المدرّس الأفضل - ج ٢

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني

المدرّس الأفضل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد علي المدرّس الأفغاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذي علمنا القرآن ، الذي هو لكل شيء تبيان ، والصلاة والسّلام على مفخرة آل عدنان ، الذي كان نبيا قبل خلق الخلق والانسان المبعوث في الأميين لأن يهدي الى سبيل الرشد الانس والجان ، محمّد خاتم الانبياء المنسوخ بشريعته جميع الشرايع والأديان ، منجى العباد من ردبلة عبادة الشيطان والأوثان ، افصح من نطق بالضاد الذين لهم قصب السبق في ميدان الفصاحة والبلاغة والبيان ، وعلى آله الذين هم خيرة الرحمن من بين العباد ، واللعن الدائم على اعدائهم ومنكري فضائلهم من الآن الى يوم التناد.

أما بعد : فيقول المفتقر الى ربه الكريم محمّد علي بن مراد علي الغزنوي الجاغوري : هذا هو الجزء الثاني من كتابنا المسمى ب (المدرس الأفضل في شرح ما يرمز ويشار اليه في المطول) فلنشرع فيه بعون الله وتوفيقه :

(و) الفصاحة (في المتكلم ملكة) قال في اقرب الموارد : الملكة محركة : صفة راسخة في النفس ـ انتهى. و (هي) اي الملكة (قسم من مقولة الكيف) والكيف واحد من المقولات (١) والمقولات عشرة

__________________

(١) من اصطلاحات القوم اطلاق المقولة على الجوهر والاعراض التسعة ، ووجه اطلاق المقولة عليها اما كونها محمولات كما هو اصطلاح

٣

اقسام على المشهور ، وعليه ارسطو وأتباعه ، ونحن نبينها على سبيل الاجمال ، لأن التفصيل في كل واحد منها والنقض والابرام الوارد في تعريفها والدفع والاشكال في الطرد والعكس ، كل ذلك مع كونه موجبا للكلال والملال خارج عن مقتضى الحال ، فنقول مستعينا من العزيز المتعال :

احدها ـ «الجوهر» ، وعرفوه بأنه المهية التى اذا وجدت في الأعيان ـ اى اتصفت بالوجود الخارجي ـ كانت لا في موضوع ـ اى المحل المتقوم للحال ـ كما قال الحكيم المتأله السبزواري :

الجوهر المهية المحصلة

اذا غدت في العين لا موضوع له

اى اذا صارت في العين ـ اى اذا وجدت فيها ـ لا موضوع له ، والتسعة الباقية اعراض وعرفوا العرض بأنه الماهية التى اذا وجدت في الخارج كانت في موضوع ، كما قال الحكيم السبزوارى :

العرض ما كونه فى نفسه

الكون في موضوعه لا تنسه

والثانى «لكم» ، وعرفوه بأنه العرض الذى يقبل القسمة لذاته ، وهو اما متصل أو منفصل ، كما قال الحكيم :

الكم ما بالذات قسمة قبل

فمنه ما متصل ومنفصل

والمراد بالمتصل ما يكون لاجزائه المفروضة حد مشترك ، اى حد يكون نسبته الى الجزئين المفروضين نسبة واحدة دلنقطة بالقياس الى جزئى الخط ، فانها ان اعتبرت نهاية لأحد الجزئين يمكن اعتبارها

__________________

اهل الميزان واما كونها بحيث يتكلم فيها ويبحث عنها ، فتكون المقولة بمعني الملفوظة ، والتاء فيها اما للنقل من الوصفية الى الاسمية وإما للمبالغة كما في العلامة ، والاول كما في الحقيقة.

٤

نهاية للجزء الآخر ، وان اعتبرت بداية له يمكن اعتبارها بداية للآخر ، فليس لها اختصاص بأحد الجزئين.

وكالخط بالقياس الى جزئى السطح والسطح بالقياس الى جزئى الجسم والآن بالقياس الى جزئى الزمان ، والمراد بالمنفصل ما لا يوجد بين اجزائه حد مشترك ، كالعشرة فانها اذا قسمتها الى ستة واربعة كان السادس جزء من الستة داخلا فيها وخارجا من الأربعة ، فليس بين جزئي العشرة حد مشترك كما كانت النقطة مشتركة بين جزئى الخط.

والكم المتصل قسمان : احدهما ما يكون قار الذات ـ اى مجتمع الأجزاء في الوجود. وهذا القسم هو المقدار ، فان قبل القسمة في الجهات الثلاث ـ اي الطول والعرض والعمق ـ فهو الجسم التعليمى ، وان قبلها في الجهتين الأوليين فهو السطح ، وان قبلها في الجهة الأولى فهو الخط. وثانيهما ما لا يكون قار الذات وهو الزمان.

والكم المنفصل قسم واحد وهو العدد ، والى اجمال ما ذكرنا اشار الحكيم السبزواري بقوله :

بذي اتصال ههنا قد قصدا

ما فيه حد متشارك بدا

ثانيهما يكون الاعداد فقط

وأول جسم وسطح ثم خط

فذاك ذو الترصيف والثبات

ثم الزمان المنقضى بالذات

والثالث من المقولات «الاضافة» ، وهي قسمان احدهما الاضافة الحقيقية وهي نفس النسبة المتكررة ، اى النسبة التى لا تعقل الا بالقياس الى نسبة اخرى معقولة ايضا بالقياس الى الأولى كالأبوة والبنوة ، فان الأبوة نسبة لا تعقل الا بالقياس الي البنوة التى هي ايضا نسبة معقولة بالنسبة

٥

الى الأبوة. وثانيهما الاضافة المشهورية وهي المجموع المركب من الحقيقية ومن معروضها كالأب مع اتصافه بالأبوة ، وكالابن مع اتصافه بالبنوة.

وقد يعبر عن الاضافة بالمضاف فيقال المضاف الحقيقى والمضاف المشهوري وهو تفنن. ويختص المضاف المشهوري بأمور :

«منها» ـ انه يجب فيه الانعكاس ، بمعنى انه اذا نسب احد المضافين المشهوريين الى الآخر من حيث انه مضاف وجب ان تنعكس تلك النسبة فينسب اليه الآخر ايضا ، فانه كما يقال «زيد اب لعمرو» كذلك يقال «عمرو ابن لزيد» واما المضاف الحقيقى فلا انعكاس فيه ، اذ لا نسبة فيه حتى يتصور فيه انعكاس ، اذ لا يقال «الابوة ابوة للبنوة».

ثم اعلم ان الانعكاس قد يحتاج الى حرف الاضافة كالعظيم والصغير ونحوهما ، وقد يحتاج الى ذلك اما على تساوى الحرف في الجانبين كقولك «العبد عبد للمولى والمولى مولى للعبد» او على اختلافه كقولك «العالم عالم بالمعلوم والمعلوم معلوم للعالم»

«ومنها» ـ انه يجب فيه التكافؤ بالفعل والقوة ، بمعنى انه اذا كان احد المضافين موجودا بالفعل فلا بد من ان يكون المضاف الآخر ايضا موجودا كذلك ، واذا كان احدهما موجودا بالقوة فلا بد من ان يكون الآخر كذلك : مثال الأول كون الشخصين بالفعل احدهما ابا للاخر والآخر ابغا له ، ومثال الثاني كون الشخصين بحيث يكون من شأن احدهما التقدم بحسب المكان مثلا ومن شأن الاخر التأخر منه بحسبه.

وليعلم انه لا فرق في وجوب التكافؤ بين كون المضافين مختلفين

٦

كالأبوة والبنوة والعلية والمعلولية والفوقية والتحتية وأمثالها ، وبين كونهما متشابهين كالاخوة بين الشخصين والقرب او البعد من الجانبين.

ومن خواص الاضافة ان المضاف يعرض جميع الأشياء حتى واجب الوجود تعالى وتقدس ، كالخالقية والرازقية وامثالهما له جل جلاله ـ فتأمل.

وأما أقسامه فانه ينقسم بحسب سائر المقولات التي تعرض فيها الاضافة فانها كما قلنا تعرض جميع الأشياء : فان عرضت للجوهر حدث منه الاب والابن والمولى والعبد وما شابههما ، وان عرضت في الكم حدث منه الصغير والكبير والقليل والكثير والنصف والضعف ونظيرها ، وان عرضت في الكيف كانت منه الملكة والحال والحس والمحسوس والعلم والمعلوم ونظيرها ، وان عرضت في الاين ظهر منه فوق واسفل وقدام وتحت وباقي الجهات ، وان عرضت في المتى حصل منه السريع والبطيء والمتقدم والمتأخر ونحوها ، وان عرضت على الوضع حدث منه الأشدية في الانتصاب والأضعفية ونحوهما ، وان عرضت على الملك حدث منه الاكسائية ونحوها ، وان عرضت في الفعل حدث منه الأقطعية ونحوها ، وان عرضت على الانفعال حدث منه اشدية التسخن والتكسر ونحوهما.

والى اجمال ما فصلنا اشار الحكيم الالهى المحقق السبزوارى بقوله :

ان المضاف نسبة تكرر

منه الحقيقى وما يشتهر

وفي المضاف الانعكاس قد لزم

تكافؤ فعلا وقوة حتم

اختلف المضاف او تشاكلا

ويعرض الجميع حتى الأولا

قال رحمه‌الله في شرح قوله «حتى الأولا» : اذ له جل جلاله صفات

٧

اضافية كالخالقية والمبتدئية والرازقية وأمثالها. وقال في الحاشية في بحث رسم العرض : وللمبدأ تعالى اضافة اشراقية وهي اشراق الله تعالى ، وهو الوجود الحقيقى المنبسط على المهيات ، وواضح انه ليس مقولة ، لأن المقولة كما علمت شيئية المهيئة ، بل الماهية الناقصة الجنسية واشراق الله نور السماوات والارض اجل من ان يكون مهية سرائيه وانما هي اضافة اشراقية تشبيها بالاضافة التي هي بين الطرفين في انه بين المرتبة الأحدية التي هي غيب الغيوب وبين المهيات الامكانية وهو برزخ البرازخ ـ انتهى.

هو الأول والاخر والمبديء والمعبد والخالق وهو الرزاق ذو القوة المتين.

الرابع من المقولات «الأين» ، وعرفوه بأنه نسبة الشيء الى مكانه الذى هو فيه ، كقولك في جواب اين زيد انه في السوق او في المدرسة او في الحجرة ، وليس المراد بذلك ان الأين السوق مثلا ، بل المفهوم من قولك في السوق هو العرض. وبعبارة اخرى : انه حالة تحصل للشيء بسبب حصوله في المكان. والحاصل انه نسبة الى مكان ، وذلك المكان إما مكان حقيقى ككون زيد في مكانه الذى يخصه بأن يسعه دون غيره ، او غير حقيقى بأن يسع غيره ايضا ، ككونه في البيت او في السوق او في البلد او في المملكة او في الجمهورية أو في الاقليم او في الأرض أو في السماء او في الجنة او في النار. وقال بعض آخر : بأنه حصول الجسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر.

وكيف كان فهو نوعان : احدهما ما هو اين بذاته ، وثانيهما ما هو اين مضاف. فالذي هو اين بذاته كقولك «في السوق وفي الدار» وما هو اين بالاضافة فهو مثل «فوق وتحت» وسائر الجهات الست وحول ووسط وما يلي وعند ومع وعلى وما اشبه ذلك ، ولكن لا يكون

٨

للجسم اين مضاف ما لم يكن له اين بذاته ، فما كان فوق مثلا فلا بد وان يكون له اين بذاته ، ان كان معنى كونه فوق فوقية مكانية.

وليعلم : أن المشهور حصروا أنواع الأين في الأكوان الأربعة ـ اعنى الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ـ ، وذلك لأن حصول جوهر في المكان إما ان يعتبر بالنسبة الى جوهر آخر أولا ، وعلى الاول إما ان يكون بحيث يمكن ان يتوسطهما ثالث فهو الافتراق وإلا فالاجتماع ، وعلى الثانى ان كان مسبوقا بحصوله في ذلك المكان فهو السكون ، وان كان مسبوقا بحصوله في مكان آخر فهو الحركة ، فيكون السكون حصولا ثانيا في مكان اول والحركة حصولا اولا في مكان ثان.

الخامس من المقولات «المتى» ، وعرفوه بأنه نسبة الشىء الى الزمان وبعبارة اخرى : هو حالة تحصل للشيء بسبب حصوله في الزمان. وكون الشىء فيه اعم من كونه فيه كالماضي والاستقبال ، ومن كونه في حد منه وهو الآن.

وذلك الزمان إما يعرف باسم مشهور كقولك امس وغدا والعام الماضي والعام القابل ونحوها ، او يعرف بحادث معلوم بعيد من الان كقولك في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله او الصحابة او وقت الهجرة.

وايضا ذلك الزمان إما اول للشيء او ثان له ، فزمانه الأول هو الذى يساويه وينطبق عليه غير منفصل عنه ، وزمانه الثاني هو الزمان الأعظم المعلوم الذى نهاية الأول جزء منه ، كقولك «كان فتح مكة في اربع ساعات من يوم كذا» أو «فتح خيبر كان في كذا ساعة من شهر كذا» او «حرب بدر في كذا ساعة من سنة كذا» ، فتلك

٩

الساعات هى الزمان الأول لتلك الأمور المساوي لها المنطبق عليها ، وذلك اليوم او الشهر او السنة زمان ثان تنسب تلك الأمور اليه ، باعتبار كون زمان تلك الأمور جزء من ذلك اليوم او الشهر او السنة ، فيقال «وقع فتح مكة في يوم كذا» و «فتح خيبر في شهر كذا» و «حرب بدر في سنة كذا» والى اجمال هذين العرضين المقولين اشار الحكيم السبزواري بقوله :

هيئة كون الشيء في المكان

متى الهيئة في الزمان

«السادس» ـ من المقولات «الوضع» ، وعرفوه بأنه عبارة عن كون الجسم بحيث يكون لأجزائه بعضها الى بعض نسبة بالانحراف والموازاة والجهات واجزاء المكان ، وقال بعض آخر : هو هيئة حاصلة للجسم بسبب نسبة اجزائه بعضها الى البعض وبسبب نسبتها الى الأمور الخارجية ، كالقيام والقعود والاضطجاع والانبطاح ، فان هذا الاختلاف يرجع الى تغاير نسبة الأعضاء ، اذ الساق يبعد من الفخذ في القيام وفي القعود يتضامان ويتلاصقان ، واذا مدّ رجليه مستلقيا فوضع اجزائه كوضعه اذا قام ، ولكن يختلف وضعه بالنسبة الى الجهة والمكان ، اذ كان الرأس في القيام فوق الساق وليس كذلك عند الاستلقاء. وقس على ذلك سائر الأوضاع ، والى بعض ما ذكرنا اشار الحكيم بقوله :

الوضع هيئة لشيء حاصلا

من نسبة الاجزاء بعضها الى

بعض ومن نسبة الخارج

للكون بالحس مشارا قد يجي

«والسابع» ـ من المقولات «الملك» ، ويقال له «الجدة» ، وعرفوه بأنه حالة تحصل للشىء بسبب ما يحيط بكله كنسبة الغنم الى جلده ، او ببعضه كنسبة الانسان الى قميصه. ويشترط فيه ان ينتقل

١٠

المحيط بانتقال المحاط ، وذلك ليخرج الأين ، فانه ـ وان كان هيئة حاصلة للشيء بسبب المكان المحيط به ـ الا ان المكان لا ينتقل بانتقاله والى ذلك اشار الحكيم بقوله :

هيئة ما يحيط بالشيء جده

بنقله لنقله مقيده

«والثامن» ـ من المقولات «الفعل» ، وعرفوه بأنه حالة تحصل للشيء بسبب تأثيره في غيره كالقاطع ما دام يقطع. وبعبارة اخرى : هو تأثير الشىء في غيره على اتصال غير قار ، كالحال الذي للمسخن ما دام يسخن.

«والتاسع» ـ من المقولات «الانفعال» ، وعرفوه بأنه حالة تحصل للشيء تأثره عن غيره. وبعبارة اخرى : هو تأثر الشيء من غيره كذلك ، كالحال الذي للمتسخن ما دام يتسخن ، واليهما اشار الحكيم السبزواري بقوله :

الفعل تأثيرا بدا تدرجا

تأثر كذاك الانفعال جا

«والعاشر» ـ من المقولات «الكيف» ، (ورسم القدماء بأنها هيئة قارة) وهو ما يجتمع اجزاؤه في الوجود (لا تقتضي قسمة ولا نسبة لذاته) كما قال الحكيم :

الكيف ماقر من الهيآت

لم ينتسب ويقتسم بالذات

والى اجمال ما فصلنا اشار بعض المحشين ، وهذا نصه : «الممكن» وهو الذى لا يقتضي وجوده ولا عدمه إما جوهر او عرض لأنه ان لم يكن في الموضوع وهو المحل المتقوم للحال فهو الجوهر ، وان كان في الموضوع فهو العرض ، وهو عند الحكماء تسعة اقسام : لأنه إما يقتضي القسمة او النسبة او لا هذا ولا ذاك ، والاول هو «الكم» ،

١١

وعرفوه بأنه العرض الذي يقتضي القسمة لذاته كالأعداد والمقادير ، والثانى الأعراض النسبية ، وعرفوها بأنها اعراض يتوقف تعقلها علي تعقل الغير ، وهي سبعة اقسام : الاول هو «النسبة المكررة» كالأبوة والبنوة ، والثانى «الأين» وهو الحصول في المكان ، والثالث «متى» وهو الحصول في الزمان ، والرابع «الوضع» وهو هيئة تحصل للجسم من نسبة اجزائه بعض إلى البعض ، والى الامور الخارجة كالقيام والقعود : الخامس «الملك» وهو نسبة الشيء الى ملاصق بدن رجل باللصاقة كالتعمم والتقمص ، والمراد بهذه مصادر ما صدر لأنفسها ، لأنها من قبيل ان يفعل ، السادس «الفعل» وهو التأثير كالقطع ، والسابع «ان ينفعل» وهو التأثر كالانقطاع (فهذه السبعة مع الكم ثمانية) والتاسع (من الأعراض) «الكيف» ، وتعريفه هو المعروف في الشرح (فصارت مع الجوهر عشرة كاملة) والدليل على الانحصار هو الاستقراء ـ انتهى. فبما قدمناه من التفصيل يسهل عليك فهم هذا الاجمال ، والله الموفق والمعين في كل حال ، وعليه المعول والاتكال والى المقولات العشرة اشار الشاعر بقوله :

عد المقولات في عشر سأنظمها

في بيت شعر علا في رتبة نقلا

الجوهر الكم كيف والمضاف متى

اين ووضع له ان ينفعل فعلا

وقد اشار بعضهم الى امثلتها فقال :

زيد الطويل الأزرق ابن مالك

في بيته بالأمس كان متكى

جوهركم كيف اضافة

اين متى وضع

بيده غصن لوى فالتوي

فهذه عشر مقولات سوى

ملك فعل انفعال

١٢

وكذلك قوله :

وهو قمر عزيز الحسن

الطف مصره

جوهركم كيف

اضافة اين

لو قام يكشف عمتى

لمّا اثنتى

وضع ان يفعل ملك

متي ان ينفعل

وكذلك بالفارسي :

كل به بستان دوش

در خوشتر لباسي خفته بود

جوهر اين متى

ملك وضع

يك نسيم از كوى جانان

خواست خرّم در كذشت

اضافة فعل كيف انفعال

قال الغزالي : فان قيل : فهذا الحصر اخذ تقليدا من المتقدمين او عليه برهان؟ قلنا : التقليد شأن العميان ، والمقصود ان تتهذب طرق البرهان فكيف يقنع بالتقليد بل هو ثابت بالبرهان ، فوجهه : ان هذا الحصر فيه ثلاث دعاوي : احداها ان هذه العشرة موجودة ، وهذا معلوم بمشاهدة العقل والحس كما فصلنا. والآخر انه ليس في الوجود شىء خارج عنها وعرف ذلك ، بل ان كل ما ادركه العقل ليس يخلو من جوهر او عرض ، وكل جوهر ينطبق عليه عبارة او يختلج به خاطر فممكن ادراجه تحت هذه الجملة ـ انتهى محل الحاجة من كلامه.

وقال القوشجى : اختلفوا في ان الاجناس العالية للأعراض كم هي؟ فذهب ارسطو وأتباعه الى انها تسعة واختاره المصنف ، وذهب طائفة اخرى الى انها ثلاثة الكم الكيف والنسبة ، وهي شاملة للسبعة

١٣

التى جعل ارسطو واتباعه كل واحد منها جنسا ، وذهب طائفة اخرى الى انها اربعة الحركة والاضافة والكم والكيف ـ الى ان قال ـ قال الامام : وهذه الأشياء التى يتوقف عليها انحصار المقولات في هذه العشرة مما لا سبيل الى تحقيقها ، وما يقال في بيان الانحصار «من ان العرض ان قبل القسمة لذاته فالكم ، والا فان لم تقتض النسبة لذاته فالكيف ، وان اقتضاها فالنسبة إما للأجزاء بعضها الى بعض وهو الوضع ، او للمجموع الى امر خارج ، وهو ان كان عرضا فإما كم غير قار فمتى ، او قار ينتقل بانتقاله فالملك ، اولا وهو الأين ، واما نسبة فالمضاف ، واما كيف والنسبة اليه اما بأن يحصل منه غيره فان يفعل ، او يحصل هو من غيره فان ينفعل ، والا فهو الجوهر» فكل ذلك وجه ضبط يسهل الاستقراء ويقلل الانتشار ـ انتهى بأدنى تغيير للتقريب. ولا يذهب عليك ان «لذاته» راجع الى «لا تقتضى قسمة» ايضا.

(والهيئة) كما في المصباح : الحالة الظاهرة (والعرض) كما فيه ايضا : ما لا يقوم بنفسه ولا يوجد الا في محل يقوم به ، فهما (متقاربا المفهوم الا ان العرض يقال باعتبار حلوله والهيئة) يقال (باعتبار حصوله).

«تنبيه» اعلم ان العرض يطلق على معنيين : «الأول» ما يقصدونه به في باب ايساغوجي ـ اى الكليات الخمس ـ وهو الخارج المحمول المنقسم الى العرض الخاص والعرض العام ، وهو العرض المقابل للذاتى.

«والثانى» ما يقصدونه فى قاطيقورياس اى الصناعات الخمس المركب منها القياس ـ وهو ما يقابل الجوهر ، وهذا هو المراد هنا.

١٤

(والمراد بالقارة) في تعريف الكيف (الثابتة في المحل ، فخرج بالقيد الأول) وهو قارة (الحركة) وهي كما في الهداية : الخروج من القوة الى الفعل على سبيل التدريج. قيل : بيانه ان الشيء الموجود لا يجوز ان يكون بالقوة من جميع الوجوه ، والا لكان وجوده بالقوة ، فيلزم ان لا يكون موجودا وقد فرضناه موجودا «هف» ، فهو إما بالفعل من جميع الوجوه ، وهو الموجود الكامل الذى ليس له كمال متوقع وهو البارى تعالى شأنه والعقول ، او بالفعل من بعض الوجوه وبالقوة من بعضها ، فمن حيث انه بالقوة لو خرج من القوة الى الفعل فذلك الخروج إما ان يكون دفعة واحدة كانقلاب الماء هواء ، فالصورة الهوائية كانت للماء بالقوة فخرجت منها الى الفعل دفعة واحدة ، وهذا يسمى بالكون والفساد ، فالكون حصول صورة نوعية والفساد زوال تلك الصورة ، وقد يطلق «الكون» على الوجود بعد العدم والفساد بالعكس ، او على التدريج ، وهذا القسم من الخروج يسمى «حركة».

وتنقسم باعتبار مقولة هي فيها على اربعة اقسام :

«الأول» ـ الحركة في الكم ، وهي اربعة اقسام :

الاول «النمو» ، وهو ازدياد حجم الأجزاء الأصلية للجسم بما ينضم اليه ويداخله في جميع الأقطار على نسبة طبيعة ذلك الجسم ، بخلاف السمن فانه زيادة في الأجزاء الزائدة.

«تنبيه» ـ قيل الاجزاء الاصلية في بعض الحيوانات هي المتولدة من المني كالعظم والعصب والرباط ، وهو ما يربط مفاصل الاعضاء مثل ما يكون في رؤوس العظام. والأجزاء الزائدة فيه هى المتولدة من الدم كاللحم والشحم والسمن.

١٥

والثاني من اقسام الحركة في الكم «الذبول» ، وهو انتقاص حجم الأجزاء الأصلية للجسم بما ينفصل عنه في جميع الأقطار على نسبة طبيعة ذلك الجسم ، بخلاف الهزال فانه انتقاص عن الأجزاء الزائدة.

والثالث والرابع من اقسام الحركة الكمية «النخلخل والتكائف» وكل واحد منهما مشترك : فان التخلخل قد يطلق على زيادة مقدار الجسم من غير ان ينضم اليه غيره ، كالثلج المعلوم المقدار ، فانه اذا ذاب كبر مقداره من الأول مع انه لم ينضم اليه غيره ، وقد يطلق على «الانتفاش» ، وهو ان يتباعد اجزاء الجسم ويداخلها جسم غريب ، كالعهن المنفوش. وكذلك التكاثف قد يطلق على «نقصان مقدار الجسم» من غير ان ينفصل عنه جزء كالماء المعلوم المقدار ، فانه اذا انجمد بصير مقداره اصغر من الأول ، مع انه لم ينفصل عنه شيء. وقد يطلق على «الاندماج» وهو ان تتقارب اجزاء الجسم بحيث يخرج ما بينها من الجسم الغريب ، كالقطن الملفوف بعد نفشه ، وقد يطلقان على رقة القوام وغلظه ، والمراد ههنا من كل واحد منهما اول المعانى.

قال الغزالى : التخلخل اسم مشترك ، يقال «تخلخل» لحركة الجسم من مقدار الى مقدار اكبر يلزمه ان يصير قوامه ارق ، ويقال «تخلخل» لكيفية هذا القوام ، ويقال «تخلخل» لحركة اجزاء الجسم عن تقارب بينها الى تباعد ، فيتخللها جرم ارق منها ، وهذه حركة في الوضع والاول في الكم ، ويقال «تخلخل» لنفس وضع الأجزاء. هذا ويفهم حد التكاثف من حد التخلخل ـ انتهى.

١٦

وحكى عن بعضهم انه عدّ السمن والهزال ايضا من اقسام الحركة الكمية ، فعليه يصير اقسام الحركة الكمية ستة.

«والثاني» ـ من اقسام الحركة الحركة في الكيف ، كانتقال الجسم المائى من البرودة الى الحرارة على التدريج ، وانتقاله من الحرارة الى البرودة كذلك ، وتسمى هذه الحركة «استحالة» لتبدل حالة من حالات الجسم الى حالة اخرى له مع بقاء صورته النوعية.

«والثالث» ـ الحركة في الأين ، وهي انتقال الجسم من اين الى اين آخر على سبيل التدريج ، وتسمى هذه الحركة «نقلة» لانتقال الجسم من مكان الى مكان آخر ، كحركة الحجر صعودا ونزولا.

«والرابع» ـ الحركة في الوضع ، كحركة الفلك وحركة الدولاب والرحى ، وكحركة القائم اذا قعد وبالعكس.

والحكيم السبزوارى زاد في اقسام الحركة قسما خامسا تبعا لصدر المتألهين ، وهى «الحركة الجوهرية» ، والى جميع الأقسام يشير بقوله :

ما هي فيه الخمس ذا المرضى

وغيرها دفعى او تبعى

فالكم ما فيه بلا تخالف

لدى تخلخل وفي تكاثف

وفي نموّ وذبول استقر

وكونها في الأين والوضع ظهر

والاستحالة تجوز كالنمو

مع استحالة الخليط والفشوة

زيادة المقدار ان ما زيد في

اجزا تخلخل وفي تكاثف

الحجم منقوص ولا نقصان من

اجزا وذا باسم الحقيقى قمن

على انتفاش واندماج وعلى

رق وغلظة القوام استعملا

١٧

على الاخيرين بمشهور صفا

ثم من الحركة ما قد سلفا

من باب وضع كان ثانيها ومن

كيفية ثالثها لقد زكن

وجوهرية لدينا واقعة

اذ كانت الاعراض كلا تابعة

(و) خرج بالعقد الاول ايضا (الزمان) بناء على وجوده ، فانهم اختلفوا فيه اختلافا فاحشا : فنفاه بعضهم ، وأثبته آخرون.

واستدل النافي : بأن الماضي والمستقبل معدومان ، والآن لا تحقق له مع انه طرف الزمان المخالف له نوعا ، ولعله الى ذلك اشير في الشعر المنسوب الى مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام :

ما فات مضى وما يأتيك فأين

قم واغتنم الفرصة بين العدمين

وأجيب عن ذلك : بأن الماضى والمستقبل معدومان في الحال لا مطلقا كما يدل على ذلك الشعر المتقدم ، فلا يلزم من نفي الاخص نفي الاعم ، وذلك ظاهر.

وقال المثبتون : بأن الزمان ظاهر الوجود ، والعلم به حاصل ، فان جميع الأمم رقاطبة بنى آدم بل خالق العالم قدروه بالساعات والأيام والشهور والاعوام ، وغير ذلك مما هو معلوم عند اولى الأفهام السليمة. ومما استدل به النافون انه ان وجد الزمان الماضي فلا بد ان يوجد اما في الماضي او في الحال او في المستقبل ، والأخيران ظاهرا البطلان ، وكذا الاول ، وكذا لزم ان يكون للزمان زمان آخر ويكون الشيء ظرفا لنفسه ، فلا يكون الماضي من الزمان موجودا اصلا وكذا المستقبل.

وأجاب المثبتون : ان غير الزمان ان لم يوجد فيه اصلا لم يوجد قطعا ، واما الزمان فهو موجود في نفسه وان لم يكن موجودا في

١٨

شيء من الأزمنة ، كما ان المكان موجود في نفسه وان لم يكن موجودا في شىء من الأمكنة ، بخلاف المتمكن فانه اذا لم يوجد في شيء من الأمكنة لم يكن موجودا اصلا.

واختلف المثبتون في حقيقته وماهيته علي اقوال يطول من نقلها الكلام ، حتى تجرأ بعضهم وقال : انه الملك العلام تعالي شأنه عما ينسبه اليه بعض الملاحدة اللئام ، فمن اراد الاطلاع عليها فليراجع قول الحكيم :

فزمن مقدار قطع كانا

ومنهم من قد نفى الزمانا

وقال بعضهم هو التحرك

وقيل واجب وقيل فلك

والمشهور عند المحققين ان الزمان مقدار حركة الفلك الأعظم ، وهو غير قار كالحركة (و) كذلك (الفعل والانفعال) فانهما ايضا غير قارين ، فانهما كما تقدم التأثير والتأثر وعدم تقرر هما واضح بحيث لا يحتاج الى البيان.

(و) خرج (ب) القيد (الثاني) وهو «لا تقتضى قسمة لذاته» (الكم) لأنه تقتضي القسمة لذاته (و) خرج (ب) القيد (الثالث) وهو «ولا نسبة لذاته» (باقى الأعراض) السبعة (النسبيه) والباقى منها خمسة : وهو النسبة المكررة المسماة بالاضافة ، والأين ، والمتى ، والوضع ، والملك. أما الفعل والانفعال فهما ـ وان يكونا من الأعراض النسبية ـ الا انهما قد خرجا بالقيد الأول.

فان قلت : فبالقيد الثالث يمكن اخراجهما ، فلا يحتاج الى اخراجهما الى القيد الأول.

قلنا : نعم لكن قد يأتي في الباب الثانى في بحث تعريف المسند اليه

١٩

بالعلمية انه لا بأس ان يقع في القيود ما يصح به الاحتراز عما اخرجه قيد آخر قبله ـ فراجع وتأمل.

(وقولهم) اي القدماء (لذاته ليدخل فيه) اي في تعريف الكيف (الكيفيات المقتضية للقسمة او النسبة بواسطة اقتضاء محلها ل ذلك) اى للقسمة او النسبة ، وهي الكيفيات المختصة بالكميات ، كالاستقامة والانحناء والتقعير والتقبيب والشكل والخلقة. هذا في الكم المتصل ، وكالزوجية والفردية في الكم المنفصل ، فان هذه الكيفيات تقتضي القسمة والنسبة ، لكن لا لذاتها بل بواسطة اقتضاء محلها لذلك.

(و) الرسم (الأحسن ما ذكره المتأخرون ، وهو : انه) اى الكيف (عرض لا يتوقف تصوره على تصور الغير ، ولا يقتضي القسمة واللاقسمة في محله اقتضاء أوليا) فخرج بالقيد الاول ـ أعنى «لا يتوقف تصوره على تصور الغير» ـ الأعراض السبعة النسبية المقدم بيانها بأجمعها ، وبالقيد الثاني ـ أعنى «لا يقتضى القسمة» ـ الكم ، وبالقيد الثالث ـ اعنى «اللاقسمة» ـ النقطة والوحدة ، بناء على انهما امران وجوديان غير داخلين في شيء من المقولات العشر ، كما هو مذهب الحكماء ، فانهم يقولون : ان النقطة والوحدة امران وجوديان وليسا جنسين لشيء. وحصرهم الممكن في العشرة مرادهم الموجودات منه.

وأما المتكلمون فالنقطة عندهم امر اعتباري لا وجود له ، والوحدة امر عدمى محض ، فحينئذ لا يحتاج لاخراجهما الى قيد ، بل لا معنى له لعدم دخولهما في جنس التعريف.

وعلي القول بالوجود فالنقطة طرف الخط ، والخط طرف السطح ، والسطح طرف الجسم ، فالسطح غير منقسم في العمق ، والخط غير منقسم

٢٠