الشيخ محمّد سند
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-97-8
الصفحات: ٧٢
أن يقوم على أُسس ، وهذه الأسس هي تحكيم دور الخبرة والعلم ، مضافاً إلى أنّهم عليهمالسلام في موارد عديدة ملزمون من قبل الله تعالى أن يعملوا بالموازين الظاهرة.
ودور آخر للأُمّة وهو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإن كان قد ينشعب من الدور الأول ، لكن قد يجعل قسماً بإزاء القسم الأول قائماً مستقلّاً بحياله ، يعني من الواجب على كلّ فرد فرد أن يحافظ على وعي المجتمع وثقافة المجتمع الصالحة ، فلا يسمح لكلّ فرد أن يصادر الوعي العام ، وأن لا يقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، ولا ريب أنّ هذا الفكر هو إرادة اجتماعيّة ضاغطة على نظام الحكم ، أنّه نوع من الحكومة بشكل آخر ، وهي حكومة المجتمع أيضاً ، بحيث هي تحكم على النظام الحاكم ، أو تحكم على الأفراد ، أو تحكم على بقيّة مرافق القوّة في المجتمع.
وهذا رافد مهم جدّاً « لتأمرون بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم » (١) ، فإذا كانت البيئة الفكريّة والنفسيّة الاجتماعيّة سالمة ، تكون صائنة ومعقّمة عن وصول موجود خبيث في رأس نظام الحكم ، بل أمان عن أيّ انحراف جائر في المجتمع ، وهذا أيضاً نوع من المشاركة للمجتمع.
______________
(١) الكافي ٥ : ٥٦ ، كتاب الجهاد ، باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الحديث ٣.
ودور آخر للمجتمع للمشاركة في تقرير المصير ، وهو دور أصل إقامة الحكم أو زعزعته ـ كما ذكرنا ـ أو مناصرة الحكم أو المقاومة ، وبعبارة أُخرى : يكون لهم في كلّ فعل حكومي صالح المشاركة بشكل إيجابي ، ويكون لهم في كلّ فعل حكومي نظامي المعاوقة بشكل سلبي دور سلبي باتجاهه. فهذه أدوار أربعة أو أكثر للمجتمع في المشاركة لا تخلو عن أهميّة كبرى.
وهناك دور آخر وهو : دور الانتخاب في النظريّة الإماميّة في عهد الغيبة الكبرى ، فالولاية تنشعّب من الله إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وتنشعّب من ولاية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى ولاية الإمام المعصوم عليه السلام ، وهو يولي حينئذٍ قيادة المجتمع أيضاً بالنيابة إلى الفقهاء.
فصلاحيّة الفقيه نيابة عن المعصوم عليه السلام
متشعّبة من ولاية المعصومين عليهم السلام ، وولاية الأمر مركزها هو المعصوم سلام الله عليه حتى في العصر الحالي ، وهذه من أبجديّات ألف باء النظريّة الإماميّة ، أنّ الولاية بالفعل هي للمعصوم الحىّ الغائب ، وإن كان غائباً في الهويّة لكن ليس غائباً في الحضور والوجود ، وهو الذي له الولاية بالفعل ، وتنشعب من هذه الولاية النيابة للفقيه التي أعطاها المعصوم عليه السلام ، وسمح للمجتمع أيضاً في المشاركة في تعيين الفقيه ، حيث جعل له مواصفات ، وجعل إحراز هذه المواصفات بيد الأُمّة ، فعبّر عليه
السلام : « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا » (١) ، فـ « ارجعوا » أمر منه للأُمّة بأن تقوم بهذا الدور ، وهذه مشاركة.
ومن ثمّ اشترط جملة من الفقهاء في مشروعيّة الولاية النيابيّة للفقيه أن تكون الأُمّة قد تابعتة وقلّدته المرجعيّة وقلّدته الحاكميّة ، ويعبّر عنه ببسط اليد ، وإلّا فلا تكون حينئذ ولايته النيابيّة مشروعة ، كأنّما يستفاد من تولية المعصوم أنّه قد اشترط هو عجّل الله فرجه الشريف تقليد الأُمّة له ، وهذا ليس معناه تولية الأُمّة للفقيه ، التولية هي من المعصوم ، لكن هي نوع من الانتخاب ، بمعنى استكشاف المواصفات ، لا الانتخاب بمعنى التولية أو النيابة كما هو في الطرح الغربي ، سواء على صعيد المرجعيّة ، أو على صعيد القاضي ، أو على صعيد الحاكم السياسي ، وهلم جرا.
إذاً للأُمّة بأن تنتخب ، بمعنى تستكشف وتحرز ، لا أنّها تنتخب بمعنى تولّي وتنيب ، وهذا الدور قد كان في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وفي عهد الأئمة عليهم السلام ، حتى في عهد الصادق ، حيث قال عليه السلام : « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا وعرف حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فاني قد
______________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به ، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى الى رواة الحديث من الشيعة ، الحديث ٩.
جعلته عليكم حاكماً » (١) فـ « اجعلوه » إذاً نوع من إعطاء الدور للأُمّة في تعيين الحاكم بمعنى استكشاف الواجد للمواصفات.
فإذاً طبيعة النظام الاجتماعي الذي يرسمه القرآن وأهل البيت عليهم السلام ، أنّه هناك نوع من الانتخاب للأُمّة إلى قادتها المتوسّطين ، أو في سلسلة الهرم التي تنشعب من رأسه وهو المعصوم ، لهم دور في انتخاب تلك القاعدة بنحو الاستكشاف.
فمن ثمّ لو استكشفوا بأنّ المواصفات قد اختلّت ، فلهم حينئذٍ أن يسحبوا ثقتهم أو تقليدهم هذا المنصب لذلك الفرد وعزله وجعل شخص آخر ، وهذا دور ليس بالهيّن ، بل دور مهم يشاهد في النظريّة الشيعيّة.
إذاً في النظريّة الشيعيّة هناك عدّة قنوات لمشاركة الناس ، كلّها لا تتصادم ولا تتنافى مع كون الامامة هي نصب إلهيّ ، وأنّ كلّ ولاية تنشعب من الإمامة ، بعد أن كانت ولاية الإمام عليه السلام منشعبة من ولاية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وولاية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من ولاية الله عزّ وجلّ ، وأصل نظريّة الإمامة ليست تحكيم لنسل ترابي من باب النزعات الترابيّة واللحم والدم الترابي ، ونزعات بطر إقطاع أو استبداد ، لا ، وإنّما هي تحكيم للنور الإلهي على التراب ، وتسليط للنور على العقل ، والعقل على الغرائز.
______________
(١) بحار الأنوار ١٠١ : ٢٦٢ ، كتاب الأحكام ، أبواب القضايا والأحكام ، باب أصناف القضاة وحال قضاة الجور والترافع اليهم ، الحديث ١.
إنّ فكرة الحكم في النظريّة الشيعيّة ليست فكرة سلطة وتغلّب ومنافع شخصيّة ، وإنّما هي استتباب الحقيقة وتحكيم العدل ، وهي مشاركة من طرفين : من طرف الحاكم كخادم ( سيّد القوم خادمهم ) ، ومن طرف آخر قيام الأُمّة بجانب المسؤوليّة الملقاة على عاتقها ، فهذا بالنسبة إلى البند الأول ، وأنّ النظرية الشيعيّة كيف تلافته ، والحال أنّه كان عائقاً حرجاً في التقنين الديمقراطي.
وننطلق من ذلك الأساس بالنسبة إلى الأمر الثاني الذي ذكرنا من الأُمور الأربعة ، وهو دور مصادرة الوعي بتوسّط القوى الظالمة ، وهذا يؤمن تجنّبه في النظريّة الإماميّة الشيعيّة ، باعتبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس هو من وظائف الدولة فقط ، أو مخصوص بالدولة ، أو أنّ المنكر ما أنكره الحاكم ، والمعروف ما أقرّ بمعروفيّته الحاكم ، المنكر له واقعيّة حقيقيّة ، والمعروف له واقعيّة حقيقيّة ، واقعيّة عقليّة فطريّة وشرعيّة ، هي في الجوانب التي يدرك العقل فيها المعروف ، لذلك ذهبت الطائفة الإماميّة إلى أنّ الحسن والقبح عقلّيان ذاتيّان ، ليس بتوافق الأكثريّة أو المجتمع ، ليس هو بشي يقرّر ويتواضع عليه ، وهذا ينسجم حتى مع نظريّة الحقوقيين الذين يقولون بأنّ بنية الحقوق مثلاً ناشئة من الحقوق الطبيعيّة ، أو نظريّة الحقوق العقليّة ، أو نظريّة المدارس الأُخرى الحقوقيّة.
إذاً المسؤوليّة المُلقاة على عاتق
الأُمّة في النظريّة الاماميّة ، أن
تقوم الأُمّة بعمليّة تصحيح التوعية ، ومقاومة التزييف ، ومصادرة الفكر والوعي ، وماشابه ذلك بلغ ما بلغ ، ولا يستطيع القانون أن يقف أمام ذلك ، بل القانون يجب أن يسمح بأدوار الفرد لكن بصورة منظمة ، فمن ثمّ حينئذً لو قام المسلمون والمؤمنون بهذه المسؤولية فيؤمّن ردع هذا الجانب ، فالثري أو القوي مهما بلغ ثراه لا يستطيع أن يقف أمام كلمة الفقير إذا كانت كلمة صادقة مجلية للعمى ، وناشرة للهدى وللنور.
الأمر الثالث الذي لم تستطع أن تتلافاه الديمقراطيّة ، وبينما المشاهد تلافيه في النظريّة الإماميّة : هو الموازنة بين دور العقل والعلم مع دور الأُمّة ، نعم في النظريّة الإماميّة ليس هناك قيمة للأكثريّة بما هي أكثريّة ، بل هناك قيمة للصواب بما هو صواب ، وحتى في معنى قاعدة الشورى ، فإنّ دور الشور في النظريّة الإماميّة ليست المشورة لأجل تحصيل رأي الأكثريّة ، بل لأجل جمع العلوم وجمع العقول ـ العقل الجمعي والعلم الجمعي ـ للوصول إلى الحقيقة والواقعيّة.
الواقعيّة هي التي لها قدسيّة ، الحسن الذاتي للأشياء والقبح الذاتي للأشياء أصابته ووصلت إلى ذلك الأكثريّة وأدركت الأكثريّة ذلك أو لم تدرك ، إرتأته أم لا ، فانّه لا يتغيّر عمّا هو عليه.
لكن هذا لا يتقاطع مع مراعاة أهمّية حقوق الأكثريّة ، فمجال الحقوق يغاير مجال الإصلاح والإرشاد والتعليم والتثقيف.
فمن ثمّ إذاً في النظريّة الإماميّة دور
العلم والعقل محكّم في
الإصلاحات على دور الأكثريّة ، بل الأكثريّة يجب أن تنصاع إلى الحقيقة ، وفي القنوات المدركة لصوابيّة الشي ومعروفيّة الشي ، أو فساد الشي ومنكريّة الشي ، مثلاً في تشخيص النظام الاقتصادي العادل ، النظام النقدي كيف هو ؟ تحكّم الخبرويّة أيضاً ولا تحكّم الأكثريّة. فالكيف عندنا يقدّم على الكمّ ، نعم لو تساوى الكيف فيرجّح بالكم حينئذٍ ، لا من باب تحكيم إرادة الأكثريّة ، بل من باب أنّ كثرة العامل الكمّي مع تساوي الكيف كاشف كيفي آخر ، وهذا تقريباً متبع ومطرد في الفقه الشيعي.
يبقى المحور الآخر الذي ذكرناه طبعاً هو ليس بأخير ، وإلّا فالمحاور عديدة ونحن تعرّضنا لأهمها ، وهي قضية دور الديانة ، ومن الواضح أنّ في النظريّة الشيعيّة تحكيم للديانة والتبعيّة للديانة ، بخلاف الديمقراطيّة الغربيّة بوضوح.
أمّا بالنسبة إلى نظريّة الشورى عند العامّة ، فقبل أن نتعرّض إلى التأمّلات التي أُحيطت بها ، فإنّه في عدّة زوايا لابدّ للإنسان أن يمعن النظر فيها ، والنقاط التي مرّت علينا أنّ الشورى لديهم مثلاً ابتداءً لا بقاءً ، ومن ثمّ الحاكم لا يعزل ولا يخلع إلّا أنّ هو يخلع نفسه ، فهذه النقطة كما قلنا : لا تتوافق مع نظريّة المشاركة الشعبيّة ، أو الديمقراطيّة المطروحة حالياً بتمام المعنى ، حيث إنّ الشعب له عزل الحاكم متى شاء أو تحديد صلاحياته.
وهناك نقطة أُخرى أيضاً ، وهي أنّهم لا يبنون على أنّ الشورى هي مشاركة للناس ككل ، وإنّما هي فقط مشاركة لأهل الحلّ والعقد ، سواءً أقرّ بهم عامّة الناس أو لم يقرّ بهم ، هذه نقطة أُخرى أيضاً يذهبون إليها ، وهذه أيضاً لا تتطابق تماماً مع ما هو مطروح من قضيّة الديمقراطيّة.
النقطة الثالثة عند العامّة : أنّ الحاكم وإن جار يبقى على صلاحيّته ، ومهما بلغ جوره ، ما لم يبلغ جوره أو زيفه أو انحرافه إلى الكفر البواح ، والمراد بالكفر البواح الكفر المعلن ، وإلّا الكفر المبطّن عندهم إيمان ، وهذا لا يتوافق مع مذاهب الديمقراطيّة الموجودة حديثاً ، ولا أتوقّع أنّه يوافق مع أقلّ مستوى العدالة في عرف كلّ ملّة أو قوم بحسبها.
النقطة الرابعة : المفارقة الملحوظة في نظرية الشورى ، هي أنّ الوصول لسدّة الحكم لديهم ليس منحصراً بالشورى والانتخاب ، بل يمكن الوصول لسدّة الحكم لديهم بالتغلّب والقهر والقوّة ، ولا يبحثون عن مبرّرها الشرعي.
فهذه النقطة الرابعة لعلّها متسالم عليها بينهم ومشهورة ومعروفة بينهم ، أنّه يسوغ للمتغلّب بالقوّة أن تكون له مشروعيّة الحكم ، والديمقراطيّة الحديثة بلا شكّ لا تقرّ هذا ولا تبني عليه ، وبعباره ملخّصة لهذه النقطة الرابعة : هم لا يرون انحصار الوصول إلى السلطة ولمشروعيّة السلطة بتوسّط الشورى ، فهذه مفارقة أُخرى بينهم وبين نظريّة الديمقراطيّة.
أما بالنسبة إلى الشورى فانّ المطروح قرآنياً : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (١) أو ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٢) ، فالشورى في اللغة ماهية ولغةً ومعنىً هي : المداولة الفكريّة ، وعبارة عن الفحص الفكري ، وعبارة عن عمليّة فكريّة للفحص ، أشبه ما يمكن أن نسمّيها في العرف الحديث ببنك المعلومات أو بنك الخبرات ، أو نسميها بالعقل الجمعي أو العلم الجمعي ، يعني جمع الخبرات ، يعني نوع من فحص الواقع على أساس خبروي علمي ، فالمداريّة هي على الواقع ، وليس المداريّة للجمع ولا للأكثريّة ; لأنّ ربما في فحصنا هذا لعقول ولعلوم الجمع ولخبرات الجمع نضفي على رأي واحد منهم هو الأنضج والأمتن ، وهو الأكثر سداداً فيتبع ، ولذلك سمّي المشتري مشترياً ; لأنّه يختبر المبيع ، واشتقاقات هذه المادة لغةً لا تساعد على أنّها بمعنى الإرادة الجمعيّة الجماعيّة ، أو الحاكميّة الجماعيّة ، أو القدرة الجماعيّة.
الشور والشورى ليست إلّا بمعنى المداولة وبعد ذلك حجيّة النتيجة ، إنّما يبتني على أدلّة وراء الشور ، الشور ليس إلّا الوقوف والوصول إلى الأدلّة المفضية إلى النتيجة الصائبة. فالشورى إذاً كيفيّة فحص ، كيفيّة تنقيب عن الواقع ، عن الصحة والصواب والحقّ ، وليست هي بنفسها كما يقال : بنية احتجاج ، ولا هي بنفسها متن احتجاج ، وإنّما
______________
(١) الشورى (٤٢) : ٣٨.
(٢) آل عمران (٣) : ١٥٩.
هي تشبه فعل الإنسان عندما يريد أن يصل من المعلوم إلى المجهول ينقّب في المعلومات ، غاية الأمر بدل ما يحكر تنقيبه في خزانته المحدودة الفردية ، يجعل حركة التنقيب في خزانة عامة : « أعلم الناس مَنْ جمع علم الناس إلى علمه » (١) ، « أعقل الناس من جمع عقله إلى عقول الناس ».
فما يرفع من شعار في الحضارة الحديثة ، وهي حضارة المعلومات أو حضارة الاتصالات ، هذا الشعار في الواقع هو نفسه مفاد الشورى بتفسير الإماميّة مطابق لمعناها لغة ، لا المعنى الذي مسخ عن المعنى اللغوي الذي ذهب إليه علماء السنّة والجماعة. فإذاً الشورى عند الإماميّة تتقارب مع الإطارات المطروحة حديثاً في الحضارة الحديثة أو التمدّن الحديث : من أنّ كلّ شي يجب أن يبنى على أساس علمي ، ومن ثمّ شأن المؤمنين ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (٢) شأنهم أن يبنوا كلّ شيء على الخبرويّة وعلى العلم ، لا على العنجهيّة والجهالات والعماية.
ويمكن أن يقرب تقريب آخر لنظريّة الشورى عند الإماميّة بأنّها عبارة عن حجيّة قول أهل الخبرة ، بمعنى تقديم الجانب الكيفي على الجانب الكمّي. أو نستطيع أن نقول أيضاً : عندما يتساوى الكيف يرجع
______________
(١) روضة الواعظين ١ : ٤٦ ، باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها ، الحديث ٢٥.
(٢) الشورى (٤٢) : ٣٨.
إلى الجانب الكمّي ، لا من جهة أنّه كمّ ، بل من جهة أنّه عنصر موجب لتصاعد الجانب الكيفي بطريقة أُخرى.
فهي إذاً عبارة عن حجيّة قول أهل الخبرة ، ومن ثمّ نجد أنّ العامّة أيضاً ألجأوا أنفسهم إلى جعل الشورى في نطاق أهل الحلّ والعقد ، ولم يجعلوها في كثير من أقوالهم ، أو المشهور من أقوالهم لم يجعلوها في نطاق عامّة الناس ، ممّا يدلّ على أنّ الحديث الخبروي هو المهم وليس جانب الكثرة.
فعادت أُسس نظريّة الشورى عند علماء سنّة الجماعة في منطلقاتها تصبّ في نفس مصبّ النظريّة الإماميّة ، وإن كانوا هم لم يوافقوا ويلائموا بين الأُسس التي انطلقوا منها والصياغات التي طرحوها للشورى ، فروح الشورى التي لديهم ، وهي حاكميّة الإرادة الأكثريّة ، لا يتوافق مع الأساس الذي انطلقوا منه ، من أنّ الشورى تختصّ في أهل الحلّ والعقد ، وأخذ مواصفات خاصة في أهل الحلّ والعقد.
وهذا ممّا يدلّل على أنّ الجهة جهة منهجة علميّة وجهة استكشاف ، وليس بجهة تحكيم إرادة ، أو جهة قوّة ، وإلّا فلو كان من جهة إرادة وقوّة ، فعامّة الناس أكثر قوّة وإرادة من الأقليّة التي هي أهل الحلّ والعقد.
ونكتة أُخرى مأخوذة في الصميم على
نظريّة الشورى التي لدى
العامّة ، أنّ في نظريّة الشورى لم يلحظ عندهم تشعّب الولاية من الله إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، فإنّ هناك نصوصاً قرآنية عديدة ، مثل قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، نزلت في علي عليه السلام باتفاق المفسّرين ، وهي حاصرة للولاية فيه ، وبأيّ معنى من تفسير الولاية فسّرت : النصرة أو المحبة ، ولمّا تحصر في علي عليه السلام النصرة المطلقة والمحبة المطلقة ، فإنّه يدلّ على ولايته لأُمور المسلمين.
مضافاً إلى آيات أُخرى دالّة على الولاية ، نظير آية التطهير (٢) ، ونظير آية المودّة (٣) وهي وإن كانت ظاهرها المودّة ، لكن بقرينة ما ذكر ( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٤) ، يدلّل على أنّ المودّة المرادة هنا ، وبقرينة جعلها في كفّة خطيرة ، معادلة إلى التوحيد والنبوّة وما شابه ذلك ، فيكون المراد منها المودّة بمعنى التولّي والمتابعة.
وغيرها من الآيات والأحاديث النبويّة المتواترة ، كحديث
______________
(١) المائدة (٥) : ٥٥.
(٢) الاحزاب (٣٣) : ٣٣.
(٣) الشورى (٤٢) : ٢٣.
(٤) آل عمران (٣) : ٣١.
الغدير (١) ، وحديث الدار (٢) ، وحديث المنزلة (٣) ، وغيرها ، فبالتالي هم لم يراعوا هذه الأدلّة الشرعيّة القطعيّة.
وبهذا المقدار من السرد ، ربما اتضحت فوارق عديدة بين النظريّة الإماميّة ونظريّة الشورى المطروحة عند العامّة.
وبعبارة أُخرى مهمة : إنّ موقف عموم الناس ومشاركتهم لا يشطب ابتداءً وبقاءً وفي أيّ عرصة من عرصات الحكم في النظريّة الإماميّة ، بل دوماً يجعلون المراقب الناقد الناظر المطلع ، ولا يخفى شي أمام عامّة الناس إلّا بما يرجع إلى نظم الأمر وما شابه ذلك ، بحيث لو وقع في أيدي الأعداء لسبّب زعزعة النظام الإسلامي ، ففي حين أنّ الولاية والصلاحيّة تنشعب من الإمامة إلى بقية المناصب والنوّاب في إدارة الحكم ، إلّا أنّ للناس موقفاً فاعلاً مشاركاً في إقامة ما هو الصحيح والعدل ، وفي زعزعة ما هو خاطئ حتى في جهاز ومرافق حكومة المعصوم ، كما بيّنا بلحاظ فقرات جهاز الحكم الذي هو بيد عناصر غير معصومة ، فكيف بك في حكومة غير المعصوم ؟!
فليس هناك من تشطيب أو إلغاء أو ازواء لدور الناس في الحكم ،
______________
(١) كنز العمال ١ : ١٠٧ ، الحديث ٩٥٤ ، مجمع الزوائد ٩ : ٨٨ ، الحديث ١٤٦١٠.
(٢) مسند أحمد ٢ : ١٦٥ ، الحديث ٨٨٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٢ ، الحديث ١٤٦٦٨.
(٣) مسند أحمد ٣ : ٥٠ ، الحديث ١٤٩٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ٩٩ ، الحديث ١٤٦٤٢ وبعده.
في حين أنّ الصلاحيّة من المعصوم ، بل في منطق نظريّة الإماميّة مراقبة الناس تعمّ معرفتهم واستكشافهم لشخص المعصوم وشخص النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، يعني كما أنّ المعصوم لابدّ من توفّر العصمة فيه ابتداءً كذلك بقاءً ، وكما أنّ بيّنات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ابتداءً هي أيضاً بقاءً ، فكيف بك بمن هو دونهم من الفقهاء ، فلابدّ من بقاء توفّر الشرائط فيهم ، والرقيب على توفّر وبقاء الشرائط وحسن الممارسة من الفقهاء أو من هو دون الفقهاء عموم الأُمّة ، وهذا نوع من حيويّة ونشاط للأُمّة مع كونها تحت ظلّ الهداية السماوية.
يمكن سماحة الشيخ تلخيص بياناتكم بأن نقول : قد يكون بين نظريّة الإمامة وبين نظريّة الديمقراطيّة العموم والخصوص المطلق ، يعني أنّ نظريّة الإمامة تحتوي على أُسس ومباني الديمقراطيّة وزيادة ، ولكن بين نظريّة الشورى والديمقراطيّة قد يكون عموماً وخصوصاً من وجه ، يعني أنّ بعض الأُسس الديمقراطيّة توجد في الشورى وبعضها لا توجد ، هل يمكن هذا التلخيص وهذه النتيجة ؟
الشيخ السند : في الواقع بعض الأُمور
الموجودة في الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة لا تتوافق معها النظريّة الإماميّة ، وهي إطلاق عنان الحريّات الفرديّة بمعنى الغرائز الشهويّة ، أو الحريّة الدينيّة بمعنى أنّه يمكن للفئة أن تمارس التضليل الفكري والعقائدي ، وتخادع عقول كثير من الناس ، طبعاً البحث الحرّ والسجال العلمي مفتوح حتى في نظام
الإمامة ، كما قد مارسه أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ولكن لا بمعنى إنّنا نفسح المجال إلى سيطرة مخادعات على الإعلام من دون التصدّي لها وللجواب عليها بنفس المتانة والكفاءة.
بعبارة أُخرى : بعض ما هو موجود متسيّب في النظريّة الديمقراطيّة الغربيّة ، من إطلاق العنان للجانب الفردي على حساب مثل المجتمع ، والتي الآن هم آخذون في التراجع عنها شيئاً فشيئاً ، هذه لا نجدها في النظريّة الإماميّة.
نعم ، النظريّة الإماميّة تتبنّى حريّة العقل ، أو حريّة النموّ العلمي ، وحريّة مراقبة الناس ووصاية الناس على النظام الإسلامي والحكومة الاسلاميّة ، نعم هذه الوصاية موجودة ، لكن للأسف نجدها أنّها ليست بالنحو المركّز في الديمقراطيّة الغربيّة ، كما تقدّم نقل مقال الدكتور عبد الرزاق السنهوري حيث يقول : عندهم تضارب ، هل المذهب العقلي يحكّم أو المذهب الفردي ، هذه أوجه مفارقة موجودة بين النظريّة الإماميّة والديمقراطيّة.
أتصوّر سماحة الشيخ لو أنّنا تركنا نظريّة
الإمامة والشورى إلى جانب ، وأتينا إلى أصل الدين ، لرأينا أنّ المحور الأساسي للمشروع السياسي الديني ، إنّما هو ينصبّ على أنّ تعيين الحاكم وعزله بيد الله تعالى ، ولكن في النظريّة الديمقراطيّة فالمحور والأساس هو أن يكون العزل والنصب للحاكم بيد الناس ، فيبدو هنا حصول نوع تنافر بين
النظريّة الدينيّة السياسية الإلهيّة ، وبين النظريّة الديمقراطيّة العرفية ، وهذا ما أدّى إلى أنّ البعض فصّل بين زمن حضور المعصوم سواء كان نبيّاً أو وصيّاً ، وبين زمن غيبته وعدم وجوده ، فقال بالمشروع الديمقراطي في الثاني ، ولم يقله في الأول ، وذلك نتيجة لهذا التنافر الموجود بين محور وأساس الديمقراطيّة ، ومحور وأساس النظريّة الدينيّة ، فما هو رأيكم ؟
الشيخ السند : في اعتقادي أنّ في النظريّة الإماميّة رقابة الناس ووصاية الناس على مسير الحكم والحاكم موجودة ، فإذا كان أصل نبوّة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصل إمامة الإمام عليه السلام وإن كانت هي بجعل من الله عزّ وجلّ ، إلّا أنّ للناس بل اللازم على الناس أن يتثبّتوا من معرفة وجود هذه الصفة في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ومعرفة هذه الصفة في الإمام عليه السلام ، فكيف بنوّاب الإمام المعصوم وهم الفقهاء ؟! فلعلّ من أروع التزاوج بين تحكيم الواقعيات ، وما يقال من الأُسس العقليّة البديهيّة أو السماويّة الإلهية الرفيعة ، مع المشاركة للناس نجدها في النظريّة الإماميّة.
ففي النظريّة الغربيّة جُعل للناس المشاركة ، لكن تذبذبوا في أنّ مشاركة الناس وآراءهم هل تحدّ أو لا تحدّ ، تحد بما يحدّده العقل ، وليست تحدّ بالمتغلّب ، ولكن عندهم إنّها تحدّ بالحدود العقليّة ، والسبب في ذلك ماذا ؟
لأنّ العقل يدرك مصالح لابدّ منها في النظام الاجتماعي وما شابه ذلك ، فمن غير المنطقي أو المعقول أن يفسح المجال للناس أن يؤدّوا نظامهم المدني بأيديهم نتيجة نزوة شهويّة ، فلابدّ أن يحدّد ويهذّب هذا السلوك الاجتماعي العامّ بالحدود العقليّة.
وكذلك الحال في الأُسس الشرعيّة السماويّة الإلهيّة الرفيعة المسلمة ، هي أيضاً مكمّلة لهذه الفطرة العقليّة البشريّة ، فمن ثمّ هي محكّمة كسكة جادة ليسيروا المسار الاجتماعي عليها.
غاية الأُمور ، أنّ الذي يراقب المسار الاجتماعي ، أو مسار الحكم ونظام الحكم على هذه الجادة ، التي هي جادة العقل والشرع ، الذي يراقب أنّ هذه العجلة الاجتماعيّة لا تنحرف يمنةً ويسرة ، يجب أن يكون من مسؤوليّة الأُمّة ، كما هي طبعاً من مسؤوليّة الإمام المعصوم عليه السلام في أيّ ظرف من الظروف ، سواء كان في حالة إزواء من قبل الظالمين ، أو في حالة تمكّن وقدرة ، في كلّ الحالات هو عليه السلام من مسؤوليّته الإلهيّة أن يحافظ على مسار الأُمّة والبشريّة.
كذلك الأُمّة هي مسؤليتها أيضاً من باب ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (١) ، ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً من
______________
(١) المائدة (٥) : ٢.
(٢) العصر (١٠٣) : ٣.
مسؤولية الأُمّة ، بأن تلاحظ أنّ مسيرة النظام ومسيرة الحكم والحاكم على طريق وجادة الشرع ، فالجادة إذن لمسيرة سلوك النظام الاجتماعي ليست هي بحسب أهواء الناس وآرائهم ، بل هي لابدّ أن تكون بحسب وصاية العقل والشرع ، نعم في الجانب التطبيقي لهذا المسار هنا تكون من مسؤوليّة الأُمّة.
فإذاً في النظريّة الإماميّة نشاهد أروع المزاوجة بين هذين الدورين ، يعني لا إطلاق العنان لدور الأُمّة ، أو لدور الناس ، أو لدور البشر في أن يتّخذوا مسارات غابيّة أو حيوانيّة أو ما شابه ذلك ، تنزلق بهم إلى الهاوية ، بل لابدَّ حينئذ من أن يحكّم وصاية العقل والشرع.
ومن جانب ثاني ليس هناك إلغاء مطلق لدور الناس ، لكي يأتي مخادع على رقاب الأُمّة ويستغلّ مقدّرات الأُمّة ويدّعي أنّ هذا المسير شرعة العقل ، كما حدث في حقب عديدة من التاريخ الإسلامي وباسم الشرع والعقل ، بل لالتزام الجادة العقليّة والشرعيّة لابدّ أن تكون الأُمّة هي المراقبة لمسيرها ، طبعاً تحت هداية الإمام المعصوم عليه السلام ، وتحت هداية الفطرة العقليّة الموجودة في ذوات البشر ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) (١).
______________
(١) الروم (٣٠) : ٣٠.
وأمّا التفرقة بين حقبة ظهور المعصوم عليه السلام وغيبته في نظرية الحكم في النظريّة الإماميّة ، فهذا خلاف ما هو متسالم عليه عند علماء الإماميّة قديماً وإلى ما قبل الآونة الأخيرة ، إنّه متسالم لديهم أنّ الحكومة هي حكومة نيابيّة عن المعصوم عليه السلام في شرعيّتها ، وأنّ الولاية بالفعل هي للإمام الثاني عشر عجّل الله فرجه الشريف ، وأنّ كلّ صلاحيّة أو ولاية يمكن أن تقرّر لابدّ أن تنشعّب منه.
نعم قلنا : إنّه هو عجّل الله فرجه الشريف شأنه شأن آبائه الطاهرين ، قد فوّضوا نسبيّاً إلى الأُمة إحراز صاحب المواصفات في الحاكم النيابي عنه في هذه الحقبة في عصر الغيبة ، وكذلك في حقبة عهد الصادق عليه السلام ، حيث كان سلام الله عليه حُجب عن سدّة القدرة المعلنة ، وإنّما كان يدير نظام الطائفة الشيعيّة ، بل النظام الإسلامى والبشري بشكل خفي ، فأوكل لمن ينوب عنه في الأصقاع المختلفة الشيعيّة النائية عن المدينة عدّة من علماء الإماميّة ذوي مواصفات معيّنة ، وفي كثير من المواطن لم يعيّنهم بأسمائهم الخاصّة ، وفوّضوا نسبيّاً للأُمّة إحراز مصاديق أُولئك النوّاب بمواصفات خاصّة.
نعم ، هناك للأُمّة التخويل في احراز
المواصفات ابتداءً وبقاءً ، وهذا نوع من التقارب بين النظريّة الإماميّة والنظريّة الديمقراطيّة ، لكن على بعض الأقوال في النظريّة الديمقراطيّة أنّ المذهب العقلي يحكّم ، يعني
في حين يعطي للأُمّة وللشعب ولأفراد المجتمع الدور في انتخاب الحاكم وعزله وما شابه ذلك ، إلّا أنّ المذهب العقلي عندهم يحدّد مسار الانتخاب ، بأن يكون المنتخب واجداً للصفات والشرائط التي يحكم بها العقل ، كذلك نحن في النظريّة الإماميّة نقول بجانب الشروط التي يحكم بها العقل البديهيّة ، هناك شروط شرعيّة يحكم بها الشرع ، وبعبارة أُخرى الشرع المتمثّل في الإمام المعصوم عليه السلام قد أعطى الصلاحيّة إلى نطاق خاصّ معيّن ، فمن ثمّ هم يستكشفون.
أمّا المفارقة بين عهد الغيبة وعهد الظهور ، فكأنّما القائل بها في غفلة كبيرة جدّاً عن أنّ الولاية الفعليّة هي للإمام المعصوم عجّل الله فرجه الشريف ، وهو ليس غائباً غياب وجود ، وإنّما هو غائب غياب هويّة ، يعني هويّته غائبة عن شعورنا ومعرفتنا به ، يعني معرفتنا له غائبة ، لا أنّه هو غائب ، وإلّا هو فى ساحة كبد الحدث وبين أيدينا في كمال النشاط ، وبذل الجهد في هداية الأُمّة ومسير الأُمّة بالشكل الخافي علينا.
سماحة الشيخ ، من المشاكل الفكريّة التي
سبّبتها النظريّة الديمقراطيّة ، هو في كيفيّة الجمع بين الدين وبين الديمقراطيّة ، فكلّ ذهب إلى مسلك خاصّ في هذا المجال. وهناك من حاول أن يجمع بينهما على حساب الدين ، مثلاً يفرّقون بين الحقوق ويقولون : إنّ هناك حقوقاً طبيعيّة فطريّة للإنسان ، وحقوقاً وضعيّة ، وهذه الحقوق الطبيعيّة