
(٤) في ر زيادة : ومن عصاها فقد عصاني.
(٥) (٦) راجع : أمالي الصدوق : ٣٩٣ ، معاني الأخبار : ٣٠٢ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٦ ، أمالي المفيد : ٢٥٩ ، أمالي الطوسي ٢ : ٤١.
(٧) العبارة في م ، ر : الأوثان الأربعة : يغوث ويعوق ونسر وهبل ، والأنداد الأربعة ( وفي البحار ٧ : ٦٠٣ والإناث الأربع ) اللات والعزى ومناة والشعرى ، وممّن عبدهم.
ومن جميع أشياعهم وأتباعهم ، وأنّهم شرّ خلق الله.
ولا يتم الإقرار بالله وبرسوله (١) وبالأئمّة إلا بالبراءة من أعدائهم.
واعتقادنا في قتلة (٢) الأنبياء وقتلة الأئمّة أنّهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار.
ومن اعتقد فيهم غير ما ذكرناه فليس عندنا من دين الله في شيء (٣).
__________________
(١) في ق ، س : وبرسله.
(٢) في م : قاتل ، وكذا التي بعدها.
(٣) في ق ، ر زيادة : والله أعلم.
[٣٩]
باب الإعتقاد في التقيّة
قال الشيخ رحمهالله : اعتقادنا في التقية أنّها واجبة ، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة (١).
وقيل للصادق عليهالسلام : يا ابن رسول الله ، إنّا نرى في المسجد رجلاً يعلن بسب أعدائكم ويسمّيهم. فقال : « ما له ـ لعنه الله ـ يعرض بنا ».
وقال الله تعالى : ( ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عدواً بغير علم ) (٢).
قال الصادق عليهالسلام في تفسير هذه الآية : « لا تسبّوهم فإنّهم (٣) يسبون عليكم » (٤).
وقال عليهالسلام : « من سبّ ولي الله فقد سبّ الله ».
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي : « من سبّك ـ يا علي ـ فقد سبّني ، ومن سبّني فقد
__________________
(١) العبارة في م : كان كمن ترك الصلاة.
(٢) الأنعام ٦ : ١٠٨.
(٣) أثبتناها من ر ، وهامش م. وفي بعض النسخ : فُلانَهم فيسبّوا عليكم.
(٤) في م زيادة : فلما نزلت الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تسبّوا علياً ، فإنّ ذاته ممسوس بذات الله ».
سبّ الله تعالى (١).
والتقيّة واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم عليهالسلام ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية (٢) وخالف الله ورسوله والأئمّة.
وسئل الصادق عن قول الله عزّوجلّ : ( إن أكرمكم عند الله أتقكم ) قال : « أعلمكم بالتقية » (٣).
وقد أطلق الله تبارك وتعالى إظهار موالاة الكافرين في حال التقية.
وقال تعالى ( لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتّقوا منهم تقاة ) (٤).
وقال : ( لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنّما ينهكم الله عن الذين قتلوكم في الدين وأخرجوكم من ديركم وظهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظلمون ) (٥).
وقال الصادق عليهالسلام : « إني لأسمع الرجل في المسجد وهو يشتمني ، فأستتر منه بالسارية كي لا يراني » (٦).
__________________
(١) راجع عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٦٧ ح ٣٠٨ ، أمالي الصدوق : ٨٧ ح ٢. وفي م زيادة ومن سبّ الله كبّه الله على منخريه يوم القيامة.
(٢) في ق ، ر : الأئمّة.
(٣) رواه مسنداً الطوسي في أماليه ٢ : ٢٧٤. والآية الكريمة في سورة الحجرات ٤٩ : ١٣. وفي ق ، ر : « أعلمكم ».
(٤) آل عمران ٣ : ٢٨.
(٥) الممتحنة ٦٠ : ٨ ـ ٩.
(٦) رواه مسنداً البرقي في المحاسن : ٢٦٠ كتاب مصابيح الظلم ح ٣١٤.
وقال عليهالسلام : « خالطوا الناس بالبرّانية ، وخالفوهم بالجوّانية ، ما دامت الامرة صبيانيّة » (١).
وقال عليهالسلام : « الرياء مع المؤمن شرك ، ومع المنافق في داره عبادة » (٢).
قال علي عليهالسلام : « من صلّى معهم في الصف الأوّل ، فكأنّما صلّى مع رسول الله في الصف الأوّل » (٣).
وقال عليهالسلام : « عودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وصلّوا في مساجدهم » (٤).
وقال عليهالسلام : « كونوا لنا زيناً ، ولا تكونوا علينا شينا » (٥).
وقال عليهالسلام : « رحم الله عبداً حببّنا إلى الناس ، ولم يبغّضنا إليهم » (٦).
وذكر القصَّاصون عند الصادق ، فقال عليهالسلام : « لعنهم الله يشنعون علينا ».
وسئل عليهالسلام عن القُصَّاص ، أيحل الاستماع لهم ؟ فقال : « لا ».
وقال عليهالسلام : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبدالله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس » (٧).
وسئل الصادق عليهالسلام عن قول عزّوجلّ : « الشعراء يتَّبعهم الغاوون » (٨) قال :
__________________
(١) رواه مسنداً الكليني في الكافي ٢ : ١٧٥ باب التقية ح ٢٠.
(٢) الهداية : ١٠.
(٣) الفقيه ١ : ٢٥٠ باب الجماعة وفضلها ح ١١٢٦.
(٤) (٦) راجع : الكافي ٢ : ١٧٤ ح ١ ، أمالي الطوسي ٢ : ٥٥ ، فضائل الشيعة : ١٠٢ ح ٣٩.
(٧) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضا ١ : ٣٠٤ ح ٦٣ ، الكليني في الكافي ٦ : ٤٣٤ ح ٢٤.
(٨) الشعراء ٢٦ : ٢٢٤.
« هم القُصَّاص ».
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أتى ذا بدعة فوقّره فقد سعى في هدم الاسلام » (١).
واعتقادنا فيمن خالفنا في شيء (٢) من اُمور الدين كاعتقادنا فيمن خالفنا في جميع اُمور الدين.
[٤٠]
باب الإعتقاد في آباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣)
قال الشيخ رضياللهعنه : اعتقادنا في آباء النبيّ (٤) أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله ، وأنّ أبا طالب كان مسلماً ، واُمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة.
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لن آدم ».
ورُوي أن عبد المطلب كان حجة وأبا طالب كان وصيّه (٥).
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٣٧٥ باب معرفة الكبائر ح ١٧٧١.
(٢) في ر ، ح زيادة : واحد.
(٣) (٤) في ر زيادة : وعلي عليهالسلام.
(٥) ق ، س : وروي أنّ عبد المطلب كانت حجة أبا طالب ووصيه ، وفي ر : إن عبدالله كانت حجة ... وما أثبتناه من ج وبحار الأنوار ١٥ : ١١٧.
[٤١]
باب الإعتقاد في العَلويّة
قال الشيخ رضياللهعنه : اعتقادنا في العلوية أنّهم (١) آل رسول الله ، وأنّ مودّتهم واجبة ، لأنّها أجر النبوّة (٢).
قال عزّوجلّ : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى ) (٣).
والصدقة عليهم محرّمة ، لأنّها أوساخ (٤) أيدي الناس وطهارة لهم ، إلا صدقتهم لإمائهم وعبيدهم ، وصدقة بعضهم على بعض.
وأمّا الزكاة فإنّها تحل لهم اليوم (٥) عوضاً عن الخمس ، لأنّهم قد منعوا منه.
واعتقادنا في المسيء منهم أنّ عليه ضعف العقاب ، وفي المحسن منهم أنّ له ضعف الثواب.
وبعضهم أكفاء بعض ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين نظر إلى بنين وبنات علي وجعفر ابني [ أبي ] طالب : « بناتنا كبنينا ، وبنونا كبناتنا » (٦).
وقال الصادق عليهالسلام : « من خالف دين الله ، وتولى أعداء الله ، أو عادى أولياء الله ، فالبراءة منه واجبة ، كائناً من كان ، من أي قبيلة كان ».
__________________
(١) في ر زيادة : من.
(٢) في ح : الرسالة.
(٣) الشورى ٤٢ : ٢٣.
(٤) في ر ، ج زيادة : ما في.
(٥) أثبتناها من ر.
(٦) رواه مرسلاً المصنّف في الفقيه ٣ : ٢٤٩ باب الأكفاء ح ١١٨٤. وفي بعض النسخ : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام لابنه محمد بن الحنفية : « تواضعك في شرفك أشرف لك من شرف آبائك ».
وقال الصادق عليهالسلام : « ولايتي لأمير المؤمنين عليهالسلام أحبّ إليّ من ولادتي منه ».
وسئل الصادق عليهالسلام عن آل محمد ، فقال : « آل محمد من حرم على رسول الله نكاحه » (١).
وقال الله عزّوجلّ : ( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذرّيتّهما النُّبوّة والكتب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (٢).
وسئل الصادق عليهالسلام عن قول الله عزّوجلّ : ( ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مُّقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) فقال : « الظالم لنفسه منّا من لا يعرف حق الإمام ، والمقتصد العارف بحق الإمام ، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام » (٣).
وسأل إسماعيل أباه الصادق عليهالسلام ، فقال : ما حال المذنبين منّا ؟
فقال عليهالسلام : « ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سُوءاً يجز به » (٤).
وقال أبو جعفر الباقر عليهالسلام في حديث طويل : « ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحبّ الخلق إلى الله أتقاهم له وأعملهم بطاعته. والله ما يتقرّب إلى الله عزّوجلّ ثناؤه إلا بالطاعة ، ما معناه براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجّة. من
__________________
(١) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار : ٩٣ باب معنى الآل ح ١.
(٢) الحديد ٥٧ : ٢٦.
(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار : ١٠٤ باب معنى الظالم لنفسه ح ٢. والآية الكريمة في سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.
(٤) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٣٤ ح ٥. والآية الكريمة في سورة النساء ٤ : ١٢٣.
كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدّو. لا تنال ولايتنا إلا بالورع والعمل » (١).
وقال نوح عليهالسلام : ( ربِّ إنّ ابني من أهلي وإنَّ وعدك الحقُّ وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إنّي أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) (٢).
وسئل الصادق عليهالسلام عن قوله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مُّسودَّة أليس في جهنَّم مثوى للمتكبرين ) قال : « من زعم أنه إمام وليس بإمام » قيل : وإن كان علوياً فاطميّاً ؟ قال : « وإن كان علوياً فاطمياً » (٣).
وقال الصادق عليهالسلام : « ليس بينكم وبين من خالفكم إلا المِطْمَر ». قيل :
فأي شيء المِطْمَر ؟ قال : « الذي تسمونه التُّرّ ، فمن خالفكم وجازه فابرؤوا منه وإن كان علويا فاطميّا » (٤).
وقال الصادق عليهالسلام لأصحابه (٥) في ابنه عبدالله : « إنه ليس على شيء ممّا أنتم عليه ، وإنّي أبرأ منه ، بريء الله منه ».
__________________
(١) رواه مسنداً المصنّف في أماليه : ٤٩٩ المجلس الحادي والتسعين ح ٣ ، والكليني في الكافي ٢ : ٦٠ باب الطاعة والتقوى ح ٣.
(٢) هود ١١ : ٤٥ ـ ٤٧.
(٣) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال : ٢٥٤ باب عقاب من ادّعى الإمامة ح ١. والآية الكريمة في سورة الزمر ٣٩ : ٦٠.
(٤) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار : ٢١٢. وفي النسخ كافة : ( المضمر ) بدل « المطمر » ، و « البراءة » بدل « التُّرَّ » وهو تصحيف بيّن. والمِطْمَر ـ بكسر الميم الأولى وفتح الثانية ـ الخيط الذي يقوم عليه البناء ، ويسمى التُّرَّ أيضاً. مجمع البحرين ٣ : ٣٧٧ ، النهاية لابن الأثير ٣ : ١٣٨.
(٥) أثبتناها من ر ، ج.
[٤٢]
باب الإعتقاد في الأخبار المفسرة والمجملة
قال الشيخ رضياللهعنه : اعتقادنا في الحديث المفسّر أنّه يحكم على المجمل ، كما قال الصادق عليهالسلام.
[٤٣]
باب الإعتقاد في الحظر والإباحة
قال الشيخ رضياللهعنه : اعتقادنا في ذلك أنّ الأشياء كلّها مطلقة حتى يرد في شيء منها نهي.
[٤٤]
باب الإعتقاد في الأخبار الواردة في الطب
قال الشيخ أبو جعفر رضياللهعنه : اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنّها على وجوه :
منها : ما قيل على هواء مكّة والمدينة ، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.
ومنها : ما أخبر به العالم عليهالسلام على ما عرف من طبع السائل ولم يتعد موضعه ، إذ كان أعرف بطبعه منه.
ومنها : ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.
ومنها : ما وقع فيه سهو من ناقله (١).
ومنها : ما حفظ بعضه ونسي بعضه.
وما روي في العسل أنّه شفاء من كل داء (٢) فهو صحيح ، ومعناه أنّه شفاء من كل داء بارد.
وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير (٣) فإنّ ذلك إذا كان
__________________
(١) العبارة بأكملها ليست في م ، ق ، س ، وأثبتناها من ج وبحار الأنوار ٦٢ : ٦٤ ، وقد تقرأ في ر ـ إ ذ كتبت في الهامش ـ : ما وقع وهم فيه وسهو من ناقله.
(٢) رواه مسنداً المصنّف في الخصال ٢ : ٦٢٣ باب حديث الأربعمائة ح ١٠.
(٣) المصدر السابق ص ٦١٢.
بواسيره من حرارة.
وما روي في الباذنجان من الشفاء (١) فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب ، دون غيره من سائر الأوقات (٢).
وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة عليهمالسلام فهي آيات القرآن وسوره والأدعية على حسب ما وردت به الآثار (٣) بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة.
وقال الصادق عليهالسلام : « كان فيما مضى يسمّى الطبيب : المعالج ، فقال موسى عليهالسلام : يا رب ، ممّن الداء ؟ فقال : منّي يا موسى. قال : يا رب ، فممّن الدواء ؟ فقال : منّي. قال : فما يصنع الناس بالمعالج ؟ فقال : يطيب أنفسهم بذلك ، فسمّي الطبيب لذلك (٤).
وأصل الطب التداوي.
وكان داود عليهالسلام تنبت في محرابه في كل يوم حشيشة ، فتقول : خذني فإني أصلح لكذا وكذا ، فرأى آخر عمره حشيشة نبتت في محرابه ، فقال لها : ما اسمك ، فقالت : أنا الخروبية (٥) فقال داود عليهالسلام : خرب المحراب ، فلم ينبت فيه شيء بعد ذلك ».
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من لم تشفه ( الحمد لله ) فلا شفاه الله تعالى » (٦).
__________________
(١) المحاسن : ٥٢٥ باب الباذنجان ح ٧٥٥.
(٢) في س : الآفات.
(٣) في هامش ر : الأخبار.
(٤) رواه مسنداً المصنّف في علل الشرائع : ٥٢٥ ح ١ ، والكليني في الكافي ٨ : ٨٨ ح ٥٢. وفي ق ، ر : فسمي الطبيب طبيباً لذلك.
(٥) في بعض النسخ : الخرنوبة.
(٦) نحوه رواه مسنداً الكليني في الكافي ٢ : ٤٥٨ باب فضل القرآن ح ٢٢.
[٤٥]
باب الإعتقاد في الحديثين المختلفين
قال الشيخ أبو جعفر رضياللهعنه : اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمّة عليهمالسلام أنّها موافقة لكتاب الله تبارك وتعالى ، متّفقة المعاني غير مختلفة ، لأنّها مأخوذة من طريق (١) الوحي عن الله تعالى ، ولو كانت من عند غير الله تعالى لكانت مختلفة. ولا يكون اختلاف ظواهر الأخبار إلا لعلل مختلفة.
مثل ما جاء في كفّارة الظهار عتق رقبة.
وجاء في خبر آخر صيام شهرين متتابعين.
وجاء في خبر آخر إطعام ستين مسكيناً.
وكلّها صحيحة ، فالصيام لمن لم يجد العتق ، والإطعام لمن لم يستطع الصيام.
وقد رُوي (٢) أنّه يتصدق بما يطيق ، وذلك محمول على من لم يقدر على الإطعام.
ومنها ما يقوم كلّ واحد منها مقام الآخر ، مثل ما جاء في كفّارة اليمين
__________________
(١) في ق زيادة غير.
(٢) في هامش ر : قيل.
( إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) (١) فإذا ورد في كفّارة اليمين ثلاثة أخبار أحدها بالإطعام وثانيها بالكسوة ، وثالثها بتحرير رقبة (٢) كان ذلك عند الجهال مختلفاً ، وليس بمختلف ، بل كلّ واحد من هذه الكفّارات تقوم مقام الاُخرى.
وفي الأخبار ما ورد للتقيّة.
وروي عن سليم بن قيس الهلالي أنّه قال : قلت لأمير المؤمنين عليهالسلام :
إنّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ، ومن الأحاديث عن النبيّ أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمّدين ويفسّرون القرآن بآرائهم ؟.
قال : فقال علي عليهالسلام : « قد سألت فافهم الجواب : إنّ ما في أيدي الناس : حقّ وباطل ، وصدق وكذب ، وناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، وحفظ ووهم.
وقد كُذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال : أيّها الناس ، قد كثرت الكذابة عليَّ (٣) فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ، ثمّ كذب عليه من بعد.
وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالاسلام ، لا يتأثم ولا يتحرّج (٤)
__________________
(١) المائدة ٥ : ٨٩.
(٢) العبارة : فإذا ورد ... بتحرير رقبة ، ليست في ق ، س.
(٣) العبارة في م : « قد كثر الكذب عليّ ».
(٤) العبارة في ق ، س ، ر : لم يأثم ولم / لا يخرج / يجزع.
أن يكذب على رسول الله متعمّداً. فلو علم الناس أنّه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا صحب (١) رسول الله ورآه وسمع منه ، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بما أخبر ، ووصفهم بما وصفهم ، فقال : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ) (٢) ثمّ تفرقوا بعده ، فتقربوا (٣) إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولّوهم الأعمال ، وأكلوا بهم الدنيا ، وحملوهم على رقاب الناس ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم (٤) الله. فهذا أحد الأربعة.
ورجل آخر سمع من رسول الله (٥) شيئاً لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذباً ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه ، ويقول : أنا سمعته من رسول الله (٦). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئاً أمر به ، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ، ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنّه منسوخ لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول الله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله ، لم يسه (٧) بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد ولم
__________________
(١) في م : صاحب.
(٢) المنافقون ٦٣ : ٤.
(٣) أثبتناها من ج ، وهامش م ، وفي النسخ : فتفرّقوا.
(٤) في م ، ر : عصمه.
(٥) أثبتناها من ر ، وفي النسخ : وسمع رجل آخر من رسول الله.
(٦) في م : أنا سمعت رسول الله.
(٧) في م : ينسه ، وفي ر : يتشبه به ، وفي هامشها : يشتبه به.
ينقص ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإن أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل القرآن (١) ، ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص ، مثل القرآن ، قال الله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (٢) فاشتبه على من لم يعرف ما عني الله ورسوله ، وليس كل أصحاب رسول الله يسألونه ويستفهمونه ، لأن فيهم قوما كانوا يسألونه ولا يستفهمونه ، لأنّ الله تعالى نهاهم عن السؤال ، حيث يقول : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ) (٣).
فامتنعوا من السؤال حتى إن كانوا يحبون أن يجيء الأعرابي والبدوي فيسأل وهم يسمعون.
وكنت أدخل على رسول الله في كل ليلة دخلة ، وأخلو به في كل يوم خلوة ، يجيبني عمّا أسأل ، وأدور به حيثما دار ، وقد علم أصحاب رسول الله أنّه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري ، وربّما كان ذلك في بيتي.
وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي (٤) وأقام نساءه ، فلم يبق غيري وغيره ، وإذا أتاني هو للخلوة وأقام من في بيتي لم يقم عنا فاطمة ولا أحد ابناي (٥).
__________________
(١) في م زيادة : كذلك.
(٢) الحشر ٥٩ : ٧.
(٣) المائدة ٥ : ١٠١ ، ١٠٢.
(٤) في م ، ر : أخلاني.
(٥) في بعض النسخ : ولا أحدا من أبنائي.