أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٨
ومرسلة الفقيه : عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه؟ فقال : « لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت » الحديث (١).
فهي (٢) شاذّة جدّا خارجة عن حيّز الحجّية.
مع أنّ الاولى معارضة بموثّقة أخرى لسماعة : عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغراء ، قال : « لا بأس بما لم تعلم أنّه ميتة » (٣).
والترجيح للثانية ، لموافقة الأولى للعامّة والثانية للكتاب.
والثانيتان ضعيفتان دلالة ، لأنّها ليست إلاّ بالتقرير ، وحجّيته إنّما هي إذا لم يكن هناك مانع عن المنع ، والتقية أقوى الموانع سيّما في المكاتبات.
مع أنّ في الثالثة إشعارا بها ، حيث عدل عن الجواب إلى الإجمال.
والأخيرتان متروكتان عند أصحابنا طرّا ، ومخالفتان لإجماعهم.
وتستثنى من الميتة أجزاؤها العشرة التي لا تحلّها الحياة ، فيحلّ الانتفاع بها كما يأتي في كتاب المطاعم ، ومرّ في بحث الطهارة أيضا.
وكذا يستثنى منها بيعها ممّن يستحلّ الميتة إذا اختلطت بالذكيّ ولم يميّز ، لصحيحتي الحلبي :
أحدهما : « إذا اختلط الذكيّ والميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه » (٤).
__________________
(١) الفقيه ١ : ٩ ـ ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.
(٢) خبر لقوله : وبعض الروايات الدالة ..
(٣) التهذيب ٩ : ٧٨ ـ ٣٣١ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٥. الغراء ككتاب : شيء يتّخذ من أطراف الجلود يلصق به ـ مجمع البحرين ١ : ٣١٥.
(٤) الكافي ٦ : ٢٦٠ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٤٨ ـ ١٩٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٦ ح ١ ، بتفاوت يسير.
وثانيهما : الميتة والذكيّ اختلطا فكيف يصنع؟ فقال : « يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه ، فإنّه لا بأس به » (١).
وقد يستثنى أيضا الاستقاء بجلدها لغير مشروط الطهارة ، ومرّ الكلام فيه في كتاب الطهارة ، ويأتي الكلام في سابقة في كتاب المطاعم.
ومنها : الأرواث والأبوال ، وتحريم بيعها ممّا لا يؤكل لحمه شرعا موضع وفاق كما في المسالك (٢) ، وفي التذكرة : الإجماع على عدم صحّة بيع نجس العين مطلقا ، وكذا السرجين النجس (٣). وكثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر يدلّ عليه.
مضافا إلى رواية يعقوب بن شعيب : « ثمن العذرة من السحت » (٤).
وموثّقة سماعة : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال : « حرام بيعها وثمنها » (٥).
وأمّا قوله فيها : وقال : « لا بأس ببيع العذرة » ونحوها رواية محمّد بن مضارب (٦) ، فلمعارضتهما لعمل المعظم لا تنهضان حجّتين ، مع أنّ بعد تعارضهما تبقى العمومات المانعة المتقدّمة خالية عن المعارض.
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٦٠ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٤٧ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٦ ح ٢ ، بتفاوت يسير.
(٢) المسالك ١ : ١٦٥.
(٣) التذكرة ١ : ٤٦٤.
(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٢ ـ ١٠٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٦ ـ ١٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ١.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٧٢ ـ ١٠٨١ ، الاستبصار ٣ : ٥٦ ـ ١٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٢.
(٦) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ ـ ١٠٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٥٦ ـ ١٨١ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٣.
وهل يجوز الانتفاع بها نفعا محلّلا بغير بيع ـ كتربية الزرع واقتنائها لذلك ـ أم لا؟
صرّح الفاضل في المنتهى والقواعد بالأول (١).
وظاهر الحلّي : الثاني ، قال في السرائر : وجميع النجاسات محرّم التصرّف فيها والتكسّب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة وروث ما لا يؤكل لحمه وبوله (٢).
والأصل مع الأول ، وروايتا الرضوي وتحف العقول (٣) مع الثاني ، إلاّ أنّ ضعفهما وعدم ثبوت انجبارهما في المورد ـ وإن ثبت في غيره ـ يمنعهما عن دفع الأصل ، فالأول هو الأقوى ، ولكن مع الكراهة كما في المنتهى (٤) ، للروايتين.
وأمّا ممّا يؤكل لحمه فيجوز الاكتساب بها مطلقا ، وفاقا للأكثر ، بل عن السيّد الإجماع عليه (٥) ، لطهارتها وعظم الانتفاع بها ، فيشملها الأصل والعمومات.
وخلافا للمفيد والنهاية والديلمي وظاهر الإرشاد (٦) ، فمنعوا عنه ، للاستخباث وعدم الانتفاع ، إلاّ بول الإبل للاستشفاء مع الضرورة إليه ، للإجماع ، والنصوص.
__________________
(١) المنتهى ٢ : ١٠١٠ ، القواعد ١ : ١٢٠.
(٢) السرائر ٢ : ٢١٩.
(٣) مرّتا في ص : ٦٤ ، ٦٥.
(٤) المنتهى ٢ : ١٠١٠.
(٥) الانتصار : ٢٠١.
(٦) المفيد في المقنعة : ٥٨٧ ، النهاية : ٣٦٤ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠ ، الإرشاد ١ : ٣٥٧.
ويضعّف دليل المنع في المستثنى منه بمنع ملازمة الأول للمنع بعد إمكان الانتفاع به ، ومنع الثاني وجدانا.
ومنها : الخنزير والكلب ، وحرمة التكسّب بهما إجماعيّة ، كما صرّح به جماعة (١) ، مضافا إلى كثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر الشاملة لهما صريحا أو عموما ، والمستفيضة الدالّة على حرمة ثمن الكلب.
كرواية جرّاح المدائني : ونهى عن ثمن الكلب (٢).
وصحيحة حريز : « السحت ثمن الميتة وثمن الكلب » (٣).
ورواية الوليد العامري : عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال « سحت ، وأمّا الصيود فلا بأس » (٤).
وموثّقة محمّد : « ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت » (٥).
ومرسلة الفقيه : « وثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت » (٦).
ويستفاد من الأخيرتين ـ تقييدا ـ ومن سابقتها ـ صريحا ـ اختصاص المنع بما عدا كلب الصيد.
وتدلّ عليه أيضا رواية أبي بصير : عن ثمن كلب الصيد ، فقال : « لا بأس
__________________
(١) منهم الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٦ والعلامة في التحرير : ١٦٠ وصاحب الرياض ١ : ٤٩٨.
(٢) التهذيب ٧ : ١٣٦ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٤.
(٣) لم نعثر على كذا نصّ لحريز ، وما في الكافي ٥ : ١٢٦ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ ـ ١٠٦١ ، تفسير القمّي ١ : ١٧٠ ، الخصال : ٣٢٩ ـ ٢٥ ، الوسائل ١٧ : ٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٥ مرويّ عن السكوني.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٦٧ ـ ١٠٦٠ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ١٤ ح ٧.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٦ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٣ ، وفيه : عن العماري.
(٦) الفقيه ٣ : ١٠٥ ـ ٤٣٥ ، الوسائل ١٧ : ٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٨.
به » (١).
ورواية ليث : عن الكلب الصيود يباع؟ فقال : « نعم ، ويؤكل ثمنه » (٢).
وهو إجماعيّ أيضا ، كما في المنتهى والغنية والمسالك (٣) ، وفي المهذّب قريب من الإجماع ، وقال : وفيه قول بالمنع متروك (٤). وهذا صريح في وجود الخلاف ، كما أنّ في التذكرة والقواعد (٥) إشعارا به ، ولكنّه غير مضرّ في الإجماع.
وبذلك يقيّد ما أطلق فيه المنع عن ثمن الكلب ، وليس في النصّ والفتوى التقييد بالسلوقي كما في المبسوط (٦) ، والأصل يدفعه.
وفي كلب الماشية والحائط والدار والزرع قولان : المنع ، وهو للشيخين والقاضي والغنية والشرائع (٧) واختاره من المتأخّرين جماعة (٨) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٩) ، لإطلاق الأخبار المانعة عموما ، أو خصوص الكلب وعدم المخصّص.
والجواز ، وهو للإسكافي والحلّي وابن حمزة وأبي علي والفاضل
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٠٥ ـ ٤٣٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ ـ ١٠١٦ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٥.
(٢) التهذيب ٩ : ٨٠ ـ ٣٤٣.
(٣) المنتهى ٢ : ١٠٠٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، المسالك ١ : ١٦٧.
(٤) المهذب البارع ٢ : ٣٤٧.
(٥) التذكرة ١ : ٤٦٤ ، القواعد ١ : ١٢٠.
(٦) المبسوط ٢ : ١٦٦.
(٧) المفيد في المقنعة : ٥٨٩ ، الطوسي في النهاية : ٣٦٤ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٣٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، الشرائع ٢ : ١٢.
(٨) منهم يحيى بن سعيد في نزهة الناظر : ٧٦ وصاحب الحدائق ١٨ : ٨١.
(٩) الخلاف ٣ : ١٨١.
والتنقيح والمهذّب (١) واختاره كثير ممّن تأخّر (٢).
للأصل ، والعمومات.
والاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه.
ولأنّ لها ديات مقدرة.
ولجواز إجارتها ، ولا فارق.
والأولان : مخصّصان بما مرّ.
والثالث : قياس باطل.
والرابع : غير دالّ على جواز البيع ، لعدم الملازمة ، بل ربّما يجعل ـ كما في المهذب والمسالك (٣) ـ دليلا على المنع.
والخامس : بثبوت الفارق ، وهو وجود المنفعة المحلّلة المصحّح للإجارة.
نعم ، قال الشيخ في المبسوط : وروي جواز بيع كلب الماشية والحائط (٤).
وهو وإن كان أخصّ من المطلوب ، إلاّ أنّه يتمّ بعدم الفصل ، فالجواز هو الأقوى ، وإن كان المنع أحوط.
وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في جواز اقتناء هذه الكلاب للحراسة ،
__________________
(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٤١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١٥ ـ ٢٢٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٩ ، الفاضل في القواعد ١ : ١٢٠ ، التنقيح ٢ : ٧ ، المهذب البارع ٢ : ٣٤٨.
(٢) منهم العلامة في التحرير : ١٦٠ والشهيد في الدروس ٣ : ١٦٨ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤.
(٣) المهذب البارع ٢ : ٣٤٨ ، المسالك ١ : ١٦٧.
(٤) المبسوط ٢ : ١٦٦.
لما مرّ.
وللصحيح : « لا خير في الكلاب إلاّ كلب صيد أو ماشية » (١).
والمرويّ في الغوالي : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بقتل الكلاب في المدينة ـ إلى أن قال : ـ فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، فاستثنى صلىاللهعليهوآلهوسلم كلاب الصيد ، وكلاب الماشية ، وكلاب الحرث ، وأذن في اتّخاذها (٢).
ولثبوت الدية لها بالإجماع ، والأخبار.
ففي رواية أبي بصير : « دية الكلب السلوقي أربعون درهما ، ودية كلب الغنم كبش ، ودية كلب الزرع جريب من بر ، ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله » (٣).
وفي رواية السكوني : فيمن قتل كلب الصيد ، قال : « يقوّمه ، وكذلك البازي ، وكذلك كلب الغنم ، وكذلك كلب الحائط » (٤).
وفي مرسلة ابن فضّال : « دية كلب الصيد أربعون درهما ، ودية كلب الماشية عشرون درهما ، ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب ، على القاتل أن يعطيه ، وعلى صاحبه أن يقبل » (٥).
وإثبات الصاحب لها مثبت للملكيّة الموجبة لجواز الاتّخاذ ، بل المستفاد
__________________
(١) الكافي ٦ : ٥٥٢ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٥٣٠ أبواب أحكام الدواب ب ٤٣ ح ٢.
(٢) غوالي اللئالي ٢ : ١٤٨ ـ ٤١٤ مستدرك الوسائل ٨ : ٢٩٣ أبواب أحكام الدواب في السفر وغيره ب ٣٥ ح ٢.
(٣) الكافي ٧ : ٣٦٨ ـ ٦ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٢.
(٤) الكافي ٧ : ٣٦٨ ـ ٧ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٣.
(٥) الفقيه ٤ : ١٢٦ ـ ٤٤٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٤.
من الأخيرة ـ مضافة إلى رواية الغوالي ـ اتّخاذ مطلق الكلب إذا كان له منفعة ، إلاّ الكلب العقور ، وأنّه خرج بالإجماع وما دلّ على جواز قتله من الروايات.
وأمّا ما روي في المنتهى من أنّه : « من ربط إلى جنب داره كلبا نقص من عمله كلّ يوم قيراط ، والقيراط كجبل احد » (١) ، وقريب منه المرويّ من طرق العامّة (٢) ، مع استثناء كلب الماشية والزرع والصيد.
فلضعفهما قاصران عن إثبات التحريم مع عدم ظهورهما فيه ، سيّما مع المعارضة لما سبق (٣).
ومنها : ما يقصد منه المحرّم ، كآلات اللهو من الدفّ والقصب والمزمار والطنبور ، وهياكل العبادات المبتدعة ، وآلات القمار من النرد والشطرنج وغيرهما ، ولا خلاف في حرمة بيعها والتكسّب بها ، ونقل الإجماع ـ كما قيل (٤) ـ به مستفيض ، بل هو إجماع محقّق ، وهو الحجّة فيه ، مع ما مرّ من المرويّ من تحف العقول (٥).
مضافا إلى قوله سبحانه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٦).
بضميمة ما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمّة عن عليّ عليهالسلام ، أنّه قال : « كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو ميسر » (٧).
__________________
(١) المنتهى ٢ : ١٠١٠.
(٢) كما في غوالي اللئالي ١ : ١٤٣ ـ ٦٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٨٠ ـ ١٤٨٩.
(٣) في « ق » زيادة : بالعموم المطلق.
(٤) انظر الرياض ١ : ٤٩٩.
(٥) المتقدم في ص : ٦٤ ، ٦٥.
(٦) المائدة : ٩٠.
(٧) الفصول المهمة ٢ : ٢٤٢ أبواب التجارة ب ١٢ ح ٢ ، ونقله في الوسائل ١٧ : ٣١٥ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٠ ح ١٥ عن أمالي الشيخ الطوسي.
ورواية جابر : « لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على رسوله ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) الآية ، قيل : يا رسول الله ، ما الميسر؟ قال : ما تقومر به حتى الكعاب والجوز » (١).
وصحيحة معمّر : « وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر » (٢).
وما في تفسير القمّي : عن الباقر ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : « فأمّا الميسر : فالنرد والشطرنج وكلّ قمار ميسر ، وأمّا الأنصاب : فالأوثان التي كان يعبدها المشركون ، وأمّا الأزلام : فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركو العرب في الأمور في الجاهليّة ، كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محرّم » (٣).
والمرويّ في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي [ بها ] معصية كبيرة موبقة ، والخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير » (٤).
والمرويّ في الفصول المهمّة : « إنّما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلّها ، التي يجني منها أنواع الفساد محضا ، نظير : البرابط والمزامير والشطرنج ، وكلّ ملهوّ به ، والصلبان والأصنام ، وما أشبه ذلك من صناعات
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٢ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ ـ ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٤.
(٢) الكافي ٦ : ٤٣٥ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ١.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٨١ ، الوسائل ١٧ : ٣٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١٢ ، وليس فيهما : عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٤) مستطرفات السرائر : ٥٩ ـ ٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.
الأشربة الحرام ، وما يكون منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه وجميع التقلّب فيه من جميع الحركات كلّها ، إلاّ أن تكون صناعة قد تتصرّف إلى بعض وجوه المنافع » (١).
وضعف بعض تلك الأخبار بالشهرة منجبر ، ومقتضى إطلاقها ـ كإطلاق الفتاوى ـ حرمة بيعها مطلقا ، سواء قصد به المنفعة المحرّمة أو منفعة محلّلة ، وفي المسالك نفى البعد عن الجواز في الثاني ، وقال : إلاّ أنّ هذا الفرض نادر ، وقد يجعل ندوره سببا لإخراجه عن الإطلاقات (٢).
أقول : وفي الندور مطلقا منع ، فإن الدفّ يمكن الانتفاع به في كثير ممّا ينتفع فيه بالغربال ونحوه ، لحفظ المتاع ونقل الغلاّت ونحوها ، وكذا الجوز.
والتحقيق : أنّ الإجماع ـ الذي هو أحد الأدلّة ـ تحقّقه فيما يقصد كثيرا فيه المنفعة المحلّلة وشاعت فيه هذه ـ كالجوز والدفّ ـ غير معلوم ، وانجبار الأخبار الغير المعتبرة بالنسبة إليه غير ثابت أيضا ، ودلالة المعتبرة فيها على إطلاق الحرمة وحرمة المطلق حتى ما شاعت فيه بهذا القصد غير واضحة ، بل الإجماع على خلافه في الجملة واضح كما في الجوز ، فالجواز بهذه القصد فيما شاع فيه ذلك أظهر.
وأمّا ما لا يقصد منه ذلك إلاّ نادرا ، فإن قلنا بخروجه عن تلك
__________________
(١) تحف العقول : ٢٤٥ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ١٧ : ٨٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.
والبربط : شيء من ملاهي العجم يشبه صدر البط ، معرّب بربت ، أي : صدر البط ، لأنّ الصدر يقال له بالفارسية : بر ، والضارب به يضعه على صدره ـ مجمع البحرين ٤ : ٢٣٨.
(٢) المسالك ١ : ١٦٥.
المطلقات ـ للندور ـ لجرى مثله في مطلقات التملّك والبيع أيضا ، فيخرج منهما جميعا ، فلا يكون بيعه صحيحا ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه لا يكون بذلك القصد محرّما ، فتأمّل.
ومن هذا يظهر حال الابتياع للكسر ، ويأتي إن شاء الله زيادة بيان لذلك في كتاب الشهادات.
نعم ، لو كسر بحيث يخرج عن الاسم جاز البيع قطعا.
وكما يحرم بيع هذه الأشياء يحرم عملها مطلقا ، بلا خلاف بين علمائنا في ذلك كما في المنتهى (١) ، للآية (٢) ، والمرويّين في تحف العقول والفصول المهمّة (٣).
ويحرم أيضا اتّخاذها واقتناؤها كما صرّح به في التذكرة (٤) ، للآية ، والمرويّين.
مضافا في خصوص الشطرنج إلى المرويّ في المستطرفات ورواية الحسين بن عمر المتقدّمة في المسكر (٥).
وفي الجميع إلى الرضويّ : « من أبقى في بيته طنبورا أو عودا أو شيئا من الملاهي من المعزفة والشطرنج وأشباهه أربعين يوما فقد باء بغضب من الله ، فإن مات في أربعين مات فاجرا فاسقا مأواه النار ، وبئس المصير » (٦).
والكلام في الاقتناء للمنفعة المحلّلة يظهر ممّا مرّ.
__________________
(١) المنتهى ٢ : ١٠١١.
(٢) المائدة : ٩٠.
(٣) راجع ص : ٦٤ ، ٦٥.
(٤) التذكرة ١ : ٥٨٢.
(٥) راجع ص : ٦٦.
(٦) فقه الرضا «ع» : ٢٨٣ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٢١٨ أبواب ما يكتسب به ب ٧٩ ح ١٠.
ومنها : بيع السلاح لأعداء أهل الدين ، مسلمين كانوا أم مشركين. وحرمته في الجملة إجماعيّة ، وهو الحجّة فيها.
مضافا إلى صحيحة الحضرمي : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج » (١).
ورواية هند السّراج : عن حمل السلاح إلى أهل الشام ، فقال : « احمل إليهم ، فإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشترك » (٢).
ومرسلة السرّاد : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة » (٣).
ومقتضى تلك الأخبار ـ مضافا إلى الأصل ـ اختصاص المنع بحال الحرب ـ أي حال قيام راياته [ و ] (٤) التهيّؤ له ـ كما هو مقتضى الأخيرتين ، بل حال عدم الصلح وحذر كلّ من الفريقين عن الآخر وإن لم تكن محاربة ولا تهيّؤ لها ، كما هو مقتضى الأولى ، لأنّها حال المباينة ، وهذا هو مختار الحلّي والنافع والمختلف والتحرير وظاهر المنتهى والدروس (٥).
وذهب جماعة ـ منهم : الشيخان والديلمي والحلبي والشرائع
__________________
(١) الكافي ٥ : ١١٢ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ـ ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ـ ١٨٧ ، الوسائل ١٧ : ١٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ١.
(٢) الكافي ٥ : ١١٢ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٧ ـ ٤٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ ـ ١٠٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ ـ ١٨٩ ، الوسائل ١٧ : ١٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٢.
(٣) الكافي ٥ : ١١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ـ ١٠٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ـ ١٨٦ ، الوسائل ١٧ : ١٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٤.
(٤) أضفناه لاستقامة العبارة.
(٥) الحلي في السرائر ٢ : ٢١٦ ، النافع : ١١٦ ، المختلف : ٣٤٠ ، التحرير : ١٦٠ ، المنتهى ٢ : ١٠١١ ، الدروس ٣ : ١٦٦.
والتذكرة (١) ـ إلى إطلاق المنع ، اتّباعا لبعض النصوص :
كالصحيح المرويّ في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر ، وفي قرب الإسناد للحميري : عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ، قال : « إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس » (٢).
والمرويّ في الفقيه في وصيّة النبيّ لعليّ عليهالسلام : « كفر بالله العظيم من هذه الأمّة عشرة أصناف » ، وعدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب (٣).
وأجيب : بأنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ ، مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر رواية الصيقل : إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها؟ فكتب : « لا بأس به » (٤).
أقول : الروايتان مطلقتان واردتان في المشركين وأهل الحرب ، واختصاص الأول بالكفّار ظاهر ، وكذا الثاني ، لأنّهم المراد من أهل الحرب ، كما يظهر من المهذّب وغيره.
ويدلّ عليه إطلاق الفقهاء طرّا الحربيّ على غير الذمّي من الكفّار ، ولذا يقال لبلاد المشركين : دار الحرب.
وعلى هذا ، فلا تعارض بين هذه وبين الأوليين من الروايات المتقدّمة ، لتباين الموضوعين.
وأمّا الثالثة وإن كان موضوعها أعمّ من وجه من موضوع هذه ، ولكن
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، الطوسي في النهاية : ٣٦٥ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠ ، الحلبي في الكافي : ٢٨٢ ، الشرائع ٢ : ٩ ، التذكرة ١ : ٥٨٢.
(٢) قرب الإسناد : ٢٦٤ ـ ١٠٤٧ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٦.
(٣) الفقيه ٤ : ٢٥٧ ـ ٨٢١ ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٧.
(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٢ ـ ١١٢٨ ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٥.
لا تعارض بينهما حقيقة ، إذ المنع عن البيع في حال الفتنة لا يدلّ على الجواز في غيرها.
وعلى هذا ، فالمنع مطلقا في الكفّار وفي حال المباينة في أعداء الدين من المسلمين أقوى وأظهر.
وصرّح في المهذّب بأنّ التفصيل إنّما هو في ذلك ، قال : بيع السلاح لأهل الحرب لا يجوز إجماعا ، وأمّا أعداء الدين ـ كأصحاب معاوية ـ هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا أو في حال الحرب خاصّة (١)؟ انتهى.
هذا ، وأمّا غير أعداء الدين من فرق المسلمين المحاربين للمسلمين فلا شكّ في عدم لحوقهم بالكفّار ، فيجوز البيع منهم في حال عدم الحرب.
والظاهر من جماعة إلحاقهم بأعداء الدين من فرق المسلمين (٢) ، لتعميم المنع في كلّ فتنة في المرسلة ، ولاستلزامه معونة الظالم والإعانة على الإثم المحرّمين.
أقول : الظاهر من الروايات المنع عن البيع من أعداء الدين في حال المباينة مطلقا ، سواء تهيّؤا للحرب وأرادوا الشراء لخصوص المحاربة معهم أو لا ، وسواء كان البيع بقصد المساعدة أم لا.
وأمّا غيرهم من فرق المسلمين فلا دليل فيهم على هذا التعميم ، بل وكذلك في سائر فرق الشيعة المباينين للإماميّة ، فالتخصيص فيهم ـ بما إذا قصد المتبايعين حرب المسلم حتى تصدق المعونة على الظلم والإثم ، أو كان حال الحرب والفتنة ـ هو الصواب.
__________________
(١) المهذب البارع ٢ : ٣٥٠.
(٢) انظر الحدائق ١٨ : ٢٠٨.
وهل يحرم بيع ما يعدّ جنّة لهم أيضا ـ كالسلاح ـ أم لا؟
قيل بالأول ، لظاهر رواية هند (١).
وقيل بالثاني (٢) ، لصحيحة محمّد بن قيس : عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل ، أبيعهما السلاح؟ فقال : « بعهما ما يكنّهما ، الدرع والخفّين » (٣).
ودلالة الأولى مختصّة بما إذا علم به الاستعانة علينا ، والثانية بما إذا كان حين التقاء الفئتين الباطلتين ، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحفظ عن القتل ، فإنّه من الباطل غير جائز ، ولكن الأصل مع الثانية.
وهو ـ في غير مورد الاولى ، وغير ما إذا قصد به محافظتهم عن المسلمين ـ خال عن المعارض ، فالصحيح الجواز ، إلاّ مع العلم بأنّهم يريدون الاستعانة على المسلمين أو قصد حفظهم عنهم.
ويحرم بيع السرج أيضا حال المباينة.
ومنها : الإجارة والبيع ـ بل كلّ معاملة وتكسّب ـ للمحرّم ، كإجارة المساكن والحمولات للخمر ، وركوب الظلمة وإسكانهم للظلم ، وبيع العنب والتمر وغيرهما ممّا يعمل منه المسكر ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما أو بربطا.
والظاهر أنّ حرمته إذا شرطا المحرّم في العقد أم حصل اتّفاقهما عليه.
والحاصل : أن يكون المحرّم هو غاية البيع والمقصود منه ممّا لا خلاف فيها ، وعليه في المنتهى الإجماع (٤) ، وهو الحجّة فيه ، مع كونه
__________________
(١) انظر الرياض ١ : ٥٠٠.
(٢) انظر النهاية : ٣٦٦.
(٣) الكافي ٥ : ١١٣ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ـ ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ـ ١٨٨ ، الوسائل ١٧ : ١٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٣.
(٤) المنتهى ٢ : ١٠١١.
بنفسه فعلا محرّما لما بيّنا في موضعه : أنّ فعل المباح بقصد التوصّل به إلى الحرام محرّم ، ومع أنّه معاونة على الإثم المحرّم كتابا وسنّة وإجماعا.
وقد يستدلّ برواية جابر : عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر ، قال : « حرام أجرته » (١).
ورواية عمرو بن حريث ـ الصحيحة عن السرّاد وأبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما ـ : عن بيع التوت (٢) أبيعه يصنع به الصليب والصنم؟ قال : « لا » (٣).
وصحيحة ابن أذينة ، وفيها : عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ صلبانا ، قال : « لا » (٤) ، واختصاصها بموارد خاصّة غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.
وفيه : أنّ هذه الروايات تتعارض مع إطلاق الروايات الآتية ، ولا ترجيح ، وترجيح هذه الثلاث في بعض صورها ـ وهو صورة الشرط ـ بموافقة الكتاب لا يصلح ترجيحا لأصل الرواية.
وتوهّم كونها أخصّ مطلقا من الآتية ـ لاختصاص الآتية بغير صورة الشرط إجماعا ـ فاسد ، لأنّه لا يجعل الرواية خاصّة ، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيام.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٧ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ ـ ١٠٧٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ـ ١٧٩ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ١ وفيه : عن صابر.
(٢) التوت : شجر معروف ـ مجمع البحرين ٤ : ٨.
(٣) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ٥ ، وفيه : عمر بن جرير ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١٧ : ١٧٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤١ ح ٢ ، بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤١ ح ١.
وإن لم يشترطا ذلك ولم يتّفقا عليه ، فإمّا لا يعلم أنّه يعمل منه المحرّم ، أو يعلم.
فإن لم يعلم ، فإمّا ليس المشتري من عهد منه عمل ذلك ، أو يكون كذلك.
فإن لم يكن فلا يحرم البيع منه ولا يكره مع عدم الظنّ إجماعا ، ومعه على الأصحّ ، وإن كان فيكره.
خلافا للمحكيّ عن بعضهم ، فحرّمه.
أمّا عدم الحرمة في جميع ما ذكر فبعد الإجماع في البعض ، بل في الجميع كما هو الظاهر عن المنتهى (١) ، والأصل ، المستفيضة من الأخبار :
كصحيحة رفاعة : عن بيع العصير ممّن يخمّره ، فقال : « حلال ، ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا؟! » (٢).
وصحيحة ابن أبي عمير : عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا ، فقال : « بعه ممّن يطبخه أو يجعله خلاّ أحبّ إليّ ، ولا أرى بالأول بأسا » (٣).
وصحيحة محمّد الحلبي : عن بيع العصير ممّن يجعله حراما ، فقال : « لا بأس به ، تبيعه حلالا ويجعله ذلك حراما » (٤).
وصحيحة أبي المعزى : كان لي أخ فهلك وترك في حجري يتيما ، ولي أخ يلي ضيعة لنا ، وهو يبيع العصير ممّن يصنعه خمرا ، ويؤاجر
__________________
(١) المنتهى ٢ : ١٠١٠.
(٢) التهذيب ٧ : ١٣٦ ـ ٦٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٥ ـ ٣٧٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٨.
(٣) التهذيب ٧ : ١٣٧ ـ ٦٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠٦ ـ ٣٧٥ وفيهما : أو يصنعه .. ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٩.
(٤) الكافي ٥ : ٢٣١ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ١٣٦ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٥ ـ ٣٧١ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٤ ، بتفاوت يسير.
الأرض بالطعام ، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت ، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ ـ إلى ان قال : ـ « وأمّا بيع العصير ممّن يصنعه خمرا فليس به بأس ، خذ نصيب اليتيم منه » (١) وصحيحة ابن أذينة : عن الرجل يؤاجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، فقال : « لا بأس » (٢).
وصحيحته الأخرى : عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ منه برابط ، فقال : « لا بأس به » (٣).
ورواية يزيد بن خليفة : إنّ لي الكرم ، قال : « تبيعه عنبا » ، قال : فإنّه يشتريه من يجعله خمرا ، قال : « بعه إذن عصيرا » قال : إنّه يشتريه منّي عصيرا فيجعله خمرا في قربتي ، قال : « بعته حلالا فجعله حراما فأبعده الله » (٤).
ورواية سماعة : قال : « لا يصلح لباس الحرير والديباج ، فأمّا بيعه فلا بأس به » (٥) وتدلّ عليه أيضا الروايات المجوّزة لبيع المائع النجس والعجين النجس ممّن يستحلّ الميتة (٦).
__________________
(١) التهذيب ٧ : ١٩٦ ـ ٨٦٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٧.
(٢) الكافي ٥ : ٢٢٧ ـ ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ ـ ١٠٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ـ ١٨٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ٢.
(٣) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤١ ح ١.
(٤) التهذيب ٧ : ١٣٧ ـ ٦١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٦ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ١٠.
(٥) التهذيب ٧ : ١٣٥ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٩٧ ح ١.
(٦) انظر الوسائل ١ : ٢٤٢ أبواب الأسآر ب ١١ ح ١ ، والوسائل ١٧ : ٩٩ أبواب ما يكتسب به ب ٧.
وهذه الروايات وإن كانت معارضة للثلاث الأولى ، إلاّ أنّ لعدم الترجيح يرجع إلى التخيير أو الأصل ، وهما يفيدان الجواز.
وأمّا الكراهة في الأخير فلصحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة (١).
وإن علم أنّه يعمل منه المحرّم فالمشهور ـ كما قيل ـ عدم الحرمة ، ويدلّ عليه الأصل وإطلاقات الروايات المتقدّمة.
وصحيحة البزنطي : « لو باع ثمرته ممّن يعلم أنّه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس » (٢).
ورواية أبي كهمش : « هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا » (٣).
وصحيحة ابن أذينة المتقدّمة في التكسّب بالمسكر (٤).
وصرّح في المبسوط والمختلف والمسالك بالحرمة (٥) ، لإطلاق رواية جابر وتالييها (٦).
ولكونه مساعدة وإعانة على الإثم المحرّم قطعا.
وللزوم النهي عن المنكر ، فإذا علمنا بعمله يجب علينا زجره عنه.
ويمكن أن يجاب عن الأول : بأنّها معارضة مع الأخبار الأخيرة ، فلو
__________________
(١) في ص ٩٧.
(٢) الكافي ٥ : ٢٣٠ ـ ١ ، وفي التهذيب ٧ : ١٣٨ ـ ٦١١ ، والاستبصار ٣ : ١٠٦ ـ ٣٧٤ : خمرا حراما ، الوسائل ١٧ : ٢٢٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ١.
(٣) الكافي ٥ : ٢٣٢ ـ ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٦ ، وفيهما : عن أبي كهمس.
(٤) راجع ص : ٦٤.
(٥) المبسوط ٢ : ١٣٨ ، المختلف : ٣٨٨ ، المسالك ١ : ١٦٥.
(٦) راجع ص : ٩٦.
فرضنا عدم الترجيح للأخيرة ـ بكثرتها وصحّتها وظهور دلالتها ومعاضدتها بالشهرة ، بل بعموم : « أحلّ الله البيع » ـ يتساقطان ، فيرجع إلى عموم حلّية البيع.
وعن الثاني : بمنع كونه إعانة على الإثم ، وإنّما هي إذا كان مقصود البائع منه أيضا ذلك العمل ، كما بيّنا في موضعه ، وصرّح به الفاضلان الأردبيلي والسبزواري (١).
وعن الثالث : بأنّ الثابت عن النهي عن المنكر هو المنع قولا ، لأنّه حقيقة النهي ، أو ما ثبت وجوبه زائدا عليه أيضا ـ كالضرب ونحوه ـ وليس ما نحن فيه نهيا عن المنكر حقيقة ، ولم يثبت وجوب غيره بحيث يشمل المورد أيضا.
وإذن ، فالأقوى هو الجواز.
فإن قيل : إنّ من صورة العلم أن يعلم أنّ المشتري يشتريه لأجل ذلك وإن لم يكن البيع كذلك ، ولا شكّ أنّ الشراء بهذا القصد محرّم والنهي موجب لفساده المستلزم لفساد البيع.
قلنا : لمّا كانت دلالة النهي في المعاملات على الفساد عندنا شرعيّة ، فيحصل التعارض بين دليله وبين تلك الروايات المصحّحة للبيع المستلزم لصحّة الشراء ، ولكون تلك الروايات أخصّ مطلقا تخصّص بها أدلّة الفساد.
وممّا ذكر ظهر الحكم في مثل : بيع الحرير للرجل وبيع أواني الذهب والفضّة ، وكذلك صنعتها والأجر لصنعتها ، لعدم ثبوت حرمة أصل صنعتها.
نعم ، يحرم إعطاء الأجر لعمل الصور المجسّمة ، لأنّه بنفسه حرام.
__________________
(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٥١ ، السبزواري في كفاية الاحكام : ٨٥.