كتاب الباء
باب ما أوَّله الألف
(أبب)
قوله تعالى : ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) [ ٨٠ /٣١ ] الأبُ في كلام اللغويين : ما رعته الأَغْنَام ، وهو للبهائم كالفاكهة للإنسان (١)
(أدب)
فِي الْحَدِيثِ : « أَذْكِ بِالْأَدَبِ قَلْبَكَ فَنِعْمَ الْعَوْنُ الْأَدَبُ ».
وَفِي حَدِيثِ الْوَالِدِ مَعَ الْوَلَدِ : « وَاعْلَمْ أَنَّكَ مَسْئُولٌ عَمَّا وُلِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ » (٢).
الْأَدَبُ : حُسْنُ الأَخْلاق وقد جمعتِ الأحاديثُ الفرضَ والسُّنَّةَ والأَدَبَ ، وظاهرُ العطفِ المُغَايَرَةُ. وأَدَبْتُهُ أَدْباً ـ من باب ضرب : علَّمْتُه رِيَاضة النفس ومحاسنَ الأخلاق. وأَدَّبْتُهُ تَأْدِيباً مبالغةٌ وتكثيرٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ : « خَيْرُ مَا وَرَّثَ الْآبَاءُ لِأَبْنَائِهِمُ الْأَدَبُ ».
قال مَسعَدةُ : يعني بالأَدَبِ العلمَ (٣)وفيه « كَانَ عَلِيٌّ (ع) يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ ».
أي يُعَلِّمُهم العلم ومحاسنَ الأخلاق. وأَدَّبْتُهُ تَأْدِيباً : إذا عاقبته على إساءة ، ومنه قَوْلُهُ (ع) : « مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلْيُؤَدَّبْ ».
وأَدَّبْتُهُ فَتَأَدَّبَ : انتهى. وأَحسنُ التَّأْدِيبِ أن يكون من غير ضرب وعُنف بل بلُطف وتَأَنٍّ.
__________________
(١) في الصحاح (أبب) : الأبّ المرعى.
(٢) تحف العقول ص ٢٦٣.
(٣) الحديث وتفسير مسعدة في الكافي ج ٨ ص ١٥٠. ومسعدة هذا هو أبو محمد أو أبو بشر مسعدة بن صدقة العبديّ ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام له كتب : انظر رجال النجاشي ص٣٢٥.
وأَدَبَ أَدْباً ـ من باب ضرب ـ : صنع صنيعا ودعا الناس إليه. فهو آدِبٌ. واسم الصنيع » المَأْدُبَة » بضم الدال وفتحها.
(أرب)
قوله تعالى حكاية عن موسى (ع) : ( وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى ) [ ٢٠ / ١٨ ] أي حوائجُ ، واحدُها « مَأْرِبَةٌ » مثلثةَ الراء. وقيل : كان يحمل عليها زاده وسِقاءه ، وكانت تُحَادِثه ، وكان يضرب بها الأرض فيخرج منها ما يأكله يومَه ، ويَرْكُزُها فيخرج منها الماء فإذا رفعها ذهب الماء ، وكان يرُدُّ بها غنمَه ، وكانت تَقِيه الهَوَامَّ بإذن الله تعالى ، وإذا ظهر له عدو حارَبَتْ ونَاضَلَتْ عنه ، وإذا أراد الاستسقاء من البئر صارت شُعْبَتَاها كالدَّلو يستقي به ، وكان يظهر على شُعْبَتَيها نورٌ كالشَّمْعَتَين تُضِيء له ويهتدي بها ، وإذا اشتهى ثمرة من الثمار ركزها في الأرض فتُغْصِنُ أغصانُ تلك الشجرة وتُورِقُ وتُثْمِر ثمرها.
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) [ ٢٤ /٣١ ] قِيلَ : هُمُ الْبُلْهُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ النِّسَاءِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام (١) وقِيلَ : الْخَصِيُّ. وَقِيلَ : الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. وَقِيلَ : الْعَبِيدُ الصِّغَارُ.
وقُرِئَ غَيْرَ بالنصب على الحال وبالجر صفةً للتابعين.
وَفِي الْحَدِيثِ : ( أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) : الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ » (٢).
وقيل : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) أي النكاح ، والإِرْبَة : الحاجة (٣). و « الأَرَبُ » مصدر من باب تَعِب ، يقال : أَرِبَ الرجلُ إلى شيء : إذا احتاج إليه ، فهو آرِبٌ على فاعل. و « الإِرْب » بالكسر مستعمل في
__________________
(١) في معاني الأخبار ص ١٦٢ والبرهان ج٣ ص ١٣١ عن الصادق (ع) قال : هو الأبله المولّى عليه الّذي لا يأتي النّساء.
(٢) البرهان ج٣ ص ١٣١.
(٣) انظر تفصيل هذه الأقوال في مجمع البيان ج ٤ ص ١٣٨.
العُضْوِ ، والجمعُ « أَرْآب » مثل حِمْل وأَحْمَال ومنه « السجود على سبعة أَرْآب » أي أَعْضَاء وآرَابٌ أيضا. والأَرِيب : العاقلُ لا يختل عن عقله ، ومنه قولهم : « يحرص عليه الأَدِيبُ الأَرِيبُ ». وتَأْرِيبُ الشيء : توفيره. ومَأرَب : موضع ، ومنه ملحُ مَأْرَبٍ (١). و « الأُرْبَى » بضم الهمزة الداهية و « الإِرْبِيَان » بالكسر سمك معروف في بلاده (٢)
(أَرْنَبُ)
فِي الْخَبَرِ : « رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ ».
ومثله » كَانَ يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ ».
الأَرْنَبَةُ : طرَفُ الأنف عند الكل و « الأَرْنَبُ » واحدة الأَرَانِبِ هو حيوان يشبه العَناقَ قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزَّرَّافَةِ ، يطأ الأرض على مؤخَّر قوائمه ، وهو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى ... قيل : وقضيبُ الذَكَر كذَكَرِ الثَّعْلَبِ أحدُ شَطْرَيْهِ عظمٌ والآخر عَصَبٌ ... وتُسَافِدُ وهي حُبْلَى ، وتكون عاما ذكرا وعاما أنثى ـ كذا في حياة الحيوان (٣).
وَفِي الْحَدِيثِ : « الْأَرْنَبُ مَسْخٌ كَانَتِ امْرَأَةً تَخُونُ زَوْجَهَا وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضِهَا » (٤).
(أزب)
في الحديث ذُكِرَ الْمِيزَابُ. وفي المصباح : « المِئْزَابُ » بهمزة ساكنة و « المِيزَابُ » للمبالغة ، وجمع الأول « مَآزِيبُ » والثاني « مَيَازِيبُ »
__________________
(١) » مأرب » بفتح الميم والهمزة وكسر الراء ، ويقال بسكون الهمزة. انظر معجم ما استعجم ص ١١٨٠. ومراصد الاطلاع ص ١٢١٨.
(٢) » الإربيان » اسم فارسي معرب ، وقد يحرف إلى الروبيان ، وقد ذكره الدميري في حياة الحيوان ج ١ ص٣٧١.
(٣) انظر ج ١ ص ٢٠.
(٤) بحار الأنوار ج ١٥ ص ٧٨٤.
وربما قيل : « مَوَازِيبُ » ، من « وَزَبَ الماء » : إذا سال ، وقيل بالواو مُعَرَّبٌ ، وقيل مُوَلَّدٌ ، وعن ابن الأعرابي : يقال لِلْمِيزَابِ : « مرزاب » و « مزراب » بتقديم الراء المهملة وتأخيرها. والأَزِبُ : الكثير الشعر. والْأَزْبَة : الجدب.
(أشب)
الأُشَابَة : أَخْلَاط الناس. وأَشَبَ القوم : خلط بعضهم ببعض ، وتَأَشَّبُوا حوله : اجتمعوا إليه وطافوا به
(ألب)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « وَا عَجَبَا لِطَلْحَةَ أَلَّبَ النَّاسَ عَلَى ابْنِ عَفَّانَ حَتَّى إِذَا قُتِلَ أَعْطَانِي صَفْقَتَهُ » (١).
أي جمع الناس ، من قولهم : « أَلَبَ الإبِلَ أَلْباً » أي جمعها وساقها ، و « أَلَبْتُ الجيشَ » جمعته و « تَأَلَّبُوا » تجمعوا
(أنب)
فِي الْحَدِيثِ : « مَنْ أَنَّبَ مُؤْمِناً أَنَّبَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ».
« التَّأْنِيبُ » المبالغة في التوبيخ والتعنيف ومنه « فَتُؤَنِّبُونَهُ ». و « الأَنَابِيبُ » جمع « أُنْبُوبٍ » : الرماحُ
(أوب)
قوله تعالى ( يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ ) [٣٤ / ١٠ ] أي سَبِّحِي من « التَّأْوِيبِ » وهو التسبيح
رُوِيَ أَنَّهُ كَانَتِ الطَّيْرُ وَالْجِبَالُ تُرَجِّعُ التَّسْبِيحَ مَعَ دَاوُدَ عليه السلام
والتَّأَوْيُب : سير النهار كله ، فكَأَنَّ المعنى : سبِّحِي نهارَكَ كلَّه معه كَتَأْوِيبِ السائر نهارَهُ كلَّه ، فيجوز أن يكون خلق الله فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة فيسمع في الجبال التسبيح كما يسمع من المُسَبِّحِ ، معجزةً لداود (ع) قوله تعالى : ( أَوَّابٌ ) [٣٨ / ١٧ ] أي رَجَّاع عن كل ما يكره الله إلى ما يُحِبُّ. والْأَوَّابِينَ [ ١٧ / ٢٥ ] مثله و « المَآبُ » المَرجِعُ ، قوله تعالى : ( اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً ) [ ٧٨ /٣٩ ] أي
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٥٤.
عملا يرجع إليه.
قوله تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ) [ ٨٨ / ٢٥ ] قال الشيخُ أَبُو عليٍّ : قرأ أبو جعفر إِيَّابَهُمْ بالتشديد والباقون بالتخفيف ، والمعنى : إلينا مرجعهم ومصيرهم بعد الموت ، ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ. )
وَفِي الْحَدِيثِ : « ثَمَانُ رَكَعَاتِ الزَّوَالِ تُسَمَّى صَلَاةَ الْأَوَّابِينَ » (١).
يعني : الكثيرين الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة. و « الأَوَّابُ » بالتشديد : التائب. وقَوْلُهُ : « آئِبُونَ تَائِبُونَ ».
هو جمع « آئِبٍ ». و « أَيُّوبُ » من آبَ يَئُوبُ ، وهو أنه يرجع إلى العافية والنعمة والأهل والمال والولد بعد البلاء كذا في معاني الأخبار (٢).
قَوْلُهُ : « إِنِّي بِإِيَابِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (٣).
يريد بذلك الإقرار بالرجعة في دولة القائم و « آبَتِ الشمسُ » ـ بالمد ـ لغة في غابت ، ومنه الْحَدِيثُ : « لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ شَيْئاً حَتَّى تَئُوبَ الشَّمْسُ » (٤).
أي تَغِيب وَفِي الْحَدِيثِ : « طُوبَى لِعَبْدٍ نُؤَمَةٍ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ».
أي لا يُبَالَى به ، ولا يُحْتَفَلُ لِحَقَارَتِهِ. و « آبُ » فصل من فصول السَّنَةِ بعد تَمُّوز.
(أهب)
فِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ : لَا يُفْدَحُ فِي قَبْرِهِ حَتَّى يَأْخُذَ أُهْبَتَهُ (٥).
أي عُدَّتَه ، يقال : تَأَهَّبَ للشيء : استعد له ، وجمع الأُهْبَة « أُهَبٌ » كغرفة وغُرَف. و « الْمُتَأَهِّبُ للشيء » المستعد له. و « أُهْبَةُ الحرب » الْتِهَابُهُ.
وَفِي الْخَبَرِ : « أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ
__________________
(١) من لا يحضر ج ١ ص ١٤٦.
(٢) انظر ص ٥٠.
(٣) من زيارة الجامعة الكبيرة.
(٤) من لا يحضر ج ١ ص ١٤٦.
(٥) في الكافي ج٣ ص ١٩١ عن أبي عبد الله (ع) : « لا تفدح ميّتك بالقبر ولكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه يأخذ أهبته ». وتفدح بمعنى تثقل.
طَهُرَ ».
الإِهَابُ ـ ككتاب ـ الجلد ويقال : ما لم يدبغ ، والجمع « أُهُبٌ » ككُتُب. وبفتحتين على غير القياس. قال بعضهم : ليس في كلام العرب « فِعال » يجمع على « فَعَل » بفتحتين إلا إِهَاب وأَهَبٌ وعِماد وعُمُد. وربما استعير الإِهَابُ لجلد الإنسان
باب ما أوله الباء
(بوب)
قوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) [ ٢ / ١٨٩ ] قيل معناه : باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن يباشر عليها أي الأمور كانت. قوله تعالى : ( يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) [ ١٢ / ٦٧ ]
قَالَ الْمُفَسِّرُ : نَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي جَمَالٍ وَبَهَاءٍ وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ ، وَقَدْ شُهِرُوا فِي مِصْرَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَلِكِ وَالتَّكْرِمَةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِمْ فَخَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ.
وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا تَصْدُقُوا حَتَّى تُسَلِّمُوا أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا ». ثُمَّ قَالَ : « ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ ».
قيل : كان المراد بالأربعة : الإيمان بالله ، ورسوله ، والكتاب الذي أنزل ، وبولاية الأمر ، وبالثلاثة في قَوْلِهِ « ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ ».
يريد من أقر بالثلاثة السابقة وأنكر الولاية ، وقد يعبر بـ « الثلاثة » عن الأول والثاني والثالث. و « الأَبْوَابُ » جمع « بَابٍ » ، وقد جمع البَابُ أيضا على « أَبْوِبَةٍ ». و « الْبَوَّابُ » اللازم لِلْبَابِ. والمعروف من أهل اللغة بأن بَاباً مذكر ، وكذا ناب ، ولذا عيب على ابن أبي الحديد قوله :
يا قَالِعَ البَابِ الَّتِي عَنْ هَزِّهَا |
|
عَجَزَتْ أَكُفٌّ أَرْبَعُونَ وأَرْبَعٌ (١) |
وأصل بَابٍ « بوب » قلبت الواو
__________________
(١) من القصيدة السادسة من القصائد العلويات السبع.
ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وإذا صغرتها زالت علة القلب ورجعت في التصغير إلى الأصل ، وقلت : « بُوَيْبٌ » وكذا ناب.
وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ : « أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌ بَابُهَا ، فَمَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيَأْتِ الْبَابَ ».
رواه الكثير منهم ، ونقل عليه بعضهم إجماع الأمة ، لأنه جعل نفسه الشريفة (ص) تلك المدينة ومنع الوصول إليها إلا بواسطة الباب ، فمن دخل منه كان له من المعصية مندوحة و ( فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) وَاهْتَدَى ( صِراطاً مُسْتَقِيماً ). نقل أن سبب الحديث
أَنَّ أَعْرَابِيّاً أَتَى النَّبِيَّ (ص) فَقَالَ لَهُ : طمش طاح فغادر شبلا لِمَنِ النشب؟ فَقَالَ (ص) : لِلشِّبْلِ مُمِيطاً. فَدَخَلَ عَلِيٌّ (ع) فَذَكَرَ لَهُ النَّبِيُّ (ص) لَفْظَ الْأَعْرَابِيِّ. فَأَجَابَ بِمَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ (ص) فَقَالَ : « أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌ بَابُهَا ». ـ الحديث. ومن لطيف ما نقل هنا أَنَّ أَعْرَابِيّاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى عَلِيٍّ (ع) فَضَحِكَ الْحَاضِرُونَ وَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (ص) يَقُولُ : « أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌ بَابُهَا « فَقَدْ فَعَلْتُ كَمَا أَمَرَ (ص).
وَفِي أَحَادِيثِ التَّهْذِيبِ : « وَقَدْ جَاءَ النَّاسُ يُعَزُّونَهُ عَلَى أَبْوَابِهِ » ، وَفِي الْكَافِي « عَلَى ابْنِهِ ».
ولعله الصواب. وقولهم : « أَبْوَابٌ مُبَوَّبَةٌ » كما يقال : أصناف مصنفة. و « هذا الشيء من بَابَتِكَ » أي يصلح لك
باب ما أوله التاء
(تبب)
قوله تعالى : ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ ) [ ١١١ / ١ ] أي خَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَخَسِرَ هُوَ.
والتَّبَابُ : الخسران والهلاك ويقال : « تَبّاً لك « منصوب بإضمار فعل واجب الحذف ، أي ألزمك الله خسرانا وهلاكا قوله تعالى ( وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) [ ١١ / ١٠١ ] أي غير نقصان وخسران يعني كلما دعاهم إلى الهدى ازدادوا تكذيبا فزادت خسارتهم.
وَفِي الدُّعَاءِ : « حَتَّى اسْتَتَبَ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ».
أي استقام واستتم ، ومنه « اسْتِتْبَابُ الأمر » أي تمامه واستقامته.
(ترب)
قوله تعالى : ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) [ ٩٠ / ١٦ ] أي ذا فقر ، قد لصق بالتُّرَابِ لشدة فقره. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ المطروح فِي التُّرَابِ لَا يَقِيهِ شَيْءٌ.
وهذا مثل قولهم : « فقر مدقع » فإنه مأخوذ من « الدقعاء » وهو التُّرَابُ. وقوله تعالى : ( عُرُباً أَتْراباً ) [ ٥٦ /٣٧ ] أي أمثالا وأقرانا ، واحده « تِرْبٌ » وإنما جعلن على سن واحد لأن التحابب بين الأقران أثبت. قوله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ) [ ٨٦ / ٧ ] « التَّرَائِبُ » جمع « تَرِيبَةٍ » وهي أعلى صدر الإنسان تحت الذقن. وفي المصباح : هي عظام الصدر بين الثندوة إلى الترقوة. قوله تعالى : ( وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) [ ٧٨ / ٤٠ ] قال أبو علي : أي يتمنى أن لو كان تُرَاباً لا يعاد ولا يحاسب ليخلص من عقاب ذلك اليوم. وقال الزجاج : معناه يا ليتني لم أبعث ، ثم
حَكَى عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَجْمَعُ الْوُحُوشَ وَالْهَوَامَّ وَالطَّيْرَ وَكُلَّ شَيْءٍ غَيْرِ الثَّقَلَيْنِ ، فَيَقُولُ : مَنْ رَبُّكُمْ؟ فَيَقُولُونَ : الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ ـ بَعْدَ مَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقْتَصَّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ ـ : أَنَا خَلَقْتُكُمْ وَسَخَّرْتُكُمْ لِبَنِي آدَمَ وَكُنْتُمْ مُطِيعِينَ أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ فَارْجِعُوا إِلَى الَّذِي كُنْتُمْ تُرَاباً ، فَإِذَا الْتَفَتَ الْكَافِرُ إِلَى شَيْءٍ صَارَ تُرَاباً يَتَمَنَّى ذَلِكَ.
وقِيلَ : أَرَادَ بِالْكَافِرِ هُنَا إِبْلِيسَ ، عَابَ آدَمَ بِأَنْ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ
وَافْتَخَرَ بِالنَّارِ ، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَأَى كَرَامَةَ آدَمَ وَوُلْدِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : ( يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ).
وَفِي الْحَدِيثِ ـ فِي قَوْلِهِ ( يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) : « أَيْ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ » (١).
وَفِي الْحَدِيثِ : « عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ».
قيل معناه : افتقرت ولا أصبت خيرا على الدعاء. ومثله « تَرِبَتْ يَمِينُكَ ».
قال بعض المحققين : وقد ذهب إلى ظاهره ـ يعني الحديث ـ بعض أهل العلم ولم يصب ، فإن ذلك وما سلك مسلكه من الكلام تستعمله العرب على أنحاء كثيرة ، كالمعتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والاستحسان والحث على الشيء ، والقصد فيه هاهنا هو الحث على الجد والتشهير في طلب المأمور به واستعمال التيقظ ، مثل قولهم : « انْجُ لَا أَبَا لَكَ « انتهى. وهو جيد متين يؤيده ما ذكر في مجمع البحار حيث قال : « تَرِبَتْ « بالكسر ـ المدح والتعجب والدعاء عليه والذم بحسب المقام ـ انتهى. ومن هذا الباب
قَوْلُهُ (ص) لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ : « تَرِبَتْ يَدَاكِ ، إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ؟ ».
وَفِي حَدِيثِ أَفْلَحَ ، « تَرِّبْ وَجْهَكَ ».
أي ألقه في التُّرَاب ، فإنه أقرب إلى التذلل وكان أفلح ينفخ إذا سجد ليزول التراب. و « أبو تُرَابٍ » من كنى عَلِيٍّ (ع) كني بذلك لأنه صاحب الأرض كلها ، وحجة الله على أهلها ، وبه بقاؤها وإليه سكونها ـ قاله في معاني الأخبار (٢). و « أرض طيبة التُّرْبِ » أي التُّرَابِ و « التُّرْبَةُ » المقبرة ، والجمع « تُرَبٌ » كغرفة وغرف. و « خلق الله التَّرْبَة يوم السبت « يعني الأرض.
وَفِي حَدِيثٍ : « أَتْرِبُوا الْكِتَابَ فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ ».
من « أَتْرَبْتُهُ » إذا جعلت عليه التراب ، ومثله في حَدِيثِ الرِّضَا (ع) « كَانَ يُتَرِّبُ الْكِتَابَ ».
و « تَرَبْتُ الكِتَابَ » من باب
__________________
(١) تفسير البرهان ج ٤ ص ٤٢٣.
(٢) انظر ص ١٢٠.
ضرب ، و « تَرَّبْتُهُ » بالتشديد مبالغة ، و « تَتَرَّبَ الشيء » تلطخ بالكتاب. و « أَتْرَبَ الرجل » استغنى ، كأنه صار [ له ] (١) من المال بقدر التُّرَاب.
(تعب)
تعب ـ بالكسر تَعَباً ـ بالتحريك فهو تَعِبٌ : إذا أعيا وكَلَّ ، ويتعدى بالهمزة فيقال : « أَتْعَبْتُهُ فهو مُتْعَبٌ » ولا يقال : « مَتْعُوبٌ »
(توب)
قوله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ ) ـ الآية [ ٤ / ١٧ ] التوبة هنا من « تَابَ الله عليه « إذا قبل تَوْبَتَهُ ، أي إنما قبول التَّوْبَةِ لهؤلاء واجب أوجبه الله سبحانه على نفسه بقوله : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ ٦ / ٥٤ ] و « كَتَبَ » بمعنى أوجب ـ كما نصّ عليه بعض المفسرين. وعن بعض المحققين : المراد بقبول التَّوْبَةِ إسقاط العقاب بها ، وهو مما أجمع عليه علماء الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله القبول حتى لو عاقب بها بعد التوبة كان ظلما ، أو هو تفضل منه وكرم لعباده ورحمة لهم؟ المعتزلة على الأول ، والأشاعرة على الثاني ، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب الانتصار والعلامة في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف الطوسي في التجريد ـ انتهى كلامه. وهل يجوز التَّوْبَةُ عن بعض دون بعض؟ قال ميثم : وأكثر الأمة على الجواز ـ خلافا لأبي هاشم ـ حجتهم : أن اليهودي إذا غصب حبة ثم تاب عن اليهودية مع إصراره على غصب تلك الحبة تقبل توبته والعلم به ضروري من الدين ، ثم ذكر (ره) حجة أبي هاشم وأجاب عنها. قوله تعالى : ( إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً ) [ ١١٠ /٣ ] التَّوَّاب : الله تعالى ، يَتُوبُ على عِبَادِهِ ، واللفظة من صيغ المبالغة ، أي رجَّاع عليهم بالمغفرة ، يقال : « تَابَ الله عليه » غفر له وأنقذه من المعاصي. والتَّوَّاب من الناس : الراجع إلى الله تعالى ،
__________________
(١) الزيادة منا لسياق الكلام.
من تَابَ من ذنبه يَتُوبُ تَوْبَةً وتَوْباً : أقلع منه
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) الْآيَةَ [ ٩ / ١١٢ ] التَّائِبُونَ مِنَ الذُّنُوبِ ( الْعابِدُونَ ) الَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئاً ( الْحامِدُونَ ) الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ( السَّائِحُونَ ) وَهُمُ الصَّائِمُونَ ( الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ) الَّذِينَ يُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْحَافِظُونَ لَهَا وَالْمُحَافِظُونَ عَلَيْهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا فِي الْخُشُوعِ فِيهَا وَفِي أَوْقَاتِهَا ( الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) بَعْدَ ذَلِكَ وَالْعَامِلُونَ بِهِ ( وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وَالْمُنْتَهُونَ عَنْهُ كَذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (ص).
قوله تعالى : ( وَقابِلِ التَّوْبِ ) [ ٤٠ /٣ ] أي التَّوْبَةِ ، والهاء في التَّوْبَة قيل لتأنيث المصدر ، وقيل للوحدة كضربة.
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ) [ ٧ / ١٤٣ ] أَيْ رَجَعْتُ إِلَى مَعْرِفَتِي بِكَ عَنْ جَهْلِ قَوْمِي ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) مِنْهُمْ بِأَنَّكَ لَا تُرَى كَذَا رُوِيَ عَنِ الرِّضَا (١)
قوله تعالى : ( وَإِلَيْهِ مَتابِ ) [ ١٣ /٣٠ ] أي مرجعي ومرجعكم. « التَّوْبُ والتَّوْبَةُ « الرجوع من الذنوب وفي اصطلاح أهل العلم : الندم على الذنب لكونه ذنبا.
وَفِي الْحَدِيثِ : « النَّدَمُ تَوْبَةٌ ».
وفِيهِ عَنْ عَلِيٍّ (ع) : « التَّوْبَةُ يَجْمَعُهَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ : عَلَى الْمَاضِي مِنَ الذُّنُوبِ النَّدَامَةُ وَللفَرَائِضِ الْإِعَادَةُ ، وَرَدُّ الْمَظَالِمِ ، وَاسْتِحْلَالُ الْخُصُومِ ، وَأَنْ تَعْزِمَ أَنْ لَا تَعُودَ ، وَأَنْ تُرَبِّيَ نَفْسَكَ فِي طَاعَةِ اللهِ كَمَا رَبَّيْتَهَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ، وَأَنْ تُذِيقَهَا مَرَارَاتِ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهَا حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ ».
والتَّوْبَةُ : الرجوع من التشديد إلى التخفيف ومنه قوله تعالى : ( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ) [ ٧٣ / ٢٠ ] ، ومن الحظر إلى الإباحة ومنه قوله تعالى : ( تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ ) [ ٢ / ١٨٧ ].
__________________
(١) البرهان ج ٢ ص٣٤.
قوله تعالى : ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) [ ٢ / ٢٤٨ ]
قِيلَ : « التَّابُوتُ » هُوَ صُنْدُوقُ التَّوْرَاةِ وَمِنْ خَشَبِ الشِّمْشَادِ مُمَوَّهٌ مِنَ الذَّهَبِ نَحْواً مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ. وَقِيلَ : هُوَ صُنْدُوقٌ كَانَ فِيهِ أَلْوَاحُ الْجَوَاهِرِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ الْعَشْرُ كَلِمَاتٍ التَّوْحِيدِ : النَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ السَّبْتِ [ السِّتِ ] ، إِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ ، النَّهْيِ عَنْ يَمِينِ الْكَاذِبَةِ ، السَّرِقَةِ ، قَتْلِ النَّفْسِ ، شَهَادَةِ الزُّورِ ، الزِّنَا ، لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ ، وَلَا زَوْجَتَهُ. وَكَانَ مُوسَى (ع) إِذَا قَاتَلَ قَوْماً قَدَّمَهُ فَكَانَتْ تَسْكُنُ نُفُوسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا يطرون [ يَفِرُّونَ ].
وسيجيء في « سكن » تمام الكلام. وأصل التابوت » تابوة « مثل ترقوة وهو فعلوة ، فلما سكنت الواو تقلب هاء التأنيث تاءا. قال الجوهري حاكيا عن غيره : لم تختلف لغة قريش والأنصار في شيء من القرآن إلا في التَّابُوتِ ، فلغة قريش بالتاء ولغة الأنصار بالهاء ـ انتهى.
وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ (ع) : « جَعَلَكُمُ اللهُ تَابُوتَ عِلْمِهِ وَعَصَا عِزِّهِ ».
أي مجمع علمه وقوة لعزه.
وَفِي الْخَبَرِ : « ثَلَاثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ».
أي لا يلهمهم التوبة. وفِيهِ : « مَنْ تَابَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا « ـ الحديث
باب ما أوله الثاء
(ثاب)
فِي الْحَدِيثِ : « التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالْعَطْسَةُ مِنَ اللهِ ».
التَّثَاؤُبُ فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه » ، يقال : « تَثَاءَبَتْ »
على تفاعلت (١) : إذا فتحت فاك وتمطيت لكسل أو فترة ، والاسم « الثُّؤَبَاءُ « ولا جائز أن تقول : « تَثَاوَبْتُ ». قال بعض الأفاضل : إنما كره التَّثَاؤُبُ لأنه يكون من ثقل البدن واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم ، فأضيف إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس شهوتها ، وأراد به التحذير من سببه وهو التوسع في المطعم. وإنما حمد العطاس لأنه سبب لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات وصفاء الروح. ويتم البحث في » عطس » إن شاء الله تعالى
(ثرب)
قوله تعالى : ( يا أَهْلَ يَثْرِبَ ) [٣٣ / ١٣ ]
يَثْرِبُ بِيَاءِ الْغَائِبِ اسْمُ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِقَةِ ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى مَدِينَةَ النَّبِيِّ (ص) فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ بَانِيهَا ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيَّرَهُ النَّبِيُّ (ص) فَقَالَ : « بَلْ هِيَ طَابَةُ ».
وكأنه كره ذلك الاسم لما يئول إليه من التَّثْرِيبِ. قوله تعالى : ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) [ ١٢ / ٩٢ ] التَّثْرِيبُ : توبيخ وتعيير واستقصاء في اللوم ، يقال : ثَرَبَ عليه يَثْرِبُ ـ من باب ضرب ـ عيب ولام. « والثَّرْبُ » كفلس : شحم قد غشى الكرش والأمعاء رقيق.
(ثرقب)
« الثُّرْقُبَة » بالضم : ثياب بيض من كتان مصر ـ قاله في القاموس.
(ثعب)
قوله تعالى حكاية عن موسى (ع) : ( فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ ) [ ٧ / ١٠٧ ] الثُّعْبَانُ بالضم : الحية العظيمة الجسم.
رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَلْقَاهَا صَارَتْ ثُعْبَاناً فَاغِراً فَاهُ
__________________
(١) ورد مثل ما في الكتاب في الصّحاح للجوهري وأساس البلاغة (ثاب) ، وجاء في بعض نسخ الكتاب » تثأبت على تفعلت » وبكلا الضبطين جاء في القاموس والتّاج واللّسان (ثأب). قال في التّاج : وقال ابن دريد وابن السرقسطي في غريب الحديث : لا يقال تثاءب بالمدّ مخففا ، بل تثأب بالهمزة مشددا ، ثمّ قال في التّاج : قلت وهذا غريب في الرّواية فإنّا لا نعرف إلّا المدّ والهمز ....
بَيْنَ لَحْيَيْهِ ثَمَانُونَ ذِرَاعاً ، وَضَعَ لِحْيَةَ الْأَسْفَلِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَعْلَى عَلَى سُورِ الْقَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ فِرْعَوْنَ وَقَامَ عَلَى ذَنَبِهِ وَارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ نَحْواً مِنَ الْمِيلِ فَهَرَبَ مِنْهُ ، وَأَحْدَثَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَرْبَعُمِائَةِ امْرَأَةٍ ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ مُزْدَحِمِينَ فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً ، وَصَاحَ فِرْعَوْنُ : يَا مُوسَى أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ خُذْهُ وَأَنَا أُؤْمِنُ بِكَ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَخَذَهُ فَعَادَ عَصًا.
والثُّعْبَانُ يقع على الذكر والأنثى والجمع « ثَعَابِينُ ».
وَفِي الْحَدِيثِ : « يَجِيءُ الشَّهِيدُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً ».
أي يسيل ويجري ، من « الثَّعَبِ » بالتحريك وهو سيل الماء في الوادي. وأَثْعَبَ : جرى في المَثْعَبِ بفتح الميم ، أعني واحد مَثَاعِب الحياض ، ومنه حَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ : « وَإِنْ سَالَ مِثْلَ الْمَثْعَبِ ـ فَكَذَا ».
(ثعلب)
الثَّعْلَبُ حيوان معروف ، الأنثى منه ثَعْلَبَة ، والذكر ثُعْلُبَان بضم الثاء ، والجمع ثَعَالِبُ وثَعَالٍ أيضا. وداء الثَّعْلَب : علة معروفة يتناثر منها الشعر ـ قاله الجوهري. و « قرن الثَّعَالِبِ » قرن المنازل ميقات نجد ـ قاله في القاموس.
(ثقب)
قوله تعالى : ( شِهابٌ ثاقِبٌ ) [٣٧ / ١٠ ] الثَّاقِبُ : المضيء الذي يَثْقُبُ الظلام بضوئه فينفذ فيه ، وقيل هو النافذ من المشرق إلى المغرب. قوله تعالى : ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) [ ٨٦ /٣ ] قيل هو الثريا والعرب تسميه النجم ، وقيل القمر لأنه يطلع بالليل.
وَفِي حَدِيثِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ : « إِنَّ عَلَى كُلِ ثَقْبٍ مِنْ أَثْقَابِهِمَا مَلَكاً يَحْفَظُهُمَا مِنَ الطَّاعُونِ وَالدَّجَّالِ » (١).
الثَّقْبُ خرق لا عمق له ، ويقال : خرق نازل في الأرض ،
__________________
(١) في من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص٣٣٧ : فإن على كل نقب من أنقابهما ... وفي النهاية لابن الأثير : على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.
والنَّقبُ بالنون مثله ، والجمع ثُقُوب كفلس وفلوس ، والثُّقْبُ كقُفل لغة ، والثُّقْبَةُ مثله ، والجمع ثُقَبٌ مثل غُرفة وغُرف. وثَقَبْتُهُ ثَقْباً من باب قتل : خرقته بالمِثْقَبِ بكسر الميم. والمِثْقَبُ أيضا : العالم الفطن. ويَثْقُبُ الدم الكرسف : أي يخرقه.
(ثلب)
فِي الْخَبَرِ : « الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الإِثْلِبُ ».
هو بكسر الهمزة واللام وفتحها وهو أكبر الحجر ، قيل معناه الرجم ، وقيل هو كناية عن الخيبة وثَلَبَهُ ثَلْباً من باب ضرب : أعابه ونقصه. والمَثَالِبُ : العيوب ، واحدة مَثْلَبَة
(ثوب)
قوله تعالى : ( هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ) [ ٨٣ /٣٦ ] أي جوزوا بفعلهم. قال أبو علي : قرأ حمزة والكسائي « هَثُّوِّبَ الْكُفَّارُ « بإدغام اللام في الثاء والباقون بالإظهار. قال : واستعمل لفظ الثواب بالعقوبة لأن الثواب في الأصل الجزاء الذي يرجع إلى العامل بعمله وإن كان في العرف اختص بالنعيم على الأعمال الصالحة. قوله تعالى : ( أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ ) [ ٢٤ / ٦٠ ] يريد ما يلبس فوق الثياب من الملاحف وغيرها. قوله تعالى : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ) [ ٢ / ١٢٥ ] أي مرجعا لهم يَثُوبُون إليه أي يرجعون إليه في حجتهم وعمرتهم في كل عام ، ومنه سميت « الثَّيِّب » لأنها وُطِئَت مرة بعد أخرى. قوله تعالى : ( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) [ ٢ / ١٠٣ ] أي ثَوَابُ الله خير مما هم فيه ، وقد علموا ولكن الله سبحانه جهلهم لتركهم العمل بالعلم. قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ) [٣ / ١٤٥ ] يعني به الغنيمة في الجهاد ، وإنما سمي الجزاء ثَوَاباً ومَثُوبَةً لأن المحسن يَثُوبُ إليه أي يرجع وأَثَابَهُمْ أي جازاهم ، وأَثَابَهُ الله مثله وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ
الثَّوَابِ ».
إلخ ، الثَّوَابُ : الجزاء ويكون في الخير والشر ، والأول أكثر. وفي اصطلاح أهل الكلام هو نفع المستحق المقارن للتعظيم والإجلال ، وسماع الثواب قيل يحتمل أن يراد مطلق بلوغه إليه على سبيل الرواية أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك ، كما لو رآه في كتب الفقه مثلا ، وليس ببعيد. وقد تكرر ذكر التَّثْوِيب في الحديث ، قيل هو من باب « ثَابَ » إذا رجع ، فهو رجوع إلى الأمر الأول بالمبادرة إلى الصلاة بقوله : « الصلاة خير من النوم » بعد قوله : « حي على الصلاة » ، وقيل هو من » ثَوَّب الداعي تَثْوِيباً « ردد صوته. وفي المغرب نقلا عنه : التثويب هو قول المؤذن في أذان الصبح : « الصلاة خير من النوم « والمحدث : « الصلاة الصلاة « أو « قامت قامت «
وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ وَالتَّثْوِيبَ فِي الْإِقَامَةِ مِنَ السُّنَّةِ.
فقد قيل فيه : ينبغي أن يراد بالتَّثْوِيبِ هنا تكرار الشهادتين والتكبير ـ كما ذكر ابن إدريس ـ لا التثويب المشهور.
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّثْوِيبِ فَقَالَ : « مَا نَعْرِفُهُ » (١).
فمعناه إنكار مشروعيته لا عدم معرفته. و « الثِّيَاب » جمع ثَوْب ، وهو ما يلبسه الناس من القطن والكتان والصوف والخز والقز ، وأما الستور فليست من الثِّيَاب ـ كذا نقل عن بعض أهل اللغة. وجمع الثوب أَثْوُبٌ كأصوع وأَثْوَابٌ وثِيَابٌ بالكسر. والثَّوَّابُ بالتشديد : بائع الثِّيَاب. وثَاب الرجل يَثُوب ثَوْبا وثَوَبَاناً : إذا رجع بعد ذهابه ، ومنه « فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ (ص) ».
أي يرجعون إليه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ : « إِنَّ عَمُودَ الدِّينِ إِذَا مَالَ لَا يُثَابُ بِالنِّسَاءِ ».
أي لا يعاد إلى استوائه. وثَابَ الماء : إذا اجتمع في الحوض ومَثَابٌ الحوض : وسطه الذي يَثُوب إليه الماء إذا استفرغ. ومَثَابُ البئر : مقام الساقي ووسطها ومن هذا حَدِيثُ مِنًى : « اتَّسِعِي فِي فِجَاجِكِ
__________________
(١) الكافي ج٣ ص٣٠٣.