الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الشرسة بتوجيه أصابع الاتهام إلى كلّ من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية والزبير وطلحة وأبي هريرة ، فضلاً عن السيّدة عائشة .

ونقول : انّ عقيدة الشيعة صريحة وواضحة وقد تكلّفت ببيانها كتبهم الكلاميّة ويستندون في ما يعتقدون إلى القرآن والروايات والعقل ولا يحيدون عن ذلك ، ومن أبرز معالم البحث عندهم استعراض الاحداث والوقائع ومحاكمتها على ضوء القرآن والروايات والعقل وتزن الامور والأشخاص بموازين دقيقة وتقيمها بحسب مالها وما عليها وليس من مبادىء الشيعة الاتّهام والافتراء كما يحبّ هذا الكاتب أن ينسب اليهم إن نظرة الشيعة الى الصحابة تنطلق من هذا الاساس فالصحابة بشر كسائر الناس منهم المؤمن قوي الايمان ، كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ، ومنهم ضعيف الايمان ، ومنهم المنافق وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك وأشار الى وجود المنافقين ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ١ بل نزلت في حقّهم سورة كاملة وقد نهى الله تعالى نبيّه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وهذا أمر بين في آيات القرآن الكريم ، وبناء على هذه النظرة الصريحة فالشيعة لا تفترض في الصحابة العصمة من كلّ سهو وخطأ ، بل

__________________

١) سورة براءة ، الآية ١٠١ .

٦١
 &

هم يخطّؤن كما يخطّىء الناس ويقع منهم الاشتباه كما يقع من غيرهم الّا ما ثبت بالدليل أنّه معصوم ، وذلك مختصّ بعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قرنهم بالقرآن في حديث الثقلين وأمر الاُمّة باتّباعهم وشبّههم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسفينة نوح من ركبها نجى وَمن تخلّف عنها غرق وهوى ١ ، وينبغي لهذا الكاتب وامثاله ممن هو على شاكلته أن يتحلّى بالشجاعة والفطنة ليتقبل هذه الحقيقة ونؤكّد هذه الحقيقة بالاحالة على الوقوف على تاريخ الصحابة ليتبيّن انّ الاختلاف قد يقع بين الصحابة وقد يصل الى حد القتل والقتال وقد أشرنا فيما تقدم الى بعض ذلك ، وبناء على هذا يتّضح موقفنا ممّن ذكر من أسماء الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية والزبير وطلحة وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، فإن التاريخ قد حفظ الينا كثيراً من قضاياهم واحوالهم ، وعلى ضوئها وتقييمها بالموازين العقلية والشرعيّة يكون الحكم .

ثم ليعلم هذا الكاتب أنّه ليس بين الشيعة وبين الصحابة عداوة شخصية ، أو ثارات تدفع بالشيعة إلى توجيه أصابع الاتّهام إليهم كما يقول الكاتب إنّ ما تتميّز به الشيعة هو الشجاعة والصراحة في تقييم الامور والاشخاص ، وليس كما هو الحال

__________________

١) مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥١ ، كتاب معرفة الصحابة .

٦٢
 &

عند غيرهم حيث افترضوا في الصحابة العصمة والاستقامة في كل الامور فبرّروا كلّ فعل صدر عنهم ونزهوهم عن كلّ خطأ والحال أن الواقع التاريخي يكذب هذا الافتراض .

واما ما ذكره الكاتب من السبّ والشتم والحملة الشرسة فهذا مما ينطبق عليه المثل المشهور « رمتني بدائها وانسلّت » ١ فلا ندري هل يعلم الكاتب أنّ أوّل من وضع السبّ والشتم هو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل من سبّ أمير المؤمنين علي عليه‌السلام سنّة يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير واستمرّ شتم أمير المؤمنين مدة طويلة على منابر المسلمين في مختلف بقاع الاسلام حتى أصبح حقيقة ثابتة وسنّة متّبعة ؟ لا ندري هل يعلم الكاتب ما قام به معاوية في اعقاب معركة صفين من الحملات الشرسة على الشيعة في مختلف المناطق قتلاً وتشريداً وهدماً للبيوت ؟ لا ندري هل يعلم الكاتب ما فعله معاوية بحجر بن ٢ عدي

__________________

١) مجمع الامثال ، لأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني : ج ٢ ص ٢٣ المثل ١٥٢١ ، دار الجيل ، بيروت ـ لبنان .

٢) حجر بن عدي الكندي وهو الملقب بحجر الخير وكان من فضلاء الصحابة وكان على كندة بصفين سنة ٥١ وكان الحسن البصري يعظم قتل حجر واصحابه ـ راجع اسد الغابة : ج ١ ص ٤٦٢ .

٦٣
 &

وأصحابه ١ عندما رفضوا أن يعلنوا السبّ والبراءة من الامام علي عليه‌السلام ؟ لا ندري هل يعلم هذا الكاتب من الذي دسّ السمّ الى الامام الحسن عليه‌السلام ومن الذي بعث الى مالك الاشتر من يقتله بالسمّ ٢ ومن الذي أوعز بقتل محمّد ٣ بن أبي بكر غير معاوية بن أبي سفيان ؟ لا ندري هل يعلم هذا الكاتب من الذي قتل الحسين بن علي عليه‌السلام وأرسل جيشاً لاباحة المدينة وهدم الكعبة غير ولد معاوية يزيد ؟

لا ندري هل يعلم الكاتب بذلك أم لا ؟ فإن كان لا يعلم فليقرأ التاريخ ليقف على ما هو أشد وأدهى من الاحداث الدامية المتوالية التي قام بها معاوية وبنو اُمية .

__________________

١) وأصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب المنقري وكدام بن حيان العنزي ، وعبدالرحمن بن حيان العنزي .

راجع الكامل لابن الاثير : ج ٣ ص ٤٧٨ قول الحسن البصري في معاوية وراجع تاريخ الطبري حوادث سنة ٥١ ج ٤ س ٢٧٠ .

٢) راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : ج ١٩٢ .

٣) هو محمد بن ابي بكر بن أبي قحافة التيمي وكان امير المؤمنين عليه‌السلام يقول في حقه محمد ابني من صلب ابي بكر وقد عرف بولائه لامير المؤمنين وانقطاعه اليه .

٦٤
 &

وإن كان يعلم فكيف يريدنا أن نعتقد باستقامة معاوية وأمثاله .

هذه هي المشكلة التي ينبغي ان يفكر فيها الكاتب ويوجد لها حلاً والا فسيبقى متخبّطاً لا يهتدي الى الحق والحقيقة وأمّا الشيعة فلا مشكلة عندهم لانّهم قيّموا الاشخاص بموازين العقل والشرع بعد استعراض أعمالهم وأقوالهم وعرضها على المقاييس الصحيحة والحكم عليهم أو لهم بما يمليه الحق من دون لف أو دوران .

قال الكاتب : هذا ولا ينبغي ان يغيب عنك أن هؤلاء الصحابة العظام قد ورد ذكرهم في القرآن . . . الخ .

ونقول : نحن الشيعة لا ننكر ان صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتشرف بالحياة معه في زمان واحد وفي بلد واحد من أعظم الكرامات ولكن نسأل هل هذا وحده يكفي ؟ أم أنه لا بدّ من ضمّ شيء آخر وهو الايمان والاستقامة ، والّا فليس هناك شيء أقرب الى الانسان من زوجته . وقد ضرب لنا القرآن مثلاً بامرأة نوح وامرأة لوط قال الله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ

٦٥
 &

اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) ١ لا ننكر ان الصحبة مع النبي شرف عظيم ولكن ذلك بشروط لا بدّ من توفّرها ، والّا فقد كان في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي بلد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منافقون مردوا على النفاق . إذن لا بدّ من الالتفات والتوجه الى هذا المعنى فإنّ الصحبة وحدها ليست كافية وما أشار اليه الكاتب من أنّ القرآن أثنى على الصحابة ومدحهم ، فهذا صحيح ولكن ليس على اطلاقه بمعنى أن كلّ صحابي كذلك بل ان ذلك خاص بمن سار على سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصدر منه ما خالف به الشرع أو انحرف به عن طريق النبي .

وقد أشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى هذه الحقيقة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » ٢ .

فالذي يكذّب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه هل يعدّ صحابياً ويؤخذ قوله وفعله حجّة ؟ وهل يعتبر اسلام هذا الشخص هو اسلام القرآن وهو اسلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على حد تعبير الكاتب

__________________

١) سورة التحريم ، الآية ١٠ .

٢) أصول الكافي : ج ١ باب اختلاف الحديث ص ٦٢ ، الحديث ١ .

٦٦
 &

والذي نزل القرآن شاهداً بفسقه ١ هل يعد من الصحابة الذين يجب احترامهم ومن يكون عدواً له فهو عدو للرسول نفسه كما يقول الكاتب .!!؟

إن هذا الكاتب يخلط بين الغثّ والسمين ، ولا يفرق بين الحقّ والباطل ، وليس له مقياس واضح ويكتفي بالقشور دون اللباب .

قال الكاتب : إن الشيعة قد ضلّوا عن الصراط المستقيم . . .

ونقول : هذه عودة الى النغمة التي اسمعنا إيّاها كثيراً حيث يختم كل جملة من كلامه بالتفنن في السباب والشتائم يوجهها الى الشيعة وليس هذا من أدب الحديث والمناظرة وإنما يلجأ إلى هذا الاسلوب لاهتزاز شخصيته واضطرابها وفشل ادعائه .

قال الكاتب : إن الركن الرصين والحجر الاساسي للنجاة ونيل المغفرة يوم القيامة هو اتباع الاسلام كما علمه الصحابة وهو

__________________

١) اشارة الى قول تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) .

ونزولها في الوليد بن عقبة بن أبي معيط في قصة ذكرها المفسّرون والمؤرخون وقد استعرض ابن أبي الحديد جملة من أخبار الوليد بن عقبة وذكر سبب نزول الآية فراجع شرح نهج البلاغة : ج ١٧ ص ٢٢٧ ـ ٢٤٥ .

٦٧
 &

ما عليه الامة .

ونقول : إن الحجر الاساس للنجاة ونيل المغفرة يوم القيامة هو امتثال أوامر الله ونواهيه التي جاء بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تطبيقاً للآية الكريمة وهو قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ١ من دون ان يكون لعلم الصحابة مدخلية فإن الصحابة قد اختلفوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اختلافاً كثيراً في ما رووا وما نقلوا وقد صدرت من بعضهم مناقضات ، فكيف نتّبعهم جميعهم وفي ذلك الجمع بين النقيضين وهو محال ، والصحيح هو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رسم لنا طريقاً وأمرنا باتّباعه ، وذلك الطريق هو السير على منهاج القرآن والعترة النبوية بمقتضى حديث الثقلين وغيره من الروايات وقد ذكرنا فيما تقدّم انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعل الامام عليّا عليه‌السلام خليفة على المسلمين وامر المسلمين باتباعه والاهتداء بسيرته لأنّه نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنصّ القرآن ، وهو باب مدينة علم النبي بنصّ الرسول ، وهو المرجع للمسلمين في قضاياهم واحكامهم بنص التاريخ وبعد الامام علي تأتي سلسلة الأئمّة عليهم‌السلام الذين نصبهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ليكونوا خلفاء على الاُمّة ، وسيأتي ما يزيد هذا الأمر وضوحاً .

__________________

١) سورة الحشر ، الآية ٨ .

٦٨
 &

قال الكاتب : وتعتبر فرقة الشيعة أنّها هي التي دبّرت خطة قتل عثمان (رض) فعلى هذا الأساس للارهاب والفوضى أحد الافاعيل والاعمال الرئيسية لهذه الفرقة .

ونقول : قد ذكرنا فيما تقدّم انّ الذي قتل الخليفة بعض الصحابة والتاريخ يشهد على ذلك ، ولو رجع هذا الكاتب إلى الكتب التاريخية لوقف على هذه الحقيقة ولكان خيراً له من هذا التخبّط والخلط والاضطراب .

قال الكاتب : في حين أسّست وأنشئت على قاعدة الطعن في نزاهة الصحابة وهذا نجده كثيراً في كتبهم وينقل عن تعاليمهم التي تتركّز على الدسّ والتعرّض لشخصيّتهم .

ونقول : إن الذي طعن في الصحابة هم الصحابة أنفسهم لاختلافهم الكبير ، والا فبماذا يفسر حادثة السقيفة ؟ وبماذا يفسّر مقتل عثمان حيث صدر من بعض الصحابة والتابعين كما بينا ذلك فيما تقدم ؟ وبماذا يفسّر واقعة الجمل وواقعة صفين وواقعة النهروان وقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وميثم التمار ؟ أليس كل هذا الاحداث وقعت بين الصحابة أنفسهم ؟ أليس طلحة والزبير وعائشة من الصحابة ؟ فكيف حاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام فمن المحق منهم ؟ هل يمكن القول ان الجميع على

٦٩
 &

الحق ؟ إذاً كيف تقاتلوا وسفكت الدماء ، وقس على هذا سائر القضايا والأحداث ، ومن هنا قلنا إن الذي طعن في نزاهة الصحابة هم الصحابة أنفهسم وأما الشيعة فقد وجدوا هذه القضايا مبثوثة في كتب التاريخ السنيّة كالطبري ١ وابن الأثير ٢ وغيرها ، وحينما رأوا في كتب التاريخ استنتجوا منها نتائج مهمة ، وخلاصتها أنّ الصحابة كسائر البشر منهم المصيب ومنهم المخطىء ، وليس الامر كما يقوله هذا الكاتب من أنّهم كلّهم على الحق لأن الواقع التاريخي يكذّب هذه المقولة .

قال الكاتب : كان يتجلّى عندهم بوضوح أنه لا يمكنهم الظهور على مسرح الحياة مع وجود تلك القيادة الصحابية العظيمة في تلك الفترة لذا أخذوا في ابتداء تنشأة تعاليم وبيانات مضادة ومناقضة لهم عن طريق القوة والخداع . . . الخ .

ونقول : قد ذكرنا أنّ التشيّع كان قد نشأ في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل غارس لبذرته وكان عدة من اصحابه معروفين بالتشيّع ٣ كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم كثير ؛ لأن

__________________

١) راجع تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٢٠٧ .

٢) الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج ٣ ص ٤٨٧ .

٣) الشيعة بين الحقائق والأوهام للسيد محسن الأمين : ص ٤١ .

٧٠
 &

التشيع كما ذكرنا هو الإتباع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهذا أمر متّفق عليه بين المسلمين ، وقد نقله الرواة وأودعوه في كتبهم وذكرنا فيما تقدم بعض النصوص والشواهد على ذلك فما ذكره الكاتب من تنشأة تعاليم وبيانات مضاده ما هو الّا نوع من الدجل والافتراء ولا أساس له من الصحّة على الاطلاق .

قال الكاتب : فأسسّوا (يعني الشيعة) قواعد دينهم على أساس من افضاح صحابة الرسول الكرام الذين أكثر حبّهم الرسول ولم تكن خلافتهم وقيادتهم من عند أنفسهم ، أو لأجل اكتساب محبّة الناس ، وإنما هذه الخلافة والقيادة من الله تعالى ، فلولا وجود الصحابة ما كان للاسلام ثبوت على الاطلاق وما بقى القرآن حاكماً وقائماً .

ونقول : إن هذا الكاتب يخالف مبادئه والاُسس التي بنى عليها مذهبه ولا يدري ماذا يقول ، وذلك لأن المذاهب السنّية اتّفقت كلمتها على أن النبي لم يعين خليفة من بعده ، وإنّما الامر شورى بين المسلمين ، وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة واختاروا أبا بكر خليفة على المسلمين هكذا تقول كتب السنة .

وأما الشيعة فقد ذهبوا الى أنّ النبي نصب خليفة من بعده وعيّنه من بينهم ، وهو علي بن أبي طالب ، وأثبتوا ذلك بالأدلة

٧١
 &

العقليّة والنقليّة ، فكيف لهذا الكاتب ان يقول ولم تكن خلافتهم وقيادتهم من عند انفسهم . هذا مضافاً إلى أن علماء السنة ذهبوا إلى أنّ الخلافة والامامة ليست واجبة عقلاً بينما الشيعة يقولون بوجوبها عقلاً وانّ الإمامة لا يمكن ان تكون من جعل البشر وإنما هي تعيين من الله على يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا كان الامر كذلك فكيف لهذا الكاتب أن يقول وإنما هذه الخلافة والقيادة من الله تعالى فهو يقول بمذهب الشيعة من حيث لا يشعر ويتناقض في اقواله .

واما ما ذكره بالنسبة الى الصحابة وأنّه لولا وجودهم ما كان للاسلام ثبوت على الاطلاق ، فهذا أيضاً تخليط من هذا الكاتب وقد أجبنا عن ذلك فيما تقدّم ، فإن المقياس ليس هو الصحبة بل المقياس الصحيح هو الالتزام بتعاليم القرآن الكريم وامتثال أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونواهيه ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ١ .

قال الكاتب : ليس هناك فرقة من فرق الاسلام على الاطلاق تعرف الافتراء على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبة ما ليس منه إليه كهذه . . . الخ .

ونقول : لا زال هذا الكاتب بين حين وآخر يظهر لنا تناقضاته

__________________

١) سورة الحشر ، الآية ٧ .

٧٢
 &

ففي هذه الفقرة يعترف أنّ الشيعة من الفرق الاسلاميّة ، وقد تقدّم أنّها ليست اسلاميّة كما جاء في كلامه وان الشيعة كفار ، فهذا الكاتب لا يعي ما يقول ولا يلتفت الى معاني كلامه ، ثمّ إنّ ما ذكر من أنّ الشيعة تدخل في الأحاديث وتفتري ، فهذا كذب صريح على الشيعة ، وليس هناك أحد من المسلمين من اعتنى بصيانة الحديث والدفاع عنه كما فعل الشيعة في تاريخهم حيث ألّفوا الكتب الرجالية التي تتناول حياة الرواة والبحث عن أحوالهم ومدى ما يمكن الاعتماد على أقوالهم في نقل الاحاديث ولم يقبلوا الحديث المروي الّا بعد عرضه على القرآن الكريم ، وكون راويه ثقة معروفاً بالامانة في النقل على تفاصيل مذكورة في محلها ، فليس الامر كما ادّعاه هذا الكاتب .

قال الكاتب : إنّ الاسلام المتّبع عند الأمة الاسلامية على مدار ١٤٠٠ سنة الماضية نزل بواسطة الوحي ولم يأت هذا الاسلام كفكرة بشرية خالصة حسب رغبتهم ، ولكن ليس عند الشيعة ركن وأساس في القرآن أو السنّة ، بل الركن قائم عندهم ومبني على الفكر البشري البحت لنيل صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقتلهم . . .

ونقول : انّ الشيعة تعتمد على القرآن وما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٧٣
 &

واهل بيته ويستندون في عقائدهم وأحكامهم على هذه المصادر وليس الامر كما ذكر هذا الكاتب افتراء عليهم وزوراً وبهتاناً . إن الشيعة يتعبّدون في جميع أمورهم بما جاء عن الشرع ولا يجوزون العمل بالرأي والقياس والاستحسانات التي يعتمد عليها غيرهم من بعض المذاهب السنية ولهم في ذلك أدلّتهم العقليّة والنقليّة المبثوثة في كتبهم ، ولكن هذا الكاتب لا يتقي الله في اتّهام غيره بما هو متلبّس به وبما يعتقده من حيث يشعر ، أو لا يشعر وليته طالع كتب الشيعة العقائديّة والفقهيّة لوجد هذه الحقيقة ثابتة ، ولكنه لا يفعل ذلك وإن فعل فإنّما هو بلا رويّة وتدبّر ومن غير انصاف ، بل من أجل التحوير والتزوير والاتهام .

قال الكاتب : إنّ ما عليه الشيعة هو تحريف القرآن والسنة من خلال التفاسير الكاذبة التي توافق مبانيهم تمام الانسجام .

ونقول : هل وجد هذا الكاتب قرآناً عند الشيعة يخالف نسخ القرآن الموجودة عند السنّة ، ليتوجّه هذا الكاتب الى أقرب مسجد للشيعة وليرى نسخ القرآن فيه ويتصفحها ليجد هل فيها اختلاف بينها وبين نسخ القرآن الموجودة عند السنة .

ووالله لو فعل ذلك لما وجد الّا نفس النسخ بل ونفس الطبعات ، وانّ القرآن عند الشيعة هو نفس القرآن عند السنّة ،

٧٤
 &

فلماذا هذا الكذب والافتراء ؟ ولماذا هذا التجني على الشيعة بلا سبب ؟ هل كان ذلك لاختلافهم في الرأي في بعض النظريات مع السنة ؟ فليس هذا الاختلاف دافعاً لهذا الافتراء وقول الباطل كما يفعله هذا الكاتب التي ينفث حقده وعداوته بلا سبب ، ونحن نتحدّى هذا الكاتب ان يأتي بنسخة من القرآن محرّفة عند الشيعة وهو لن يجد من ذلك شيئاً ؛ لان القرآن المتداول عند الشيعة ونقرأه صباحاً ومساء هو نفس القرآن الموجود عند السنّة ولا اختلاف بين نسخ القرآن الموجودة بين كافّة المسلمين .

وسيأتي الكلام عن هذا الموضوع بالذات في الصفحات والبحوث القادمة .

الشيعة وعصمة الأئمة ومقاماتهم عليهم‌السلام

قال الكاتب : على سبيل المثال يدعون أنّ الامام علياً ومن يتّخذونهم أئمّة دينهم لا ذنب لهم وما كانوا مخطئين كالأنبياء .

ونقول : إن هذا الكاتب لا يملك أسباب البحث ومناهجه فهو يخلّط في كلامه بين ما يتناسب مع موضوع البحث وما لا يتناسب معه ، فهذا المثال الذي يأتي به لا يتناسب مع كلامه حول

٧٥
 &

تحريف الشيعة للقرآن ، وله من هذا القبيل الشيء الكثير مما يدل على أنّ نفس الكاتب مضطربة أشدّ الاضطراب وعلى أيّ حال فهذا الكاتب يقول إن الشيعة تقول بعصمة الأئمة عليهم‌السلام وهذا صحيح وعليه عقيدتنا ولا نتنازل عن ذلك ابداً ، ودليلنا صريح القرآن الكريم حيث قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ١ .

فإنّ هذه الآية صريحة في أنّ الله تعالى أذهب الرّجس عن أهل البيت ، والرّجس هو اسم عامّ لكل الآثام وقبائح الأعمال ونتيجة هذا خلو أهل البيت عليهم‌السلام عن ذلك ولا تعني بالعصمة غير هذا ، وأمّا من هم أهل البيت ؟ فالمرجوّ من حضرة الكاتب أن يكلّف نفسه بمراجعة كتب التفاسير السنية ليعرف من هم هؤلاء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .

ويدل على عصمتهم أيضاً قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١) سورة الاحزاب ، الآية ٣٣ .

نزلت الآية في حق خمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين راجع تفسير ابن كثير : ج ٥ ص ٤٨٣ و ٤٨٤ و ٤٨٥ ط / ٢ بمصر وراجع الكشاف للزمخشري : ج ١ ص ١٩٢ طبعة مصطفى محمد ٣٦٩ ط بيروت ـ لبنان .

٧٦
 &

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ١ وليراجع هذا الكاتب كتب التفاسير ليعرف المراد من الابناء والنساء والانفس وليقف على دلالة الآية كما قررها علماء السنة في كتبهم هذا غير الآيات الاخرى التي يستفاد منها عصمة أهل البيت عليهم‌السلام كآية المودّة وغيرها من الآيات الدالة على ان الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام عباد مكرمون منزهون عن ارتكاب المعاصي والذنوب .

ويدلّ على ذلك أيضاً الأحاديث الكثيرة التي رواها علماء السنة في كتبهم كحديث الثقلين وحديث السفينة ، وحديث المنزلة ، وعشرات بل مئات الروايات المرويّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن أراد هذا الكاتب ان يرد هذه الروايات ولا يقبلها فإنما هو يرد أوّلاً على الله وعلى رسوله ، ويطعن في نزاهة الصحابة الذين رووا هذه الروايات ويرد أقوال علماء السنة الذين اثبتوا هذه الروايات في كتبهم وعمل الشيعة على طبقها واستفادوا منها عصمة الأئمة عليهم‌السلام واعتقدوا بذلك ، وإذا كان السنة لم يعتقدوا بعصمة

__________________

١) سورة آل عمران ، الآية ٦١ .

وفي سبب نزول الآية راجع تفسير الطبري : ج ٣ ص ٢٩٩ و ٣٠١ الطبعة الميمنية . وراجع تفسير ابن كثير : ج ١ ص ٣٧٠ و ٣٧١ وراجع الدر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج ١ ص ٣٣ دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان .

٧٧
 &

الائمة عليهم‌السلام فلذلك لا يضرّ بالشيعة ؛ لأن الشيعة انما تتعبّد بما يمليه عليها الدليل .

قال الكاتب : ورد في كتاب الطباطبائي وهو أحد رموز الشيعة البارزين ورد في كتابه الذي سماه [ الشيعة في الاسلام ] ما نصه : لا يمكن ان تكون هناك اُمّة من الناس دون ان يكون فيهم امام لا فرق في ذلك معروف عندهم أم لا .

ونقول : لما كان الدين هو دين الله وهو من الأهميّة بحيث لا يكون لأيدي البشر يتصرّفون في وضع الاحكام ورفعها بما يبلغ إليه تفكيرهم اقتضت الحكمة الالهية ان يختار الله تعالى نخبة من الناس اجتمعت فيهم الكفاءات التي تؤهلهم للحفاظ على احكام الشريعة وتبليغها الى الناس ، ولا يعقل ان يهمل هذا الدين من دون أن يكون له حفظة ورعاة يحفظونه ويدفعون عنه الشبهات ويوصلونه الى الناس وهذا هو معنى الامامة الذي تذهب اليه الشيعة وان الإمامة لا تكون من عند الناس يختارون لهم اماماً يجعلونه حاكماً ، بل إن الله تعالى هو الذي اختار لعلمه بحقائق الناس وصلاحيتهم للامر والشيعة تعتقد أنّ الله تعالى امر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعيّن من بعده خلفاء يقومون بمهمّة المحافظة والرعاية لهذا الدين

٧٨
 &

وقد تزوّدوا بجميع المؤهلات من العلم والتقوى والعبادة وغيرها من الصفات الكمالية ، وقد قامت الادلة على ذلك وهي مبثوثة في كتب الشيعة العقائديّة .

ولما كان هذا الدين باقياً خالداً ، فلا بدّ من وجود الامام الذي يكون دائم الرعاية لهذا الدين ، ويدلّ على ذلك بوضوح قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين الذي يرويه كلّ المسلمين : « إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . . . » ١ وهذا تصريح بعدم الافتراق بين القرآن والعترة وما دام القرآن موجوداً ، فلا بدّ أن يكون الى جانبه العترة المتمثّلة في الامام المنصوب من قبل الله تعالى على يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبناء على هذا فقد يكون شخص الامام معروفاً ظاهراً يراه الناس كما كان في حياة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وسائر أولاده الأئمة من بعده وقد يكون مستتراً لبعض الظروف اقتضت أن يغيب شخصه عن الناس كما في الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي هو الامام المنتظر وهو من سلالة أمير المؤمنين عليه‌السلام وهذه الغيبة التي يغيبها عن الناس لا تضرّ بمهمّته من رعاية الدين وحفظه ، فإنّه مؤيّد من قبل الله تعالى وعلى ذلك قامت الأدلة

__________________

١) صحيح الترمذي : ج ٥ ص ٣٢٨ .

٧٩
 &

وليراجع هذا الكاتب ما قررّه علماء الشيعة في كتبهم ليقف على هذه الحقيقة .

قال الكاتب : لو تطالع كتب الشيعة سوف تجد ان هؤلاء في درجة الانبياء أو أكثر ، فإنّهم يدّعون أن يكون هؤلاء في مقام الانبياء والاختلاف بينهم وبين الائمة في التسمية فحسب ، ففي اعتقاد الشيعة وجد بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أئمة قاموا مقامه ومجرد التسمية لا تغير الاعتقاد والّا فالنبي والامام شيء واحد .

ونقول : إنّ الشّيعة تعتقد أنّ الأئمّة عليهم‌السلام اختارهم الله تعالى لإمامة المسلمين ، وهم خلفاء الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليسوا بأنبياء فلا نبيّ بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اتفق الشيعة والسنّة على رواية هذا الحديث : « علي مني بمنزلة هارون من موسى الّا أنّه لا نبيّ بعدي » ١ كما تحدّث القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى : ( وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ٢ ، بل جاء في الأحكام الشّرعيّة من الفقه الشّيعي أنّ من يدّعي النبوّة بعد النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فحكمه القتل ، بل إنّ من ضروريّات مذهب الشيعة الإيمان بخاتمية نبوة النبيّ

__________________

١) الجامع الصغير : ج ٢ ص ١٧٧ ، الحديث ٥٥٩٧ الطبعة الاولى ١٤٠١ هـ ١٩٨١ م .

٢) سورة الأحزاب ، الآية ٤٠ .

٨٠