أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦
حتى يطأ جناحها بأخمصه (١) ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم وأنتم في رفاهية من العيش وادعون (٢) فاكهون (٣) آمنون تتربصون بنا الدوائر (٤) وتتوكفون الأخبار (٥) وتنكصون عند النزال وتفرون من القتال.
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق (٦) وسمل جلباب الدين (٧) ونطق كاظم الغاوين (٨) ونبغ خامل الأقلين (٩) وهدر فنيق المبطلين (١٠) فخطر في عرصاتكم (١١) وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم (١٢) فألفاكم لدعوته مستجيبين وللعزة فيه ملاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم غضابا (١٣) فوسمتم غير إبلكم (١٤) ووردتم غير مشربكم (١٥).
هذا والعهد قريب والكلم رحيب (١٦) والجرح لما يندمل (١٧) والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) فهيهات منكم وكيف بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم؟ ـ أموره ظاهرة وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون (١٨) أم بغيره تحكمون ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ومن يتبع ( غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها (١٩) ويسلس قيادها (٢٠) ثم أخذتم تورون
__________________
(١) ينكفئ : يرجع ، والأخمص : ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.
(٢) وادعون : ساكنون
(٣) فاكهون : ناعمون.
(٤) الدوائر : صروف الزمان ، أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا.
(٥) تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا.
(٦) في بعض النسخ « حسيكة » وحسكة النفاق عداوته.
(٧) وسمل جلباب الدين ، سمل : صار خلقا ، والجلباب : الإزار.
(٨) الكظوم : السكوت.
(٩) الخامل : من خفي ذكره وكان ساقطا لا نباهة له.
(١٠) الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته ، والفنيق : الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان.
(١١) خطر البعير بذنبه : إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.
(١٢) مغرزه : أي ما يختفي فيه تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف.
(١٣) أي : حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.
(١٤) الوسم : أثر الكي.
(١٥) الورود : حضور الماء للشرب.
(١٦) الكلم ـ بالضم ـ : الجرح ، والرحب ـ بالضم ـ : السعة.
(١٧) أي : لم يصلح بعد.
(١٨) في بعض النسخ « تدبرون ».
(١٩) نفرتها ، نفرت الدابة : جزعت وتباعدت.
(٢٠) يسلس : يسهل.
وقدتها (١) وتهيجون جمرتها وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي تشربون حسوا في ارتغاء (٢) ـ وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء (٣) ويصير (٤) منكم على مثل حز المدى (٥) ووخز السنان في الحشا وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته.
أيها المسلمون أأغلب على إرثي (٦) يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت ( شَيْئاً فَرِيًّا ) أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (٧) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٨) وقال ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٩) وقال ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (١٠) وقال ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١١) وزعمتم أن لا حظوة (١٢) لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي فدونكها مخطومة مرحولة (١٣) تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة ( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ) ولا ينفعكم إذ تندمون ولِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ.
ثم رمت بطرفها (١٤) نحو الأنصار فقالت يا معشر النقيبة وأعضاد الملة (١٥) وحضنة
__________________
(١) أي : لهبها.
(٢) الحسو : هو الشرب شيئا فشيئا ، والارتغاء : هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء : مثل يضرب لمن يظهر شيئا ويريد غيره.
(٣) الخمر ـ بالفتح ـ : ما واراك من شجر وغيره ، والضراء بالفتح : الشجر الملتف بالوادي.
(٤) وفي بعض النسخ « يصبر ».
(٥) الحز : القطع ، والمدى : السكاكين.
(٦) في بعض النسخ « ارثه ».
(٧) النمل : ١٦.
(٨) مريم : ٦.
(٩) الأنفال : ٧٥.
(١٠) النساء : ١١.
(١١) البقرة : ١٨٠.
(١٢) الحظوة : المكانة.
(١٣) مخطومة : من الخطام ـ بالكسر ـ : وهو كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به والرحل ـ بالفتح ـ : هو للناقة كالسرج للفرس.
(١٤) في بعض النسخ « رنت ».
(١٥) النقيبة : الفتية.
الإسلام ما هذه الغميزة في حقي (١) والسنة عن ظلامتي؟ (٢) أما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أبي يقول المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة (٣) ولكم طاقة بما أحاول وقوة على ما أطلب وأزاول أتقولون مات محمد صلىاللهعليهوآله فخطب جليل استوسع وهنه واستنهر فتقه (٤) وانفتق رتقه وأظلمت الأرض لغيبته وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته وأكدت (٥) الآمال وخشعت الجبال وأضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند مماته فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة ولا بائقة (٦) عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم وفي ممساكم ومصبحكم يهتف في أفنيتكم هتافا وصراخا وتلاوة وإلحانا ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (٧) إيها بني قيلة (٨) أأهضم تراث أبي ـ وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى (٩) ومجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة (١٠) توافيكم الدعوة فلا تجيبون وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وأنتم موصوفون بالكفاح معروفون بالخير والصلاح والنخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب وناطحتم الأمم وكافحتم (١١) البهم لا نبرح أو تبرحون (١٢) نأمركم فتأتمرون حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ودر حلب الأيام وخضعت ثغرة الشرك وسكنت فورة الإفك وخمدت نيران الكفر وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين (١٣) فأنى حزتم بعد البيان وأسررتم بعد الإعلان ونكصتم بعد الإقدام وأشركتم بعد الإيمان بؤسا لقوم نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ من بعد عهدهم وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
__________________
(١) الغميزة : ـ بفتح الغين المعجمة والزاي ـ ضعفة في العمل.
(٢) السنة ـ بالكسر ـ : النوم الخيف.
(٣) إهالة : بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
(٤) الوهن : الخرق ، واستنهر : اتسع.
(٥) أكدت : قل خيرها.
(٦) بائقة : داهية.
(٧) آل عمران : ١٤٤.
(٨) بنو قيلة ، قبيلتا الأنصار : الأوس والخزرج.
(٩) المنتدى : المجلس.
(١٠) الجنة ـ بالضم ـ : ما استترت به من السلاح.
(١١) وفي بعض النسخ « كالحتم ».
(١٢) لا نبرح : لا نزال.
(١٣) استوسق : اجتمع.
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (١) ـ وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة (٢) ونجوتم بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم (٣) فإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (٤) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنها فيضة النفس ونفثة الغيظ وخور القناة (٥) وبثة الصدر وتقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة (٦) الظهر نقبة الخف (٧) باقية العار موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد موصولة بنار ( اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) فبعين الله ما تفعلون و ( سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) وأنا ابنة نذير ( لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) فاعملوا ( إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ).
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان وقال يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رءوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا إلفك دون الأخلاء (٨) آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا يحبكم إلا سعيد ولا يبغضكم إلا شقي (٩) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون الخيرة المنتجبون على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلا بإذنه والرائد لا يكذب أهله ـ وإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه (١٠) وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون
__________________
(١) أخلدتم : ملتم. والخفض : السعة والخصب واللين.
(٢) الدعة : الراحة والسكون.
(٣) الدسع : القيء ، وتسوغ الشراب : شربه بسهولة.
(٤) الجذلة : ترك النصر ، خامتكم : خالطتكم.
(٥) الخور : الضعف ، والقناة : الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا : ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
(٦) فاحتقبوها : أي احملوها على ظهوركم ، ودبر البعير : أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل.
(٧) نقب خف البعير : رق وتثقب.
(٨) الإلف : هو الأليف بمعنى المألوف ، والمراد هنا ، الزوج لأنه إلف الزوجة وفي بعض النسخ « ابن عمك ».
(٩) في ذخائر العقبى ، ـ لمحب الدين الطبري ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله « لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلا منافق شقي » أخرجه الملا.
(١٠) نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين « قدسسره » في كتابه الجليل « النص والاجتهاد » عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي :
« قال » : بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة ، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما فعل معها في ميراث أبيها ، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي ، وأنه قد ثبت أن النبي ـ
الكفار ويجالدون المردة الفجار وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي ولم أستبد بما كان الرأي عندي (١) وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك ـ لا تزوى عنك ولا ندخر دونك وإنك وأنت سيدة أمة أبيك والشجرة الطيبة لبنيك لا ندفع ما لك من فضلك ولا يوضع في فرعك وأصلك حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذاك أباك صلىاللهعليهوآله؟
__________________
ـ (صلىاللهعليهوآله) قد قال إنه لا يورث ، وأنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر ، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها (صلىاللهعليهوآله) كأن يخصها بفدك ، وهذا من حقه الذي ليس يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما يشاء.
قال : وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي صلىاللهعليهوآله على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان ، هذا كلامه بنصه.
ثم عقب السيد « ره » قائلا : ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها (صلىاللهعليهوآله) قالوا في آخره : « وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله فضلا عن الدين » فذيله ابن أبي الحديد بقوله : « هذا الكلام لا جواب عنه » النص والاجتهاد ص ١٢٣ / ١٢٤.
(١) خطر ببالي وأنا افكر في قول الخليفة ، « وذلك بإجماع المسلمين لم أنفرد به » وقوله في آخر الحديث الذي تفرد بنقله عن النبي صلىاللهعليهوآله « وما كان من طعمة فلو لي الأمر أن يحكم فيه بحكمه » نعم خطر ببالي وأنا افكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيها أم من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذي استنكرته الصديقة الطاهرة (عليهاالسلام) واعتبرته كذبا وزورا وافتراء على الرسول (صلىاللهعليهوآله) اعتلالا منهم لما أجمعوا على الغدر بذريته كما اعتبرته طعنا في عصمته (صلىاللهعليهوآله) لو صدر ذلك منه ، واسمع ذلك كله في جوابها لأبي بكر ، « سبحان الله! ما كان أبي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن كتاب الله صادفا ، ولا لأحكامه مخالفا ، بل كان يتبع أثره ، ويقفو سوره أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته » ثم إن كان من حقه الخاص فلما ذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الأنبياء إكراما لمقام أبيها (صلىاللهعليهوآله) وإذا كان من حق المسلمين فكيف تداولتها الأيدي بالأهواء بعد ذلك دون أخذ رأيهم فيها.
نعم خطر ببالي وأنا اجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن إدريس من قصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء (عليهاالسلام) والتي يقول في أولها :
ما لعيني غاب عنها كراها |
|
وعراها من عبرة ما عراها |
ألدار نعمت فيها زمانا |
|
ثم فارقتها فلا أغشاها |
إلى أن يقول :
بل بكائي لمن خصها |
|
الله تعالى بلطفه واجتباها |
وحباها بالسيدين الجليل |
|
ين العظيمين منه حين حباها |
ولفكري في الصاحبين اللذين |
|
استحسنا ظلمها وما راعياها |
منعا بعلها من الحل والعق |
|
د وكان المنيب وا لأواها |
والتي يقول فيها :
وأتت فاطم تطالب بالإر |
|
ث من المصطفى فما ورثاها |
إلى أن قال ـ وهو محل الشاهد ـ:
أترى المسلمين كانوا يلومو |
|
نهما في العطاء لو أعطياها |
كان تحت الخضراء بنت نبي |
|
ناطق صادق أمين سواها |
بنت من؟ أم من؟ حليلة من؟ |
|
... من سن ظلمها وأذاها |
فقالت عليهاالسلام سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله عن كتاب الله صادفا (١) ولا لأحكامه مخالفا بل كان يتبع أثره ويقفو سوره أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل (٢) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول : ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٣) ويقول ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (٤) وبين عز وجل فيما وزع من الأقساط وشرع من الفرائض والميراث ـ وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة المبطلين وأزال التظني والشبهات في الغابرين كلا ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ).
فقال أبو بكر ( صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) وصدقت ابنته معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين وعين الحجة لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت ـ وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود (٥).
فالتفتت فاطمة عليهاالسلام إلى الناس وقالت :
معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (٦) المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها )؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ـ فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا إذا كشف لكم الغطاء وبان بإورائه [ بإدرائه ] الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ( وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ).
ثم عطفت على قبر النبي صلىاللهعليهوآله وقالت :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة |
|
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها |
|
واختل قومك فاشهدهم ولا تغب |
__________________
(١) صادفا : معرضا.
(٢) الغوائل : المهالك ، فهي صلوات الله عليها رأت في هذا التعليل والاستدلال بوضع حديث مزور على لسان الرسول (صلىاللهعليهوآله) مؤامرة استهدفت شخصه الكريم كما استهدفت رسالته من خلال أهل بيته حيث سلبته أعظم امتياز تستند إليه الرسالة وهي العصمة بمخالفته أحكام الكتاب في منع أهل بيته من الإرث ورأت (عليهاالسلام) في هذا التهجم على شخصه الكريم بعد الوفاة شبها بما كان يحاك ضده من المؤامرات في حياته (صلىاللهعليهوآله) إذ هي الأخرى استهدفت شخصه للقضاء على رسالته.
(٣) سورة مريم ٦.
(٤) سورة النمل ١٦.
(٥) حقا إنه لمن الملفت للنظر لجوء أبي بكر إلى رأي المسلمين بعد انهزامه أمام حجج الصديقة الدامغة الثابتة اليقينية من صريح المحكم من كتاب الله العظيم مما لم يدع مجالا للشك والشبهة في بطلان الحديث المزعوم وسقوطه عن الاعتبار ومخالفته لاصول الإسلام والنبي صلىاللهعليهوآله منزه عن التفوه بمثله.
(٦) في بعض النسخ « قبول الباطل ».
وكل أهل له قربى ومنزلة |
|
عند الإله على الأدنين مقترب |
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم (١) |
|
لما مضيت وحالت دونك الترب |
تجهمتنا رجال واستخف بنا |
|
لما فقدت وكل الأرض مغتصب |
وكنت بدرا ونورا يستضاء به |
|
عليك ينزل من ذي العزة الكتب |
وكان جبرئيل بالآيات يؤنسنا |
|
فقد فقدت وكل الخير محتجب |
فليت قبلك كان الموت صادفنا |
|
لما مضيت وحالت دونك الكثب (٢) |
ثم انكفأت عليهاالسلام وأمير المؤمنين عليهالسلام يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليهالسلام :
يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل (٣) فخانك ريش الأعزل (٤) هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة (٥) ابني لقد أجهد (٦) في خصامي وألفيته ألد في كلامي (٧) حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك (٨) يوم أضعت حدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا (٩) ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا (١٠) ومنك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهن العضد (١١) شكواي إلى أبي وعدواي (١٢) إلى ربي اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا وأشد بأسا وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام لا ويل لك بل الويل لشانئك (١٣) ثم نهنهي عن وجدك (١٤) يا ابنة
__________________
(١) النجوى : السر.
(٢) الكثب ـ بضمتين ـ : جمع الكثيب وهو : الرمل.
(٣) قوادم الطير : مقادم ريشه وهي عشرة ـ والأجدل : الصقر.
(٤) الأعزل من الطير : ما لا يقدر على الطيران.
(٥) يبتزني : يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش.
(٦) في بعض النسخ « أجهر ».
(٧) ألفيته : وجدته ، والألد : شديد الخصومة.
(٨) ضرع : خضع وذل.
(٩) أي ما فعلت شيئا نافعا ، وفي بعض النسخ « ولا أغنيت باطلا » : أي كففته.
(١٠) العذير : النصير. وعاديا : متجاوزا.
(١١) الوهن : الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
(١٢) العدوى : طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
(١٣) الشانئ : المبغض.
(١٤) أي : كفي عن حزنك وخففي من غضبك.
الصفوة وبقية النبوة فما ونيت (١) عن ديني ولا أخطأت مقدوري (٢) فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله.
فقالت حسبي الله وأمسكت.
وقال سويد بن غفلة (٣) لما مرضت فاطمة س المرضة التي توفيت فيها (٤) دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها فقلن لها كيف أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله فحمدت الله وصلت على أبيها ثم قالت :
أصبحت والله عائفة لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم (٥) وسئمتهم بعد أن سبرتهم (٦) فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد وقرع الصفاة وصدع القناة وختل الآراء (٧) وزلل الأهواء وبئس ( ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ) لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها (٨) وشننت عليهم غاراتها (٩) فجدعا وعقرا و ( بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).
ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا (١٠) والدين ( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وما الذي نقموا من أبي الحسن عليهالسلام نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال (١١) وقعته وتنمره في ذات الله (١٢) وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم
__________________
(١) ما كللت ولا ضعفت ولا عييت.
(٢) ما تركت ما دخل تحت قدرتي ، أي لست قادرا على الانتصاف لك لما أوصاني به الرسول (صلىاللهعليهوآله).
(٣) قال العلامة في الخلاصة : سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي : إنه من أولياء أمير المؤمنين عليهالسلام وفي أسد الغابة « أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يره وأدى صدقته إلى مصدق النبي صلىاللهعليهوآله ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي (صلىاللهعليهوآله) وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة ... » وفي تهذيب التهذيب وثقه ابن معين والعجلي مات سنة ٨٠ وقيل ٨١ وقيل ٨٨.
(٤) قال ابن أبي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج « قال أبو بكر وحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليهالسلام) قالت : لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله الوجع وثقلت وفي علتها دخلت عليها ... الخ.
(٥) لفظتهم : رميت بهم وطرحتهم بعد أن عجمتهم : أي بعد أن اختبرتهم وامتحنتهم.
(٦) سئمتهم : مللتهم ، وسبرتهم : جربتهم واختبرتهم واحدا واحدا.
(٧) ختل الآراء : زيفها وخداعها.
(٨) أوقتها : ثقلها.
(٩) شننت الغارة عليهم : وجهتها عليهم من كل جهة.
(١٠) الطبين : الفطن الحاذق العالم بكل شيء.
(١١) النكال : ما نكلت به غيرك كائنا ما كان.
(١٢) تنمر : عبس وغضب.
إليها وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا (١) ـ لا يكلم حشاشه (٢) [ خشاشه ] ولا يكل سائره (٣) ولا يمل راكبه ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ونصح لهم سرا وإعلانا ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ولا يحظى منها بنائل غير ري الناهل وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ).
ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر عجبا : ( وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) ليت شعري إلى أي سناد استندوا وإلى أي عماد اعتمدوا وبأية عروة تمسكوا وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا (٤) ( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) و ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (٥) والعجز بالكاهل (٦) فرغما لمعاطس (٧) قوم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ. ويحهم أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا (٨) وذعافا مبيدا هنالك ( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ) ويعرف الباطلون غب (٩) ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمأنوا للفتنة جاشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا فيا حسرتى لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم ( أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ).
قال سويد بن غفلة فأعادت النساء قولها عليهاالسلام على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره فقالت عليهاالسلام إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم.
__________________
(١) سجحا : سهلا.
(٢) كلمه : جرحه.
(٣) يكل : يتعب.
(٤) احتنكه : استولى عليه.
(٥) الذنابى : ذنب الطائر ، وقوادمه : مقادم ريشه.
(٦) العجز : مؤخر الشيء ، والكاهل : مقدم اعلى الظهر مما يلي العنق.
(٧) المعطس : لأنف.
(٨) القعب : القدح ، والدم العبيط : الخالص الطري.
(٩) الذعاف : السم الذي يقتل من ساعته ، الغب : العاقبة.
احتجاج سلمان الفارسي رضياللهعنه (١) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله على القوم لما تركوا أمير المؤمنين عليهالسلام واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم ( وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ )
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال خطب الناس سلمان الفارسي رحمة الله
__________________
(١) أبو عبد الله سلمان الفارسي أو المحمدي ويلقب أيضا بسلمان الخير أصله من رامهرمز وقيل من أصفهان من بلدة يقال لها : جي.
كان من أوصياء عيسى عليهالسلام ، وهذا هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليهالسلام يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة ، ويتولى تغسيله بيده الشريفة ، إذ أن الوصي لا يغسله إلا وصي مثله.
هرب سلمان عليهالسلام من فارس لأن أهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلك سفر قافلة إلى الشام فذهب معها ، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهم في الدين برهة من الزمن.
ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرة النبي الأمي وصحبته ، وكان سلمان عليهالسلام يعلم أنه سيبعث من هناك لأنه كما مر كان من أوصياء عيسى (عليهالسلام).
واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم وأساءوا الصحبة فانتبهوا ما كان عنده وأسروه ثم باعوه من يهودي في المدينة على أنه رق.
وبقي عند ذلك اليهودي إلى أن هاجر النبي صلىاللهعليهوآله إلى المدينة وكان سلمان (عليهالسلام) كاتب ذلك اليهودي على أن يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق ، فأعانه رسول الله صلىاللهعليهوآله على ذلك فتحرر.
ولما زحف الجيش بقيادة أبي سفيان لقتل النبي صلىاللهعليهوآله وأصحابه وهدم المدينة على أهلها ، في غزوة الأحزاب ـ أشار سلمان بحفر الخندق ، فقال أبو سفيان لما رآه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
وكان إذا قيل له ابن من أنت؟ يقول أنا سلمان بن الإسلام ، أنا من بني آدم.
وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله من وجوه أنه قال : لو كان الدين في الثريا لناله سلمان ، وفي رواية اخرى لناله رجل من فارس
وروي عنه (صلىاللهعليهوآله) أنه قال : « إن الله يحب من أصحابي أربعة ـ فذكره منهم »
وقال (صلىاللهعليهوآله) : « ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين : علي ، وسلمان ، وعمار ».
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أنا سابق ولد آدم ، وسلمان سابق أهل فارس ».
وعنه أيضا ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « إن الجنة تشتاق إلى أربعة : علي وسلمان ، وعمار ، والمقداد ».
ودخل ذات يوم مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس ، فغلى الدم في عروقهم ، وقال له بعضهم : ـ من أنت حتى تتخطانا؟ ـ وقال له آخر : ـ ما حسبك ونسبك؟! ـ
قال سلمان : أنا ابن الإسلام ، كنت عبدا فأعتقني الله بمحمد (صلىاللهعليهوآله) ووضيعا فرفعني بمحمد (صلىاللهعليهوآله) وفقيرا فأغناني بمحمد (صلىاللهعليهوآله) فهذا حسبي ونسبي.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : صدق سلمان ، صدق سلمان ، من أراد أن ينظر إلى رجل نور الله قلبه بالإيمان ، فلينظر إلى سلمان.
وتنافس المهاجرون والأنصار كل يقول : ( سلمان منا ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « بل سلمان منا أهل البيت ».
وروي عن أبي الأسود الدؤلي قال كنا عند علي ذات يوم فقالوا : ـ يا أمير المؤمنين (عليهالسلام) حدثنا عن سلمان ـ.
قال (عليهالسلام) : من لكم بمثل لقمان الحكيم ، ذلك امرؤ منا أهل البيت أدرك العلم الأول والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، بحر لا ينزف.
ولي المدائن في عهد عمر بن الخطاب ، وكان يسف الخوص وهو أمير عليها ويبيعه ويأكل منه ، ويقول : لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي.
عليه بعد أن دفن النبي صلىاللهعليهوآله بثلاثة أيام فقال فيها :
ألا أيها الناس اسمعوا عني حديثي ثم اعقلوه عني ألا وإني أوتيت علما كثيرا ـ فلو حدثتكم بكل ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام لقالت طائفة منكم هو مجنون وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان.
ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا ألا وإن عند علي عليهالسلام علم المنايا والبلايا وميراث الوصايا وفصل الخطاب وأصل الأنساب على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهالسلام إذ يقول له رسول الله صلىاللهعليهوآله أنت وصيي في أهل بيتي وخليفتي في أمتي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكنكم أخذتكم سنة بني إسرائيل فأخطأتم الحق فأنتم تعلمون ولا تعلمون.
أما والله لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة أما والذي نفس سلمان بيده لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أقدامكم ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم ولما عال (١) ولي الله ولا طاش لكم سهم من فرائض الله (٢) ولا اختلف اثنان في حكم الله ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلايا واقنطوا من الرخاء وقد نابذتكم ( عَلى سَواءٍ ) فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء.
عليكم بآل محمد صلىاللهعليهوآله فإنهم القادة إلى الجنة والدعاة إليها يوم القيامة.
عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فو الله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين مرارا جمة (٣) مع نبينا كل ذلك يأمرنا به ـ ويؤكده علينا فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه وقد حسد هابيل قابيل فقتله وكفارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل فأين يذهب بكم.
أيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان أجهلتم أم تجاهلتم أم حسدتم أم تحاسدتم والله لترتدن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة ـ ألا وإني أظهرت أمري وسلمت لنبيي واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين عليهالسلام وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وإمام
__________________
ـ وتوفي في المدائن سنة ٣٦ ، وقيل ٣٧ ، وقيل بل ٣٣.
ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ـ ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب ـ فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا إلا اكافا ووطاء ومتاعا ، قوم نحوا من عشرين درهما.
راجع صفة الصفوة ج ١ ص ٢١٠ تهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٧ أسد الغابة ج ٢ ص ٣٢٨ تنقيح المقال ج ٢ ص ٤٥ وكتاب نفس الرحمن في أخبار سلمان والمجلد الرابع من ابن أبي الحديد وكتاب مع علماء النجف الأشرف للشيخ محمد جواد مغنية.
(١) عال : افتقر.
(٢) طاش السهم : مال عن الهدف.
(٣) جمة : كثيرة.
الصديقين والشهداء والصالحين.
احتجاج لأبي بن كعب (١) على القوم مثل ما احتج به سلمان رضياللهعنه
عن محمد ويحيى (٢) (٣) ابني عبد الله بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب عليهالسلام
__________________
(١) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجار.
عده الشيخ رحمهالله في رجاله بهذا العنوان من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال يكنى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين ، وكان يكتب الوحي ، آخى رسول الله صلىاللهعليهوآله بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله صلىاللهعليهوآله.
ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجال ابن داود ، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته وإخلاصه لأهل البيت ...
وقال العلامة الطباطبائي : إنه من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله قال له : يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلىاللهعليهوآله في وصيته ، وأول من صدف عن أمره ، ورد الحق إلى أهله تسلم ، ولا تتمادى في غيك تستندم ، وبادر بالإنابة يخف وزنك ، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد ، وعن تقريب بن حجر متصلا بنسبه المذكور ما لفظه : الأنصارى الخزرجي ، أبو المنذر سيد القراء ، يكنى أبا الطفيل أيضا ، من فضلاء الصحابة ، مات في زمن عمر فقال عمر : مات اليوم سيد المسلمين ، شهد العقبة مع السبعين ج ١ ص ٤٤ من رجال المامقاني.
(٢ ـ ٣) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهالسلام) ذو النفس الزكية ، ويكنى أبا عبد الله ، وقيل أبا القاسم ولد سنة (١٠٠) وقتل سنة (١٤٥).
بايعه المنصور مع جماعة من بني هاشم ، فلما بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم مدة خلافة العباس ، فلما ملك المنصور وعلم أنهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبض على أبيهما كما مر ذلك في هامش ص ٩٧.
وأتيا اباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من ان يقتل ثمانية ، فقال لهما : ان منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ولما عزم محمد على الخروج ، وأعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد ، وذهب محمد إلى المدينة ، وإبراهيم الى البصرة ، فاتفق أن إبراهيم مرض ، فخرج أخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة ، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنه قتل وهو على المنبر فقال :
سأبكيك بالبيض الصفاح وبالقنا |
|
فإن بها ما يدرك الطالب الوترا |
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة |
|
يعصرها من ماء مقلته عصرا |
ولكن اروي النفس مني بغارة |
|
تلهب في قطرى كتابتها جمرا |
وانا أناس لا تفيض دموعنا |
|
على هالك منا وإن قصم الظهرا |
ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض أصحابه فقال له : ويحك! قد ظهر محمد فما ذا ترى؟ فقال : وأين ظهر؟
قال : بالمدينة ، فقال : غلبت عليه ورب الكعبة ، قال : وكيف؟!! قال لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال ، فعاجله بالحرب فأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف ، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق أصحابه عنه حتى بقي وحده فلما أحس بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجر ، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق.
ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ومن هنا لقب بذي النفس الزكية لأنه صدق عليه ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية. راجع عمدة الطالب ص ٨٩ ومقاتل الطالبيين ٢٣٢.
ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهالسلام) « صاحب الديلم » الشهيد ، ويكنى أبا الحسن ، وأمه قريبة بنت عبد الله.
كان مقدما في أهل بيته ، بعيدا مما يعاب على مثله وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن جعفر بن محمد (عليهالسلام) وروى عن أبيه وعن أخيه محمد راجع ابن داود ص ١٢٩ ومقاتل الطالبيين ص ٣٣٧.
قال : لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان وقال :
يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن ويا معشر الأنصار ( الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) وأثنى الله عليهم في القرآن تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم غيرتم أم خذلتم أم عجزتم ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قام فينا مقاما أقام فيه عليا فقال من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ومن كنت نبيه فهذا أميره؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم وأمروهم ولا تأمروا عليهم؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أهل بيتي منار الهدى والدالون على الله؟
أولستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لعلي عليهالسلام أنت الهادي لمن ضل؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال علي المحيي لسنتي ومعلم أمتي والقائم بحجتي وخير من أخلف من بعدي وسيد أهل بيتي وأحب الناس إلي طاعته كطاعتي على أمتي؟
ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحدا وارتحالهما واحدا؟
ألستم تعلمون أنه لم يول على علي أحدا منكم وولاه في كل غيبته عليكم؟
ألستم تعلمون أنه قال إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليهاالسلام فقال لنا إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلك فاجعله نبيا واجعل أهله لك ولدا أطهرهم من الآفات وأخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخا ـ وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى وأن الله تعالى أوحى إلي أن اتخذ عليا أخا كما أن موسى اتخذ هارون أخا واتخذ ولده ولدا فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية.
أفما تبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون ضرب عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء فقال له أمامك عينان إحداهما مالحة والأخرى عذبة فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم وايم
الله ما أهملتم لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض فو الله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وإنكم على عترته لمختلفون وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه فقد أبعدتم وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم يقول الله تعالى جده (١) : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٢).
ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) (٣) أي للرحمة وهم آل محمد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم (٤) عن وصيه علي بن أبي طالب وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين وأطهركم قلبا ـ وأقدمكم سلما وأعظمكم وعيا من رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطاه تراثه وأوصاه بعداته فاستخلفه على أمته ووضع عنده سره فهو وليه دونكم أجمعين وأحق به منكم أكتعين (٥) سيد الوصيين ووصي خاتم المرسلين أفضل المتقين وأطوع الأمة لرب العالمين سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين فقد أعذر من أنذر وأدى النصيحة من وعظ وبصر من عمى فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما رأينا وشهدتم كما شهدنا.
فقام إليه عبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبي أصابك خبل أم بك جنة؟ فقال بل الخبل فيكم والله كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه فقال فيما يخاطبه ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله أفترى أمتي تنقاد له من بعدي قال يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها ويخالف عليه من أمتك فجارها وكذلك أوصياء النبيين من قبلك يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله وأطوعهم له فأمره الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا وكما أمرت بذلك فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك وجحدوا إمرته وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه.
فقلت يا رسول الله من هذا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا ملك من ملائكة ربي عز وجل ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير يا أبي عليك بعلي فإنه الهادي المهدي الناصح لأمتي المحيي لسنتي وهو إمامكم بعدي فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه يا أبي ومن غير
__________________
(١) جده : عظمته
(٢) آل عمران ١٠٥
(٣) هود ١١٨.
(٤) أي برجوعكم القهقرى.
(٥) اكتعين : كلكم.
أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي عاصيا أمري جاحدا لنبوتي لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضي.
فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا اقعد رحمك الله يا أبي فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك.
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهالسلام قال لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر وأحب لقاءه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه ـ وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه.
أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة فقال يا أبا الحسن والله ما كان هذا الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة ولا قوة لي بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيري فما لك تضمر علي ما لم أستحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنئان؟
قال فقال أمير المؤمنين عليهالسلام فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به؟
قال فقال أبو بكر حديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي صلىاللهعليهوآله وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من ضلال فأعطيتهم قود الإجابة ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت.
فقال علي عليهالسلام أما ما ذكرت من قول النبي صلىاللهعليهوآله إن الله لا يجمع أمتي على ضلال فكنت من الأمة أم لم أكن؟ قال بلى.
قال وكذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار قال كل من الأمة.
قال علي عليهالسلام فكيف تحتج بحديث النبي وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير ، قال ما علمت بتخلفهم إلا بعد إبرام الأمر وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين وكان ممارستهم إلي إن أجبتهم أهون مئونة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا
وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال علي عليهالسلام أجل ولكن أخبروني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ثم سكت.
فقال علي عليهالسلام والسابقة والقرابة.
فقال أبو بكر والسابقة والقرابة.
فقال علي عليهالسلام أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟ فقال أبو بكر بل فيك يا أبا الحسن.
قال فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلىاللهعليهوآله قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال بل أنت (١).
قال عليهالسلام فأنشدك بالله أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم للأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال بل أنت : (٢).
__________________
(١) في « ذخائر العقبى » عن زيد بن أرقم قال : « كان أول من أسلم علي بن أبي طالب ».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « علي أول من أسلم بعد خديجة ».
وذكر الحجة الأميني في ج ٣ من كتاب الغدير ص ٢١٩ مائة حديث من طرق مختلفة ، رواها أئمة الحديث وحفاظه ، في أن عليا أول من أسلم.
وروى محب الدين الطبري في « ذخائر العقبى » عن عمر بن الخطاب قال : « كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة ، إذ ضرب رسول الله صلىاللهعليهوآله منكب علي بن أبي طالب فقال : « يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأنت أول المسلمين إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى » وبعد أن نقل عدة روايات في الموضوع عقبها بقوله :
وقد وردت أحاديث في أن أبا بكر أول من أسلم وهي محمولة على أنه أول من أظهر إسلامه ، وعلي عليهالسلام أول من بدر إلى الإسلام. ذخائر العقبى ص ٥٨.
(٢) عن أبي سعيد وأبي هريرة قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان ، سمع بغام ناقة علي ، فعرفه فأتاه ، فقال : ما شأنك؟ فقال : خيرا ، إن رسول الله صلىاللهعليهوآله بعثني ببراءة.
فلما رجعا ، انطلق أبو بكر إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ما لي؟ قال : خيرا أنت صاحبي في الغار ، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني يعني عليا أخرجه أبو حاتم.
وفي رواية عنده من حديث جابر : إن أبا بكر قال له : أمير أم رسول؟ فقال : بل رسول ، أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوآله ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج.
وفي رواية من حديث أحمد عن علي إن النبي صلىاللهعليهوآله لما راجعه أبو بكر قال له : « جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » / ذخائر العقبى ص ٩٦.
قال فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله صلىاللهعليهوآله بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال : بل أنت (١).
قال فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلىاللهعليهوآله يوم الغدير أم أنت؟ قال بل أنت (٢).
__________________
ـ وذكر الشيخ الأميني في ج ٦ من الغدير ص ٣٣٨ (٧٣) مصدرا قدم لها بقوله :
« هذه الأثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفاظه بعده طرق صحيحة يتأتى التواتر بأقل منها عند جمع من القوم ، وإليك أمة ممن أخرجها ... الخ » ويقول الشيعة : إن حصر التبليغ في النبي صلىاللهعليهوآله أو علي عليهالسلام من قبل السماء دليل واضح على حصر الإمامة في علي بعد النبي صلىاللهعليهوآله كما أن عزل أبي بكر هو الآخر دليل صريح على عدم صلاحيته لخلافة النبي صلىاللهعليهوآله والتبليغ عنه فلما منعه الوحي عن الهيمنة على جزء من الشريعة امتنع بالأولى من الهيمنة على الشريعة كلها بالقطع واليقين.
(١) وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (عليهالسلام) بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار ـ وقد أحاط المشركون بالدار ـ أن ينام على فراشه ، وقال له : ( اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى ) ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل (عليهماالسلام) : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين نبي محمد (صلىاللهعليهوآله) فبات على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض ، فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس علي وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة؟!! فأنزل الله عز وجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) أسد الغابة ج ٤ ص ٩٥.
(٢) مر في ص ٦٦ من هذا الكتاب حديث الغدير كما اشير في الهامش إلى ما ذكره الحجة الأميني في الجزء الأول من ( كتاب الغدير ) من عدد رواته من الصحابة والتابعين ومن أئمة الحديث وحفاظه والأساتذة وما استعرضه من أسماء من ألفوا فيه من الفريقين كتبا مستقلة فبلغ عددهم (٣٦) مؤلفا.
وبالمناسبة احببنا ذكر ما نقله صاحب ينابيع المودة في ص ٢٦ منه إذ قال : حكى العلامة علي بن موسى وعلي بن محمد أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين استاذ أبي حامد الغزالي يتعجب ويقول : رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر عدير خم مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله (صلىاللهعليهوآله) من كنت مولاه فعلي مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون.
وفي واقعة الغدير هذه يقول حسان بن ثابت ـ بعد أن استأذن النبي صلىاللهعليهوآله فأذن له ـ:
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
|
بخم وأسمع بالنبي مناديا |
وقد جاء جبرائيل عن أمر ربه |
|
بأنك معصوم فلا تك وانيا |
وبلغهم ما أنزل الله ربهم |
|
إليك ولا تخش هناك الأعاديا |
فقام به إذ ذاك رافع كفه |
|
بكف علي معلن الصوت عاليا |
فقال : فمن مولاكم ووليكم؟ |
|
فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا |
إلهك مولانا وأنت ولينا |
|
ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا |
فقال له : قم يا علي فانني |
|
رضيتك من بعدي اماما وهاديا |
( فمن كنت مولاه فهذا وليه ) |
|
فكونوا له أنصار صدق مواليا |
هناك دعا : اللهم وال وليه |
|
وكن للذي عادى عليا معاديا |
فيا رب انصر ناصريه لنصرهم |
|
إمام هدى كالبدو يجلو الدياجيا |
ويقول ـ مشيرا إليها ـ قيس بن سعد بن عبادة :
قال فأنشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم (١) أم لك؟ قال بل لك.
قال فأنشدك بالله ألي الوزارة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله والمثل من هارون من موسى أم لك؟ قال بل لك (٢).
قال فأنشدك بالله أبي برز رسول الله صلىاللهعليهوآله وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين أم بك
__________________
وعلي إمامنا وإمام لسو |
|
انا أتى به التنزيل |
يوم قال النبي : من كنت مو |
|
لاه فهذا خطب جليل |
إنما قاله النبي على الأمة |
|
حتم ما فيه قال وقيل |
(١) عن أنس بن مالك : إن سائلا أتى المسجد وهو يقول : ( من يقرض الملي الوفي ) وعلي عليهالسلام راكع ، يقول بيده خلفه للسائل أي اخلع الخاتم من يدي قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عمر وجبت. قال : بأبي أنت وامي يا رسول الله ما وجبت؟ قال : وجبت له الجنة والله وما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرئيل بقوله عز وجل : « إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ».
وذكر الأميني في ج ٣ من الغدير ص ( ١٥٦ ـ ١٦٢ ) ٦٦ طريقا ممن رواه من الحفاظ والثقاة من الرواة.
ولحسان بن ثابت :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
|
وكل بطيء في الهدى ومسارع |
أيذهب مدحي والمحبين ضائعا |
|
وما المدح في ذات الإله بضائع |
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع |
|
فدتك نفوس القوم يا خير راكع |
بخاتمك الميمون يا خير سيد |
|
ويا خير شار ثم يا خير بايع |
فأنزل فيك الله خير ولاية |
|
وبينها في محكمات الشرائع |
(٢) إن قول النبي صلىاللهعليهوآله لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى قد تكرر منه (صلىاللهعليهوآله) في مناسبات شتى ، ففي حديث تبوك عند ما قال علي عليهالسلام : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟! قال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. راجع الصواعق المحرقة ص ١١٩.
وحين آخى النبي صلىاللهعليهوآله بين أصحابه ، فقال علي عليهالسلام : آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال : والذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي. ينابيع المودة ص ٥٦.
وعن عبد الله بن عباس ، سمعت عمر وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر : أما علي فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن ، وكانت أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه ، إذ ضرب (صلىاللهعليهوآله) على منكب علي رضياللهعنه فقال له يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأول المسلمين إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى. راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٥٨.
وعن سعد بن أبي وقاص : إن النبي صلىاللهعليهوآله قال لعلي : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » أخرجه البخاري ومسلم. ذخائر العقبى ص ٦٣.
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « اللهم إني أقول كما قال أخي موسى واجعل لي وزيرا من أهلي أخي عليا اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا » أخرجه أحمد في المناقب. كما في ذخائر العقبى ص ٦٣ إلى غير ذلك من المواطن المتعددة.
وبأهلك وولدك؟ قال بل بكم (١).
قال فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟ قال بل لك ولأهل بيتك (٢).
قال فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله وأهلي وولدي يوم الكساء اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت؟ قال بل أنت وأهلك وولدك (٣).
قال فأنشدك بالله أنا صاحب آية : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) أم أنت؟ قال بل أنت (٤).
__________________
(١) وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال. قدم على النبي صلىاللهعليهوآله العاقب والسيد ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا : أسلمنا يا محمد فقال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام قالا : فهات؟ قال : حب الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير.
قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له ، فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لامطر الوادي عليهما نارا. قال جابر : فيهم نزلت ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا ) الآية قال جابر : ( أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي و ( أَبْناءَنا ) الحسن والحسين ، و ( نِساءَنا ) فاطمة ورواه أيضا الحاكم من وجه آخر عن جابر وصححه واخرج مسلم ، والترمذي ، وابن منذر ، والحاكم ، والبيهقي ، عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية ( فَقُلْ تَعالَوْا ) دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : « اللهم هؤلاء أهلي ».
عن الفتح القدير للشوكاني في تفسير قوله تعالى : ( تَعالَوْا نَدْعُ )
(٢) أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في خمسة : النبي صلىاللهعليهوآله وعلي وفاطمة ، والحسن ، والحسين.
وأخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ : أنزلت هذه الآية في خمسة : في وفي علي والحسن والحسين وفاطمة. وأخرجه الطبراني أيضا.
راجع الصواعق المحرقة « لابن حجر » : ص ١٤١.
وفي ينابيع المودة ص « ١٠٧ » : حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطا عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلىاللهعليهوآله قال : نزلت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في بيت أم سلمة ، فدعى النبي صلىاللهعليهوآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء ، ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » ، قالت أم سلمة : « وانا معهم يا نبي الله؟ » قال : « أنت على مكانك وأنت إلى خير ».
وفي ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص ٢٢ : عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول : « الصلاة يا أهل بيتي ـ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ـ الآية. أخرجه أحمد.
وعن أبي الحمراء قال صحبت رسول الله صلىاللهعليهوآله تسعة أشهر فكان إذا أصبح أتى على باب علي وفاطمة وهو يقول : ( يرحمكم الله ـ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ـ الآية ). أخرجه عبد بن حميد.
(٣) عن أم سلمة قالت : بينما رسول الله صلىاللهعليهوآله في بيته يوما إذ قالت الخادم : ( إن عليا وفاطمة بالسدة ) قالت : فقال لي :
( قومي فتنحي عن أهل بيتي ) ، قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره وقبلهما واعتنق بإحدى يديه عليا وفاطمة بالاخرى ، وقبل فاطمة وقبل عليا ، فأغدق خميصة سوداء ، ثم قال : ( اللهم ـ إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي ) قالت : وأنا يا رسول الله صلى الله عليك؟ قال وأنت. أخرجه أحمد وخرج الدولابي معناه مختصرا. عن ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص ٢١ ـ ٢٢.
(٤) ينابيع المودة ص ٩٣ قال :ـ
قال فأنشدك بالله أنت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت أم أنا؟ قال بل أنت (١).
قال فأنشدك بالله أنت الفتى نودي من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي أم أنا؟ قال بل أنت (٢).
__________________
أيضا الحمويني أخرجه عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال : مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما فعادهما جدهما (صلىاللهعليهوآله) وعادهما بعض الصحابة ، فقالوا : ( يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ) فقال علي رضياللهعنه : ان برأ ولداي مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكرا لله ، وقالت فاطمة رضي الله عنها مثل ذلك ، وقالت جارية يقال لها فضة مثل ذلك ، وقال الصبيان نحن نصوم ثلاثة أيام فألبسهما الله العافية ، وليس عندهم قليل ولا كثير ، فانطلق علي رضياللهعنه إلى رجل من اليهود يقال له : ( شمعون بن حابا ) فقال له : ( هل تؤتيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد (صلىاللهعليهوآله) بثلاثة أصواع من شعير ) قال : نعم. فأعطاه ، ثم قامت فاطمة رضي الله عنها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص وصلى علي رضياللهعنه مع النبي صلىاللهعليهوآله المغرب ، ثم أتى فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد (صلىاللهعليهوآله) أنا مسكين أطعموني شيئا فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح. وفي الليلة الثانية أتاهم يتيم فقال : أطعموني فأعطوه الطعام ، وفي الليلة الثالثة أتاهم أسير فقال : أطعموني فأعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين رضي الله عنهم ، وأقبل نحو رسول الله صلىاللهعليهوآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما أبصرهم (صلىاللهعليهوآله) انطلق إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها ـ فلما رآها رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ( وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جوعا ) فهبط جبرئيل عليهالسلام فأقرأه : ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) إلى آخر السورة وهذا الخبر مذكور في تفسير البيضاوي ، وروح البيان ، والمسامرة.
أقول : وذكر الحجة الأميني في ج ٣ من الغدير ص ١٠٧ ـ ١١١ من رواة هذا الحديث (٣٤) طريقا فراجع.
(١) جاء في ينابيع المودة ص ١٣٧ ـ ١٣٨.
وفي كتاب الإرشاد أن أم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وغيرهم من جماعة الصحابة (رض) قالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان في المنزل فلما تغشاه الوحي توسد فخذ علي فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس ، وصلى علي صلاة العصر بالإيماء ، فلما أفاق النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( اللهم اردد الشمس لعلي ) فردت عليه الشمس حتى صارت في السماء وقت العصر ، فصلى علي العصر ، ثم غربت.
فأنشأ حسان بن ثابت :
يا قوم من مثل علي وقد |
|
ردت عليه الشمس من غائب |
أخو رسول الله وصهره |
|
والأخ لا يعدل بالصاحب |
قال الحجة الأميني : في ج ٣ من الغدير ص (١٢٧):
إن حديث رد الشمس أخرجه جمع من الحفاظ الأثبات ، بأسانيد جمة ، صحح جمع من مهرة الفن بعضها ، وحكم آخرون بحسن آخر ، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه ، وهم الأبناء الأربعة حملة الروح الأموية الخبيثة ألا وهم : ابن حزم ابن الجوزي ابن تيمية ابن كثير. وجاء آخرون من الأعلام وقد عظم عليهم الخطب بإنكار هذه المأثرة النبوية ، والمكرمة العلوية الثابتة فأفردوها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها وأسانيدها ، وعد منهم (٩) ثم قال : ولا يسعنا ذكر تلكم المتون وتلكم الطرق والأسانيد إذ يحتاج إلى تأليف ضخم يخص به ، غير أنا نذكر نماذج ممن أخرجه من الحفاظ والأعلام بين من ذكره من غير غمز فيه ، وبين من تكلم حوله وصححه ، وفيها مقنع وكفاية وعد من ذلك (١٩) سندا فراجع.
(٢) وذلك في غزوة « أحد » ذكر الطبري في ج ٣ / ١٧ عن عبيد الله بن أبي رافع قال : لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية ـ