أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٠
فإنّا لا نعرفها في السمك يا عمّار » (١).
دلّت بالعلّة المنصوصة على حرمة ما لا يعرف في السمك. ولكن يضعّفها عدم صراحة قوله : « لا تأكلها » في الحرمة أولا ، وتعارضها مع ما يصرّح بحلّية الربيثا ثانيا (٢) ، ولذا يظهر من جماعة من المتأخّرين ـ منهم : الأردبيلي وصاحب الكفاية والمفاتيح (٣) وشرحه ـ التأمّل فيه ، بل من بعضهم الميل إلى نفي الحرمة ، والظاهر أنّه مذهب الصدوق في الفقيه (٤).
ويدلّ عليه الأصل ، وعمومات حلّ صيد البحر (٥) ، وإطلاقات الاسم.
وصحيحة زرارة : « ويكره كلّ شيء من البحر ليس له قشر ، مثل : الورق ، وليس بحرام ، إنّما هو مكروه » (٦).
ومرسلة الفقيه : « كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله ، وكلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله » (٧).
ورواية ابن أبي يعفور : عن أكل لحم الخزّ ، قال : « كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه ، وإلاّ فاقربه » (٨).
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٨٠ ـ ٣٤٥ ، الاستبصار ٤ : ٩١ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٢ ح ٤.
(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ١٣٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٢.
(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٩٠ ، المفاتيح ٢ : ١٨٤ ، كفاية الأحكام : ٢٤٨.
(٤) الفقيه ٣ : ٢١٥ ـ ٩٩٨ و ٩٩٩.
(٥) المائدة : ٩٦ ، النحل : ١٤.
(٦) التهذيب ٩ : ٥ ـ ١٥ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١٩.
(٧) الفقيه ٣ : ٢١٤ ـ ٩٩٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٢ ح ٢.
(٨) التهذيب ٩ : ٤٩ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٩ ح ٣.
ودفع الأصل بالإجماعات المنقولة ضعيف ، لعدم حجّيتها.
وردّ العمومات بمنع العموم ، لوجوب حملها على السمك المتبادر ، أو لأنّه لولاه لزم خروج الأكثر من أفراد العامّ الموجب لعدم حجّيّته ، لأنّ أكثر حيوانات البحر محرّمة إمّا لاشتمالها على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة.
أضعف ، لمنع التبادر ، ومنع لزوم خروج الأكثر ، إذ من الذي أحاط بحيوانات البحر جميعا حتى يحكم باشتمال أكثرها على موجب الحرمة؟! ومنه تظهر قوّة أدلّة الحلّية ، إلاّ أنّ إخبارها ـ للمخالفة القطعيّة للشهرة العظيمة لا أقلّ منها لو لم يكن إجماعا ـ لإثبات الحكم غير صالحة ، فلم يبق إلاّ الأصل ، وهو وإن كان كافيا إلاّ أنّ اتّباعه في المقام خلاف الاحتياط.
هذا هو الأصل ، وإلاّ فمن الحيوان البحري ما يحرم البتّة كما يأتي.
المسألة الثانية : يحلّ من السمك كلّ ما له فلس ، ويعبّر عن الفلس بالقشر والورق أيضا ، ويحرم منه بجميع أنواعه ما لا فلس به.
أمّا الأول ، فبلا خلاف فيه بين الأمّة ، كما صرّح به جمع من الأجلّة (١) ، ويدلّ عليه الإجماع ، والأصل ، والعمومات ، وخصوص المستفيضة الآتية إلى بعضها الإشارة.
ولا فرق فيه بين ما بقي عليه فلسه ، كالشبّوط ـ بفتح الشين المثلّثة وضمّ الموحّدة التحتانيّة ـ وهو سمك دقيق الذنب عريض الوسط ليّن المسّ صغير الرأس.
أو سقط عنه ولم يبق عليه ، كالكنعت ، مثل : جعفر ، ويقال له :
__________________
(١) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٤ ، السبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٧٩.
الكنعد ، بالدال المهملة ، وهو ضرب منه له فلس ضعيف يحكّ نفسه على شيء لحرارته فيذهب عنه فلسه ثمَّ يعود ، وصرّح به في صحيحة حمّاد : جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال : « ما كان له قشر » قلت : جعلت فداك ما تقول في الكنعت؟ فقال : « لا بأس بأكله » قال : قلت له : فإنّه ليس له قشر ، فقال لي : « بلى ، ولكنها سمكة سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شيء ، وإذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا » (١).
وأمّا الثاني ، فعلى الأقوى الأشهر بين المتقدّمين والمتأخّرين من الطائفة (٢) ، وعن الانتصار والخلاف والسرائر الإجماع عليه (٣) ، للأخبار المستفيضة : كرواية أبي سعيد الخدري الطويلة ، وفيها : « ألا فاتّقوا الله عزّ وجلّ ولا تأكلوا من السمك إلاّ ما كان له قشر ، ومع القشر فلوس » الحديث (٤).
ومرسلة حريز : إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يكره الجرّيث وقال : « لا تأكلوا من السمك إلاّ شيئا له فلوس » وكره المارماهي (٥).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢١٩ ، الفقيه ٣ : ٢١٥ ـ ١٠٠١ ، التهذيب ٩ : ٣ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٠ ح ١.
(٢) انظر الوسيلة : ٣٥٥ ، المراسم : ٢٠٧ ، الشرائع ٣ : ٢١٧ ، القواعد ١ : ١٥٥.
(٣) الانتصار : ١٨٧ ، الخلاف ٢ : ٥٢٤ ، السرائر ٣ : ٩٩.
(٤) الكافي ٦ : ٢٤٣ ـ ١ ، علل الشرائع : ٤٦٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٩.
(٥) الكافي ٦ : ٢١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٢ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٨ ح ٣.
والجرّيث : ضرب من السمك يشبه الحيّات. وعن ابن الأثير : يقال له بالفارسيّة : مارماهي ، وعن ابن عبّاس : نوع من السمك يشبه المارماهي ـ مجمع البحرين ٢ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
وصحيحة ابن سنان : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمَّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول : ألا لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك » (١) ، ومثلها رواية مسعدة (٢).
والمرويّ في العيون فيما كتب الرضا عليهالسلام للمأمون : « يحرم الجرّي والسمك الطافي والمارماهي والزمّير وكلّ سمك لا يكون له فلس » (٣).
المؤيّدة بأخبار أخر ، كصحيحة محمّد ، وفيها : « كل ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله » (٤).
ومرسلة الفقيه : « كل من السمك ما له فلوس ، ولا تأكل منه ما ليس له فلس » (٥).
وحسنة حنّان : عن الجرّي ، فقال : « وجدنا في كتاب عليّ عليهالسلام أشياء محرّمة من السمك فلا تقربها » ، ثمَّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : « ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربنّه » (٦) ، إلى غير ذلك (٧).
وإنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال الجملة الخبريّة التي لا تفيد عندنا
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٣ ـ ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٨ ح ٤.
(٢) الكافي ٦ : ٢٢٠ ـ ٩ ، التهذيب ٩ : ٣ ـ ٥ ، المحاسن : ٤٧٧ ـ ٤٩٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٨ ح ٦.
(٣) عيون أخبار الرضا « ع » ٢ : ١٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٩.
(٤) الكافي ٦ : ٢١٩ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٨ ح ١.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٦ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٨ ح ٧.
(٦) الكافي ٦ : ٢٢٠ ـ ٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٣١ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٤.
(٧) انظر الوسائل ٢٤ : ١٢٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٨.
الحرمة.
خلافا للشيخ في كتابي الأخبار فيما عدا الجرّي (١) ، ونسبه في الكفاية إلى جماعة (٢) ، وظاهر المحقّق والشهيد الثاني في المسالك التردّد كالأردبيلي (٣) ، لأخبار ظاهرة في الحلّية ، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الأولى (٤).
وصحيحة ابن مسكان : « لا يكره شيء من الحيتان إلاّ الجرّي » (٥).
ورواية حكم ، وهي مثل الأولى إلاّ أنّ فيها الجرّيث مقام الجرّي (٦).
وصحيحة محمّد : عن الجرّي والمارماهي والزمّير وما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ فقال لي : « يا محمّد ، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ) (٧) » قال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : « إنّما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ، ولكنّهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها » (٨).
والجواب عن الكلّ بأعمّيتها ممّا مرّ مطلقا ، أمّا الأولى فلشمولها
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٥ ، الاستبصار ٤ : ٥٩.
(٢) الكفاية : ٢٤٨.
(٣) المحقق في الشرائع ٣ : ٢١٧ ، المسالك ٢ : ٢٣٧ ، مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٨٩.
(٤) في ص : ٦١.
(٥) التهذيب ٩ : ٥ ـ ١٣ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٧.
(٦) التهذيب ٩ : ٥ ـ ١٤ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٨.
(٧) الأنعام : ١٤٥.
(٨) التهذيب ٩ : ٦ ـ ١٦ ، الاستبصار ٤ : ٦٠ ـ ٢٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٢٠.
للحيتان وغيرها.
وأمّا الثانيتان ، فلشمولهما لما له قشر وما ليس له قشر.
وأمّا الرابعة ، فظاهرة ، إذ ليس جواب الإمام إلاّ أنّ كلّما لم يحرّم في الكتاب فليس بحرام ، وعموم ذلك ظاهر فيجب تخصيصها بما مرّ.
مضافا إلى أنّ الأخيرة موافقة للعامّة كما قالوا (١) ، فهي مرجوحة بالنسبة إلى الاولى لو لا عمومها أيضا ، ومع ذلك كلّه فمخالفة للشهرة العظيمة ، خارجة عن حيّز الحجّية.
وأمّا الجمع ـ بحمل الاولى على الكراهة ـ فموقوف على المكافاة ، وهي مفقودة بالمرّة.
المسألة الثالثة : يحرم أيضا من السمك بخصوصه الجرّي ـ بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشدّدة المكسورة ، ويقال : الجرّيث ، وهو كالجرّي إلاّ أنّه مختوم بالثاء المثلّثة ـ والمارماهي ـ قيل : بفتح الراء (٢) ـ والزمّير ـ كسكّيت ويقال : الزمّار أيضا بكسر الزاء المعجمة والميم المشدّدة والراء المهملة أخيرا ـ والزهو ـ بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة ـ على الأقوى الأشهر ، سيّما في الأول ، ودعوى الإجماع على حرمته مستفيضة (٣) ، بل احتمل بعضهم كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة (٤).
لكون الكلّ ممّا ليس له قشر كما قالوا ، وصرّح به في الأخير في رواية الجعفري (٥).
__________________
(١) كالعلامة في المختلف : ٦٧٧ وصاحب الوسائل ١٦ : ٤٠٤ وصاحب الرياض ٢ : ٢٨٠.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٢٨٠.
(٣) انظر الانتصار : ١٨٦ ، الخلاف ٢ : ٥٢٤.
(٤) كما في الرياض ٢ : ٢٨٠.
(٥) الكافي ٦ : ٢٢١ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣ ـ ٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١١ ح ١.
مضافا في خصوص الجميع ـ غير الأخير ـ إلى كونها مسوخة ، كما صرّح به في رواية الكلبي النسّابة (١) ، فتشملها أدلّة حرمة المسوخات (٢) ، وإلى المرويّ في العيون المتقدّمة.
وإلى صحيحة محمّد : أقرأني أبو جعفر عليهالسلام شيئا من كتاب علي عليهالسلام ، فإذا فيه : « أنهاكم عن الجرّي والزمّير والمارماهي والطافي والطحال » (٣).
وفي الأولين خاصّة إلى موثّقة سماعة : « لا تأكل الجرّيث ولا المارماهي ولا طافيا ولا طحالا » (٤).
ورواية سمرة : « لا تشتروا الجرّيث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه » (٥).
ومرسلة ابن فضّال : « الجرّي والمارماهي والطافي حرام في كتاب علي عليهالسلام » (٦).
وفي الأول خاصّة إلى حسنة حنّان السابقة ، وصحيحة الحلبي :
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٢١ ـ ١٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٣١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٥.
(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٩ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١.
(٤) الكافي ٦ : ٢٢٠ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٤ ـ ٨ ، الاستبصار ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٢.
(٥) التهذيب ٩ : ٥ ـ ١١ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٣ ، المحاسن : ٤٧٧ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١٤.
(٦) التهذيب ٩ : ٥ ـ ١٢ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١٥.
« لا تأكلوا الجرّي ولا الطحال ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كرهه » وقال : « إنّ في كتاب علي عليهالسلام ينهى عن الجرّي » الحديث (١).
وأبي بصير : « أمّا في كتاب عليّ عليهالسلام فإنّه نهى عن الجرّيث » (٢).
وعليّ : « لا يحل أكل الجرّي ولا السلحفاة ولا السرطان » الحديث (٣).
إلى غير ذلك.
خلافا لشاذّ (٤) ، لبعض ما ذكر في المسألة السابقة بجوابه.
ثمَّ المستفاد من الروايات تغاير الجرّي والمارماهي ، إلاّ أنّه قال في حياة الحيوان : إن الجرّي يسمّى بالفارسيّة مارماهي (٥). وكذا ظاهر الأخبار اتّحاد الجرّي والجرّيث ، وقال في حياة الحيوان : الجرّيث سمك يشبه الثعبان (٦).
المسألة الرابعة : يحرم الطافي ـ وهو السمك الذي يموت في الماء ـ بإجماعنا المحقّق والمحكيّ في كلام جماعة (٧) ، والمستفيضة من الصحاح
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٦ ـ ١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١٦.
(٢) التهذيب ٩ : ٤ ـ ١٠ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١٣.
(٣) الكافي ٦ : ٢٢١ ـ ١١ ، التهذيب ٩ : ١٢ ـ ٤٦ ، قرب الإسناد : ٢٧٩ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٦ ح ١ ، مسائل علي بن جعفر : ١٣١ ـ ١٩١. والسرطان : حيوان معروف ، ويسمّى : عقرب الماء ، وكنيته : أبو بحر ، وهو من خلق الماء ، ويعيش في البرّ أيضا ، وهو جيّد المشي سريع العدو ذو فكّين ومخاليب وأظفار حداد ، كثير الأسنان صلب الظهر ، من رآه رأى حيوانا بلا رأس ولا ذنب ، عيناه في كتفيه وفمه في صدره ، له ثمان أرجل ، وهو يمشي على جانب واحد ، ويستنشق الماء والهواء معا ـ حياة الحيوان ١ : ٥٥٣.
(٤) كما في الكفاية : ٢٤٨.
(٥) حياة الحيوان ١ : ٢٧٤.
(٦) حياة الحيوان ١ : ٢٧٤.
(٧) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٥٢٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠٤.
وغيرها المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة ، وعمومات الكتاب (١) والسنّة (٢) في تحريم الميتة.
والحرمة تعمّ ما مات في الشبكة والحظيرة ونحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة أيضا ، كما ذكر في باب الصيد والذبيحة.
المسألة الخامسة : مقتضى رواية ابن أبي يعفور ـ المتقدّمة في المسألة الاولى (٣) وغيرها ـ إناطة حلّية كلب الماء وحرمته بكونه ذا ناب وغيره ، ولعلّه على قسمين ، ونظر الإمام إلى التقسيم لا أنّه لا يعلم حاله ، فيحرم منه ما كان ذا ناب دون غيره.
ولا يخالف ذلك مع ما دلّ على أنّ ما لا يؤكل في البرّ لا يؤكل مثله في البحر ، لأنّ الكلب الذي لا ناب له ليس مماثلا للكلب البرّي ، وإنّما الاشتراط في مجرّد التسمية.
المسألة السادسة : كلّ ما يحرم في البرّ يحرم مثله في البحر والماء ، لمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى (٤) ، ولصدق الاسم ، فتشمله أدلّة تحريمه ، وتلزمه حرمة حشرات الماء ، أي دوابّه الصغار كالعلق والديدان ونحوها ، لما يأتي من حرمة حشرات الأرض.
المسألة السابعة : يحرم السلحفاة ـ بضمّ السين المهملة وفتح اللام فالحاء المهملة الساكنة فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف ـ والسرطان ـ بفتح الثلاثة الاولى ، ويسمّى عقرب البحر ـ والضفادع ـ جمع ضفدع بكسر الأول
__________________
(١) النحل : ١١٤.
(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٩٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١.
(٣) في ص : ٦١.
(٤) في ص : ٦١.
وفتحه وضمّه ، مع كسر ثالثة وفتحه في الأول ، وكسره في الثاني ، وفتحه في الثالث ، كذا ذكره في المسالك (١) ـ بلا خلاف في شيء منّا خاصّة يعرف.
لصحيحة علي المتقدّم بعضها في المسألة الثالثة ، وتتمّتها : عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ فقال : « ذاك لحم الضفادع لا يحلّ أكله ».
المسألة الثامنة : بيض السمك المحلّل حلال إجماعا ، له ، وللأصل ، والعمومات (٢).
ومنطوق رواية ابن أبي يعفور ، وفيها : « إنّ البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله ، فهو حلال » (٣).
ورواية داود بن فرقد ، وفيها : « كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكلّ هذا حلال طيّب » (٤).
وبيض المحرّم حرام على الأظهر الأشهر ، لمفهوم الشرط في الرواية الأولى ، المثبت للبأس ـ الذي هو العذاب ـ في بيض ما لا يؤكل ، المؤيّد بمفهوم الوصف في الثانية.
خلافا للحلّي والمختلف (٥) وبعض المتأخّرين (٦) ، فحكموا بالحلّية أيضا ، للأصل والعمومات اللازم دفعه وتخصيصها بما ذكر.
__________________
(١) المسالك ٢ : ٢٣٧.
(٢) انظر المائدة : ٨٨ و ٩٦ ، الوسائل ٢٥ : ٩ أبواب الأطعمة المباحة ب ١.
(٣) الكافي ٦ : ٣٢٥ ـ ٦ ، الوسائل ٢٥ : ٨١ أبواب الأطعمة المباحة ب ٤٠ ح ١.
(٤) الكافي ٦ : ٣٢٥ ـ ٧ ، الوسائل ٢٥ : ٨١ أبواب الأطعمة المباحة ب ٤٠ ح ٢.
(٥) الحلّي في السرائر ٣ : ١١٣ ، المختلف : ٦٨٤.
(٦) كالسبزواري في الكفاية : ٢٤٨.
وأمّا عمومات حلّية صيد البحر (١) المعارض لما ذكر بالعموم من وجه فلا تجري هنا ، لأنّ المتبادر من الصيد نفس الحيوان دون بيضه.
ولو اشتبه المحلّل منه بالمحرّم ، فقالوا بحلّية الخشن منه دون الأملس (٢) ، وظاهرهم الاتّفاق عليه ، فإن ثبت وإلاّ فللتأمّل فيه مجال ، ومقتضى : « كلّ شيء فيه حلال وحرام » (٣) الحلّية مطلقا ، كما أنّ مقتضى الاحتياط الاجتناب كذلك.
ومنهم من لم يقيّد التفصيل المذكور بصورة الاشتباه بل عمّمه (٤) ، والروايتان تدفعانه.
__________________
(١) المائدة : ٩٦.
(٢) كما في الشرائع ٣ : ٢١٨ ، التبصرة : ١٦٦ ، الروضة ٧ : ٢٦٦.
(٣) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٣٩ ، الفقيه ٣ : ٢١٦ ـ ١٠٠٢ ، التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ١٧ : ٨٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١.
(٤) انظر الكافي في الفقه : ٢٧٧.
الفصل الثاني
في الطير مطلقا بحريّا كان أو برّيا
اعلم أنّه قد عرفت أنّ الأصل في كلّ شيء ـ سواء كان غير حيوان أو حيوانا ، غير طير أو طيرا ، بحريّا أو برّيا ـ الحلّية ، ولكن خرج من تحت ذلك الأصل من الطيور أنواع ، وقرّر على مطابق الأصل أيضا منها أنواع ، واختلف في أنواع نذكرها في ضمن مسائل :
المسألة الأولى : ممّا خرج من تحت الأصل وحرم : السبع من الطيور ، وهو ما كان ذا مخلب ، أي ظفر يفترس ويعدو به على الطير ، قويّا كان ـ كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ـ أو ضعيفا ، كالنسر والرخمة (١) والبغاث (٢).
بلا خلاف فيه يعرف كما في الكفاية (٣) ، بل مطلقا كما في غيره (٤) ، بل هو عندنا موضع وفاق كما في المسالك (٥) ، بل إجماعي كما في المفاتيح وشرحه وعن الخلاف والغنية (٦) ، بل هو إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه.
__________________
(١) الرخمة : طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة ، وكنيتها : أم جعران وأم رسالة وأم عجيبة وأم قيس وأم كبير ، ويقال لها الأنوق ـ حياة الحيوان ١ : ٥٢٤.
(٢) البغاث : طائر أغبر دون الرخمة ، بطيء الطيران ، وهو من شرار الطير ومما لا يصيد منها ـ حياة الحيوان ١ : ١٩٤.
(٣) كفاية الأحكام : ٢٤٩.
(٤) انظر الرياض ٢ : ٢٨٤.
(٥) مسالك الأفهام ٢ : ٢٣٩.
(٦) مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٥ ، الخلاف ٢ : ٥٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.
مضافا إلى ما دلّ على حرمة السباع بقول مطلق ، كمرسلة الكافي : « لا تأكل من السباع شيئا » (١).
وصحيحة الحلبي : « لا يصلح أكل شيء من السباع ، إنّي لأكرهه وأقذره » (٢).
وموثّقة سماعة : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أمّا لحوم السباع والسباع من الطير [ والدواب ] فإنّا نكرهه ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا [ منها ] تصلّون فيه » (٣) ، وفي النهي عن الصلاة فيه دلالة على إرادة الحرمة من الكراهة.
وفي موثّقة أخرى لسماعة : « يا سماعة ، السبع كلّه حرام وإن كان سبعا لا ناب له » (٤).
أو حرمة كلّ ذي مخلب من الطير ، كصحيحة ابن أبي عمير (٥) ، ومرسلة الفقيه : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « كلّ ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام » (٦) ، ونحوها رواية داود بن فرقد (٧).
وموثّقة سماعة المتقدّم بعضها : « حرّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّ ذي مخلب
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٢.
(٢) التهذيب ٩ : ٤٣ ـ ١٧٨ ، الوسائل ٢٤ : ١١٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٥.
(٣) التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.
(٤) الكافي ٦ : ٢٤٧ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ١٦ ـ ٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٣.
(٥) الكافي ٦ : ٢٤٥ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨ ـ ١٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٢.
(٦) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ١١٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ١.
(٧) الكافي ٦ : ٢٤٤ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨ ـ ١٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١١٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ١.
من طير وكلّ ذي ناب من الوحش ».
وقد وردت بخصوص بعضها نصوص أيضا ، ففي موثّقة سماعة المتقدّم بعضها : « وكلّ ما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام ، والصفيف كما يطير البازي والصقر والحدأة وما أشبه ذلك ».
وفي رواية سليمان بن جعفر الهاشمي : قال : حدّثني أبو الحسن الرضا عليهالسلام قال : « طرقنا ابن أبي مريم ذات ليلة وهارون بالمدينة فقال : إنّ هارون وجد في خاصرته وجعا في هذه الليلة وقد طلبنا له لحم النسر فأرسل إلينا منه شيئا » فقال : « إنّ هذا شيء لا نأكله ولا ندخله بيوتنا ، ولو كان عندنا ما أعطيناه » (١).
وأمّا صحيحة محمّد ـ : عن سباع الطير والوحش ـ حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ـ فقال : « ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير » الحديث (٢) ـ فلا تدلّ على الحلّية ، لاحتمال دخول السباع والقنافذ والوطواط في الخبائث ، والوطواط في الميتة ، لعدم قبوله التذكية.
المسألة الثانية : وممّا خرج أيضا وحرم : المسوخ من الطيور ، بلا خلاف فيه كما صرّح به جماعة (٣) ، لمطلقات حرمة المسوخ ، كموثّقة سماعة المتقدّم بعضها : « وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعا » ، وموثّقته الأخرى المتضمّنة لتعليل النهي عن أكل الدّبى (٤) والمهرجل بأنّه مسخ (٥).
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٢٠ ـ ٨٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٠ ح ١.
(٢) التهذيب ٩ : ٤٢ ـ ١٧٦ ، الاستبصار ٤ : ٧٤ ـ ٢٧٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥ ح ٦.
(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١١ : ١٧٤ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٨٥.
(٤) الدّبى : الجراد قبل أن يطير ـ حياة الحيوان ١ : ٤٦٣.
(٥) التهذيب ٩ : ٨٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٢٤ : ٨٩ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ٧.
وفي رواية الحسين بن خالد : أيحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال : « لا » قلت : ولم؟ قال : « لأنّه مثلة وقد حرّم الله الأمساخ ولحم ما مثّل به في صورها » (١).
ورواية الجعفري الآتية المعلّلة لحرمة الطاوس بأنّها مسخ.
ورواية المفضّل ، وفيها : « وأمّا لحم الخنزير فإنّ الله تعالى مسخ قوما في صور شتّى شبه الخنزير والقردة والدّبّ وما كان من المسوخ ، ثمَّ نهى عن أكله للمثلة ، لكي لا ينتفع الناس بها ولا يستخفّ بعقوبتها » (٢).
والمرويّ في العيون : « حرّم القرد لأنّه مسخ مثل الخنزير » الحديث (٣).
والرضوي : « والعلّة في تحريم الجرّي وما يجري مجراه من سائر المسوخ البرّية والبحريّة ما فيها من الضرر للجسم ، ولأنّ الله سبحانه تقدّست أسماؤه مثّل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخفّ بمثله » (٤) ، دلّت بالتعليل على حرمة كلّ مسوخ.
ثمَّ من مسوخات الطيور المحرّم أكله : الطاوس ، لرواية الجعفري : « الطاوس مسخ ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه فوقع بها ثمَّ راسلته بعد فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكر ، فلا يؤكل لحمه
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٩ ـ ١٦٥ ، المحاسن : ٣٣٥ ـ ١٠٦ ، علل الشرائع ٢ : ٤٨٥ ـ ٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٢.
(٢) الكافي ٦ : ٢٤٢ ـ ١ ، المحاسن : ٣٣٤ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١ ح ١.
(٣) عيون أخبار الرضا « ع » ٢ : ٩٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١ ح ٣.
(٤) فقه الرضا « ع » : ٢٥٤ ، المستدرك ١٦ : ١٦٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ١.
وبيضه » (١).
وقد نصّ على تحريمه في رواية أخرى للجعفري : قال : « الطاوس لا يحلّ أكله ولا بيضه » (٢).
ومنها : الوطواط ـ ويقال له الخشّاف والخفّاش ، صرّح به في القاموس والصحاح (٣) ، كرمّان أيضا ـ لرواية الأشعري : « والوطواط مسخ ، كان يسرق تمور الناس » (٤).
وفي المرويّ في العلل : « المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا » (٥) وعدّ منها الخفّاش مكان الوطواط.
وعن الكنز : أنّ الوطواط الخطّاف ، ونقله في الصحاح أيضا (٦). وفي القاموس : الوطواط : الخفّاش وضرب من الخطاطيف (٧).
والأول أصحّ ، لأنّ الخطّاف ليس مسوخا ولا حراما كما يأتي.
ومنها : الزّنبور ، لما في الرواية المذكورة : « والزنبور كان لحّاما يسرق في الميزان ».
وعدّ في الفقيه النعامة أيضا من المسوخات (٨) ، ولم يثبت عندي بعد.
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٤٧ ـ ١٦ ، التهذيب ٩ : ١٨ ـ ٧٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٦.
(٢) الكافي ٦ : ٢٤٥ ـ ٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٥.
(٣) القاموس ٢ : ٤٠٦ ، الصحاح ٣ : ١١٦٨.
(٤) الكافي ٦ : ٢٤٦ ـ ١٤ ، التهذيب ٩ : ٣٩ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٧.
(٥) علل الشرائع ٢ : ٤٨٧ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ١٢.
(٦) الصحاح ٣ : ١١٦٨.
(٧) القاموس ٢ : ٤٠٦.
(٨) الفقيه ٣ : ٢١٣ ـ ٩٨٨.
المسألة الثالثة : وممّا خرج وحرم : ما صفّ حال طيرانه ـ وهو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحرّكهما ولم يدف ، بأن يحرّكهما حال الطيران ويضربهما كضرب الدفّ ـ نسبه في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب (١) ، ونفى عنه الخلاف في شرح المفاتيح ، وبعض آخر (٢).
وتدلّ عليه صحيحة زرارة : أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ فقال : « كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ » إلى أن قال : قلت فطير الماء؟ قال : « ما كانت له قانصة فكل ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل » (٣).
ورواية ابن أبي يعفور : إنّي أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ فقال : « كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ » قلت : إنّي اؤتى به مذبوحا ، فقال : « كل ما كانت له قانصة » (٤).
وليس المراد بكونه ممّا صفّ أو دفّ كونه كذلك دائما فيصفّ ولا يدفّ قطّ وبالعكس ، إذ لا طير كذلك قطعا ، بل كلّ ما يصفّ يدفّ أيضا وبالعكس ، كما يعلم ذلك بالعيان والمشاهدة.
ولا ما صفّ في الجملة أو دفّ كذلك ، وإلاّ لغت الأخبار وتعارضت ، إذ كلّما يصفّ في الجملة يدفّ كذلك.
بل المراد ما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو بالعكس ، كما تطابقت عليه
__________________
(١) الكفاية : ٢٤٩.
(٢) كصاحب الرياض ٢ : ٢٨٤.
(٣) الكافي ٦ : ٢٤٧ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٦ ، التهذيب ٩ : ١٦ ـ ٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٨ ح ٢.
(٤) الكافي ٦ : ٢٤٨ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ١٦ ـ ٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٩ ح ٣.
كلمات علمائنا الأخيار.
ودلّت عليه من الأخبار مرسلة الفقيه : « إن كان الطير يصفّ ويدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل » (١).
( والرضوي : « يؤكل من الطير ما يدفّ بجناحيه ولا يؤكل ما يصفّ ، وإن كان الطير يدفّ ويصفّ وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل » (٢) ) (٣).
والضعف منجبر بعمل الأصحاب.
ولو تساوى الصفّ والدفّ يرجع إلى سائر العلامات ، ومع فقدها إلى أصل الإباحة ، وكذا لو اشتبهت الغلبة.
المسألة الرابعة : وممّا خرج وحرم من الطير : ما لم تكن له قانصة ولا حوصلة ـ بتشديد اللام وتخفيفها ـ ولا صيصيّة ، بكسر أوله وثالثة مخفّفا.
والقانصة للطير بمنزلة المعاء لغيره.
والحوصلة : مكان المعدة لغيره يجتمع فيها الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق.
والصيصيّة : الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم ، سمّيت بها لأنّ الصيصيّة هي الشوكة ، وهي شوكة رجله ، أي
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٩ ح ٤.
(٢) فقه الرضا « ع » : ٢٩٥ ، المستدرك ١٦ : ١٨٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٥ ح ١.
(٣) ما بين القوسين ليس في « س ».
شوكة في رجله موضع العقب ، وأصلها شوكة الحائك التي تسوّى بها السداة واللحمة ، ويقال لها بالفارسية : مهميز.
وقال في مهذّب اللغة : القانصة : سنگدان مرغ ، والحوصلة : چينهدان مرغ ، والصيصيّة : خار پس پاى خروس.
فما لم تكن له إحدى الثلاث فهو محرّم ، وما كان له إحداها فهو حلال.
أمّا حرمة الفاقد لهذه الثلاثة فهو المعروف من مذهب الأصحاب كما في الكفاية (١) ، بل لا خلاف فيه كما في غيره (٢) ، ونقل عن المحقّق الأردبيلي الإجماع عليه (٣) ، وكذا عن الغنية ولكن في القانصة والحوصلة (٤).
وتدلّ عليه من الأخبار في الثلاث رواية ابن بكير : « كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصيّة أو حوصلة » (٥) دلّت بمفهوم لفظة : « ما » المتضمّنة لمعنى الشرط على عدم جواز أكل ما لم تكن له إحدى الثلاث.
وأمّا حلّية ما كانت له إحداها فيدلّ في الجميع منطوق رواية ابن بكير المتقدّمة.
وفي القانصة خاصّة : صحيحة زرارة ورواية ابن أبي يعفور المتقدّمتين ، ورواية مسعدة : « كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له » قال : وسألته عن طير الماء ، فقال : « مثل ذلك » (٦).
__________________
(١) الكفاية : ٢٤٩.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٢٨٤.
(٣) نقله عنه في الرياض ٢ : ٢٨٤ ، وهو في مجمع الفائدة ١١ : ١٧٧.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.
(٥) الكافي ٦ : ٢٤٨ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ١٧ ـ ٦٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٥١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٨ ح ٥.
(٦) الكافي ٦ : ٢٤٨ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ١٧ ـ ٦٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٥١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٨ ح ٤.
ومفهوم صحيحة ابن سنان : الطير ما يؤكل منه؟ فقال : « لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة » (١).
ومنطوق الأخرى : ما تقول في الحبارى؟ قال : « إن كانت له قانصة فكل » وسألته عن طير الماء ، فقال : « مثل ذلك » (٢).
وفي القانصة والصيصيّة : مرسلة الفقيه ، وفيها : « ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصيّة ، ولا يؤكل ما ليست له قانصة ولا صيصيّة » (٣).
وفي القانصة والحوصلة : موثّقة سماعة ، وفيها : « فكل الآن من طير البرّ ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الإنسان » ، إلى أن قال : « والحوصلة والقانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكلّ طير مجهول » (٤).
والمستفاد من التفصيل القاطع للشركة في الأخيرة وإن كان اختصاص الحوصلة بالطير البرّي والقانصة بالبحري ، إلاّ أنّ صريح قوله فيها : « كقانصة الحمام » ورواية مسعدة وصحيحة ابن سنان وبعض العمومات السابقة عدم اختصاص القانصة بالبحري ، فلعلّ انتفاء الشركة إنّما هو في الحوصلة خاصّة ، وانتفاءها للبحري ، فتأمّل.
وبه يمكن دفع التعارض بين ما دلّ على حلّية ما كانت له الحوصلة
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٤٧ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٨ ح ١.
(٢) التهذيب ٩ : ١٥ ـ ٥٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢١ ح ٣.
والحبارى : طائر طويل العنق ، رمادي اللون ، في منقاره بعض الطول ـ حياة الحيوان ١ : ٣٢١.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٩ ح ٤.
(٤) الكافي ٦ : ٢٤٧ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ١٦ ـ ٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٨ ح ٣.