أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٠
ويستدلّ عليه بالمستفيضة (١) أيضا ـ سوى ما مرّ من الروايات ـ كصحيحة الحذّاء وخبر المرادي وموثّقة سماعة ، المتقدّمة جميعا في المقدّمة (٢) ، المانعة عن أكل صيد الصقور والبزاة والعقاب والطير الذي يصيد.
ورواية عبد الله بن سليمان المتقدّمة في المسألة الأولى (٣) ، المانعة عن أكل صيد الصقر.
وصحيحة الحضرمي المتقدّمة في الثانية (٤) ، المانعة عن أكل صيد البزاة والصقور والفهد ، بل المخصّصة ما يحلّ أكل صيده بالكلب المكلّب.
وموثّقة سماعة في الفهد وصحيحة الحلبي في الطير ، المتقدّمتين في الثالثة (٥).
وصحيحة الحذّاء ، وفيها : قلت : فالفهد ، قال : « إذا أدركت ذكاته فكل » قلت : أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال : « ليس شيء مكلّب إلاّ الكلب » (٦).
وصحيحة أخرى للحلبي : « كان أبي يفتي وكان يتّقي ، وكنّا نفتي نحن ونخاف في صيد البزاة والصقور ، وأمّا الآن فإنّا لا نخاف ، لا يحلّ صيدها
__________________
(١) ليست في « س ».
(٢) في ص : ٢٧٤ و ٢٧٥.
(٣) في ص : ٢٨٤.
(٤) في ص : ٢٨٥.
(٥) في ص : ٢٩٢ و ٢٩٣.
(٦) الكافي ٦ : ٢٠٣ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٦ ح ١.
إلاّ أن تدرك ذكاته » (١).
وموثّقة البقباق : « لا تأكل ما قتلت سباع الطير » (٢).
ورواية أبان : « كان أبي يفتي في زمن بني أميّة : أنّ ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتّقيهم ، وأنا لا أتّقيهم ، وهو حرام ما قتل الصقر » (٣).
والمرويّ في تفسير القمّي : عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب ، قال : « لا تأكلوا إلاّ ما ذكّيتم إلاّ الكلاب » قلت : فإن قتله؟ قال : « كل » (٤).
والمرويّ في تفسير العيّاشي : « ما خلا الكلاب ما يصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكلنّ من صيده إلاّ ما أدركت ذكاته » الحديث (٥) ، إلى غير ذلك من الأخبار.
خلافا لمحتمل التهذيبين في الفهد المعلّم ، فيحلّ مقتوله (٦).
واختاره والدي المحقّق العلاّمة قدسسره في حواشيه على المسالك ، قال : لا يخفى أنّ الأحاديث التي وردت في حلّية ما قتلته الصقور والبزاة محمولة على التقيّة ، كما تدلّ عليه رواية أبان بن تغلب وصحيحة الحلبي. وليس الكلام في هذا ، إنّما الكلام في الأحاديث التي وردت في خصوص الفهد ،
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٠٧ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٢ ـ ١٣٠ ، الاستبصار ٤ : ٧٢ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٩ أبواب الصيد ب ٩ ح ٣ ، بتفاوت يسير.
(٢) الكافي ٦ : ٢٠٨ ـ ١١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٢ أبواب الصيد ب ٩ ح ١٣.
(٣) الكافي ٦ : ٢٠٨ ـ ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٢ ـ ١٢٩ ، الاستبصار ٤ : ٧٢ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٢ أبواب الصيد ب ٩ ح ١٢.
(٤) تفسير القمي ١ : ١٦٢.
(٥) تفسير العيّاشي ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٥ أبواب الصيد ب ٩ ح ٢١.
(٦) التهذيب ٩ : ٢٨ ، الاستبصار ٤ : ٧٠.
كصحيحة ابن أبي نصر (١) ورواية أبي بصير (٢) ، فإنّهما صريحتان في أنّ الفهد كالكلب ، فإن لم يعمل بهما يلزم الطرح وهو غير جيّد ، فالصحيح أن يقال : إنّ الفهد كالكلب ، والأحاديث الدالّة على خصوص الكلب لا تدلّ على عدم حلّية ما قتله الفهد ، بل تدلّ على أنّ ما قتله الكلب حلال ، وهذا لا ينافي حلّية ما قتله الفهد ، وإذا سمّي الفهد في اللغة كلبا فلا إشكال في الآية أيضا ، وثبوت الإجماع مع مخالفة الشيخ وابن أبي عقيل محلّ كلام. انتهى كلامه طاب ثراه.
وللعماني فيما يشبه الكلب ، قال : يحلّ ما هو مقتول مثل الكلب قدرا وجثّة ، كالفهد والنمر وغيرهما (٣).
ولبعض المتأخّرين في كلّ جوارح السباع من ذوات الأربع ، فأحلّ صيده مع التعليم.
دليل الشيخ ومن يتبعه : كون الفهد كلبا لغة ، فتشمله الآية والأخبار ، وصحيحة أحمد المتقدّمة في حجّة الأولين من المسألة الثالثة (٤) ، ورواية أبي بصير المتقدّمة في حجّة الآخرين منها (٥).
وصحيحة زكريّا بن آدم : عن الفهد والكلب يرسلان فيقتل ، فقال : « هما ممّا قال الله عزّ شأنه ( مُكَلِّبِينَ ) فلا بأس بأكله » (٦).
وصحيحة البزنطي : عمّا قتل الكلب والفهد ، قال : فقال أبو جعفر عليهالسلام :
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٢٨ ـ ١١٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٨ أبواب الصيد ب ٢ ح ١٨.
(٢) التهذيب ٩ : ٢٨ ـ ١١٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤١ أبواب الصيد ب ٤ ح ٣.
(٣) نقله عنه في المسالك ٢ : ٢١٧.
(٤) في ص : ٢٩٢.
(٥) في ص : ٢٩٣.
(٦) التهذيب ٩ : ٢٩ ـ ١١٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٤ أبواب الصيد ب ٦ ح ٤.
« الكلب والفهد سواء قدرا » (١).
ولعلّ هذه الأخيرة حجّة العماني ، حيث علّل إباحة مقتول الفهد بمساواته للكلب قدرا.
وحجّة الثالث : أنّ الكلب في اللغة يطلق على كلّ سبع ، قال في القاموس : الكلب : كلّ سبع عقور (٢). ومنه الحديث : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا على رجل وقال : « اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك » فقتله الأسد (٣).
أقول : إنّ ما ذكروه من صدق الكلب على الفهد ـ أو كلّ سبع ـ فهو مردود ، لمنع كون الفهد أو كلّ سبع كلبا لغة ، كيف؟! وقال الجوهري : الكلب معروف ، وهو النابح (٤).
وأمّا قول صاحب القاموس فمع أنّه لا يفيد ـ لمعارضته مع كلام الجوهري ، وهو أرجح عند التعارض ـ معقّب بقوله بعد ذلك : وغلب على هذا : النابح ، وظاهره أنّه منقول لغوي.
ولو سلّم قوله من كونه حقيقة لغة نقول : إنّه معارض بالحقيقة العرفيّة في زمان الشارع قطعا ، لكون الكلب فيه حقيقة في النابح خاصّة ، لوجود أماراتها فيه ، وأمارات المجاز في غيره جدّا ، وهو مقدّم على اللغويّة (٥).
هذا : مضافا إلى تصريح صحيحة الحذّاء السابقة بأنّ الفهد ليس كلبا ، ولا مكلّب إلاّ الكلب.
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٢٩ ـ ١١٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٥ أبواب الصيد ب ٦ ح ٥.
(٢) القاموس المحيط ١ : ١٣٠.
(٣) الخرائج والجرائح ١ : ٥٦ ـ ٩٣ ، مناقب آل أبي طالب ١ : ٨٠ ، البحار ١٨ : ٥٧ ـ ١٤.
(٤) الصحاح ١ : ٢١٣.
(٥) في النسخ : العرفية. والظاهر ما أثبتناه.
وتدلّ عليه صحيحة الحضرمي وروايتا القمّي والعيّاشي المتقدّمة أيضا (١).
ومنه يظهر فساد ما ادّعوه من شمول الآية والأخبار الكلّية للفهد أو كلّ سبع ، ولكنّ الإنصاف أنّها بنفسها لا تصير حجّة للأولين أيضا ، لأنّ تخصيص الكلب بالذكر لا يدلّ على تخصيصه بالحكم إلاّ بمفهوم ضعيف ، فبقي الكلام في أخبار الطرفين.
والحقّ أنّ في كلّ منهما ضعفا من جهة : أمّا أخبار الحرمة ، فمن جهة الدلالة ، لأنّها بين ما يحتمل الجملة الخبريّة ، وهو عن إفادة الحرمة قاصر ، ومفهوم غايته نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ ، فيحتمل الكراهة ، سوى رواية القمّي المشتملة على النهي ، ولكنّه على سبيل العموم المتحمّل للتخصيص.
وأمّا أخبار الجواز ، فلمخالفتها للشهرتين العظيمتين ـ لو لم ندّع الإجماع ـ الموجبة لشذوذها وعدم حجّيتها بالمرّة.
فاللازم على أصولنا وقواعدنا رفع اليد عنهما والرجوع إلى مقتضى الأصول الكلّية ، وقد عرفت في المقدّمة أنّه مع التذكية والحلّية بعد تحقّق ذكر اسم الله عليه ، إلاّ أنّ عموم رواية القمّي ـ المنجبر ضعفها بالإجماعات المنقولة والشهرة العظيمة ، الخالي عمّا يصلح للتخصيص ، إذ ليس إلاّ أخبار الجواز الخارجة عن حيّز الحجّية بمخالفة الشهرة والشذوذ ـ [ يمنع عن الرجوع إليه ] (٢).
هذا في جوارح السباع ذوات الأربع.
__________________
(١) في ص : ٢٨٥ و ٣٠٢.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
وأمّا جوارح الطير ، فالحرمة في صيودها المقتولة واضحة ، لإجماعيّتها ، وانتفاء المخالف فيها بالمرّة ، وصراحة بعض أخبارها في الحرمة ونفي الحلّية ، كصحيحة الحلبي ورواية أبان (١) ، وهما لمعارضة أخبار الجواز كافيتان ، فتترجّحان عليها ، لمخالفتها العامّة (٢) ، وورود أخبار الجواز مورد التقيّة ، كما هو في بعض أخبار الباب مصرّح به.
المسألة الخامسة : يجزي تعليم الكلب من أيّ معلّم كان على الأظهر الأشهر ـ بل عن الخلاف الإجماع عليه (٣) ـ للأصل والإطلاق.
ومنه يظهر عدم اشتراط الإسلام فيه أيضا ، لما مرّ ، مضافا إلى صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية (٤) ، ورواية السكوني : « وكلاب أهل الذمّة وبزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها » (٥).
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي (٦) والمبسوط (٧) ومال إليه في التهذيبين (٨) ـ كما قيل (٩) ـ فمنعا عن أكل صيد كلب علّمه المجوسي.
استنادا إلى ظاهر قوله سبحانه ( تُعَلِّمُونَهُنَّ ) (١٠) فإنّ الخطاب إنّما
__________________
(١) المتقدمتين في ص : ٣٠١ و ٣٠٢.
(٢) كما في بداية المجتهد ١ : ٤٥٦ ، المغني والشرح الكبير ١١ : ١١.
(٣) الخلاف ٢ : ٥٢٠.
(٤) في ص : ٢٨٥.
(٥) الكافي ٦ : ٢٠٩ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠ ـ ١٢٠ ، الاستبصار ٤ : ٧١ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦١ أبواب الصيد ب ١٥ ح ٣.
(٦) حكاه عنه في المختلف : ٦٧٦.
(٧) المبسوط ٦ : ٢٦٢.
(٨) التهذيب ٩ : ٣٠ ، الاستبصار ٤ : ٧٠.
(٩) في المسالك ٢ : ٢٢٠.
(١٠) المائدة : ٤.
هو للمسلمين.
وروايتي ابن سيابة والسكوني المتقدّمتين في المسألة المذكورة (١) ، وبهما يقيّد إطلاق الصحيحة.
ويضعّف الأول بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلّم ، غايته اختصاص الخطاب بالمسلم ، وهو لا ينافي الثبوت في غيره بإطلاق آخر ، سيّما مع وروده مورد الغالب ، مع أنّه لو سلّم يقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقا ، وهو خلاف الإجماع ، والتخصيص بالمجوسيّ إخراج للأكثر ، وهو غير مجوّز.
والثاني بالضعف ، لمخالفة شهرة القدماء ، وعدم صراحة الدلالة ، لاحتمال الخبريّة ، فلا يثبت منه إلاّ الكراهة ، وهي مسلّمة كما صرّح به جمع من الطائفة (٢) ، مع أنّ الثانية ظاهرة في غير المعلّم من المجوسي ، لقوله : « فيعلّمه » ، لامتناع تحصيل الحاصل وتعليم المعلوم.
__________________
(١) في ص : ٢٨٦.
(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١١.
وصاحب الرياض ٢ : ٢٦٩.
البحث الثاني
في الآلة الجماديّة
وهي إمّا مشتملة على نصل ـ أي زجّ من حديد ـ أو لا ، وعلى الثاني إمّا محدّدة أو لا ، فهذه أقسام ثلاثة نذكرها وما يتعلّق بها في مسائل :
المسألة الأولى : السيف والرمح والسهم مطلقا ـ صغيرا كان أم كبيرا ، طويلا أم قصيرا ـ تحصل التذكية به بشرائطها ، ويحلّ مقتوله كيف ما قتل ، وكذلك كلّ آلة مشتملة على نصل ـ أي حديد محدّد ، كالخنجر والسكّين والألماس وحديدة العصا وغير ذلك ـ بلا خلاف يعرف في المسألة ، إلاّ ما حكاه بعضهم (١) عن الديلمي من جعله حكم مقتول ما ذكر حكم مقتول الفهد والصقر في الاحتياج إلى التذكية.
ولكن ناقش بعض مشايخنا ـ طاب ثراه ـ في النسبة وقال : إنّ عبارته المحكيّة كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة ، ولذا أنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة ، بل ادّعي الإجماع عليه (٢). انتهى.
وفي الكفاية : الظاهر أنّه لا خلاف فيه (٣). وفي شرح الإرشاد للأردبيلي : كأنّه إجماعي (٤). وهو كذلك ، بل الظاهر كونه إجماعيّا كما هو
__________________
(١) كالعلامة في المختلف : ٦٧٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤.
(٢) صاحب الرياض ٢ : ٢٦١.
(٣) الكفاية : ٢٤٥.
(٤) مجمع الفائدة ١١ : ١٢.
ظاهر المسالك (١) ، حيث نسبه إلى أصحابنا ، لعدم قدح مخالفة من ذكر لو كان مخالفا فيه ، فهو الحجّة في المسألة.
مضافا في خصوص الثلاثة المذكورة أولا إلى المستفيضة :
كصحيحة محمّد بن عليّ الحلبي : عن الصيد يضربه الرجل بالسيف ، أو يطعنه برمح ، أو يرميه بسهم ، فيقتله ، وقد سمّى حين فعل ذلك ، فقال : « كل لا بأس به » (٢).
وموثّقة محمّد : « كل من الصيد ما قتل السيف والسهم والرمح » (٣).
وصحيحة الحلبي : عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه بحديدة ، وقد سمّى حين يرمي ، قال : « يأكله إذا أصابه وهو يراه » (٤).
والأخرى : عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله ، وقد كان سمّى حين رمى ولم تصبه الحديدة ، فقال : « إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإن أراده فليأكل » (٥).
وموثّقة سماعة : عن رجل رمى حمارا أو ظبيا فأصابه ، ثمَّ كان في طلبه ، فأصابه في الغد وسهمه فيه ، فقال : « إن علم أنّه أصابه وإنّ سهمه هو
__________________
(١) المسالك ٢ : ٢١٨.
(٢) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ٣.
(٣) الكافي ٦ : ٢٠٩ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ٢.
(٤) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧١ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٣ ، مع اختلاف يسير.
(٥) الكافي ٦ : ٢١٢ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢١ ، التهذيب ٩ : ٣٣ ـ ١٣٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧١ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٢ ، بتفاوت.
الذي قتله فليأكل منه ، وإلاّ فلا يأكل منه » (١).
والأخرى : عن الرجل يرمي الصيد وهو على الجبل فيخرقه السهم حتى يخرج من الجانب الآخر ، قال : « كله » (٢) ، وقريبة منها روايته (٣).
ومرسلة النضر بن سويد المرفوعة : في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان ، فقال : « لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين ، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر لأنّه ميتة » (٤).
ورواية غياث بن إبراهيم : في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين ، قال : « فليأكلهما جميعا ، فإن ضربه وبان منه عضو لم يؤكل منه ما أبانه وأكل سائره » (٥).
ورواية زرارة : « إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم وقد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل ، غاب عنك أو لم يغب » (٦).
ومرسلة الفقيه ، وفيها : « فإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء » (٧).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٦ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٣.
(٢) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ١١ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٩ أبواب الصيد ب ٢٠ ح ١.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٥ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨ ـ ١٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٩ أبواب الصيد ب ٢٠ ح ٢.
(٤) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٧ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٧ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ٣.
(٥) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٦ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ١.
(٦) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٩ ، مستطرفات السرائر : ١٨ ـ ٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٧ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٥.
(٧) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٩ أبواب الصيد ب ٢٦ ح ٣.
ورواية عيسى بن عبد الله : أرمي بسهمي فلا أدري سمّيت أم لم أسمّ ، فقال : « كل لا بأس » قال : قلت : أرمي فيغيب عنّي فأجد سهمي فيه ، فقال : « كل ما لم يؤكل منه ، وإن كان قد أكل منه فلا تأكل منه » (١) ، إلى غير ذلك ممّا يأتي في طيّ المسائل.
وفي الثلاثة وغيرها ممّا ذكر : إلى عموم صحيحتي سليمان وحريز المتقدّمتين في المقدّمة (٢).
وصحيحة محمّد بن قيس : « من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ، ثمَّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله ، فليأكل منه إن شاء » (٣).
ومرسلة الفقيه ، وهي أيضا قريبة من سابقتها (٤).
وموثّقة محمّد الحلبي : عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطّعونه ، فقال : « كله » (٥).
ومرسلته الأخرى : « إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس » (٦).
وفي ثالثة : « إن كانت تلك مرماته فلا بأس » (٧).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩١٩ ، التهذيب ٩ : ٣٣ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٧ أبواب الصيد ب ٢٥ ح ١.
(٢) في ص : ٢٧٧.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ١.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ١.
(٥) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٤ أبواب الصيد ب ١٧ ح ٣.
(٦) الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٢ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٧.
(٧) الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٢ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٨.
ورواية عبّاد بن صهيب الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : عن رجل سمّى ورمى صيدا فأخطأ وأصاب آخر ، فقال : « يأكل منه » (١).
ثمَّ إنّ مقتضى إطلاقات أكثر تلك الأخبار حلّ المقتول بالآلة المذكورة مطلقا ، سواء جرحته وخرقته أم لا ، بل قتلته معترضة ، أي أصابته عرضا ، وظاهر المسالك والكفاية (٢) كونه إجماعيّا ، وتدلّ عليه نصّا صحيحتا الحلبي المتقدّمتان.
المسألة الثانية : كلّ آلة محدّدة غير مشتملة على حديد يحلّ مقتولها إن قتلت بخرقها للصيد ودخولها فيه ولو قدرا يسيرا فمات به ، ولو قتلت معترضة من دون خرق لم يحلّ ، فالفرق بينها وبين الآلة المشتملة على الحديد المحدّد : أنّه إنّ ما فيه الحديد يحلّ مقتوله مطلقا خرقا كان أم عرضا ، وذلك يحلّ مقتوله الخرقي دون العرضي.
وأسند الحكمان في الآلة الغير الحديديّة إلى الأصحاب جميعا (٣).
واستدلّ لهما بصحيحة الحذّاء : « إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل » (٤).
ومرسلة الفقيه : أنّه « إن خرق أكل ، وإن لم يخرق لم يؤكل » (٥).
وفي النبويّ في المعراض : « إن قتل بحدّه فكله ، وإن قتل بثقله
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢١٥ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٨ ـ ١٦٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٠ أبواب الصيد ب ٢٧ ح ١.
(٢) المسالك ٢ : ٢١٨ ، الكفاية : ٢٤٥.
(٣) كما في الرياض ٢ : ٢٦١.
(٤) الكافي ٦ : ٢١٢ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٥ ـ ١٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ١.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٢ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٩.
فلا تأكل » (١).
والمعراض كمحراب : سهم بلا ريش ونصل ، دقيق الطرفين ، غليظ الوسط ، يصيب بعرضه دون حدّه.
أقول : أمّا الحكم الأول : فلا ريب فيه في المعراض إذا لم يكن غيره وكان ذلك مرماته ، لما ذكر ، ولعموم صحيحتي محمّد الحلبي وحريز ، وما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة.
وصحيحة الحلبي : سئل عمّا صرع المعراض من الصيد ، فقال : « إن لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عزّ وجلّ عليه فليأكل ما قتل ، وإن كان له نبل غيره فلا » (٢).
والأخرى ، وفيها : عن صيد المعراض ، فقال : « إن لم يكن له نبل غيره وكان قد سمّى حين رمى فليأكل منه ، وإن كان له نبل غيره فلا » (٣).
وأمّا إذا وجد غيره وإن حصل الخدش في الحكم ـ للصحيحين الأخيرين المعارضين لما مرّ بالعموم من وجه ـ إلاّ أنّ تعارضهما موجب للرجوع إلى أصالة الحلّية بعد ذكر اسم الله عليه ، مع أنّه يمكن أن يقال بعدم حجّية الصحيحين ، للشذوذ ومخالفة الشهرة ، فتأمّل.
هذا في المعراض.
وأمّا التعدّي إلى غيره من الآلات المحدّدة الغير الحديديّة فإمّا
__________________
(١) كما في صحيح البخاري ٧ : ١١١ ، وسنن أبي داود ٣ : ١١٠ ـ ٢٨٥٤ ، والدارمي ٢ : ٩١ ، بتفاوت في الجميع.
(٢) الكافي ٦ : ٢١٢ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢٣ ، التهذيب ٩ : ٣٥ ـ ١٤٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧١ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٤.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٣.
بالإجماع المركّب أو القياس بالمعراض ، وإثبات الأول مشكل ، والثاني باطل ، إلاّ أنّ الحكم للأصل موافق ، والخلاف فيه غير معروف ، بل نفاه بعضهم (١).
ويمكن أن يستدلّ له أيضا بعموم صحيحتي سليمان وحريز وما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة ، ولكن في الحكم بالشمول للمورد إشكالا ، فإنّ بعضها مسوقة لبيان حكم آخر ، وإطلاق مثله وإن كان معتبرا في الجملة إلاّ أنّه لا يخلو بعد عن نوع كلام عند بعضهم ، وبعضها مشتملة على لفظ « السلاح » و « المرماة » ، وصدقهما على جميع أفراد المورد غير معلوم ، إلاّ أنّ موافقة أصل الحلّية بعد التسمية كافية.
وأمّا الحكم الثاني : فهو مع مخالفته للأصل المذكور مخالف أيضا للعمومات المذكورة ، والصحيحة والمرسلة عن الدالّ على النهي الصريح خاليتان ، ومع ذلك يعارضهما إطلاق الصحيحين الأخيرين في خصوص المعراض عند عدم وجود غيره ، فالحكم به أيضا مشكل ، سيّما في صورة عدم الغير ، وسلوك جادّة الاحتياط طريق النجاة ، والله العالم.
المسألة الثالثة : المعروف منهم حرمة مقتول كلّ آلة جماديّة غير ذي حديدة ولا محدّدة تقتل بثقله ، كالحجر والعمود والمقمعة (١) ، وهو في الحجر منصوص عليه في صحاح عديدة ، كصحيحة الحلبي : عمّا قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال : « لا » (٣) ، وكذا صحاح حريز (٤) ،
__________________
(١) المقمعة : هي خشبة يضرب بها الإنسان ليذلّ ويهان ـ المصباح المنير : ٥١٦.
وفي مجمع البحرين ٤ : ٣٨٣ : هي شيء من حديد كالمحجن يضرب به.
(٢) كصاحب الرياض ٢ : ٢٦٢.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧ ـ ١٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٤ أبواب الصيد ب ٢٣ ح ٣. والبندق : الذي يرمى به عن الجلاهق ، الواحدة : بندقة ، وهي : طينة مدوّرة مجفّفة ـ مجمع البحرين ٥ : ١٤١.
(٤) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٢٨ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٤٩ ، الوسائل
ومحمّد (١) ، وسليمان بن خالد (٢) وابن سنان (٣).
وكذا البندق ، فإنّه مرادف مع الحجر في تلك الأخبار.
ولا دليل على غيرهما ، وقياسه عليهما باطل ، سيّما فيما يكون داخلا في أفراد السلاح.
وفي مرسلة الفقيه : في رجل له نبال ليس فيها حديد ، وهي عيدان كلّها ، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا ، فيقتله ويذكر اسم الله وإن لم يخرج دم ، وهي نبالة معلومة ، فيأكل منه إذا ذكر اسم الله عليه (٤).
وهي دالّة على الحلّية في بعض أفراد المسألة.
وبعض العمومات المتقدّمة أيضا دالّ عليها في جميعها ، فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب فهو ، وإلاّ فالأصل يقتضي الحلّية في غير المنصوص عليه.
المسألة الرابعة : ما كان له حدّة وثقل معا ولم يعلم أنّ القتل بأيّهما ، فمقتضى الأصل الثالث المتقدّم في المقدّمة (٥) : حرمته على القول بحرمة المقتول بالثقل مطلقا.
ولو كان القتل بهما معا ، فمقتضى الأصل الثاني (٦) : حلّيته ، وهو أولى
__________________
٢٣ : ٣٧٥ أبواب الصيد ب ٢٣ ح ٧.
(١) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٥٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٥ أبواب الصيد ب ٢٣ ح ٦.
(٢) الكافي ٦ : ٢١٣ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٥١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٣ أبواب الصيد ب ٢٣ ح ١.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٤ ـ ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٦ ـ ١٤٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٤ أبواب الصيد ب ٢٣ ح ٥.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٢٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٣ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ١٠.
(٥) في ص : ٢٧٧.
(٦) المتقدم في ص : ٢٧٥.
بالإشكال في الحرمة ممّا مرّ في المسألة السابقة. وأولى منهما به ما إذا كانت الآلة ذا حديدة أو حديديّة ، كما يسمى بالفارسيّة : كلنگ ، وكالمسحاة ، فإنّه ليس مظنّة الإجماع ولا احتماله في مثلهما.
المسألة الخامسة : قال بعض شرّاح المفاتيح ـ بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة في البندق والحجر ـ : وفي معناها أخبار متضمّنة لحرمة ما يقتل منها بالثقل خدش أم لا ، ففي الآلة المستحدثة في عصرنا ـ المسمّاة بالفارسيّة : دورانداز ـ إشكال ، والحرمة أظهر ، لاندراجه تحت البندقة والحجر. انتهى.
أقول : هي الآلة المعروفة في الفارسيّة بالتفنگ.
ويظهر منه على الحرمة دليلان :
أحدهما : ما تضمّن حرمة ما يقتل بالثقل.
وثانيهما : اندراجه تحت البندقة والحجر.
وكلاهما ضعيفان غايته :
أمّا الأول : فبأنّا لم نعثر على خبر واحد ـ ولو ضعيف ـ متضمّن لذلك أصلا ، فكيف عن الأخبار؟!
نعم ، ورد في نبويّ عامّي تقدّم ذكره (١) : أنّ المعراض إن قتل بثقله لا يؤكل ، وأين ذلك من العموم أو الإطلاق؟!
وإن كان نظره إلى أخبار البندق والحجر فهي برمّتها خالية عن ذكر الثقل ، واحتمال كونه علّة فيهما باطل ، لمنعه ، وكونه استنباط علّة ممنوع عن ترتّب الحكم عليه في مذهبنا.
__________________
(١) في ص : ٣١٢.
هذا ، مع أنّه لو سلّم لا يفيد ، إذ هذه الآلة لا تقتل بالثقل أصلا ـ ولذا لا تقتل لو سقطت على شيء ولم تنفذ فيه ـ وإنّما تقتل بالخرق والنفوذ ، وهو أنفذ من السهم وأخرق من السيف.
وأمّا الثاني : فبمنع دخولها في البندقة جدّا ، فإنّها شيء غير تلك الآلة معروف في الأزمنة السالفة ، وفي الحديث ـ كما نقله صاحب الكفاية (١) ـ : إنّها لا تصيد صيدا ولا تنكئ عدوّا ، ولكنّها تكسر السنّ وتفقأ العين. وهذه الآلة تصيد الصيد ، بل تقتل الفيل والبعير ، وتتلف العدوّ الكبير ، وكأنّها آلة تسمّى في هذا الزمان بالفارسية : پفك ، بالپاء الفارسيّة والفاء والكاف.
واستدلّ بعض مشايخنا المعاصرين قدسسره في شرحه على النافع (٢) بأصالة الحرمة ، الثابتة بالأخبار المتقدّمة في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة المذكورة في المقدّمة (٣) ، الدالّة على توقف حلّ الصيد والذبيحة على ثبوت التذكية ، التي هي من قبيل الأحكام الشرعيّة المتوقّفة على ثبوت آلة وكيفيّة.
وهو فاسد جدّا ، لأنّ الأخبار المتقدّمة إنّما تثبت أصالة عدم التذكية بالمعنى الثالث ، أي عدم حصول الأمور المعيّنة التي علم كونها تذكية بعد معرفتها ، لا بالمعنى الثاني الذي هو المفيد في ذلك المقام ، وهو الذي أشار إليه أخيرا : المتوقّفة على ثبوت آلة وكيفية. والتذكية بذلك المعنى أيضا وإن كان خلاف الأصل إلاّ أنّه زال بعد التسمية بقوله سبحانه ( وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤) كما مرّ تحقيقه في المقدّمة.
__________________
(١) الكفاية : ٢٤٥. وأنكى والاسم النكاية ـ بالكسر ـ : إذا قتلت واثخنت ـ المصباح المنير : ٦٢٥.
(٢) وهو صاحب الرياض ٢ : ٢٦١.
(٣) في ص : ٢٧٧ و ٢٧٨.
(٤) الأنعام : ١١٩.
وبذلك ظهر أنّ الأقوى في مقتول هذه الآلة ـ بعد تحقق سائر الشرائط الآتية ـ الحلّية ، لوجوه :
الأول : الأصل بالمعنى الثاني ، الراجع إلى عموم قوله سبحانه ( مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ).
الثاني : العمومات المصرّحة بحلّية ما جرح وقتل بسلاح بعد ذكر اسم الله عليه ، كصحيحة محمّد بن قيس ومرسلة الفقيه ، المتقدّمتين في المسألة الاولى (١). وعدم تعارف هذا النوع من السلاح في زمان الشارع غير ضائر كما يأتي.
الثالث : الأخبار المتضمّنة لحلّية مقتول كلّ ما قرّره الصائد سلاحا ومرماة وآلة لرميه وصنعه لذلك ، كمرسلتي الفقيه المتقدّمتين في الاولى (٢).
وموثّقة زرارة وإسماعيل : عمّا قتل المعراض ، قال : « لا بأس إذا كان هو مرماتك وصنعته لذلك » (٣).
ورواية زرارة : فيما قتل المعراض : « لا بأس به إذا كان إنّما يصنع لذلك » (٤).
الرابع : عمومات حلّية ما رماه شخص أو رميته ، كصحيحتي سليمان وحريز المتقدّمتين في المقدّمة (٥).
وموثّقة سماعة المتقدّمة في الأصل الثاني (٦) من المقدّمة أيضا ، حيث
__________________
(١) في ص : ٣١١.
(٢) في ص : ٣١١.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٢ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٥ ـ ١٤٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٢ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٥.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٣ ـ ٩٢٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٢ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٦.
(٥) في ص : ٢٧٧.
(٦) في النسخ : الثالث ، والصحيح ما أثبتناه.
قال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (١).
وموثّقة محمّد الحلبي ورواية عبّاد بن صهيب المتقدّمتين في المسألة الاولى (٢).
وتخصيص الرمي بالرمي بالسهم ـ مع عمومه ـ لا وجه له ، مع أنّه كان يرمى بغيره أيضا.
ولبعض ما ذكرنا استقرب صاحب الكفاية الحلّية بعد تردّده أولا ، قال : وفي مثل الآلة الموسومة بالتفنگ المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردّد ، ولو قيل بالحلّ لم يكن بعيدا ، لعموم أدلّة الحلّ ، ودخوله تحت عموم قول أبي جعفر عليهالسلام : « من قتل صيدا بسلاح » الحديث (٣). انتهى (٤).
قال بعض مشايخنا المعاصرين قدسسره بعد نقل كلام الكفاية : والمناقشة فيها واضحة ، لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قبيل المسألة ، بل أكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقّف حلّ الصيد والذبيحة على التذكية ، وهي من قبيل الأحكام الشرعيّة تتوقّف على الثبوت آلة وكيفيّة ، مع معارضته بعمومات تحريم الميتة (٥) ، الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه والمذبوح بكلّ آلة ، خرج منها الآلة المعتبرة وبقي ما عداها.
ودعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكّى بكلّ آلة مردودة بأنّ
__________________
(١) راجع ص : ٢٧٦.
(٢) في ص : ٣١١ و ٣١٢.
(٣) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٣٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ١.
(٤) كفاية الأحكام : ٢٤٥.
(٥) الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤.
التذكية حكم من الأحكام الشرعيّة المستحدثة ، فلا يتصوّر توقّف صدق اللفظ فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة ، ومنع عموم السلاح ، فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغة ، وإنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد متبادرة ، ولا ريب أنّ المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنگ (١). انتهى.
وفيه نظر ، أمّا أولا : فلأنّ قوله : لضعف العموم بتخصيصه ، إلى آخره ، يصحّ لو كان المراد بعموم الحلّ عمومات حلّية الأشياء مطلقا كما هو الظاهر ، أمّا إذا أردنا منه عمومات حلّية ما ذكر اسم الله عليه أو ما رمي وسمّي به ـ كما مرّ في المقدّمة ـ لا يخصّصها الأصل الذي ذكره ، كما مرّ وجهه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ قوله : توقّف حلّ الصيد والذبيحة على التذكية ، مسلّم ، ولكن نقول : إنّ هذا العمل أيضا تذكية.
قوله : هي من قبيل الأحكام ، إلى آخره.
قلنا : نعم ، ولكنّها تثبت بقوله سبحانه ( مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ).
فإن قال : نعم ، ولكن ثبت التوقّف على بعض أمور أخر.
قلنا : إن أريد الأمور المبهمة المجملة فغير مسلّم ، وإن أريد أمور مخصوصة فنسلّم منها ما ثبت ، وندفع الزائد بالأصل.
وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله : مع معارضته بعمومات حرمة الميتة ، مردود بمنع صدق الميتة على مفروض المسألة ، لجواز اختصاصها بما يخرج روحه حتف أنفه أو غيره ممّا لا يصدق على المفروض.
ولو سلّم صدق الموت على مطلق خروج الروح لا يلزمه صدق
__________________
(١) الرياض ٢ : ٢٦٥.