إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

يا ليتنا. والكلمة تدعو بها العرب عند الهلاك والنداء يقع هنا على المبالغة وكلمة «ويل» في الأصل مصدر لا فعل له معناه تحسر وهلك وهي هنا منصوبة على المفعولية المطلقة لأنها مضافة على تقدير : ألزمنا أو أهلكنا الهلاك.

(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢)

(عَسى رَبُّنا) : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر وهو فعل جامد معناه التوقير والرجاء. رب : اسم «عسى» مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ في محل جر مضاف إليه.

(أَنْ يُبْدِلَنا) : حرف مصدري ناصب. يبدل : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «يبدلنا ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب خبر «عسى» وهناك تقديرات لخبر «عسى» شرحت بأوجهها في الآية الثانية بعد المائة من سورة «التوبة».

(خَيْراً مِنْها) : مفعول به ثان منصوب بيبدل وعلامة نصبه الفتحة المنونة. منها : جار ومجرور متعلق بكلمة «خيرا».

(إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» وقد أدغم بنون «إن». إلى رب : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «راغبون» و «نا» أعرب. راغبون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : طالبون منه الخير راجون عفوه.

(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣٣)

(كَذلِكَ الْعَذابُ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام

٢٦١

للبعد والكاف حرف خطاب. والإشارة إلى عذاب أهل مكة بمعنى : مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة. العذاب : خبر «كذلك» مرفوع بالضمة بمعنى : عذاب الدنيا.

(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) : الواو عاطفة. اللام لام الابتداء للتوكيد. عذاب : مبتدأ مرفوع بالضمة. الآخرة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. أكبر : خبر «عذاب الآخرة» مرفوع بالضمة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف لأنه على وزن ـ أفعل ـ ومن وزن الفعل بمعنى : أشد وأعظم من العذاب الأول أي عذاب الدنيا.

(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) : حرف شرط غير جازم وحذف جوابه لتقدم معناه. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يعلمون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف مفعول «يعلمون» اختصارا بمعنى : لو كانوا يعلمون ذلك أي يعلمون عذاب الآخرة.

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٣٤)

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. للمتقين : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المقدم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالمتقين وهو مضاف أي في الآخرة أو يكون في محل نصب حالا مقدمة من «جنات». رب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه ثان.

(جَنَّاتِ النَّعِيمِ) : اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم وهو مضاف. النعيم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

٢٦٢

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥)

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ) : الهمزة همزة إنكار بلفظ استفهام. الفاء زائدة ـ تزيينية ـ أو عاطفة على فعل محذوف مقدر. نجعل : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن. المسلمين : مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(كَالْمُجْرِمِينَ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان. المجرمين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٦)

(ما لَكُمْ) : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لكم : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ المحذوف والميم علامة جمع الذكور بمعنى : أي شيء أو غرض لكم؟ وفي الاستفهام معنى التعجب أي : أي جنون أصابكم؟

(كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب مفعول به بتحكمون. أو يكون «كيف» في محل نصب حالا من ضمير المخاطبين ويكون مفعول «تحكمون» محذوفا اختصارا لأنه معلوم. التقدير : تحكمون هذا الحكم الجائر أو الأعوج كأن الأمر مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم والعامل في الحال هو «تحكمون» و «تحكمون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.

(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (٣٧)

(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) : حرف عطف. لكم : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف والميم علامة جمع الذكور. كتاب : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : أبل لكم كتاب من السماء. وفي القول الكريم تهكم بهم وسخرية منهم.

٢٦٣

(فِيهِ تَدْرُسُونَ) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لكتاب. فيه : جار ومجرور متعلق بتدرسون. تدرسون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : تقرءون فيه مثل هذا الكلام الذي تحكمون به أو تدرسون في ذلك الكتاب أن ما تختارونه وتشتهونه لكم. وحذف مفعول «تدرسون» اختصارا وبمعنى : يستمدون من ذلك الكتاب مثل ذلك الحكم الذي لا يقبله عقل ويقره عدل وهو الذي يقول لهم إن المسلمين كالمجرمين إنه كتاب مضحك لأن المسلمين لا يكونون كالمجرمين لأنهم مذعنون مستسلمون لربهم.

** (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والثلاثين .. أي أنهم يستمدون من ذلك الكتاب الذي أنزل عليهم قوله تعالى : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) من السماء وفيه تهكم بهم وسخرية منهم .. يستمدون منه مثل ذلك الحكم الجائر المعوج الذي لا يقبله عقل ويقره عدل وهو الذي يقول لهم : إن المسلمين كالمجرمين إنه كتاب مضحك لأن المسلمين لا يكونون كالمجرمين لأنهم مذعنون مستسلمون لربهم عزوجل.

** سبب نزول الآية : كان الكفرة يقولون : إن صح أننا نبعث كما يقول محمد فنحن سنكون أحسن حالا من المؤمنين كما نحن عليه الآن في الدنيا فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة وفيها إنكار لقولهم هذا الذي يفصح أو ينم عن غرور عظيم فرد سبحانه عليهم أن الله تعالى لا يسوي ـ يساوي ـ بين المسلمين والمجرمين.

** (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين .. أي أي خبل أو جنون أو غرض لكم كيف تحكمون هذا الحكم الجائر أو الأعوج كأن الأمر مفوض إليكم حتى تحكموا بما شئتم. وجاء القول الكريم على طريقة الالتفات لأنه أبلغ في الإنكار والتوبيخ.

** (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والأربعين .. والكشف عن الساق : كناية عن اشتداد الأمر والحال وتفاقمه في ذلك اليوم وهو يوم القيامة .. يوم الفزع الأكبر .. وجاءت الكلمة «يوم» منكرة ـ أي نكرة ـ للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة خارج عن المألوف كأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل .. وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) ليس المراد به هنا : دعوتهم إلى السجود تعبدا وإنما توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا وهم سالمون وأصلابهم قوية واليوم أصلابهم جافة وغير قادرة أي وهم غير قادرين أيضا عليه إضافة إلى أن وقته قد فات .. بمعنى : فهم لا يملكونه وقد كانوا في دنياهم يأبون ويستكبرون والآية الكريمة التالية تدعم هذا التفسير في قوله عزّ من قائل : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) والكشف عن الساق ـ وهو كناية عن شدة الأمر وصعوبة الخطب وأصله في الروع والهزيمة أي يشتد الأمر ويتفاقم إذ لا كشف ولا ساق ـ مثل القول : فلان يده مغلولة .. وهو كناية عن البخل فليس ثمة ـ

٢٦٤

هناك ـ يد ولا غل ـ وكما يقال للأقطع ـ أي المقطوع اليد ـ الشحيح : يده مغلولة أيضا .. وهو مثل في البخل .. والفعل للساعة أو للحال : أي يوم تشتد الحال أو الساعة كما تقول : كشفت الحرب عن ساقها .. على المجاز. وقيل : الكشف عن الساق هو كناية عن الشدة والكرب فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ويشتد الكرب والضيق .. فيدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود إما لأن وقته قد فات وإما لأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم فزالت قدرتهم عليه.

** (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والأربعين .. يقول الله تعالى لرسوله الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : كله إلي فإني يا محمد أكفيكه كأنه يقول : حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه أي فدعه لي وسوف أتولى أمره .. وفي القول الكريم تهديد للمكذبين بالقرآن سنستدرجهم من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج لهم بالعذاب .. أي سنرزقهم النعمة والصحة فيجعلون رزقنا ذريعة إلى ازدياد الكفر والمعاصي .. وفي القول الكريم جاء الضمير في «نستدرجهم» بصيغة الجمع وهو عائد على من يكذب بالقرآن وذلك على معنى «من» وكذلك الضمير في «يعلمون» في حين جاء الفعل «يكذب» بصيغة المفرد ـ الإفراد ـ وهو عائد على «من» أيضا وذلك على لفظ «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموعة معنى. وفي القول الكريم تسلية وتسرية لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وتهديد للمكذبين. والمراد : حسبي .. مجازيا لمن يكذب بالقرآن فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل علي في الانتقام منه. وعن الكذب والكذابين قيل الكثير من أشعار الشعراء وأمثال العرب .. وكان المدعو «مسيلمة» مشتهرا بالكذب حتى قيل في أمثال العرب : أكذب من مسيلمة .. وهناك عادة ذميمة قبيحة أخرى هي خلف الوعد. فقد قيل : خلف الوعد خلق الوغد. ولله در من قال فيمن وعد ولم ينجز ما وعد :

ووعدتني وعدا حسبتك صادقا

فغدوت من طمعي أجيء وأذهب

وإذا جلست أنا وأنت بمجلس

قالوا مسيلمة وهذا أشعب

ومسيلمة الكذاب : هو رئيس بني حنيفة من أهل الردة تنبأ وكتب إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ؛ أما بعد : فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك. فأجابه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ؛ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. فحاربه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بجنوده المسلمين وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة وكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام .. أراد في جاهليتي وإسلامي. وكانت «سجاح» بنت المنذر امرأة مسيلمة الكذاب .. وكانت متنبئة قبل أن يتزوجها وكانت شريفة ؛ فلما تزوجها أسلمت له فأتبعه قومها وهم بنو حنيفة .. ثم لما قتل مسيلمة تابت سجاح وحسن إسلامها وقول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة هو من باب تعنتهم في كفرهم .. لأن لفظة «الرحمن» لا تستعمل في غير اسم الله تعالى.

** (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والخمسين أي من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك. وقيل : نظر إلي هذا الرجل نظرا يكاد يصرعني ويأكلني.

٢٦٥

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) (٣٨)

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والأصل : «أن» بفتح الهمزة وكسرت لمجىء اللام في اسمها ويجوز أن تكون حكاية للمدرس. وقيل : كسرت لأن الدرس كان قولا. لكم : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المقدم المحذوف والميم علامة جمع الذكور. فيه : جار ومجرور متعلق بتخيرون والهاء يعود على الكتاب.

(لَما تَخَيَّرُونَ) : اللام لام الابتداء ـ المزحلقة ـ للتوكيد. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» المؤخر. تخيرون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : تخيرونه .. أي تختارونه من الأباطيل التي توافق هواكم وأصله : تتخيرون .. حذفت إحدى التاءين تخفيفا.

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) (٣٩)

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) : حرف عطف. لكم : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف والميم علامة جمع الذكور. أيمان : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة.

(عَلَيْنا بالِغَةٌ) : حرف جر و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «أيمان» بمعنى : أيمان ثابتة لكم علينا. بالغة : صفة ـ نعت ـ لأيمان مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى متناهية في التوكيد أي مغلظة.

(إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : جار ومجرور متعلق بالمقدر على الظرف ـ شبه الجملة .. علينا ـ أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها إلا في ذلك اليوم إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون ويجوز أن يتعلق ببالغة على أنها تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم وهو مضاف. القيامة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

٢٦٦

(إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) : يعرب إعراب «إن لكم لما تخيرون» والقول الكريم جواب القسم لا محل لها بمعنى ألكم علينا أيمان بالغة بأن لكم لما تحكمون به لأنفسكم؟

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠)

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ) : فعل أمر مبني على السكون وماضيه : سال ومضارعه : يسال ـ بتخفيف الهمزة ـ والأصل : سأل ـ يسأل ـ اسأل. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. أي : مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(بِذلِكَ زَعِيمٌ) : الباء حرف جر. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بزعيم. اللام للبعد والكاف حرف خطاب والإشارة إلى الحكم أي أيهم بذلك الحكم زعيم. زعيم : خبر «أي» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : قائم بالحكم أي متكفل ومطالب به أو متعهد بهذا الميثاق على الله بأن لهم ما يحكمون وفي القول الكريم تهكم ساخر بهم.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٤١)

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) : حرف عطف. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. شركاء : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «فعلاء» أي أم لهم ناس يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم عليه؟ أو بمعنى : بل ألهم شركاء لله قادرون على مساواتهم بالمسلمين.

(فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) : الفاء واقعة في جواب شرط مقدم. اللام لام الأمر. يأتوا : فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بشركاء : جار ومجرور متعلق بيأتوا و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

٢٦٧

(إِنْ كانُوا صادِقِينَ) : حرف شرط جازم. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة فعل الشرط في محل جزم بإن. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. صادقين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وحذف جواب الشرط لتقدم معناه. أي إن كانوا صادقين في دعواهم فليأتوا بهم.

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٤٢)

(يَوْمَ يُكْشَفُ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيأتوا أو يكون اسما منصوبا على المفعولية بفعل محذوف تقديره : اذكر يوم. يكشف : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة.

(عَنْ ساقٍ) : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل والجملة الفعلية «يكشف عن ساق» في محل جر بالإضافة.

(وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) : الواو عاطفة. يدعون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. إلى السجود : جار ومجرور متعلق بيدعون. ودعوتهم إلى السجود ليست تعبدا هنا بل هي توبيخ لهم.

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ) : الفاء استئنافية. لا : نافية لا عمل لها. يستطيعون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى فلا يستطيعون السجود أي فلا يملكونه لعجزهم وعدم قدرتهم الآن.

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (٤٣)

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) : حال من ضمير الغائبين في «يستطيعون» منصوب بالفتحة المنونة. أبصار : فاعل لاسم الفاعل «خاشعة» مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال ثانية وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب

٢٦٨

مفعول به مقدم. ذلة : فاعل مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : تغشاهم مذلة أي تلحقهم.

(وَقَدْ كانُوا) : الواو حالية والجملة الفعلية في محل نصب حال أخرى. قد : حرف تحقيق. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة.

(يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» والجملة أعربت في الآية الكريمة السابقة.

(وَهُمْ سالِمُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ و «سالمون» خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى وهم قادرون على السجود في دنياهم إلا أنهم كانوا يأبون ويستكبرون ويستهزءون.

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤)

(فَذَرْنِي وَمَنْ) : الفاء استئنافية. ذرني : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. النون نون الوقاية لا محل لها. والياء ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل نصب مفعول به. الواو عاطفة. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب لأنه معطوف على الضمير الياء في «ذرني».

(يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الباء حرف جر. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيكذب ـ الحديث : صفة ـ نعت ـ أو بدل لاسم الإشارة مجرور وعلامة جره الكسرة أي القرآن.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) : السين حرف تسويف ـ استقبال ـ للقريب. نستدرج : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به.

٢٦٩

(مِنْ حَيْثُ) : حرف جر. حيث : اسم مبني على الضم في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بنستدرج أي سنقربهم من العذاب قليلا قليلا.

(لا يَعْلَمُونَ) : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة. لا : نافية لا عمل لها. يعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج لهم بالعذاب.

(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥)

(وَأُمْلِي لَهُمْ) : الواو عاطفة. أملي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأملي بمعنى وأمهلهم.

(إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. كيدي : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها حركة تناسب ـ تجانس ـ الياء. والياء ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر مضاف إليه. متين : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى أن تدبيري وعذابي شديد لا يدفع.

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) (٤٦)

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) : حرف عطف للإضراب بمعنى : بل أتسألهم. تسأل : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به أول. أجرا : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : بل أتسألهم يا محمد أجرة على تبليغ الرسالة ..

(فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) : الفاء حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. من مغرم : جار ومجرور متعلق بالخبر «مثقلون» بمعنى : بل أتسألهم مالا على نصحك لهم

٢٧٠

فهم من غرامة مبهظون أي يثقل عليهم ويسبب لهم مشقة. مثقلون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤٧)

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) : حرف عطف للإضراب بمعنى «بل» عند : ظرف مكان ـ مفعول فيه ـ منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخبر مقدم محذوف وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. الغيب : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أي بل أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه علم الغيب.

(فَهُمْ يَكْتُبُونَ) : أعرب في الآية السابقة. يكتبون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف المفعول به بمعنى يكتبون ما فيه حتى يقولوا وإن بعثنا لا نعذب .. أي فهم يحكمون منه أو به. أي يكتبون ما يقولون ويحكمون به بما يشاءون.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨)

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ) : الفاء استئنافية. اصبر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لحكم : جار ومجرور متعلق باصبر.

(رَبِّكَ وَلا تَكُنْ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان. الواو عاطفة. لا : ناهية جازمة. تكن : فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وحذفت الواو ـ أصله تكون ـ لالتقاء الساكنين.

(كَصاحِبِ الْحُوتِ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» للتشبيه مبني على الفتح في محل نصب خبر «تكن». صاحب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الحوت : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة يعني النبي «يونس» عليه‌السلام في عجلته وضجره أي سأمه وملله.

٢٧١

(إِذْ نادى) : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمعنى «حين» نادى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المقصورة للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «نادى» في محل جر بالإضافة بمعنى حين نادى ربه وهو في بطن الحوت.

(وَهُوَ مَكْظُومٌ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مكظوم : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى وهو مملوء غيظا وغما.

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٤٩)

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ) : حرف شرط غير جازم ـ حرف امتناع لوجود ـ أي امتناع الشيء لوجود غيره. أن : حرف مصدري. تداركه : فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. وذكر الفعل «تدارك» لأن فاعله «نعمة» مؤنث غير حقيقي وحسن التذكير لفصله عن فاعله بالضمير.

(نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : فاعل مرفوع بالضمة المنونة وجملة «تداركه نعمة ..» صلة حرف مصدري لا محل لها .. و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ وخبره محذوف وجوبا والجملة الاسمية من المبتدأ ـ المصدر المؤول ـ وخبره المحذوفة ابتدائية لا محل لها. من ربه : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «نعمة» والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة أي إنعامه عليه بالتوفيق.

(لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. اللام واقعة في جواب الشرط «لو لا». نبذ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالعراء : جار ومجرور متعلق بنبذ.

(وَهُوَ مَذْمُومٌ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مذموم : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : لو لا إنعام ربه عليه للتوبة

٢٧٢

لطرح أو لرمي بأرض عارية من النبات وغيره. وقيل : اعتمد في جواب «لو لا» على قوله «وهو مذموم» يعني أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذ بالعراء ولو لا توبته لكانت حاله على الذم.

(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠)

(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) : الفاء استئنافية. اجتباه : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. ربه : فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه بمعنى فاختاره أي فجمعه إليه وقربه بالتوبة عليه.

(فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالفاء على «اجتباه ربه» وتعرب إعرابها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وعلامة بناء الفعل «جعل» الفتحة الظاهرة. من الصالحين : جار ومجرور متعلق بمفعول «جعل» الثاني أي صالحا من الصالحين بمعنى : من الأنبياء وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وقيل : المعنى : فوصفه من الصالحين أي المستأهلين لحمل أعباء النبوة.

(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١)

(وَإِنْ يَكادُ) : الواو استئنافية. إن : مخففة من «إن» الثقيلة مهملة لا عمل لها واللام لزمت خبرها وهي مهملة هنا وجوبا لدخولها على جملة فعلية وهي عند الكوفيين بمعنى «ما» النافية واللام بمعنى إلا. يكاد : فعل مضارع «من أخوات كان» فعل ناقص مرفوع بالضمة وهو من أفعال المقاربة.

(الَّذِينَ كَفَرُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع اسم «يكاد». كفروا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ وهي اللام الفارقة بين «إن» المخففة من «إن» النافية. يزلقون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.

٢٧٣

الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية «يزلقونك بأبصارهم» في محل نصب خبر «يكاد». بأبصار : جار ومجرور متعلق بيزلقون و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : إنهم من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك.

(لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) : ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. سمعوا : تعرب إعراب «كفروا». الذكر : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة «سمعوا الذكر» في محل جر بالإضافة. أو تكون «لما» اسم شرط غير جازم وجوابها محذوفا بتقدير : لما سمعوا الذكر أي القرآن لم يملكوا أنفسهم حسدا على ما أوتيت من النبوة وإنزال القرآن.

(وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) : الواو عاطفة. يقولون : تعرب إعراب «يزلقون». إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة مجنون : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة والجملة المؤولة من «إن» مع اسمها وخبرها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ قالوا ذلك حيرة في أمرهم وتنفيرا عنه وهم يعلمون أنه أعقلهم أي جننوه لأجل القرآن.

(وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢)

(وَما هُوَ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ يعود على «الذكر» الوارد في الآية الكريمة السابقة.

(إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) : أداة حصر لا عمل لها. ذكر : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : إلا تذكرة وموعظة للعالمين فكيف يجنن من جاء بمثله. للعالمين : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ذكر» وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

٢٧٤

سورة الحاقة

معنى السورة : الحاقة : مؤنث «الحاق» اسم فاعل للفعل «حق ـ يحق ـ حقا .. من باب «رد» بمعنى : وجب فهو حاق : أي واجب وهي حاقة : أي واجبة وثابتة وقيل فعلها : حق ـ يحق ـ بكسر حاء المضارع وضمه لأنه من بابي «ضرب» و «رد» بمعنى : وجب وثبت .. والحاقة أي القيامة من حقت القيامة ـ تحق ـ حقا من باب «رد» أو قتل بمعنى : أحاطت بالخلائق فهي حاقة ـ اسم فاعلة ـ ومن هنا قيل : حقت الحاجة إذا نزلت واشتدت فهي حاقة أيضا .. ويقال : حققت الأمر ـ أحقه ـ حقا : إذا تيقنته أو جعلته ثابتا لازما وفي لغة بني تميم : أحققته وحققته «مبالغة».

تسمية السورة : سمى سبحانه وتعالى إحدى سور القرآن الكريم بهذه اللفظة وهي بمعنى القيامة تذكرة للعباد لتفخيم شأن ذلك اليوم وتعظيمه ـ وسميت «القيامة» بالحاقة لأن ما فيها حواق الأمور أي لأنها تحق كل مجادل ومخاصم في دين الله بالباطل فتحقه أي تغلبه .. كما سميت «القارعة» لأنها تقرع قلوب الناس وأسماعهم بالهول والفزع عند قيامها .. ومن أسماء يوم القيامة إضافة إلى «الحاقة» الغاشية .. القارعة .. الواقعة .. الطامة .. الصاخة .. وفعلها : حق الشيء ـ يحق ـ حقا .. وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قيل : حقه. وسميت «الحاقة» أيضا لأنها ثابتة الحصول وواجبة الحدوث والوقوع .. وهي الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها وهي القيامة أي التي تحق فيها الأمور : أي تعرف على الحقيقة من قولهم : لا نحق هذا : بمعنى : لا نعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها ولفظة «الحاقة» ذكرت ثلاث مرات فقط في القرآن الكريم تضمنتها ثلاث آيات من السورة الكريمة. وهي قوله تعالى : («الْحَاقَّةُ) (١) (مَا الْحَاقَّةُ) (٢) (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ») صدق الله العظيم.

فضل قراءة السورة : قال الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الحاقة» حاسبه الله حسابا يسيرا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

٢٧٥

إعراب آياتها

(الْحَاقَّةُ) (١)

(الْحَاقَّةُ) : مبتدأ مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية «ما الحاقة» الآية الكريمة الثانية في محل رفع خبر «الحاقة» والجملة الاسمية «الحاقة ما الحاقة» ابتدائية لا محل لها والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه.

(مَا الْحَاقَّةُ) (٢)

(مَا الْحَاقَّةُ) : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. الحاقة : خبر «ما» مرفوع بالضمة.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣)

(وَما أَدْراكَ) : الواو عاطفة. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أدرى : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ما» وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(مَا الْحَاقَّةُ) : أعرب في الآية الكريمة الثانية والجملة الاسمية «ما الحاقة» سدت مسد مفعولي «أدرى» الثاني والثالث ومفعول «أدرى» المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل هو ضمير المخاطب ـ الكاف ـ في «أدراك» بمعنى : وأي شيء أعلمك ما الحاقة يعني أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) (٤)

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. ثمود : فاعل مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للتأنيث والتعريف بتأويل القبيلة ونونت كلمة «عاد» لأنها ثلاثي أوسطه ساكن ..

(وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) : معطوف بالواو على «ثمود» مرفوع مثله بالضمة المنونة. بالقارعة : جار ومجرور متعلق بكذبت و «القارعة» وضعت موضع ضمير «الحاقة» لتدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها.

٢٧٦

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٥)

(فَأَمَّا ثَمُودُ) : الفاء استئنافية. أما : حرف شرط وتفصيل لا عمل له. ثمود : مبتدأ مرفوع بالضمة بمعنى : بنو ثمود.

(فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) : الفاء واقعة في جواب «أما». أهلكوا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. بالطاغية : جار ومجرور متعلق بأهلكوا والجملة الفعلية «أهلكوا بالطاغية» في محل رفع خبر المبتدأ «ثمود».

** (الْحَاقَّةُ) (١) (مَا الْحَاقَّةُ) (٢) (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) : القول الكريم نصوص الآيات الكريمات الثلاث .. الحاقة : هي الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها أو هي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب أو هي التي تحق فيها الأمور : أي تعرف على الحقيقة من قولك : لا أحق هذا : أي لا أعرف حقيقته ـ جعل الفعل لها وهو لأهلها. والأصل الحاقة ما هي؟ أي أي شيء هي؟ تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها فوضع الظاهر «الحاقة» موضع المضمر وهو «ما هي» لأنه أهول لها. وقوله «ما أدراك» معناه : وأي شيء أعلمك ما الحاقة؟ أي إنك لا علم لك بكنهها ـ أي بسرها ـ ومدى عظمها أي تهويل الشيء المتحدث عنه.

** (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. أي كذب بنو ثمود وبنو عاد بالقيامة .. والأصل في «بالقارعة» هو بالحاقة أو كذبوا بها فوضعت «القارعة» موضع الضمير لتدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها .. وأنث الفعل «كذبت» مراعاة للفظ «ثمود» و «عاد» على معنى : قبيلة ثمود ـ وهي قوم صالح ـ وقبيلة عاد ـ وهي قبيلة أو قوم هود ـ والأصل : كذب بنو ثمود وبنو عاد بدليل قوله تعالى في الآية الكريمة التالية (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) ولم يقل : فأهلكت وبعد حذف الفاعل المضاف «بنو» أو قبيلة أقيم المضاف إليه «ثمود» مقامه وارتفع ارتفاعه فاعلا للفعل «كذبت» ومثله في «عاد» المعنى : وكذبوا بالقيامة أو بالحالة التي تقرع الناس بالذعر وتقرع الأجرام السماوية بالانفطار أي التشقق والانتشار والمراد بها : يوم القيامة.

** (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى من تفخيم أمر عمل القارعة في قرع السماء والأجرام بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار أتبع سبحانه ذكر ذلك كله ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم. والطاغية بمعنى : الواقعة المجاوزة للحد في الشدة .. واختلف فيها .. فقيل : هي الرجفة. وعن قتادة : بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم وقيل : الطاغية : مصدر كالعافية .. أي بطغيانهم .. ولكن هذا التفسير لا يطابق ما جاء في الآية الكريمة التي تلتها «بريح صرصر» وعن ابن عباس : هي الصاعقة وهي النازلة نفسها وعلى ذكر «الصاعقة» يروى أن ملكا قال لوزيره : ما خير ما يرزق الله عبده؟ قال : عقل يعيش به. قال : فإن عدمه؟ قال : صديق يستشيره في مهماته. قال : فإن عدمه؟ قال : حظ يسعده ويستر عليه. قال فإن عدمه؟ قال : صاعقة تحرقه وتريح منه البلاد والعباد.

٢٧٧

** (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة .. وفيه شبه سبحانه القوم الصرعى بأصول نخل نخرة ساقطة .. وقيل : هذا التشبيه هو من التشبيه المطلق .. وهو أن يشبه شيء بشيء أو تكون على معنى : تنزع الناس فتتركهم كأعجاز نخل نخرة ساقطة متآكلة الأجواف .. وسخرها بمعنى : سلطها عليهم كما شاء أي سلط على عاد ريحا شديدة الصوت والتدمير والعصف .. و «حسوما» بمعنى : متتابعة جمع «حاسم» أو بمعنى : نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة.

** (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة المعنى : وجاء طاغية مصر فرعون ومن تقدمه أي والأقوام الذين قبله لأن «من» مفردة اللفظ مجموعة المعنى. والمؤتفكات : هي قرى قوم لوط ـ عليه‌السلام ـ سميت بذلك لأن الله تعالى قلبها على أهلها أي قلب عاليها سافلها لأنهم جاءوا بالخطإ أو بالفعلة الخاطئة وهي الشرك والفاحشة والأفعال المنكرة.

** (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة .. الصور : هو البوق .. قيل إن إسرافيل ينفخ في بوق يوم القيامة النفخة الأولى لإحياء الموتى إيذانا ببدء يوم القيامة. ويقال : إن إسرافيل من الملائكة المقربين هو أول من سجد لآدم .. أوكله الله تعالى النفخ في الصور يوم القيامة لحشر الناس ساعة الحساب. و «نفخة» هنا هي مصدر الفعل «نفخ» وهو منصوب إلا أنه رفع في الآية الكريمة لأنه نعت ـ وصف ـ فلهذا حسن رفعه. وقيل هو توكيد بالنعت وهو وسيلة من وسائل التوكيد إذا كان مفعولا مطلقا ـ مصدرا ـ لتوكيد الفعل وقيل : هو نعت يفيد التوكيد والمقصود بذلك هو «واحدة»

** (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة عشرة المعنى : ورفعت جملة الأرضين ـ جمع أرض ـ وجملة الجبال من جهاتها بريح فضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منثورا. والدك : أبلغ من الدق. وقيل : فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ـ أي مكانا مرتفعا ـ من قولك : اندك السنام : إذا انفرش .. وهذه ناقة دكاء .. ومنه «الدكان» و «الدكة» هي المكان المرتفع يجلس عليه وهو «المسطبة» معرب و «الدكان» وقيل : هو معرب ويطلق على الحانوت وعلى الدكة التي يقعد عليها. فإن جعل «الدكان» بمعنى «الحانوت» جاز فيه التذكير والتأنيث فالحانوت هي الدكان. والدكان يطلق على الحانوت وعلى الدكة .. والفعلان «دق» و «دك» من باب «رد» أي بضم الحرف الثاني من مضارعه. نحو : دك الحائط ـ يدكه ـ دكا .. بمعنى سواه بالأرض.

** (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة. المعنى : تنشق السماء وهو مسكن الملائكة و «ها» في أرجائها يعود على «السماء» : أي والملائكة على جوانبها وأطرافها بعد أن تشققت وتفرقت أجزاؤها ويحمل عرش ربك فوق رءوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك ـ جمع ملك ـ ولهذا نون آخر المضاف «ثمانية» بعد حذف المضاف إليه «أملاك» أي بعد انقطاعه عن الإضافة. وقيل : المعنى المراد : والخلق الذي يقال له الملك ورد إليه الضمير مجموعا في قوله «فوقهم» على المعنى. وقيل : المراد بالملك : جنس الملك أي الملائكة. والفرق بين قوله «والملك» وبين أن يقال والملائكة هو أن «الملك» أعم من «الملائكة» بدليل القول : ما من ملك إلا

٢٧٨

وهو شاهد أعم من القول : ما من ملائكة وقوله تعالى «ثمانية» معناه : ثمانية منهم. وروي : ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رءوسهم وهم مطرقون مسبحون. وقيل : بعضهم على صورة إنسان وبعضهم على صورة النسر وبعضهم على صورة الأسد وبعضهم على صورة الثور وعن شهر بن حوشب : أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك .. وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. وعن الحسن : الله أعلم كم هم ثمانية أم ثمانية آلاف .. وعن الضحاك : ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله.

** (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. و «هاؤم» أصله : هاكم .. أبدل من الكاف. وقيل : ها : صوت يصوت به فيفهم عنه معنى «خذ» كأف للتضجر وما أشبه ذلك .. واللفظتان «هات» و «هاك» متناقضتان في المعنى فالأولى معناها : أعط والثانية تعني : خذ ومختلفتان في الاستعمال أيضا فالأولى : اسم فعل أمر بمعنى : أعطني .. نحو : هات يا رجل وتكون مبنية على الكسر وهي تقال هكذا للمفرد المذكر ويلفظها بعضهم كما يكتبها «هات» وهو يخاطب الأنثى ظانا أن اللفظة مجزومة بحذف الياء والصحيح أن تخاطب الأنثى بلفظة «هاتي» كما نقول للمرأة : اذهبي. أما «هاك» فأصله : ها. وهو اسم فعل أمر مبني على السكون بمعنى : خذ. نحوها النقود : أي خذ النقود. وهاك .. ألحق باسم الفعل كاف الخطاب ويجوز مد ألفه فيقال : هاء للمفرد المذكر وهاء للمفرد المؤنث وهاؤما للمثنى المذكر والمؤنث وللجمع المؤنث : هاؤن وللجمع المذكر هاؤم وفي هذه الألفاظ استغني عن الكاف بتصريف الهمزة بعد مد ألف «ها» تصاريف الكاف ولهذا كان الأصل في «هاؤم» هاكم ثم أبدل من الكاف .. و «ها» في «كتابيه .. حسابيه .. ماليه .. سلطانيه .. هي هاء السكت لا محل لها. وحق هذه الهاءات أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل. وقد استحب إيثار الوقف وتثبيتها إيثارا لثباتها في المصحف الكريم .. ودخلت هاء السكت لتتبين بها حركة ما قبلها.

(وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) (٦)

هذه الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. صرصر عاتية : صفتان ـ نعتان ـ لريح مجرورتان مثلها وعلامة جرهما الكسرة المنونة أي بريح شديدة لها صوت فيه صرصرة أي أهلكوا بريح شديدة الصوت لها صرصرة .. وقيل : بريح بارد وعاتية : بمعنى شديدة العصف والعتو متجاوزة الحد لأن «صرصر» يمكن أن تكون مشتقة من الصرير وهو الصوت أو من الصر وهو البرد.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧)

٢٧٩

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) : الجملة الفعلية في محل جر صفة أخرى لريح وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بسخر بمعنى : سلطها الله تعالى عليهم كما شاء.

(سَبْعَ لَيالٍ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بسخر وهو مضاف وهو في الحقيقة عدد مميز بظرف الزمان فناب عنه. ليال : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء قبل حذفها ـ أصله : ليالي ـ حذفت ياؤه لأنه اسم نكرة منقوص وتخلصا من التقاء الساكنين.

(وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) : معطوفة بالواو على «سبع ليال» وتعرب إعرابها وعلامة جر «أيام» الكسرة الظاهرة على آخرها. حسوما : صفة ـ نعت ـ لثمانية منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المنونة بمعنى متتابعة أو بمعنى : نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة على أنها جمع «حاسم» كشهود وقعود أو تكون مصدرا ـ مفعولا مطلقا ـ منصوبا بفعل مضمر تقديره : تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا .. أو تكون مفعولا لأجله بمعنى : سخرها للاستئصال.

(فَتَرَى الْقَوْمَ) : الفاء استئنافية. ترى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. القوم : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(فِيها صَرْعى) : جار ومجرور متعلق بترى بمعنى في مهابها أو في الليالي والأيام. صرعى : حال من «القوم» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وهي جمع «صريع» من صيغ المبالغة ـ فعيل بمعنى مفعول.

(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) : شبه الجملة في محل نصب حال ثانية بمعنى تنزع الناس أمثال نخل. الكاف حرف تشبيه زيدت على «أن» وإعرابها : كأن : حرف

٢٨٠