أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٠
استحباب الوضوء ومشروعيته ، مردود : بلزوم تقدير فيها ـ على القول بكون العبادات أسامي للأعم ، كما هو الحقّ ـ لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية قطعا ، والمقدّر كما يمكن أن يكون قصد القربة ، يمكن أن يكون قصد الوجوب.
وعليها (١) مع المتعقبين لها : بفقد اللفظ الدالّ على العموم فيها ، وانصراف الغسل فيها إلى المتبادر الغالب الذي هو غسل الجنابة ، مردود : بعموم المفرد المعرّف كما عليه عملهم في جميع الموارد ، ومنع غلبة الجنابة جدّا ، سيما بحيث توجب تبادره وانصراف المطلق إليه. كيف وغسل الجمعة وسائر الأغسال المسنونة ، وغسل الحيض والاستحاضة لو لم تغلب على غسل الجنابة لم تقصر عنه البتة.
وورود أمثالها في الردّ على العامة لا يخصّصها بالجنابة ، لأنّ إيجابهم الوضوء لا يختص بها.
وعلى البواقي : بضعفها إسنادا ، مردود : بأنّه غير ضائر مع كونها في الأصول المعتبرة ، مع أنّ فيها الموثّقة ، وهي بنفسها حجة.
وعلى الجميع : بأنّ المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لأجله ، وعدم توقّف تماميته عليه ، فالمعنى : أنّه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل وفي حصول المقصود منه إلى الوضوء ، وذلك لا ينافي توقّف مثل الصلاة عليه ، مردود : بأنه خلاف الظاهر ، كيف وإطلاق نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب أيضا ، والحكم بإجزائه عن الوضوء في أخرى صريح فيما إذا كان مأمورا بالوضوء.
مع أنّه قد صرّح في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة ، والتخصيص بنفيه لها حين الغسل لا وجه له.
نعم ، يرد على الثلاثة الأولى : أنّ كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي وجوبه قبله ـ كما هو مذهب جماعة ـ كما يأتي.
__________________
(١) عطف على : الثلاثة .. أي الإيراد عليها وعلى الحديثين المتعقبين .. مردود ..
وأمّا قوله في المرسلة : « قبل الغسل » فيمكن أن يكون خبرا ، ويكون الكلام فيها جملتين ، لا جملة واحدة.
وعلى أخبار غسل الحائض وأختيها : أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة وبيانه ، لا بيان غيره ، ولذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة من ستر العورة والاستقبال وغيرهما.
كما يرد على ما استدلّ به الأوّلون ـ ممّا يصرّح بأنّ في كلّ غسل وضوء ـ عدم دلالته على الوجوب ، ضرورة أنّه يحتاج إلى تقدير ، فالمقدّر كما يمكن أن يكون ما يفيد الوجوب ، يمكن أن يكون ما يفيد المشروعية.
وظهور التركيب في إرادة الوجوب ممنوع. ولو سلّم ، فهو من باب النقل الحادث ، الذي يكون الأصل تأخّره.
فلم يبق من أدلّتهم بعد العمومات ، غير الصحيحة والرضوي والنبوي. وهما وإن كانا بنفسهما غير معتبرين ، إلاّ أنّهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة ، سيما القديمة ، بل الإجماع المنقول ، يعدّان من المعتبرة ، بل لا يقصران عن الصحاح في الحجية.
فيقع التعارض بين هذه الثلاثة وبين الأخبار النافية للوضوء. وهي وإن كانت راجحة من جهة المخالفة للعامة ، وأكثرية الرواية التي هي الشهرة بين الرواة ، والأحدثية ، وكلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة ، ولكن للثلاثة أيضا رجحانا من جهة موافقة الآية التي هي من المرجّحات القوية وعمل معظم الفرقة.
مضافا إلى ضعف ترجيح الأولى بمخالفة العامة : بأنّ بعض الثانية أيضا كذلك ، لنفي الوضوء فيه عن غسل الجنابة ، وهو لا يوافق مذهب العامة. وبالأشهرية : بمنع بلوغ الأكثرية حدّا تثبت بها الأشهرية التي هي من المرجّحات المنصوصة.
فيحصل التكافؤ بين الفريقين ، وإذ لا قول بالتخيير في البين ، ترفع اليد عن كلّ من الصنفين ، وتبقى الآية وعمومات موجبات الوضوء خالية عن
المعارض المعلوم.
هذا كلّه ، مع أنّ الأخبار النافية ، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة ، ولعمل ناقليها ، خارجة عن حيّز الحجية ، ولمعارضة غيرها وتخصيص العمومات غير صالحة. فهي مع الروايتين والصحيحة عن المعارض سالمة ، فيجب الأخذ بها ، والقول بوجوب الوضوء مع كلّ غسل غير الجنابة.
وهل يجب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين (١) والشيخين (٢) والحلبيين (٣) ، واختاره بعض متأخّري المتأخّرين (٤) ، للصحيحة ، والرضوي ، ومرسلتي ابن أبي عمير ، والفقيه المتقدّمة (٥) ، وما يصرّح بأنّ الوضوء بعد الغسل بدعة (٦). ويؤيّده صدر صحيحة ابن حكيم ، ورواية الحضرمي المتقدمتين (٧).
أم يستحب؟ كما عن النهاية والمقنعة والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر والشرائع (٨) وادّعي عليه الشهرة (٩) ، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم وجوبه (١٠) ، للأصل ، وبعض الإطلاقات. وهو الأقوى ، لذلك.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٤٦ ، الهداية : ٢٠ ، ونقله في المختلف : ٣٤ عن والد الصدوق.
(٢) المفيد في المقنعة : ٥٣ ، والطوسي في الاستبصار ١ : ١٢٦ ، والمصباح : ١٠.
(٣) أبي الصلاح في الكافي : ١٣٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.
(٤) الحدائق ٣ : ١٢٧.
(٥) المتقدمة ص ٣٥٨ ، ٣٥٩ وراجع ما علقنا على مرسلة الفقيه ، ولا يخفى أنّ الاستدلال بها على المطلوب لا يتم إلاّ على أن يكون قوله : « قبل الغسل » خبرا كما احتمله الماتن في ص ٣٦٢ وسيشير إليه.
(٦) راجع ص ٣٥٩.
(٧) في ص ٣٥٧ ، ٣٦٠.
(٨) النهاية : ٢٣ ، المقنعة : ٥٣ ، الوسيلة : ٥٦ ، السرائر ١ : ١١٣ الجامع للشرائع : ٤٢ ، المعتبر ١ : ٢٥٧ ، الشرائع ١ : ٣١.
(٩) كما في الحدائق ٣ : ١٢٧.
(١٠) السرائر ١ : ١١٣.
ويجاب عن الصحيحة : بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم ، إلاّ التقديم الذكري ، وهو له غير مفيد.
وعن الرضوي : بالضعف الخالي عن الجابر في المورد.
وعن المرسلتين : بعدم الدلالة على الوجوب ـ كما مرّ ـ مع أن في إحداهما احتمالا آخر.
وعن قوله : « الوضوء بعد الغسل بدعة » : بما مرّ من احتمال كون ذلك مع قصد وجوب البعدية.
وعن البواقي : بعدم التأييد ، كما هو ظاهر عند النظر الشديد. والاحتياط لا ينبغي تركه.
وكيف كان ، لا تعلّق للتقديم بصحة الغسل ، بلا خلاف كما قيل (١) ، للأصل. فلو أخّره عمدا أثم به ـ على القول بالوجوب ـ وصحّ غسله ، ويتوضّأ بعده لما يشترط به.
المسألة الرابعة : في وجوب تطهير المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه وعدمه قولان :
الأول ، للمحكي عن الأكثر ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٢).
لاشتراط طهارة ماء الغسل ، المنتفية بوروده على المحل النجس.
ومنع النجاسة عن وصول الماء إلى المحل.
والأمر بغسل الفرج قبل الصبّ على الرأس في عدّة من الأخبار.
وصحيحتي البزنطي وابن حكيم ، الأولى : « ثمَّ اغسل ما أصابك منه ، ثمَّ أفض على رأسك وجسدك » (٣).
__________________
(١) نقله صاحب الرياض ١ : ٣٥ عن بعض مشايخه ، وهو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.
(٣) التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٩ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦
والثانية : « ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثمَّ اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك » (١).
ووجوبه في غسل الميت إمّا بضميمة الإجماع المركّب ـ كما هو محتمل ـ أو مع ما في المعتبرة من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة (٢).
ويضعّف الأول : بمنع الانتفاء المدّعى أوّلا ، لوروده على النجاسة. ومنع اشتراط طهارته مطلقا ثانيا ، وإنّما هي طهارته قبل الورود على المحل ، كما يقولون في إزالة الخبث ، على القول بنجاسة الغسالة.
والقول (٣) بتوقّف العبادة على البيان ، وعدم حصوله في ( الماء ) (٤) النجس ( مطلقا ) (٥) ، مدفوع بحصوله بالإطلاقات الشاملة لذلك الماء.
والثاني : بمنع المانعية مطلقا ، وإنّما هي فيما له عين ، ولا كلام في وجوب إزالة عينه أوّلا.
ومنه يظهر ضعف دلالة الثالث والرابع ، لعدم دلالتهما إلاّ على وجوب غسل المني ، وهو ممّا يمنع من وصول الماء إلى المحل ، لثخانته ولزوجته.
والخامس : بعدم إمكان إبقاء الأمر فيه على الوجوب ، إلاّ بانسلاخ حرف الترتيب عن معناه ، الموجب لسقوط الاستدلال رأسا ، لعدم وجوب تقديم تطهير النجاسة عن البدن على غسل الفرج إجماعا ، ( بل ) (٦) ولا على أصل الغسل قطعا ، بحيث يجب تقديم تطهير الفرج على الصب على الرأس ، وإن أوهمه كلام
__________________
ح ٦.
(١) في النسخ : غير الماء ، والصواب كما أثبتناه.
(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٧.
(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣.
(٤) كما في شرح المفاتيح ( مخطوط ).
(٥) ليس في « ه ».
(٦) لا توجد في « ق » و « ه ».
بعضهم (١).
ومنه يظهر وجه آخر لضعف الثالث والرابع ، لإفادتهما وجوب التقديم على أصل الغسل ، بل في بعضهما على المضمضة والاستنشاق أيضا.
والسادس : بمنع الإجماع المركّب ، بل القول بالفصل متحقّق ، وبمنع دلالة المعتبرة على المماثلة في الجميع. ولو سلّم ، فالمدلول المماثلة في جميع أجزاء الغسل وكيفيته ، لا الأمور الخارجة. مع أنّ الثابت منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة له ، دون العكس.
والثاني لجماعة من المتأخّرين (٢) ، للأصل ، وضعف الرافع ، وإن استحب. وهو الأقوى ، لما مرّ.
ومنه يظهر عدم اشتراط طهر المحل قبل الغسل في صحته ، كما هو صريح الشيخ في المبسوط (٣) ، وكلّ من لا يوجب التطهير أوّلا.
والأكثر على الاشتراط ، لما ذكر ، بضميمة استلزام الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه ، الموجب للفساد ، إلى الأخبار ، مضافا إلى استصحاب الحدث.
ويضعّف الاستصحاب : بوجود الرافع ، من مثل قوله : « فما جرى عليه الماء فقد طهر » (٤) ومن استلزام الأمر بالغسل للإجزاء ، والبواقي بما مرّ.
ثمَّ على ما ذكرنا من عدم توقّف ارتفاع الحدث على تطهر المحل ، فهل يكتفي بغسلة واحدة لرفع الحدث والخبث إذا كان ممّا يغسل مرّة ، أو مرّة لرفع الحدث ومرّة للخبث إذا لم يكن كذلك؟ أو لا ، بل يحتاج رفع الخبث إلى غسل
__________________
(١) كما في الوسيلة : ٥٥.
(٢) منهم المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس : ١٨٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٤ ، وصاحب الحدائق ٣ : ١٠١.
(٣) المبسوط ١ : ٢٩.
(٤) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٣٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ ، أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.
آخر؟
الحقّ : الأول ، لعمومات إزالة الخبث بجريان الماء ، أو تحقّق الغسل المزيل.
والمصرّح به في كلام جماعة : الثاني ، لأصالة عدم تداخل الأسباب.
ويضعّف باندفاع الأصل بما مرّ ، مضافا إلى أن رفع الحدث والخبث بغسل واحد ليس من باب تداخل الأسباب ، كما لا يخفى على الفطن المتأمّل. والله أعلم بالصواب.
المسألة الخامسة : يكره غسل الجنابة ارتماسا في الماء الراكد ، لفتوى بعض الأجلّة من القدماء (١) ، والنبوي : « لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ، ولا يغتسل فيه من الجنابة » (٢).
المسألة السادسة : في كفاية الغسل الواحد عن المتعدّد إذا اجتمعت أغسال متعدّدة ، مطلقا أو بشرط نية الجميع أو بشرط عدم نية البعض أو إذا كان أحدها غسل جنابة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع متّحدا في الوجه ، بأن يكون واجبا أو مستحبا ـ دون ما إذا تفرّقت ـ مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع واجبا خاصة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان أحدها (٣) غسل جنابة إمّا مطلقا أو بأحد الشرطين ، أقوال. أظهرها : الأول.
لنا ـ بعد الإجماع المحقّق والمنقول (٤) في بعض صوره ، وأصالة البراءة عن المتعدّدة ، وعدم دليل على التعدّد سوى أصالة عدم التداخل التي لا دليل عليها كما بيّنّا في كتاب عوائد الأيام (٥) ، وصدق الامتثال في أكثر الصور ـ : النصوص
__________________
(١) منهم المفيد في المقنعة : ٥٤.
(٢) سنن أبي داود ١ : ١٨ ـ ٧٠ ـ بتفاوت يسير.
(٣) أي : أحد الأغسال الواجبة خاصة ، فيفرق مع الصورة الرابعة ، لأنها أعم من الواجبة والمستحبة.
(٤) كما نقله في السرائر ١ : ١٢٣.
(٥) عوائد الأيام : ١٠٠.
المستفيضة الدالّة إمّا على الكفاية مطلقا :
كحسنة زرارة : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر ، أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة ، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق ، أجزأها عنك غسل واحد ، وكذلك المرأة ، يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها » (١).
دلّت بقوله : « فإذا اجتمعت .. » على ما ذكرنا من العموم.
وإضمارها في بعض الكتب (٢) غير قادح ، سيما مع إسنادها في التهذيب إلى أحدهما عليهماالسلام ، وفي السرائر إلى مولانا الباقر عليهالسلام بسند (٣) ، وإلى أحدهما بآخر. وزاد على الأخير : وقال زرارة : « وحرم اجتمعت في حرمة يجزيك عنها غسل واحد » (٤).
ورواية الحسين الخراساني ، المروية في السرائر : « غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (٥).
وعمومه لما تأخّر سببه غير ضائر ، لأنه بالإجماع خارج ، ضرورة عدم تقدّم المسبّب على سببه.
وصحيحة زرارة : ميت مات وهو جنب ، كيف يغسل؟ وما يجزيه من الماء؟ فقال : « يغسل غسلا واحدا ، يجزئ ذلك عنه لجنابته ولغسل الميت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة » (٦).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤١ الطهارة : ب ٢٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.
(٢) وهو الكافي.
(٣) مستطرفات السرائر : ٧٤ ـ ١٩ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣ ملحق ح ١.
(٤) مستطرفات السرائر : ١٠٣ ـ ٣٨.
(٥) مستطرفات السرائر : ٤٦ ـ ٤.
(٦) الكافي ٣ : ١٥٤ الجنائز ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٢ ـ ١٣٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٤ ـ ٦٨٠ ، الوسائل ٢ : ٥٣٩ أبواب غسل الميت ب ٣١ ح ١.
دلّ التعليل على العموم المطلوب. والمراد بالحرمة الحق ، كما يدل عليه ذيل رواية السرائر المتقدّمة.
أو على كفاية واحد للواجبات المجتمعة ، التي أحدها الجنابة ، مطلقا سواء نوى الجميع أو البعض ، بل ولو مع نية عدم البعض ، المثبت لهذا الإطلاق في غير الواجبات أيضا ، بعد ثبوت تداخله بالإجماع المركّب.
كالمستفيضة الواردة في كفاية غسل واحد للجنابة والحيض (١) ، وخبر شهاب : « وإن غسّل ميتا وتوضّأ ، ثمَّ أتى أهله ، يجزيه غسل واحد لهما » (٢).
واختصاص الأولى بالحيض ، والثاني بغسل المسّ لا يضرّ ، لعدم الفصل بين الواجبات.
أو على كفاية واحد للندب والفرض وإن لم ينو إلاّ أحدهما :
كمرسلة الفقيه : « من جامع في أول شهر رمضان ، ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ، عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلاّ أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنّه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك » (٣).
حجّة المخالف مطلقا أو في بعض الصور : ضعف الأخبار كلاّ أو بعضا مع أصالة عدم التداخل ، أو اشتراط نية الوجه الغير المتحققة في بعض الصور ، أو قصد السبب ـ مطلقا أو في خصوص الأغسال المندوبة ـ الغير المتحقّق في بعض آخر ، أو مع عدم صدق الامتثال قطعا في صورة نية عدم البعض ، أو عدم جواز اجتماع الوجوب والاستحباب ، اللازم في صورة تفريق الأغسال.
ويردّ الأوّل : بأنّ ضعف السند غير ضائر ، مع أنّ الجميع ليس كذلك.
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣.
(٢) الكافي ٣ : ٢٥٠ الجنائز ب ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٨ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٣.
(٣) الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣٢١.
ولو سلّم ، فالأصل مع التداخل ، فلا يحتاج إلى الدليل. وأصل عدم التداخل ـ كما اشتهر بين جماعة ـ أصل غير أصيل ، خال عن التحقيق والتحصيل.
والثاني والثالث : بعدم اشتراط نية الوجه ولا قصد السبب ، ولو في الأغسال المندوبة ـ كما مرّ ـ بل يكفي قصد القربة.
والرابع : بأنّه إن أريد عدم صدق امتثال الأمر المستفاد من أخبار التداخل ، فممنوع. وإن أريد عدم صدق امتثال الأوامر المتعدّدة الواردة في كلّ غسل ، فمسلّم ولا ضير فيه ، إذ مقتضى التداخل كفاية واحد عن الجميع ، وكون المأمور به حينئذ أمرا واحدا قائما مقام الجميع ، بل مسقطا لغير الواحد ، فلا أمر بغيره حتى يطلب امتثاله.
بل نقول : إنّ مع قطع النظر عن أخبار التداخل ، لا دليل على تعدّد الأمر في صورة الاجتماع.
بيانه : أنه إذا قال الآمر : الجنابة سبب لوجوب الغسل ، والحيض سبب لوجوب الغسل ، فلا يمكن أن يكون المراد من الغسل المسبّب عند اجتماعهما معناه الحقيقي الذي هو المهية ، لأنه أمر واحد ، فلا يجب بإيجابين ، لاستلزامه تحصيل الحاصل ، بل اجتماع الوجوب والاستحباب في شيء واحد إذا اختلف الأمران وجوبا وندبا. فإمّا يراد من أحدهما فرد خاص من الغسل ، وهو الفرد المغاير لما تحقّقت المهية في ضمنه لامتثال الأمر ، أو يخصّص أحدهما بغير صورة الاجتماع ، ولكن الأول مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، فتعيّن الثاني.
ومنه يعلم ما يرد على الخامس أيضا. فإنّه إذا قال : الجنابة سبب لوجوب الغسل ، والتوبة لاستحبابه ، لا يمكن أن يراد بهما شيء واحد في صورة الاجتماع ، لاستلزامه اجتماع الوجوب والاستحباب في شيء واحد ، وهو محال ولو من جهتين. [ ولا شيئان ] (١) متغايران ، لاستلزامه استعمال لفظ واحد في استعمال واحد في
__________________
(١) في النسخ : ولو شيئان ، والصواب ما أثبتناه.
حقيقته ومجازه ، ضرورة إرادة المهية منهما عند الانفراد. فتعيّن تخصيص أحدهما بصورة عدم الاجتماع ، وكفاية واحد منهما عند الاجتماع ، وهو معنى التداخل.
ويكون هذا الواحد الذي أتى به حينئذ واجبا غير جائز الترك ، قائما مقام الندب أيضا ، بمعنى ترتّب ثوابه ومصالحه المطلوبة منه عليه أيضا.
بل ذلك مقتضى التداخل الثابت بأخباره أيضا ، ولو قطع النظر عمّا ذكرنا ، إذ ليس الواحد المتداخل فيه جائز الترك قطعا ، فهو واجب ترتّبت عليه آثار الفرض (١) أيضا.
ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا ـ من أصالة التداخل وعدم التعدّد ، بل عدم تعدّد الأمر في صورة الاجتماع ـ أنّ التداخل عزيمة لا رخصة ، وصرّح به والدي العلاّمة أيضا. مع أنّ بعد صدق الامتثال وتحقّق الإجزاء المصرّح به في أخبار التداخل ، لا معنى للإتيان به ثانيا. وظهور الإجزاء في الرخصة ممنوع ، فإنّه إذا كان شيء مجزيا على الإطلاق عن غيره ، لا يبقى الغير حتى يجوز الإتيان به أيضا.
وما ورد في موثّقة الساباطي (٢) ـ من تخيير المرأة التي تحيض بعد جنابتها بين اغتسالها للجنابة قبل الانقطاع وبين صبرها إلى أن تطهر وتكتفي بغسل واحد ـ لا يفيد الرخصة ، إذ لا يدلّ على جواز غسلين بعد الانقطاع ، وجواز غسل الجنابة قبل وجوب غسل الحيض لا يفيد كيفية حال التداخل.
وهل يسقط الوضوء ـ على القول بوجوبه لغير غسل الجنابة ـ إذا جعل الجنابة مع غيرها غسلا واحدا؟ الظاهر نعم ، بل هو الظاهر من الجميع ، لتحقّق غسل الجنابة المجزي عن الوضوء ، ولا ينافيه تحقّق غيره.
وقال والدي ـ رحمهالله ـ : الظاهر وجوب الوضوء ، لصدق الاسمين. فتتعارض أدلّة وجوبه وعدمه ، فيحصل التساقط ، وتبقى أدلّة عموم الوضوء.
__________________
(١) كذا ، والظاهر انّ الصواب : الندب.
(٢) التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ـ ٥٠٦ ، الوسائل ٢ : ٢٦٤ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٧.
وفيه : أنّ غير غسل الجنابة لا يوجب بنفسه الوضوء ، بل لا يسقط معه الوضوء ، فهو لا يعارض المسقط إذا تحقّق.
والحاصل : أنّ الثابت إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء دون غيره ، وعدم إجزاء الغير لا ينافي إجزاءه حتى يحصل التعارض.
فإن قيل : لا نعلم أنّ ذلك الغسل غسل الجنابة ، إذ لعلّه غسل آخر مسقط لغسل الجنابة ، سيما إذا لم ينوه.
قلنا : ليس غسل الجنابة المصرّح بإجزائه عن الوضوء إلاّ الرافع لحدث الجنابة أو المسبّب عنها وإن جامعها سبب آخر أيضا ، وذلك الغسل الواحد جامع للوصفين.
الفصل الثاني
في غسل الحيض
والكلام إمّا في بيان دم الحيض ومعرفته إثباتا ونفيا ، أو في أحكام الحائض. فهاهنا بحثان :
البحث الأوّل : في بيان دم الحيض ومعرفته.
وهو في العرف دم مخصوص سائل من المرأة ، بل قيل : إنّه المعنى اللغوي أيضا (١) ـ كما ذكره بعض اللغويين (٢) ـ للتبادر وأصالة عدم النقل.
وذلك الدم ممّا يقذفه الرحم بعد البلوغ ، ثمَّ تصير المرأة في الأغلب معتادة بقذفه في أوقات معلومة ، قرّره الله سبحانه لحكمة تربية الولد. فإذا حملت المرأة ، صرفه الله تعالى إلى تغذيته ، فإذا وضعت الحمل ، بدّل الله سبحانه صورته الدموية باللبنية ـ غالبا ـ لاغتذاء الطفل ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع ، بقي ذلك الدم بلا مصرف ، فيستقر في مكانه ، ثمَّ يخرج في الغالب في أيام متفاوتة بتفاوت المزاج حرارة.
وهو شيء معروف بين الناس ، له أحكام كثيرة في علمي الأديان والأبدان ، ليس بيانه موقوفا على الأخذ من الشرع ، بل هو كسائر الأحداث كالمني والبول وغيرهما ، بل باقي موضوعات الأحكام التي ليست معرفتها متوقّفة على بيانه. بل متى تحقّق وعرف ، تعلّقت به أحكامه الشرعية ، وإن خلا عن أوصافه الأغلبية. كما تترتّب أحكام المني عليه بعد معرفته وإن لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من
__________________
(١) كما في الرياض ١ : ٣٥.
(٢) القاموس ٢ : ٣٤١.
أوصافه الغالبة. وإن لم يتحقّق وجوده ، يحكم بمقتضى الأصل الذي هو المرجع ، كما في سائر الموارد.
نعم ، لمّا كان لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية ، كدم الاستحاضة والقرحة والعذرة ، ولم تكن له خاصة لازمة غير منفكّة عنه ظاهرة لكلّ مكلّف بدون بيان الشرع يميّزه كلّ أحد بها عن سائر مشاركيه ، دعا ذلك الشرع إلى تعريفه إثباتا أو نفيا ، وبيان الدم الذي تتحيّض به المرأة ، والذي لا تتحيّض به. فذكر له خواص ولوازم إمّا غير منفكة أو أغلبية ، وبيّن أقسام النساء ، والدم الذي تتحيّض به كلّ منهن ، والذي لا تتحيّض به.
ونحن نذكر ما يتعلّق بذلك المطلب في مقامين :
المقام الأول : في بيان لوازم دم الحيض ، وهي أمور :
منها : أنّه لا يكون قبل كمال تسع سنين. فكلّ دم كان قبله ، ليس حيضا إجماعا محقّقا ومحكيا (١). وفي المعتبر : أنّه متّفق عليه بين أهل العلم (٢). وفي المنتهى : أنّه مذهب العلماء كافة (٣).
وهو فيه الحجة ، مضافا إلى الموثّقة والرواية الآتيتين. ومقتضاهما كون التحديد تحقيقا ، كما هو ظاهر الأصحاب. فاحتمال التقريب ـ كما عن نهاية الإحكام (٤) ـ غير صحيح.
ثمَّ إنّ جعلهم الحيض دليل البلوغ إنّما هو في مجهوله السن ، مع كون الدم بوصفه الآتي ، فاشتراطه بإكمال التسع لا ينافيه.
ومنها : أن لا يكون بعد اليأس. فكلّ ما كان بعده ، لم يكن حيضا
__________________
(١) حكاه في كشف اللثام ١ : ٨٤ ، والرياض ١ : ٣٥.
(٢) المعتبر ١ : ١٩٩.
(٣) المنتهى ١ : ٩٦.
(٤) نهاية الاحكام ١ : ١١٧.
بالإجماعين (١) أيضا.
فهو الدليل عليه ، مع موثّقة البجلي : « ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : « إذا بلغت ستين سنة ، فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض » قلت : وما تكون كذلك؟ قال : « ما لم تبلغ تسع سنين ، فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم يدخل بها » (٢).
وروايته : « ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا كان لها خمسون سنة » (٣).
ثمَّ سنّ اليأس هل هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية ، مضافة إلى صحيحة أخرى للبجلي : « حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة » (٤) ورواية البزنطي : « المرأة التي قد يئست من المحيض ، حدّها خمسون سنة » (٥) وإلى استصحاب وجوب العبادة وجواز المكث في المساجد وسائر لوازم الطهر.
أو ستّون؟ كما هو مقتضى الموثّقة ، مضافة إلى مرسلة الكافي ، التي ذكرها بعد رواية البزنطي بقوله : « وروي ستّون سنة أيضا » (٦) ، وإلى استصحاب كونها
__________________
(١) كما نقله في المدارك ١ : ٣٢٣ ، والرياض ١ : ٣٥.
(٢) التهذيب ٧ : ٤٦٩ ـ ١٨٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٣ أبواب العدد ب ٣ ح ٥.
(٣) الكافي ٦ : ٨٥ الطلاق ب ٢٤ ح ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ ـ ٤٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٧ ـ ١٢٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٧٩ أبواب العدد ب ٢ ح ٤.
(٤) الكافي ٣ : ١٠٧ الحيض ب ٢١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٧ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ١.
(٥) الكافي ٣ : ١٠٧ الحيض ب ٢١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٥ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٣.
(٦) الكافي ٣ : ١٠٧ الحيض ب ٢١ ذيل ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٦ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٤.
ممّن تحيض وعدم يأسها وبقاء الحكم بالعدّة وتوابع الزوجية ، والعمومات الدالّة على أنّ ما يكون بصفة الحيض أو تراه المرأة في أيام العادة حيض (١).
أو الثاني في القرشية ، والأول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن أبي عمير : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة ، لم تر حمرة إلاّ أن تكون من قريش » (٢) ومرسلة المبسوط في القرشية : « روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستين سنة » (٣).
أو الثاني في القرشية والنبطية ، والأول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين مطلقات الخمسين ومرسلة المقنعة : « وروي أنّ القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة » (٤).
الأوّل مذهب الشرائع في كتاب الطلاق (٥) ، والسرائر والمدارك (٦) ، وعن نهاية الشيخ (٧) وجمله (٨) والمهذب (٩) ، للأخبار الثلاثة ، والأصول المتقدّمة.
ويجيبون أما عن أصول الستين : فبالاندفاع بما ذكر.
وأمّا عن الموثقة ومرسلة الكافي : فبعدم المقاومة مع أخبار الخمسين ، لترجيحها عليهما بالأكثرية عددا ، والأصحية سندا ، والأوضحية دلالة ، لكونها بالمنطوق ، وكون دلالتهما على عدم اليأس بالخمسين بالمفهوم ، والأشهرية عملا ـ كما قيل ـ ورواية ـ كما في النافع (١٠) ـ وبكونها أخص منهما ، لأنّها تدلّ على حصول
__________________
(١) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٥ ، ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٣ و ٤.
(٢) الكافي ٣ : ١٠٧ الحيض ب ٢١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٣٦ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٢.
(٣) المبسوط ١ : ٤٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٦ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٥.
(٤) المقنعة : ٥٣٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٧ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٩.
(٥) الشرائع ٣ : ٣٥.
(٦) السرائر ١ : ١٤٥ ، المدارك ١ : ٣٢٣.
(٧) النهاية : ٥١٦.
(٨) لم نجده فيه ، ولكن نسبه إليه في الحدائق ٣ : ١٧١.
(٩) المهذب ٢ : ٢٨٦.
(١٠) المختصر النافع : ٢٠٠.
اليأس بخصوص الخمسين ، وهما تدلاّن على عدمه بما دون الستين الذي منه الخمسون.
وأمّا عن المراسيل الثلاث الأخيرة : فبعدم صلاحيتها لدفع الأصول وتخصيص المطلقات ، لضعفها بالإرسال. مع ما في أولاها من القصور في الدلالة ، من جهة عدم التصريح بالستين ولا بالحيضيّة في القرشية.
والثاني مختار الشرائع في بحث الحيض (١) ، ومجوز المنتهى (٢) ، وصريح والدي العلاّمة ـ رحمهالله ـ في الكتابين ، للأصول المتقدّمة ، والعمومات المذكورة الخالية جميعا عمّا يصلح للمعارضة.
ويجيبون أمّا عن أصول الخمسين : فباندفاعها بالعمومات ، مع كون الأصول الأولى مقدّمة عليها ، لكونها مزيلة لها.
وأمّا عن الصحيح والروايتين : فبسقوطها من البين ، لمعارضتها مع الموثّقة ومرسلة الستين ، وبطلان الوجوه المرجّحة لها عليهما. أمّا غير الأخير : فلعدم صلاحيتها للترجيح ، كما بيّن في الأصول.
مع أنّ ما ذكروه في الترجيح باعتبار السند إنّما هو الأصدقية والأعدلية ، دون الإمامية التي هي مادة اختلاف السندين هنا.
والأشهرية المدّعاة في العمل ممنوعة.
ودعواها من بعضهم معارضة بدعوى الأكثر إيّاها في أحد التفصيلين ، وبعضهم في الآخر ، كما يأتي. وفي الرواية غير ثابتة. ودعوى النافع لا تثبتها ، مع جواز أن يكون مراده مجرد الأكثرية في العدد.
وأمّا الأخير : فلأنّه لا يتمّ في تعارض أخبار الخمسين مع مرسلة الستين ، إذ معناها المستفاد من ذكرها بعد خبر البزنطي ، أنّ حدّ اليأس ستون. مع أنّه كما
__________________
(١) الشرائع ١ : ٢٩.
(٢) المنتهى ١ : ٩٦.
أنّ مفهوم الموثّقة عام ، كذلك منطوق الأخبار الثلاثة ، لدلالته على أنّ حدّ اليأس إذا كان لها خمسون سنة ، وهو أعمّ من أن تكون لها زيادة أيضا.
وأيضا : ليس تعارضهما بالمنطوق والمفهوم فقط ، بل يتخاصم منطوقاهما أيضا بالتساوي ، فإنّ مدلول المنطوق الأول ، بل صريحه أنّ حدّ اليأس ستون سنة ، بل المتبادر من نحو قوله : « إذا بلغت ستين يئست من المحيض » أنّ اليأس ببلوغها يحدث ، ومدلول الثاني أنّه خمسون. وذلك عين التخاصم والتنازع ، فيتعارضان ويتساقطان.
وأمّا عن المراسيل الثلاث : فبما مرّ ، مضافا إلى عدم كون الحمرة المنفية في الأولى صريحة في الحيض ، وعدم منافاة الأخيرتين منها للمطلوب إلاّ بمفهوم الوصف الضعيف.
والثالث عن الصدوق (١) والمبسوط (٢) ، بل أكثر كتب الشيخ (٣) ـ طاب ثراه ـ واستجوده في المعتبر (٤) ، ونسبه في البحار والحدائق إلى المشهور (٥) ، وفي التبيان والمجمع نسب حصول يأس القرشية بالستين إلى الأصحاب (٦) ، وهو ظاهر في دعوى الإجماع ، للمرسلتين.
ويجيبون عن رواية النبطية : بعدم الثبوت. وعن مطلقات الخمسين والستين : بوجوب حمل المطلق والعام على المقيد والخاص ، والمرسلتان خاصتان ومقيدتان.
ويدفعون الإيراد عليهما بالضعف : بمنعه جدّا. كيف؟! وهما منجبرتان
__________________
(١) الفقيه ١ : ٥١.
(٢) المبسوط ١ : ٤٢.
(٣) كما في الحدائق ٣ : ١٧١ ، لكن لم نعثر عليه من الشيخ إلاّ في المبسوط والتبيان.
(٤) المعتبر ١ : ٢٠٠.
(٥) البحار ٧٨ : ١٠٦ ، الحدائق ٣ : ١٧١.
(٦) التبيان ١٠ : ٣٣ ، مجمع البيان ٥ : ٣٠٤.
بالشهرة المحقّقة والمحكية ، بل بظاهر دعوى الإجماع من الشيخين الجليلين : الطوسي والطبرسي (١). ومثله لا يقصر عن الصحاح ، بل ربما يعدّ أقوى منها.
مع أنّ ابن أبي عمير الراوي لأولاهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنه ، وصرّحوا بكون مراسيله في حكم المسانيد.
وبالقصور في الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين : بعدم القائل بالفرق. ومن جهة عدم الصراحة في الحيضية : بكونها ظاهرة فيها ، وهو كاف. مع أنّ في المرسلة الثانية تصريحا بالحكمين. ومن جهة عدم صراحة الحمرة في الحيض : بمنعه. كيف مع أنّ المنفي ليس سوى الدمين : الحيض والاستحاضة ، وبعد توصيف الأول في الروايات بالأحمر ، والثاني بالأصفر (٢) ، يتعيّن أنّ المراد هو الأول ، مع أنّ العموم يكفي للمطلوب.
بل لو سلّم القصور من هذه الجهة أيضا لم يضرّ ، إذ بعد ثبوت الستين للقرشية بمرسلة المبسوط (٣) ، يتعين تخصيص مطلقات الخمسين بها ، فتصير خاصة بالنسبة إلى مطلقات الستين ، وتخصّص بها ويثبت المطلوب.
والرابع محكي عن ابني حمزة وسعيد ، واختاره الفاضل في القواعد (٤) ، بل ـ كما قيل ـ في أكثر كتبه (٥) ، وذهب إليه الكركي (٦) ناسبا له إلى المشهور ، بل إلى الأصحاب ، المؤذن بدعوى الإجماع ، لمرسلة المقنعة (٧).
ويدفعون الإيراد عليها بالضعف : بالانجبار بدعوى الكركي. ويجيبون عن
__________________
(١) في التبيان والمجمع ـ كما تقدم.
(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣.
(٣) المتقدمة ص ٣٧٦.
(٤) الوسيلة : ٥٦ ، الجامع للشرائع : ٤٦٦ ، القواعد ١ : ١٤.
(٥) كما قال به في التحرير ١ : ١٣ ، والتذكرة ١ : ٢٦ ، والإرشاد ١ : ٢٢٦.
(٦) جامع المقاصد ١ : ٢٨٦.
(٧) المتقدمة ص ٣٧٦.
المطلقات : بوجوب التقييد.
أقول : كان ما ذكروه حسنا ، لو لا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع دعوى أكثر منه الشهرة على الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية أيضا ، وأمّا معها فلا يحصل بها انجبار ، ويسقط لأجله ذلك القول.
نعم ، يبقى دعواها في القرشية ، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض جابرة للمرسلتين الأوليين ، وتخصّص بهما المطلقات كما مرّ ، ويثبت بهما مقتضاهما الذي هو القول الثالث ، فهو الحق.
فائدة : القرشية أعم من الهاشمية ، وهي المنسوبة إلى النضر بن كنانة ، إمّا بالأب كما عليه جماعة (١) ، اقتصارا على المتيقّن ، واستصحابا للتكليف وسائر لوازم الطهر ، واتّباعا لعموم وجوب العبادة.
أو مطلقا كما عليه اخرى (٢) ، نظرا إلى صدق كونها من قريش ، كما في المرسلة الأولى ، وتحقّق الانتساب إليه ، كما في الأخيرتين ، واستصحابا لكونها ممّن تحيض ، واتّباعا لعمومات الرجوع إلى التمييز واعتبار أيام العادة. وهو الأقوى ـ ولو كان الصدق والتحقّق المذكوران عرفا محل التشكيك ـ للأصول المذكورة المزيلة للأصول المتقدّمة.
ومنه يعلم كفاية الانتساب الشرعي وغيره ظاهرا وإن لم يعلم الواقع.
وأمّا احتمال القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف. لا لأصالة عدم القرشية ، لعدم حجّيتها إن أريد بالأصل الظهور الحاصل من الإلحاق بالأغلب ، ومنعها إن أريد غيره. بل للإجماع المحقّق.
ثمَّ المعروفات منهنّ في هذا العصر منحصرات في الهاشميّات فعليهنّ الحكم.
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٧٠ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٨٥.
(٢) كصاحبي المدارك ١ : ٣٢٢ ، والذخيرة : ٦٢.