أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٢
لعدم تماميّة الاستدلال به ، من جهة تعارض التجوّز والتخصيص في النهي والأعمال ، ومن جهة الإجمال في معنى الإبطال كما بيّناه في العوائد (١).
ولا لمفهوم مرسلة حريز الآتية ، إذ مفهومها ـ على فرض حجيّته ـ عدم وجوب القطع دون عدم جوازه.
ولا لصحيحة زرارة : « ولا تقلّب وجهك عن القبلة » (٢).
لعدم صراحتها في النهي.
بل للأخبار المتكثّرة المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير (٣) ، ولا معنى لكون التكبير تحريما إلاّ تحريمه ما كان حلالا قبله.
وصحيحة البجلي : عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه ، وهو يستطيع أن يصبر عليه ، أيصلّي على تلك الحال ، أو لا يصلّي؟ فقال : « إذا احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ وليصبر » (٤).
والأمر بالصبر حقيقة في الوجوب ، ولو لا حرمة القطع لما وجب.
وصحيحة ابن أذينة المتقدّمة في مسألة الالتفات (٥) ، فإنّه لو لا حرمة القطع ، لما وجب الغسل من غير التفات.
وموثّقة الساباطيّ المتقدّمة فيها أيضا ، الآمرة بالتحويل إلى القبلة إن كان متوجّها إلى المشرق أو المغرب ، وبالقطع إن كان متوجّها دبر القبلة (٦) ، والتقريب ما ذكر.
ومقتضى إطلاق الثلاثة الأخيرة عموم الحكم للفريضة والنافلة ، فيعمهما.
__________________
(١) عوائد الأيام : ١٥١.
(٢) الكافي ٣ : ٣٠٠ الصلاة ب ١٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣.
(٣) انظر : الوسائل ٦ : ٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١.
(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.
(٥) راجع ص : ٢٠.
(٦) راجع ص : ٢٦.
وخصّ جماعة ـ مرّت إليهم الإشارة ـ بالأولى ، تبعا للحلّي (١) ، لمفهوم المرسلة المذكورة ، وبعض الأخبار الواردة في الالتفات عن القبلة (٢) ، وبهما تقيّد الإطلاقات.
ويردّ الأوّل : بعدم الدلالة ، والثاني : بأنّه يدلّ على عدم انقطاع النافلة بالالتفات ، لا على جوازه مع كونه قاطعا.
ويستثنى من تحريم القطع ما إذا خاف من تركه ضررا في مال أو نفس أو عرض من نفسه أو غيره ، والظاهر ـ كما قيل (٣) ـ اتّفاقهم عليه ، له ، ولعمومات نفي الضرر ، وانتفاء العسر والحرج.
ولمرسلة حريز : « إذا كنت في صلاة الفريضة ، فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حيّة تتخوّفها على نفسك ، فاقطع الصلاة ، واتّبع غلامك وغريمك ، واقتل الحيّة » (٤).
ورواها الصدوق بطريق صحيح (٥).
وموثّقة سماعة : عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة ، فنسي كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه ، قال : « يقطع ويحرز متاعه ، ثمَّ يستقبل القبلة » قلت : فيكون في صلاة الفريضة ، فتفلت عليه دابّته ، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا ، فقال : « لا بأس بقطع صلاته ويتحرّز ويعود إلى صلاته » (٦).
__________________
(١) قال في السرائر في كتاب الاعتكاف ١ : ٤٢٢ .. لأنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها ـ بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة ـ ما خلا الحج المندوب ، فإنه يجب بالدخول فيه ، وحمل باقي المندوبات عليه قياس ..
(٢) انظر : الوسائل ٧ : ٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٨.
(٣) انظر : الرياض ١ : ١٨٠.
(٤) الكافي ٣ : ٣٦٧ الصلاة ب ٥٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٧ : ٢٧٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١.
(٥) كما في الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٣.
(٦) الكافي ٣ : ٣٦٧ الصلاة ب ٥٢ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٧١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ ـ ١٣٦٠ ،
وفي القويّ : في رجل يصلّي ويرى الصبيّ يحبو إلى النار ، والشاة تدخل البيت لتفسد الشيء ، قال : « فلينصرف وليتحرّز ما يتخوّف منه ويبني على صلاته ما لم يتكلّم » (١).
واختصاصها ببعض أفراد المطلوب مجبور بالإجماع المركّب.
ثمَّ إنّ القطع على سبيل الوجوب إذا كان الخوف على النفس ، أو المال المحترم المحرّم إتلافه شرعا ، كما يدلّ عليه الأمر في بعض تلك الأخبار. وعلى سبيل الجواز إن كان على مطلق المال المحترم ، كما يقتضيه إطلاق الكيس والمتاع والشيء في الخبرين الأخيرين.
ومن هذا تظهر صحة ما ذكره الشهيدان وغيرهما من تقسيم القطع إلى الأقسام الخمسة (٢) ، وتندفع مناقشة بعضهم في بعض الأقسام (٣).
وهل يعيد الصلاة بعد القطع ، كما هو الظاهر من القطع؟.
أو يبني على ما هو مضى؟ كما هو ظاهر قوله « ويعود إلى صلاته » في الخبر الثاني ، وصريح الثالث.
الظاهر الأوّل إن ارتكب ما يبطل الصلاة عمدا ، لعمومات إبطاله بلا معارض ، وقوله « ما لم يتكلّم » في الخبر الأخير. ويبني على صلاته إن لم يفعله ، للأصل ، والقويّ.
المسألة الثانية :
يجوز على الأظهر الأشهر ، بل يستحبّ للمصلّي تسميت العاطس ، بالمهملة والمعجمة.
وهو : الدعاء له عند العطاس بنحو قوله : يرحمك الله ، إذا كان مؤمنا كما
__________________
الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٢.
(١) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ـ ١٣٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٣.
(٢) الشهيد في الذكرى : ٢١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٩٢ ، وانظر : جامع المقاصد ٢ : ٣٥٩.
(٣) كما في المدارك ٣ : ٤٧٨.
قيل (١) ، أو مسلما كما ذكره بعضهم (٢) ، أو مطلقا كما يقتضيه عموم روايات التسميت (٣) ، وخصوص مرسلة ابن أبي نجران : عطس رجل نصرانيّ عند أبي عبد الله عليهالسلام ، فقال له القوم : هداك الله ، فقال أبو عبد الله : « يرحمك الله » فقالوا له : إنّه نصرانيّ ، فقال : « لا يهديه الله حتّى يرحمه » (٤).
وإنّما جاز التسميت للمصلّي لكونه دعاء جائزا في الصلاة مطلقا ، وعمومات ما دلّ على جواز التسميت ، بل استحبابه لكلّ أحد إلاّ إذا زادت العطسة عن الثلاث (٥).
وعن المعتبر التردّد فيه ، ولا وجه له ، مع أنّه رجع عنه بعده إلى الجواز ، وجعله مقتضى المذهب (٦).
وأمّا المرويّ في مستطرفات السرائر عن جعفر عليهالسلام : في رجل عطس في الصلاة ، فسمّته رجل ، فقال : « فسدت صلاة ذلك الرجل » (٧).
فحمله بعضهم على التقيّة (٨) ـ حيث إنّ المنسوب إلى الشافعيّ وبعض العامّة تحريمه (٩) ـ وردّه آخر بالشذوذ.
والصواب ردّه بالإجمال ، إذ لم يذكر فيه كون المسمّت في الصلاة ، وفساد صلاة العاطس لا وجه له.
وقد يستند في التردّد إلى بعض الروايات العاميّة القاصرة دلالة (١٠).
__________________
(١) الرياض ١ : ١٨١.
(٢) كالسبزواري في الذخيرة : ٣٦٧.
(٣) انظر الوسائل ١٢ : أبواب أحكام العشرة ب ٥٧ و ٥٨.
(٤) الكافي ٢ : ٦٥٦ العشرة ب ١٥ ح ١٨ ، الوسائل ١٢ : ٩٦ أبواب أحكام العشرة ب ٦٥ ح ١.
(٥) انظر : الوسائل ١٢ : ٩١ أبواب أحكام العشرة ب ٦١.
(٦) المعتبر ٢ : ٢٦٣.
(٧) مستطرفات السرائر : ٩٨ ـ ١٩ ، الوسائل ٧ : ٢٧٢ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٥.
(٨) كصاحب الحدائق ٩ : ١٠٠.
(٩) انظر : مغني المحتاج ١ : ١٩٧.
(١٠) كما في سنن أبي داود ٤ : ٣٠٧.
وكذلك يجوز له ردّ المسمّت بقوله : يغفر الله لك ويرحمك ، كما في بعض الأخبار ، أو : يغفر الله لك ولنا ، كما في بعض آخر (١) ، لما مرّ.
بل يجب عليه وعلى كلّ عاطس ردّه ، للمرويّ في الخصال : « إذا عطس أحدكم فسمتوه ، قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عزّ وجل ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٢).
وتؤيّده رواية محمّد : « إذا عطس الرجل فليقل : الحمد لله لا شريك له ، وإذا سمعت الرجل يعطس فلتقل : يرحمك الله ، وإذا رددت فلتقل : يغفر الله لك ولنا » (٣).
فالقول بعدم الوجوب ـ كما عن المحقّق الثاني والمدارك لعدم صدق التحيّة عليه (٤) ـ ضعيف.
ولكن لا يجب ما في الرواية ، بل يجوز بمثل التسميت أو أحسن منه كلّ ما كان.
وكما يجوز له التسميت ، يجوز له التحميد والصلاة على النبيّ وآله عند سماع العطسة ، فإنّه أيضا مستحبّ ، بل ورد في الأخبار الأمر به وإن كان بينك وبينه البحر (٥) ، وورد في بعض المعتبرة : « إنّه من سمع العطسة ، فحمد الله تعالى ، وصلّى على نبيّه وأهل بيته ، لم يشتك عينيه ولا ضرسه » (٦).
وكذا يجوز له ولكلّ عاطس أن يحمد الله تعالى ، ويصلّي على النّبي وآله ، كما ورد في الأخبار المتكثّرة (٧) ، وفي المنتهى أنّه مذهب أهل البيت عليهم
__________________
(١) انظر : الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨.
(٢) الخصال : ٦٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ٣.
(٣) الكافي ٢ : ٦٥٥ العشرة ب ١٥ ح ١٣ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ٢
(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٤ ، المدارك ٣ : ٤٧٢.
(٥) انظر الوسائل ٧ : ٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨.
(٦) انظر الوسائل ١٢ : ٩٤ أبواب أحكام العشرة ب ٦٣ ح ٢.
(٧) كما في الوسائل ٧ : ٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ، والوسائل ١٢ : أبواب أحكام العشرة ب ٦٢ و ٦٣.
السلام (١). وأن يكون ذلك بعد وضع إصبعه على أنفه.
ويستحبّ أيضا للعاطس أن يقول بعد التحميد والصلاة واضعا إصبعه على أنفه : رغم أنفي لله رغما داخرا.
المسألة الثالثة :
يجوز السلام على المصلّي ، للأصل ، والعمومات (٢) ، وخصوص الروايات في ردّ السلام للمصلّي (٣) ، وتقرير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والإمام صلوات الله عليه ، المسلّمين عليهم في الصلاة (٤) ، والمرويّ في الذكرى : « إذا دخلت المسجد والناس يصلّون ، فسلّم عليهم ، وإذا سلّم عليك فاردد ، فإنّي أفعله » (٥).
وأمّا المروي في الخصال : « لا تسلّموا على اليهود والنصارى » إلى أن قال : « ولا على المصلّي ، لأنّه لا يستطيع أن يردّ السلام » (٦).
وفي قرب الإسناد : « إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلّون فلا تسلّم عليهم » (٧).
فلا يعارض ما مرّ ، لندرته رواية وفتوى.
مع أنّ الثابت ممّا مرّ ليس الزائد على الجواز ، أمّا غير رواية الذكرى فظاهر ، وأمّا هي فلعدم كون الأمر فيها للوجوب قطعا ، فيمكن أن يكون مجازه الجواز ، سيّما مع كونه في مقام توهّم الحظر ومقابلتها مع الروايتين الأخيرتين ، وهما أيضا لا تثبتان الزائد من الكراهة ، أمّا الأخيرة فلضعفها ، واحتمالها الجملة الخبريّة ، وأمّا الأولى فلاشتمالها على بعض من يكره السلام عليه ، وعدم جواز استعمال اللفظ في
__________________
(١) المنتهى ١ : ٣١٣.
(٢) كما في الوسائل ١٢ : أبواب أحكام العشرة ب ٣٢ و ٣٣.
(٣) الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦.
(٤) الوسائل ٧ : أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ و ١٧.
(٥) الذكرى : ٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٣.
(٦) الخصال : ٤٨٤ ـ ٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٠ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ١.
(٧) قرب الإسناد : ٩٤ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٠ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٢.
حقيقته ومجازه.
فالقول بالكراهة ـ كما ذهب إليه بعض المتأخّرين (١) ـ هو الأقوى.
وبالروايتين الأخيرتين تخصص عمومات التسليم.
ويجوز للمصلّي بل يجب عليه ردّه ، كما يجب على غير المصلّي ، بلا خلاف كما قيل (٢) ، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة (٣).
لعمومات الكتاب ، والسنّة المستفيضة ، وخصوص المعتبرة ، منها : صحيحة محمّد : دخلت على أبي جعفر عليهالسلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك فقال : « السلام عليك » فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال : « نعم مثل ما قيل له » (٤).
والأخرى : « إذا سلّم عليك مسلّم وأنت في الصلاة فسلّم عليه ، تقول : السلام عليك ، وأشر بأصابعك » (٥).
وموثّقة سماعة : عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : « يردّ بقوله : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم السلام » (٦).
وغير ذلك من الأخبار المتكثّرة.
والظاهر عدم تعيّن صيغة الردّ لغير المصلّي من الصيغ الأربع المشهورة ، بل الثمان ، للأصل ، وبعض الروايات ، وإن كان الأولى له الردّ بتقديم الظرف. وأوجب بعضهم الردّ به ، لأخبار غير صالحة لإثبات الوجوب (٧).
__________________
(١) كصاحب المدارك ٣ : ٤٧٥.
(٢) في الحدائق ٩ : ٧٩.
(٣) كالسيد في الانتصار : ٤٧ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٧٣ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٧٥.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ـ ١٣٤٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٧ ، أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.
(٥) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٣ ، مستطرفات السرائر : ٩٨ ـ ١٨ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٥.
(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ الصلاة ب ٥١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٨ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.
(٧) انظر : الحدائق ٩ : ٧٠.
وأمّا المصلّي فهل يجب عليه الردّ بالمثل؟ كما نسب إلى المشهور بين الأصحاب (١) ، وعن صريح السيّد والخلاف (٢) ، وظاهر المدارك (٣) ، بل روض الجنان (٤) ، وغيره : إجماعهم عليه.
لصحيحة محمّد الاولى ، وصحيحة منصور : « إذا سلّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ عليه خفيّا كما قال » (٥).
ولا تنافيهما صحيحة محمّد الثانية ، ولا الموثّقة ، لكونهما مبنيين على ما هو الشائع من وقوع التسليم هكذا.
أو بقوله : سلام عليكم؟ كما هو ظاهر النافع (٦) ، وصريح بعض آخر (٧) ، للموثّقة.
أو يجوز الردّ بأيّ نحو كان ، ولو بقوله : عليكم السلام؟ كما عن الحلّي والمختلف (٨).
الظاهر الأخير ، للأصل ، وعدم دلالة شيء من الروايات على الوجوب ، لمكان الجملة الخبريّة ، مع أنّها معارضة بعضها مع بعض ، وغلبة السلام بقوله : السلام عليكم لا تفيد للصحيحة الثانية ، مع أنّها لا تخصّص العموم المستفاد من ترك الاستفصال.
مضافا إلى أنّه يمكن أن يراد بالمماثلة في الصحيحة عدم الزيادة على التسليم من قوله : ورحمة الله وبركاته ، وهو المناسب للخبرين الأخيرين. وبه يحصل الجمع
__________________
(١) كما في الرياض ١ : ١٨١.
(٢) السيد في الانتصار : ٤٧ ، الخلاف ١ : ٣٨٨.
(٣) المدارك ٣ : ٤٧٤.
(٤) الروض : ٣٣٩.
(٥) الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٣.
(٦) النافع : ٣٤.
(٧) كصاحب الرياض ١ : ١٨٢.
(٨) الحلي في السرائر ١ : ٢٣٦ ، المختلف : ١٠٢.
التامّ بينها.
ويمكن أن يكون المراد المماثلة في تقديم السلام ، لأنّه الأقرب إلى ما ورد في القرآن ، فتخلو الصلاة عن كلام الآدميين.
ولا يختصّ وجوب الردّ على المصلّي أو غيره بصورة كون التسليم بتأخير الظرف ، وفاقا للحلّي (١) ، بل ـ كما قيل (٢) ـ هو ظاهر الأصحاب ، للأصل ، وصدق التسليم عليه.
وعن التذكرة والذخيرة وغيرهما : الاختصاص (٣) ، لأنّ صورة تقديم الظرف صيغة الجواب ، دون السلام الواجب ردّه.
ويضعّف بالمنع ، لعدم دليل على اختصاص التسليم بتقديم السلام ، ووروده كذلك في حكاية بعض التسليمات لا يدلّ على الوجوب ، كما أنّ بعض الروايات العاميّة لا يفيد في إثباته (٤).
وهل يجب الردّ إذا سلّم بنحو قوله : سلام ، أو السلام من غير ذكر الظرف؟.
أنكره جماعة (٥) ، للأصل. وتردّد بعض آخر ، بل أوجب (٦) ، لصدق التحيّة والتسليم. وهو الأظهر ، لذلك.
ولا يجب الردّ إذا سلّم بما لا يصحّ لغة ، كبعض الأعجام يسلّم بقوله : سرام ، أو سلوم ونحوهما ، للأصل ، وعدم معلوميّة صدق التحيّة.
__________________
(١) في السرائر ١ : ٢٣٦.
(٢) حكاه عن بعض المتأخرين في الحدائق ٩ : ٧٢.
(٣) التذكرة ١ : ١٣٠ ، الذخيرة : ٣٦٦ ، وانظر المعتبر ٢ : ٢٦٤.
(٤) سنن أبي داود ٤ : ٣٥٣ ـ ٥٢٠٩.
(٥) كصاحب الحدائق ٩ : ٧٤.
(٦) كما في مجمع الفائدة ٣ : ١١٧ ، وكفاية الأحكام : ٢٣.
فروع :
أ : لا خلاف ـ كما قيل (١) في أنّ الردّ واجب كفاية لا عينا ، إذا كان الرادّ من المسلّم عليهم ، لتحقّق التحيّة والردّ.
وفيه نظر ، لأنّ السلام إذا كان على الكلّ ، كان كلّ أحد مأمورا بالردّ بمقتضى الأخبار ، بل الآية ، والأصل عدم السقوط عنه بفعل الغير ، فإن ثبت الإجماع ، وإلاّ فيجب على الكلّ.
وعلى القول بالكفاية ، هل يستحبّ للباقين الردّ حينئذ أيضا؟.
عن روض الجنان : الاتّفاق على استحبابه (٢) ، ونحوه كاف في المقام ، فيكون مستحبّا.
وقد يستدلّ بعموم الروايات ، ولا يخلو عن نظر.
وهل يشمل الاستحباب المصلّي أيضا؟.
فيه نظر ، لاختصاص حكاية الاتّفاق بغير المصلّي ، وجوازه بقصد القرآن أمر آخر. إلاّ أن يقال : إنّ ردّه دعاء للمسلّم ، فيكون جائزا ، بل مستحبّا من هذه الجهة ، إلاّ أنّه أيضا غير استحباب الردّ من حيث هو.
وكذا قالوا : إنّ الابتداء بالسلام من المستحبّات كفاية أيضا (٣) ، وعن التذكرة الإجماع عليه (٤).
وتدلّ عليه موثّقة غياث (٥) ، ومرسلة ابن بكير (٦) ، ومقتضاهما كفائيّة الاستحباب إذا كان الداخلون جماعة ، لا أنّه إذا سلّم أحد على جماعة مطلقا أجزأ عن غيره كذلك.
__________________
(١) الحدائق ٩ : ٧٥.
(٢) الروض : ٣٣٩.
(٣) كما في الحدائق ٩ : ٧٥.
(٤) لم نعثر عليه في بحث قواطع الصلاة من التذكرة ، ولكن حكاه عنه في الحدائق ٩ : ٧٥.
(٥) الكافي ٢ : ٦٤٧ العشرة ب ٧ ح ٣ ، الوسائل ١٢ : ٧٥ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٢.
(٦) الكافي ٢ : ٦٤٧ العشرة ب ٧ ح ١ ، الوسائل ١٢ : ٧٥ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٣.
ثمَّ المستفاد من قوله « أجزأ » فيهما أنّ تسليم الواحد يكفي عن تسليم الكلّ ، وهل يستحبّ لغير الواحد التسليم بعد تسليم أحدهم؟ فيه احتمالان.
ب : يجب ردّ سلام الصبيّ المميّز ، في الصلاة وغيرها ، وفاقا لجملة من الأصحاب ، منهم روض الجنان والمدارك (١).
لا لعموم الآية كما قيل (٢) ، لاتّحاد المرجع في « حييتم » و « حيّوا » والثاني مخصوص بالمكلّفين فكذا الأوّل.
بل لعموم طائفة من الأخبار المتقدّمة وغيرها.
وهل يكتفى بردّه؟.
الظاهر لا ، وفاقا للمدارك وغيره (٣) ، لأنّ الأمر بالتحيّة بالمثل في الآية ، والردّ في الأخبار مخصوص بالمكلّفين.
ج : وجوب الردّ على المصلّي وغيره إذا علم دخوله في المسلّم عليه. وإن شكّ فيه فلا يجب ، بل يشكل جوازه للمصلّي ، إلاّ إذا قصد القرآن ، أو من حيث كونه دعاء للمسلّم.
د : قالوا : يجب إسماع الردّ للمسلّم تحقيقا أو تقديرا (٤). وهو صحيح ، إذ لا يعلم صدق التحيّة والردّ ، ولرواية ابن القدّاح : « فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه ، لا يقول : سلّمت ولم يردّوا عليّ » (٥).
إلاّ أنّ في كفاية التقديري نظر ، إذ ظاهر أنّ صدق الردّ أمر لا يتوقّف على الإمكان وعدمه ، فإن صدق ردّه بدون الإسماع لم يجب مطلقا ، وإلاّ وجب مع الإمكان ، ويسقط وجوب الردّ مع عدم إمكان الإسماع.
__________________
(١) الروض : ٣٣٩ ، المدارك ٣ : ٤٧٥.
(٢) في الحدائق ٩ : ٧٦.
(٣) المدارك ٣ : ٤٧٥ ، وانظر : الروض : ٣٣٩.
(٤) كما في الروض : ٣٣٩ ، والحدائق ٩ : ٧٧.
(٥) الكافي ٢ : ٦٤٥ العشرة ب ٧ ح ٧ ، الوسائل ١٢ : ٦٥ أبواب أحكام العشرة ب ٣٨ ح ١.
ولا يبعد صدق الردّ عليه بالتسليم مع الإشارة المفهمة له بالإصبع أو الرأس ، فيكون كافيا كذلك مطلقا.
ولا تنافيه رواية ابن القدّاح ، لأنّ المستفاد من تعليلها أنّ المطلوب إفهام المسلّم ، وهو يحصل بذلك ، فإن لم يمكن ذلك أيضا سقط وجوب الردّ.
هذا في غير المصلّي ، وأمّا هو فالمشهور فيه أيضا وجوب الإسماع ، لما ذكر.
وعن المحقّق والأردبيليّ ـ طاب ثراهما ـ عدمه (١) ، لصحيحة منصور المتقدّمة (٢) ، وموثّقة الساباطيّ : « إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة تردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك » (٣).
وتدلّ عليه صحيحة محمّد الثانية (٤) ، حيث تضمّنت قوله « وأشر بأصابعك » فإنّه لو كان جهرا لما احتاج إلى ذلك.
وردّ بالحمل على التقيّة ، لأنّ عدم وجوب ردّ المصلّي نطقا مذهب أكثر العامّة (٥).
وهو كان حسنا لو كان وجوب الإسماع ثابتا. وأمّا على ما ذكرنا من وجوب الإفهام ، فلا داعي للحمل عليها ، بل يسلّم خفيّا ، ويشير بالإصبع ـ كما في صحيحة محمّد ـ تحصيلا للتفهيم. إلاّ أنّه لا يجب ذلك ، كما حكي عن الفاضلين المذكورين ، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب ، حتّى الصحيحة الأخيرة الآمرة بالإشارة ، لعدم وجوب خصوص هذه الإشارة إجماعا.
هـ : المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب الردّ في الصلاة وغيرها فوريّ ، إذ هو المتبادر من الردّ ، ومقتضى الفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية.
__________________
(١) المحقق في المعتبر ٢ : ٢٦٤ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١١٩.
(٢) في ص : ٦٨.
(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٥. الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٤.
(٤) المتقدمة في ص : ٦٧.
(٥) انظر : بداية المجتهد ١ : ١٨١ ، والمغني ١ : ٧٤٧.
والأوّل ممنوع ، وكذا الثاني في الفاء الجزائيّة ، ولذا توقّف فيه بعضهم (١).
إلاّ أنّ المعلوم من سيرة النبيّ والأئمة وأصحابهم والعلماء المسارعة إلى الجواب ، فالظاهر أنّه إجماعيّ.
إلاّ أنّه ـ كما صرّح به بعضهم (٢) ـ الفوريّة المعتبرة هنا إنّما هو تعجيله بحيث لا يعدّ تاركا عرفا ، فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام وقع السلام في أثنائه.
و : لو ترك المصلّي ردّا هل تبطل صلاته ، أم لا؟.
المشهور هو الأوّل ، لقاعدتي عدم اجتماع الأمر والنهي ، وكون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه.
والحقّ عدم البطلان وإن صحّت القاعدتان ، كما بينّا وجهه في كتبنا الأصوليّة.
ز : يجب ردّ السلام الواقع في وراء ستر أو جدار أيضا.
وهل يجب إذا سلّم عليه بلسان رسول؟ الظاهر نعم ، لصدق التحية والسلام.
وفي وجوبه إذ كتب بالسلام نظر ، لعدم معلومية الصدق. نعم لو كان جواب الكتاب واجبا ـ كما اختاره بعض الأصحاب (٣) وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان صريحة (٤) ، وهو الأقوى لذلك ـ كان واجبا من هذه الجهة.
وهل يختصّ وجوب جواب الكتاب بما إذا تضمّن الدعاء والسلام ، بل كان مخصوصا به ، أو يجب مطلقا؟ فيه تأمّل.
ح : الحقّ جواز تسليم الأجنبية على الأجنبي ، للأصل والأخبار.
__________________
(١) انظر : الحدائق ٩ : ٨١.
(٢) انظر : الذخيرة : ٣٦٧.
(٣) كصاحب الحدائق ٩ : ٨٢.
(٤) الكافي ٢ : ٦٧٠ العشرة ب ٢٧ ح ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٧ أبواب أحكام العشرة ب ٣٣ ح ١.
وقيل بعدمه (١) ، لأنّ صوتها عورة.
وهو ممنوع ، والخبر المانع عنه لا يفيد أزيد من الكراهة (٢).
ط : لا يبتدئ بالسلام على الكافر ، بل الظاهر عدم جوازه ، للنهي عنه في رواية غياث (٣) ، المؤيّدة برواية الخصال المتقدّمة (٤). إلاّ أن تدعو إليه الضرورة ، كما يدلّ عليه خبر عبد الرحمن بن الحجاج (٥).
ولو سلم كافر على مسلم فهل يجب الردّ أم لا؟.
الظاهر نعم ، لعموم الآية ، وأكثر الأخبار ، وخصوص رواية غياث ، وموثّقتي محمّد (٦) ، وسماعة (٧).
والمشهور المنصور أنه يردّ على أهل الذمّة بـ « عليك » ، للرواية والموثقتين المذكورة.
وهل يجب الاقتصار على ذلك ، أم يجوز بغيره؟.
ظاهر الأمر فيها يقتضي الوجوب. إلاّ أنّ في رواية زرارة : « تقول في الردّ على اليهودي والنصراني : سلام » (٨).
ومقتضى القاعدة التخيير ، إلاّ أنّ الأوّل أشهر رواية ، وهو من المرجّحات المنصوصة ، وعلى هذا فلا يجوز بمثل عليك السلام.
__________________
(١) كما في الحدائق ٩ : ٨٣.
(٢) الكافي ٥ : ٥٣٥ النكاح ب ٨٣ ح ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٣٤ أبواب مقدمات النكاح ب ١٣١ ح ٢.
(٣) الكافي ٢ : ٦٤٨ العشرة ب ١١ ح ٢ ، الوسائل ١٢ : ٧٧ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ١.
(٤) في ص : ٦٦.
(٥) الكافي ٢ : ٦٥٠ العشرة ب ١١ ح ٧ ، الوسائل ١٢ : ٨٣ أبواب أحكام العشرة ب ٥٣ ح ١.
(٦) الكافي ٢ : ٦٤٩ العشرة ب ١١ ح ٤ ، مستطرفات السرائر : ١٣٨ ـ ٧ ، الوسائل ١٢ : ٧٧ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٣.
(٧) الكافي ٢ : ٦٤٩ العشرة ب ١١ ح ٣ ، الوسائل ١٢ : ٧٩ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٦.
(٨) الكافي ٢ : ٦٤٩ كتاب العشرة ب ١١ ح ٦ ، الوسائل ١٢ : ٧٧ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٢.
ي : المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة ، والصغير على الكبير ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير (١). ولكن ذلك مستحبّ في مستحبّ ، فلو وقع العكس في بعض الصور لم يخرج من الاستحباب أيضا.
__________________
(١) انظر : الوسائل ١٢ : ٧٣ أبواب أحكام العشرة ب ٤٥.
الباب الثاني
في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها ، أو صفاتها ، أو شرائطها
وهو : إمّا عن عمد ، أو جهل ، أو سهو ، أو بسبب تعلّق الشكّ بأحد هذه الأمور ، أو الظنّ. ثمَّ الخلل الحاصل بسبب أحد هذه الأمور إمّا نقص أو زيادة.
والمراد بالعمد : كونه بشعور وقصد.
وبالسهو : عزوب المعنى عن القوّة الذاكرة مع بقائه في الحافظة ، ولهذا يحصل بالتذكّر ، ويرادفه النسيان.
وقد يطلق النسيان على عزوبه عن القوّتين ، فيحتاج حصوله إلى المراجعة والتعلّم ، وعلى ذلك يرادف الجهل بأحد معنييه ، والمعنى الآخر عدم حصول المعنى في الذهن أوّلا أيضا.
وبالشك : تساوي الاعتقادين المتضادين. وقد يطلق السهو في الأخبار وكلام الأصحاب على الشك أيضا.
وبالظن : رجحان أحد الطرفين.
فهاهنا مباحث ، نذكرها بعد ذكر أصل ، يحصل منه حكم كثير من مسائل الباب ، هو : أنّ الأصل في كلّ شرط أو جزء واجب أو صفة واجبة بطلان الصلاة بنقصه عمدا ، أو جهلا ، أو سهوا. وكذا في زيادة الأجزاء.
أمّا أصالة البطلان بنقص ما ذكر عمدا ، أو جهلا مع التقصير واحتمال الخلاف ، فلإيجابه عدم الإتيان بالمأمور به ، ومخالفته الموجبة لعدم تحقّق الامتثال.
وأمّا أصالته بنقصه جهلا من غير تقصير ، أو سهوا ، فالمراد بالبطلان حينئذ ليس عدم موافقة ما فعل للمأمور به حين الجهل والنسيان ، إذ لا تكليف على الغافل فوق ما عمله. بل المراد وجوب الفعل في الوقت ثانيا ـ إن ارتفع الجهل أو النسيان فيه ـ مع الشرط أو الجزء المتروك أوّلا ، سواء كان الترك لأجل الخطإ جهلا أو نسيانا ، في حكم الجزء أو الشرط ، أو في موضوعه.
أمّا الأوّل فكمن ظنّ عدم وجوب السورة في الصلاة ، أو عدم وجوب الاستقبال ، أو ستر العورة فيها ، وصلّى بدون السورة ، أو غير مستقبل القبلة ، أو
مكشوف العورة ، ثمَّ تبيّن له خلافه مع بقاء الوقت.
والوجه في البطلان بالمعنى المذكور حينئذ أنّ بعد تبيّن الخلاف حصل له أمر ، وهو : أنّ كلّ مكلّف يجب عليه الفعل مع هذا الجزء أو الشرط في الوقت الفلاني ، والمفروض بقاء الوقت ، فيكون داخلا في الموضوع ، فيجب عليه الفعل.
ولا ينافي ذلك صحة ما فعله أوّلا ، حيث إنّه له المأمور به حينئذ ، لأنّه المأمور به له حين يعلم أنّه المأمور به له ، ولا يضرّ ذلك في كون شيء آخر مأمورا به له في وقت آخر.
والحاصل أنّ ها هنا أمرين : مطلقا ومقيّدا ، وكان الأوّل واجبا عليه في الوقت الأوّل ، والثاني في الثاني.
وأمّا الثاني فهو إمّا خطأ في المفهوم ، أو المصداق.
فالأوّل كمن ظنّ سهوا أو جهلا أنّ المراد بالمغرب غروب الشمس ، فصلّى ، ثمَّ تبيّن له مع بقاء الوقت أنّ مفهومه زوال الحمرة.
أو ظنّ أنّ القبلة ما بين المشرق والمغرب ، فصلّى في العراق إلى حوالي المشرق ، ثمَّ ظهر له أنّ ذلك قبلة المتحيّر.
أو ظنّ أنّ ستر العورة يتحقّق مع اللباس الحاكي أيضا ، ثمَّ ظهر له أنّه ليس بساتر.
أو ظنّ أنّ السورة الواجبة في الصلاة صادقة على آية من السورة أيضا ، ثمَّ ظهر له خطؤه.
وأمّا الثاني فكمن علم أنّ المراد بالمغرب زوال الحمرة ، وسها ، فظنّ حصوله قبل حصوله ، وصلّى ، ثمَّ تبيّن خطؤه.
أو علم أنّ القبلة الجهة المخصوصة للكعبة وظنّها في سمت ، وصلّى إليه ، ثمَّ ظهر خطؤه.
ويظهر وجه وجوب الإعادة في الوقت فيهما أيضا ممّا مرّ.
هذا حكم الإعادة في الوقت.
وأمّا القضاء فالأصل ينفيه ، وثبوته إنّما هو بأمر جديد ، فلا يندرج تحت