الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١
ِبسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كتاب النكاح :
______________________________________________________
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الحمد لله ، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين.
قوله : ( كتاب النكاح ).
مقتضى كلام أهل اللغة أن استعمال لفظ النكاح في الوطء أغلب ، قال في الصحاح : النكاح الوطء وقد يقال العقد (٢) ، والشائع شرعا هو الثاني ، حتى صرح بعضهم بأن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء (٣) ، وقد يستدل له بأن استعمال النكاح في العقد في كلام الله تعالى أكثر ، بل قيل : لم يرد في الكتاب العزيز لفظ النكاح بمعنى الوطء خاصة ، إلاّ في قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٤) وأغلبية الاستعمال تشعر بالحقيقة ، وربما قيل : بأنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، استصحابا للوضع اللغوي ، إذ الأصل عدم النقل ، وقيل : بأنه مشترك بينهما ، لاستعماله فيهما ، ولظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٥) فإنه يتناول المعقود
__________________
(١) في « ش » : رب سهل ويسر ، وفي « ض » : وبه نستعين.
(٢) الصحاح ١ : ٤١٣ مادة ( نكح ).
(٣) قاله الراغب في المفردات : ٥٠٥ مادة ( نكح ).
(٤) البقرة : ٢٣٠.
(٥) النساء : ٢٢.
وفيه أبواب :
الأول : في المقدمات ، وهي سبعة مباحث :
أ : النكاح مستحب ، ويتأكد في القادر مع شدة طلبه.
وقد يجب إذا خشي الوقوع في الزنا ، سواء الرجل والمرأة.
والأقرب أنه أفضل من التخلي للعبادة لمن لم تثق نفسه إليه.
______________________________________________________
عليها والمنكوحة بالملك ، ويردّه : أن الاشتراك على خلاف الأصل ، والمجاز خير منه ، ولو أريد المعنيان في الآية ، فلا بد من كونه مجازا ، لأن المشترك لا يستعمل في المعنيين إلاّ مجازا على الأصح ، وحينئذ فلا أرجحية للاشتراك على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
قوله : ( وفيه أبواب : الأول في المقدمات ، وهي سبعة مباحث ).
أراد : مقدمات البحث المقصود في النكاح.
قوله : ( أ : النكاح مستحب ، ويتأكد في القادر مع شدّة طلبه ، وقد يجب إذا خشي الوقوع في الزنا ، سواء الرجل والمرأة ، والأقرب أنه أفضل من التخلّي للعبادة لمن يثق من نفسه ).
هنا بحثان :
الأول : في بيان حكم النكاح ، هل هو مستحب مطلقا ، أم لمن تاقت نفسه إليه أي : اشتاقت؟ الأصح الأول ، لكثرة النصوص الدالة على طلبه :
مثل قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) وقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٢).
__________________
(١) النساء : ٣.
(٢) النور : ٣٢.
______________________________________________________
وقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » (١).
وقوله عليهالسلام : « أكثر أهل النار العزاب » (٢).
وقوله عليهالسلام : « أراذل موتاكم العزاب » (٣).
وقوله عليهالسلام : « من أحبّ فطرتي فليستنّ بسنتي ، ألا وهي النكاح » (٤).
وقوله عليهالسلام : « تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غدا يوم القيامة » (٥).
وقوله عليهالسلام : « من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر » (٦).
وقوله عليهالسلام : « الركعتان يصليهما متزوج ، أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (٧) وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
ولأن في النكاح تكثير النسل وبقاء النوع الإنساني ، وربما أثمر ولدا وليا صالحا ، وفيه دفع وسوسة الشيطان ، والخلاص من شر الوحدة ، والاستعانة بالزوجة الصالحة على أمور الدين.
ولا فرق في ذلك كلّه بين من تاقت نفسه إليه وغيره ، ولا بين الرجل والمرأة ،
__________________
(١) صحيح البخاري ٧ : ٢ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٠ حديث ١٤٠١ ، سنن النسائي ٦ : ٦٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٧٧ ، جامع الاخبار : ١١٨ ، وغيرها.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٩.
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٨ ، التهذيب ٧ : ٢٣٩ حديث ١٩٤٥.
(٤) الكافي ٥ : ٤٩٦ حديث ٦ ، الجعفريات : ٨٩ ، نوادر الراوندي : ٣٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٥٣ ، وغيرها.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٤.
(٦) الكافي ٥ : ٣٢٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٤١ حديث ١١٤١ و ١١٤٢ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٣٢. جامع الاخبار : ١١٨ ، وغيرها.
(٧) الكافي ٥ : ٣٢٩ حديث ٦.
______________________________________________________
ولا بين القادر على أهبه النكاح وغيره.
وقال الشيخ : المستحب لمن لا يشتهي النكاح أن لا يتزوج ، لقوله تعالى عن يحيى ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (١) مدحه على كونه حصورا ، وهو : الذي لا يشتهي النساء ، وقال قوم : هو الذي يمكنه أن يأتي النساء ولا يفعله (٢).
ولأن في النكاح تعريضا لتحمّل حقوق الزوجة ، والاشتغال عن كثير من المقاصد المهمّة الدينية ، وحصول الولد الصالح والزوجة الصالحة غير معلوم ، وللذم المتبادر من قوله تعالى ( زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ) (٣).
وجوابه : إن مدح يحيى بذلك لعله لكونه كذلك في شرعه ، وشرعهم ليس شرعا لنا ، على أنه ربما كان مكلّفا بالسياحة وإرشاد أهل زمانه في بلادهم ، والنكاح ينافي ذلك ، وتحمل الحقوق يزيد في الأجر ، لأنه حينئذ من لوازم الطاعة ومقتضياتها.
ويكفي لأفضلية النكاح كونه مظنّة الولد الصالح والقرين الصالح ، والذم في الآية الأخيرة ـ على إرادة النكاح لمحض الشهوة البهيمية ، من دون إرادة الطاعة ، وكسر سورة الشهوة ، واكتساب الولد الصالح ـ لا ينافي المدّعى. ولا يخفى أن النكاح قد يجب ، إذا خشي المكلف الوقوع في الزنا بدونه ، ولو أمكن التسري فهو أحد الواجبين على التخيير ، وقد يحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب كالحج.
وذهب ابن حمزة إلى أنه إذا اجتمعت القدرة على النكاح والشهوة ، استحب للرجل والمرأة ، وإن فقدا معا كره ، وإن افترقا لم يكره ولم يستحب (٤).
__________________
(١) آل عمران : ٣٩.
(٢) المبسوط ٤ : ١٦٠.
(٣) آل عمران : ١٤.
(٤) الوسيلة : ٣٣٩.
وينبغي أن يتخيّر الولود ، البكر العفيفة ، الكريمة الأصل.
______________________________________________________
الثاني : على القول بأن النكاح مستحب ، فهل هو أفضل من التخلي للعبادة أم لا؟ فيه قولان ، أصحهما ـ واختاره المصنف ـ الأول ، لعموم الأوامر بفعله ، مع التأكيدات البليغة.
مثل قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١).
وقول الصادق عليهالسلام : « ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (٢) ، والحديث المذكور أولا.
وما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله » (٣).
ولأن النكاح من مقدمات العبادة ومكمّلاتها (٤) فهو بالنسبة إليها أصل ، مع أنه عبادة في نفسه.
ويحتمل العدم ، لما يتضمن من القواطع والشواغل وتحمّل الحقوق. وجوابه : أن زيادة المشقة أحرى بزيادة الأجر.
قوله : ( وينبغي ان يتخيّر الولود البكر العفيفة الكريمة الأصل ).
المراد : أنه يستحب ذلك.
روى الصدوق عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أفضل نساء أمتي أصبحهنّ وجها وأقلهنّ
__________________
(١) النور : ٣٢.
(٢) الكافي ٥ : ٣٢٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٦ ، التهذيب ٧ : ٢٣٩ حديث ١٠٤٤.
(٣) الكافي ٥ : ٣٢٧ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٦ حديث ١١٦٨ ، التهذيب ٧ : ٢٤٠ حديث ١٠٤٧.
(٤) في « ض » : من مكملات العبادة ومقدماتها.
______________________________________________________
مهرا » (١).
وقال الصادق عليهالسلام : « من بركة المرأة خفّة مؤنتها وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤنتها وتعسير ولادتها » (٢).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « تزوج (٣) سمراء عيناء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها فعليّ الصداق » (٤).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ألا أخبركم بخير نسائكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله فأخبرنا ، قال : إن من خير نسائكم الولود ، الودود ، الستيرة ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة المتبرجة مع بعلها ، الحصان مع غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلا بها تبذّلت له ما أراد منها ، ولم تبذّل له تبذّل الرجل.
ألا أخبركم بشرّ نسائكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله فأخبرنا ، قال : من شر نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم ، الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب زوجها عنها ، الحصان معه إذا حضر ، التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، فإذا خلا بها تمنّعت تمنّع الصعبة عند ركوبها ، ولا تقبل له عذرا ، ولا تغفر له ذنبا » (٥) الحديث.
وقال عليهالسلام : « إيّاكم وخضراء الدّمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء » (٦).
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٤٣ حديث ١١٥٦.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٤٥ حديث ١١٥٩ ، التهذيب ٧ : ٣٩٩ حديث ١٥٩٤.
(٣) في « ض » والكافي : تزوجوا ، والمثبت من « ش » والفقيه.
(٤) الكافي ٥ : ٣٣٥ حديث ٢ و ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٤٥ حديث ١١٦٢.
(٥) الكافي ٥ : ٣٢٤ حديث ١ ، وفيه صدر الحديث ، وص ٣٢٥ حديث ١ ، وفيه ذيل الحديث ، الفقيه ٣ : ٢٤٦ حديث ١١٦٧ ، وفيه صدر الحديث ، التهذيب ٧ : ٤٠٠ حديث ١٥٩٧.
(٦) الكافي ٥ : ٣٣٢ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٤٨ حديث ١١٧٧ ، التهذيب ٧ : ٤٠٣ حديث ١٦٠٨.
وصلاة ركعتين ، وسؤال الله تعالى أن يرزقه من النساء ، أعفهن فرجا وأحفظهن له في نفسها وماله ، وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وغيره من الأدعية والاشهاد ، والإعلان ،
______________________________________________________
وقال عليهالسلام : « تزوّجوا الأبكار ، فإنّهنّ أطيب شيء أفواها ، وأدرّ شيء أخلافا ، وأحسن شيء أخلاقا ، وأفتح شيء أرحاما » (١) ولأن البكر أحرى بالألفة وقبول ما تعلّم.
واعلم : ان المراد بـ ( الولود ) ما من شأنها ذلك ، بأن تكون في سنّ الولادة ، والغالب على قراباتها ذلك ، ولم تدلّ العلامات الظنية على عقمها.
قوله : ( وصلاة ركعتين ، وسؤال الله تعالى أن يرزقه من النساء : أعفهن فرجا ، وأحفظهنّ له في نفسها وماله ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، وغيره من الأدعية ).
روي عن الصادق عليهالسلام : « ان الرجل إذا همّ بالتزوج ، فليصلّ ركعتين ، وليحمد الله تعالى ، ويقول : اللهم إني أريد أن أتزوج ، اللهم فقدّر لي من النساء أعفهنّ فرجا ، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، وقدّر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي » (٢) وغير ذلك من الأدعية.
قوله : ( والاشهاد والإعلان ).
يستحب الاشهاد على النكاح الدائم والإعلان به وإظهاره ، لأنه أنفي للتهمة وأبعد عن الخصومة ، ولا يشترط ذلك في صحة العقد.
وشرط ابن أبي عقيل (٣) ـ في النكاح الدائم ـ الإشهاد ، لأن في مكاتبة المهلب
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٠ حديث ١٥٩٨.
(٢) الكافي ٥ : ٥٠١ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٤٩ حديث ١١٨٧.
(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٥.
والخطبة قبل العقد ،
______________________________________________________
الدلال إلى ابي الحسن : « التزويج الدائم لا يكون إلاّ بوليّ وشاهدين » (١).
وهي مع ضعف سندها محمولة على الاستحباب ، لما روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام ، ان الاشهاد في النكاح لأجل الإرث والولد ، وأنه لا بأس به فيما بينه وبين الله تعالى لو تزوج بغير شهود (٢).
قوله : ( والخطبة قبل العقد ).
الخطبة بالضم ، هي ما اشتمل على : حمد الله تعالى ، والثناء عليه ، والشهادتين ، والصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والوعظ ، والوصية بتقوى الله تعالى ، كذا فسّرها في التذكرة (٣) ، ومراده الخطبة الكاملة.
ولا ريب أنه يستحب فعلها أمام العقد ، ولا تجب خلافا لداود (٤) ، وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خطب فقال :
« الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ، واتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً » (٥).
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١١٠١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٢٩.
(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٨ حديث ١٠٧٦ ، وص ٢٤٩ حديث ١٠٧٧.
(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٠.
(٤) المجموع ١٦ : ٢٠٧ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٣.
(٥) سنن الترمذي ٣ : ٤١٣ حديث ١١٠٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٩ حديث ١٨٩٢ و ١٨٩٣ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤٦ ـ وفي هذه المصادر ذكر صدر الحديث فقط ـ سنن أبي داود ٢ : ٢٣٩ حديث ٢١١٨ ، سنن الدارمي ٢ : ١٤٢.
وإيقاعه ليلا.
ويكره والقمر في برج العقرب.
______________________________________________________
وذكر في التذكرة : أن الجواد عليهالسلام لما تزوج بنت المأمون خطب فقال : « الحمد لله متم النعم برحمته ، والهادي إلى شكره بمنّه ، وصلى الله على خير خلقه الذي جمع فيه من الفضل ما فرقه في الرسل ، وجعل ثوابه إلى من خصه بخلافته وسلم تسليما ، وهذا أمير المؤمنين زوجني ابنته على ما فرض الله عز وجل للمسلمات على المؤمنين (١) إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأزواجه ، وهو اثنا عشر أوقية ونش ، على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مائة ألف ، زوجتني يا أمير المؤمنين؟ قال : بلى ، قال : قبلت ورضيت » (٢).
إذا عرفت ذلك فالنش عشرون درهما ، والأوقية أربعون ، فبذلك تكمل الخمسمائة.
واعلم : أنه يكفي في الخطبة الحمد لله ، روي عن الصادق عليهالسلام ، عن علي بن الحسين عليهالسلام : « إذا حمد الله فقد خطب » (٣).
واعلم أيضا أن المصنف ذكر في التذكرة : أن من خطب امرأة يستحب أن يقدّم بين يدي خطبته خطبة ويخطب الولي كذلك ، ثم يقول : لست بمرغوب عنه أو ما في معناه ، فيكون للنكاح خطبتان : إحداهما للخطبة ـ بكسر الخاء ـ وهي طلب المرأة ، والأخرى أمام العقد (٤). ولا بأس به ، إذ ليس فيه إلا زيادة الثناء على الله ورسوله.
قوله : ( وإيقاعه ليلا ، ويكره والقمر في برج العقرب ).
أي : يستحب إيقاع العقد ليلا.
__________________
(١) في « ش » و « ض » : المؤمن ، والمثبت من المصدر وهو الأنسب.
(٢) تذكره الفقهاء ٢ : ٥٧١.
(٣) الكافي ٥ : ٣٦٨ حديث ٢.
(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧١.
ب : يستحب عند الدخول صلاة ركعتين ، والدعاء ، وأمر المرأة بذلك ، ووضع يده على ناصيتها والدعاء ، وطهارتهما ، والدخول ليلا ، والتسمية عند الجماع ، وسؤال الله تعالى الولد الصالح الذكر السوي ،
______________________________________________________
روى العامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « أمسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة » (١).
وقد روى الأصحاب عن الرضا عليهالسلام : « من السنة التزويج بالليل ، لأن الله عز وجل جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن » (٢) ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره ، حيث يكون الاملاك ليلة الدخول.
وقال بعض العامة : يستحب العقد يوم الجمعة لشرفه وكونه يوم عيد وفيه خلق الله تعالى آدم عليهالسلام ، وليس بشيء.
وأما كراهية التزويج والقمر في العقرب ، فلما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما عن الصادق عليهالسلام ، قال : « من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى » (٣) والتزويج حقيقة في العقد.
قوله : « ب : يستحب عند الدخول صلاة ركعتين ، والدعاء ، وأمر المرأة بذلك ، ووضع يده على ناصيتها والدعاء ، وطهارتهما ، والدخول ليلا ، والتسمية عند الجماع ، وسؤال الله تعالى الولد الصالح الذكر السوي ).
يستحب لمن أراد الدخول بزوجته أن يصلي ركعتين ، ويدعو بعدهما بالمنقول ، وأن يأمر أهل المرأة أن يأمروها عند انتقالها إليه بصلاة ركعتين أيضا والدعاء.
روى أبو بصير قال : سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليهالسلام : جعلت
__________________
(١) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٥.
(٢) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ١. التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٥.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٨٨ ، التهذيب ٧ : ٤٠٧ حديث ١٦٢٨.
______________________________________________________
فداك إني رجل قد أسننت ، وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ، ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني ، لخضابي وكبري. قال الباقر عليهالسلام : « إذا دخلت عليك إن شاء الله ، فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم لا تصل إليها أنت حتى تتوضأ وتصلّ ركعتين ، ثم مرهم يأمروها أن تصلي أيضا ركعتين ، ثم تحمد الله وتصلّ على محمد وآله ، ثم ادع الله ومر من معها أن يأمّنوا على دعائك ، ثم ادع الله وقل : اللهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع ، وآنس ائتلاف (١) ، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام » (٢) الحديث.
وتدعو بما تقدّم أيضا ، وليكونا على طهارة عند الدخول ، لما يظهر من هذا الحديث.
ويستحب أن يكون الدخول ليلا ، محاذرة أن يحصل من الحياء ما يتعذر معه الجماع ، ولقول الصادق عليهالسلام : « زفوا عرائسكم ليلا ، وأطعموا ضحى » (٣).
ويستحب أن يسمّي عند الجماع ، قال الصادق عليهالسلام : « إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله عند الجماع ، فان لم يفعل وكان منه ولد ، كان شرك شيطان ، ويعرف ذلك بحبنا وبغضنا » (٤).
ويستحب أن يسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويا ، لقول الصادق عليهالسلام لبعض أصحابه : « إذا دخل عليك أهلك فخذ بناصيتها واستقبل بها القبلة ، وقل : اللهم بأمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فان قضيت لي ولدا ، فاجعله
__________________
(١) في « ش » : وانس وائتلاف. وفي الكافي : وأنفس ائتلاف.
(٢) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٦.
(٣) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٦.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٦ حديث ١٢١٤.
والوليمة عند الزفاف يوما أو يومين واستدعاء المؤمنين.
ولا يجب الإجابة ، بل تستحب ، وكذا الأكل وإن كان صائما ندبا.
______________________________________________________
مباركا سويا ، ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا » (١).
وفي لفظ آخر : « فان قضيت في رحمها شيئا ، فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان » (٢).
قوله : ( والوليمة عند الزفاف يوما أو يومين ، واستدعاء المؤمنين ، ولا تجب الإجابة ، بل تستحب [ وكذا الأكل ] (٣) وإن كان صائما ندبا ).
الوليمة هي : طعام العرس ، قال ثغلب وغيره من أهل اللغة : إنه لا يقع على غيره ، قال في التذكرة : وإنّما سمّي طعام العرس الوليمة ، لاجتماع الزوجين ، لأن الأصل في الوليمة اجتماع الشيء وتمامه (٤).
ويسمّى الطعام المتخذ عند الولادة : الخرس والخرسة ، وعند الختان : العذيرة ويسمّى الاعذار ، وعند احداث البناء : الوكيرة ، يقال : وكّر وخرّس بالتشديد ، وعند قدوم الغائب : النقيعة ، يقال : نقع بالتخفيف ، والذبح عند حلق رأس المولود في اليوم السابع : العقيقة ، وعند حذاق الصبي : الحذاق بفتح أوله ، وكسره : تعلّم الصبي القرآن أو العمل ، والمأدبة : اسم لما يتخذ من غير سبب.
وزفاف العروس إلى زوجها بكسر أوله : اهداؤها اليه.
ولا خلاف عندنا في استحباب الوليمة ، وللشافعية في استحبابها أو وجوبها
__________________
(١) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ٢.
(٢) الكافي ٥ : ١ ، حديث ٣.
(٣) ما بين المعقوفتين لم يرد في ( ش ) و ( ض ) وأثبتناه من خطية القواعد المعتمدة ، لشرح المصنف له ، وبه يتم سياق العبارة.
(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٨.
______________________________________________________
قولان (١).
وليكن ذلك يوما أو يومين ، قال الباقر عليهالسلام : « الوليمة يوم ويومان مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة » (٢).
ووقتها هل هو قبل الدخول ، أم بعده؟ لم أجد به تصريحا ، وروى السكوني عن الصادق عليهالسلام قال : « زفّوا عرائسكم ليلا ، وأطعموا ضحى » (٣) وظاهر هذه أنه بعد الدخول. وفي رواية الوشاء عن الرضا عليهالسلام قال : « إن النجاشي لمّا خطب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم آمنة بنت أبي سفيان فزوجه ، دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج » (٤) وظاهر هذا أنه بعد العقد. ورواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها وأطعم الناس الحيس » (٥) وهذه محتملة ، ولعل الكل جائز.
ولا تجب الإجابة إلى الدعوة إلى وليمة العرس عند علمائنا أجمع ، بل تستحب ، وهو أشهر قولي الشافعي (٦) ، بناء على استحباب الوليمة ، وعلى الوجوب تجب الإجابة عنده قطعا.
ويستحب الأكل وإن كان صائما ندبا ، وقوّى في التذكرة استحباب إتمام الصوم
__________________
(١) انظر : كفاية الأخيار ٢ : ٤٢.
(٢) الكافي ٥ : ٣٦٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣١.
(٣) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٦.
(٤) الكافي ٥ : ٣٦٧ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٣.
(٥) الكافي ٥ : ٣٦٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٢. والحيس المذكور في الرواية هو : تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق. القاموس ٢ : ٢٠٩ حيس.
(٦) انظر : الوجيز ٢ : ٣٦ ، كفاية الأخيار ٢ : ٤٣.
ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه إلاّ بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، ويملك حينئذ بالأخذ على اشكال.
______________________________________________________
إن لم يشق على صاحب الدعوة (١) ، والظاهر الاستحباب مطلقا ، لرواية داود الرقي عن أبي عبد الله عليهالسلام : « لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا » (٢) وصحيحة جميل بن دراج عنه عليهالسلام قال : « من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلم بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٣).
ولو كان الصوم واجبا معينا لم يجز الإفطار ، أو غير معيّن كالنذر المطلق والقضاء الموسع قبل الزوال ، فعدم الخروج منه أولى ، لأن ذمته مشغولة ، وقد يحصل له عائق عن إبراء ذمته وقضاء (٤) ما عليه ، وللشافعي وجه أنه لا يجوز الخروج منه ، لأنه لا يجوز إبطال الواجب بعد الشروع فيه (٥).
قوله : ( ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه إلاّ بإذن أربابه ، نطقا أو بشاهد الحال ، ويملك حينئذ بالأخذ على إشكال ).
يجوز نثر السكر والجوز واللوز والقسب (٦) والتمر ونحو ذلك في الإملاكات ، للأصل ، وعند جمع من العامة أنه مكروه ، لأنه يؤخذ باختلاس وانتهاب ، وقد يؤدى إلى الوحشة والعداوة ، وقد يأخذه غير من يحب صاحب المنزل (٧) ، وللشافعية قول ثالث ،
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٠.
(٢) الكافي ٤ : ١٥١ حديث ٦.
(٣) الكافي ٤ : ١٥٠ حديث ٣.
(٤) في « ش » : وتدارك.
(٥) انظر : كفاية الاخبار ٢ : ٤٤.
(٦) وهو : تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة. الصحاح ١ : ٢٠١ قسب.
(٧) انظر : المجموع ١٦ : ٣٩٥ ، المغني لابن قدامة ٨ : ١١٩.