أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٠٧
إشارة إلى ذلك أيضا ، فإذا سمع الدعوى والإنكار وظهر له الحكم السابق ظهورا علميّا يحكم له ثانيا لأجل ذلك الحكم ، إذ بعد علمه وفتواه بوجوب اتّباعه وعدم جواز ردّه يكون ذلك حكم الله في حقّهما عنده ، فيجب عليه الحكم بمقتضاه.
وقد يقال : إنّه وإن وجب إمضاؤه عليه ، ولكن لا يجوز له الحكم ، لجواز ابتناء الأول على فتوى مخالفة لرأيه.
وأنا لا أفهم وجوب الإمضاء وعدم وجوب الحكم بمقتضاه ، بل هما متلازمان ، ولا مخالفة للرأي أبدا ، إذ كون كلّ ما حكم به المجتهد على أحد الخصمين وله بعد الترافع حكم الله في حقّهما إجماعيّ ، بل ضروريّ لا يحتمل المخالفة ، فرأي كلّ مجتهد أنّ هذا حكم الله في حقّهما وفتواه على ذلك ، وإن خالفه مع قطع النظر عن ذلك الحكم ، ولكنّه غير المورد.
وكذا لا أتفهّم معنى ما قيل من أنّه يجب عليه الإمضاء ولا يجوز له الحكم بصحّته ، لجواز مخالفته لنفس الأمر ، لاحتمال كذب المدّعي والشهود أو خطئهم.
وفيه : أنّ الصحّة هنا ليست إلاّ ترتّب الأثر شرعا ، وهو لازم وجوب الإمضاء ، فلا معنى لوجوب أحدهما وعدم وجوب الآخر.
نعم ، لو أراد بعدم جواز الحكم بالصحّة الحكم بمطابقة الواقع ونفس الأمر ، فهو كذلك ، ولكنّه كذلك بالنسبة إلى حكم نفسه أيضا.
ولا فرق في وجوب الإنفاذ بين ما إذا كان الحاكم الأول حيّا باقيا على شرائط القضاء ، أو غير باق ، بأن صار فاسقا بعد الحكم قبل الإنفاذ أو مجنونا أو كان ميّتا.
وتفرقة بعضهم (١) بين الموت والفسق ـ بوجوب الإنفاذ على الأول دون الثاني وإن كان الثاني أيضا ماضيا لو طرأ الفسق بعد الإنفاذ ـ لا وجه لها ، كما صرّح به المحقّق الأردبيلي.
ثمَّ إنّ ما ذكرنا من وجوب الإنفاذ والحكم بمقتضاه إنّما هو إذا علم الحاكم الثاني بالحكم الأول ، إمّا بحضوره مجلس الحكم وسماعه الدعوى والإنكار والمرافعة والحكم ، أو ثبت ذلك عنده ثبوتا علميا بأخبار متواترة أو محفوفة بقرائن مفيدة للعلم.
وفي حكم العلم إقرار المتخاصمين ، لنفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم.
والظاهر أنّه إجماعيّ ، ولا كلام في شيء من ذلك.
وإنّما الكلام فيما إذا لم يعلم الحاكم الثاني بالحكم الأول ، بل ظنّه بإحدى الطرق المورثة للمظنّة ، فهل يجب عليه الإمضاء ، أم لا؟ والطرق التي اختلفوا فيها ثلاثة :
الأول : مجرّد الكتابة ، بأن يكتب قاض إمّا مطلقا أو إلى خصوص حاكم آخر : أنّ فلانا حضر مجلس الحكم وادّعى على فلان وحكمت له أو عليه بالمدّعى. أو كتب : إنّي حكمت على فلان بكذا.
ولا خلاف في عدم اعتبارها لو كان المحكوم به من حقوق الله ، بل ادّعي عليه الإجماع ، لوجوب درئها بالشبهة.
ولو كان من حقوق الناس ، فالمشهور فيها أيضا ذلك ، بل قيل : بلا خلاف يوجد إلاّ من الإسكافي (٢) ، بل عن السرائر والمختلف والقواعد
__________________
(١) كما في المسالك ٢ : ٣٨١.
(٢) كما في رياض المسائل ٢ : ٤٠٨.
وفي التحرير : الإجماع عليه (١).
للأصل ، وروايتي طلحة (٢) والسكوني (٣) : « إنّ عليا عليهالسلام كان لا يجيز كتاب قاض في حد ولا في غيره ، حتى وليت بنو أميّة فأجازوا بالبيّنات ».
وضعفهما ـ لو كان ـ منجبر بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكيّة والأدلّة القاطعة من الكتاب والسنّة المانعة من العمل بالمظنّة ، فإنّ مجرّد الكتاب لا يفيد أزيد منها ، لاحتمال التزوير ، أو عبث الكاتب وعدم قصد ما فيها ، وغير ذلك من الاحتمالات.
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي ، فقال باعتبارها في حقوق الناس (٤).
وظاهر المحقّق الأردبيلي الميل إليه ، بل في حقوق الله أيضا ، قال ـ بعد نقل قول الإسكافي ـ : وذلك غير بعيد ، إذ قد يحصل الظنّ المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من الشاهدين بالعلم بالأمن من التزوير وأنّه كتب قصدا لا غير ، فإذا ثبت بأيّ وجه كان ـ مثل : الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم ـ يجب إجراؤه من غير توقّف.
ويكون ذلك مقصود ابن الجنيد ، ويمكن أن لا ينازعه فيه أحد ، ويكون مقصود الباقي : المنع في غير تلك الصور ، بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير ولا معلوما كونه مكتوبا قصدا ، ولهذا يجوز العمل بالمكاتبة في الرواية وأخذ المسألة والحديث.
وبالجملة : لا ينبغي النزاع في صورة العلم ، ويمكن النزاع في صورة
__________________
(١) السرائر ٢ : ١٦٢ ، المختلف : ٦٩١ ، القواعد ٢ : ٢١٦ ، التحرير ٢ : ١٨٨.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٠٠ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٧ أبواب كيفية الحكم ب ٢٨ ح ١.
(٣) التهذيب ٦ : ٣٠٠ ـ ٨٤٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٧ أبواب كيفية الحكم ب ٢٨ ح ١.
(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٠٦.
الظنّ ، ويمكن القول به هناك أيضا إذا كان أقوى من ظنّ الشاهدين ، ويكون احتمال النقيض مجرّد التجويز العقلي ، مثل : صيرورة أداني البيوت علماء عالمين بجميع العلوم ، والقول بعدمه في غير ذلك.
هذا في حقوق الناس.
وأمّا في حقوق الله ، فيحتمل ذلك أيضا ، لما مرّ. ويحتمل العدم للدرء بالشبهات. انتهى.
وردّ : بأنّ ذلك فرع قيام دليل قاطع على جواز العمل بالظنّ مطلقا ، ولم نجده في نحو المورد ممّا يتعلّق بالموضوعات ولو كان الظنّ متاخما للعلم ، ومجرّد كون ظن الكتابة أقوى من ظنّ الشهادة لا يوجب قطعيّته ولا حجّيته ، إلاّ أن تكون حجّية الأخيرة من حيث إفادتها المظنّة ، وهو ممنوع ، بل هي من جهة الأدلّة الأربعة وهي أدلّة قاطعة أو ظنون مخصوصة مجمع عليها.
فلا وجه لقياس الكتابة على الشهادة ، ولا على الرواية وأخذ المسألة ، لقيام الأدلّة المخصوصة على حجّية الظنّ فيهما ، ولذا يكتفى فيهما بظنّ ما ولو لم يفد الظنّ الأقوى.
أقول : ما ذكره الرادّ صحيح لا غبار عليه ، إلاّ أنّ مقتضى كلام الأردبيلي اعتبار الكتابة الموجبة للعلم ، كما هو صريح صدر كلامه إلى قوله : ويمكن النزاع في صورة الظن. والمستفاد من ذيله أيضا ، لأنّه اعتبر فيه ما كان احتمال خلافه مجرّد التجويز العقلي ومثل صيرورة الأداني علماء متبحّرين ، وهذا وإن كان ظنّا عند الحكماء ، ولكنّه علم عرفا وشرعا ، لأنّه
العلم العاديّ المجمع على اعتباره شرعا ، كما بيّناه في عوائد الأيّام (١) ، ولا كلام في اعتبار ذلك.
نعم ، يرد عليه حينئذ : أنّه لا وجه لقياسه على الشهادة والرواية وأخذ المسألة ، لأنّها ليست بهذه المثابة البتّة ، وإن كانت حجّيتها معلومة من جهة الأدلّة.
وبالجملة : كلام الأردبيليّ لا يخلوعن اضطراب ، وإن كان الظاهر أنّ مراده العلم العادي ، فيرجع نزاعه مع القوم لفظيّا.
الثاني : إخبار الحاكم الأول مشافهة : إنّي حكمت بكذا.
وفي إنفاذه ووجوب اعتباره وعدمهما خلاف :
الأول : للفاضل في القواعد والإرشاد ، والشهيدين في الدروس والمسالك (٢).
والثاني : للخلاف والنافع (٣).
وتردّد في الشرائع والتحرير (٤).
دليل الأول : أنّه ثبت أنّ حكم الحاكم حكم الإمام والردّ عليه حرام.
وأنّه أقوى من الشاهدين.
ويردّ الأول : بأنّه لا كلام في وجوب إنفاذ حكم الحاكم ، وإنّما الكلام في أنّه هل يثبت بإخباره بعد الحكم ، ولذا قال الأردبيليّ : وليس إثباته بقول الحاكم أقوى من إثباته بعدلين ، إذ هما عدلان وهو عدل واحد ، وقول
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٥٣.
(٢) القواعد ٢ : ٢١٧ ، الدروس ٢ : ٩٢ ، المسالك ٢ : ٣٨٠.
(٣) الخلاف ٢ : ٦٠٣ ، المختصر النافع ٢ : ٢٨٣.
(٤) الشرائع ٤ : ٩٦ ، التحرير ٢ : ١٨٨.
العدلين حجّة دون الواحد.
ومنه يعلم ردّ الثاني أيضا ، مع أنّه إنّما يفيد لو كان قبول العدلين لأجل المظنّة ، وليس كذلك.
ودليل الثاني : الأصل ، وكون حكم الثاني بمجرّد أخبار الأول حكما بغير علم. وهو كذلك ، فالثاني هو الأقوى.
نعم ، لو ضمّت مع إخباره قرائن مفيدة للعلم بصدور الحكم يجب اعتباره.
الثالث : الشهادة على حكمه ، بأن يشهد عدلان على صدور الحكم منه لفلان على فلان بعد الترافع بكذا وكذا.
وقد وقع الخلاف فيها ، فقيل بعدم قبولها مطلقا (١) ، ويظهر من المختلف أنّه قول جماعة ، قال : وربّما منع من ذلك جماعة من علمائنا (٢).
للأصل المتقدّم ذكره مرارا.
ولذيل روايتي طلحة والسكوني المتقدّمتين (٣) ، حيث قال : « فأجازوا بالبيّنات ».
وردّ الأصل بما يأتي.
والروايتان بضعفهما سندا الخالي عن الجابر هنا ، ودلالة ، لظهور سياقهما في أنّ البيّنة التي كان بنو أميّة يجيزونها إنّما هي على صحّة الكتابة لا على أصل الحكم.
وقيل بعدم القبول إن كانت البيّنة مجرّدة عن الإشهاد ـ أي
__________________
(١) كما في المهذب ٢ : ٥٨٧.
(٢) المختلف : ٧٠٦.
(٣) في ص : ١٠٣.
لم يشهدهما الحاكم الأول على حكمه في الواقعة ـ والقبول إن أشهدهما ، وهو مذهب المحقّق في النافع (١) بل قيل بعدم خلاف فيه بين الأصحاب كافّة (٢).
أمّا الأول : فلما مرّ من الأصل.
وأمّا الثاني : فلظاهر الإجماع.
ومسيس الحاجة إليه في إثبات الحقوق مع تباعد البلاد وتعذّر نقل الشهود أو تعسّره ، وعدم مساعدة شهود الفرع أيضا على التنقّل ، والشهادة الثالثة غير مسموعة.
ولأنّها لو لم تقبل لبطلت الحجج مع تطاول المدّة ، ولأدّى إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة.
ولأنّ الغريمين لو تصادقا أنّ الحاكم الأول حكم بينهما ألزمهما الثاني ما حكم به الأول إجماعا ، على الظاهر المصرّح به في بعض الكلمات ، فكذا إذا قامت البيّنة ، إذ يثبت بالشهود ما يثبت بالإقرار.
ومال المحقّق الأردبيليّ إلى القبول مطلقا ، لأنّ حكم الحاكم حجّة متّبع يجب إنفاذه والعمل بمقتضاه على أيّ طريق ثبت عند حاكم آخر ، سواء كان بإقرار الخصم أو البيّنة ، ولعدم تعقّل مدخليّة للإشهاد في اعتبارها.
أقول : إن كان هناك دليل على وجوب قبول شهادة العدلين مطلقا كما هو كذلك ، أو في خصوص المورد ، فالحقّ القبول مطلقا من غير مدخليّة للإشهاد فيه. وإن لم يكن فالحقّ عدم القبول كذلك.
__________________
(١) المختصر النافع : ٢٨٣.
(٢) المسالك ٢ : ٣٨١ قال : إنّه موضع وفاق.
وأمّا التفصيل المذكور فلا أرى له وجها مقبولا ، إلاّ ما قد يضمّ مع أصالة حجّية شهادة العدلين من ظاهر الإجماع على عدم القبول هنا مع عدم الإشهاد ، أو ما قد يضمّ مع أصالة عدم الحجّية من ظاهر الإجماع على القبول مع الإشهاد.
وما قد يقال من مسيس الحاجة واقتضاء الضرورة للقبول ، وللزوم تقدير الضرورة بقدرها واندفاعها بالقبول مع الإشهاد يجب الاقتصار عليه.
وهما ضعيفان جدّا ، لمنع الإجماعين ، سيّما في جانب عدم القبول.
ومنع مسيس الحاجة أولا ، لإمكان حصول العلم بالحكم بواسطة القرائن المنضمّة مع العدل أو العدلين أو جماعة من غير العدول ، سيّما مع الكتابة ، وإمكان إشهاد الشاهدين على شهادة الأصل ، وغير ذلك.
مع أنّه قد لا ترتفع الضرورة بالشهادة مع إشهاد الحاكم أيضا ، لعدم تمكّن الشاهدين من المسافرة.
وبالجملة : اللاّزم في هذه المسألة البناء على حجّية مطلق شهادة العدلين وعدمها ، وسيأتي تحقيقه في باب الشهادات.
ولكن ذلك إذا شهدا بالحكم ، بأن يقولا : كنّا في مجلس المرافعة ، فادعى فلان على فلان ، وأنكر المدّعى عليه أو كان غائبا ، فحكم عليه الحاكم بعد الإتيان بما كان عليه في الترافع.
وكذا لو علما بالدعوى والترافع بالقرائن ثمَّ سمعا الحكم.
ولكن لو سمعا من الحاكم إخباره بالحكم ـ أي قال لهما : إنّي حكمت قبل ذلك ـ لا تقبل الشهادة ، لما عرفت من عدم وجوب قبول إخبار الحاكم بنفسه بذلك عند الحاكم الآخر.
وكذا إذا حكم الأول ـ ثمَّ كتب حكمه في ورقة فقال للشهود أو
الحاكم الثاني : ما في هذه الورقة حكمي ـ لم يجز للشهود أن يشهدوا بالحكم بمجرّد ذلك ، ولا للحاكم أن ينفذه لسماعة أو لشهادة هذه الشهود. وهو ظاهر ممّا تقدّم وصرّح به جماعة ، منهم : الفاضل في الإرشاد ، والأردبيليّ في شرحه (١) ، وغيرهما.
نعم ، لو كتب صورة حكمه قبل صدوره ، ثمَّ قال بمحضر الحاكم الثاني أو الشهود : حكمت لفلان بما في هذه الورقة ، وحفظت الورقة بحيث أمن من التغيّر ، يحتمل جواز إنفاذه وقبول الشهادة بها ، فتأمّل.
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ١٤٨ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٢١٤.
المطلب الثاني
في كيفية القضاء والحكم
ولاحتياجه إلى المدّعي والدعوى والمدّعى عليه وجوابه ، ولكلّ منها متعلّقات ، فهاهنا سبعة فصول :
الفصل الأول
في بيان شأن القاضي ووظيفته
بالنسبة إلى كلّ من المتداعيين أو كليهما.
وفيه مسائل :
المسألة الاولى : لا خلاف في وجوب التسوية بين الخصوم في العدل في الحكم ، فلا تجوز التفرقة فيه بين المسلم والكافر ، أو الشريف والوضيع ، أو العادل والفاسق ، أو غيرهم ، والإجماع منعقد عليه ، وصريح الكتاب يرشد إليه : قال الله سبحانه ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (١).
وقال عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ
__________________
(١) النساء : ٥٨.
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (١).
وقال جلّ شأنه ( يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى ) (٢) ، إلى غير ذلك.
والأخبار فيه مستفيضة.
ولو كان في العدل مظنّة الضرر بما لا يرضى به الشارع ، يجب ترك الحكم دون الحكم بغير العدل ، ومع ظنّه في الترك أيضا فالظاهر الجواز ، ولا يبعد ترجيح أكثر الضررين وأشدّهما.
وهل تجب التسوية بينهما في غير ذلك من وجوه الإكرام ، أم تستحبّ؟
ذهب الصدوقان إلى الأول (٣) ، وهو ظاهر النهاية (٤) وصريح المحقّق والفاضل في غير المختلف (٥) ونسبه في المسالك والروضة والمفاتيح والمعتمد إلى المشهور (٦).
وذهب الديلمي والفاضل في المختلف إلى الثاني (٧). واختاره الحلّي ، وجعل القول بالوجوب توهّم من لا بصيرة له بهذا الشأن (٨).
وظاهر الكفاية التردّد (٩).
__________________
(١) المائدة : ٨.
(٢) سورة ص : ٢٦.
(٣) نقله عنهما في المختلف : ٧٠٠.
(٤) النهاية : ٣٣٨.
(٥) المحقق في الشرائع ٤ : ٨٠ ، والفاضل في التحرير ٢ : ١٨٣.
(٦) المسالك ٢ : ٣٦٥ ، الروضة ٣ : ٧٢ ، المفاتيح ٣ : ٢٥٢.
(٧) الديلمي في المراسم : ٢٣٠ ، المختلف : ٧٠١.
(٨) السرائر ٢ : ١٥٧.
(٩) الكفاية : ٢٦٦.
والحقّ هو : الأول ، لقول عليّ عليهالسلام لشريح في رواية سلمة : « ثمَّ واس بين المسلمين بوجهك ، ومنطقك ، ومجلسك ، حتى لا يطمع قريبك في حيفك ، ولا ييأس عدوك من عدلك » (١).
ورواية السكوني عن الصادق عليهالسلام : قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة ، وفي النظر ، وفي المجلس » (٢).
ومثلها مرسلة الفقيه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفيها « فليساو » بدل « فليواس » (٣).
وقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ، ولا يرفعنّ صوته على أحدهما ما لا يرفع على الآخر » (٤).
وقول الرضا عليهالسلام في فقهه : « واعلم أنّه يجب عليك أن تساوي بين الخصمين ، حتى النظر إليهما ، حتى لا يكون نظرك إلى أحدهما أكثر من نظرك إلى الثاني » (٥).
ولأنّ تخصيص أحدهما يوجب كسر قلب الآخر ومنعه عن إقامة حجّته.
والإيراد على الروايات بأنّها ضعيفة سندا ، فلا يثبت منها حكم مخالف للأصل.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤١٢ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٨ ـ ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٥ ـ ٥٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٢١١ أبواب آداب القاضي ب ١ ح ١.
(٢) الكافي ٧ : ٤١٣ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٦ ـ ٥٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢١٤ أبواب آداب القاضي ب ٣ ح ١.
(٣) الفقيه ٣ : ٨ ـ ٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢١٤ أبواب آداب القاضي ب ٣ ح ١.
(٤) سنن البيهقي ١٠ : ١٣٥ ، المسالك ٢ : ٣٦٥.
(٥) فقه الرضا «ع» : ٢٦٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٥٠ أبواب آداب القاضي ب ٣ ح ١.
مردود بعدم ضير هذا الضعف عندنا ، سيّما مع صحّة الأولى عمّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه ، وانجبارها بالشهرتين.
نعم ، غير الأخيرة لا يدلّ إلاّ على وجوب التساوي في بعض وجوه الإكرام ، فيبقى مثل : التعظيم والتكريم والقيام والإذن في الدخول ، باقيا تحت الأصل.
والأخيرة وإن كانت عامّة إلاّ أنّ الشهرة التي ادّعوها ليست إلاّ في بعض الوجوه ، لأنّه المصرّح به في كلام الأكثر ، فلا يبعد تخصيص الوجوب بما في غير الأخيرة ، إلاّ أنّ المستفاد من التعليل في الأولى التعميم ، فهو (١) الأقرب.
واحتجّ الآخرون أمّا على نفي الوجوب فبالأصل ، وأمّا على الاستحباب فبالروايات المتقدّمة ، حيث يسامح في أدلّة السنن. وجوابه قد ظهر.
فروع :
أ : الأمر بالمواساة في الوجه يشمل المواساة (٢) في التوجّه وعدمه ، وطلاقة الوجه وعدمها ، وإن كان الظاهر منها هو الأول.
وبالمواساة في المنطق يشمل المواساة في الكميّة والكيفيّة ، ويعمّ ما يتعلّق بالدعوى وغيره من أنواع التكلم.
وبالمواساة في المجلس يشمل المواساة (٣) في القرب وكيفيّة الجلوس.
__________________
(١) في « ح » : وهو.
(٢) في « ق » و « س » : المساواة.
(٣) في « ح » : المساواة.
ب : لو دخل الخصمان قبل إظهار الدعوى وجلس أحدهما أقرب إلى الحاكم ، يجب عليه أن يسوّي بينهما بعد الإظهار أيضا.
وإذا رضي الأدون مجلسا بما هو عليه فهل تسقط شرعيّة المساواة ، أم لا؟
فيه وجهان ، من : أنّ الحكمة في الأمر بالمساواة هو عدم طمع القريب وعدم كسر قلب البعيد.
ومن : إطلاق الروايات وعدم المقيّد.
والأوجه الثاني ، لإمكان تعدّد العلّة ، وإطلاق غير المعلّلة من الروايات.
ج : عدّوا من وجوه الإكرام : الإنصات ، والمراد به : الإصغاء إلى كلامه.
والحكم بوجوبه أو استحبابه ـ لعموم الرضوي والتعليل ـ ظاهر.
د : وعدّوا منه : التسوية في السلام عليهما والجواب لهما إن سلّما معا ، وهو كذلك ، لما مرّ.
ولو سلّم أحدهما دون الآخر يجب الجواب لمن سلّم ، ولا يجب شيء للآخر.
ولو ابتدأ أحدهما بالسلام ، فهل يجب أو يستحبّ تأخير الجواب رجاء لأن يسلّم الآخر ، أم لا؟
اختار في المسالك : الأول ، إذا لم يطل الفصل بحيث يخرج عن كونه جوابا للأول (١).
والأظهر : الثاني ، لأنّ البدأة بجواب سلام من ابتدأ بالسلام لا تنافي
__________________
(١) المسالك ٢ : ٣٦٥.
التسوية عرفا ، بل يمكن أن يقال : إنّ التأخير مناف لها ، حيث بادر بجواب أحدهما وأخّر جواب الآخر.
بل لو قلنا بمنافاة المبادرة بجواب البادئ للتسوية لا يجب التأخير أيضا على القول بالوجوب ، ولا يستحبّ على القول بالاستحباب ، لأنّ وجوبها أو استحبابها إنّما هو فيما إذا علم بتسليمهما معا ، وهو غير متيقّن بعد.
هـ : وجوب التسوية أو استحبابها مختصّ بالأفعال الظاهريّة دون الميل القلبي ، بمعنى : محبّة أحدهما ، أو الميل إلى التكلّم معه والقرب إليه في المجلس والتعظيم له ، أو الميل إلى أن يكون حكم الله موافقا لهواه ، للأصل ، ولأنّ الحكم على القلب غير مستطاع.
وأمّا قضيّة قاضي بني إسرائيل المرويّة عن الباقر عليهالسلام في صحيحة الثمالي (١) ، فلا تدلّ على أنّ المؤاخذة كانت على الأمر القلبي ، بل كانت على ما قاله بقوله : « قلت : اللهمّ » إلى آخره ، حيث أظهر باللسان ما كان في قلبه وإن لم يظهره على الخصمين.
نعم ، يستحبّ الاجتهاد في تطهير السرّ بحيث يتساوى عنده جميع عباد الله ، ولكنّه لا يختصّ بالقاضي ، وكلامنا فيما يجب أو يستحبّ على شخص من حيث هو قاض.
و : لا يختصّ وجوب التسوية فيما ذكر بحال حضور الخصمين معا ، بل يجب مع غياب أحدهما أيضا ، لإطلاق الروايات ، وإيجابه طمع من يزيد إكرامه ، الذي هو أحد علّتي المنع في الرواية الأولى.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤١٠ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٥ أبواب آداب القاضي ب ٩ ح ٢.
ز : الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى الخصوم في الكفر والإسلام ، فلو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا جاز قيام الكافر مع جلوس المسلم ، أو كون المسلم أعلى منزلا منه علوّا صوريّا أو معنويّا. لا أعرف فيه خلافا ، ونقل عليه الإجماع أيضا (١).
والدليل عليه ـ مضافا إلى اختصاص رواية سلمة والنبويّ بالمسلمين ، واحتمال إرجاع الضمير في قوله : « بينهم » في رواية السكوني إلى المترافعين المسلمين ، وضعف الأخيرة وخلوّها عن الجابر في المقام ـ ما روي : أنّ عليّا عليهالسلام جلس بجنب شريح في حكومة له مع يهوديّ في درع وقال : « لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك ، ولكنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا تساووهم في المجلس » (٢) ، وضعفه منجبر ( بالعمل ) (٣).
وهل يختصّ ذلك بالمجلس ، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟
الظاهر : التعدّي ، كما اختاره في الروضة (٤) ، وإليه ذهب والدي في المعتمد ، واستقواه بعض المعاصرين (٥) ، للأصل ، واختصاص النصوص ـ بحكم التبادر واختصاص المورد ـ بالمسلمين ، وخلوّ ما ظاهره العموم عن الجابر عن ضعفه.
المسألة الثانية : قالوا : لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين ما يستظهر به على خصمه ويستنصره ويغلب عليه ، وأن يهديه إلى وجوه الحجاج ، واستدلّوا عليه بظاهر الوفاق ، وبأنّه منصوب لسدّ باب المنازعة
__________________
(١) الرياض ٢ : ٢٩٤.
(٢) المغني ١١ : ٤٤٤.
(٣) ليس في « ح ».
(٤) الروضة ٣ : ٧٣.
(٥) غنائم الأيام : ٦٧٦.
لا لفتح بابها ، فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لتعيينه.
وتأمّل فيه السبزواري (١) ، ومال الأردبيليّ إلى الجواز إن لم يرد بذلك تعليم ما ليس بحقّ ، وجنح إليه بعض معاصرينا (٢).
والحقّ : الحرمة مطلقا ، سواء كان تلقين أحد الخصمين ببيان ما يوجب استظهاره من غير أن يأمره بقوله أو فعله ، مثل أن يقول لمن لا يرضى بالحلف إذا ردّ عليه : كلّ من ادّعى بالظنّ لا يردّ عليه اليمين ، أو إن ادّعيت بالظنّ لا يجوز لخصمك الردّ.
أو يقول لمن يريد الجواب بالأداء في مقابلة دعوى القرض : كلّ من يجيب بالأداء يجب عليه الإثبات والمنكر ليس له ذلك.
أو يأمره بالقول أو الفعل ، مثل أن يقول : ادّع بالظنّ ، أو أنكر القرض ، أو انكل ، أو ردّ اليمين.
وسواء كان ذلك مع علم الحاكم بأنّ ما يلقّنه مخالف للواقع ، مثل أن يأمره بادّعاء الظنّ مع علمه بأنّه يدّعي العلم ، أو بإنكار القرض مع علمه بتحقّقه ، أو بتعيين المدّعى به مع علمه بكونه مجهولا للمدّعي.
أو يعلم أنّه مطابق للواقع.
أو لا يعلم فيه أحد الأمرين ، مثل أن يلقّنه دعوى الظنّ فيما لم يعلم أنّه ظانّ أو عالم.
لكون الجميع منافيا للتسوية المأمور بها ، وكون بعض صورها إعانة على الإثم ، وبعض آخر أمرا بالمنكر.
وتجويز التلقين بما يوجب التوصّل إلى الحقّ ودفع الضرر ـ إذا علم
__________________
(١) الكفاية : ٢٦٦.
(٢) المحقق القمّي في رسالة القضاء ( غنائم الأيام : ٦٧٦ ).
أنّه لا يهدى إليه فيضيع حقّه ـ ضعيف ، لأنّ مع علم الحاكم يحكم بعلمه ، فلا يحصل ضرر.
وأمّا ما ذكروه دليلا على عدم الجواز مطلقا ـ من إيجابه فتح باب المنازعة ـ فضعيف ، لمنع عدم جواز فتحها كلّية أولا ، وعدم إيجابه له على الاطّراد ثانيا.
هذا حكم التلقين.
وأمّا الاستفسار المؤدّي إلى تصحيح الدعوى أوالجواب ، فهو أيضا غير جائز ، لما مرّ من منافاته التسوية ، وإيجابه في بعض الصور إعانة على الإثم.
سواء كان قبل تكلّم من يستفسر منه ، كأن يستفسر عن المدّعى عليه بعد دعوى القرض عليه : هل ما استقرضت أو استقرضت وأدّيت؟ وقد يضمّ معه ما يوجب الجواب بما يستظهره ، مثل أن يقول : هل ما استقرضت حتى تكون البيّنة على المدّعي ، أو أدّيت حتى تكون البيّنة عليك؟
أو بعد التكلّم ، مثل أن يستفسر عمّن يجيب بعدم اشتغال الذمّة أنّه : هل أدّيت أو ما استقرضت؟ والله العالم.
المسألة الثالثة : إذا دخل الخصمان ، فإن بدر أحدهما بالدعوى سمع منه ، وإن لم يبدر وسكتا فلا يجب على الحاكم الأمر بالتكلّم ، ووجهه ظاهر.
وقد ذكروا أنّه يستحبّ أن يقول هو أو من يأمره : تكلّما ، أو ليتكلّم المدّعي منكما.
ولم أعثر على دليل على الاستحباب ، وظاهر الحلّي عدم الاستحباب ،
حيث قال : ولا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين ، والمستحبّ له تركهما حتى يبدءا بالكلام ، فإن صمتا فله أن يقول لهما حينئذ : إن كنتما حضرتما بشيء فاذكراه (١). انتهى.
وقال والدي ـ طاب ثراه ـ في المعتمد بالاستحباب لو عرف كون الحياء أو احتشامه مانعا لهما عن المبادرة. وليس ببعيد.
ثمَّ إنّهم قالوا : إنّه إذا استحبّ التكلّم يكره تخصيص أحدهما بالخطاب (٢) ، لمخالفته للتسوية المتقدّمة.
وفيه منع ، لعدم منافاته للتسوية عرفا ، لأنّه ابتداء الكلام ، ومجرّد تقديم الالتفات إلى أحدهما ـ سيّما إذا علم كونه مدّعيا ـ لا يخالف التسوية عرفا.
وبذلك يوجّه الحكم بالكراهة هنا ممّن حكم بوجوب التسوية في التكلّم. وفيه ما فيه.
ووجّهه في المعتمد بأنّ الحكم بالحرمة لأجل الانجبار ، وهو فيما نحن فيه مفقود ، فلا يثبت من عموم الأخبار سوى الكراهة. وهو أيضا غير جيّد.
المسألة الرابعة : إذا ازدحم جماعة من المدّعين ، فإن جاءوا على التعاقب وعرف الترتيب ، قالوا : يقدّم الأسبق فالأسبق. وإن جاءوا معا ، أو لم يعرف الترتيب ، أقرع بينهم ، وقدّم من خرجت قرعته.
وقيل : يكتب أسماء المدّعين ويجعلها تحت ساتر ثمَّ يخرج رقعة رقعة ، ثمَّ يستدعي صاحبها فيحكم له (٣). وهذا أيضا نوع من القرعة.
__________________
(١) السرائر ٢ : ١٥٧.
(٢) القواعد : ٢٠٤ ، الدروس ٢ : ٧٤ ، المفاتيح ٣ : ٢٥٢.
(٣) الوسيلة : ٢١١ ، والرياض ٢ : ٣٩٥.
وقيل بالأول ، إلاّ أن يكثروا وعسر الإقراع فبالثاني (١).
وقيل بجواز الأمرين مطلقا ، ونسبه في المسالك إلى الأشهر (٢).
وأصل هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، مصرّح به في كلماتهم ، بل لم أعثر فيه على مخالف.
وإطلاق عباراتهم يشمل ما لو تزاحموا في مجرّد الورود والحضور عند الحاكم وإن لم يتكلّموا بعد ولم يطلبوا الترافع بل كانوا ساكتين ، وما لو تزاحموا في بيان الدعوى وطلب الترافع أيضا ، وما لو بدر أحدهم بطلبه مع سكوت الباقين.
والظاهر أنّ مرادهم إنّما هو غير الصورة الأخيرة ، لأنّ الحكم بتقديم الأسبق ورودا فيها مشكل جدّا ، لأنّ الحكم والقضاء في الوقائع الخاصّة والقضايا الجزئيّة لا يجب إلاّ بطلب المدّعي وترافعه ، ومعه يجب ، فبطلب أحدهم يجب الاشتغال بقطع دعواه ، ولم يجب الاشتغال بقطع سائر الدعاوي بعد.
فعلى القول بكون وجوب الاشتغال بعد الطلب فوريّا يكون بطلان إطلاق وجوب تقديم الأسبق ظاهرا ، بل يجب تقديم البادئ بالطلب وإن لم يكن أسبق ورودا.
وعلى القول بعدم الفوريّة نقول : إنّ ما لم يجب الاشتغال به بعد لا يمكن أن يجب تقديمه على الواجب ولو لم يكن فوريّا ، وإلاّ لا نقلب غير الواجب واجبا.
بل لا يبعد أن يقال : إنّ الصورة الأولى أيضا خارجة عن مقصودهم ،
__________________
(١) كما في المهذب ٢ : ٥٨٢ وكشف اللثام ٢ : ١٤٨.
(٢) المسالك ٢ : ٣٦٦.