أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
وصحيحة البختري : في الرجل يحلق رأسه بمكّة ، قال : « يردّ الشعر إلى منى » (١).
وابن عمّار : « كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ، ويقول : كانوا يستحبّون ذلك » (٢).
وصحيحة أبي بصير : في الرجل يوصي أن يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة ، قال : « ليس له أن يلقي شعره إلاّ بمنى ». (٣)
وقد يستدلّ عليه أيضا ببعض الأخبار الآمرة بالرجوع وإلقاء الشعر بمنى (٤) ، وهي خارجة عن المورد ، لأنّ الكلام في تعذّر الرجوع ، ومعه فلا كلام ، وحينئذ يمكن أن يكون الإلقاء كناية عن الحلق أو التقصير.
وهل البعث واجب مطلقا ، كما هو ظاهر الشرائع (٥) ، وعن الشيخ في النهاية (٦)؟
أو مع العمد في الخروج عن منى ، كما عن المختلف (٧)؟
أو يستحبّ مطلقا ، كصريح النافع والمنتهى (٨) وغيرهما (٩) ، وظاهر
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٣ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ١٤ : ٢١٩ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ١.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٠ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٥.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٠ ـ ١٤٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٠ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٤.
(٤) الوسائل ١٤ : ٢١٧ و ٢١٩ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ و ٦.
(٥) الشرائع ١ : ٢٦٥.
(٦) النهاية : ٢٦٣.
(٧) المختلف : ٣٠٨.
(٨) النافع : ٩٢ ، المنتهى ٢ : ٧٦٤.
(٩) كالرياض ١ : ٤٠٢.
القواعد (١) وغيره (٢)؟
الحقّ هو : الأخير ، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب ، حتى صحيحة أبي بصير الأخيرة ، لعدم صراحة قوله : « ليس له » في الوجوب ، مع عدم خلوّها عن نوع إجمال من جهة مرجع الضمير في قوله : « هو » وقوله : « له » ، وعدم تعيّن الشعر أنّه من الحلق أو التقصير في الحجّ أو العمرة أو عن غير ذلك.
ولو تعذّر البعث سقط إجماعا كما قيل (٣).
ويستحبّ دفن الشعر بمنى ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، ورواية أبي شبل : « إنّ المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثمَّ دفنه جاء يوم القيامة وكأنّ كلّ شعرة لها لسان طلق تلبّي باسم صاحبها » (٤).
وظاهرهما عدم اختصاص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى وبعث شعره إليها ، بل يستحبّ للجميع ، وهو كذلك.
والقول بوجوب الدفن ـ كما حكي عن الحلّي (٥) ـ نادر ضعيف ، خال عن الدليل.
المسألة السابعة : قيل : المشهور أنّه يجب أن يكون الحلق أو التقصير للحاجّ يوم النحر (٦) ، لرواية البصري : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم
__________________
(١) القواعد ١ : ٨٩.
(٢) كالدروس ١ : ٤٥٣.
(٣) حكاه في الرياض ١ : ٤٠٢ ، واستظهر في الذخيرة : ٦٨٢ عدم الخلاف فيه.
(٤) الكافي ٤ : ٥٠٢ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٣٩ ـ ٥٩٦ ، المقنع : ٨٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٠ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٣ ، بتفاوت يسير.
(٥) حكاه عنه في الرياض ١ : ٤٠٢ ، وهو في السرائر ١ : ٦٠١.
(٦) المدارك ٨ : ٨٩.
النحر يحلق رأسه » (١).
وفي دلالتها على الوجوب نظر ، ووجوب أخذ المناسك عنه يفيد لو علم كون ذلك أيضا من المناسك.
ويعاضد الوجوب أيضا بعض الأخبار المتضمّنة لحلّية كلّ شيء يوم النحر إلاّ النساء ، كصحيحة محمّد بن حمران (٢) ، فإنّه لو لا تلازم الحلق ويوم النحر لم يصحّ ذلك على الإطلاق ، إلاّ أنّه لا يصلح دليلا ، لجواز أن يكون ذلك لاستحبابه وتعارفه ، وإلاّ فالوجوب أيضا لا يستلزم الفعلية.
وعن الحلبي والتذكرة والمنتهى (٣) : جواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق بعد أن يقدّمه على الطواف ، للأصل. وهو الأقوى ، لذلك.
المسألة الثامنة : قال جماعة بوجوب تأخيره عن الذبح والرمي (٤) ، وقد مرّ تحقيقه ، وأنّ الأقوى الاستحباب.
المسألة التاسعة : قالوا : يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة البيت لطواف الحجّ والسعي ، وفي المدارك نفي الريب عنه (٥) ، وفي الذخيرة : لا أعلم فيه خلافا صريحا (٦) ، وهو كذلك.
إلاّ أنّ جماعة ـ منهم الحلّي في السرائر (٧) ـ لم يصرّحوا بوجوب
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٢ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٢١٤ أبواب الحلق والتقصير ب ١ ح ١٢.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٧ ـ ٨٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٩ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٦ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤ ح ١.
(٣) الحلبي في الكافي : ٢٠١ ، التذكرة ١ : ٣٩٠ ، المنتهى ٢ : ٧٦٥ ، نقله عنهم في المفاتيح ١ : ٣٦١.
(٤) انظر الشرائع ١ : ٢٦٥ ، المنتهى ٢ : ٧٦٤ ، والمدارك ٨ : ١٠١.
(٥) المدارك ٨ : ٩٢.
(٦) الذخيرة : ٦٨١.
(٧) السرائر ١ : ٦٠١.
ذلك ، واكتفوا بوجوب الدم لو أخّره عنها.
وظاهر الذخيرة التشكيك في وجوبه ، بل جعل عدم وجوبه مقتضى كلام الجماعة (١).
وجعله بعض مشايخنا هو الظاهر من الأخبار ، وإن صرّح أخيرا : بأنّه لا خروج عمّا عليه الأصحاب (٢).
ومراده من الأخبار : صحيحتا جميل (٣) وابن حمران (٤) ، ورواية البزنطي المتقدّمة (٥) في مسألة ترتيب هذه المناسك الثلاثة ، والصحيحة الآتية المتضمّنة للفظ : « لا ينبغي » الظاهر في الاستحباب ، ورواية أبي بصير التي تأتي الإشارة إليها (٦) ، والأخبار الكثيرة المجوّزة لتقديم الطواف على الخروج إلى منى (٧) ، كما يأتي في مسألة وجوب تأخير الطواف عن الوقوفين.
ولا ينافيه إيجاب الدم على من أخّره عنها في بعض الأخبار (٨) كما يأتي ، أمّا لإمكان حمله على الاستحباب كما قيل (٩) ، أو لعدم اقتضاء
__________________
(١) انظر الذخيرة : ٦٨١.
(٢) كما في الرياض ١ : ٤٠٢.
(٣) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ ـ ٧٩٧ ، الوسائل ١٤ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ ـ ٨١٠ ، الوسائل ١٤ : ٢١٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٢ ح ٢.
(٥) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ ـ ٧٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ١٤ : ١٥٦ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٦.
(٦) في : ج ١٣ ص ١٤.
(٧) الوسائل ١١ : ٢٨٠ أبواب أقسام الحج ب ١٣.
(٨) الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣.
(٩) الرياض ١ : ٤٠٢.
وجوب الدم مع التأخير على وجوب التقديم ، لجواز التخيير بين التقديم بلا دم والتأخير مع الدم.
وقال في الذخيرة : لم أطّلع على خبر تتّضح دلالته على الوجوب (١).
أقول : تدلّ على وجوب تقديم التقصير على الطواف صحيحة الأعرج (٢) ، وبعض ما تقدّمها (٣) من الروايات المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف ، المتضمّنة للفظة : « ثمَّ » الدالّة على الترتيب ، إلاّ أنّه تعارضها صحيحتا جميل وابن حمران ورواية البزنطي وسائر الأخبار المشار إليها.
ويمكن لأجلها حمل الترتيب فيها على الاستحباب ، إلاّ أنّ مخالفة الأخبار المجوّزة لتقديم الطواف مطلقا للشهرة العظيمة ـ التي كادت أن تكون إجماعا ، بل هي إجماع عند التحقيق ـ تمنع عن العمل بإطلاقها حتى في غير المعذور أيضا ، ومع ذلك يخالف العامّة أيضا كما قيل (٤).
وعلى هذا ، فالأقرب وجوب تقديم الحلق على الطواف.
ثمَّ لو قدّم الطواف على الحلق أو التقصير ، فإن كان عمدا لزمه دم شاة فيما قطع به الأصحاب كما قيل (٥) ، وعزاه في الدروس إلى الشيخ وأتباعه (٦) ، لصحيحة محمّد : في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي [ له ] فإنّ عليه دم
__________________
(١) الذخيرة : ٦٨١.
(٢) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٧ ، الوسائل ١٤ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٢.
(٣) الوسائل ١٤ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٣٩.
(٤) انظر الرياض ١ : ٤٠٢.
(٥) الحدائق ١٧ : ٢٤٨ ، الذخيرة : ٦٨١.
(٦) الدروس ١ : ٤٥٤.
شاة »
(١) وهل عليه إعادة الطواف؟
ظاهر الشيخ وأتباعه كما في الدروس (٢) ، ومع الصدوق كما في الذخيرة (٣) ، بل ظاهر الأكثر كما ذكره الفاضل الهندي (٤) ، وصريح الصيمري كما حكي عنه (٥) : عدم الوجوب.
لظاهر الصحيحة المذكورة ، وظاهر رواية أبي بصير الثانية ، المتقدّمة في المسألة السادسة ، المصرّحة بقوله : « وليس عليه شيء » (٦).
وعن جماعة من المتأخّرين ـ منهم الشهيد الثاني في الروضة (٧) ، مدّعيا عليه الإجماع ـ : الوجوب.
لصحيحة ابن يقطين : عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ، ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : « لا بأس به يقصّر ويطوف للحجّ ثمَّ يطوف للزيارة ، ثمَّ قد أحلّ من كلّ شيء » (٨).
أقول : إثبات أحد القولين من الأخبار مشكل.
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٨ أبواب الحلق والتقصير ب ١٥ ح ١. وما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) الدروس ١ : ٤٥٤.
(٣) الذخيرة : ٦٨١.
(٤) في كشف اللثام ١ : ٣٧٤.
(٥) حكاه عنه في الرياض ١ : ٤٠٢.
(٦) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٦ ، المقنع : ٨٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٢١ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٧.
(٧) الروضة ٢ : ٣٠٩.
(٨) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١١ ، الوسائل ١٤ : ٢١٧ أبواب الحلق والتقصير ب ٤ ح ١.
أمّا الأول : فلأنّ عدم الذكر في الصحيحة لا يدلّ على العدم ، وكونه مقام الحاجة ممنوع ، لجواز كون ذلك معلوما للسائل بوجه آخر. وأمّا الرواية فلجواز كون نفي الشيء لعدم حلقه بمنى.
وأمّا الثاني : فلقصور الصحيحة عن إثبات الوجوب.
والصواب : البناء في ذلك على وجوب التقديم وعدمه ، فإن وجب وجبت الإعادة ، لكون ما أتى به منهيّا عنه ، لكونه ضدّ الواجب ـ الذي هو تأخير الطواف ـ والنهي موجب للفساد ، وإلاّ لم تجب ، للأصل.
وإن كان ناسيا لم يجب عليه دم ، للأصل.
والمعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في المدارك والذخيرة (١) ـ وجوب إعادة الطواف عليه ، لصحيحة ابن يقطين المتقدّمة ، وقد عرفت ضعف دلالتها على الوجوب.
وظاهر الشرائع (٢) والمحكيّ عن المختلف والصيمري (٣) وجود الخلاف فيه ، وحكي الخلاف عن الصدوق أيضا (٤) ، والقول بعدم وجوب الإعادة ، وهو مقتضى الأصل ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
والجاهل كالناسي في عدم وجوب الدم بلا خلاف يظهر ، وفي وجوب الإعادة عند طائفة (٥) ، وقالت طائفة أخرى بعدم الوجوب (٦) ، وهو الأظهر ، لما مرّ.
__________________
(١) المدارك ٨ : ٩٣ ، الذخيرة : ٦٨١.
(٢) الشرائع ١ : ٢٦٥.
(٣) في الرياض ١ : ٤٠٣.
(٤) حكاه عنه في الرياض ١ : ٤٠٣ ، وهو في الفقيه ٢ : ٣٠١.
(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٩ ، صاحب المدارك ٨ : ٩٤.
(٦) منهم الصدوق في المقنع : ٨٩ ، صاحب الحدائق ١٧ : ٢٥٠.
وفي وجوب إعادة السعي ـ لو كان أتى به ، حيث تجب إعادة الطواف ـ قولان ، الأقوى هو : الأول ، لما مرّ في بحث السعي من وجوب إعادته لو قدّمه على الطواف.
ثمَّ إنّ ما ذكر إنّما هو في المتمتّع ، وأمّا القارن والمفرد فيجوز له تقديم الطواف ، كما يأتي بيانه في بيان مناسكه بعد الرجوع إلى مكّة.
فرع : قال في الذخيرة : ولو قدّم الطواف على الذبح أو على الرمي ، ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان (١). ونحوه في المدارك (٢) ، وزاد في آخره : وأحوطهما ذلك.
أقول : أمّا في الدم ، فلا دليل على اللحوق ، ولا وجه للاحتياط به.
وأمّا في الإعادة ، فلو كان ثبت وجوب التقديم على الحلق أو الطواف كان لها مطلقا ـ أو مع العمد ـ وجه ، ولكن لم يثبت شيء منهما.
وأمّا في وجوب الترتيب وعدمه ، فيمكن الاستدلال للوجوب ببعض الأخبار المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات منى (٣).
وتعارضها صحيحتا جميل وابن حمران ، ورواية البزنطي ، وبعض الأخبار الأخر المتقدّمة إليها الإشارة (٤) ، ولكن العمل بها على الإطلاق ـ لما ذكر من مخالفة الشهرة وموافقة العامّة ـ مشكل ، فالأقرب وجوب الترتيب.
والحكم في الناسي والجاهل كما مرّ.
__________________
(١) الذخيرة : ٦٨٢.
(٢) المدارك ٨ : ٩٤.
(٣) راجع ص : ٣٠٢ ، ٣٠٣.
(٤) في ص : ٣٠٣ ، ٣٠٤.
خاتمة
فيما يحلّ له من محرّمات الإحرام بعد الحلق أو التقصير
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا فرغ المتمتّع من مناسكه الثلاثة ـ الرمي والذبح والحلق أو التقصير ـ يحلّ له كلّ شيء أحرم منه ، إلاّ الطيب والنساء ، وفاقا لتصريح المبسوط والنهاية والسرائر والوسيلة والجامع (١) ، وظاهر المحكيّ عن التهذيب والاستبصار وعن الإسكافي والخلاف والمختلف (٢).
لصحيحة محمّد بن حمران : عن الحاج يوم النحر ما يحلّ له؟ قال : « كلّ شيء إلاّ النساء » ، وعن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر؟ قال : « كلّ شيء إلاّ النساء والطيب » (٣).
وقويّة عمر بن يزيد : « اعلم أنّك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شيء إلاّ النساء والطيب » (٤).
والصحيح المرويّ في السرائر عن نوادر البزنطي : المتمتّع ما يحلّ له
__________________
(١) المبسوط ١ : ٣٧٦ ، النهاية : ٢٦٣ ، السرائر ١ : ٦٠١ ، الوسيلة : ١٨٧ ، الجامع للشرائع : ٢١٦.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ ، حكاه عنه في المختلف : ٣٠٨ ، الخلاف ٢ : ٣٤٨ ، المختلف : ٣٠٨.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٧ ـ ٨٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٩ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٦ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤ ح ١ ، وفيهما : عن الحاجّ غير المتمتّع يوم النحر.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٥ ـ ٨٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٣ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٤.
إذا حلق رأسه؟ قال : « كلّ شيء إلاّ النساء والطيب » (١).
وتؤيّد عدم حلّية الطيب له صحيحة منصور : عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : « لا ، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثمَّ قد حلّ له كلّ شيء إلاّ النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر ، ثمَّ قد حلّ له النساء » (٢).
وصحيحة العلاء : تمتّعت يوم ذبحت وحلقت ، أفألطّخ رأسي بالحنّاء؟ قال : « نعم ، من غير أن تمسّ شيئا من الطيب » ، قلت : أفألبس القميص؟ قال : « نعم ، إذا شئت » ، قلت : أفأغطّي رأسي؟ قال : « نعم » (٣).
وقريبة منها صحيحته الأخرى ، وقد زاد في آخرها : قلت : قبل أن أطوف بالبيت؟ قال : « نعم » (٤).
والروايتان الأخيرتان تدلاّن على أنّه جعل (٥) له لبس المخيط وتغطية الرأس أيضا.
وتدلّ على حلّية التغطية أيضا موثّقة يونس : المتمتّع يغطّي رأسه إذا حلق؟ فقال : « يا بنيّ ، حلق رأسه أعظم من تغطيته إيّاه » (٦).
__________________
(١) مستطرفات السرائر : ٣٢ ـ ٣١ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٨ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤ ح ٤.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٥ ـ ٨٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ ـ ١٠١٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٢ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٥ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ ـ ١٠١٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٣ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٣.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٧ ـ ٨٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٩ ـ ١٠٢٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٣ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٥.
(٥) في « س » : حلّ.
(٦) الكافي ٤ : ٥٠٥ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٤ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٩.
وقد دلّت أخبار أخر أيضا على حلّية كلّ شيء ـ غير بعض المذكورات ـ له ، وعلى بقاء حرمة النساء له (١).
والمعارض لأخبارنا ثلاثة أصناف من الأخبار :
أحدها : ما دلّ على عدم جواز لبس المخيط وتغطية الرأس من الأخبار (٢) ، وهي على الكراهة محمولة ، كما يأتي.
وثانيها : ما دلّ على حلّية الطيب له أيضا ، كصحيحة سعيد بن يسار : عن المتمتّع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحنّاء؟ قال : « نعم ، الحنّاء والثياب والطيب وكلّ شيء إلاّ النساء » ، ردّدها عليّ مرتين أو ثلاثا ، وقال : سألت أبا الحسن عليهالسلام ، فقال : « نعم ، الحنّاء والثياب والطيب وكلّ شيء إلاّ النساء » (٣).
وصحيحة البجلي ، وهي طويلة ، وفي آخرها : فقال : يا أبه ، إنّ موسى أكل خبيصا (٤) فيه زعفران ولم يزر بعد : فقال أبي : « هو أفقه منك ، أليس قد حلقتم رؤوسكم؟! » (٥).
والخزّاز : رأيت أبا الحسن عليهالسلام بعد ما ذبح حلق ، ثمَّ ضمّد رأسه بمسك ، ثمَّ زار البيت وعليه قميص وكان متمتّعا (٦).
__________________
(١) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣.
(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٢٤٠ أبواب الحلق والتقصير ب ١٨.
(٣) الكافي ٤ : ٥٠٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٤٥ ـ ٨٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٤ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٧ ، بتفاوت يسير.
(٤) الخبيص : هو طعام معمول من التمر والزبيب والسمن ـ مجمع البحرين ٤ : ١٦٧.
(٥) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٤٦ ـ ٨٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٨ ـ ١٠٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٧ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤ ح ٣.
(٦) الكافي ٤ : ٥٠٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٥ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ١٠.
وابن عمّار : « سئل ابن عبّاس : هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتطيّب قبل أن يزور البيت؟ قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يضمّد رأسه بالمسك قبل أن يزور » (١).
وموثّقة إسحاق : عن المتمتّع إذا حلق رأسه ما يحلّ له؟ قال : « كلّ شيء إلاّ النساء » (٢).
ولكن لا يعلم من الأصحاب من عمل بهذه الأخبار وأحلّ الطيب له ، صرّح بذلك في الذخيرة أيضا (٣) ، وعلى هذا فتكون شاذّة يجب طرحها ، ومع ذلك مرجوحة بالنسبة إلى معارضاتها ، لموافقتها لأكثر العامّة ، كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم (٤).
وتومئ إليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، مضافا إلى كون صحيحتي البجلي وابن عمّار قضية في واقعة ، فلعلّه كان في غير التمتّع.
ودلالة الموثّقة بالعموم المطلق بالنسبة إلى ما مرّ ، فيجب التخصيص بغير الطيب.
ونسخ الصحيحة الأولى مختلفة ، ففي بعضها لا يوجد قوله : قبل أن يزور ، فيحصل لها العموم أيضا.
وثالثها : ما يدلّ على حرمة الصيد له أيضا ، وهي صحيحة ابن عمّار : « إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب ، فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٤٦ ـ ٨٣٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٧ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٤ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ٨.
(٣) الذخيرة : ٦٨٣.
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٢.
النساء ، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد » (١).
فإنّها تدلّ على بقاء حرمة الصيد بعد المناسك الثلاثة أيضا ، وعمل بها جماعة من الأصحاب ، منهم : الشرائع والنافع والإرشاد (٢) وغيرها (٣) ، ونسبه في المدارك إلى أكثر الأصحاب (٤).
وقيل : فيه نظر ، لإطلاق أكثر الأصحاب أنّه يحلّ له كل شيء إلاّ الطيب والنساء (٥). انتهى.
واستدلوا له بالصحيحة المذكورة مضافة إلى الاستصحاب ، وظاهر قوله سبحانه ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٦) ، حيث إنّ الإحرام يتحقّق بحرمة الطيب والنساء أيضا ، ولكونه في الحرم.
أقول : يمكن الجواب أمّا عن الصحيحة : فبأنّه لا كلام في حرمة الصيد بعد طواف النساء والحلق أيضا من جهة الحرم ، وإنّما الكلام في حرمته من جهة الإحرام ، وتظهر الفائدة في أكل لحم الصيد ، والصحيحة لا تدلّ إلاّ على حرمته ، لا على أنّه من جهة الإحرام.
ولا يصير الاستثناء منقطعا كما قد يتوهّم ، لأنّ الصيد أيضا ممّا أحرم منه ، غاية الأمر أنّ جهة حرمته أيضا ليست نفس الإحرام ، ولكن ذلك لا يخرجه عن كونه ممّا أحرم منه ، ولا عن أصل الحرمة.
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٠٢ ـ ١٥٠١ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٢ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ١.
(٢) الشرائع ١ : ٢٦٥ ، النافع ١ : ٩٢ ، الإرشاد ١ : ٣٣٥.
(٣) كالحدائق ١٧ : ٢٥٩.
(٤) المدارك ٨ : ١٠٢.
(٥) انظر الرياض ١ : ٤٠٣.
(٦) المائدة : ٩٥.
وبالجملة : لا دلالة للصحيحة على حرمته الإحراميّة حتى تعارض ما مرّ ، ولا أقلّ من الاحتمال المسقط للمعارضة.
هذا ، مع ما فيها من الشذوذ المخرج عن الحجيّة ، لعدم قول يعرف بين الأصحاب بحرمة الصيد الإحراميّ ، بعد طواف النساء.
وأمّا عن الاستصحاب : فباندفاعه بما مرّ.
وأمّا عن الآية : فبمنع كونه محرما ، فإنّ المراد بالمحرم ليس من حرم عليه شيء ، بل من تحرم عليه الأمور المخصوصة التي ارتفعت حرمة أكثرها ، فلا يمكن استصحاب المحرّمية أيضا ، لتغيّر الموضوع.
فرع : قد ذكرنا حصول التحلّل عن غير الأمرين بالفراغ عن المناسك الثلاثة.
وهل يتوقف التحلّل عليها ، كما هو ظاهر من علّق التحلّل بالفراغ عن مناسك منى ، كما في النافع (١) ، وعن جماعة أخرى (٢)؟
أو يترتّب التحلّل بالحلق أو التقصير خاصة ، كما في الكتب السبعة الأولى المذكورة في صدر المسألة ، وفي الشرائع والإرشاد (٣)؟
وعن العماني والمقنع والتحرير والمنتهى والتذكرة : الترتّب على الرمي والحلق (٤).
__________________
(١) النافع ١ : ٩٢.
(٢) كما في التنقيح ١ : ٤٩٨ ، الرياض ١ : ٤٠٣.
(٣) راجع ص : ٣٨٩ ، الشرائع ١ : ٢٦٥ ، الإرشاد ١ : ٣٣٥.
(٤) حكاه عن العماني في المختلف : ٣٠٨ ، وعن البقية في كشف اللثام ١ : ٣٧٤.
المقنع : ٩٠ وفيه : إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب. التحرير ١ : ١٠٩ ، المنتهى ٢ : ٧٦٥ ، التذكرة ١ : ٣٩١ وفيهما : إذا حلق أو قصر حلّ له كل شيء أحرم منه إلاّ النساء ..
وعن ابني بابويه : على الرمي (١).
وقيل : برجوع القول الثاني والثالث إلى الأول ، حيث إنّ المتعارف في الحلق وقوعه بعد الرمي والذبح (٢).
وكيف كان ، دليل الأول : أنّه المراد من الأخبار ، حملا للحلق على الغالب المتعارف من كونه بعد النسكين الآخرين ، بل على أصله عند من أوجب الترتيب ، بل يمكن كون التعارف قرينة على إرادة ذلك.
دليل الثاني : أكثر الأخبار المتقدّمة المعلّقة للحلّية على الحلق خاصّة (٣).
ودليل الثالث : صحيحة منصور المتقدّمة (٤).
وحجّة الرابع : المرويّ عن قرب الإسناد : « إذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كلّ شيء حرم عليك إلاّ النساء » (٥).
أقول : يردّ دليل الأخير بالضعف ، والشذوذ ، ومعارضته الأخبار الغير العديدة.
ودليل ما قبله : بأنّ الرمي والحلق في الصحيحة إنّما ورد في السؤال ، وهو غير كاف لإثبات التعليق.
ودليل ما قبله : بأنّ الحكم وإن علّق في أكثر الأخبار بما بعد الحلق ، إلاّ أنّا قد أثبتنا في الأصول : أنّ حمل اللفظ على مقتضى أصل الحقيقة إنّما
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٢٨ ، حكاه عنه وعن أبيه في المختلف : ٣٠٨.
(٢) الذخيرة : ٦٨٤.
(٣) راجع ص : ٣٨٩ ، ٣٩٠.
(٤) في ص : ٣٩٢.
(٥) قرب الإسناد : ١٠٨ ـ ٣٧٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٥ أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ١١.
هو إذا لم يكن هناك ما يصلح لأن يكون قرينة للتجوّز ، وأمّا معه فلا يجري على أصل الحقيقة ، بل إن علم كون ذلك الأمر قرينة يحمل على التجوّز ، وإن صلح لها يتوقّف ويعمل بالأصل ، والأصل هنا مع عدم التحلّل إلاّ بعد الثلاثة.
ومع ذلك تعارض تلك الأخبار بمفهوم صحيحة ابن عمّار الأخيرة (١) ، الدالّة على عدم التحلّل بدون الذبح ، ويلزمه بدون الرمي أيضا بالإجماع المركّب ، وبما يأتي من المرويّ في بصائر الدرجات (٢).
فإذن الأقرب هو : القول الأول ، وإليه المعوّل.
المسألة الثانية : إذا طاف المتمتّع طواف الحجّ وسعى بين الصفا والمروة أحلّ من الطيب أيضا ، بلا خلاف يعلم ، لصحيحتي منصور وابن عمّار المتقدّمتين.
ورواية المروزي : « إذا حجّ الرجل فدخل مكّة [ متمتّعا ] فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليهالسلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر ، فقد حلّ له كلّ شيء ما خلا النساء ، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافا وصلاة » (٣).
وصحيحة أخرى لابن عمّار الطويلة في زيارة البيت يوم النحر ، وفي آخرها : « ثمَّ اخرج إلى الصفا ، فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة » إلى أن قال : « فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء أحرمت منه إلاّ النساء » الحديث (٤).
__________________
(١) المتقدّمة في ص : ٣٩٨.
(٢) التهذيب ٥ : ١٦٢ ـ ٥٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٤ ـ ٨٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٤ أبواب الطواف ب ٨٢ ح ٧. وما بين المعقوفين من المصادر.
(٣) انظر ص : ٣٩٦.
(٤) الكافي ٤ : ٥١١ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٥١ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٤٩ أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١.
وأمّا صحيحة محمّد بن إسماعيل : هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال : « لا » (١).
فمحمولة على الجواز بالمعنى الأخصّ ، كما ذكره في التهذيبين (٢) بقرينة ما مرّ ، ولولاه لطرحت بالشذوذ.
ومقتضى الصحاح المذكورة : عدم التحلّل بالطواف خاصّة ، وهو المشهور كما قيل (٣).
وظاهر بعض العبارات ـ ومنها : الشرائع والنافع والمنتهى (٤) ـ عدم توقّف التحلّل على السعي ، للخبرين.
في أحدهما : « إذا كنت متمتّعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت » (٥).
والآخر المرويّ في بصائر الدرجات ، الآتي ذكره.
وجوابه : أنّ التعارض بين مفهوم غاية الخبرين ومفهوم شرط الصحاح بالعموم من وجه ، فإن رجّحنا الصحاح بالصحّة والأكثرية والأشهرية ، وإلاّ فيرجع إلى استصحاب الحرمة.
وهل يتوقّف هذا التحليل على صلاة الطواف؟
قيل : لا ، لإطلاق النصّ ، والفتوى (٦).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٤٨ ـ ٨٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٠ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٤٢ أبواب الحلق والتقصير ب ١٩ ح ١.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٠.
(٣) في الرياض : ١ : ٤٠٣.
(٤) الشرائع ١ : ٢٦٥ ، النافع : ٩٢ ، المنتهى ٢ : ٧٦٦.
(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٨ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٢.
(٦) انظر الرياض ١ : ٤٠٣.
وفيه : أنّ الإطلاق إنّما يحكم به لو لا شيوع تقدّمها على السعي المتأخّر عنه التحليل ، مضافا إلى دلالة رواية المروزي المتقدّمة (١) على التوقّف.
وكذا صحيحة ابن عمّار الأخيرة (٢) على التوقّف ، فإنّ فيها قبل ما نقلنا منها : « ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين » إلى أن ساق الكلام إلى قوله عليهالسلام : « فإذا فعلت ذلك فقد أحللت » إلى آخره. فالأصحّ : التوقّف.
ولو قدّم الطواف والسعي على الوقوف أو مناسك منى ـ كما في القارن والمفرد مطلقا والمتمتّع للضرورة أو بدونها إن جوّزناه في بعضها ـ فهل يحصل ذلك التحلّل ، أم لا؟
نقل في المدارك عن بعض الأصحاب : الأول (٣) ، واستوجهه شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمهالله ـ واختار هو عدمه (٤).
للاستصحاب ، والمرويّ في بصائر الدرجات ، فإنّ فيه : « إذا أردت المتعة في الحجّ » إلى أن قال : « ثمَّ أحرمت بين الركن والمقام بالحجّ ، فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف ، ثمَّ ترمي وتذبح وتغتسل ، ثمَّ تزور البيت ، فإذا فعلت فقد أحللت » (٥).
ولا تفيد الإطلاقات ، لما ذكرنا من الشيوع المانع عن التمسّك به.
المسألة الثالثة : إذا طاف المتمتّع طواف النساء حلّت له النساء
__________________
(١) في ص : ٣٩٦.
(٢) المتقدّمة في ص : ٣٩٦.
(٣) المدارك ٨ : ١٠٦.
(٤) المسالك ١ : ١١٩.
(٥) بصائر الدرجات : ٥٣٣ ، الوسائل ١١ : ٢٣٤ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٣٠ ، بتفاوت يسير.
وجميع ما أحرم منه ، ولم يبق بعد ذلك شيء ، إجماعا كما في المدارك (١) ، بل على التحقيق ، له ، وللأخبار ، كصحيحتي منصور (٢) وابن عمّار (٣) المتقدّمتين.
وصحيحة ابن عمّار الأخيرة المنقول بعضها ، وفيها ـ بعد ذكر : « ثمَّ أرجع إلى البيت » ـ : « فطف به أسبوعا آخر ، ثمَّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثمَّ قد أحللت من كلّ شيء ، وفرغت من حجّك كلّه وكلّ شيء أحرمت منه » (٤) ، بل وكذا رواية المروزي السابقة (٥) وغيرها (٦).
ومقتضى الصحيحتين الأخيرتين : توقّف حلّية النساء على ركعتي هذا الطواف أيضا ، وهو كذلك لذلك ، وفاقا للمحكيّ عن الهداية والاقتصاد (٧).
وخلافا لإطلاق أكثر الفتاوى ، لإطلاق أكثر النصوص ، وحمل صحيحة ابن عمّار على توقّف مجموع التحلّل والفراغ من الحجّ عليها.
وفيه : أنّ رواية المروزي لا تقبل حملا ، فبها تقيّد الإطلاقات.
وحكي عن العماني : حلّية النساء بالفراغ من السعي (٨) ، وهو خلاف الإجماع والنصوص المذكورة وغيرها.
وكما تحرم النساء على الرجال قبل طوافهم طواف النساء ، فكذلك
__________________
(١) المدارك ٨ : ١٠٦.
(٢) المتقدّمة في ص : ٣٩٠.
(٣) المتقدّمة في ص : ٣٩٢.
(٤) الكافي ٤ : ٥١١ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٥١ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٤٩ أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١.
(٥) في ص : ٣٩٦.
(٦) الوسائل ١٤ : ٢٣٦ أبواب الحلق والتقصير ب ١٤.
(٧) الهداية : ٦٥ ، الاقتصاد : ٣٠٩.
(٨) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٩.
الرجال تحرم عليهنّ قبل طوافهنّ ، كما صرّح به جماعة (١).
لا لعموم قوله تعالى ( فَلا رَفَثَ ) الآية (٢) ، بضميمة كون الرفث هو الجماع وعدم الخروج عن الحجّ إلاّ بطواف النساء ، لدلالة الأخبار الصحيحة ـ كما يأتي ـ من خروج طواف النساء عن الحجّ.
ولا للإجماع المنقول ، لعدم حجّيته.
بل للاستصحاب ، والأخبار ، كصحيحة العلاء والبجلي وابن رئاب وعبد الله بن صالح : « المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثمَّ حاضت » وساق الحديث إلى أن قال : « ثمَّ طافت طوافا للحجّ ، ثمَّ خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها » (٣).
ورواية درست : متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم ـ إلى أن قال : « فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ، وسعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شيء ما عدا فراش زوجها » (٤).
ورواية عجلان : « إذا اعتمرت المرأة ثمَّ اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي وشهدت المناسك ، فإذا طهرت وانصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء ، ثمَّ أحلّت من كلّ شيء » (٥).
__________________
(١) انظر المدارك ٨ : ١٠٧ ، الذخيرة : ٦٨٤ ، الحدائق ١٧ : ٢٦٧.
(٢) البقرة : ١٩٧.
(٣) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ٤ : ٤٤٦ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٢ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٩ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٢. وفي الجميع : عن درست الواسطي ، عن عجلان أبي صالح ..
(٥) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٣١٤ ـ ١١١٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٩ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٣.