الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي
المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤
الباب (١٨)
ذكر العمل والدعاء في العشر الأول من ذي الحجة
وزيارة أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه في عرفة
والدعاء يوم عرفة ويوم العيد
الف ـ وبالاسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رضياللهعنه ، باسناده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه انه كان يقول في كل يوم من أيام العشر هذه الكلمات :
لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور ، لا إله إلا الله عدد أمواج البحور ، لا إله إلا الله ورحمته خير مما يجمعون ، لا إله إلا الله عدد الشوك (١) والشجر ، لا إله إلا الله عدد الشعر والوبر (٢).
لا إله إلا الله عدد الحجر والمدر (٣) ، لا إله إلا الله عدد لمح العيون ، لا إله إلا الله في الليل إذا عسعس (٤) والصبح إذا تنفس ، لا إله إلا الله عدد الرياح في البراري والصخور ، لا إله إلا الله من اليوم إلى يوم ينفخ في الصور.
قال الخليل : سمعته يقول : ان عليا صلوات الله عليه كان يقول :
__________________
(١) الشوك : ما يخرج من النبات شبيها بالابر.
(٢) الوبر : هو للإبل والأرانب كالصوف للغنم.
(٣) المدر : الطين العلك الذي لا يخالطه رمل.
(٤) عسعس الليل : أظلم.
من قال في كل يوم من أيام العشر عشر مرات هذا التهليل أعطاه الله عزوجل بكل تهليلة درجة في الجنة من الدر والياقوت ، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام للراكب المسرع ، في كل درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد لا فصل فيها ، في كل مدينة من تلك المدائن والدور والقصور ، والغرف والبيوت والفرش ، والأزواج والسرور والحور العين ، ومن النمارق والزرابي والموائد والخدم والأشجار ، والحلي والحلل ، ما يصف خلق من الواصفين.
وإذا اخرج من قبره أضاءت كل شعرة منه نورا ، وابتدره سبعون الف ملك يمشون امامه وعن يمينه وشماله حتى ينتهي إلى باب الجنة ، فإذا دخلها قاموا خلفه وهو امامهم حتى ينتهي إلى مدينة ظاهرها من ياقوتة حمراء وباطنها من زبرجدة خضراء ، فيها من أصناف ما خلق الله عزوجل في الجنة.
وإذا انتهوا إليها قالوا : يا ولي الله هل تدري ما هذه المدينة بما فيها ، قال : فمن أنتم ، قالوا : نحن الملائكة الذين شهدناك في الدنيا يوم هللت الله عزوجل بالتهليل هذه بما فيها ثواب لك ، وأبشر بأفضل من هذا ثواب الله حتى ترى ما أعد الله لك ، قال : فإذا كان في ذلك اليوم يقال : هكذا ثواب الله عزوجل في داره دار السلام في جواره عطاء لا ينقطع ابدا.
قال الخليل : أكثروا ما تقدرون ليزداد لكم (١)
ب ـ وروى أبو حمزة الثمالي قال : كان أبو عبد الله عليهالسلام تدعو بهذا الدعاء أول عشر ذي الحجة إلى عشية عرفة في دبر الصبح وقبل الغروب ، تقول :
اللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرفتها ، قد بلغتنيها بمنك ورحمتك ، فأنزل علينا من بركاتك ، وأوسع علينا فيها من نعماتك.
اللهم إني أسألك ان تصلي على محمد وال محمد ، وان تهدينا فيها لسبيل الهدى ، والعفاف والغنى ، والعمل فيها بما تحب وترضى.
اللهم إني أسألك يا موضع كل شكوى ، ويا سامع كل نجوى ، ويا شاهد كل ملاء ، ويا عالم كل خفية ، ان تصلي على محمد وال محمد وان تكشف عنا فيها البلاء ، وتستجيب لنا فيها الدعاء ، وتقوينا ، وتعيننا (٢) ، وتوفقنا فيها لما تحب ربنا وترضى ، وعلى ما افترضت علينا من طاعتك وطاعة رسولك وأهل ولايتك.
اللهم إني أسألك يا ارحم الراحمين ان تصلي على محمد وال
__________________
(١) رواه السيد في الاقبال ٢ : ٤٧ ، باسناده إلى الصدوق ، عن كتاب ابن اشناس ، عنه البحار ٩٧ : ١٠٢.
أورده ابن فهد في عدة الداعي : ٢٧٠ ، والديلمي في اعلام الدين : ٣٦٧ ، والكفعمي في البلد الأمين : ٢٤٥ ، والصدوق في ثواب الأعمال : ٩٧.
(٢) تغنينا ( خ ل ).
محمد وان تهب لنا فيها الرضا انك سميع الدعاء ، ولا تحرمنا خير ما تنزل فيها من السماء ، وطهرنا فيها من الذنوب يا علام الغيوب ، وأوجب لنا فيها دار الخلود.
اللهم صل على محمد وال محمد ولا تترك لنا فيها ذنبا الا غفرته ، ولا هما الا فرجته ، ولا دينا الا قضيته ، ولا غائبا الا أديته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا سهلتها ويسرتها ، انك على كل شئ قدير.
اللهم يا عالم الخفيات ، يا راحم العبرات ، يا مجيب الدعوات ، يا رب الأرضين والسماوات ، يا من لا تتشابه عليه الأصوات ، صل على محمد وال محمد واجعلنا فيها من عتقائك وطلقائك من النار ، الفائزين بجنتك ، الناجين برحمتك يا ارحم الراحمين ، وصلى الله على محمد واله أجمعين ، وسلم تسليما (١).
باب دعاء يوم عرفة :
ج ـ فإذا حضرت مشهد الحسين صلوات الله عليه في يوم عرفة أو عرفات نفسها ، أو حيث حللت من البلاد ، فاغتسل قبل الزوال وابرز
__________________
(١) رواه السيد في الاقبال ٢ : ٤٥ باسناده عن التلعكبري وأبي المفضل الشيباني ، عن الإسكافي ، عن أحمد بن مابنداد ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن بكر بن عبيد الله.
ذكره الشيخ في مصباحه : ٦١٣ مرسلا.
أورده الكفعمي في مصباحه : ٦٥٩ ، وفي البلد الأمين : ٢٤٤ مرسلا.
تحت السماء ، عليك السكينة والوقار ، وكبر الله مائة مرة ، وسبحه مائة مرة ، واقرأ ( قل هو الله أحد ) مائة مرة.
ثم قل :
اللهم أنت الله رب العالمين ، وأنت الله الرحمن الرحيم ، وأنت الله الدائب في غير وصب (١) ولا نصب (٢) ، لا تشغلك رحمتك عن عذابك ، ولا عذابك عن رحمتك ، خفيت من غير موت ، وظهرت فلا شئ فوقك ، وتقدست في علوك ، وترديت بالكبرياء في الأرض وفي السماء ، وقويت (٣) في سلطانك ، ودنوت من كل شئ في ارتفاعك ، وخلقت الخلق بقدرتك.
وقدرت الأمور بعلمك ، وقسمت الأرزاق بعدلك ، ونفذ في كل شئ علمك ، وحارت الابصار دونك ، وقصر دونك (٤) طرف كل طارف ، وكلت (٥) الألسن عن صفاتك ، وغشي بصر كل ناظر نورك ، وملأت بعظمتك أركان عرشك.
وابتدأت الخلق على غير مثال نظرت إليه من أحد سبقك إلى صنعة شئ منه ، ولم تشارك في خلقك ، ولم تستعن بأحد في شئ من
__________________
(١) وصب : وجع ومرض.
(٢) نصب : تعب وإعياء.
(٣) قويت : غلبت.
(٤) عنك ( خ ل ).
(٥) كلت : أعيت وعجزت.
امرك ، ولطفت في عظمتك ، وانقاد لعظمتك كل شئ ، وذل لعزتك (١) كل شئ.
اثني عليك يا سيدي ، وما عسى ان يبلغ في مدحك ثنائي مع قلة عملي (٢) وقصر رأيي ، وأنت يا رب الخالق وانا المخلوق ، وأنت المالك وانا المملوك ، وأنت الرب وانا العبد ، وأنت الغني وانا الفقير ، وأنت المعطي وانا السائل ، وأنت الغفور وانا الخاطئ ، وأنت الحي الذي لا يموت وانا خلق أموت.
يا من خلق الخلق ودبر الأمور فلم يقايس شيئا بشئ من خلقه ، ولم يستعن على خلقه بغيره ، ثم امضى الأمور على قضائه ، واجلها إلى اجل (٣) قضى فيها بعدله ، وعدل فيها بفضله ، وفصل فيها بحكمه ، وحكم فيها بعدله ، وعلمها بحفظه ، ثم جعل منتهاها إلى مشيئته ، ومستقرها إلى محبته ، ومواقيتها إلى قضائه.
لا مبدل لكلماته ، ولا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، ولا مستزاح عن امره ، ولا محيص (٤) لقدره ، ولا خلف لوعده ، ولا متخلف عن دعوته ، ولا يعجزه شئ طلبه ، ولا يمتنع منه أحد اراده ، ولا يعظم عليه شئ فعله ، ولا يكبر عليه شئ صنعه ، ولا يزيد في سلطانه طاعة مطيع ،
__________________
(١) لعزك ( خ ل ).
(٢) علمي ( خ ل ).
(٣) أجل مسمى ( خ ل ).
(٤) لا محيص : لا مفر.
ولا تنقصه معصية عاص ، ولا يبدل القول لديه ، ولا يشرك في حكمه أحدا.
الذي ملك الملوك بقدرته ، واستعبد الأرباب بعزه ، وساد العظماء بجوده ، وعلا السادة بمجده ، وانهدت (١) الملوك لهيبته ، وعلا أهل السلطان بسلطانه وربوبيته ، واباد (٢) الجبابرة بقهره ، وأذل العظماء بعزه ، وأسس الأمور بقدرته ، وبنى المعالي بسؤدده ، (٣) وتمجد بفخره ، وفخر بعزه ، وعز بجبروته ، ووسع كل شئ برحمته.
إياك ادعو ، وإياك اسال ، ومنك اطلب ، واليك ارغب ، يا غاية المستضعفين ، ويا صريخ المستصرخين ، ومعتمد المضطهدين ، (٤) ومنجي المؤمنين ، ومثيب الصابرين ، وعصمة الصالحين ، وحرز العارفين ، وأمان الخائفين ، وظهر اللاجين ، وجار المستجيرين ، وطالب الغادرين ، ومدرك الهاربين ، وارحم الراحمين ، وخير الناصرين ، وخير الفاصلين ، وخير الغافرين ، واحكم الحاكمين ، وأسرع الحاسبين.
لا يمتنع من بطشه شئ ، ولا ينتصر من عاقبه ، (٥) ولا يحتال
__________________
(١) انهدت : انحطت وانكسرت.
(٢) أباد : أهلك.
(٣) السؤدد : الرفعة والشرف.
(٤) المضطرين ( خ ل ).
(٥) عقابه ، عقوبته ( خ ل ).
لكيده ، (١) ولا يدرك علمه ، ولا يدرأ (٢) ملكه ، ولا يقهر عزه ، ولا يذل استكباره ، ولا يبلغ جبروته ، ولا تصغر عظمته ، ولا يضمحل فخره ، ولا يتضعضع ركنه ، ولا ترام قوته ، المحصي لبريته ، الحافظ اعمال خلقه.
لا ضد له ولا ند (٣) له ، ولا ولد له ، ولا صاحبة له ، ولا سمي له ، ولا قريب (٤) له ، ولا كفو له ، ولا شبيه له ، ولا نظير له ، ولا مبدل لكلماته ، ولا يبلغ مبلغه ، ولا يقدر شئ قدرته ، ولا يدرك شئ اثره ، ولا ينزل شئ منزلته ، ولا يدرك شئ احرزه ، ولا يحول شئ دونه.
بنى السماوات وما فيهن بعظمته ، (٥) ودبر امره فيهن بحكمته ، وكان كما هو أهله ، لا بأولية قبله ، ولا بآخرية بعده ، وكان كما ينبغي له ، يرى ولا يرى وهو بالمنظر الاعلى ، يعلم السر والعلانية ، ولا تخفى عليه خافية وليس لنقمته واقية ، يبطش البطشة الكبرى ، ولا تحصن منه القصور ، ولا تجن (٦) منه الستور ، ولا تكن (٧) منه الخدور ، ولا تواري منه
__________________
(١) كيده : مكره.
(٢) يدرأ : يدفع.
(٣) الند : النظير.
(٤) قرين ( خ ل ).
(٥) بكلمته ( خ ل ).
(٦) تجن : تستر.
(٧) تكن : تخفي.
البحور وهو على كل شئ قدير ، وهو بكل شئ عليم
يعلم هماهم (١) الأنفس وما تخفي الصدور ، ووساوسها ونيات القلوب ، ونطق الألسن ورجع الشفاه ، وبطش الأيدي ، ونقل الاقدام ، وخائنة الأعين (٢) والسر واخفى ، والنجوى (٣) وما تحت الثرى ، ولا يشغله شئ عن شئ ، ولا يفرط في شئ ، ولا ينسئ شيئا لشئ.
أسألك يا من عظم صفحته ، وحسن صنعه ، وكرم عفوه ، وكثرت نعمه (٤) ، ولا يحصى احسانه وجميل بلائه ، ان تصلي على محمد وال محمد ، وان تقضي لي حوائجي التي أفضيت بها إليك ، وقمت بها بين يديك ، وأنزلتها بك ، وشكوتها إليك ، مع ما كان من تفريطي فيما امرتني به ، وتقصيري فيما نهيتني عنه.
يا نوري في كل ظلمة ، ويا أنسي في كل وحشة ، ويا ثقتي في كل شديدة ، ويا رجائي في كل كربة ، ويا وليي في كل نعمة ، ويا دليلي في الظلام ، أنت دليلي إذا انقطعت دلالة الادلاء ، فان دلالتك لا تنقطع.
لا يضل من هديت ، ولا يذل من واليت ، أنعمت علي فأسبغت (٥) ،
__________________
(١) الهماهم : الخفايا.
(٢) خائنة الأعين : صفة للنظرة ، أي ينظر النظرة المسترقة إلى مالا يحل.
(٣) النجوى : إسرار الحديث.
(٤) نعمته ( خ ل ).
(٥) أسبغت : وسعت.
ورزقتني فوفرت ، ووعدتني فأحسنت ، وأعطيتني فأجزلت (١) بلا استحقاق لذلك بعمل مني ، ولكن ابتداء منك بكرمك وجودك ، فأنفقت نعمتك في معاصيك ، وتقويت برزقك على سخطك ، وأفنيت عمري فيما لا تحب ، فلم تمنعك جرأتي عليك ، وركوبي ما نهيتني عنه ، ودخولي فيما حرمت علي ان عدت علي بفضلك ، ولم يمنعني عودك علي بفضلك ان عدت في معاصيك.
فأنت العائد بالفضل وانا العائد في المعاصي ، وأنت يا سيدي خير الموالي لعبيده وانا شر العبيد ، أدعوك فتجيبني ، وأسألك فتعطيني ، واسكت عنك فتبتدئني ، وأستزيدك فتزيدني ، فبئس العبد انا لك يا سيدي ومولاي.
انا الذي لم أزل أسئ وتغفر لي ، ولم أزل أتعرض للبلاء وتعافيني ، ولم أزل أتعرض للهلكة وتنجيني ، ولم أزل أضيع في الليل والنهار في تقلبي (٢) فتحفظني ، فرفعت خسيستي ، وأقلت عثرتي (٣) وسترت عورتي ، ولم تفضحني بسريرتي ، ولم تنكس برأسي عند إخواني ، بل سترت علي القبائح العظام والفضائح الكبار ، وأظهرت حسناتي القليلة الصغار ، منا منك وتفضلا واحسانا ، وانعاما واصطناعا.
__________________
(١) أجزلت : أكثرت.
(٢) تقلبي : انتقالي وتحولي.
(٣) أقلت عثرتي : غفرت خطيئتي.
ثم امرتني فلم أأتمر (١) ، وزجرتني فلم انزجر ، ولم اشكر نعمتك ولم اقبل نصيحتك ، ولم أؤد حقك ، ولم اترك معاصيك ، بل عصيتك بعيني ولو شئت لأعميتني فلم تفعل ذلك بي ، وعصيتك بسمعي ولو شئت لأصممتني فلم تفعل ذلك بي ، وعصيتك بيدي ولو شئت لكنعتني (٢) فلم تفعل ذلك بي ، وعصيتك برجلي ولو شئت لجذمتني (٣) فلم تفعل ذلك بي ، وعصيتك بفرجي ، ولو شئت لعقمتني فلم تفعل ذلك بي ، وعصيتك بجميع جوارحي ولم يك هذا جزاؤك مني ، فعفوك عفوك.
فها انا ذا عبدك المقر بذنبي ، الخاضع لك بذلي ، المستكين لك بجرمي ، مقر لك بجنايتي ، متضرع إليك ، راج لك في موقفي هذا ، تائب إليك من ذنوبي ومن اقترافي (٤) ، ومستغفر لك من ظلمي لنفسي ، راغب إليك في فكاك رقبتي من النار ، مبتهل إليك في العفو عن المعاصي ، طالب إليك ان تنجح لي حوائجي ، وتعطيني فوق رغبتي ، وان تسمع ندائي ، وتستجيب دعائي ، وترحم تضرعي وشكواي ، وكذلك العبد الخاطئ يخضع لسيده ، ويخشع لمولاه بالذل.
يا أكرم من أقر له بالذنوب ، وأكرم من خضع له وخشع ، ما أنت
__________________
(١) أأتمر : أمتثل.
(٢) كنعتني : قطعت أو شللت يدي.
(٣) جذمتني : قطعت رجلي.
(٤) الاقتراف : الاكتساب.
صانع بمقر لك بذنبه ، خاضع لك بذله ، فان كانت ذنوبي قد حالت بيني وبينك ان تقبل علي بوجهك ، وتنشر علي رحمتك ، وتنزل علي شيئا من بركاتك ، أو ترفع لي إليك صوتا ، أو تغفر لي ذنبا ، أو تتجاوز عن خطيئة.
فها انا ذا عبدك ، مستجير بكرم وجهك وعز جلالك ، متوجه إليك ، متوسل إليك ، ومتقرب إليك بنبيك صلىاللهعليهوآله أحب خلقك إليك ، وأكرمهم لديك ، وأولاهم بك ، وأطوعهم لك ، وأعظمهم منزلة ، وعندك مكانا ، وبعترته صلى الله عليهم الهداة المهديين ، الذين افترضت طاعتهم ، وأمرت بمودتهم ، وجعلتهم ولاة الامر بعد نبيك صلىاللهعليهوآله ، يا مذل كل جبار ، ويا معز كل ذليل ، قد بلغ مجهودي فهب لي نفسي الساعة الساعة برحمتك.
اللهم لا قوة لي على سخطك ، ولا صبر لي على عذابك ، ولا غناء لي عن رحمتك ، تجد من تعذب غيري ، ولا أجد من يرحمني غيرك ، ولا قوة لي على البلاء ، ولا طاقة لي بالجهد.
أسألك بحق نبيك محمد صلىاللهعليهوآله ، وأتوسل إليك بالأئمة ، الذين اخترتهم لسرك ، وأطلعتهم على خفيك ، واخترتهم (١) بعلمك ، وطهرتهم وأخلصتهم ، واصطفيتهم وأصفيتهم (٢) ، وجعلتهم
__________________
(١) أخذتهم ( خ ل ).
(٢) أصفيتهم : آثرتهم.
هداة مهديين ، وائتمنتهم على وحيك ، وعصمتهم عن معاصيك ورضيتهم لخلقك ، وخصصتهم بعلمك ، واجتبيتهم وحبوتهم ، وجعلتهم حججا على خلقك ، وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لاحد في معصيتهم ، وفرضت طاعتهم على من برأت ، (١) وأتوسل إليك في موقفي اليوم ان تجعلني من خيار وفدك.
اللهم صل على محمد وال محمد وارحم صراخي واعترافي بذنبي وتضرعي ، وارحم طرحي رحلي بفنائك ، وارحم مسيري إليك ، يا أكرم من سئل ، يا عظيما يرجى لكل عظيم ، اغفر لي ذنبي العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم الا العظيم.
اللهم إني أسألك فكاك رقبتي من النار ، يا رب المؤمنين لا تقطع رجائي ، يا منان من علي بالرحمة يا ارحم الراحمين ، يا من لا يخيب سائله لا تردني خائبا ، يا عفو اعف عني ، يا تواب تب علي واقبل توبتي ، يا مولاي حاجتي التي ان أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، فكاك رقبتي من النار.
اللهم بلغ روح محمد وال محمد عني تحية وسلاما ، وبهم اليوم فاستنقذني ، يا من أمر بالعفو ، يا من يعفو ، يا من رضي بالعفو ، يا من يثيب على العفو ، العفو العفو ـ تقولها عشرين مرة.
وأسألك اليوم العفو ، وأسألك من كل خير أحاط به علمك ، هذا
__________________
(١) برأت : خلقت
مكان البائس الفقير ، هذا مكان المضطر إلى رحمتك ، هذا مكان المستجير بعفوك من عقوبتك ، هذا مكان العائذ بك منك ، أعوذ برضاك من سخطك ، ومن فجأة نقمتك.
يا املي ، يا رجائي ، يا خير مستغاث ، يا أجود المعطين ، يا من سبقت رحمته غضبه ، يا سيدي ومولاي وثقتي ، ورجائي ومعتمدي ، ويا ذخري وظهري ، وعدتي وغاية املي ورغبتي ، يا غياثي يا وارثي ، ما أنت صانع بي في هذا اليوم الذي فزعت إليك فيه الأصوات.
أسألك ان تصلي على محمد وال محمد ، وان تقلبني (١) فيه مفلحا منجحا بأفضل ما انقلب به من رضيت عنه ، واستجبت دعاءه ، وقبلته ، وأجزلت حباءه (٢) ، وغفرت ذنوبه ، وأكرمته ، ولم تستبدل به سواه ، وشرفت مقامه ، وباهيت به من هو خير منه ، وقلبته بكل حوائجه ، وأحييته بعد الممات حياة طيبة ، وختمت له بالمغفرة ، وألحقته بمن تولاه.
اللهم ان لكل وافد جائزة ، ولكل زائر كرامة ، ولكل سائل لك عطية ، ولكل راج لك ثوابا ، ولكل ملتمس عندك جزاء ، ولكل راغب إليك هبة ، ولكل من فزع إليك رحمة ، ولكل من رغب فيك زلفى ، ولكل متضرع إليك إجابة ، ولكل مستكين إليك رأفة ، ولكل نازل بك حفظا ، ولكل متوسل إليك عفوا.
__________________
(١) تقلبني : ترجعني.
(٢) أجزلت حباءه : كثرت عطاءه.
وقد وفدت إليك ، ووقفت بين يديك في هذا الموضع الذي شرفته ، رجاء لما عندك ، ورغبة إليك ، فلا تجعلني اليوم أخيب وفدك ، وأكرمني بالجنة ، ومن علي بالمغفرة ، وجملني بالعافية ، واجرني من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم ، وشر شياطين الجن والإنس.
اللهم صل على محمد وال محمد ولا تردني خائبا ، وسلمني ما بيني وبين لقائك ، حتى تبلغني الدرجة التي فيها مرافقة أحبائك (١) ، واسقني من حوضهم مشربا رويا لا أظمأ بعده ابدا ، واحشرني في زمرتهم ، وتوفني في حزبهم ، وعرفني وجوههم في رضوانك والجنة ، فاني رضيت بهم هداة.
يا كافي من كل شئ ولا يكفي منه شئ ، صل على محمد وال محمد ، واكفني شر ما احذر وشر ما لا أحذر ، ولا تكلني إلى أحد سواك ، وبارك لي فيما رزقتني ، ولا تستبدل بي غيري ، ولا تكلني إلى أحد سواك ، ولا إلى رأيي فيعجزني ، ولا إلى الدنيا فتلفظني ، (٢) ولا إلى قريب ولا بعيد ، بل تفرد بالصنع لي يا سيدي ومولاي.
اللهم أنت أنت انقطع الرجاء الا منك في هذا اليوم ، تطول علي فيه بالرحمة والمغفرة.
__________________
(١) أوليائك ( خ ل ).
(٢) تلفظني : ترميني.
اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة ، ورب كل حرم ومشعر (١) عظمت قدره وشرفته ، وبالبيت الحرام ، وبالحل والاحرام ، والركن والمقام ، صل على محمد وال محمد ، وانجح لي كل حاجة مما فيه صلاح ديني ودنياي واخرتي ، واغفر لي ولوالدي ومن ولدني من المسلمين ، وارحمهما كما ربياني صغيرا ، واجزهما عني خير الجزاء ، وعرفهما بدعائي لهما ما تقر به أعينهما ، فإنهما قد سبقاني إلى الغاية ، وخلفتني بعدهما ، فشفعني في نفسي وفيهما وفي جميع اسلافي من المؤمنين والمؤمنات في هذا اليوم ، يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وال محمد ، واجعلهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ، وانصرهم وانتصر بهم ، وانجز لهم ما وعدتهم ، وبلغني فتح ال محمد ، واكفني كل هول دونه ، ثم أقسم لي فيهم نصيبا خالصا ، يا مقدر الآجال ، يا مقسم الأرزاق ، افسح لي في عمري ، وابسط لي في رزقي.
اللهم صل على محمد وال محمد ، وأصلح لنا امامنا واستصلحه ، وأصلح على يديه ، وامن خوفه وخوفنا عليه ، واجعله اللهم الذي تنتصر به لدينك.
اللهم املأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، وامنن به على فقراء المسلمين وأراملهم ومساكينهم ، واجعلني من خيار
__________________
(١) المشعر : كل موضع مقدس ، ومنه المزدلفة.
مواليه وشيعته ، أشدهم له حبا ، وأطوعهم له طوعا ، وأنفذهم لامره وارزقني الشهادة بين يديه حتى ألقاك ، وأنت عني راض.
اللهم إني خلفت الأهل والولد ، وما خولتني (١) وخرجت إليك والى هذا الموضع الذي شرفته ، رجاء لما عندك ، ورغبة إليك ، ووكلت ما خلفت إليك ، فأحسن علي فيهم الخلافة ، فإنك ولي ذلك من خلقك.
لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين (٢).
د ـ ويستحب ان يدعو بدعاء علي بن الحسين عليهماالسلام ، وهو :
يا من يرحم من لا يرحمه العباد ، ويا من يقبل من لا تقبله البلاد ، ويا من لا يحتقر أهل الحاجة إليه ، ويا من لا يخيب الملحين عليه ، ويا من لا يجبه بالرد أهل الدالة عليه ، ويا من يجتبي صغير ما يتحف به ، ويشكر يسير ما يعمل له ، ويا من يشكر على القليل ويجازي بالجزيل.
يا من يدنو إلى من دنا منه ، يا من يدعو إلى نفسه من ادبر عنه ، يا من
__________________
(١) خولتني : ملكتني.
(٢) أورده المفيد في مزاره : ١٣٤ مرسلا ، والشيخ في مصباحه : ٤٧٧ ، عنه الكفعمي في البلد الأمين : ٢٤٥ ، مصباحه : ٦٦٤ واثبات الهداة ٢ : ٤٧٤ ، والسيد في الاقبال ٢ : ١٠٢ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٢٨.
لا يغير النعمة ولا يبادر (١) بالنقمة ، يا من يثمر الحسنة حتى ينميها ، ويا من يتجاوز عن السيئة حتى يعفيها.
انصرفت الآمال دون مدى كرمك بالحاجات ، وامتلأت بفيض جودك أوعية الطلبات ، وتفسخت (٢) دون بلوغ نعتك الصفات ، فلك العلو الاعلى فوق كل عال ، والجلال الأمجد فوق كل جلال ، كل جليل عندك صغير ، وكل شريف دون (٣) شرفك حقير.
خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون (٤) الا لك ، وضاع الملمون (٥) الا بك ، وأجدب المنتجعون الا من انتجع فضلك.
بابك مفتوح للراغبين ، وجودك مباح للسائلين ، وإغاثتك قريبة من المستغيثين ، لا يخيب منك الآملون ، ولا ييأس من عطائك المتعرضون ، ولا يشقي بنقمتك المستغفرون ، رزقك مبسوط لمن عصاك ، وحلمك معترض لمن ناواك (٦).
عادتك الاحسان إلى المسيئين ، وسنتك الابقاء على المعتدين ،
__________________
(١) يبادر : يعاجل.
(٢) تفسخت : تقطعت وعجزت.
(٣) في جنب ( خ ل ).
(٤) المتعرضون : المتصدون الطالبون.
(٥) الملمون : النازلون.
(٦) ناواك : عاداك.
حتى لقد غرتهم أناتك (١) عن النزوع ، وصدهم (٢) امهالك عن الرجوع وإنما تأنيت بهم ليفيؤوا (٣) إلى امرك ، وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك ، فمن كان من أهل السعادة ختمت له بها ، ومن كان من أهل الشقاوة خذلته لها ، كلهم صائرون إلى حكمك ، وأمورهم آئلة (٤) إلى امرك ، لم يهن على طول مدتهم سلطانك ، ولم يدحض (٥) لترك معاجلتهم برهانك ، حجتك قائمة لا تدحض (٦) ، وسلطانك ثابت لا يزول.
فالويل الدائم لمن جنح (٧) عنك ، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك ، والشقاء الأشقى لمن اغتر بك ، ما أكثر تصرفه في عذابك ، وما أطول تردده في عقابك ، وما أبعد غايته من الفرج ، وما أقنطه من سهولة المخرج ، عدلا من قضائك لا تجور فيه ، وانصافا من حكمك لا تحيف (٨) عليه.
فقد ظاهرت (٩) الحجج ، وأبليت الاعذار (١٠) وقد تقدمت بالوعيد ،
__________________
(١) أناتك : حلمك.
(٢) صدهم : صرفهم ومنعهم.
(٣) ليفيؤوا : ليرجعوا.
(٤) آئلة : راجعة.
(٥) يدحض : يبطل.
(٦) لا تحول ( خ ل ).
(٧) جنح : مال وانحرف.
(٨) لا تحيف : لا تجور.
(٩) ظاهرت : كثرت وتابعت.
(١٠) أبليت الاعذار : بنيت الأدلة التي تقوم بالعذر عند عقاب العصاة.
وتلطفت في الترغيب ، وبالغت في الترهيب ، وضربت الأمثال ، وأطلت الامهال ، وأخرت وأنت مستطيع للمعاجلة ، وتأنيت وأنت ملئ بالمبادرة ، لم تكن أناتك عجزا ، ولا امهالك وهنا (١) ، ولا انظارك مداراة ، بل لتكون حجتك الأبلغ ، وكرمك الأكمل ، واحسانك الأوفى ، ونعمتك الأتم.
وكل ذلك كان ولم تزل ، وهو كائن ولا تزول ، نعمتك اجل من أن توصف بكلها ، ومجدك ارفع من أن يحد بكنهه (٢) ، ونعمتك أكثر من أن تحصى بأسرها ، واحسانك أكثر من أن تشكر على أقله ، فقد قصر بي السكوت عن تحميدك ، وفههني (٣) الامساك عن تمجيدك ، وقصاراي الاقرار بالحسور ، لا رغبة يا الهي بل عجزا.
فها انا ذا أؤمك (٤) بالوفادة وأسألك حسن الرفادة (٥) ، فصل على محمد واله واسمع نجواي ، واستجب دعائي ، ولا تختم يومي بخيبتي ، ولا تجبهني بالرد في مسألتي ، وأكرم من عندك منصرفي ، واليك منقلبي ، انك غير ضائق عما تريد ، ولا عاجز عما تسأل ، وأنت على كل
__________________
(١) وهنا : ضعفا.
(٢) كنهه : حقيقته ونهايته.
(٣) فههني : أعياني وأعجزني.
(٤) أؤمك : أقصدك.
(٥) الرفادة : العطاء والمعونة.