التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

[٢ / ٣٧٤٣] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر قال : كان من دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (١).

[٢ / ٣٧٤٤] وروى الكليني بالإسناد إلى محمّد بن الفرج قال : كتب إليّ أبو جعفر ابن الرضا عليه‌السلام بهذا الدعاء وعلّمنيه وقال : من قال في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلّا تيسّرت له وكفاه الله ما أهمّه :

«بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآله ، وأفوّض أمري إلى الله إنّ الله بصير بالعباد ، فوقاه الله سيّئات ما مكروا ، لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ ، وكذلك ننجي المؤمنين ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، ما شاء الله وإن كره الناس ، حسبي الربّ من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي الرازق من المرزوقين ، حسبي الّذي لم يزل حسبي منذ كنت (٢) ، حسبي الله الّذي لا إله إلّا هو ، عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم».

وقال : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : «رضيت بالله ربّا وبمحمّد نبيّا وبالإسلام دينا وبالقرآن كتابا وبفلان وفلان أئمة ، اللهمّ وليّك فلان فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك وأره ما يحبّ وما تقرّ به عينه في نفسه وذرّيته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوّه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحبّ وتقرّ به عينه ، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين».

قال : وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا فرغ من صلاته : «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت. وإسرافي على نفسي وما أنت أعلم به منّي ، اللهمّ أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين. ما علمت الحياة خيرا لي فأحيني ، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي. اللهمّ إنّي أسألك خشيتك في السرّ والعلانية ، وكلمة الحقّ في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيما لا ينفذ ، وقرّة عين لا ينقطع ، وأسألك

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٦٨ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١٠٠ / ٤٤١١ ؛ كتاب الشكر : ٦٦ / ٤.

(٢) صحّحنا على رواية الفقيه.

١٨١

الرضا بالقضاء ، وبركة الموت بعد العيش ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذّة المنظر إلى وجهك ، وشوقا إلى رؤيتك ولقائك ، من غير ضرّاء مضرّة ، ولا فتنة مضلّة ، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهديّين ، اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، اللهمّ إنّي أسألك عزيمة الرشاد والثبات في الأمر والرشد ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقّك ، وأسألك يا ربّ قلبا سليما ولسانا صادقا ، وأستغفرك لما تعلم ، وأسألك خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم ، فإنّك تعلم ولا نعلم وأنت علّام الغيوب» (١).

[٢ / ٣٧٤٥] وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي الجلد قال : قرأت في مساءلة موسى عليه‌السلام ، أنّه قال : يا ربّ كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كلّه؟ فأتاه الوحي : أن يا موسى الآن شكرتني (٢).

[٢ / ٣٧٤٦] وأخرج الخرائطي عن الشيباني قال : قال موسى عليه‌السلام يوم الطور : يا ربّ إن أنا صلّيت فمن قبلك ، وإن أنا تصدّقت فمن قبلك ، وإن أنا بلّغت رسالاتك فمن قبلك ، فكيف أشكرك؟ قال : يا موسى الآن شكرتني (٣).

[٢ / ٣٧٤٧] وروى الكليني بإسناده إلى ابن أبي عمير عن أبي عبد الله صاحب السابريّ فيما أعلم أو غيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «فيما أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى موسى عليه‌السلام : يا موسى اشكرني حقّ شكري! فقال : يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك؟ وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليّ قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي» (٤).

[٢ / ٣٧٤٨] وعن ابن رئاب عن إسماعيل بن الفضل قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرّات : «اللهمّ ما أصبحت بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ يا ربّ حتّى ترضى وبعد الرضا». فإنّك إذا قلت ذلك ، كنت قد أدّيت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٤٧ / ٦.

(٢) الدرّ ١ : ٣٦٩ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١٠١ / ٤٤١٥ ؛ الشكر لله : ٦٧ / ٦ ؛ القرطبي ١ : ٣٩٨.

(٣) الدرّ ١ : ٣٧٤ ؛ فضيلة الشكر لله (محمّد بن جعفر السامري م ٣٢٧) : ٤٥.

(٤) الكافي ٢ : ٩٨ / ٢٧.

(٥) المصدر : ٩٩ / ٢٨.

١٨٢

[٢ / ٣٧٤٩] وعن إسماعيل بن أبي الحسن عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها» (١).

[٢ / ٣٧٥٠] وقال الصادق عليه‌السلام : «من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه وعلم أنّ المنعم عليه الله فقد أدّى شكرها وإن لم يحرّك لسانه ، ومن علم أنّ المعاقب على الذنوب الله فقد استغفر وإن لم يحرّك به لسانه» وقرأ : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) الآية (٢)(٣).

[٢ / ٣٧٥١] وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أنعم الله ـ عزوجل ـ على عبد نعمة فعلم أنّها من الله إلّا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها ، ولا أذنب عبد ذنبا فندم عليه إلّا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره» (٤).

* * *

[٢ / ٣٧٥٢] روى الكليني بإسناده إلى سفيان بن عيينة عن عمّار الدهني قال : سمعت عليّ بن الحسين عليه‌السلام يقول : «إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ، ويحبّ كلّ عبد شكور ، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة : أشكرت فلانا؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ ، فيقول : لم تشكرني إذ لم تشكره ، ثمّ قال : أشكركم لله أشكركم للناس» (٥).

[٢ / ٣٧٥٣] وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنّ رجلا كان يأتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسلّم عليه ، فيقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كيف أصبحت؟ فيقول الرجل : أحمد إليك الله ، وأحمد الله إليك. فكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو له ، فجاء يوما فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنت يا فلان؟ قال : بخير إن شكرت. فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الرجل : يا نبيّ الله كنت تسألني وتدعو لي ، وإنّك سألتني اليوم فلم تدع لي؟ قال : إنّي كنت أسألك فتشكر الله ، وإنّي سألتك اليوم فشككت في الشكر» (٦).

[٢ / ٣٧٥٤] وروى الصدوق عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث له قال : «وشكر كلّ نعمة

__________________

(١) المصدر : ٩٦ / ١٥.

(٢) البقرة ٢ : ٢٨٤.

(٣) تحف العقول : ٣٦٩.

(٤) الحاكم ١ : ٥١٤.

(٥) الكافي ٢ : ٩٩ / ٣٠.

(٦) الدرّ ١ : ٣٧٠ ؛ الشكر لله : ٨٣ و ٨٤ / ٣٨ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١٠٩ / ٤٤٤٩.

١٨٣

الورع عمّا حرّم الله تعالى» (١).

[٢ / ٣٧٥٥] وقال الصادق عليه‌السلام : «الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره ، ولم يشغل الحلال شكره» (٢).

[٢ / ٣٧٥٦] وأخرج الحاكم وصحّحه والبيهقي عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاث من كنّ فيه آواه الله في كنفه ، وستر عليه برحمته ، وأدخله في محبّته. قيل : وما هنّ يا رسول الله؟ قال : من إذا أعطي شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر» (٣).

[٢ / ٣٧٥٧] وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ المؤمن إذا أحسن استبشر ، وإذا أساء استغفر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر ، وإذا أسيء إليه غفر» (٤).

[٢ / ٣٧٥٨] وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ عليه‌السلام قال : «من قال حين يصبح : الحمد لله على حسن المساء ، والحمد لله على حسن المبيت ، والحمد لله على حسن الصباح ، فقد أدّى شكر ليلته ويومه» (٥).

[٢ / ٣٧٥٩] وأخرج أبو داوود والنسائي وابن أبي الدنيا في الشكر والفريابي في الذكر والمعمري في عمل اليوم والليلة والطبراني في الدعاء وابن حبّان والبيهقي والمستغفري كلاهما في الدعوات عن عبد الله بن غنّام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قال حين يصبح : اللهمّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدّى شكر يومه ، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» (٦).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ١٤١ / ٤٣٩ ؛ الخصال : ١٤ / ٥٠ ؛ البحار ٦٧ : ٣١٢ / ١١ ، باب ٥٨ ؛ الصافي ١ : ٣٠٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٩٥.

(٢) تحف العقول : ٢٠٠.

(٣) الدرّ ١ : ٣٧٢ ؛ الحاكم ١ : ١٢٥ ، كتاب العلم ؛ شعب الإيمان ٤ : ١٠٥ / ٤٤٣٣ ؛ كنز العمّال ١٥ : ٨٥٠ / ٤٣٣٧٩ ، عن أبي هريرة.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٤٣٧ / ١٥١.

(٥) الدرّ ١ : ٣٦٩ ؛ الشعب ٤ : ٩٥ / ٤٣٨٨ ؛ كنز العمّال ٢ : ٦٣٥ / ٤٩٥٣.

(٦) الدرّ ١ : ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ؛ أبو داوود ٢ : ٤٩٢ / ٥٠٧٣ ، باب ١١٠ ؛ النسائي ٦ : ٥ / ٩٨٣٥ ، باب ٢ ؛ الشكر لله ١٤٩ / ١٦٥ ؛ كتاب الدعاء ١١٦ ؛ ابن حبّان ٣ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ الشعب ٤ : ٨٩ / ٤٣٦٨ ؛ كنز العمّال ٢ : ١٣٦ / ٣٤٨٦.

١٨٤

[٢ / ٣٧٦٠] وروى الكليني بإسناده إلى صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال : الحمد لله ، إلّا أدّى شكرها» (١).

[٢ / ٣٧٦١] وروى الصدوق عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : ومن قال : «الحمد لله فقد أدّى شكر كلّ نعم الله تعالى» (٢).

[٢ / ٣٧٦٢] وروى الكليني عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا رأيت الرجل وقد ابتلي وأنعم الله عليك ، فقل : اللهمّ إنّي لا أسخر ولا أفخر ولكن أحمدك على عظيم نعمائك عليّ» (٣).

[٢ / ٣٧٦٣] وعن حفص بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا الله ولا تسمعوهم فإنّ ذلك يحزنهم» (٤).

[٢ / ٣٧٦٤] وبإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام : «من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» (٥).

[٢ / ٣٧٦٥] وعن محمّد بن هشام عن ميسر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «شكر النعمة اجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل : الحمد لله ربّ العالمين» (٦).

[٢ / ٣٧٦٦] وعن ابن أبي عمير عن عليّ بن عيينة عن عمر بن يزيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن تحمد الله ـ عزوجل ـ عليها» (٧).

[٢ / ٣٧٦٧] وعن سيف بن عميرة عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال : نعم ، قلت : ما هو؟ قال : يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٩٦ / ١٤.

(٢) نور الثقلين ١ : ١٤١ / ٤٣٧ ، و : ١٥ / ٥٧ ؛ الخصال : ٢٩٩ / ٧٢ ، وفيه : شكر كلّ نعمة لله ـ عزوجل ـ عليه ؛ الصافي ١ : ٣٠٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٩٥ ؛ البحار ٦٨ : ٤٤ / ٤٥ ، باب ٦١ و ٩٠ : ١٩٣ / ٥ ، باب ٥.

(٣) الكافي ٢ : ٩٨ / ٢٢.

(٤) المصدر / ٢٣.

(٥) المصدر : ٤٩٦ / ٣.

(٦) المصدر : ٩٥ / ١٠.

(٧) المصدر / ١١.

١٨٥

كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه ، ومنه قوله جلّ وعزّ : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)(١) ومنه قوله تعالى : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٢) وقوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٣)(٤).

[٢ / ٣٧٦٨] وعن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن صلوات الله عليه يقول : «من حمد الله على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل من تلك النعمة» (٥).

[٢ / ٣٧٦٩] وعن ابن أبي عمير عن الحسن بن عطيّة عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي سألت الله ـ عزوجل ـ أن يرزقني مالا فرزقني ، وإني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ، وسألته أن يرزقني دارا فرزقني. وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا! فقال : «أما والله ، مع الحمد فلا» (٦).

[٢ / ٣٧٧٠] وعن حمّاد بن عثمان قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المسجد وقد ضاعت دابّته ، فقال : لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ الله حقّ شكره ، قال : فما لبث أن أتي بها ، فقال : الحمد لله ، فقال له قائل : جعلت فداك ، أليس قلت لأشكرنّ الله حقّ شكره؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألم تسمعني قلت : الحمد لله!» (٧)

[٢ / ٣٧٧١] وعن الحسن بن راشد عن المثنّى الحنّاط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ورد عليه أمر يسرّه قال : الحمد لله على هذه النعمة ، وإذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال : الحمد لله على كلّ حال» (٨).

[٢ / ٣٧٧٢] وعن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب الله له بها الجنّة ، ثمّ قال : إنّه ليأخذ الإناء فيضعه على فيه فيسمّي ، ثمّ يشرب فينحّيه وهو يشتهيه فيحمد الله ، ثمّ يعود فيشرب ثمّ ينحّيه فيحمد الله ، ثمّ يعود فيشرب ثمّ ينحّيه فيحمد الله ،

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ١٣.

(٢) المؤمنون ٢٣ : ٢٩.

(٣) الإسراء ١٧ : ٨٠.

(٤) المصدر : ٩٥ ـ ٩٦ / ١٢.

(٥) المصدر : ٩٦ / ١٣.

(٦) المصدر : ٩٧ / ١٧.

(٧) المصدر / ١٨.

(٨) المصدر / ١٩.

١٨٦

فيوجب الله ـ عزوجل ـ بها له الجنّة!» (١)

[٢ / ٣٧٧٣] وروى العيّاشيّ بإسناده إلى سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قلت له : للشكر حدّ إذا فعله الرجل كان شاكرا؟ قال : نعم ، قلت : وما هو؟ قال : الحمد لله على كلّ نعمة أنعمها عليّ ، وإن كان لكم فيما أنعم عليه حقّ أدّاه. قال : ومنه قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا)(٢) حتّى عدّ آيات» (٣).

[٢ / ٣٧٧٤] وروى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الطاعم الشاكر ، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب. والمعافي الشاكر ، له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ، والمعطى الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع» (٤).

[٢ / ٣٧٧٥] وعن يعقوب بن سالم عن رجل عن أبي جعفر أو أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المعافي الشاكر ، له من الأجر ما للمبتلى الصابر ، والمعطى الشاكر له من الأجر كالمحروم القانع» (٥).

* * *

[٢ / ٣٧٧٦] أخرج الترمذي وحسّنه وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر» (٦).

[٢ / ٣٧٧٧] وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلّا في مطعمه ومشربه ، فقد قلّ عمله وحضر عذابه (٧).

[٢ / ٣٧٧٨] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إذا وصلت إليكم أطراف النعم ، فلا تنفّروا أقصاها بقلّة الشكر» (٨).

__________________

(١) المصدر : ٩٦ ـ ٩٧ / ١٦.

(٢) الزخرف ٤٣ : ١٣.

(٣) البرهان ١ : ٣٥٨ / ٣ ؛ العيّاشيّ ١ : ٨٦ / ١٢١ ؛ الصافي ١ : ٣٠٥ ؛ البحار ٩٠ : ٢١٢ / ١٤ ، باب ٧.

(٤) الكافي ٢ : ٩٤ / ١.

(٥) المصدر / ٤.

(٦) الدرّ ١ : ٣٧١ ؛ الترمذي ٤ : ٦٥ / ٢٦٠٥ ، باب ١٥ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٦١ / ١٧٦٤ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١١١ / ٤٤٦١ ؛ البخاري ٦ : ٢١٤ ؛ الحاكم ١ : ٤٢٢ ، كتاب الصوم.

(٧) الدرّ ١ : ٣٧١ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١١٣ / ٤٤٦٧ ، وفيه : قلّ علمه.

(٨) البحار ٦٨ : ٥٣ / ٨٥ ؛ نهج البلاغة ٤ : ٥ ، الحكمة ١٣.

١٨٧

[٢ / ٣٧٧٩] وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من نظر في الدين إلى من فوقه وفي الدنيا إلى من تحته كتبه الله صابرا شاكرا ، ومن نظر في الدين إلى من تحته ونظر في الدنيا إلى من فوقه ، لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا» (١).

[٢ / ٣٧٨٠] وأخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عجبا لأمر المؤمن ، إنّ أمر المؤمن كلّه خير ، إن أصابته سرّاء فشكر كان خيرا ، وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرا» (٢).

[٢ / ٣٧٨١] وأخرج النسائي والبيهقي عن سعد بن أبي وقّاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عجبت للمؤمن إن أعطي قال : الحمد لله فشكر ، وإن ابتلي قال : الحمد لله فصبر ، فالمؤمن يؤجر على كلّ حال ، حتّى اللقمة يرفعها إلى فيه» (٣).

[٢ / ٣٧٨٢] وروى الصدوق عن أبي حمزة الثّمالي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «بلاء وقضاء ونعمة ، فعليه في البلاء من الله الصبر فريضة ، وعليه في القضاء من الله التسليم فريضة ، وعليه في النعمة من الله الشكر فريضة» (٤).

[٢ / ٣٧٨٣] وأخرج أبو داوود والترمذي وحسّنه وابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصحّحه عن أبي بكرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جاءه أمر يسرّه خرّ ساجدا لله ـ عزوجل ـ شكرا لله (٥).

[٢ / ٣٧٨٤] وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمان بن عوف «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : إنّي لقيت جبريل عليه‌السلام فبشّرني ، وقال : إنّ الله يقول لك : من صلّى عليك صلّيت عليه ، ومن سلّم عليك سلّمت

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٧٢ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١٣٧ / ٤٥٧٥ ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٢٩ / ٦٢٨٤.

(٢) الدرّ ١ : ٣٧٢ ؛ مسلم ٨ : ٢٢٧ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١١٦ / ٤٤٨٧ ؛ كنز العمّال ١ : ١٤٥ / ٧١٠.

(٣) الدرّ ١ : ٣٧٢ ؛ شعب الإيمان ٤ : ١١٦ / ٤٤٨٥ ـ ٤٤٨٦ ؛ النسائي ٥ : ٣٨٣ / ٩٢٠٦ ، كتاب عشرة النساء ، باب : ثواب اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك! بلفظ : ... عن عامر بن سعد عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا سعد إنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت عليها حتّى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك».

(٤) نور الثقلين ١ : ١٤١ / ٤٣٦ ؛ الخصال : ٨٦ / ١٧ ، وفيه : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : العبد بين ثلاثة : بلاء وقضاء ونعمة ...» ؛ الصافي ١ : ٣٠٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٩٥ ؛ البحار ٦٨ : ٤٣ / ٤١ ، باب ٦١ ، و ٧٩ : ١٢٩ / ٧ ، باب ١٨ ؛ المحاسن ١ : ٦ ـ ٧ / ١٧.

(٥) الدرّ ١ : ٣٧٣ ؛ أبو داوود ١ : ٦٣٢ / ٢٧٧٤ ؛ الترمذي ٣ : ٦٩ / ١٦٢٦ ؛ ابن ماجة ١ : ٤٤٦ / ١٣٩٤ ؛ الشكر لله ، لابن أبي الدنيا : ١٣٢ / ١٣٢ ؛ الحاكم ١ : ٢٧٦ ؛ كنز العمّال ٧ : ١٣٩ / ١٨٣٩٣.

١٨٨

عليه ، فسجدت لله شكرا» (١).

[٢ / ٣٧٨٥] وروى عبد الرحمان بن عوف قال : سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأطال السجود فقلنا له : سجدت فأطلت السجود ، فقال : «نعم أتاني جبرئيل فقال : من صلّى عليك مرّة صلّى الله بها عليه عشرا فسجدت لله شكرا» (٢).

[٢ / ٣٧٨٦] وروى الكليني عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في سفر يسير على ناقة له ، إذ نزل فسجد خمس سجدات ، فلمّا أن ركب قالوا : يا رسول الله إنّا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه! فقال : نعم استقبلني جبرئيل عليه‌السلام فبشّرني ببشارات من الله عزوجل فسجدت لله شكرا لكلّ بشرى سجدة» (٣).

[٢ / ٣٧٨٧] وعن يونس بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا ذكر أحدكم نعمة الله ـ عزوجل ـ فليضع خدّه على التراب شكرا لله ، فإن كان راكبا فلينزل فليضع خدّه على التراب ، وإن لم يكن يقدر على النزول ... فليضع خدّه على قربوسه ، وإن لم يقدر فليضع خدّه على كفه ، ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه (٤)».

[٢ / ٣٧٨٨] وعن هشام بن أحمر قال : كنت أسير مع أبي الحسن عليه‌السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنّى رجله عن دابّته فخرّ ساجدا فأطال وأطال ، ثمّ رفع رأسه وركب دابّته ، فقلت : جعلت فداك قد أطلت السجود؟ فقال : «إنّني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ فأحببت أن أشكر ربّي!» (٥)

[٢ / ٣٧٨٩] وعن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عائشة ليلتها فقالت : يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا؟ قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه وتعالى : (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)(٦)» (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٧٣ ؛ الشكر لله : ١٣٤ / ١٣٥ ؛ مسند أحمد ١ : ١٩١ ؛ الحاكم ١ : ٥٥٠ كتاب الدعاء ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ؛ مجمع الزوائد ٢ : ٢٨٧ ، باب سجود الشكر ، ثمّ قال : رجاله ثقات ؛ كنز العمّال ١ : ٥٠٢ / ٢٢٢٠.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ / ١٠. (٣) الكافي ٢ : ٩٨ / ٢٤.

(٤) المصدر / ٢٥. (٥) المصدر / ٢٦.

(٦) طه ٢٠ : ١ ـ ٢. (٧) الكافي ٢ : ٩٥ / ٦.

١٨٩

[٢ / ٣٧٩٠] وروى الصدوق عن حفص بن البختري أنّه قال : كان نوح عليه‌السلام يقول : إذا أصبح وأمسى : اللهمّ إنّي أشهدك أنّه ما أصبح وأمسى بي من نعمة وعافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ، ولك الشكر بها عليّ حتّى ترضى وبعد الرضا ، يقولها إذا أصبح عشرا وإذا أمسى عشرا ، فسمّي بذلك عبدا شكورا (١).

[٢ / ٣٧٩١] وروى الكليني عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان نوح عليه‌السلام يقول ذلك إذا أصبح فسمّي بذلك عبدا شكورا وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صدّق الله نجا» (٢).

[٢ / ٣٧٩٢] وأخرج الخرائطي عن جابر بن عبد الله «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أفضل الذكر لا إله إلّا الله ، وأفضل الشكر الحمد لله» (٣).

[٢ / ٣٧٩٣] وأخرج الخرائطي والبيهقي في الدعوات عن منصور بن صفية قال : مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل وهو يقول : الحمد لله الّذي هداني للإسلام وجعلني من أمّة محمّد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لقد شكرت عظيما» (٤).

[٢ / ٣٧٩٤] وروى الكليني عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن حسن بن جهم عن أبي اليقظان عن عبيد الله بن الوليد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ثلاث لا يضرّ معهنّ شيء ؛ الدعاء عند الكرب والاستغفار عند الذنب والشكر عند النعمة» (٥).

[٢ / ٣٧٩٥] وأخرج أحمد عن عمران بن حصين قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أنعم الله عليه نعمة فإنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على خلقه» (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٣٥ / ٩٨١.

(٢) الكافي ٢ : ٩٩ / ٢٩.

(٣) الدرّ ١ : ٣٧٤ ؛ فضيلة الشكر لله (محمّد بن جعفر السامري م ٣٢٧) : ٣٥.

(٤) الدرّ ١ : ٣٧٤ ؛ فضيلة الشكر لله (محمّد بن جعفر السامري م ٣٢٧) : ٣٨.

(٥) الكافي ٢ : ٩٥ / ٧.

(٦) ابن كثير ١ : ٢٠٢ ؛ مسند أحمد ٤ : ٤٣٨ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ١٣٢ ، كتاب اللباس ، باب إظهار النعم ، قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات.

١٩٠

[٢ / ٣٧٩٦] وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يحبّ إذا أنعم على عبده أن يرى أثر نعمته عليه ويبغض البؤس والتبؤّس» (١).

[٢ / ٣٧٩٧] وأخرج الخرائطي عن جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : «اشكر المنعم عليك ، فإنّه لا نفاد للنعم إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت ، والشكر زيادة في النعم ، وأمان من الغير» (٢).

[٢ / ٣٧٩٨] وروى الكليني بالإسناد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة» (٣).

[٢ / ٣٧٩٩] وعن عبد الله بن إسحاق الجعفري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مكتوب في التوراة : «اشكر من أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت. الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير» (٤).

[٢ / ٣٨٠٠] وروى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى المفضّل بن محمّد ، عن مالك بن أعين الجهني ، قال أوصى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام بعض ولده فقال : «يا بنيّ اشكر الله فيما أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنعمة إذا شكرت عليها ، ولا بقاء لها إذا كفرتها ، والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة الّتي وجب عليه الشكر بها» وتلا ـ يعني عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ـ قول الله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(٥) إلى آخر الآية (٦).

[٢ / ٣٨٠١] وروى الكليني عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من أعطي الشكر أعطي الزيادة ، يقول الله ـ عزوجل ـ (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(٧)» (٨).

__________________

(١) البحار ٧٤ : ١٦١ / ١٥٨ ؛ تحف العقول : ٥٦.

(٢) الدرّ ١ : ٣٧٤ ؛ فضيلة الشكر لله (محمّد بن جعفر السامري م ٣٢٧) : ٦٦ ؛ الكافي ٢ : ٩٤ / ٣ ، باب الشكر ، كتاب الإيمان والكفر ، باختلاف يسير.

(٣) الكافي ٢ : ٩٤ / ٢.

(٤) المصدر / ٣.

(٥) إبراهيم ١٤ : ٧.

(٦) الأمالي للطوسي : ٥٠١ المجلس ١٨.

(٧) إبراهيم ١٤ : ٧.

(٨) الكافي ٢ : ٩٥ / ٨.

١٩١

[٢ / ٣٨٠٢] وعن صفوان عن إسحاق بن عمّار عن رجلين من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتمّ كلامه حتّى يؤمر له بالمزيد». (١)

[٢ / ٣٨٠٣] وروى محمّد بن إبراهيم النعماني في تفسيره بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في خبر طويل ـ قال : «... وأمّا الوجه الخامس من الكفر فهو كفر النعم ، قال الله تعالى حكاية عن سليمان : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)(٢) وقوله عزوجل (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)(٣) وقال أيضا : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)» (٤).

[٢ / ٣٨٠٤] وروى الكليني بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث طويل : «الوجه الثالث من الكفر كفر النعم ، قال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ»)(٥).

[٢ / ٣٨٠٥] وبإسناده عن سليمان بن عمرو عن أبي المغراء الخصاف ، رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من ذكر الله ـ عزوجل ـ في السرّ فقد ذكر الله كثيرا ، إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السرّ فقال الله ـ عزوجل ـ : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً)(٦)» (٧).

__________________

(١) المصدر / ٩.

(٢) النمل ٢٧ : ٤٠.

(٣) إبراهيم ١٤ : ٧.

(٤) مستدرك الوسائل ١١ : ٣٥١ ؛ الكافي ٢ : ٣٩٠ / ١ (بسند آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام) ، كتاب الإيمان والكفر ، باب وجوه الكفر ؛ البحار ٦٨ : ٥٢ / ٧٨ ، باب ٦١.

(٥) نور الثقلين ١ : ١٤٠ / ٤٣٠ ؛ الكافي ٢ : ٣٩٠ / ١ ، رواه باختصار وتقطيع ، كتاب الإيمان والكفر ، باب وجوه الكفر ؛ البرهان ١ : ٣٥٨ / ٤ ، بلفظ : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه ، فمنها كفر النعم ، وذلك قول الله يحكي قول سليمان : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) الآية ، وقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ؛) العيّاشيّ ١ : ٨٦ / ١٢٢ ، بنحو ما ذكرناه عن البرهان ؛ الصافي ١ : ٣٠٤ ، بلفظ : «أراد بالكفر ، كفر النعم كذا في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه‌السلام» ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٩٤.

(٦) النساء ٤ : ١٤٢.

(٧) الكافي ٢ : ٥٠١ / ٢.

١٩٢

[٢ / ٣٨٠٦] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) قال : ليس من عبد يذكر الله إلّا ذكره الله ، لا يذكره مؤمن إلّا ذكره برحمة ، ولا يذكره كافر إلّا ذكره بعذاب (١).

قلت : هذا محمول على صورة المراءاة لا إرادة الجدّ في الدعاء.

[٢ / ٣٨٠٧] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنّه قيل له : أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله وقد قال الله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ؟) قال : إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته حتّى يسكت (٢).

وهذا أيضا كسابقه محمول على صورة المراءاة. وهكذا الخبر التالي :

[٢ / ٣٨٠٨] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وأحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس قال : أوحى الله إلى داوود : «قل للظلمة لا يذكروني فإنّ حقّا عليّ أن أذكر من ذكرني ، وإنّ ذكري إيّاهم أن ألعنهم» (٣).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٦١ ؛ الطبري ٢ : ٥١ / ١٩١٩ ؛ القرطبي ٢ : ١٧١ ؛ الثعلبي ٢ : ٢١.

(٢) الدرّ ١ : ٣٦٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٠ / ١٣٩٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٢.

(٣) الدرّ ١ : ٣٦٢ ؛ المصنّف ٧ : ٤٦٦ / ٩ باب ٩ ؛ كنز العمّال ٣ : ٥٠٢ / ٧٦١٥ ، وفيه : «فإنّي أذكر من يذكرني» بدل قوله : «فإنّ حقّا عليّ أن أذكر من ذكرني» ؛ كتاب الزهد ، لأحمد : ١٣١ / ٣٧٩ ؛ الشعب ٦ : ٥٥ / ٧٤٨٣.

١٩٣

قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣))

في هذه الآية الكريمة إلماعة إلى أكبر دعاته لبناية الإسلام الشامخة ، والّتي تستهدف الاستحكام من أسسه القويمة ، الآخذة في حركتها الحثيثة البنّاءة.

إنّ الصبر والتثبّت والأناة تجاه مشاكل الحياة ، لمن أكبر عوامل التغلّب على عويصات الأمور.

ومن ثمّ كانت الاستقامة على الطريقة والمقاومة تجاه العويصات هي الّتي تضمن النجاح في مزاولة الحياة الّتي هي التناحر في البقاء. ويكون الغالب هو الأصلب الأشدّ الأقوم. أمّا الضعيف الهزيل فنصيبه البؤس والهزيمة الفاضحة.

وقد تكرّر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ؛ ذلك أنّ الله يعلم ضخامة الجهد الّذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتّى النوازع والدوافع ؛ والّذي يستدعيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتّى الصراعات ومتنوّع العقبات ؛ والّذي يتطلّب أن تبقى النفوس مشدودة الأعصاب ، مجنّدة القوى ، واعية تعرف المداخل والمخارج وفي حنكة وحكمة ، في ظلّ التثبّت والأناة ، وبرفقة التوكّل على القادر المتعالي ، الّذي بيده أزمّة ، وبمشيئته تتواءم الأمور.

ومن ثمّ أردفت الصلاة دعما لركيزة الأناة. إذ لا حول ولا قوّة إلّا بالله العظيم.

نعم حينما يطول الأمد ، ويشقّ الجهد ، ربما يضعف العزم على الصبر أو يأخذ في النفاد ، إذا لم يكن هناك زاد ومدد. فالصلاة ـ وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربّه ـ خير معين لا ينضب وأفخم زاد لا ينفد. إنّ الدعاء والضراعة إلى الله ، يجدّد الطاقة ويزوّد القلب ، فيمتدّ حبل الصبر ولا ينفلت. ثمّ يضيف إلى الصبر ، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين. وبذلك تهوّن عليه المصائب والآلام.

[٢ / ٣٨٠٩] كان الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه‌السلام يوم عاشوراء كلّما اشتدّ عليه الأمر وضاقت به العرصة ، أشرق وجهه مبتهجا بعناية الله عليه ، مترنّما قولته الكريمة : «هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين

١٩٤

الله» (١). ومن ثمّ فإنّه الّذي ربح المعركة لا يزيد الخاسر. وقد قدّمنا الكلام في ذلك (٢).

نعم ، الاتّكال على الله يجعل من الإنسان قويّا شهما مقداما في الأمور ، غير متراجع ولا متكاسل. ومن ثمّ فإنّ جند الله هم الغالبون.

نعم ، هنا تبدو قيمة الصلاة ، إنّها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوّة الباقية ، إنّها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الّذي لا يفيض ، إنّها مفتاح الكنز الّذي يغني ويقني ويفيض ، إنّها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير ، إنّها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنّها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود. ومن هنا ؛

[٢ / ٣٨١٠] كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عرضت له شدّة قال : «أرحنا بها يا بلال» (٣). ويكثر من الصلاة إذا حزّبه أمر ليكثر من اللقاء بالله (٤).

ومن ثمّ كانت الصلاة ـ وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربّه ـ تجعل من ضعف الإنسان قوّة ومن تكاسله عزما ونشاطا ، ويذهب باليأس والقنوط ليخلفهما الرجاء والابتهاج.

والصبر والصلاة دعامتان قويمتان لبناء الإسلام وتثبيت الإيمان في القلوب وإيجاد الثقة بالله تعالى ثمّ الثقة بالنفس المعتمدة على ركن وثيق.

ومن ثمّ ذلك التأكيد البليغ على كلّ من الصبر والصلاة في مواضع عديدة من القرآن ، إذ كان الصبر دعامة لبناء مجتمع رصين ، ابتداء من بناء شخصيّة الفرد المقام المعتمد على النفس القويّة. وكانت الصلاة تستوثق عرى الاتّصال بين العبد وتلك القدرة المهيمنة على كافّة الوجود.

وإذا كان الفضاء الّذي يعيش في ظلّه أولئك المؤمنون حقّا المستوثقون من عرى أنفسهم برابط السماء. فهكذا مجتمع يعيش في ظلّ طمأنينة وقوّة وشوكة. ولا يمكن إيجاد مثل هذا الفضاء إلّا

__________________

(١) البحار ٤٥ : ٤٦.

(٢) وذكرنا كلام سيّد قطب الفخيم في المقام. في ظلال القرآن ٢٤ : ٧٧ ـ ٧٨ ، المجلّد ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ذيل الآية ٥١ من سورة غافر.

(٣) البحار ٨٠ : ١٦ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٤٥ ؛ الكبير ٦ : ٢٧٧.

(٤) جاء في حديث حذيفة بن اليمان : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حزّبه أمر فزع إلى الصلاة». الطبري ١ : ٣٧١ ذيل الآية ٤٥ من سورة البقرة. وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ إذا هاله أمر فزع إلى الصلاة ، كما في الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ثمّ تلا : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) الكافي ٣ : ٤٨٠ / ١.

١٩٥

بفضل التوافق الجماعي على ذلك ، ومن ثمّ قال تعالى : (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).

نعم إذا لم يعمل الإنسان في ترقية نفسه ، فإنّه بما يقضي من عمره باطلا وينفد من رأس ماله هدرا ، إنّه خاسر. إلّا من جدّ في عمل صالح. ولكن في جوّ من التواصي الجماعي بالحقّ. والتواصي الجماعي بالصبر.

أي بحيث كان القضاء يقضي بأن لا ينطق أحد إلّا بحقّ ، ولا يعمل إلّا عن صدق وإخلاص. مضافا إلى التواصي بالتصبّر تجاه مشاكل الحياة ، تصبّرا تعارفه الجوّ والبيئة والمحيط.

ومن ثمّ كان الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد.

[٢ / ٣٨١١] كما قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان» (١).

ذلك لأنّ لازم الإيمان الصادق ، الصبر والمقاومة تجاه مكاره ربما ترفضها النفس ، وتغلب هواها على نور العقل الرشيد. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ...)(٢) نعم كانت الاستقامة على الإيمان والثبات على العقيدة ، هي الّتي تجعل من واقع الإنسان مهبطا لنزول بركات السماء ومنهلا عذبا للاستذواق من روح الله الفائحة بالطيب والريحان. ومن ثمّ تأتيه البشارة بالاطمئنان في الحياة والفوز بالرضوان. (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٣).

الأمر الّذي جاءت البشارة به في ذيل الآية الأولى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ...). فالله نعم المولى لهم ، الكافل لسعادتهم في هذه الحياة وفي الآخرة جميعا. وهذا هو الفوز العظيم.

* * *

وإليك من أحاديث جليلة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام (٤) جاءت بشأن فضيلة الصبر ودوره البنّاء

__________________

(١) الكافي ٢ : ٨٧ / ٢ ، باب الصبر.

(٢) فصّلت ٤١ : ٣٠.

(٣) الرعد ١٣ : ٢٨.

(٤) عقد لها أبو جعفر الكليني بابا في أصول الكافي ٢ : ٨٧ ـ ٩٣.

١٩٦

في الحياة أبديّا.

[٢ / ٣٨١٢] روى أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصبر رأس الإيمان».

[٢ / ٣٨١٣] وعن أبي عليّ الأشعري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن فضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان».

[٢ / ٣٨١٤] وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني ، جميعا ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داوود المنقري ، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا حفص إنّ من صبر صبر قليلا ، وإنّ من جزع جزع قليلا.

ثمّ قال : عليك بالصبر في جميع أمورك ، فإنّ الله ـ عزوجل ـ بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمره بالصبر والرّفق ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)(١) وقال تبارك وتعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٢).

فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(٣) ثمّ كذّبوه ورموه ، فحزن لذلك ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا)(٤) فألزم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الصبر ، فتعدّوا فذكروا الله تبارك وتعالى وكذّبوه ، فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهى ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ. فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)(٥) فصبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أحواله.

__________________

(١) المزمّل ٧٣ : ١٠. والهجر الجميل هو أن يجانبهم ويداريهم ولا يكافيهم ويكل أمرهم إلى الله تعالى.

(٢) فصّلت ٤١ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) الحجر ١٥ : ٩٧ و ٩٨.

(٤) الأنعام ٦ : ٣٣ و ٣٤.

(٥) سورة ق ٥٠ : ٣٨. واللغوب : التعب والإعياء.

١٩٧

ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة ووصفوا بالصبر ، فقال جلّ ثناؤه : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)(١) فعند ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فشكر الله ـ عزوجل ـ ذلك له : فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٢) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه بشرى وانتقام ، فأباح الله ـ عزوجل ـ له قتال المشركين فأنزل [الله] : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)(٣)(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(٤) فقتلهم الله على يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحبّائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخره له في الآخرة.

فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتّى يقرّ [الله] له عينه في أعدائه ، مع ما يدّخر له في الآخرة».

[٢ / ٣٨١٥] وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي محمّد عبد الله السرّاج ، رفعه إلى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ؛ ولا إيمان لمن لا صبر له».

[٢ / ٣٨١٦] وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان».

[٢ / ٣٨١٧] وعن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عليّ بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الحرّ حرّ على جميع أحواله ، إن نابته نائبة (٥)

__________________

(١) السجدة ٣٢ : ٢٤. هذا من تأويل الآية والأ بباطنها ، حيث كانت الرئاسة العامّة ـ سواء أكان في نبيّ أم في إمام معصوم ـ إنّما تستدعي الصبر والمقاومة تجاه دسائس المناوئين.

(٢) الأعراف ٧ : ١٣٦ ودَمَّرْنا الدمار : الهلاك. (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) أي من الأشجار والأعناب والثمار أو ما كانوا يرفعونه من البنيان.

(٣) التوبة ٩ : ٥.

(٤) البقرة ٢ : ١٩١. ثقفه : صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه.

(٥) النوب : نزول الأمر كالنوبة أي أصابته مصيبة.

١٩٨

صبر لها وإن تداكّت عليه المصائب (١) لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا (٢) كما كان يوسف الصدّيق الأمين ـ صلوات الله عليه ـ لم يضرر حرّيّته أن استعبد وقهر وأسر ولم تضرره ظلمة الجبّ ووحشته (٣) وما ناله أن منّ الله عليه فجعل الجبّار العاتي له عبدا بعد إذ كان [له] مالكا ، فأرسله ورحم به أمّة وكذلك الصبر يعقّب خيرا ، فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر توجروا».

[٢ / ٣٨١٨] وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الجنّة محفوفة (٤) بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة. وجهنّم محفوفة باللّذات والشّهوات فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النار».

[٢ / ٣٨١٩] وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن مرحوم ، عن أبي سيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل المؤمن في قبره ، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبرّ مطلّ عليه ويتنحّى الصبر ناحية ، فإذا دخل عليه الملكان اللّذان يليان مساءلته قال الصّبر للصلاة والزّكاة والبرّ : دونكم صاحبكم ، فإن عجزتم عنه فأنا دونه».

[٢ / ٣٨٢٠] وعن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : دخل أمير المؤمنين صلوات الله عليه المسجد ، فإذا هو برجل على باب المسجد ، كئيب حزين ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : مالك؟ قال : يا أمير المؤمنين أصبت بأبي [وأمّي] وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت (٥) ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غدا ؛ والصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور».

[٢ / ٣٨٢١] وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن سماعة

__________________

(١) تداكّت : تداقّت عليه مرّة بعد أخرى. والتداكك : الازدحام. وأصل الدكّ : الكسر.

(٢) في بعض النسخ «بالعسر يسرا».

(٣) الجبّ : البئر.

(٤) حفّه بالشيء كمدّه : أحاط به.

(٥) لعلّ المراد بخشية الوجل خوفه أن يكون قد انشقّ مرارته من شدّة ما أصابه من الألم. أو المعنى : أخشى أن يكون حزني بلغ حدّا مذموما شرعا ، فعبّر عنه بالوجل.

١٩٩

بن مهران ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قال لي : ما حبسك عن الحجّ؟ قال : قلت : جعلت فداك وقع عليّ دين كثير وذهب مالي ، وديني الّذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي ، فلو لا أنّ رجلا من أصحابنا أخرجني ما قدرت أن أخرج ، فقال لي : «إن تصبر تغتبط (١) وإلّا تصبر ينفذ الله مقاديره ، راضيا كنت أم كارها».

[٢ / ٣٨٢٢] وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «الصبر صبران : صبر عند المصيبة ، حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم الله ـ عزوجل ـ عليك. والذّكر ذكران : ذكر الله ـ عزوجل ـ عند المصيبة ، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرّم عليك ، فيكون حاجزا».

[٢ / ٣٨٢٣] وعن أبي عليّ الأشعري ، عن الحسن بن عليّ الكوفي عن العبّاس بن عامر ، عن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبّر ، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل ، ولا المحبّة إلّا باستخراج الدّين (٢) واتّباع الهوى ؛ فمن أدرك ذلك الزّمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضة (٣) وهو يقدر على المحبّة ، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ ، آتاه الله ثواب خمسين صدّيقا ممّن صدّق بي».

[٢ / ٣٨٢٤] وعن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : لمّا حضرت أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام الوفاة ضمّني إلى صدره وقال : «يا بنيّ أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به ؛ يا بنيّ اصبر على الحقّ وإن كان مرّا!»

[٢ / ٣٨٢٥] وعن يونس بن عبد الرحمان رفعه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصبر صبران : صبر على البلاء ، حسن جميل ، وأفضل الصبرين الورع عن المحارم».

[٢ / ٣٨٢٦] وعن أحمد بن محمّد بن عيسى قال : أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال : أخبرني عمرو بن شمر اليماني ، يرفع الحديث إلى عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصبر ثلاثة : صبر عند

__________________

(١) أي يعلو شأنك ويحسن حالك فتحسد ، يقال : غبطه أي عظم في عينه وتمنّى مثل حاله. ولكن من دون أن يريد زوالها عنه.

(٢) أي المحاولة لإبعاد الدين عن الحياة!

(٣) أي بغضة الناس له لعدم اتّباعه أهواءهم.

٢٠٠