نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تقييد إطلاق أمره بأمر الأهم فيه خلاف ذكر المحقق العراقى في النهاية ج ١ ص ٣٦٥ فاعلم أن الضدين إما أن يكونا متساويين بحسب الملاك والمصلحة ، وأما لا بل يكون لاحدهما مزية على الآخر بحسب الملاك وعلى التقديرين لا يخلو ان من كونهما مضيقين أو موسعين أو مختلفين فهذه صور عديدة وينبغي التعرض لكل واحدة من الصور بما يخصها من الحكم فنقول إما إذا كانا متساويين في الملاك والمصلحة وكانا أيضا مضيقين فإن لم يكن لهما ثالث كما في الحركة والسكون والنوم واليقظة فلا إشكال في أن الحكم فيهما هو التخيير عملا بمعنى اللاحرجية نظير التخيير بين الفعل والترك في النقيضين لا التخيير الشرعي بمعنى الالزام بأحد الفعلين فإنه بعد عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما ولا من تركهما معا فقهرا في مثله بعد تساوي الملاكين يحكم العقل فيهما بالتخيير وعدم الحرج في الفعل والترك ومعه لا يكاد مجال لالزام شرعي في البين ولو تخييري بوجه أصلا لانه في ظرف ترك أحد الضدين يكون الضد الآخر قهري الحصول ومعه لا يبقى مجال أعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا أي التخيير بينهما في مقام العمل ثابتا بالطبع فيلغوا جعله بالتشريع إلى أن قال وأما إذا كان الضدان مما لهما ثالث بحيث يتمكن المكلف من ترك كلا الأمرين معا كما في الأمر بانقاذ الغريقين وكما في مثل الصلاة والازالة ففى مثله لا إشكال في أنه ليس له ترك كلا الأمرين معا وإنه يجب عليه الاتيان بأحد الأمرين مخيرا بينهما لا مجرد التخيير بينهما عملا كما في الصورة الأولى بلا إلزام شرعي أو عقلى في البين وذلك من جهة أن الممنوع ح إنما هو وجوب كل واحد منهما عليه بإلزام تعيينى على الاطلاق بنحو يقتضى المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك في حال وجود الآخر أي يمكن جعل التخيير بينهما شرعا وعقلا إذ بعد ما كان المكلف يمكنه تركهما معا كان الالزام

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

بهما على نحو التخيير شرعا وعقلا بلا مانع منه ولا محذور فيه وبما أن ملاكي الحكمين متساويان ولا مانع من جعل الحكم التخييري على واجدي الملاكين المزبورين لزم في الحكمة جعل التكليف التخييري في هذه الصورة هذا في الجملة لا ريب فيه إنما الكلام في تشخيص حقيقة هذا التخيير فهل هو تخيير شرعي أو تخيير عقلى واختار المحقق الماتن التخيير الشرعي وأما وجوب كل واحد منهما عليه تخييرا فلا مانع يمنع عنه بعد فرض تمكن المكلف من إتيان أحد الأمرين وتمكنه أيضا من ترك الجميع فإنه ح يكون كمال المجال لاعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا وهذا بخلافه في الصورة الأولى فإنه فيها من جهة عدم تمكن المكلف من ترك كلا الأمرين وقهرية حصول أحد الأمرين عند ترك الآخر لا جرم لا يبقى في مثله مجال الأمر المولى بأحد الأمرين ولو بنحو التخيير بوجه أصلا فهذا مما لا إشكال فيه ولا كلام وإنما الكلام فيما ينتهى إليه مرجع هذا التخيير وإنه هل هو راجع إلى تقييد الطلب في كل من الأمرين بعدم الآخر وعصيانه أو راجع إلى غير ذلك بل مثل هذا الكلام لا يختص بالمقام فيجري في كلية التخييرات الشرعية فنقول إن المتصور في ذلك هو أمور : أحدها : رجوعه إلى تقييد الطلب في كل من الواجبين بعدم الآخر أما بعدمه المحفوظ قبل الأمر وأما بعدمه المتأخر عن الأمر المنتزع عنه عنوان العصيان الذي هو نقيض الاطاعة. وثانيها : رجوعه إلى تقييد الواجب في كل منهما بعدم الآخر مع إطلاق الطلب فيهما وذلك أيضا أما بأخذ القيد في كل منهما مطلق عدم الآخر بنحو يقتضى وجوب تحصيله ، وأما بأخذه عبارة عن العدم الناشئ من قبل سائر الدواعى غير دعوة الأمر والطلب بحيث لا يقتضى الطلب وجوب تحصيله أي كالواجب المعلق بالنسبة إلى الشرط المعلق عليه. وثالثها : رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين ولكنه لا بإيجاب تام بنحو يقتضى

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجود ضده بل بإيجاب ناقص مقتضاه عدم المنع إلا عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الآخر الراجع إلى إيجاب حفظ الوجود في كل منهما من قبل سائر الجهات في ظرف انحفاظ وجوده من قبل بديله وعدم ضده من باب الاتفاق أي يكون متعلق كل من الخطابين حصة من الضدين وهي الحصة المقارنة لعدم الضد الآخر إلى أن قال هذا كله بحسب مقام التصور وأما بحسب مقام التصديق فلا ينبغى الاشكال في أن المتعين منها هو الوجه الاخير وذلك لما في غيره من عدم خلوه عن المحذور وذلك ، أما الوجه الاول من فرض تقييد الطلب في كل منهما بعصيان الآخر أو بعدمه من باب الاتفاق المحفوظ قبل الأمر فواضح أن الشق الثانى منه أي العدم قبل الأمر غير دافع لمحذور المطاردة بين الأمرين من جهة بقاء المطاردة بينهما على حاله بملاحظة تحقق ما هو شرطا فيهما قبل الاتيان بواحد منهما أي أنه كان عدمه المطلق شرطا لوجوب ضده فيلزم حصول شرط كل من الوجوبين المتعلقين بالضدين عند عدمهما معا وذلك يستلزم فعلية التكليف بالضدين معا في وقت واحد ، وأما الشق الاول أي العدم بعدم الأمر فهو وإن اندفع به محذور المطاردة نظرا إلى وقوع تأثير كل منهما في رتبة سقوط الآخر إلا أنه يتوجه عليه ح محذور طولية الأمرين وتأخر كل منهما عن الآخر برتبتين حسب إناطة كل منهما بعصيان الآخر أي يلزم من ذلك عدم التكليف بكل منهما للدور إذ الأمر بكل منهما مشروط بعدم الآخر بعدم تعلق الأمر به والعدم المزبور يتوقف على الأمر بالضد توقف المشروط على شرطه وقد فرضنا أن الأمر به متوقف على عدم ضده بعد تعلق الأمر به وذلك يؤدي إلى توقف الشيء على نفسه وأما الوجه الثانى من فرض تقييد الواجب في كل منهما بعدم الآخر فهو أيضا بشقيه كذلك لان مقتضى الاناطة ح هو تأخر كل من

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجبين رتبة عن عدم الآخر ولازمه بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين هو تأخر كل من الوجودين عن الآخر وهو ملازم لكون كل منهما في رتبتين وهو كما ترى من المستحيل خصوصا مع ما يرد على الشق الاول منه من لزوم وقوع المطاردة بين الأمرين بلحاظ اقتضاء إطلاق الأمر في كل منهما لزوم ترك الضد الآخر من باب المقدمة واقتضاء الأمر به عدم تركه ولزوم إيجاده إذ ح يصير كل واحد منهما وجودا وعدما موردا للتكليف الالزامى وهو محال أي مقتضى الاشتراط هو تأخر المشروط عن شرطه فإذا فرض أن وجود أحد الضدين مشروط بعدم ضده لزم أن يكون وجود كل منهما متأخرا عن عدم الآخر وعدم كل منهما متقدم على وجود الآخر وبما أن نقيض كل ماهية في رتبة واحدة يلزم أن يكون وجود كل من الضدين متقدما على الآخر ومتأخرا عنه وهذا خلف وعليه فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين الوجه الاخير الذي عرفت رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين لكنه لا بإيجاب تام كى يقتضى النهى عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجود الآخر بل بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضى إلا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال الترك الراجع في الحقيقة إلى إيجاب متمم الوجود لا إيجاب الوجود على الاطلاق وفي مثله يرتفع المطاردة بين الأمرين حيث لا تنافي بين هذين الأمرين بالضدين بعد كونهما من قبيل متمم الوجود وعدم اقتضائهما لوجوب حفظ على الاطلاق كما في الأمرين التامين كما هو واضح وعليه أيضا لا داعى إلى رفع اليد عن الأمرين على الاطلاق والمصير إلى الزام عقلى تخييري فيهما بل يؤخذ ح بوجوب كل منهما على التعيين غايته أنه من جهة محذور المطاردة والوقوع في ما لا يطاق يرفع اليد عن إطلاق الأمرين واقتضائهما للحفظ على الاطلاق ويصار إلى وجوب كل منهما بإيجاب ناقص راجع إلى إيجاب حفظ

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المرام من سائر الجهات في ظرف انخفاظه من قبل ضده من باب الاتفاق من دون أن يكون ذلك من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بوجه أصلا كما لا يخفى ، وأوضحه استادنا الآملي في المنتهى ص / ٤٥ إذا عرفت ذلك يتضح لك أن التخيير في المقام شرعي لا عقلى لان الفارق بينهما هو كون طرفي التخيير في الشرعي أمرين متباينين قد تعلق الوجوب التخييري بهما بما هما متباينان ، وأما التخيير العقلى فلا يكون إلا بين أمور تندرج تحت جامع يكون هو متعلق التكليف وبما أن العقل لا يرى فرقا بينهما من حيث اشتمالها على الجامع المأمور به يخير المكلف بينها في مقام امتثال التكليف المتعلق بالجامع ولا ريب في أن متعلق التكليف في المقام هي الامور المتباينة بما هي متباينة لفرض أن التكليف متعلق بالضدين بما هما ضدان والتكليف وإن تعلق ابتداء بكل منهما مستقلا ولكن الجمع بين التكليفين في مقام التزاحم دل على أن التكليف المتعلق بهما في المقام المزبور تكليف تخييري ولا فرق في التكليف التخييري بين أن ينشأ بخطاب واحد كالتكليف التخييرى المعروف في الفن وبين أن ينشأ بخطابين كان هو مقتضى الجمع بينهما كما في المقام. نقل المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٩ ، وقال فذهب جماعة منهم المحقق صاحب الحاشية والمحقق الرشتي (قدس‌سرهما) إلى أن التخيير بينهما شرعي نظرا إلى استحالة اجتماع الخطابين التعيينيين حال المزاحمة وإن ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح فلا محالة يسقطان معا وبما أن الملاك في كل من الفعلين تام فعلى يستكشف العقل خطابا شرعيا متعلقا بهما لاجل استلزام عدمه تفويت الملاك الملزم وهو قبيح على الحكيم. وأورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٥ وقال : فهو غير سديدي لانه لا موجب لسقوط كلا التكليفين المتعلقين بالضدين في مقام التزاحم ليكشف ذلك مع باقى المقدمات المزبورة عن إرادة

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تشريعية تخييرية متعلقة بالضدين بل قد عرفت أن تزاحم التكلفين المطلقين المتعلقين بالضدين يكشف عن أن الشارع قد أنشأهما من أول الأمر وفي بدء التشريع بنحو لا يقع بينهما تزاحم حيث يتفق ذلك كما أشرنا إلى وجهه في الوجه الثالث من الوجوه المتصورة في كيفية التكليف التخييري. وذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٩ في وجه كون التخيير عقليا ، قال : إن المستحيل إنما هو إطلاق الخطابين حال المزاحمة لا أصل وجودهما فسقوطهما بالمزاحمة غير معقول وإنما الساقط هو إطلاق كل منهما بحكم العقل وبعد سقوط الاطلاقين تكون النتيجة اشتراط كل من الخطابين التعيينيين بعدم الاتيان بمتعلق الآخر فاشتغال المكلف بامتثال كل منهما يجعل الطرف الآخر غير مقدور عليه فيسقط طلبه بانتفاء شرطه فلا محالة يكون التخيير بينهما عقليا. وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٦. بقوله وفيه ما عرفت أيضا من أن أطراف متعلق الخطاب إن كانت أمورا متباينة لا تندرج تحت جامع تعلق به الخطاب فالتخيير بينها شرعي لان العقل لا يستقل بالتخيير بينها بل الشارع هو الحاكم بالتخيير بينها وإن لم يكن كذلك فيكون التخيير عقليا بمعنى أن الخطاب متعلق بأمر ينطبق على وجودات متعددة لا يرى العقل فرقا بينها من حيث صدق ذلك الأمر عليها فيخير المكلف بينها في مقام امتثال الخطاب المتعلق بالامر الجامع بينها ولا ريب في أن متعلق كل من الخطابين وإن قيد إطلاق كل منهما بالآخر مباين لمتعلق الآخر لفرض التضاد وبعد استكشاف العقل التقييد المزبور يستفاد ان الشارع قد خاطب المكلف بكل من هذين الضدين بهذا النحو من الخطاب ولو بإنشاءين ولا نعنى بالتخيير الشرعي إلا الخطاب بأمرين متباينين بما هما متباينان على سبيل التخيير بينهما ولو بدليلين كما هو الفرض في المقام ولا فرق أيضا في كون التخيير

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شرعيا بين أن تكون أطراف التخيير متحدة الملاك وأن تكون متعددة الملاك كما هو الشأن في المقام مضافا إلى ما عرفت من أن تقييد كل من الخطابين بعدم الاتيان بمتعلق الآخر غير صحيح لانه إن كان المراد بالعدم عدمه قبل الخطاب به لزم فعلية الخطابين حين التزاحم وعدم الاتيان بشيء منهما لحصول شرط كل منهما وإن كان المراد بالعدم عدمه بعد تعلق الخطاب به لزم الخلف. كما تقدم.

وقال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص : ٢٧٩ والثمرة بين المذهبين أي في كون التخيير شرعيا أو عقليا تظهر في موارد منها أنه على القول بالتخيير الشرعي لا يستحق تاركهما إلا عقابا واحد ، وأما على ما اخترناه من سقوط الاطلاقين فهو يستحق عقابين كما في ترك الضدين على الترتب ودعوى أن الجمع بينهما محال فكيف يعقل العقاب على ترك كل منهما مدفوعة بأن العقاب ليس على ترك الجمع بل هو على الجمع في الترك وهو مقدور. وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٧. وفيه أن تعدد العقاب في المقام لو سلمناه فإنما هو تابع لتعدد المعصية الموجب لحصولها إما تفويت الملاك الذي صار الشارع بصدد تحصيله بالامر والنهى ، وإما مخالفة التكليف ولا ربط للعقاب فضلا عن تعدده بكون التخيير في المقام شرعيا أو عقليا إذ كون التخيير عقليا لا يكشف عن تعدد تفويت الملاك ولا تعدد مخالفة التكليف كى يوجب تعدد العقاب إلخ. لكن لو فرضنا أنه يترتب على كل منهما كفارة وتركهما فلا يمكن له إلا فعل أحدهما فهل يترتب عليه كفارتين ، غير بعيد لتحقق موضوعهما والمسألة تحتاج إلى التأمل ، وفي الاجود ج ١ ص ٢٧٩ ومنها أنه إذا احتمل كون أحد الواجبين بعينه أهم من الآخر فبناء على التخيير الشرعي في المتساويين يكون مورد الشك أي في الأهمية داخلا في مسألة دوران الأمر بين التخيير

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والتعيين الشرعيين فيبتني الحكم فيه على الحكم في تلك المسألة من البراءة أو الاشتغال في تلك المسألة وإن كان المختار عندنا فيها هو الثانى وأما بناء على ما اخترناه من سقوط الاطلاقين أي التخيير العقلى فلا بد من القول بالاشتغال وإن قلنا بالبراءة في تلك المسألة إذ وجود الحكم في الطرف المحتمل أهميته وكون امتثاله مبرئ للذمة معلوم ضرورة إن التكليف الفعلى على تقدير كون المحتمل أهميته أهم في الواقع ونفس الأمر منحصر به وعلى تقدير مساواته مع الآخر فبما أن الاطلاقين لا بد من سقوطهما ففى ظرف عدم الإتيان بالآخر يكون الخطاب المتعلق به فعليا لا محالة فعلى كلا التقديرين يكون المأتي به مصداقا للواجب الفعلي ومبرئ للذمة قطعا وهذا بخلاف الطرف الآخر فإن الإتيان به المستلزم لفوت الغرض الملزم فيها يحتمل أهميته لا يوجب الأمن من عقابه ولا الجزم بسقوط خطابه فيتعين بحكم العقل لزوم الإتيان بما يحتمل أهميته معه لأنه لا يحتمل معه العقاب كما عرفت. وأورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٨.

وفيه أن هذا التقريب لا يغاير التقريب الذي تمسك به القائل بالاشتغال في مسألة دوران الأمر بين التخيير والتعيين الشرعيين ولا نفهم فهى خصوصية يختص بسببها بالقول بكون التخيير عقليا مع احتمال الاهمية في المقام ، ولكن قال استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٤٠. وهذا إشكالنا عليه في الدورة السابقة ، وأما في هذه الدورة ففى الذهن شيء يمكن إصلاح ما ذكره الاستاد قدس‌سره به وهو أن المتزاحمين إذا قلنا بمقالة الرشتى من تعارض الاطلاق في كلا الطرفين وكشف خطاب واحد من العقل للعلم الإجمالي بعدم رفع المولى يده عن كلا الطرفين فيكون الشك عند احتمال الاهمية راجعا إلى الشك في زيارة التكليف ولا يكون العقل كاشفا عنه فإن المتيقن منه هو التكليف بأحدهما لا على

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التعيين ، وأما على قول القائل بعدم سقوط الخطابين وعدم معارضة الاطلاقين فلا يتساقطان فحيث يكون الحاكم هو العقل في البين فلا محالة الاشتغال الى اليقيني بالتكليف يلزم فيه البراءة إلى يقينية بحكم العقل فالحق مع الاستاذ في أصل المطلب لا في الطريق ، وأورد عليه استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٧٩ سيأتى في محله ان الحق في مسالة دوران الأمر بين التخيير والتعيين وإن كان هو الرجوع إلى البراءة إلا أنه يختص بغير موارد الشك في التعيين والتخيير من جهة التزاحم ، وما إذا دار أمر الحجة بين كونها حجة تعيينه وكونها حجة تخييرية وانتظر لذلك. ومنها قد أشرنا إليه سابقا وهو ما ذكره المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٨٠ أنه إذا وقع التزاحم بين واجبين طوليين متساويين ملاكا كما في دوران الأمر بين القيام في الركعة الأولى من الصلاة والقيام في الركعة الثانية مثلا أو بين ترك واجب متوقف على محرم مساو معه في الملاك وارتكاب المقدمة المحرمة فبناء على التخيير الشرعي يثبت التخيير فيهما أيضا ، وأما على المختار أي التخيير العقلي فالتكليف بالمتقدم هو الذي يكون فعليا دون المتأخر لان سقوط كل من التكليفين المتزاحمين بناء عليه لا يكون إلا بامتثال الآخر وبما أن امتثال التكليف بالمتأخر متأخر خارجا لتأخر متعلقه على الفرض فلا يكون للتكليف بالمتقدم مسقط في عرضه فيتعين امتثاله على المكلف بحكم العقل فيجب القيام في الركعة الأولى ويلزم اجتناب المقدمة المحرمة نعم إذا كان ملاك الواجب المتأخر أقوى من ملاك الواجب الفعلي فوجوب حفظ القدرة فعلا يكون مسقطا لوجوب الواجب المتقدم. وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٨ ، وفيه أولا أنه لا وجه لتسليمه ثبوت التخيير فيهما على القول بالتخيير الشرعي لانه لا يقول بصحة الواجب المعلق ولا بصحة الواجب المشروط بالشرط المتأخر والتزاحم بين

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجبين الطولين في الامتثال لا يتحقق الاعلى القول بالواجب المعلق أو المشروط بالشرط المتأخر فما لم يقل بصحة أحدهما لا تتحقق مزاحمة بين مثل هذين الواجبين فلا يتحقق موضوع الخلاف في كون التخيير بينهما شرعيا أو عقليا.

وثانيا مضافا إلى عدم التزاحم بين مثل هذين الواجبين بناء على مختاره كما أشرنا إليه ليتفرع عليه ما ذكره أن العدم الذي قيد به إطلاق كل من الخطابين المتزاحمين هو عدم الاتيان بالواجب الذي يكون بديل وجوده في ظرفه لا العدم الازلى ولا ريب في ان عدم القيام في الركعة الثانية مثلا المقارن للركعة الأولى ليس هو العدم البديل لوجوده بالضرورة بل هو العدم الازلى وعليه لا يكون شرط التكليف بالقيام في الركعة الأولى مثلا متحققا ليكون التكليف به فعليا وكذا الأمر في الركعة الثانية فإن الخطاب بالقيام في الركعة الثانية مشروط بعدم القيام في الركعة الأولى العدم المتعقب للخطاب بالقيام فيها وقد فرضنا أن الخطاب لم يصر فعليا لعدم شرطه فلا يكون عدم القيام في الأولى شرطا لفعلية الخطاب بالقيام في الثانية وعلى هذا لا يكون الخطاب بالقيام فعليا في كل من الركعتين نعم بناء على مختارنا من ثبوت التخيير الشرعي في المتساويين العرضيين وصحة الشرط المتأخر يصح القول بالتخيير الشرعي في المتساويين الطوليين بأن يكون متعلق الخطاب بالقيام في الركعة الأولى في مورد المثال المزبور هي الحصة منه المقارنة لعدم القيام في الركعة الثانية ومتعلق الخطاب بالقيام في الركعة الثانية هي الحصة منه المقارنة لعدم القيام في الركعة الأولى وعليه لا يبقى مجال لتوهم لزوم القيام في الركعة الأولى وصرف القدرة الموجودة فيه لانه أسبق زمانا في مقام الامتثال مع فرض تساويهما ملاكا فتحصل مما تقدم أن منشأ المطاردة والتزاحم بين الخطابين

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

هو إطلاقهما فإذا فرض أن متعلق كل من الخطابين المطلقين هي حصة من الضد أعنى بها الحصة المقارنة لعدم الضد الآخر ارتفعت المطاردة وانتفى التزاحم من بين الخطابين هذا كله في الضدين المتساويين في الملاك وكذا الأمر بعينه فيما إذا كان أحدهما أهم من الآخر بمعنى أن خطاب الأهم وإن كان مطلقا ولكن خطاب المهم قد أنشأ بنحو القضية الحينية أي أنه قد تعلق بالضد المهم حين ترك الضد الأهم.

وسيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى.

٩١

وإنما الاشكال ومعركة الآراء في ان الامر بالشيء يقتضي عدم الامر بضده على الاطلاق (١).

______________________________________________________

في الترتب

(١) الجهة الخامسة : في ما هو المعروف من عنوان الترتب وبيان امكانه وامتناعه والحاجة إليه وعدمها وذهب المحقق صاحب الكفاية والشيخ الاعظم الانصاري ونسب إلى المشهور ايضا لعدم امكان الترتب وذهب الميرزا الشيرازي الكبير والمحقق النائي والسيد الفشاركي الاصفهاني وغيرهم إلى صحة الترتب كجامع المقاصد والشيخ الكبير كاشف العطاء وذهب المحقق العراقي إلى عدم الحاجة إلى الترتب وان كان لو وصل إليه النوبة لصح الترتب ذكر استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٣ ص ٩١ ان البحث عن هذه المسألة انما تترتب عليه ثمرة لو لم يكن تصحيح العبادة المضادة للواجب الاهم بالوجهين المتقدمين ١ ـ الملاك ٢ ـ والامر وإلّا فلا تترتب على البحث عنها اية ثمرة وقد ظهر مما تقدم انه لا يمكن تصحيح العبادة بالملاك ـ لان الكبرى وهي كفاية قصد الملاك في وقوع الشيء عبادة وان كانت ثابتة إلّا ان الصغرى وهي اشتمال تلك العبادة على الملاك غير محرزة واما تصحيحها بالامر المتعلق بالطبيعة وان كان ممكنا في المقام الاول ـ اي المزاحمة بين الموسع والمضيق لكن ـ غير ممكن في المقام الثاني ـ اي التزاحم بين المضيقين ـ وذلك لما عرفت من امتناع تعلق الامر بها فعلا مع فعلية الامر بالاهم على الفرض اذن للبحث عن مسألة الترتب في المقام الثاني وامكان تعلق الامر بالمهم على تقدير عصيان الامر بالأهم ثمرة مهمة جدا ـ إلى ان قال ـ ان مسألة الترتب من المسائل العقلية فان البحث فيها عن الامكان والاستحالة بمعنى ان الامر بالضدين على نحو الترتب هل هو ممكن ام لا ومن الواضح جدا ان الحاكم بالاستحالة والامكان هو العقل

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا غيره ولا دخل للفظ في ذلك أبدا ، ولكن على المختار يكون الملاك في كليهما موجودا ولو ناقصا كما مر فلا نحتاج الى الترتب كما ستعرف وعلى اى فلمنع المطاردة بين الامر بالضدين وجوه من التقرير نذكره مفصلا الوجه الأول ما افاده المحقق الماتن في النهاية ج ١ ص ٣٧٠ بان عمدة المحذور في عدم جواز الامر بالضدين كما عرفت انما هو محذور لزوم ايقاع المكلف فيما لا يطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الامرين ولو بتوسيط حكم العقل بلا بدية الاطاعة والامتثال لصرف القدرة نحو متعلقه اذ حينئذ بعد ان لا يكون للمكلف الا قدرة واحدة ولا يتمكن من الجمع بين الاطاعتين ربما يقع المكلف من ناحية اقتضاء الامرين في محذور ما لا يطاق وحيث ان ذلك ينتهي بالاخرة إلى الشارع والمولى ربما يصدق ان المولى هو الذي اوقع المكلف فيما لا يطاق ولكن نقول بانه من المعلوم ان هذا المحذور انما يكون اذا كان الامر ان كل واحد منهما تاما بنحو يقتضي حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده وإلّا فاذا لم يكونا ذلك بل كانا ناقصين كما تصورناه في المتساويين او كان احدهما تاما والآخر ناقصا غير تام بنحو لا يقتضي إلّا حفظ متعلقة من قبل مقدماته وسائر اضداده غير هذا الضد فلا محذور اصلا حيث لا يكون مطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشأ لتحير العقل وتصدق ان المولى من جهة امره اوقع المكلف فيما لا يطاق وذلك لان الامر بالاهم حسب كونه تاما وان اقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضي حينئذ افناء المهم ايضا ولكن اقتضائه لا فناء المهم انما هو بالقياس إلى حده الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالقياس إلى بقية حدوده الأخر التي لا تضاد وجود الأهم وحينئذ فإذا لا يكون الامر بالمهم حسب نقصه مقتضيا لحفظ متعلقه على الاطلاق حتى من الجهة المضافة إلى الاهم بل كان اقتضائه للحفظ مختصا بسائر الجهات والحدود الأخر غير المنافية مع الاهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاهم وبعبارة اخرى كان قضية الامر بالمهم من قبيل متمم الوجود الراجع إلى ايجاب حفظ المهم من قبل مقدماته وسائر اضداده في ظرف انحفاظه من قبل الضد الاهم من باب الاتفاق فلا جرم يرتفع المطاردة بينهما حيث ان الذي يقتضيه الامر بالاهم من افناء المهم بالقياس إلى الحد المضاف عدمه إليه لا يقتضي الامر بالمهم خلافه وما اقتضاه الامر بالمهم من ايجاب حفظ متعلقه من سائر الجهات الأخر لا يقتضى الامر بالاهم افنائه من تلك الجهات فامكن حينئذ الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة من دون احتياج إلى الترتب المعروف كما هو واضح ولئن شئت فاستوضح ذلك بما اذا لم يكن في البين إلّا امر واحد بشيء لكن في ظرف تحقق بعض مقدماته او انعدام بعض اضداده من باب الاتفاق كما لو امر بايجاد شيء كذائي في ظرف تحقق المقدمة الكذائية فانه لا شبهة حينئذ في ان ما اقتضاه مثل هذا الامر انما هو لزوم حفظ الشيء من قبل سائر المقدمات والاضداد غير تلك المقدمة الكذائية لا لزوم حفظه على الاطلاق ومن ذلك لا يكاد يكون مثل هذا الامر الا أمر بمتمم الوجود ولازمه قهرا هو خروج الواجب ببعض حدود وجوده عن حيز الالزام وصيرورته بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية تحت الترخيص الفعلى بحيث يجوز له تفويت المامور به من قبل تلك المقدمة كما لو انيط وجوبه بتحقق تلك المقدمة وعليه نقول بانه كما لا منافاة بين هذا الالزام وبين الترخيص في الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية مثلا وامكن ان يكون الشيء ببعض حدود وجوده تحت الالزام وببعض حدود وجوده تحت الترخيص كذلك لا منافات بين هذا الالزام وبين الالزام على الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى ضده بتبديل الجواز هنا بالالزام فامكن حينئذ ان يكون المهم بالقياس إلى حده الملازم مع عدم الاهم تحت الالزام بالترك وبالقياس إلى سائر حدود وجوده الحاصلة بقياسه إلى سائر المقدمات وعدم بقية الاضداد تحت الالزام بالفعل

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في ظرف انحفاظ وجوده من قبل عدم الاهم من باب الاتفاق اذ في مثل ذلك لا يكاد مجال المطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما في صرف القدرة نحو متعلقه بل ولا المطاردة ايضا بين الاطاعتين بلحاظ انه في ظرف اطاعة الاهم لا موضوع لاطاعة الامر بالمهم اذ كان اطاعته خارجا رافعة لعنوان الاطاعة عن المهم لا لوجودها فارغا عن الاتصاف وفي ظرف اطاعة المهم كان اطاعة الامر بالاهم منطرد المانع سابق كالشهوة مثلا لا ان اطاعة المهم كانت طاردة لا طاعة الامر بالاهم ومعه لا وجه لدعوى سقوط الامر عن المهم بقول مطلق في ظرف ثبوته للاهم بمحض اقتضاء الامر بالاهم افناء المهم بصرف القدرة نحو متعلقه كي نحتاج في اثبات الامر بالمهم إلى الترتب المعروف والطولية بين الامرين بل لنا حينئذ بمقتضى البيان المزبور اثبات الامر بالمهم في عرض ثبوت الامر بالاهم وفي رتبته ـ نعم لو كان قضية الامر بالاهم حينئذ هو لزوم افناء المهم بقول مطلق حتى من قبل حدوده المضافة إلى سائر المقدمات وعدم سائر الاضداد كان اللازم هو المصير إلى سقوط الامر عن المهم على الاطلاق وعدم الامر به ولو ناقصا ولكنه ليس كذلك قطعا لما عرفت بان القدر الذي يقتضيه الامر بالاهم من طرد المهم وافنائه انما هو طرده بالقياس إلى الحد الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالنظر إلى بقية الحدود المضافة إلى مقدماته وعدم سائر اضداده لانه بالقياس إلى بقية حدوده الأخر لا يكون مزاحما مع الاهم حتى يقتضي طرده وافنائه وحينئذ فاذا فرضنا خروج المهم بحده المضاف إلى عدم الاهم عن حيز التكليف بالحفظ ولا يقتضي امره الناقص الا حفظه وسد باب عدمه بالقياس إلى بقية حدوده الأخر غير المزاحمة للاهم فلا جرم لا يبقى مجال المطاردة بين مقتضي الامرين كي بالجمع بينهما يصدق بان المولى اوقع المكلف بامره في ما لا يطاق فصح حينئذ الالتزام بثبوت الامر بالمهم في رتبة الامر بالاهم لا يقال بانه كذلك اذا كان قضية الامر بالمهم هو

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مجرد سد باب عدمه المضاف إلى مقدماته وسائر أضداده ولو لم ينضم إلى تلك السدود السد من قبل الضد الاهم وليس كذلك قطعا من جهة وضوح عدم انتاج هذا المقدار لوجود المهم فان المهم لا بد في تحققه ووجوده وان ينسد جميع ابواب عدمه حتى عدمه الملازم مع وجود ضده وإلّا فبدونه لا يكاد انتهاء مجرد السد من بقيد الجهات إلى وجوده بوجه اصلا وعليه فلا بد وان يكون مقتضي الامر بالمهم على نحو يوجب وصل بقية السدود بالسد المضاف إلى الأهم كي بذلك يتحقق الوجود وحيث ان ذلك يلازم قهرا الحفظ من قبل الحد المضاف إلى الأهم فقهرا يعود محذور المطاردة بين الامرين اذ يكون قضية الامر بالمهم حسب اقتضائه لتحقق صفة الوصل المزبور هو حفظه من ناحية حده الملازم للاهم وقضية الامر بالاهم حينئذ حده الملازم للاهم وقضية الامر بالاهم حينئذ هو عدم حفظه بالقياس إلى ذلك الحد بل وجوب افنائه فيقع بينهما المطاردة فانه يقال نعم ان المطلوب بالمهم وإن كان هو الحفظ من بقية الحدود الملازم مع الحفظ من جهة الاهم ولكنه بعد خروج الحفظ من تلك الجهة عن حيّز امر المهم لرجوع امره إلى الامر بمتمم الوجود الراجع إلى ايجاب الحفظ من بقية الجهات في ظرف انحفاظه من الجهد المزبورة من باب الاتفاق فقهرا يرتفع بينهما المطاردة والمزاحمة اذ حينئذ يصير المطلوب بالمهم هو الذات الواجدة للملازمة مع عدم الاهم من باب الاتفاق وفي مثله أيضا ربما يكون وصف الوصل بالملزم به من قبل المهم قهريّ الحصول في ظرف فعلية الامر من جهة كونه حينئذ من اللوازم القهرية للحفظ من قبل بقية الحدود كما هو واضح وعليه فلا بأس بالجمع بين الامرين في الضدين على نحو ما عرفت امر ناقص بالمهم وامر تام بالاهم حيث نقول بان القدر الذي يقتضيه الاهم من عدم الامر بالمهم بمقتضى المطاردة انما هو عدم الامر به مطلقا على نحو يقتضي حفظ المهم على الاطلاق ومن جميع الحدود لا عدم الامر به بقول المطلق ولو ناقصا

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما هو واضح. وهذا هو احسن وجه يمكن رفع المطاردة بين الامر بالضدين من دون مناقشة عليه وما اورد عليه المحقق الاصفهاني هو نفس ما افاده في الكفاية وسيأتي ـ الوجه الثاني ما نقله المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٣٣ ان اقتضاء كل امر لا طاعة نفسه في رتبة سابقة على اطاعته كيف وهي مرتبة تاثيره واثره ومن البديهي ان كل علة منعزلة في مرتبة اثره عن التأثير بل تمام اقتضائه لاثره في مرتبة ذاته المتقدمة على تأثيره واثره ولازم ذلك كون عصيانه وهو نقيض اطاعته ايضا في مرتبة متأخرة عن الامر واقتضائه وعليه فاذا انيط امر بعصيان مثل هذا الامر فلا شبهة أن هذه الاناطة تخرج الامرين عن المزاحمة في التأثير اذ في رتبة الامر بالاهم وتأثيره في صرف القدرة نحوه ، لا وجود للامر بالمهم وفي رتبة وجود الامر بالمهم لا يكون اقتضاء للامر بالاهم فلا مطاردة بين الامرين بل كل يؤثر في رتبة نفسه على وجه لا يوجب تخيّر المكلف في امتثال كل منهما ولا يقتضي كل من الامرين القاء المكلف فيما لا يطاق بل كل يقتضي موضوعا لا يقتضي غيره خلافة هذا ملخص ما افيد وقد زاد عليه استادنا الآملي في المنتهى ج ١ ص ٤٩ قبل قوله وعليه فاذا انيط الخ قوله وإلى مثل هذا المعنى نظر بعض الاساطين قدس‌سره في قوله بان للامر اطلاقا ذاتيا بالنسبة إلى حالتي الاطاعة والعصيان ولم يكن اطلاق لحاظي بالنسبة اليهما اذ في ظرف وجود كل منهما لا وجود للامر من حيث الرتبة فضلا عن اقتضائه القائم بذاته وحيث ان الامر كذلك فنقول الخ ولعل المراد اشارة إلى ما اورده المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٣٣ على هذا الاستدلال اما اوّلا فلان الفعل والترك الخارجيين الذين ينتزع عنهما الاطاعة والعصيان بنحو من الاعتبار ليسا مورد موردا للأمر ـ اي للزوم تحصيل الحاصل ـ حتى يتوهم اطلاقه او تقييده ليدفع بانهما اما معلول الامر او في رتبته فلا يمكن تقييده بهما او اطلاقه لهما بل مورد الامر نفس الفعل بوجوده العنواني الفاني في معنونه فانه القابل

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لان يكون مقوما للارادة وللبعث الاعتباري الانتزاعي وذات الفعل مقوم الطلب والبعث لا معلولهما وتعلق الامر به واقتضائه له بديهي ومقوم الشيء ليس متأخرا عنه بل له سبق مرتب طبعي عليه وعنوان الاطاعة والمعصية بمعنى موافقة الماتي به للمأمور به وعدم موافقة المأمور به وان كان منتزعا عن الفعل الخارجي والترك الخارجي لكن دعوى الاطلاق والتقييد لا تتوقف على الاطاعة والعصيان بهذا المعنى بل على اطلاق الامر المتعلق بفعل شيء لحال فعله او تركه بنحو فناء العنوان في المعنون في جميع اجزاء هذا المطلق واستحالة الاطلاق والتقييد بهذا لا يدور مدار تأخر القيد او الاطلاق عن الامر إلى ان قال في ص ٢٤١ وهذا يمنع عن الاطلاق اللحاظي المولوي فان قيام المولى مقام الاطلاق من هذه الجهة مع استحالة التقييد لغو واما الإطلاق الذاتي وهو ثبوت الطلب مقارنا للفعل ومقارنا للترك فهو معقول فانه عدم التقييد بمعنى السلب المقابل للايجاب وليستحيل خروج الشيء عنهما معا. فيرجع المحذور من المطاردة واجاب بوجهين آخرين هنا ايضا المحقق الاصفهاني وتقدما مثلهما وتقدما جوابهما من ان الاطاعة والمعصية في رتبة واحدة ولو لكون احدهما نقيض ما فيه الملاك ويكفي تقدم الرتبي في رفع التزاحم ولو يكون معية زمانية على ما سيأتي مفصلا لكن المحقق النّائينيّ في الاجود ج ١ ص ٢٩٣ قال ان انحفاظ الخطاب تقدير ما انما يكون باحد وجوه ثلاثة الاول ان يكون مشروطا بوجود ذلك التقدير او يكون مطلقا بالاضافة إليه وهذا انما يكون في موارد الانقسامات السابقة على الخطاب مثلا خطاب الحج يكون محفوظا في ظرف الاستطاعة لكونه مشروطا بها كما ان خطاب الصلاة يكون محفوظا في ذلك التقدير لكونه مطلقا بالاضافة اليها وقد ذكرنا في بحث التعبدى والتوصلي ان كل خطاب من الملتفت إلى الانقسامات السابقة على الخطاب لا بد من ان يكون بالاضافة اليها اما مطلقا او مقيدا فالاطلاق كالتقييد حينئذ يكون لحاظيا الثاني ان يكون

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخطاب بالاضافة إلى ذلك التقدير مطلقا بنتيجة الاطلاق او يكون مقيدا به بنتيجة التقييد وهذا انما يكون في الانقسامات المتأخرة عن الخطاب اللاحقة له والموجب لهذا النحو من التقييد او الاطلاق هو تقيد الغرض القائم بالمأمور به بوجود ذلك التقدير او اطلاقه بالاضافة إليه والكاشف عن كل من الاطلاق والتقييد في هذا المقام انما هو الدليل الخارجي فقد يدل على الاطلاق كما دل على ثبوت الاحكام الشرعية في كلتا حالتي العلم والجهل بها في غير الجهر والاخفات والقصر والتمام وقد يدل على تقيد الغرض بحال دون حال كما دل الدليل على اختصاص ملال وجوب القصر ووجوب الجهر او الاخفات بالعالم بوجوبها فالخطاب غير ثابت في ظرف الجهل ويسمي هذا القسم من الاطلاق بالاطلاق الذاتي والملاكي لاستحالة الاطلاق اللحاظي في موارده كما مر. الثالث أن يكون الخطاب بنفسه مقتضيا لوضع ذلك التقدير او لرفعه فيكون محفوظا في الصورتين لا محاله وهذا القسم مختص بباب الاطاعة والمعصية فان الاطلاق والتقييد بقسميهما اعني بهما الذاتي واللحاظي مستحيلان في هذا الباب إلى آخر كلامه ولعله سيأتي أيضا وانما لبيان الاطلاق الذاتي واورد على ذلك استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٩٤ وقد مر في البحث المزبور انه لا مناص في جميع موارد الانقسامات الاولية والثانوية من الاطلاق او التقييد وانه لا يعقل الاهمال في الواقع ومقام الثبوت مطلقا وان استحالة كل من الاطلاق والتقييد تلازم كون الآخر ضروريا وعلى ذلك فلا يبقى موضوع للاطلاق الذاتي اصلا الخ وفيه ان ذلك في مقام الثبوت دون الاثبات والاطلاق اللحاظي فلا يمكن على مبنى محقق النّائينيّ ذلك.

٩٩

او يقتضي عدم اطلاق امره (١) واما اذا كان مشروطا بعصيانه

______________________________________________________

(١) الوجه الثالث ذكر استادنا الآملي في المنتهى ص ٥٢ ان من المعلوم ان الامر بذات كل واحد من الضدين لا استحالة فيه لمجال القدرة بالنسبة إلى كل واحد وانما الخارج عن حيّز القدرة هو الجمع بين الضدين فحينئذ ان كان توجه الامرين نحو المكلف على نحو يقتضي الجمع بينهما ولو بالملازمة كان للاستحالة وجه لالقاء الآمر اياه في المحال واما ان لم يكن توجههما إلى المكلف على هذا النحو فلا يلزم من توجيه امريه إليه القائه فيما لا يطاق وحيث كان الامر كذلك فنقول ان الامرين ان كانا بنحو الاطلاق على وجه يقتضي كل حفظ متعلقه بقول مطلق فقضية ذلك انتهاء الامر في امتثالهما إلى الجمع بينهما وهو محال واما لو كان احدهما مشروطان بعصيان الآخر فلا يقتضي توجه ذين الامرين جمعا بل كل يحرك نحو متعلقه في ظرف انعزال الآخر عن التاثير وفي رتبة انعدام بديله ومثل هذا المعنى لا يوجب الزام المكلف بالجمع الذي هو ملاك الاستحالة في المقام وان شئت قلت ان الامرين بالضدين اذا كانا مقتضيين لوقوع احد الوجودين ليس إلّا غاية الامر احدهما يقتضي الوجود التعيين المستلزم لعدم الآخر والآخر يقتضي الآخر لكن لا على نحو يقتضي اعدام غيره بل في ظرف انعدام غيره من باب الاتفاق فلا يكون مثلهما ملقيا للمكلف فيما لا يطاق وإنما الملقي له فيه انما هو في صورة اقتضائهما الوجودين في الخارج وهو من لوازم اطلاق الامرين لا مطلقهما كما لا يخفى وان شئت توضيح المقام بازيد من ذلك فلاحظ الموارد المسلمة من فروض كون العصيان شرطا متقدما حيث انّه ليس مناط جوازه مجرد عدم اجتماع الامرين في زمان واحد كيف وفي المتضادين في الزمانين لو علق احد الامرين بشىء آخر غير حاصل فعلا ومعلوم الحصول فيما بعد لما كاد يصح الامر المطلق باحدهما والمشروط بما

١٠٠