الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢
وأمير العصب ، لا يُرى مثله ، ولا يُدرى مثله. الحديث.
أخرجه نعيم بن حمّاد في الفتن. كما في كنز العمّال (١) (٦ / ٦٧) ، أرسلوا الحديث ورفعوه خوفاً من أن يقف الباحث على ما في إسناده ، غير أنّ نعيم بن حمّاد بمفرده يكفي في المصيبة ويستغنى به عن عرفان بقيّة رجاله ، وقد مرّ في سلسلة الكذّابين أنّه كان يضع الحديث في تقوية السنّة.
على أنّ متن الحديث غير قاصر بالشهادة على وضعه ، فإنّ خليفةً يأتي التبشير به كابني آكلة الأكباد ، حقيق أن يكون الإنباء به مختلقاً مكذوباً لم تسرّ به الأمّة قطُّ ، إلاّ أن يكون المبشّر بهما وبمن بعدهما من أمثالهما غير عالم بمعنى الخليفة ، ولا عارف بالمغزى من تقييضه.
ثمّ أيّ خلافة هذه ينقطع أمدها منذ عهد يزيد بن معاوية إلى السفّاح من سنة (٦٤) إلى (١٣٢) فتترك الأمّة طيلة تلك المدّة سُدى؟
وأيّ خطر للمنصور الظالم الغاشم حتى ينصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على خلافته على المسلمين؟ ومن هم : جابر وسالم وأمير العصب؟ وما محلّهم من الخلافة الدينيّة؟
ثمّ ما بال عمر بن عبد العزيز ألين بني أميّة عريكة ، وأطيبهم عنصراً ، وأصلحهم عملاً ، لم يُعوّض به عن يزيد الخنا؟ وما الذي كسى صاحب القرود والفهود والعود والخمور ثوب الخلافة الإسلاميّة ، ولم يكسه عمر بن عبد العزيز؟ ولا معاوية بن يزيد الذي تقمّصها أربعين يوماً ثمّ انسلّ عنه انسلالاً؟ وقد نصّ على خلافة الأوّل منهما وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمّة ، كما في تاريخ ابن كثير (٢) (٦ / ١٩٨) ، هذه كلّها شواهد على أنّ واضع الحديث مفترٍ مائن
__________________
(١) كنز العمّال : ١١ / ٢٥٢ ح ٣١٤٢١.
(٢) البداية والنهاية : ٦ / ٢٢١.
جاهل بشؤون الخلافة ، غير عارف بالخلفاء ، وأجهل منه مؤلّف يذكره ويجعله بين يدي القارئ ، ويعدّه منقبةً للخلفاء.
٣٥ ـ قال أبو بكر في الغار : يا رسول الله قد عرفتُ منزلتك من الله تعالى بالنبوة والرسالة فأنا بأيّ شيء؟ فقال : أنا رسول الله ، وأنت صديقي وجناحي ومؤنسي وأنيسي ، وأنت خليفتي من بعدي ، تقوم في الناس مقامي ، وأنت ضجيعي ، وإنّ الله قد غفر لك ولمحبّيك إلى يوم القيامة.
ذكره الصفوري في نزهة المجالس (٢ / ١٨٤) نقلاً عن عيون المجالس بهذه الصورة المرسلة. وصحّة إنكار أبي بكر وعمر استخلاف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يأتي بُعيد هذا ، تُكذّب هذه الأفيكة.
٣٦ ـ عن أنس قال : دخلت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ، فوضع يمينه على كتفي أبي بكر ويساره على كتفي عمر وقال : أنتما وزيراي في الدنيا ، وأنتما وزيراي في الآخرة ، وهكذا تنشقّ الأرض عنّي وعنكما ، وهكذا أزور أنا وأنتما ربّ العالمين. نزهة المجالس (٢ / ١٩١).
أسفي على نسيان أبي بكر وعمر ذلك النصّ ـ المفتعل ـ وإنكارهما الوزارة المنصوصة يوم التحاور دونها.
٣٧ ـ مرفوعاً قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي بكر وعمر : لا يتأمرنّ عليكما بعدي أحد.
ذكره الصفوري في نزهة المجالس (٢ / ١٩٢) مرسلاً ، فقال : فهذا صريح في الخلافة لهما بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذكره الشبلنجي فى نور الأبصار (١) (ص ٥٥) عن بسطام بن مسلم ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يكن عند أبي بكر وعمر علم من هذه الأفيكة ولو كان لَبان ، أو لَما بان منهما إنكار استخلافه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) نور الأبصار : ص ١١٤.
٣٨ ـ عن أنس ، عن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
إنّ الله أمرني أن اتّخذ أبا بكر والداً ، وعمر مشيراً ، وعثمان سنداً ، وأنت يا عليّ صهراً ؛ أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في أمّ الكتاب ، لا يحبّكم إلاّ مؤمن تقيّ ، ولا يبغضكم إلاّ منافق شقيّ ، أنتم خلفاء نبوّتي ، وعقد ذمّتي ، وحجّتي على أُمّتي.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (١) (٤ / ٢٨٦ ، ٧ / ٢٨٦) ، والخطيب البغدادي في تاريخه (٩ / ٣٤٥) وقال : هذا الحديث منكر جدّا ، لا أعلم من رواه بهذا الإسناد إلاّ ضرار بن سهل ، وعنه الغباغبي وهما جميعاً مجهولان ، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (٢) (١ / ٤٧٢) فقال : خبر باطل ولا يُدرى من ذا الحيوان ـ ضرار بن سهل ـ ، وقال ابن بدران في تاريخ ابن عساكر (٧ / ٢٨٦) : لفظه يدلّ على عدم تمكّنه.
٣٩ ـ عن زيد بن الجلاس الكندي ، أنّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الخليفة بعده؟ فقال : أبو بكر.
أخرجه أبو عمر في الاستيعاب (٣) في ترجمة زيد ، فقال : إسناده ليس بالقويّ.
٤٠ ـ عن عليّ أمير المؤمنين رضى الله عنه قال : لم يمتْ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أسرّ إليّ أنّ أبا بكر سيتولّى بعده ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ أنا.
٤١ ـ عن عليّ أمير المؤمنين قال : إنّ الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر ، وثنّاه عمر ، وثلّثه عثمان ، وختمها بي بخاتمة نبوّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٤٢ ـ عن عليّ أمير المؤمنين قال : ما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الدنيا حتى عهد
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ٢٩ رقم ١٥٠١ و ٢٧ / ٤٦ رقم ٣١٦٢ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٨٢ و ١٢ / ٢٣ و ١٨ / ٢٩١.
(٢) ميزان الاعتدال : ٢ / ٣٢٧ رقم ٣٩٥٠.
(٣) الاستيعاب : القسم الثاني / ٥٤٢ رقم ٨٤٢.
إليّ أنّ أبا بكر يلي الأمر بعده ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ إليّ ، فلا يجتمع عليّ.
هذه الروايات الثلاث أخرجها محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (١) (١ / ٣٣) مرسلة غير مسندة ، فقال : قلت : وهذا الحديث تبعد صحّته لتخلّف عليّ عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر ، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدّة بعيد ، ثمّ توقّفه في أمر عثمان على التحكيم ممّا يؤيّد ذلك ، ولو كان عهد إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك لبادر ولم يتوقّف.
٤٣ ـ أخرج الديلمي (٢) عن أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :
أتاني جبرئيل فقلت : من يهاجر معي؟ قال : أبو بكر وهو يلي أمر أمّتك من بعدك ، وهو أفضل أمّتك من بعدك. كنز العمّال (٣) (٦ / ١٣٩).
٤٤ ـ قال عليّ رضى الله عنه : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أعزُّ الناس عليّ ، وأكرمهم عندي ، وأحبّهم إليّ ، وآكدهم عندي حالاً ، أصحابي الذين آمنوا بي وصدّقوني ، وأعزّ أصحابي إليّ وخيرهم عندي ، وأكرمهم على الله ، وأفضلهم في الدنيا والآخرة : أبو بكر الصدّيق رضياللهعنه ، فإنّ الناس كذّبوني وصدّقني ، وكفروا بي وآمن بي ، وأوحشوني وآنسني ، وتركوني وصحبني ، وأنفوا منّي وزوّجني ، وزهدوا فيّ ورغب في ، وآثرني على نفسه وأهله وماله ، فالله تعالى يجازيه عنّي يوم القيامة ، فمن أحبّني فليحبّه ، ومن أراد كرامتي فليكرمه ، ومن أراد القرب إلى الله تعالى فليسمع وليطع ، فهو الخليفة بعدي على أُمّتي. ذكره الصفوري في نزهة المجالس (٤) (٢ / ١٧٣) نقلاً عن روض
__________________
(١) الرياض النضرة : ١ / ٤٨.
(٢) الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٤٠٤ رقم ١٦٣١.
(٣) كنز العمّال : ١١ / ٥٥١ ح ٣٢٥٨٨.
(٤) نزهة المجالس : ٢ / ١٨٣.
الأفكار ، وحكاه الجرداني في مصباح الظلام (١) (٢ / ٢٤).
من موضوعات المتأخّرين مرسلاً لم يوجد في أصل ، ولم يُرَ في مسندٍ ، وكلّ شطر من جمله تكذّبه صحاح مسندة في الكتب والمسانيد.
٤٥ ـ عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطّاب ، وإنّ محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس ... إلى أن قال : قال عليّ رضى الله عنه والزبير : ما غضبنا إلاّ لأنّا قد أُخّرنا عن المشاورة ، وإنّا نرى أبا بكر أحقّ الناس بها بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّه لصاحب الغار وثاني اثنين ، وإنّا لنعلم بشرفه وكبره ، ولقد أمره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصلاة بالناس وهو حيٌّ. أخرجه الحاكم في المستدرك (٢) (٢ / ٦٦).
هذه الروايات كلّها باطلة لما ستقف عليه من صحاح وحسان ـ عند القوم ـ عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام من النص على عدم استخلاف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعدم وجود عهد منه عنده ، وفي تضاعيف الحديث والسيرة شواهد على بطلانها لا تُحصى ، وما شجر بينه عليهالسلام وبين القوم في بدء أمر الخلافة ، وتأخّره المجمع عليه من البيعة برهةً طويلة يبطل كلّ هذه الهلجات (٣) ، وقد سمع العالم هتاف خطبته الشقشقيّة وسارت بها الركبان ، وتداولتها الكتب وكم لها من نظير ، وما أكثر الوضّاعين من الكذب على سيّدنا أمير المؤمنين عليهالسلام وحقّا كان يرى ابن سيرين : إنّ عامّة ما يُروى عن عليّ الكذب (٤).
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) (٥).
__________________
(١) مصباح الظلام : ٢ / ٥٩ ح ٣٦٢.
(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٧٠ ح ٤٤٢٢.
(٣) هلجَ هلجاً : إذا أخبر بما لا يؤمن به.
(٤) صحيح البخاري : ٥ / ٢٧٢ [٣ / ١٣٥٩ ح ٣٥٠٤]. (المؤلف)
(٥) الرعد : ٣٧.
غثيثة التزوير
هذه مأثورات القوم في حجرهم الأساسيّ الذي عليه ابتنوا ما علّوه من هيكل الإفك ، وما شادوه وأشادوا بذكره من بنيّة الزور ، وقد عرفت شهادة الأعلام بأنّها أساطير موضوعة لا مقيل لها من الصحّة ، ويساعد ذلك الاعتبار أنّ البرهنة الوحيدة عند القوم في باب الخلافة هو الإجماع والانتخاب فحسب ، ولم تجد منهم أيّ شاذٍّ يعتمد على النصّ فيها ، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النصّ وتصحيح الاختيار وأحكامه ، وقد يُعزى لديهم إنكار النصّ إلى أمّة من الشيعة فضلاً عن جمهورهم ؛ قال الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٦٥) : وعلمنا بأنّ جمهور الأمّة والسواد الأعظم منها ينكر ذلك ـ النصّ ـ ويجحده ويبرأ من الدائن به ، ورأينا أكثر القائلين بفضل عليّ عليهالسلام من الزيديّة ومعتزلة البغداديّين وغيرهم ، ينكر النصّ عليه ويجحده مع تفضيله عليّا على غيره.
وقال الخضري في المحاضرات (١) (ص ٤٦) : الأصل في انتخاب الخليفة رضا الأمّة ، فمن ذلك يستمدّ قوّته ، هكذا رأى المسلمون عند وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد انتخبوا أبا بكر الصدّيق اختياراً منهم لا استناداً إلى نصٍّ أو أمرٍ من صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعد أن انتخبوه بايعوه ، ومعنى ذلك عاهدوه على السمع والطاعة فيما
__________________
(١) محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية ـ الدولة العباسية : ص ٤١.
فيه رضا الله سبحانه ، كما أنّه عاهدهم على العمل فيهم بأحكام الدين من كتاب الله وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والأمّة هو معنى البيعة تشبيهاً له بفعل البائع والمشتري ، فإنّهما كانا يتصافحان بالأيدي عند إجراء عقد البيع.
فمن هذه البيعة تكون قوّة الخليفة الحقيقيّة ، وكانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتّمه الشريعة.
وقد سنّ أبو بكر رضى الله عنه طريقةً أخرى في انتخاب الخليفة ، وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور على السمع والطاعة ، وقد وافق الجمهور الإسلامي على هذه الطريقة ، ورأى أنّ هذا ممّا تجب الطاعة فيه وذلك العمل هو ولاية العهد. انتهى.
فمن هنا يتجلّى أنّ تاريخ ولادة هذه المرويّات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة لمن تقمّصها ، ولذلك لم ينبس أحد منهم يوم السقيفة ولا بعده بشيء من ذلك على ما احتدم هنالك من الحوار والتنازع والحجاج ، وليس ببدع أن لا يعرفها أحد قبل ولادتها ؛ وإنّما العجب من أنّ البحّاثة وعلماء الكلام من بعد ذلك التاريخ ـ إلاّ الشذّاذ منهم ـ لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهداً في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم ، وما ذلك إلاّ لأنّهم لم يعرفوا تلكم المواليد المزوّرة ، نعم يوجد من المؤلّفين من يذكرها في مقام سرد الفضائل تمويهاً على الحقّ.
وهناك أحاديث جمّة صحيحة ـ عند القوم ـ تضادّها وتكذّبها ، مثل :
١ ـ ما صحّ عن أبي بكر أنّه قال في مرضه الذي توفّي فيه : وددت أنّي سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب (١)؟
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٤ / ٥٣ [٣ / ٤٣١] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٥٤ [٤ / ٩٣]. يأتي الكلام حول هذا الحديث وصحّته في الجزء السابع. (المؤلف)
فلو كان أبو بكر سمع النصّ على خلافته من رسول الله ، كما هو صريح بعض تلكم المنقولات ، لما كان مجال لتمنّيه هذا إلاّ أن يكون قد غلبه الوجع ، أو أنّه كان هجراً من القول كما احتملوه في حديث الكتف والدواة.
٢ ـ وما أخرجه مالك عن عائشة قالت : لمّا احتضر أبو بكر رضى الله عنه دعا عمر فقال : إنّي مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر ، وكتب إلى أُمراء الأجناد : ولّيتُ عليكم عمر ، ولم آل نفسي ولا المسلمين إلاّ خيراً (١).
فإن كان هناك نصٌّ على خلافة عمر ، فما معنى نسبة أبي بكر الاستخلاف والتولية إلى نفسه؟
٣ ـ وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : دخلتُ يوماً على أبي بكر الصدّيق في علّته التي مات فيها ، فقلت له : أراك بارئاً يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي ، إنّي ولّيتُ أُموركم خيركم في نفسي ، فكلّكم وَرِم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ... إلى أن قال : فقلتُ : خفّض عليك يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ هذا يهيضك (٢) إلى ما بك ، فو الله ما زلتَ صالحاً مصلحاً ، لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا ، ولقد تخلّيت بالأمر وحدك فما رأيت إلاّ خيراً (٣).
تورّم أنف الصحابة إمّا لاعترافهم بعدم النصّ وأنّ الخيرة قد عدتهم من غير ما أولويّة في المختار ، أو : لاعتقادهم وجود النصّ ، لكنّه لم يُعمل به بل أُعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنّها قد عدتهم ، وإمّا لاعتقادهم أنّ الأمر لا يكون إلاّ باختيار الأمّة
__________________
(١) تيسير الوصول للحافظ ابن الديبع : ١ / ٤٨ [٢ / ٥٧]. (المؤلف)
(٢) هاض العظم : كسره بعد الجبور. (المؤلف)
(٣) تاريخ الطبري : ٤ / ٥٢ [٣ / ٤٢٩] ، العقد الفريد : ٢ / ٥٤ [٤ / ٩٢] ، تهذيب الكامل : ١ / ٦ ، إعجاز القرآن [للباقلاني] : ص ١١٦ [ص ٢١٠ ـ ٢٢١]. (المؤلف)
فغاظهم التخلّف عنه ، وإمّا لاعتقادهم وجود النصّ على عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام خاصّة ، فغضبوا له وأسخطهم أن يتقدّم عليه غيره ، وإمّا لأنّهم رأوا أنّ الناس لا يعتمدون على النصّ ، ولا يجري الانتخاب على أصوله ، وأنّ الانتخاب الأوّل كان فلتةً بنصٍّ من عمر ، والاختيار الشخصيّ ما كان معهوداً ، فإذا كان السائد وقتئذٍ الفوضويّة ، فلكلّ أحد يرى لنفسه حنكة التقدّم أن يطمع في الأمر ، كما قال عبد الرحمن بن عوف في حديث أخرجه البلاذري في الأنساب (٥ / ٢٠) : يا قوم ، أراكم تتشاحّون عليها وتؤخّرون إبرام هذا الأمر ، أفكلّكم ـ رحمكم الله ـ يرجو أن يكون خليفة؟
٤ ـ وما أخرجه ابن قتيبة ، في حديث يأتي كملاً من قول أبي يكر : إنّ الله بعث محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم نبيّا ، وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده ، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متّفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً ، ولأمورهم راعياً. الإمامة والسياسة (١) (١ / ١٥).
٥ ـ وما صحّ عن عمر أنّه قال : ثلاث لأن يكون رسول الله بيّنهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم : الخلافة ، الكلالة ، الربا ، وفي لفظ : أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها.
٦ ـ وما جاء عن عمر صحيحاً من قوله : لأن أكون سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ثلاث أحبّ إليّ من حمر النعم : ... ومن الخليفة بعده؟ الحديث (٢).
٧ ـ وما صحّ عن عمر أنّه قال : إنّ الله تعالى يحفظ دينه ، وإنّي إن لا أستخلف ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يستخلف ، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر رضى الله عنه قد استخلف. قال ـ عبد الله بن عمر ـ : فو الله ما هو إلاّ أن ذكر رسول الله وأبا بكر ، فعلمت أنّه لا يعدل
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٢١.
(٢) تأتي مصادر هذا الحديث وما قبله في الجزء السادس في نوادر الأثر. (المؤلف)
برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحداً ، وأنّه غير مستخلف (١).
٨ ـ وما صحّ من أنّ عمر لمّا طُعن قيل له : لو استخلفت؟ فقال : أتحمّل أمركم حيّا وميّتاً؟ إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي أبو بكر ، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال عبد الله : فعلمت أنّه غير مستخلف (٢).
٩ ـ وما أخرجه مالك من خطبة عمر : أيّها الناس إنّي لا أعلمكم من نفسي شيئاً تجهلونه ، أنا عمر ، ولم أحرص على أمركم ولكن المتوفّى أوحى إليّ بذلك ، والله ألهمه ذلك ، وليس أجعل أمانتي إلى أحد ليس لها بأهل ، ولكن أجعلها إلى من تكون رغبته في التوقير للمسلمين ، أولئك هم أحقّ بهم ممّن سواهم. تيسير الوصول (٣) (٢ / ٤٨).
فشتّان بين هذه الخطبة وبين تلك المفتعلات ، فإنّ عمر يرى خلافته وحياً من أبي بكر لا وحياً من الله جاء به جبريل إلى النبيّ الأعظم ، وصدع به صلىاللهعليهوآلهوسلم في الملأ الدينيّ ، وأذّن به بلال كما كان نصّ بعضها.
١٠ ـ وما أخرجه الطبري في تاريخه (٤) (٥ / ٣٣) : إنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن قيل له : يا أمير المؤمنين ، لو استخلفت؟ قال : من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة
__________________
(١) أخرجه الخمسة من مؤلّفي الصحاح الستة غير النسائي ، تيسير الوصول : ٢ / ٥٠ [٢ / ٥٩ ح ٩] ، وأخرجه أحمد في مسنده : ١ / ٤٧ [١ / ٧٧ ح ٣٣٤] ، والخطيب في تاريخه : ١ / ٢٥٨ [رقم ٨٦] ، ورواه جمع كثير من الحفّاظ وأئمّة الحديث. (المؤلف)
(٢) أخرجه الشيخان البخاري [في الصحيح : ٦ / ٢٦٣٨ ح ٦٧٩٢] ومسلم [في الصحيح : ٤ / ١٠٢ ح ١١ كتاب الإمارة] وهذا لفظهما ، وأبو داود [في السنن : ٣ / ١٣٣ ح ٢٩٣٩] والترمذي [في السنن : ٤ / ٤٣٥ ح ٢٢٢٥] مختصراً ، وأحمد في مسنده : ١ / ٤٣ ، ٤٦ [١ / ٧١ ح ٣٠١ ، ٧٥ ح ٣٢٤] ، والبيهقي في سننه : ٨ / ١٤٨ ، وتجده في تيسير الوصول : ٢ / ٤٩ [٢ / ٥٩ ح ٨] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٥٠ [٥ / ٢٧٠]. (المؤلف)
(٣) تيسير الوصول : ٢ / ٥٧ ح ٧.
(٤) تاريخ الأمم والملوك : ٤ / ٢٢٧.
ابن الجرّاح حيّا استخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّه أمين هذه الأمّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا استخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّ سالماً شديد الحبّ لله. فقال له رجل : أدلّك عليه ، عبد الله بن عمر ، فقال : قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا ، ويحك! كيف أستخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته؟ لا إرب لنا في أُموركم ، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي ، إن كان خيراً فقد أصبنا منه ، وإن كان شرّا فشرٌّ عنا إلى عمر ، بحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجل واحد ويُسأل عن أمر أُمّة محمد ، لقد جهدت نفسي وحرمت أهلي ، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إنّي لسعيد ، وأنظر فإن استخلفت ، فقد استخلف من هو خير منّي ، وإن أترك ، فقد ترك من هو خير منّي ، ولن يضيّع الله دينه.
فخرجوا ، ثمّ راحوا فقالوا : يا أمير المؤمنين ، لو عهدت عهداً؟ فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأُولّي رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى عليٍّ ـ ورهقتني غشية ، فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها فجعل يقطف كلّ غضّة ويانعة فيضمّه إليه ويصيّره تحته ، فعلمت أنّ الله غالب أمره ، ومُتوفٍّ عمر ، فما أُريد أن أتحمّلها حيّا وميّتاً ، عليكم هؤلاء الرهط. الحديث.
وذكره ابن عبد ربّه في العقد الفريد (١) (٢ / ٢٥٦).
ليتني أدري وقومي كيف تطلب الصحابة من عمر الاستخلاف وتصفح عن تلكم النصوص الجمّة؟ وكيف يخالفها عمر ويرى أبا عبيدة وسالماً أهلاً للخلافة ويتمنى حياتهما؟ ثمّ يجعلها شورى ، ثم كيف يرى الحديثين في فضل الرجلين حجّةً لاستخلافهما ، ولم يرَ ما ورد في الكتاب والسنّة من أُلوف المناقب في عليّ عليهالسلام عذراً عند ربّه إن سُئِلَ عن استخلافه؟ وكيف لم يجد من نطق القرآن بعصمته ، ونزلت فيه آية التطهير ، وعدّه الكتاب نفس النبيّ الأقدس أهلاً للاستخلاف؟ وما باله لم
__________________
(١) العقد الفريد : ٤ / ٩٧.
يستخلف عبد الله بن عمر لجهله بمسألة واحدة؟ وكان أكثر علماً من أبيه ، ولم يكن عمر يرى الخليفة إلاّ خازنا وقاسماً غير مفتقر إلى أيّ علم ، كما صحّ عنه في خطبة له من قوله :
أيّها الناس : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أُبيّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأتِ زيد بن ثابت ، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأتِ معاذ ابن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ، فإنّ الله جعلني خازناً وقاسماً (١).
١١ ـ وما عن ابن عمر أنّه قال لعمر : إنّ الناس يتحدّثون أنّك غير مستخلف ، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاء وترك رعيّته رأيت أن قد فرّط ، ورعية الناس أشدّ من رعية الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله عزّ وجلّ إذا لقيته ولم تستخلف على عباده؟
قال : فأصابه كآبة ، ثمّ نكس رأسه طويلاً ، ثمّ رفع رأسه وقال : إنّ الله تعالى حافظ الدين ، وأيّ ذلك أفعل فقد سُنّ لي. إن لم استخلف فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يستخلف ، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر. قال عبد الله : فعرفت أنّه غير مستخلف.
أخرجه أبو نعيم في الحلية (١ / ٤٤) ، وابن السمّان في الموافقة كما في الرياض النضرة (٢) (٢ / ٧٤) ، وأخرجه مسلم في الصحيح (٣) عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن عبد الرزّاق ، والبخاري من وجه آخر عن معمر كما في سنن البيهقي (٨ / ١٤٩) ، وفي لفظة : قلتُ له : إنّي سمعتُ الناس يقولون مقالةً فآليت أن أقولها لك ، زعموا أنّك غير مستخلف ، وقد علمت أنّه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن
__________________
(١) يأتي الكلام حول هذه الخطبة وصحّتها في الجزء السادس. (المؤلف)
(٢) الرياض النضرة : ٢ / ٣٥٣.
(٣) صحيح مسلم : ٤ / ١٠٢ ح ١١ ، ١٢ كتاب الإمارة.
قد ضيّع ، فرعاية الناس أشدّ. قال : فوافقه قولي ، فأطرق مليّا ، ثمّ رفع رأسه فقال : إنّ الله يحفظ دينه وإن لا أستخلف ، فإنّ رسول الله لم يستخلف ، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف. الحديث. وبهذا اللفظ ذكره ابن الجوزي في سيرة عمر (١) (ص ١٩٠).
١٢ ـ وما أخرجه أبو زرعة في كتاب العلل ، عن ابن عمر قال : لمّا طُعن عمر قلت : يا أمير المؤمنين لو اجتهدت بنفسك وأمّرت عليهم رجلاً؟ قال : أقعدوني ، قال عبد الله : فتمنّيت لو أنّ بيني وبينه عرض المدينة فرقاً منه حين قال : أقعدوني ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده لأردّنها إلى الذي دفعها إليّ أوّل مرّة. الرياض النضرة (٢) (٢ / ٧٤).
١٣ ـ وما روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (٣) (ص ٢٢) من أنّ عمر لمّا أحسّ بالموت ، قال لابنه عبد الله : اذهب إلى عائشة وأقرئها منّي السلام واستأذنها أن أقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر ، فأتاها عبد الله فأعلمها ، فقالت : نعم وكرامة ، ثمّ قالت : يا بُنيّ أبلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع أُمة محمد بلا راعٍ ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فإنّي أخشى عليهم الفتنة ؛ فأتى عبد الله فأعلمه ، فقال : ومن تأمرني أن أستخلف؟ لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح باقياً استخلفته وولّيته ، فإذا قدمت على ربّي فسألني وقال لي : من ولّيت على أمّة محمد؟ قلت : أي ربّ ، سمعت عبدك ونبيّك يقول : لكلّ أمّة أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة ابن الجرّاح ؛ ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ، فإذا قدمت على ربّي فسألني : من ولّيت على أمّة محمد؟ قلت : أي ربّ ، سمعت عبدك ونبيّك يقول : إنّ معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة ، ولو أدركت خالد بن الوليد لولّيته ، فإذا قدمت
__________________
(١) تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ١٩٥.
(٢) الرياض النضرة : ٢ / ٣٥٤.
(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٨.
على ربّي فسألني : من ولّيت على أمّة محمد؟ قلت : أي ربّ سمعت عبدك ونبيّك يقول : خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلّه على المشركين. ولكنّي سأستخلف النفر الذي توفّي رسول الله وهو عنهم راض. الحديث. وذكر في أعلام النساء (١) (٢ / ٨٧٦).
قال الأميني : ليت عمر بن الخطّاب كان على ذكر ممّا سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليٍّ أمير المؤمنين ، ولو حديثاً واحداً ممّا أخرجه عنه الحفّاظ ، فكان يستخلفه ويراه عذراً عند ربّه حينما سأله عمّن ولاّه على أمّة محمد ، ولعلّه كان يكفيه ذكر ما أجمعت الأمّة الإسلاميّة عليه من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين ـ أوتارك فيكم خليفتين ـ إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» و «عليٌّ سيّد العترة».
أليس عمر هو راوي ما جاء في الصحاح والمسانيد من طريقه في عليٍّ عليهالسلام من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»؟
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم خيبر : «لأُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله»؟
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خمّ : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه»؟
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ ، يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويردُّ عن الردى»؟
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو أنّ السموات السبع والأرضين السبع وُضعت في كفّة ، ووضع إيمان عليٍّ في كفّةٍ لرجح إيمان عليّ» (٢)؟
__________________
(١) أعلام النساء : ٣ / ١٢٧.
(٢) هذه الأحاديث جاءت كلّها من طريق عمر بن الخطّاب ، كما يأتي تفصيله. (المؤلف)
ألم تكن آي المباهلة ، والتطهير ، والولاية ، إلى أمثالها الكثير الطيّب النازل في الثناء على سيّد العترة ، تساوي عند عمر تلكم الموضوعات المختلقة في أولئك الذين تمنّى حياتهم؟!
والخطب الفظيع أنّ عمر كان يرى مثل سالم بن معقل ـ أحد الموالي ، مولى بني حذيفة وكان من عجم الفرس ـ أهلاً للخلافة وصاحبها الوحيد ، ويتمنّى حياته لمّا طُعن بقوله : لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى (١).
هلاّ عزيز على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يُعادل صنوه أمير المؤمنين حتى الموالي والعبيد من أُمّته ، بعد تلكم النصوص الواردة فيه كتاباً وسنّة؟ ألم يكن عمر نفسه محتجّا يوم السقيفة على الأنصار بقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الأئمّة من قريش»؟ فلما ذا نسيه؟ وكيف يرى لمولى بني حذيفة قسطاً من الخلافة؟
ألم يكن عمر هو الذي ألحّ على أبي بكر في خالد بن الوليد أن يعزله ويرجمه ويقتله لمّا قتل مالك بن نويرة ، ونزا على حليلته ، وقتل أصحابه المسلمين ، وفرّق شمله ، وأباد قومه ، ونهب أمواله؟ أنسي قوله لأبي بكر : إنّ في سيف خالد رهقاً؟ أم قوله فيه : عدوّ الله عدا على امرئٍ مسلمٍ فقتله ثمّ نزا على امرأته؟ أم قوله لخالد : قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك؟
نعم ؛ السياسة الشاذّة عن مناهج الصلاح تتحف صاحبها كلّ حين لساناً ومنطقاً يختصّان به ، وهذه الخواطر والآراء والأماني واللهجة المُلَهوجة ، هي نتاج السياسة المحضة تضادّ نداء كتاب الله ، ونداء الصادع الكريم ، وهي التي جرّت الشقاء والشقاق على أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى اليوم.
__________________
(١) طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٤٨ [٣ / ٣٤٣] ، التمهيد للباقلاّني : ص ٢٠٤ ، الاستيعاب : ٢ / ٥٦١ [القسم الثاني / ٥٦٨ رقم ٨٨١] ، طرح التثريب : ١ / ٤٩. (المؤلف)
١٤ ـ وما أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (٥ / ١٦) ، عن ابن عبّاس قال : قال عمر : لا أدري ما أصنع بأمّة محمد ـ وذلك قبل أن يُطعن ـ فقلت : ولِم تهتمّ وأنت تجد من تستخلفه عليهم؟ قال : أصاحبكم ـ يعني عليّا ـ؟ قلت : نعم ، هو أهل لها ، في قرابته برسول الله ، وصهره وسابقته وبلائه ، فقال عمر : إنّ فيه بطالة وفكاهة.
قلت : فأين أنت عن طلحة؟ قال : فأين الزهو والنخوة؟
قلت : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : هو رجل صالح على ضعف.
قلت : فسعد؟ قال : ذاك صاحب مقنت وقتال ، لا يقوم بقرية لو حُمّل أمرها.
قلت : فالزبير؟ قال : لَقيس مؤمن الرضا كافر الغضب شحيح ، إنّ هذا الأمر لا يصلح إلاّ لقويٍّ في غير عنف ، رفيق في غير ضعف ، جوادٍ في غير سرف.
قلت : فأين أنت عن عثمان؟ قال : لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.
١٥ ـ وما صحّ عن عليّ ـ أمير المؤمنين ـ من أنّه خطب يوم الجمل فقال :
أمّا بعد : فإنّ هذه الإمارة لم يعهد إلينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها عهداً يُتبع أثره ، ولكن رأيناها تلقاء أنفسنا ؛ استخلف أبو بكر فأقام واستقام ، ثمّ استخلف عمر فأقام واستقام ، ثمّ ضرب الدهر بجرانه.
أخرجه (١) الحاكم في المستدرك (٣ / ١٠٤) ، وابن كثير في تاريخه (٥ / ٢٥٠) ، وابن حجر في الصواعق ، نقلاً عن أحمد.
١٦ ـ وما صحّ عن أبي وائل قال : قيل لعليّ بن أبي طالب رضى الله عنه :
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٢ ح ٤٥٥٨ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٧١ ، الصواعق المحرقة : ص ٤٨ ، مسند أحمد : ١ / ١٨٤ ح ٩٢٣.
ألا تستخلف علينا؟ قال : ما استخلف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأستخلف ، ولكن إن يُرِد الله بالناس خيراً فسيجمعهم بعدي على خيرهم ، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم.
أخرجه (١) الحاكم في المستدرك (٣ / ٧٩) وصحّحه هو والذهبي ، وأخرجه البيهقي في سننه (٨ / ١٤٩) ، وابن كثير في تاريخه (٥ / ٢٥١) وقال : إسناد جيّد ، وذكره ابن حجر في الصواعق (ص ٢٧) عن البزّار وقال : رجاله رجال الصحيح.
١٧ ـ وما أخرجه أحمد (٢) عن عبد الله بن سبع في حديث ، قالوا لعليّ :
إن كنت علمت ذلك ـ يعني القتل ـ فاستخلف إذاً؟ قال : لا ، أكِلكم إلى ما وكلكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣). وأخرجه البيهقي (٤) بلفظ : أترككم كما ترككم رسول الله. البداية والنهاية (٥) (٦ / ٢١٩) ، وبهذا اللفظ ذكره ابن حجر في الصواعق (٦) (ص ٢٧) ، وقال : أخرجه جمع كالبزّار بسند حسن ، والإمام أحمد وغيرهما بسند قويّ ، كما قاله الذهبي (٧).
١٨ ـ وما صحّ عن عائشة قالت : لو كان رسول الله مستخلفاً لاستخلف أبا بكر وعمر. أخرجه مسلم في صحيحه (٨) كما في الرياض (٩) (١ / ٢٦) ، والحاكم في المستدرك (١٠) (٣ / ٧٨).
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٨٤ ح ٤٤٦٧ ، وكذا في تلخيصه ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٧١ ، الصواعق المحرقة : ص ٤٦.
(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٥١ ح ١٣٤٢.
(٣) الرياض النضرة : ١ / ١٥٩ ، ٢ / ٢٤٥ [١ / ١٩٩ ، ٣ / ٢٠٤]. (المؤلف)
(٤) دلائل النبوّة : ٦ / ٤٣٩.
(٥) البداية والنهاية : ٦ / ٢٤٤.
(٦) الصواعق المحرقة : ص ٤٦.
(٧) تلخيص المستدرك : ٣ / ٨٤ ح ٤٤٦٧.
(٨) صحيح مسلم : ٥ / ٩ ح ٩ كتاب فضائل الصحابة.
(٩) الرياض النضرة : ١ / ٣٩.
(١٠) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٨٣ ح ٤٤٦٤.
١٩ ـ وما ورد في احتجاج أُمّ سلمة على عائشة من قولها : كنت أنا وأنت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سفر له ، وكان عليّ يتعاهد نعلي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيخصفهما ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعلٌ فأخذها يومئذٍ يخصفها ، وقعد في ظلّ شجرة ، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أرادا ، ثمّ قالا : يا رسول الله إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً ، فقال لهما : «أما إنّي قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران» ، فسكتا ثمّ خرجا ، فلمّا خرجنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قلت له ـ وكنتِ أجرأ عليه منّا ـ : من كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال : «خاصف النعل». فنزلنا فلم نر أحداً إلاّ عليّا ، فقلت : يا رسول الله : ما أرى إلاّ عليّا ، فقال : «هو ذاك». فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك. أعلام النساء (١) (٢ / ٧٨٩).
٢٠ ـ وما روي من خطبة لعائشة خطبتها بالبصرة : أيّها الناس ، والله ما بلغ ذنب عثمان أن يُستحلّ دمه ، ولقد قتل مظلوماً ، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل؟ وإنّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ، ثمّ يردّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطّاب. فمن قائلٍ يقول : صدقتِ. وآخر يقول : كذبتِ ، فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض.
قال الأميني : كضرب هذه الأحاديث بعضها وجوه بعض. أعلام النساء (٢) (٢ / ٧٩٦).
٢١ ـ وما عن حذيفة رضى الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله لو استخلفت علينا. قال : إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه ينزل بكم العذاب. قالوا : لو استخلفت علينا
__________________
(١) أعلام النساء : ٣ / ٣٨.
(٢) أعلام النساء : ص ٤٦.
أبا بكر؟ قال : إن أستخلفه عليكم تجدوه قويّا في أمر الله ضعيفاً في جسده. قالوا : لو استخلفت علينا عمر؟ قال : إن أستخلفه عليكم تجدوه قوياً أميناً لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا : لو استخلفت علينا عليّا؟ قال : إنّكم لا تفعلوا (١) وإن تفعلوا تجدوه هادياً مهديّا يسلك بكم الطريق المستقيم. أخرجه الحاكم في المستدرك (٢) (٣ / ٧٠) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١ / ٦٤) وليس فيه استخلاف أبي بكر وعمر ، ومنه يظهر تحريف يد الأمانة الحديث.
٢٢ ـ وما روي عن ابن عبّاس قال : قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رسول الله ، استخلف علينا بعدك رجلاً نعرفه ونُنهي إليه أمرنا ، فإنّا لا ندري ما يكون بعدك. فقال : إن استعملت عليكم رجلاً فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي ومعصيتي معصية الله عزّ وجلّ ، وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه ، كانت لكم الحجّة عليّ يوم القيامة ، ولكن أكلكم إلى الله عزّ وجلّ. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (١٣ / ١٦٠).
٢٣ ـ ثمّ إن صحّت تلكم النصوص وكانت الخلافة عهداً من الله سبحانه ، وجاء به جبريل وارتجّت دونه السموات ، وهتفت به الملائكة ، وصدع به النبيّ الكريم ، وأبى الله ورسوله والمؤمنون إلاّ أبا بكر ، فما المبرّر له ممّا صحّ عنه في صحيح البخاري (٣) في باب فضل أبي بكر من قوله يوم السقيفة ـ مخاطباً الحضور ـ : فبايعوا عمر بن الخطّاب أو أبا عبيدة الجرّاح؟
وفي تاريخ الطبري (٤) : (٣ / ٢٠٩) : قال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة ، فأيّهما شئتم فبايعوا.
__________________
(١) كذا في المصدر أيضاً.
(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٧٤ ح ٤٤٣٥.
(٣) صحيح البخاري : ٣ / ١٣٤٢ ح ٣٤٦٧.
(٤) تاريخ الأمم والملوك : ٣ / ٢٢١ حوادث سنة ١١ ه.