الإمام علي بن الحسين عليه السلام دراسة تحليلية..

مختار الأسدي

الإمام علي بن الحسين عليه السلام دراسة تحليلية..

المؤلف:

مختار الأسدي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-215-6
الصفحات: ١٢٨

ومنهم.

أما ترىٰ ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟! قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلىٰ أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يُدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان... ».

بعد ذلك يروح الإمام السجاد محذّراً منذراً ، مذكّراً منبّهاً ، ينتقل من الدنيا إلىٰ الآخرة ومن الأرض إلىٰ السماء ، ومن الغيب إلىٰ الواقع ومن الواقع إلىٰ الغيب ، لا تفوته إشارة إلّا لمّح لها ولا يترك فراغاً إلّا ملأه ، فيقول : « أما بعد... فأعرض عن كل ما أنت فيه حتىٰ تلتحق بالصالحين الذين دُفنوا في أسمالهم ، لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يُفتنون بها.

فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنّك ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ؟ الجاهل في علمه ؟ المأفون في رأيه ؟ المدخول في عقله ؟!... علىٰ من المعوّل ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلىٰ الله بثّنا ، وما نرىٰ فيك ! ونحتسب عند الله مصيبتنا بك...

فاُنظر : كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً.. ! وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً ! وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً !! وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك ان تكون منه قريباً ذليلاً !!

مالك لا تنتبه من نعستك ؟ وتستقيل من عثرتك ؟ فتقول : والله ما قمت لله

١٢١

مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ! أو أمّتُ له فيه باطلاً!! أفهذا شكرك من استحملك ؟! ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالىٰ في كتابه : ( أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )(١)استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ! والسلام... (٢).

وهكذا يتّضح من سطور هذه الرسالة وحروفها وكلماتها ، أنّ الإمام السجاد عليه‌السلام دخل في مواجهة مكشوفة مع السلطة الحاكمة ، عبر تنديده العلني هذا بأحد رموزها ، المقربين من بلاطها ، أي عبر تحذيره وإنذاره وتوبيخه وتأنيبه له : « مالك لا تنتبه من نعستك ؟ ولا تستقيل من عثرتك ؟ »... « أما ترىٰ ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ ».

إذن ، وبايجاز جليّ وواضح ، وكلمات ساطعة صادحة ، كشف الإمام ، من خلال هذه الرسالة ، كل الخيوط المخفية التي يتستر بها وعّاظ السلاطين عادة ، للتعتيم علىٰ نفعيتهم ووصوليتهم ولصوصيتهم (٣)..

_______________________

(١) سورة مريم : ١٩ / ٥٩.

(٢) وردت الرسالة في تحف العقول : ٢٧٤ ـ ٢٧٧. ورواها الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليه‌السلام : ١٢٢ ـ ١٢٦. ورواها المقرّم في الإمام زين العابدين : ١٥٤ ـ ١٥٩. ورواها الغزالي في إحياء علوم الدين ٢ : ١٤٣.

(٣) جاء في كتاب «الكشكول» المعروف لبهاء الدين العاملي ما نصه : (إذا رأيت العالم يلازم السلطان فاعلم أنه لص. وإياك أن تُخدع بما يقال إنّه يردّ مظلمة أو يدافع عن مظلوم ٠ فان هذه خدعة ابليس اتخذها فخّاً والعلماء سلّما ً) راجع كتاب الفقيه والسلطان / د. وجيه كوثراني : ١٥٥.

١٢٢

« لقد سهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه ، وأنك سوف تُسأل عمّا أخذت بإعانتك علىٰ ظلم الظلمة.. » الذين « جعلوك قطباً أداروا بك رحىٰ مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلىٰ بلاياهم وسلّماً إلىٰ ضلالتهم » ! وغير ذلك مما يعدّ وثيقة سياسية دقيقة جداً ومعبّرة جداً لكلِّ من يحاول تبرير قربه من الظلمة أو إدعائه إصلاحهم بوعظه وإرشاده ونصائحه...

ولعلّ الموقف من أعوان الظلمة هذا هو أدّق الخيوط في نسيج التعامل السياسي الذي ينبغي غزله أو السير فيه بدقّة وحذر متناهيين...

ولذلك نرىٰ الإمام يدعو لأهل الثغور في دعائه المعروف «دعاء الثغور» تارة ، قبال عدوّ مشترك تنكمش لتحدّيه الجزئيات أمام الكليات ، فيما نراه يندّد بحكام الثغور وأعوانهم وظلمهم وتعسفهم تارة اُخرىٰ في الدائرة الأضيق ، أو ما يُسمىٰ في المصطلح الحديث «النقد داخل البيت» وبهذا الاسلوب المندد المقرع : « والله ما قمت له مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ، أو أمتّ له فيه باطلاً » !

فمن هذه المداخلات ، إذن ، ومن هذه الخيوط الدقيقة تجب دراسة الإمام السجاد وقراءة مواقفه قبل الحكم له أو عليه عليه‌السلام. ومن هذه القراءة يمكن أن تُفهم منطلقات الإمام وأهدافه في سكوته أو كلامه ، وفي عزلته أو تصديه وفي صمته أو ثورته ، لاسيّما وهو القائل في ردّه علىٰ من يقول (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب).. « لكلِّ واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت » وأضاف : « لأنّ الله عزَّ وجلّ ، ما بعث الأنبياء ، والأوصياء بالسكوت ، وإنما بعثهم بالكلام ، ولا استُحقت الجنة بالسكوت.. ولا استُوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توقيت النار بالسكوت ! ».

١٢٣

وأكثر من ذلك : « إنّك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.. » (١) وتلك هي الحكمة البالغة والبيان البليغ..

فسلام علىٰ الإمام السجاد ساكتاً ومتكلماً ، وسلام عليه معتزلاً ومتصدياً ، وسلام عليه داعياً لأهل الثغور ومندداً بظلمهم وجورهم وتعسفهم ، وسلام عليه مصفحاً متغافلاً عن عبد من عبيدالله سبَّه وشتمه ، ومعنّفاً مقرّعاً لواعظ من وعّاظ السلاطين جعل من نفسه جسراً لبلايا سلاطينه ، وسلّماً لضلالهم وغواياتهم...

_______________________

(١) الإحتجاج / الطبرسي : ٣١٥.

١٢٤

المُحتَويَات

مقدمة المركز .....................................................................  ٥

المقدمة ...........................................................................  ٧

الفصل الأول الإمام السجاد عليه‌السلام في سطور

الشخصية ......................................................................  ١١

المحطات الرئيسية في حياة الإمام السجاد عليه‌السلام ..................................  ١٥

المحطة الاُولىٰ : في كربلاء .......................................................  ١٦

المحطة الثانية : في الكوفة والشام .................................................  ١٩

المحطة الثالثة : في المدينة المنورة ..................................................  ٢٤

١ ـ دوره العلمي .............................................................  ٢٤

٢ ـ دوره في بلورة المعارضة السياسية ..........................................  ٢٩

المرحلة المنعطف ................................................................  ٣٢

١٢٥

القتال علىٰ جبهات متعددة ....................................................  ٣٤

الحصيلة ........................................................................  ٣٧

الفصل الثاني ظاهرة البكاء عند الإمام زين العابدين عليه‌السلام

بين البكاء والتباكي ............................................................  ٤١

تفسير ظاهرة البكاء عند الإمام عليه‌السلام ...........................................  ٤٢

المواجهة أو الصبر ..............................................................  ٤٤

ماذا حقق البكاء ؟ .............................................................  ٤٥

الفصل الثالث ظاهرتا العبادة والدعاء عند الإمام عليه‌السلام

التفسير المبتور للظاهرتين ........................................................  ٥١

طريقان لا ثالث لهما ...........................................................  ٥٣

الهدف الحقيقي .................................................................  ٥٣

مضامين دعائه عليه‌السلام ...........................................................  ٥٨

١ ـ المضامين العقائدية ..........................................................  ٦٢

١٢٦

٢ ـ المضامين الأخلاقية .........................................................  ٦٤

٣ ـ المضمون العبادي ...........................................................  ٦٧

الفصل الرابع فلسفة الإمام عليه‌السلام في الانفاق وتحرير العبيد

هدف الإمام من التعامل مع الظاهرة ............................................  ٧٤

التربية العالية والخُلق الرفيع .......................................................  ٧٥

سياسة الإنفاق .................................................................  ٨٠

الفصل الخامس رسالة الحقوق: الإعلان الأول لحقوق الإنسان في العالم

رسالة الحقوق : محاكمة المفاهيم بالمصاديق ......................................  ٨٥

مع رسالة الحقوق ...............................................................  ٨٨

حقوق الرعية والراعي ...........................................................  ٩٠

حقوق الرحم ...................................................................  ٩١

حق الاُم ....................................................................  ٩٢

حق الأب ..................................................................  ٩٢

١٢٧

حق الولد ...................................................................  ٩٣

حق الأخ ...................................................................  ٩٣

حق الغريم ......................................................................  ٩٥

حق الخصم .....................................................................  ٩٥

حقوق اُخرىٰ ..................................................................  ٩٦

كلمة اُخرىٰ في رسالة الإمام ....................................................  ٩٧

الفصل السادس خلاصة الجهاد السياسي عند الإمام السجاد عليه‌السلام

خيمة خارج المدينة ...........................................................  ١٠٥

الموقف من الحركات الثورية ....................................................  ١٠٧

الموقف من الظالمين ...........................................................  ١١٠

موقفه من عبد الملك وهشام ...............................................  ١١٠

الموقف من أعوان الظلمة ......................................................  ١١٣

كتاب الإمام السجاد عليه‌السلام الى الزهري ........................................  ١١٨

المحتويات .....................................................................  ١٢٥

١٢٨