أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٣
إلاّ أنّ في حلق غيره أيضا الدم مطلقا.
لرواية قرب الإسناد.
وكذا في إزالة شعر الرأس بغير الحلق ، لذلك ، إلاّ فيما ورد فيه نصّ بخصوصه ، كما يأتي.
ثمَّ الصدقة المذكورة هل هي على ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مدّان ، كما نسبه في المدارك إلى الأكثر (١) ، وبعض من تأخّر عنه إلى الأشهر (٢)؟
أو على ستّة مساكين من غير ذكر المدّ ولا المدّين ، كما عن الغنية نافيا عنه الخلاف (٣)؟
أو عليهم لكلّ مسكين مدّ ، كما عن المبسوط والمقنعة والسرائر (٤)؟
أو على عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ ، كما عن ابن حمزة والقواعد وفي الشرائع ، ونسبه في المسالك إلى المشهور (٥)؟
أو التخيير بين الستّة والمدّين أو العشرة والإشباع ، كما عن التهذيبين والجامع (٦)؟
والأقوى هو : الأخير ، للجمع بين روايتي حريز وبين رواية عمر بن يزيد (٧).
__________________
(١) المدارك ٨ : ٤٣٩.
(٢) كما في الرياض ١ : ٤٧٣.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.
(٤) المبسوط ١ : ٣٥٠ ، المقنعة : ٤٣٤ ، السرائر ١ : ٥٥٣.
(٥) ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٩ ، القواعد ١ : ٩٩ ، الشرائع ١ : ٢٩٦ ، المسالك ١ : ١٤٥.
(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ، الجامع : ١٩٥.
(٧) المتقدمة جميعا في ص ٢٧٨ و ٢٧٩.
ونظر الأولين إلى ضعف رواية عمر سندا ومتنا لتجويز الأكل فيه من الفداء.
والأول غير ضائر عندنا.
والثاني عند الكلّ ، لأنّ طرح جزء من الرواية لا يوجب طرح الباقي.
ونظر الرابع إلى ترجيح رواية العشرة ، مع كون الغالب في الشبع المدّ. وكلاهما في حيّز المنع.
ومنه يظهر منظور الخامس وجوابه.
وأمّا الثالث فلم يظهر لي محطّ نظره ، سوى ما ذكره بعضهم عن الفقيه ـ بعد ذكر مرسلته المتقدّمة ـ : وروي : « مدّ من تمر » (١) ، ولم أتفطّن بوجه ترجيحه على غيره ، سيّما مع تقييده بالتمر الذي لا قائل به بخصوصه.
المسألة الخامسة : إذا نتف الرجل إبطيه معا فكفّارته دم شاة ، وإن نتف إحداهما فعليه إطعام ثلاثة مساكين على المشهور بين الأصحاب ، بل قيل : لا خلاف في الحكمين أجده إلاّ عن بعض المتأخّرين (٢).
أمّا الأول : فلصحيحة زرارة ورواية قرب الإسناد المتقدّمتين.
وصحيحة حريز : « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم شاة » (٣).
__________________
(١) ذكره في الرياض ١ : ٤٧٤ ، وهو في الفقيه ٢ : ٢٢٩ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١٦٨ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٤ ح ٥.
(٢) كما في الرياض ١ : ٤٧٤.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١١ ح ١ ، وفي الجميع لا توجد لفظة : شاة.
وأمّا الثاني : فاستدلّ له برواية عبد الله بن جبلة : في محرم نتف إبطه ، قال : « يطعم ثلاثة مساكين » (١).
واعترض عليها بضعف السند (٢).
وردّ بالانجبار بالعمل (٣) ، وهو كذلك.
إلاّ أنّه يرد عليها : ضعف الدلالة على الوجوب ، مع ما قيل من أنّ صحيحة زرارة تدلّ على وجوب الدم في مطلق الإبط (٤) ، وحمله على الإبطين ـ لأنّ الغالب نتفهما معا ـ يجري في الرواية أيضا.
ولا معارض لها ، سوى ما قيل من مفهوم صحيحة حريز (٥).
وهو فاسد ، إذ لا يعتبر مفهوم الشرط في أمثال ذلك المقام ، ولذا لم يقل أحد بمعارضته مع ما دلّ على أنّ في الطيب وتقليم الظفر ونحوهما شاة.
ولا يقال : إنّه يعارض ما إذا قال : من حلق رأسه ففيه شاة ، بل الظاهر أنّ الحكم وجوب الشاة لكفّارة ذلك العمل ، فلا يعارض ما دلّ على وجوبها لغيرها ، مع أن الموجود في كثير من النسخ الصحيحة من الوافي بل في جميع ما وجدنا في صحيحة حريز أيضا : « إبطه » بالإفراد دون التثنية.
وعلى هذا ، فلا يكون لما حكم في مطلق الإبط بالشاة ـ كما اختاره
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١١ ح ٢.
(٢) كما في المدارك ٨ : ٤٤٢.
(٣) كما في الرياض ١ : ٤٧٤.
(٤) انظر الذخيرة : ٦٢٣.
(٥) انظر الرياض ١ : ٤٧٤.
بعض المتأخّرين ـ معارض أصلا ، فيجب الحكم به ، ويحكم باستحباب إطعام ثلاثة مساكين أيضا لمطلق الإبط.
وذهب بعض المتأخّرين إلى التخيير بين الإطعام والدم مع أولويّة الدم (١).
وحكم بعض إحدى الإبطين كتمامها ، لصدق نتف الإبط ، وكذا إزالة شعرها بغير النتف ، بل إزالة مطلق الشعر غير ما ذكر ـ ويأتي ـ لرواية قرب الإسناد (٢).
المسألة السادسة : إن نتف المحرم من شعر لحيته أو غيرها ـ سوى الإبط ـ شيئا قليلا أو كثيرا ، أو مسّ رأسه أو لحيته أو غيرهما فسقطت منه شعرة أو شعرات ، فعليه أن يتصدّق بكفّ من طعام أو سويق أو كفّين ، أو يشتري تمرا بدرهم فيتصدّق به ، مخيّرا بينهما.
جمعا بين ما يدلّ على التصدّق بالكفّ ـ كصحيحتي هشام (٣) والحلبي (٤) ـ وما يدلّ على اشتراء التمر ـ كرواية الحسن بن هارون (٥) ـ وما دلّ على مطلق الإطعام ، كصحيحة ابن عمّار (٦).
__________________
(١) انظر المفاتيح ١ : ٣٣٩ ، الوافي ١٢ : ٦٤٥.
(٢) المتقدمة في ص ٢٦٨.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٧١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٦٩ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٥.
(٤) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٩ ، الوسائل ١٣ : ١٧٣ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٩.
(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٤ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٤.
(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٧٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٢.
وأمّا ما نفي فيه الشيء أو الصرر ـ كروايتي المرادي (١) والمفضّل بن عمر (٢) ـ فيحمل على المؤاخذة جمعا ، وما تردّد فيه بين الكفّ أو الكفّين يحمل الزائد على الكفّ فيه على الاستحباب.
وهل الحكم المذكور مخصوص بغير الوضوء إمّا مطلقا أو للصلاة أو مع الغسل أيضا ، كما حكي عن الأكثر (٣)؟
لصحيحة التميمي : عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان ، فقال : « ليس بشيء ، ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) » (٤).
أو يعمّه أيضا ، كما عن الصدوق والمفيد والسيّد والديلمي (٥).
لبعض الأخبار المتقدّمة.
الحقّ : الأخير ، لعدم دلالة الصحيحة المذكورة على نفي الكفّارة أصلا ولو من جهة التعليل ، لأنّ الأكفّ من الطعام لا حرج فيها أصلا.
المسألة السابعة : في التظليل سائرا الكفّارة ، وعن ظاهر المنتهى : اتّفاق الأصحاب عليه (٦) ، ونسبه في المدارك إلى مذهب الأصحاب عدا
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٣ ، الوسائل ١٣ : ١٧٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٨.
(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٧١ ، الوسائل ١٣ : ١٧٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٧.
(٣) انظر الرياض ١ : ٤٧٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٧٠ ، الوسائل ١٣ : ١٧٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٦.
(٥) الصدوق في المقنع : ٧٥ ، المفيد في المقنعة : ٤٣٥ السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧١ ، الديلمي في المراسم : ١٢٠.
(٦) المنتهى ٢ : ٨١٤.
الإسكافي (١).
وتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة أكثرها في بحث حرمة التظليل ، كالصحاح السبع : لابن المغيرة وابن بزيع والخراساني والأشعري وعليّ ، وروايتي أبي بصير وعليّ بن محمّد ، المتقدّمة جميعا (٢).
ورواية أبي عليّ بن راشد : عن محرم ظلّل في عمرته ، قال « يجب عليه دم » ، قال : « فإن خرج من مكّة وظلّل وجب عليه أيضا دم لعمرته ودم لحجّته » (٣).
وصحيحته : يشتدّ عليّ كشف الظلال في الإحرام ، لأنّي محرور تشتدّ عليّ الشمس ، فقال : « ظلّل وأرق دما » ، فقلت له : دما أو دمين؟
قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكّة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : « فأرق دمين » (٤).
واختلفوا فيما يكفّر به ، فالحقّ الموافق لقول الأكثر ـ كما في المدارك والذخيرة (٥) ـ : أنّه دم شاة ، للصحاح الأربع لابن بزيع والخراساني المتقدّمة.
وعن المقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم والنهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر : أنّه دم (٦).
__________________
(١) المدارك ٨ : ٤٤٢.
(٢) في ج ١٢ ص ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٢٩.
(٣) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١٤ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٧ ح ٢.
(٤) التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٧ ح ١.
(٥) المدارك ٨ : ٤٤٢ ، الذخيرة : ٦٢٣.
(٦) المقنعة : ٤٣٤ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٠ ، المراسم : ١٢١ ، النهاية : ٢٣٣ ، المبسوط ١ : ٣٢١ ، الوسيلة : ١٦٨ ، السرائر ١ : ٥٥٣.
لإطلاق الدم في رواية عليّ بن محمّد وصحيحة أبي عليّ وروايته.
ويجب الحمل على الشاة حملا للمطلق على المقيّد ، كما تقيّد إطلاقات الفداء والكفّارة بالدم أيضا ، لذلك.
وأمّا ما في صحيحة عليّ ـ من أنّه كان ينحر بدنة لكفّارة الظلّ ـ فلا حجّية فيه ، لأنّ فعل عليّ بن جعفر أو فهمه لا يصلح حجّة للغير ، سيّما في مقابلة الأخبار.
وعن العماني : أنّ كفّارته صيام أو صدقة أو نسك ـ كالحلق للأذى (١) ـ لخبر ضعيف بالشذوذ.
وعن الصدوق : أنّها مدّ لكلّ يوم (٢).
وتدلّ عليه رواية أبي بصير المشار إليها.
وحملها على حال النزول واستحباب التصدّق ممكن ، لعمومها وأخصّية ما تقدّم ، مع أنّها شاذّة.
فرعان :
أ : هل الفداء مخصوص بحال الاضطرار ، كما حكي عن ظاهر جملة من القدماء (٣)؟
أو يتعدّى إلى حال الاختيار أيضا؟
دليل الأول : الأصل ، واختصاص جملة الأخبار به ، حتى صحيحة
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٥.
(٢) المقنع : ٧٤.
(٣) حكاه في الرياض ١ : ٤٧٥.
عليّ ، لأنّ تجويزه التظليل ليس إلاّ مع الضرورة.
وصرّح جماعة بالتعدّي.
لاحتمال الإجماع (١).
وهو ممنوع.
وللأولويّة.
وهي مردودة ، لأنّ الكفّارة لعلّها لجبر النقصان الحاصل بالاضطرار ، ولعلّ مع الاختيار وارتكاب النقصان لا يطلب الشارع الانجبار.
أقول : ويمكن التعدّي بإطلاق رواية أبي عليّ ، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال من غير معارض ، ولا يضرّ ضعف سندها بالإرسال ، لانجباره بعمل الأكثر.
ب : مقتضى الأصل والإطلاقات ـ بل صريح رواية أبي عليّ وصحيحته ـ عدم تكرّر الكفّارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحجّ أو العمرة ، وصرّح به جماعة أيضا (٢) ، بل كأنّه لا خلاف فيه مع الاضطرار.
نعم ، قيل بشاة لكلّ يوم للمختار (٣) ، ولا دليل له.
المسألة الثامنة : في تغطية الرأس للرجل الكفّارة دم شاة ، على ما هو المقطوع به بين الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (٤) ، بل بلا خلاف ، كما عن المنتهى والتذكرة ، بل المبسوط (٥) ، بل بالإجماع ، كما عن الغنية (٦).
__________________
(١) الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، المسالك ١ : ١٤٥.
(٢) الذخيرة ١ : ٦٢٣ ، الرياض ١ : ٤٧٥.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.
(٤) المدارك ٨ : ٤٤٤ ، الذخيرة : ٦٢٣.
(٥) المنتهى ٢ : ٨١٤ ، التذكرة ١ : ٣٥٣ ، المبسوط ١ : ٣٥١.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.
لرواية قرب الإسناد المتقدّمة (١) ، المؤيّدة بالمرسلة المرويّة في بعض كتب الطائفة فيمن غطّى رأسه : « إنّ عليه الفدية » (٢) والضعف منجبر بما مرّ.
وقيل (٣) : يؤيّده عموم صحيحة زرارة المتضمّنة لقوله : من لبس ما لا ينبغي لبسه متعمّدا فعليه شاة (٤).
وفيه خدش ، فإنّ جهة اللبس غير جهة الستر.
والظاهر تكرّر الفدية بتكرّر التغطية لو تخلّله التكفير ، لصدق الخرج في الحجّ بكلّ مرّة ، دون ما إذا لم يتخلّل ، للتداخل.
ولا يتكرّر بتعدّد الغطاء.
ولا فرق في لزوم التكفير بين الاختيار والاضطرار ، للإطلاق.
وممّا ذكرنا يظهر لزوم الدم في الارتماس أيضا.
وأمّا في الستر بالطين وحمل شيء على الرأس فيبنى على حرمته وعدمه ، والوجه ظاهر.
المسألة التاسعة : لم يذكروا للفسوق كفّارة ، ومقتضى رواية قرب الإسناد (٤) ثبوت الدم ، ومقتضى صحيحة سليمان بن خالد (٥) ـ المتقدّمة في
__________________
(١) في ص ٢٦٨.
(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٩.
(٣) انظر الرياض ١ : ٤٧٥ وفيه : وفي الغنية الإجماع صريحا ، وهو الحجة المعتضدة بعموم ما مرّ من الصحيح : من لبس ما لا ينبغي ..
(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٨ ح ١.
(٥) المتقدمة في ص : ٢٦٨.
(٦) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٤ ، الوسائل ١٣ : ١٤٨ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٢ ح ١.
بحث تحريم الفسوق ـ أنّ فيه مع السباب بقرة.
وفي صحيحة عليّ : « وكفّارة الفسوق : يتصدّق به إذا فعله وهو محرم » (١).
إلاّ أنّ في صحيحة محمّد والحلبي : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدّا ، يستغفر الله ويلبّي » (٢).
ولا شكّ أنّ مع معارضة هذه الصحيحة لما ذكر ـ مع عدم وجود مصرّح بالكفارة ، وموافقة الصحيحة للأصل ، وأخصّيتها عن رواية قرب الإسناد ، وسقوط شيء عن صحيحة عليّ ـ يرجع إلى الأصل.
وحمل في الوافي صحيحة سليمان على ما إذا كان فوق مرّتين مع يمين (٣) ، فيصير حينئذ جدالا.
المسألة العاشرة : الجدال إن كان صدقا فلا كفّارة فيما دون الثلاث مرّات منه ، وفي الثلاث منه شاة.
وإن كان كذبا ففي مرّة منه شاة ، وفي مرّتين بقرة ، وفي ثلاث مرّات بدنة.
أمّا الأولان : فعلى الحقّ المشهور بين الأصحاب ، بل قيل : لا يكاد يتحقّق فيه خلاف يعتدّ به (٤).
للأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحتي ابن عمّار (٥) ،
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٩ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٢ ح ٣.
(٢) الفقيه ٢ : ٢١٢ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٢.
(٣) الوافي ١٣ : ٦٦٧.
(٤) الرياض ١ : ٤٧٥.
(٥) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٣.
ومحمّد (١) ، وموثّقة يونس (٢) ، المتقدّمة في بحث تحريم الجدال.
وصحيحة محمّد والحلبي : « إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه ، وعلى المخطئ بقرة » (٣).
وابن عمّار : « إنّ الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حدّ الجدال دم يهريقه ويتصدّق به » (٤).
وصحيحة أبي بصير : « إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، فعليه دم يهريقه » (٥).
والأخرى : « إذا حلف ثلاثة أيمان متتابعات صادقا فقد جادل وعليه دم ، وإذا حلف واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم » (٦).
والرضوي : « وإن جادلت مرّة أو مرّتين وأنت صادق فلا شيء عليك ، فإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرّة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرّتين كاذبا فعليك دم بقرة ، وإن
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٦.
(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ١٩٧ ـ ٦٦٦ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٨.
(٣) الفقيه ٢ : ٢١٢ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٤٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٢.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٥.
(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٧ ـ ٦٦٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٧.
(٦) الكافي ٤ : ٣٣٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٤ وفيه : بثلاثة أيمان متعمدا ..
جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة » (١).
دلّت هذه الأخبار منطوقا ومفهوما على الحكمين ، ولا معارض لها.
ولا تنافي الأول صحيحة سليمان بن خالد : يقول : « في الجدال شاة » (٢) ، ولا الثاني موثّقة يونس المشار إليها.
إذ صحيحة سليمان محمولة على ما إذا كان فوق مرّتين أو الكاذب منه ، حملا للمطلق على المقيّد ، مع أنّ المستفاد من كثير من الأخبار المتقدّمة عدم تحقّق الجدال في الصادق ما لم يزد على المرّتين ، وتوقّفه عليها.
وظاهر الموثّقة أنّ المقول هو المرّة الواحدة.
وأمّا المرويّ في تفسير العيّاشي : « من جادل في الحجّ فعليه إطعام ستّين مسكينا ، لكلّ مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا ، فإن عاد مرّتين فعلى الصادق شاة ، وعلى الكاذب بقرة » (٣).
فشاذّ في غير الجزء الأخير ، مردود بمخالفة الإجماع والأخبار.
وهل يشترط في وجوب الكفّارة بالثلاث تواليها وتتابعها ، كما هو مقتضى مفهوم الشرط في صحيحتي ابن عمّار وموثّقة أبي بصير الأخيرة ، وهو المنقول عن العماني (٤) ، ومال إليه في المدارك والذخيرة (٥)؟
__________________
(١) فقه الرضا « ع » : ٢١٧ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٦ ، الوسائل ١٣ : ١٤٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ١.
(٣) حكاه عنه في الدروس ١ : ٣٨٦.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٩٥ ـ ٢٥٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٨ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ١٠ ، وفيهما : ستة مساكين ، بدل : ستين مسكينا.
(٥) المدارك ٨ : ٤٤٦ ، الذخيرة : ٦٢٤.
أو لا ، كما هو ظاهر إطلاق صحيحتي محمّد والحلبي ومحمّد ، وموثّقة أبي بصير الاولى؟ وهو ظاهر إطلاق الأكثر ، بل قيل : إنّ الظاهر انعقاد الإجماع ، لكون قول العماني شاذّا على الإطلاق (١) ، بل إطلاق كلامه يعمّ الصادق والكاذب ، وهو خلاف للإجماع ، ومخالف للمستفيضة من الأخبار.
الحقّ هو : الأول ، لما مرّ ، وعدم ثبوت انعقاد الإجماع ، بل الشهرة الموجبة للشذوذ.
وأمّا الأحكام الثلاثة الأخيرة فكذلك أيضا.
وتدلّ على الأول منها : صحاح ابن عمّار وأبي بصير.
وعلى الثاني : رواية العيّاشي.
وعلى الثالث : إطلاق رواية أبي بصير : « إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور » (٢).
خرج عنها ما دون الثلاث بدليله ، فيبقى الباقي.
وعلى الأخيرين : الرضويّ المتقدّم ، المنجبر ضعفه وضعف رواية العيّاشي بعمل الأكثر.
ومقتضى بعض الصحاح المتقدّمة : وجوب البقرة في الثلاث ، ومال إليه في المدارك والذخيرة (٣) ، وحكي القول به في الأخير عن الصدوق ، وحمل رواية أبي بصير على الاستحباب (٤).
__________________
(١) الرياض ١ : ٤٧٥.
(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١ ح ٩.
(٣) المدارك ٨ : ٤٤٥ ، الذخيرة : ٦٢٣.
(٤) الذخيرة : ٦٢٣.
وهو كان حسنا لو لا الشذوذ المخرج عن الحجّية ، والتعارض مع الحديث المنجبر.
فروع :
أ : الحقّ أنّه لا كفّارة إذا اضطرّ إلى اليمين لإثبات حقّ أو نفي باطل ، كما في المدارك والذخيرة (١) ، وعن السرائر وجمع آخر (٢).
ولا فيما إذا كان في طاعة الله وصلة الرحم وإكرام الأخ المؤمن ، كما عن الإسكافي والفاضل والجعفي (٣).
لصحيحة أبي بصير (٤) المتقدّمة في بحث تحريم الجدال ، والتقريب الذي ذكرنا فيه.
ب : لو زاد الصادق عن ثلاثة ولم يتخلّل التكفير فعليه كفّارة واحدة عن الجميع ، ومع تخلّله فلكلّ ثلاثة شاة على الأحوط ، بل الأظهر.
ج : إنّما تجب على الكاذب البقرة بالمرّتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السابق ، فلو كفّر عن كلّ واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة.
والضابط اعتبار العدد ابتداء أو بعد التكفير ، فللمرّة شاة ، وللمرّتين
__________________
(١) المدارك ٨ : ٤٤٦ ، الذخيرة : ٦٢٤.
(٢) منهم الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٨٧ ، الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٢ ، صاحب الحدائق ١٥ : ٤٦٩.
(٣) حكاه عن الإسكافي وارتضاه في المختلف : ٢٧١ ، حكاه عن الجعفي في الدروس ١ : ٣٨٧.
(٤) الكافي ٤ : ٣٣٨ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٧.
بقرة ، وللثلاث بدنة.
صرّح بذلك جماعة (١) ، بل قيل : من غير خلاف بينهم أجده (٢).
وللتأمّل فيه مجال ، إذ مقتضى عموم رواية أبي بصير وجوب الجزور مطلقا ، ولم يعلم خروج غير المرّتين والمرّة ـ لا ثالث لهما أصلا ـ عنه.
نعم ، يمكن أن يقال في البقرة : إنّ إتيانها في المرّتين موقوف على انجبار الخبرين ، وتحقّقه في كلّ مرّتين ـ حتى ما سبقت الكفّارة الأولى ـ غير معلوم ، إلاّ أنّه يمكن إثباتها بإثبات البدنة فيما نحن فيه بضميمة الإجماع المركّب ، فتأمّل.
المسألة الحادية عشرة : في قلع شجرة الحرم الكفّارة على المشهور ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعا (٣).
وتدلّ عليه مرسلة الفقيه : عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه ، قال : « عليك فداؤه » (٤).
وموثّقة سليمان : عن رجل قلع من الأراك الذي بمكّة ، قال : « عليه ثمنه » (٥) ، وغير ذلك ممّا يأتي.
__________________
(١) منهم صاحب المدارك ٨ : ٤٤٦ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤١١ ، صاحب الرياض ١ : ٤٧٦.
(٢) انظر الرياض ١ : ٤٧٦.
(٣) انظر الرياض ١ : ٤٧٦.
(٤) الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٧٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٨ ح ١. والأراك : شجر يستاك بقضبانه ، له حمل كعناقيد العنب ، يملأ العنقود الكف ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٥٣.
(٥) الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ ـ ١٣٢٤ ، الوسائل ١٣ : ١٧٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٨ ح ٢ بتفاوت يسير.
خلافا للمحكيّ عن الحلّي (١) ، فقال : لا كفّارة فيه ، وهو ظاهر الشرائع والنافع (٢) ، واستوجهه في المدارك (٣) ، للأصل ، وضعف الروايات.
وهو ضعيف ، لمنع الضعف ، والانجبار لو كان.
واختلفوا فيما يكفّر به ، فقيل : في قلع كبير شجر الحرم بقرة ، وفي قلع صغيرها شاة ، وفي قطع بعض أغصانها قيمته (٤).
وهو المشهور كما ذكره بعض مشايخنا (٥) ، وعن الخلاف : الإجماع عليه (٦).
وعن القاضي : أنّها بقرة في الكبيرة والصغيرة (٧).
وعن الإسكافي والمختلف : أنّها قيمتها وثمنها مطلقا (٨).
ودليل الأول : الإجماع المنقول.
ومرسلة موسى (٩) ، المتقدّمة في بحث قطع الشجر من تروك الإحرام.
والمرويّ عن ابن عبّاس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة (١٠).
__________________
(١) السرائر ١ : ٥٥٤.
(٢) الشرائع ١ : ٢٩٧ ، النافع : ١٠٨.
(٣) المدارك ٨ : ٤٤٧.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.
(٥) الرياض ١ : ٤٧٦.
(٦) الخلاف ٢ : ٤٠٨.
(٧) المهذّب ١ : ٢٢٣.
(٨) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٨٦ ، المختلف : ٢٨٧.
(٩) التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ١٣٣١ ، الوسائل ١٣ : ١٧٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٨ ح ٣.
(١٠) المهذب للفيروزآبادي الشيرازي ١ : ٢١٩. والدوحة : الشجرة العظيمة ، من أيّ
وضعف الكلّ ظاهر جدّا :
أمّا الأول : فلعدم حجّيته.
وأمّا الثاني : فلعدم دلالتها على الوجوب أولا ، وعدم اختصاصها بالكبيرة ثانيا ، وصراحتها في عدم الوجوب ثالثا ، لورودها فيما في دار القالع ، وقد مرّ جواز قلعها ، بل صرّح به في المرسلة ، حيث قال : « فإن أراد نزعها نزعها » ، ولا كفّارة في مثله وجوبا قطعا.
وأمّا الثالث : فلعدم ثبوت الرواية أولا.
وعدم حجّية قول ابن عبّاس جدّا ثانيا.
وعدم تعرّضه للأبعاض ثالثا.
مع أنّه ينافي ذلك موثّقة سليمان المثبتة للثمن ، وجعل موردها القطع من الأراك ـ الذي هو الظاهر في بعض أغصانه ـ خطأ ، لتضمّنها لفظ : القلع ، الذي هو الصريح في قلع الأصل.
ومنه تظهر قوّة قول الإسكافي ، فهو المعتمد ، ولا تنافيه مرسلة الفقيه ، لأنّ الفداء أعمّ من الثمن ، وبها يستدلّ على الثمن في الأغصان بضميمة عدم القول بغيره فيها.
ولا يمكن التمسّك برواية قرب الإسناد المتقدّمة (١) هنا ، لعدم كون ذلك خرجا في الحجّ ، بل هو من خصائص الحرم ، كما مرّ في بحث التروك.
ولا كفّارة في قلع الحشيش ، وفاقا للمشهور ، للأصل.
__________________
الشجر كان ـ الصحاح ١ : ٣٦١. والجزلة : هي ما عظم من الشجر دون الدوحة ـ انظر مصدر الرواية ، والجزل : ما عظم من الحطب ويبس ـ الصحاح ٤ : ١٦٥٥.
(١) في ص ٢٥٥.
المسألة الثانية عشرة : لا كفّارة في غير ما ذكر من تروك الإحرام ، للأصل ، وعدم الدليل ، سوى بعض الأخبار الضعيفة ، المتوقّف الاستناد إليها إلى الانجبار ، الغير الحاصل في عدا ما مرّ.
وقد يقال بوجوب دم الشاة في قطع الضرس ، لرواية مرسلة مضمرة مكاتبة (١) ، قاصرة عن إفادة الوجوب ، محتملة لكونه للإدماء الغير المنفكّ عن قلع الضرس غالبا ، فالأقوى : العدم ، وفاقا لجمع من القدماء (٢) والمتأخّرين (٣).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٨٥ ـ ١٣٤٤ ، الوسائل ١٣ : ١٧٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٩ ح ١.
(٢) كالصدوق في المقنع : ٧٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٨٧.
(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٢٨٧ ، الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤١٣ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٥٣ ، صاحب المدارك ٨ : ٤٤٩.
البحث الرابع
في بعض ما يتعلّق بأحكام الكفّارات
وفيه أربع مسائل :
المسألة الاولى : لو تعدّدت أسباب التكفير المختلفة ـ كالصيد والوطء واللبس ـ فالمشهور أنّه تجب عن كلّ واحد كفّارة ، سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين ، كفّر عن الأول أو لم يكفّر.
وفي المدارك : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (١).
وفي الذخيرة : أنّه المعروف بينهم (٢).
وعن ظاهر المنتهى : أنّه موضع وفاق (٣).
وادّعى الوفاق فيه بعض الأعلام أيضا (٤).
واستدلّ عليه بأنّ كلّ واحد من تلك الأمور سبب مستقلّ في وجوب الكفّارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع. فيجب وجود الأثر.
وأيّد بفحوى ما دلّ على تكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد ولبس الأنواع المتعدّدة من الثياب.
قال في الذخيرة : وفيه تأمّل ، لأنّ القدر المسلّم كون كلّ واحدة سببا ، أي معرّفا لوجوب الكفّارة.
__________________
(١) المدارك ٨ : ٤٥١.
(٢) الذخيرة : ٦٢٤.
(٣) المنتهى : ٨٤٥.
(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٤١٢.
أمّا كونه معرّفا لوجوب كفّارة مغايرة لما يعرّف وجوبه السبب الآخر فمحلّ نظر يحتاج إلى دليل.
وكذا في التأييد تأمّل.
وبالجملة : لا خفاء في تعدّد الكفّارة مع تخلّل التكفير ، أمّا بدونه ففيه خفاء. انتهى (١).
وهو جيّد جدّا ، سيّما على ما حقّقناه من أصالة تداخل الأسباب.
ومنه يظهر الجواب عمّا استدلّ به للتعدّد ، من أنّ المقتضي موجود والمسقط منتف ، فإنّه إن أريد المقتضي للتعدّد فوجوده ممنوع ، وإن أريد للمطلق فالواحدة مسقطة.
وقال في المدارك : لا ريب في التعدّد مع سبق التكفير ، وإنّما يحصل التردّد مع عدمه (٢).
ثمَّ أقول : لا ينبغي الريب في التعدّد فيما ذكراه من صورة التخلّل ، وكذا لا شكّ فيه مع اختلاف المسبّبات ـ أي الكفّارات ، كالشاة والبقرة والصوم ـ والوجه ظاهر ، وأمّا بدونهما فالمتّجه عدم التعدّد ، وإن كان التعدّد مطلقا أولى وأحوط.
المسألة الثانية : قد تقدّم تكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد.
وأمّا في غير الصيد ، فلا شكّ في تكرّرها أيضا بتكرّره مع تخلّل التكفير ، أو كون السبب الواحد المتكرّر إتلافا مضمنا للمثل أو القيمة ، فإنّ امتثال المثل أو القيمة لا يحصل إلاّ بالإتيان بالجميع.
وأمّا بدون ذلك ، فمقتضى الأصل الذي حقّقناه عدم التكرّر ، إلاّ فيما
__________________
(١) الذخيرة : ٦٢٤.
(٢) المدارك ٨ : ٤٥١.