السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-480-9
الصفحات: ٤٥٩
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إنَّ أَبلغَ ما نطَقَت به البُلغاءُ بادئَ بَدْءٍ (١) ، وأَفصحَ ما بدَأَتِ الفُصحاءُ به الكلامَ أَبداً ، حمدُ الله الذي أَنطقَ العربَ بأَعرب لسانٍ ، وشرَّفَ منهم النَّسبَ بأَشرف إِنسانٍ ، وأَحلّ العربيَّةَ من اللُّغاتِ محلَّ الغُرَّة من الجبين ، ورفع منارها بنسبةِ كتابهِ العربيِّ المُبينِ ، وجعل الفصاحةَ ضَوءاً لا يَعلقُ إِلاَّ بذُبالة مِصباحِها ، والبلاغةَ نوراً لا يُشرقُ إِلاَّ بإِنارة إِصباحِها. والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّه النَّاطق بأَفصح اللَّغات ، وأَرجح البلاغات ؛ المُنتخبِ من سُلالة الكَرَم ، وسَرارَةِ الحَرمِ ، وصميمِ النَّسب ، ومُصاص الحسب ، وأُرومةِ المجد ، وهامةِ الشَّرف النَّجد ؛ عصمةِ المُتوَسِّلينَ ، وسيِّدِ الأَنبياءِ والمرسلينَ ، عبدِه ورسولِه الذي أَهدأَ ببعثته كلَّ مُضطرِب ، أَبي القاسمِ محمَّد بن عبد الله بن عبد المُطّلب ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله الهادين ، والخلفاءِ الحُنفاء الرَّاشدين.
أَمَّا بعدُ : فيقولُ العبدُ الفقير إِلى ربِّهِ الغنيِّ ، عليٌّ صدرُ الدينِ الحُسينيُّ الحَسنيُّ ، أَسنى اللهُ له جوائزَ فضلِهِ السَّنيِّ : هذا كتابٌ جمعتُ فيه من لسان العرب ، ما يُحظى منه بارتِشافِ الضَّرَبِ ، وأَحرزتُ فيه من غريب القرآن والأَثر ، ما يُرضَى
__________________
(١) في « ج » و « ش » : بادي بدا.
منه صِدقُ العين والأَثر ، وأَضفتُ إِلى ذلكَ من بيان مجازات الكلام ، ومُصطلحات العلماءِ الأَعلام ، وأَمثال العربِ العَرْباءِ ، ونُفاثاتِ سُقاةِ الأَلبانِ والأَلْباءِ ، ما لا يَستغني عنه الفضلاءُ في مدارسهم ، والأُدباءُ في مجالسِهم ، والخُطباءُ في مقاماتِهِم ، والشُّعراءُ في كلماتِهِم ، وأَمليتُهُ حاوياً للفصيح ، والثَّابت الصَّحيح ، والآحادِ والمُتواترِ ، والشَّوارِدِ والنَّوادِرِ ، مُعتمِداً في النَّقلِ على الكتبِ المشهورةِ ، وأُمَّهاتِ الزُّبُرِ المأثورةِ ، مع الأَخذِ بالثِّقةِ في البيان والتَّعريف ، والتَّحرُّز في الضَّبط عن التَّصحيف والتَّحريف ، غير متَّكلٍ على النَّقلِ دونَ النَّقدِ ، إِلاَّ ما أَجمعَ عليه أَهلُ الحلِّ والعقد.
فإِنَّ هذه اللُّغة الشريفة الَّتي رفع اللهُ مِقدارَها ، وجعل على أَلسنة خِيَرَتِه من خلقِهِ مدارها ، لم تكن تؤخذُ إِلاَّ بالسّماعِ والتَّلقينِ ، أَو الرِّوايةِ الوافيَةِ بِبَلَجِ الحقِّ وثَلَجِ اليقينِ ، وعلى هذا جرَى السَّلفُ من العُلماءِ في سالفِ الدَّهرِ ، فَجَنَوا من رياضِها يانعَ الثَّمَرِ ونافح الزَّهْرِ ، وما كانوا ليتَّكلوا على ما في بطنِ صحيفةٍ ومتنِ مجلَّة ، ما لم يُشافِهوا به الجهابِذَ من المَشايخِ الجِلَّة ، ثُمَّ طُمِسَت آثارُ تلك الأَعلام ، وعمَّت سُبُلَ الهدى غاشيةُ الظَّلام ، وحارَ طرفُ الدَّليل ، وطاحَ صَوتُ الحادي ، وأَمسى الخرِّيتُ يُنادي : إِنَّهُ اللَّيلُ وأَضواجُ الوادي ؛ فلم يَبقَ إِلاَّ الرُّجوعُ الى ما أَودعَهُ العلماءُ في بطون الدَّفاتر ، والنُّهوضُ الى الاقتباس منها بعَزمٍ غيرِ فاترٍ ، وإِذ قد تعذَّرَ الاستفهامُ عندَ الاستبهامِ ، والحصولُ على الصواب ، بالسُّؤال والجواب.
فمن اللاَّزم للَّبيب الحازم ، أَن يَتَثَبَّت في المَداحِضِ والمزالِّ ، ويتعمَّقَ في المَيْز بَينَ الرَّاجح والزّالِّ ، وأَن لا يأمنَ غائلَةَ التَّعجيل ، بالمُبادَرَةِ إِلى الإِثباتِ والتَّسجيل ، حتّى يَتَقَصَّى في الاستِقراءِ ، لا سيِّما عند التَّصنيف والإِقراءِ ، فمن جَمَدَ على ما وجدَ في كتاب ، فقد اسْتُهدِفَ لَنْبل اللَّوم وسِهام العِتاب ، وكأَيِّن ممَّن صَنَّفَ وأَلَّف ، وكلّف نفسهُ من كُلفة الإِفادة ما كلَّف ، ما زاد على أَن ملأَ المزادَ ، بما
وجَدَ ورأَى ، وأَكثبَ ونأَى ، ولم يَدْرِ أَخطأ أَم أَصابَ ، وجنَى الشَّهدَ أَمِ الصَّابَ؟ فهو حاطِبُ لَيلٍ ، وخاطِبُ وَيبٍ ووَيلٍ.
وإِنِّي لأَعجبُ من المَجد الفيروز آبادِيِّ ، وهو المُتَّسمُ بِالإِمامَةِ في مَعرفَة اللّسان الضّاديَّ ؛ إِذ صنَّفَ قاموسَه ، وشَنَّفَ قابوسَه ، وتَصدَّى للتَّنْبيه على أغلاط الجوهريِّ في صحاحه ، وخاض في غَمرِ التَّشنيع عليه وضَحضاحِه ، زاعِماً أَنَّهُ لم يَقصِد بذلك مِراءً ، ولا تَنديداً به وإِزراءً ، بل استيضاحاً للصَّواب ، واستِرباحاً للثَّواب ، وحَذَراً من أَن يُنمى إِليه التَّصحيفُ ، أَو يُعزَى إِليه الغلطُ والتَّحريفُ ، كيفَ خالفَ قولَه فعلُه ، وزلَّت بقدمِه نعلهُ؟! فوقع من الأَغلاط والأَوهامِ ، فيما تحارُ فيه ثَواقِبُ الأَفهامِ ، ومن التَّصحيف والتَّحريفِ ، والغلط في مسائِل النَّحو والتَّصريفِ ، فيما لا يكادُ يُقضَى منه العَجَبُ ، ولا تَنقَضي عن طَرفَيهِ جُمادَى ورَجَبُ ، كما ستقِفُ عليه في أَثناء الكتاب مُفصَّلاً ، وتجدُه في أَطوائِهِ إِن شاءَ الله تعالى مُحصَّلاً.
على أَنَّ ما تتبَّعَ به كلامَ الجوهريِّ وتَعَقَّبَ ، ونَقَّرَ عنه بزعمه ونَقَّبَ ، أَكثرُهُ مَسبوقٌ إِليه ، ومدخولٌ فيه عليه ، وكأَنَّهُ حين أَخذَ يَتَبَجَّحُ ، ويتَرَنَّحُ عُجباً ويتَرَجَّحُ ، قد تمسَّكَ من العِصمَةِ بسَبَب ، وأَمِنَ الهُوِيَّ من الخَطأ في صَبَب ، وما عَلِمَ أَنَّ للعُجب آفَةً ، والعاسفَ طريقَهُ لا يأمنُ المخَافَةَ.
ولعلَّ بعض من يصغي إِلى هذا المقال ، من مُتعصِّبٍ أَو حاسدٍ أَو قال ، يَنسبني فيه إِلى العَولِ ، ويَرميني بالهُجرِ من القَولِ ، ظنّاً منه أَنَّ القاموسَ بحرٌ لا تُخاضُ لُججُهُ ، ولا تقاضُ براهينُهُ وحججُهُ ، ومن يُعارض صاحبَ القاموس فإِنَّما يُقامِسُ حوتاً ، ويُحاوِلُ بُطلاً عن الحقِّ مَسحوتاً.
وهيهاتَ ، إِنَّ الكتابَ الذي لا ريْب فيه إِنَّما هو كتابُ الله الذي لا يضلُّ مُقتَفيهِ ،
وما سِواهُ فهو مَظِنَّةٌ للاختِلاف وإِن كان لذي العلم أَثيراً ، بنصِّ : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١) ، والحقُّ أحقُّ بالاتِّباعِ ، ولا يَتَطاولُ عليه إِلاَّ قَصيرُ الباعِ ، فلا يَغُرَّنَّكَ مَن سَقَطَ به جهلُه وهَوَى ، وإِيَّاكَ والتَّمادي في أَضاليل الهَوَى.
وإِنِّي في تأليفي لهذا الكتابِ وتَصنيفهِ ، وتَقريطي للسَّمعِ بِدُرِّهِ وتشنيفِهِ ، لمُعتَرِفٌ حقّاً والصِّدقُ مَنجاةٌ ، بأَنَّ المُستَبضِعَ مُقِلٌّ والبِضاعَةُ مُزجَاةٌ ، غَيرَ أَنِّي أَرجو السّدادَ فيما اقتَطَفتُ واقتَطَعتُ ، ولا أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، ثمَّ لا بدعَ إِن بَرَّزَ النَّزْرُ على الجمِّ ، تَبْريزَ الرّامحِ على الأَجمِّ ، فللطَّشِّ مِنْ نَقْعِ العَطَشِ ما ليس لِليَمِّ الزَّاخرِ اللهَمِّ.
على أَنَّكَ أَيُّها الفَطِنُ الأَلمَعِيُّ ، واللَّقنُ اللَّوذَعيُّ ، إِذا وعَيتَ ما أَوعَبتُ (٢) ، وفَلَيت ما أَملَيتُ ، رأَيتَهُ قد حَوَى ما لم تحوِهِ البُحورُ المُحيطَةُ ، وخيطَت شَواكِلُه على ما خَلَت عنه المَهارِقُ البَسيطَةُ ؛ فالجَمهَرَةُ (٣) وإِن كانتِ البَحرَ الخِضَمَّ ، لم تَشتَمِل على ما اشتَمَلَ عليه وانضَمَّ ، والصِّحاحُ (٤) على صِحَّة رِوايتِهِ ، لم يحل ببَلاغَةِ مُعجِزِ آيَتِهِ ، والمُحكَمُ (٥) على إِحكام نُصوصِهِ ، لم يَنطَوِ على عُيونهِ
__________________
(١) النساء ٨٢.
(٢) في « ج » و « ش » : ما أوعيت.
(٣) لأبي بكر ، محمد بن الحسن بن دريد الأزديّ ولد بالبصرةِ سنة ٢٢٣ ه ، ونشأ بعمان ، من أكابر علماء اللغة توفي سنة ٣٢١ ه. انظر الفهرست ٩١ ، معجم الادباء ١٨ : ١٢٧ ، بغية الوعاة ١ : ٧٦.
(٤) لأبي نصر اسماعيل بن حماد الجوهريّ ، أخذ عن خاله أبي يعقوب الفارابيّ ، دخل العراق صغيراً وسافر الى الحجاز والبادية ، ثم عاد الى خراسان ، ولد سنة ٣٣٢ ه وتوفي في نيسابور ٣٩٣ ه انظر معجم الادباء ٦ : ١٥١ ، بغية الوعاة ١ : ٤٤٦ ، مقدمة الصحاح ١ : ١٠٩ ـ ١١٠.
(٥) لأبي الحسن علي بن اسماعيل بن سيده ، ولد بمرسية بالاندلس سنة ٣٩٨ ه ، وانتقل إلى دانية وتوفي بها سنة
وفُصوصِهِ ، والعُبابُ (١) على تَلاطُم أَمواجِهِ ، لم يَحتَوِ على أَفرادِ دُرِّهِ وأَزواجِهِ ، والتَّهذِيبُ (٢) على خُلاصته ونقاوتهِ ، لم يَفُز بِبَهجَتِهِ وطَلاوَتِهِ ، والمُجمَلُ (٣) على إِجمالِه وإِيجازِهِ ، لم يُحرِزْ تَفصيلَ حقيقتِهِ ومجازِهِ ، ولسانُ العربِ (٤) على جمعِه وإِحصائِهِ ، لم يَحصُل على حُسنِ انتِحائِهِ وانتِصائِهِ ، والقاموسُ (٥) على سَعةِ باحتِهِ ، لم يحظَ بعُذوبتِه وملاحتِهِ.
ولا أَدَّعي له الإِنافةَ على هذه الكُتُبِ المُنيفَةِ في الإِحسانِ ، والزُّبُرِ الَّتي هي أَساطينُ اللُّغة وقوانينُ اللِّسانِ ، إِلاّ بحُسنِ الانتِقاءِ والانتِقادِ ، وتَمييزِ النُّقادَةِ من النِّقادِ ، وإِيرادِ ما يَروقُ ويَحسُنُ ، وتَستَعذِبُ جَنى عَذباتِهِ الأَلسُنُ ، إِلى غير ذلك من النُّكت والمُلَحِ ، ونُخَبِ الموضوع والمُصطَلَحِ ، مع التَّقَصِّي في البيان والتَّبيينِ ، والتَحَرِّي في التَّخصيص والتَّعيينِ ، ورعايةِ المُناسبة في سَوقِ الكلماتِ ، بين معانيها المُلتَئِماتِ.
__________________
٤٥٨ ه ، نبغ في آداب اللغة ومفرداتها ، كان وأبوه ضريرَين. انظر معجم الادباء ١٢ : ٢٣١ وفيه : « علي بن أحمد » ، بغية الوعاة ٢ : ١٤٣.
(١) للحسن بن محمد الصغانيّ أو الصاغانيّ ، ولد في لاهور سنة ٥٧٧ ، ومات في بغداد سنة ٦٥٠ ه. انظر بغية الوعاة ١ : ٥١٩.
(٢) لأبي منصور ، محمد بن أحمد الأزهريّ ، ولد بهرات سنة ٢٨٢ ه وتوفي بها سنة ٣٧٠ ه انظر معجم الادباء ١٧ : ١٦٤ وبغية الوعاة ١ : ١٩.
(٣) لأبي الحسين ، أحمد بن فارس أصله من قزوين ، وكان مقيماً في همدان ثم انتقل الى الرّي وتوفي فيها سنة ٣٩٥ ه انظر بغية الوعاة ١ : ٣٥٢ ، والأعلام ١ : ١٩٣.
(٤) لأبي الفضل ، محمد بن مكرم بن منظور ، ولد بمصر وقيل بطرابلس سنة ٦٣٠ ه وتوفي بمصر سنة ٧١١ ه بغية الوعاة ١ : ٢٤٨ ، والاعلام ٧ : ١٠٨.
(٥) لأبي طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آباديّ ، ولد بكازرين « شيراز » سنة ٧٢٩ ه وتوفي بزبيد سنة ٨١٦ ه انظر بغية الوعاة ١ : ٢٧٣.
ثمَّ إِذا افتَقَرَ لفظٌ إِلى شكلهِ ، مثَّلتُهُ بآخرَ من شكلهِ ، ومتى احتاجَ إِلى إِثباتٍ في كَشفه وفَسرِهِ ، شَدَدتُ أَسرَهُ وفَكَكتُ من أَسرِهِ ، وكلُّ ذلكَ مِمَّا يَهدِي إِلى المَراشِدِ ، ويدُلُّ على ضالَّةِ النَّاشِدِ.
وأَمَّا ما يخُصُّ الكتابَ والأَثرَ ، مِمّا لا يُقالُ فِيه الفَهمُ إِن عَثَرَ ، فإِنِّي أَكشِفُ من أَلفاظِهِ ما غَرُبَ واستَبهَمَ ، وأُبَيِّنُ من أَغراضِهِ ما أَهَمَّ وأَوهَمَ ، ولا أَقنَعُ في حلِّ مُعتاصِهِ ، بذكرِهِ عُموماً دونَ اختصاصِهِ ، لينالَهُ الطالبُ بأَدنى إِلمامٍ ؛ إِذ كان موضوعاً على حَبلِ الذّراعِ وطَرَفِ الثُّمامِ.
وقد سَلَكتُ في ترتيبِهِ الطَّريقَ المأنوس ، الذي رُتِّبَ عليهِ الصِّحاحُ والقاموس ، وهو أَشهرُ التَّرتيبِ تداوُلاً ، وأَسهلُه عِنْدَ الطَّلب تناولاً ، وأَمَّا طريقَةُ تحريرِهِ ، وأُسلوبُ تقريرِهِ ، فإِنِّي أَبدأُ الفصلَ من البابِ ، باللُّغةِ العامّةِ ثمَّ الخاصَّة بالكتابِ ، ثمَّ أَجيءُ على الأَثر بالأَثرِ ، ثمَّ بالمُصطَلَح فالمثلِ ، هذا إِذا اشتركَ الجميعُ في المادَّةِ ، واشتَبَكَ في سلوكِ تلكَ الجادَّةِ ، وإِلاّ ذكَرتُ ما اتَّفَقَ ؛ انفَرَدَ أَو ارتَفَقَ ، غير آلٍ فيما قَصَدتُ جُهداً ، ولا مُقصِّرٍ عمّا أَردتُ زُهداً ، على أَنِّي لا أَبيعُهُ بشرط البَراءة من كلِّ عَيْب ، فقد أَبَى اللهُ أَن يَصِحَّ إِلاّ كتابُهُ المُبرَّأُ من الرَّيب.
وإِذا منَّ اللهُ بإِتمامِهِ وتَطَوَّلَ ، سمَّيتُهُ « الطِّرازَ الأَوَّلَ » ؛ إِذ كان أَوَّلَ مُصَنَّفٍ جَمَعَ هذا الجَمعَ ، فَراقَ الأَبصارَ وشَنَّفَ السَّمعَ ، وإِلى الله أَرغبُ أَن يَنْفَعَ به كلَّ راغبٍ ، ويَقمَعَ عنه عَنَتَ كلِّ مُشاغبٍ ؛ فلستُ آمنُ من حاسدٍ يَقلِبُ لي ظهرَ المِجَنِّ ، ويَرمينِي بسوءِ الوَهم والظَّنِّ ، وإِذا كانت الأَعمالُ بِالنِّيَّاتِ ، والجزاءُ على حَسَب الطّوِيَّاتِ ، فحسبُ كلِّ عاملٍ ما نَوَى ، ولا أَعبأُ بمن يَنطِقُ عن الهَوَى. ومن اللهِ سُبحانَهُ أَستمدُّ في العِلم والعَمَلِ ، وبكرمِهِ أَستعِدُّ لنجاح السّؤل وبُلوغِ الأَملِ ، وعليه قصْدُ السَّبِيلِ ، وهو حَسبي ونعم الْوكيلُ.
مقدمة
اللغةُ : أَصواتٌ يُعَبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أَغراضهِم. وهل هي وحيٌ ، أَو إِلهامٌ ، أَو اصطلاحٌ؟ خلافٌ (١). وقالَ أَبُو عليٍ (٢) : هي من عند اللهِ سبحانه لا محالةَ (٣). والطريقُ إِلى مَعرِفَتِها النقلُ تواتراً ، أَو آحاداً.
ولغةُ العرب نوعان :
أَحدهما : عربيَّةُ حِميَر ، وهي الّتي تكلَّموا بها من عهد هود ومن قبلِهِ ، وبَقِيَ بعضها (٤) إِلى اليوم.
وثانيهما : العربيَّةُ المَحضَةُ التي نزل بها القرآن ، وأَوَّل من أُطلقَ لسانُه بها إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام.
وهي أَوسع اللغاتِ مذهباً ، وأَكثرُها أَلفاظاً ، ولا يُحيطُ بها من الناس إِلاَّ نبيٌ (٥) ، أَو وصيُّ نَبيٍّ ، ولعلَّ الموجود منها دون ما ذهب بذهاب أَهلِهِ ، والله أَعلمُ.
__________________
(١) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار بن محمد بن سليمان « الإمام أبو عليّ الفارسيّ » المشهور ، واحد زمانه في علم العربيّة ، أخذ عن الزجّاج وابن السرّاج ومَبْرمان ، من تصانيفه : الحجّة ، والتذكرة ، أبيات الاعراب ، وغيرها توفي ببغداد سنة : ٣٧٧ ه. انظر : معجم الادباء ٧ : ٢٣٢ ، بغية الوعاة ١ : ٤٩٦.
(٢) انظر الخصائص ١ : ٣٣.
(٣) حكاه عنه ابن جني انظر الخصائص ١ : ٤٠.
(٤) في « ت » : بعضه بدل : بعضها.
(٥) انظر الرسالة للشافعي : ٤٢.
بَابُ الهَمْزَةِ
بَابُ الهَمْزَةِ
أَجمعَ أَهل اللّغةِ على الابتداءِ بالهمزة ، إلاَّ من شذَّ ، كالخليل بن أَحمد في كتاب العين ، وابن سِيده في المحكم ؛ فإِنَّهما بَدَءَا بالعين.
قال المُفَضَّلُ (١) : ذكرَ الخليلُ بنُ أَحمدَ أنَّهُ بَدأَ بالعين ؛ لأنَّها أَقصَى الحروف مَخرجاً ، والذي ذكره سيبويه أَنَّ الهمزةَ أَقصَى الحروف مخرجاً (٢) ، فكان الابتداءُ بها أَنسب.
وقيل : الابتداءُ بها أَمرٌ اتِّفاقيٌّ عاديٌّ.
فَصْلُ الهَمْزَةِ
[ أبأ ]
الأَباءُ ، كسَحاب : الأَجَمُ ، أَو من الحَلْفاءِ والقصب خاصَّةً ، ثمَّ أُطلقَ على القصب نفسه ؛ كإطلاق الوَشِيجِ على الرِّماح ، وهو في الأصلِ شَجَرةٌ (٣) أَو عروقُها. الواحدةُ : أَباءَةٌ.
__________________
(١) انظر المزهر ١ : ٩٠.
(٢) الكتاب ٤ : ٤٣٣.
(٣) في « ت » و « ج » : « شجرُهُ » ، والمثبت عن « ش ».
قال الفيروز اباديّ : هذا موضع ذكره كما حكاه ابن جنِّي (١) عن سيبويه ، لا المعتلُّ كما توهَّمه الجوهريّ وغيره. انتهى.
ولم يتوَهَّم الجوهريّ ولا غيره ، بل رأَوهُ من الإِباءِ بمعنَى الامتناع ، تفادياً من جعلِهِ من باب سَلِسَ ؛ لقلَّته (٢) ، وخاصَّة إِذا كانت الفاء واللاَّم همزةً مع ثقلها ، واسم الجنس إِذا صَحَّ فيه اشتقاقٌ حُمِلَ عليه (٣).
قال الرَّضيّ وغيره : قالوا أَصلُ أَبَاءَةٍ أَبَايَةٌ وإِن لم يُسمع ؛ لأنَّ فيها معنى الإِباءِ ، وهو الامتناعُ ؛ لامتناعِها من السلوك بما يَنبُتُ فيها من القصبِ وغيره (٤).
ومن العجيب أَنَّ الفيروز ابادي ذكرهُ في المُعتلِّ أَيضاً ، قائلاً : هو الأَجَمَةُ من الحَلفاءِ ؛ لأنَّ الأَجمةَ تَمنَعُ ، والقصبُ ، وموضعُهُ المهموزُ. انتهى.
__________________
(١) في حاشية « ش » : قال ابن جني : ليس في الكلام كلمة فاؤها وعينها همزتان ، ولا عينها ولامها أيضاً همزتان ، بلى قد جاءت اسماء محصورة وقعت الهمزة فيها فاءً ولاماً ، وهي « آءة وأجأ ».
وأخبرني أبو علي أن محمد بن حبيب حكى في اسم علمٍ « أتاءة » ، وذهب سيبويه في قولهم : « ألاءة وأشاءةُ » إلى أنهما « فَعالة » مما لامه همزة. فأمّا « أباءة » فذكر أبو بكر محمد بن السري فيما أخبرني به أبو علي عنه إلى أنّها من ذوات الياء من « أَبَيْتُ » فأصلها عنده « أَباية » ... وذلك أنّ « الأباءة » هي الأجمة من القصب وهي ممتنعة ، بما ينبت فيها من القصب وغيره ، من السلوك والتصرف فكأنّها أبت وامتنعت على سالكها. من معجم البلدان ( ١ : ١٩٤ ) ملخصاً. [ انظر سر صناعة الإعراب ١ : ٦٩ ].
(٢) انظر شرح الشافية ٣ : ٣٠٢.
(٣) قال ابو حيّان : اسماء الاجناس وقعت على مسمياتها من غير أن تكون منقولة من شيء ، فإنْ وجد ما يمكن اشتقاقه منه حمل على أنّه مشتق ، انتهى « منه ».
(٤) شرح الشافية ٣ : ٣٠٢.
وهو ظاهِرُ التَّناقُض ؛ فإِنَّ قولَهُ : « لأنَّ الأَجمةَ تَمنَعُ » يقتضي أنَّها من الإِباءِ ، فهي معتلَّةٌ كما ذهب إِليه الجمهورُ ، وهو يناقضُ قولهُ : ( « وموضِعُهُ المهموز » ، وقوله ) (١) هنا : « هذا موضعُ ذكرِهِ لا المعتلُّ ». فإن زَعَمَ أَنَّ المهموزَ هو الّذي بمعنَى القصبِ دونَ الذي بمعنى الأجمةِ فقد وهمَ في الفرقِ بينهما ، ولا قائلَ به ، فكان المتوهِّم هو لا غيرُه.
وهذه أوّلُ غلطاتِه ، وبَدءُ فرطاتِهِ ، عفا الله عنه.
أتأ
أَتْأَةٌ ، كهَضْبَةٍ : اسم علم ، حكاهُ أبو عليّ عن محمّدِ بن حبيبٍ (٢).
وقال غيرُهُ (٣) : اسمٌ لامرأَة من بكرِ بنِ وائلٍ ، وهي أُمُّ قيسِ بنِ ضرارٍ.
أثأ
الأُثْئِيَّةُ ، كالأُثْفِيَّةِ زنةً ومعنىً ، وهي الجماعةُ الكثيفةُ.
وأَصبَحَ مُؤْتَثِئاً ـ كمُصْطَبِحٍ ـ أي لا يشتهي الطَّعامَ ، والهمزةُ فيهما منقلبةٌ عن واو.
وأَثَأْتُهُ بسهمٍ إِثاءَةً ـ كأَبَحْتُهُ إِباحَةً ـ أَي رَمَيتُهُ به ؛ موضعُهُ « ث و أ » ( كما أورده الفارابي في ديوان الادب ) (٤) لا هنا كما توهَّمهُ الفيروز ابادي تَبعاً لأَبي عبيدةَ (٥) ، ولا « ث أ ث أ » كما توهَّمَه الجوهريّ.
__________________
(١) ما بين القوسين ليست في « ت » و « ج ».
(٢) انظر سر صناعة الإعراب ١ : ٧٠ واللسان « أتأ ».
(٣) كما في التنبيه والايضاح لابن برّي ، والقاموس.
(٤) ما بين القوسين ليس في « ت » و « ج » ، وانظر ديوان الأدب ٤ : ٢٢٧.
(٥) كذا في النسخ ، والموجود في القاموس : « هنا ذكره أبو عبيد ، والصاغانيّ في ثوأ ». وفي التاج : وكلاهما له وجه ، فعلى رأي أبي عبيد فعله كمنع ، وعلى رأي الصاغانيّ كأقام مزيد.
أجأ
أَجَأَ ، كنَشَأَ : فَرَّ وهَرَبَ.
وأَجَأٌ ، كسَبَإ : أحدُ جبلَي طيِّئٍ ، والآخَرُ : سَلْمَى ـ كسَكْرَى ـ وهما شرقيُّ المدينةِ بينهما وبينَ فَدكٍ ليلة ، سُمِّيا باسمِ رَجلٍ وامرأةٍ من العماليقِ تَعاشَقا ، فخافا قَومَهما فهَرَبا ، فتَبِعوهما فلَحِقوهما على الجبلَينِ ، فقتلوهما بهما ، فسُمِّيا باسميهما ، وهو مُذكّرٌ ، وتأنيثُه في قول امرِئ القيسِ :
أَبَتْ أَجَأٌ أَنْ تُسْلِمَ العامَ جارَها (١)
علَى تقديرِ : أَبَتْ سكَّانُهُ.
وأَجاءَةٌ ، كسَحابَة : جبلٌ لبَني بَدرِ بنِ عِقالٍ ، فيهِ بيوتٌ في متنِ الجبلِ ، ومنازِلُ في أعلاهُ.
أذأ
أَذَأْتُهُ إلى كذا ، كمَنَعْتُه : أَلجأتُهُ.
أزأ
أَزَأَ عنه ، كمَنَعَ : نَكَصَ وجَبُنَ ..
و ـ الغنمَ : أَشبَعَها ، وأصلُهُ : وزَأَ ، أو أَزَا ، فقُلِبَت الواوُ همزة.
أشأ
الأَشَاءُ ، كسَحَاب : صِغارُ النخلِ (٢) ، واحِدَته بهاءٍ ؛ وهمزتُهُ عند سيبويه أصليّة (٣) ، وعند الجمهور منقلبةٌ عن واو أو ياءٍ ؛ لقلّةِ بابِ أَجَأَ ، ولتصغيرِه على أُشَيٍ ، ولهذا لم يَذكروهُ إلاَّ في المعتلِّ.
وتوهيمُ الفيروز اباديّ للجوهريِّ في ذكرِهِ هناك تعنُّتٌ ، على أَنَّه تابعَه عليهِ ،
__________________
(١) ديوانه : ١٤٦ ، وعجزه :
فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
(٢) ومنه الأثر : ( أنّه انطلق إلى البراز ، فقال لرجل كان معه : ائْتِ هاتين الأشاءتين ). انظر الفائق ١ : ٩٣ والنهاية ١ : ٥١.
(٣) الكتاب ٣ : ٤٥٩.
فأَعَادَ ذكرَه ثَمَّةَ غيرَ منبِّهٍ عليه.
ووادي أُشَيٍ ، كقُصَيّ بالتَّصغيرِ : وادٍ باليمامةِ.
والأَشاءَةُ ، كسَحابَةٍ : موضعٌ ببطنِ الرُّمَّةِ.
وبَنو أَشاءَةَ : بطنٌ من كِندَةَ ، نُسِبوا إلى أُمِّهم أَشاءَةَ ؛ وهي أَمةٌ من حَضرَمَوتَ.
[ ألأ ]
الألاءُ ، كسَحَابٍ ويُقصرُ : شجرٌ مُرُّ الطَّعم ، حَسَنُ المنظر ؛ لأنّهُ دائِمُ الخضرة ، واحدتُه بهاءٍ. وهمزته أصليّةٌ عند سيبويه ؛ قال في كتابه : وأَمّا ألاءَةٌ وأشاءَةٌ فتصغيرهما أُلَيِّئَةٌ وأُشَيِّئَةٌ ؛ لأنّ هذه الهمزةَ ليست مُبدلةً ، ولو كانت كذلك لكان الحرفُ خَليقاً أن يقولوا فيه : ألَايَةٌ ، كما قالوا في عباءَةٍ : عَبايَةٌ ، وفي صلاءَةٍ : صَلايَةٌ ، فَليس له شاهدٌ من الياءِ والواو ، فإذا كان كذلك فهو عندهم مهموزٌ [ ولا يخرجها ] إلاَّ بأمرٍ واضحٍ (١).
وذكره الجمهور في المعتلِّ ، كأنَّهم رأوهُ مشتقّاً من ألا يَأْلو ، أي قَصَّرَ [ كأنّه قَصَّر ] (٢) في طعمِهِ مع حُسنِ منظرِه ، وهو كرأيِ بعضِهم في الأُلْوَةِ أنَّها مشتقَّةٌ من ذلك ، كأنَّها لا تأْلو ريحاً وذَكاءَ عَرف.
ونصَّ صاحب جامع اللغة على أنّهُ واويٌّ ويائيٌّ ؛ وقالوا : سِقاءٌ مأْلُوءٌ ، ومأْلوٌّ ، ومَأْلِيٌ ـ بالهمز والواو والياء ـ إذا كان مدبوغاً به.
وألاءَةُ ، كسَحابَة : بطنٌ من أزدِ شَنوءَةَ.
أوأ
آءٌ ، كباب : ثمرُ السَّرحِ ، وشجرٌ ، أو نجمٌ ؛ لقول الأزهريِّ : لا ساق له (٣).
واحدته : آءَةٌ ، وأصلها : أوْءَةٌ ، كسَوْءَة.
__________________
(١) الكتاب ٣ : ٤٥٩ ، وما بين المعقوفين عن المصدر.
(٢) ليست في « ت » و « ج ».
(٣) ومنه حديث جرير : ( بين نخلة وضالة وسدرة وآءة ) انظر النّهاية ١ : ٨٣ واللسان « أوأ ».
قال سيبويه : إذا أشكَلَتْ عليك الألفُ في موضعِ العينِ فاحملها على الواو ، لأنَّ الأجوف أكثر (١) ، فتصغيرُها : أُوَيْئَةٌ.
والأخفشُ يحملُها على الياءِ ؛ لأنَّها أَخَفُّ ، فيقولُ : أُيَيْئَةٌ (٢).
وأديمٌ مَوْءُوءٌ ، كمَوجُود (٣) : مدبوغٌ به ، وأصلُه : مَأْووءٌ ، بهمزتين.
وآءُ : زجرٌ للإبل ، وحكايةُ الأصواتِ ؛ قال :
باللَّيلِ يُسْمَعُ في حافاتِهِ آءُ (٤)
أيأ
الأَيْئَةُ : لغة في الهيئة ؛ أُبدِلَتِ الهاءُ همزة ، كما قالوا في هَيهاتَ : أيهاتَ.
فصل الباء
بأبأ
بَأْبأَ الرَّجلُ ، وتَبَأْبَأَ : أَسرَعَ وعَدا.
وبَأْبأْتُهُ ، وبه بأْبأَةً ، وبِئْباءً : قلتُ له بأبي أنتَ وأمِّي.
قال ابنُ جنِّي : الباءُ من قولكَ بأبي أنت ، حرفُ جرّ ، فإذا اشتققت منه فعلاً اشتقاقاً صوتيّاً استحالَ ذلك التقديرُ ، فقلتَ : بَأْبَأْتُ به بِئْباءً ، وقد أكْثَرْتُ من البَأْبأَةِ ، فالباءُ الآنَ في تقدير الأصل وإنْ كُنَّا قد عَلِمنا أنَّها فيما اشتُقَّتْ منه زائدةٌ للجرِّ ، فالبِئْباءُ على هذا فِعْلالٌ كالزِّلزال ، والبَأْبَأَةُ فَعْلَلَةٌ
__________________
(١) في « ت » و « ج » : « أكبر » والمثبت عن « ش » ، انظر الكتاب ٣ : ٤٦٢.
(٢) عنه في شرح الشافية للرضي ١ : ٢٠٩.
(٣) في التكملة واللسان والتاج : « مَؤُوءٌ مثالُ مَعُوع ». انظر التاج.
(٤) معجم مقاييس اللّغة ١ ، ٣٣ والصحاح واللسان « أوأ » بلا عزو ، وفي الجميع : تُسمَعُ ، وصدرُهُ :
في جَحْفَلٍ لَجِبٍ جَمٍّ صَوَاهِلُهُ