الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة ومقاصده أربعة :
الأول : في المقدمات : وفيه فصول :
الأول : في أعدادها :
______________________________________________________
قوله : ( كتاب الصّلاة :
ومقاصده أربعة :
الأوّل : في المقدّمات : وفيه فصول :
الأوّل : في أعدادها ) :
المعروف والشّائع أن الصّلاة لغة : الدّعاء ، قال الله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١) أي : ادع لهم ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وصلّت عليكم الملائكة » (٢) ، وقال الشّاعر :
تقول بنتي وقد
قرّبت مرتحلا |
|
يا ربّ جنّب أبي
الأوصاب والوجعا |
عليك مثل الّذي
صلّيت فاغتمضي |
|
يوما فإنّ لجنب
المرء مضطجعا (٣) |
وقد صرّحوا بأن لفظها من الألفاظ المشتركة ، فهي من الله الرّحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدميّين الدّعاء ، وزاد في القاموس حسن الثناء من الله على رسوله (٤) ، ولعلّه من الاستعمالات المجازية لتضمّنه معنى الرّحمة ، لأن كتب اللّغة تجمع الحقيقة والمجاز من غير تمييز غالبا.
وفيه : أنّها عبادة فيها ركوع وسجود (٥) ، وهذا هو المعنى الشّرعي ، فيكون حقيقة لغوية ، حكى في الجمهرة ، عن بعضهم : أن اشتقاقها من رفع الصّلا في
__________________
(١) التوبة : ١٠٣.
(٢) الكافي ٦ : ٢٩٤ حديث ١٠ ، التهذيب ٩ : ٩٩ حديث ٤٣٠.
(٣) من قصيدة للأعشى الكبير يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي رقم ١٣ ، انظر الديوان : ١٥١.
(٤) القاموس ٤ : ٣٥٣ مادة « صلا ».
(٥) القاموس ٤ : ٣٥٣ وانظر : لسان العرب ١٤ : ٤٦٤ مادة « صلا ».
الصلاة إمّا واجبة أو مندوبة.
فالواجبات تسع : الفرائض اليومية ، والجمعة ، والعيدان ، والكسوف ، والزلزلة ، والآيات ، والطواف ، والأموات (١) ، والمنذور ، وشبهه.
______________________________________________________
السّجود ، وهو العظم الّذي عليه الأليتان (٢) ، فهي فعلة من بنات الواو ، أو من صليت العود بالنار ، أي : لينته ، لأنّ المصلّي يلين قلبه وأعضاءه بخشوعه ، فهي من بنات الياء.
والمشهور على ألسنة العلماء : أنّ المعنى الشّرعي ليس بحقيقة لغة ، ولهذا عدّه الأصوليّون ـ في الحقائق الشرعيّة ، الّتي هي مجازات لغوية ـ القائلون بوجودها ، وهو الّذي تشهد به البديهة ، لأنّ أهل اللّغة لم يعرفوا هذا المعنى إلاّ من قبل الشّرع ، وذكرهم لها في كتبهم لا يقتضي كونها حقيقة ، لأنّ دأبهم جمع المعاني الّتي استعمل فيها اللّفظ ، ولا يلتزمون الفرق بين الحقيقة والمجاز.
وقد اختلف الفقهاء في تعريفها شرعا ، وقلّ أن يخلو تعريف منها عن الخلل ، ومن أجودها ما عرّف به شيخنا في الذّكرى ، وهو : أنّها أفعال مفتتحة بالتكبير. مشترطة بالقبلة للقربة (٣).
وقد أشرنا إلى ما يرد عليه طردا وعكسا في المقدمة الّتي وضعتها في الصّلاة ، ثم زدت فيه ونقصت ، فصار إلى قولنا : ( أفعال مفتتحة بالتكبير ، مختتمة بالتّسليم للقربة ) ، وأنا زعيم بأنه أسلم ممّا كان عليه ، ولا أضمن عدم ورود شيء عليه.
والمراد بالمقدمات هنا : ما ترتبط به المباحث الآتية : وهي إمّا شروط للصّلاة ، أو مكملات لها تكون قبلها.
قوله : ( الصّلاة إمّا واجبة أو مندوبة ، فالواجبات تسع : الفرائض اليوميّة ، والجمعة ، والعيدان ، والكسوف ، والزّلزلة ، والآيات ، والطّواف ، والمنذور وشبهه ).
__________________
(١) النسخة التي اعتمدها المحقق الكركي كما يظهر من شرحه خالية من هذه.
(٢) جمهرة اللغة ٣ : ٨٨.
(٣) الذكرى : ٧.
______________________________________________________
الصّلاة تنقسم بالقسمة الاولى : إلى واجبة ومندوبة ، والمندوبة أقسام كثيرة ، والواجبة على ما ذكره المصنّف تسع : الكسوف ، والزّلزلة ، والآيات كل منها قسم برأسه ، ويرد عليه أن الكسوف والزلزلة داخلتان في الآيات ، فعدهما قسمين لها من عيوب القسمة ، وكأنه راعى في ذلك المشهور.
وعدّ المنذور قسما ، وشبهه قسما آخر ، ولو أنّه عدهما قسما واحدا ، وعبر عنهما بعبارة واحدة ـ كما صنعه شيخنا الشّهيد ، حيث عبّر بالملتزم بنذر وشبهه ـ (١) لكان أولى ، إذ لا خصوصيّة للنذر في عدّه قسما دون أخويه.
وأسقط صلاة الجنازة ، وذلك يقتضي كونه لا يرى وقوع اسم الصّلاة عليها حقيقة (٢) ، وكلام الأصحاب مختلف.
ويرجّح الحقيقة الاستعمال ، وإرادة المجاز تحتاج إلى دليل ، لكونه على خلاف الأصل. ويرجح المجاز : أن المشهور كون (٣) الصّلاة شرعا حقيقة في ذات الرّكوع ، ولأن كلّ صلاة تجب فيها الفاتحة ولا شيء من الجنازة تجب فيها الفاتحة.
وعدّها شيخنا في أقسام الواجبة ، فكانت سبعا : اليومية ، والجمعة ، والعيدان والآيات ، والطواف ، والأموات ، والملتزم بسبب من المكلف (٤).
والمراد باليوميّة صلوات اليوم والليلة تغليبا لأن معظمها في اليوم ، وليست الجمعة منها بل هي نوع برأسه ، وإن كانت بدلا من الظّهر ، والظاهر أنّ قضاء اليوميّة داخل فيها لانقسامها إلى الأداء والقضاء ، وكذا قضاء غيرها ، ولا يلزم من كونه غير المقضيّ أن لا يكون من اليوميّة : مثلا لأن المقضي هو الأداء لا نفس اليوميّة.
__________________
(١) اللمعة الدمشقية : ٢٧.
(٢) اختلفت النسخ المعتمدة من كتابنا هذا ، ومتن القواعد حسب النسخة المعتمدة أيضا أعلاه حيث أثبت في هذه الأموات وأسقطها من تلك ، والشارح قدسسره اثبت السبب في الإسقاط وهكذا في بحث الساتر وعدم اعتباره فيها ، ثم إنّه قد اثبت ذلك في الإيضاح ١ : ٧٣ ومفتاح الكرامة ٢ : ٤ ، بخلاف كشف اللثام ١ : ١٥٤ ، والذي يراجع مؤلفات العلامة قدسسره يرى أن رأيه مضطرب فتارة يذكرها واخرى ينفيها ، وفي التذكرة صرح بإسقاطها حيث عد الصلوات الواجبة عدا.
(٣) في « ع » : والمجاز المشهور أن الصلاة ، وفي « ن » : الأصل والمشهور ان الصلاة ، والمثبت من نسخة « ح » ، وهو الصحيح.
(٤) اللمعة الدمشقية : ٢٧.
والمندوب ما عداه.
والفرائض اليومية خمس : الظهر أربع ركعات ، ثم العصر كذلك ، ثم المغرب ثلاث ركعات ، ثم العشاء كالظهر ، ثم الصبح ركعتان ، وتنتصف الرباعيات في السفر خاصة.
والنوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة ، ثمان للظهر بعد الزوال قبلها ،
______________________________________________________
قوله : ( وتنتصف الرّباعيات في السّفر خاصة ).
احترز بقوله : ( خاصّة ) عن الثّنائية والثّلاثية ، ويرد عليه الخوف ، والمراد بتنصيف الرّباعيات في السّفر : حذف الرّكعتين الأخيرتين ، ولا ينافي ذلك ما ورد عن عائشة أنّ الصّلاة افترضت مثنى إلا المغرب ، فزيد فيما عدا الصّبح والمغرب ركعتين ركعتين ، وفي السّفر تصلى كما افترضت (١) ، ومن طرقنا عن الصّادق عليهالسلام قريب منه (٢) ، لأنّ المراد تنصّفها باعتبار ما صارت اليه.
قوله : ( والنوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة ).
هذا هو المشهور ، وابن الجنيد جعل قبل العصر ثماني ركعات للعصر منها ركعتان (٣) ، قال في الذّكرى : وفيه إشارة الى أنّ الزّائد ليس لها ، ولم يخالف في العدد (٤).
وروي ثلاث وثلاثون (٥) بإسقاط الوتيرة.
وروي تسع وعشرون : ثمان للظهر قبلها ، وركعتان بعدها ، وركعتان قبل العصر ، وركعتان بعد المغرب ، وقبل العتمة ركعتان ، واللّيلية ، ونافلة الصّبح (٦).
وروي سبع وعشرون ، بأن يقتصر بعد المغرب على ركعتين (٧).
__________________
(١) انظر صحيح البخاري ١ : ٩٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٨ حديث ٤٨٥ ، الموطأ ١ : ١٤٦ حديث ٨ ، مسند أحمد ٦ : ٢٧٢.
(٢) الكافي ١ : ٢٠٨ حديث ٤.
(٣) نقله في الذكرى : ١١٢.
(٤) الذكرى : ١١٢.
(٥) الكافي ٣ : ٤٤٣ حديث ٤ ، و ٨ : ٧٩ حديث ٣٣ ، التهذيب ٢ : ٥ حديث ٦ ، مجمع البيان : ٥ : ٣٥٧.
(٦) الفقيه ١ : ١٤٦ حديث ٦٧٨ ، التهذيب ٢ : ٦ ـ ٧ حديث ١٠ ـ ١٢.
(٧) التهذيب ٢ : ٦ ، ٧ حديث ٩ ، ١٣.
وثمان للعصر قبلها ، وللمغرب أربع بعدها ، وللعشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة بعدها ، وبعد كل صلاة تريد فعلها ، وثمان ركعات صلاة الليل ، وركعتا الشفع ، وركعة واحدة للوتر وركعتا الفجر.
وتسقط في السفر نوافل الظهرين والعشاء.
______________________________________________________
والاختلاف في الأخبار منزّل على الاختلاف في الاستحباب بالتأكيد وعدمه.
قوله : ( وللعشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة ).
ويجوز فعلهما من قيام ، لخبر سليمان بن خالد ، عن الصّادق عليهالسلام : « ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل » (١).
فإن قلت : فعلى هذا إذا صلّيتا من قيام يكون عدد النّوافل خمسا وثلاثين ركعة.
قلت : إذا كانت الرّكعتان من قيام بدل الرّكعتين من جلوس المحسوبتين بركعة واحدة لا يلزم ذلك ، وفي رواية البزنطي عن أبي الحسن عليهالسلام : « أنّ الرّكعتين بعد العشاء من قعود تعد بركعة » (٢) ففيه دلالة على أنّ أصل فعلهما من قعود.
قوله : ( بعدها وبعد كلّ صلاة تريد فعلها ).
صرّح بذلك الشّيخان في المقنعة (٣) ، والنّهاية (٤) ، حكاه في الذّكرى ، قال : حتّى في نافلة شهر رمضان ، وهو مشهور بين الأصحاب (٥) ، وحكى في المنتهى عن الشّيخ أنّه قال : يستحب أن يجعلها بعد كلّ صلاة يريد أن يصليها (٦).
قوله : ( وتسقط في السّفر نوافل الظّهرين والعشاء ).
لا كلام في سقوط نافلة الظهرين ، إنما الكلام في سقوط نافلة العشاء ، والمشهور السّقوط ، لرواية أبي بصير عن الصّادق عليهالسلام : « الصّلاة في السّفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلا المغرب » (٧) ، الحديث ، وفي رواية أبي يحيى الخياط عن
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٥ حديث ٨.
(٢) الكافي ٣ : ٤٤٤ حديث ٨ ، التهذيب ٢ : ٨ حديث ١٤.
(٣) المقنعة : ٢٧.
(٤) النهاية : ٦٠.
(٥) الذكرى : ١١٥.
(٦) المنتهى ١ : ٢٠٨.
(٧) الكافي ٣ : ٤٣٩ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤ حديث ٣٦.
وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم ، عدا الوتر ، وصلاة الأعرابي.
______________________________________________________
الصّادق عليهالسلام : « يا بني لو صلحت النّافلة في السّفر تمت الفريضة » (١) ، وفي هذا إيماء إلى سقوطها في الخوف الموجب للقصر أيضا ، وادّعى ابن إدريس على السّقوط الإجماع (٢).
وقال الشّيخ في النّهاية : يجوز فعلها سفرا (٣) تعويلا على رواية الفضل بن شاذان (٤) ، والعمل على المشهور.
قوله : ( وكلّ النوافل ركعتان بتشهّد وتسليم ، عدا الوتر ، وصلاة الأعرابي ).
هذا الحكم ، وهو أنّ النّوافل مثنى إلاّ الوتر فإنّها ركعة واحدة ، وصلاة الأعرابي فقد شرّع فيها أربع بتسليمة ـ وسيأتي في صلاة التطوّع إن شاء الله تعالى ـ فلو زاد على اثنتين ـ فيما عداها ـ لم تشرع ، فلا تنعقد الصّلاة ، صرّح بذلك الشّيخ (٥) وجماعة (٦) ، وفي الأخبار ما يدلّ عليه (٧) ، ويؤيده أنّ الصّلاة بتوقيف الشارع ، والمنقول اثنتان.
وكذا القول في الرّكعة الواحدة ، صرّح به الشّيخ في الخلاف (٨) ، وصاحب المعتبر (٩) ، اقتصارا على المتيقّن من فعل النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمة عليهمالسلام ، والمنقول عنهم ، ولأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن البتيراء (١٠) ، وهي : الركعة الواحدة.
قال في المنتهى ـ ما حاصله ـ : لو جوزنا الزّيادة على اثنتين ، فقام إلى الثّالثة سهوا قعد ـ كما في الفرائض ـ وإن تعمّد كأن قصد به الصّلاة ثلاثا فما زاد صحّ ،
__________________
(١) التهذيب ٢ : ١٦ حديث ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢١١ حديث ٧٨٠.
(٢) السرائر : ٣٩.
(٣) النهاية : ٥٧.
(٤) الفقيه ١ : ٢٩٠ حديث ١٣٢٠ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١١٣.
(٥) في المبسوط ١ : ٧١ ، والخلاف ١ : ١١٦ مسألة ٢١٤ كتاب الصلاة.
(٦) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٣٩.
(٧) قرب الاسناد : ٩٠ ، السرائر : ٤٧٩.
(٨) الخلاف ١ : ١١٩ مسألة ٢٢١ كتاب الصلاة.
(٩) المعتبر ٢ : ١٨ ـ ١٩.
(١٠) المحلى ١ : ٢٧٧ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٩٣ ، نصب الراية ٣ : ٤٨ وانظر : لسان الميزان ٤ : ١٥٢.
الفصل الثاني : في أوقاتها : وفيه مطلبان :
الأول : في تعيينها ، لكل صلاة وقتان : أول هو وقت الرفاهية ، وآخر هو وقت الإجزاء.
______________________________________________________
كالمسافر في إحدى الأربعة إذا أراد الإتمام وقد نوى التّقصير ، وإلاّ بطلت كما لو زاد في الفريضة. (١)
وما ذكره حسن ، وقد يستفاد منه اشتراط نية العدد من أوّل الصّلاة ، لأن الزّيادة لا تتحقّق إلاّ إذا نوى النقيصة ، إذ لو أطلق لكان صالحا لكلّ من العددين ، ولأنّ نية الزّيادة حينئذ معتبرة ، وموضع النيّة أوّل العبادة.
قوله : ( الفصل الثّاني : في أوقاتها : وفيه مطلبان : الأوّل : في تعيينها ، لكلّ صلاة وقتان : أول هو وقت الرّفاهية ، وآخر هو وقت الإجزاء ).
المراد : أوقات الصلوات المذكورات ـ أعني : اليوميّة والرّواتب ـ لأنّها التي أسلف تعداد ركعاتها. ويمكن أن يريد أوقات الصلوات اليوميّة ، وذكر أوقات الرّواتب وقع تبعا ، وعلى كلّ حال فلا منافاة بينه وبين قوله : ( لكل صلاة وقتان ) إذ من المعلوم أنّ المراد به الخمس ، ومع أمن اللّبس يجوز مثل ذلك وإن كان حمل العبارة لا يخلو من تكلّف.
والرّفاهية : هي السّعة في العيش ، والمراد بـ ( وقت الرفاهية ) : وقت الفضيلة ، لأن المكلّف في سعة من فعل الصّلاة بالنسبة إلى جميع أجزائه لبقاء الفضيلة ، وهو مقابل وقت الضّرورة عند القائلين بانقسام الوقت الى وقت الاختيار ، ووقت الاضطرار وذوي الأعذار ، وهم الشّيخان (٢) وجماعة (٣).
قال في المبسوط : والعذر أربعة : السّفر ، والمطر ، والمرض ، وشغل يضر تركه
__________________
(١) المنتهى ١ : ١٩٦.
(٢) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٧٢ ، الخلاف ١ : ٤٩ مسألة ١٣ كتاب مواقيت الصلاة ، والنهاية : ٥٨ ، والتهذيب ٢ : ٣٩.
(٣) منهم : ابن ابي عقيل كما في المختلف : ٦٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٨ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٧١.
فأول وقت الظهر زوال الشمس ، وهو ظهور زيادة الظلّ ـ لكل شخص ـ في جانب المشرق ،
______________________________________________________
بدينه ودنياه ، والضّرورة خمسة : الكافر يسلم ، والصّبي يبلغ ، والحائض تطهر ، والمجنون يفيق ، والمغمى عليه يفيق (١).
وفي الذّكرى : إن الحصر في ذلك على سبيل الغالب (٢).
والمراد بوقت الإجزاء : الوقت الّذي متى أتى المكلّف فيه بالفريضة كان فعله كافيا في التّعبد بها أداء ، وإن تفاوتت أجزاؤه في الفضيلة وعدمها.
قوله : ( فأوّل وقت الظّهر زوال الشّمس ، وهو ظهور زيادة الظلّ لكل شخص في جانب المشرق ).
زوال الشّمس : هو ميلها عن وسط السماء ، وانحرافها عن دائرة نصف النّهار ، فانّ الشّمس إذا طلعت وقت لكلّ شاخص ظل في جانب المغرب طويلا ، ثم ينقص بحسب ارتفاع الشّمس حتّى يبلغ كبد السّماء ـ وهي حالة الاستواء ـ فينتهي النّقصان ، وقد لا يبقى للشّاخص ظلّ أصلا في بعض البلاد كمكة ، وصنعاء اليمن في يوم واحد في السّنة ، وهو أطول أيامها حين تنزل الشّمس السرطان ، وقيل باستمرار ذلك ستة وعشرين يوما قبل انتهاء الطول ، ومثلها بعد انتهائه ، وإذا بقي فمقداره مختلف لا محالة باختلاف البلاد والفصول.
فإذا مات إلى جانب المغرب ، فان لم يكن قد بقي ظل عند الاستواء ، فحينئذ يحدث في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي فحينئذ يزيد متحولا إليه.
فإذا أريد معاينة ذلك ينصب مقياس ويقدّر ظلّه عند قرب الشّمس من الاستواء ، ثم يصبر قليلا ويقدر ، فان كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل الشّمس ، وإن زاد زالت ، وفي الأخبار ما يدل على ذلك ، مثل رواية سماعة (٣) ، وغيرها (٤).
__________________
(١) المبسوط للشيخ الطوسي ١ : ٧٢.
(٢) الذكرى : ١١٧.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٧ حديث ٧٥.
(٤) نحو ما رواه الصدوق في الفقيه ١ : ١٤٥ حديث ٦٧٣ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ٢٧ حديث ٧٦.
______________________________________________________
وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خط نصف النّهار الّذي إذا وقع ظل المقياس عليه ـ أعني : الشّاخص المنصوب على مركز الدّائرة ـ كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى جانب المشرق ـ وهو الجانب الّذي فيه المشرق بالنّسبة إلى خط نصف النّهار ـ كان أوّل الزّوال.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ في قول المصنّف : ( وهو ظهور زيادة الظّلّ ... ) ـ يعني الزّوال ـ توسعا وتجوزا ، لأن ذلك لازم الزّوال لا نفسه ، فإنّ الزّوال للشّمس لا للظّل ، وقد أدرج علامتي الزّوال معا ـ أعني : ظهور الظّلّ في جانب المشرق ، وبدوّ زيادته ـ بعد أن لم يكن في عبارته ، وهما علامتان مستقلّتان وإن كانتا في الواقع متلازمتين ، وليس العلم بها معا شرطا لحصول العلم بدخول الوقت ، بل تكفي الواحدة ، والعبارة قد توهم خلاف ذلك.
وقد يعلم الزّوال أيضا بميل الشّمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق ، ذكره الأصحاب (١) ، وفي المبسوط بصيغة وروي (٢) ، وفي المنتهى ما صورته : وقد يعرف الزّوال بالتوجّه إلى الركن العراقي لمن كان بمكّة ، فإذا وجد الشّمس على حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت (٣) ، وفيه كلامان :
أحدهما : أن الركن العراقي ليس قبلة أهل العراق ـ كما هو معلوم ـ فإذا توجه إليه لم تتحقّق صيرورة الشّمس على حاجبه الأيمن ، إلا بعد مضي زمان كثير من وقت الظّهر.
الثّاني : انّ بقية البلاد كذلك ، فما وجه التخصيص بمكة؟ ويمكن أن يكون المقتضي للتخصيص هو أنّ قبلة البعيد هي الجهة ، وفيها طول واتّساع ، فلا يظهر ميل الشّمس إلى الحاجب الأيمن إلا بعد مضي زمان كثير من وقت الظّهر ، بخلاف الاستقبال إلى نفس الكعبة فإن تعيين المحل أقرب إلى الانضباط.
ويرد عليه : أنّ قبلة أهل العراق إلى نفس الكعبة وفيها اتساع أيضا ، إذ ليست
__________________
(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٦٩ ، والشهيد في الذكرى : ١٦٢.
(٢) المبسوط ١ : ٧٣.
(٣) المنتهى ١ : ١٩٩.
إلى أن يصير ظلّ شيء مثله.
______________________________________________________
منحصرة في جزء معين من البيت لا تفاوت في موقف المتوجّه إليه ، ومع ذلك فميل الشّمس عمّا بين العينين إلى الحاجب الأيمن ـ مع شدّة بعد المسافة ـ لا يظهر إلاّ بعد طول زمان من أوّل وقت الظّهر ، فما هرب منه لم يخلص عنه.
ويمكن الاعتذار له بأنّ المراد بالرّكن العراقي : قبلة أهل العراق ، وهو قريب منه ، وتخصيص مكة لأن الانضباط فيها أكثر ، واستفادة الوقت بهذه العلامة فيما أسرع.
وقد يستفاد من قوله في الذّكرى : لمن يستقبل قبلة أهل العراق (١) ، أنّ العلم بالزّوال يحصل بذلك وإن لم يكن المستقبل في العراق ، والظاهر أنّه صحيح فيما يلي هذا الجانب من خط الاستواء.
قوله : ( إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله ).
هذا نهاية وقت الفضيلة ، وقيل : نهاية وقت الاختيار ، والضّمير في ( مثله ) يمكن عوده إلى الشيء ، أي : إلى أن يصير ظل كلّ شيء ـ وهو ما زاد من حين الزّوال ـ بقدر الشيء ، ويمكن عوده إلى الظّلّ ، أي : [ إلى أن يصير ] (٢) ، الظلّ مثله ، أي : مثل نفسه ، ومعناه : أن يزيد الظلّ بعد الزّوال بقدر الظّلّ الّذي كان موجودا حين الزّوال ، والظّلّ يقال من الطّلوع إلى الزّوال ، ثم هو فيء.
ولا يخفى ما في العبارة من التّكلّف والاحتياج إلى التّقدير ، خصوصا على الاحتمال الثّاني ، لامتناع كون المماثلة بين الشيء ونفسه ، إلا أنه لا بد من كون العبارة محتملة للأمرين ليصحّ ابتناء قوله : ( والمماثلة بين الفيء الزائد والظّلّ الأوّل على رأي ) فإنّه وقع مبيّنا للمراد في العبارة من الاحتمالين.
وما اختاره المصنّف هو مختار الشّيخ في التّهذيب (٣) تعويلا على مرسلة يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليهالسلام (٤) ، وفيها مع ضعف السّند والتعقيد والبعد عن قوانين العربيّة عدم الانضباط ، فانّ فيها ذكر الذراع ، ولا يعلم إرادة زيادته
__________________
(١) الذكرى : ١١٧.
(٢) زيادة من نسخة « ح ».
(٣) التهذيب ٢ : ٢٣.
(٤) الكافي ٣ : ٢٧٧ حديث ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٤ حديث ٦٧.
والمماثلة بين الفيء الزائد والظل الأول على رأي.
وللإجزاء إلى أن يبقى للغروب مقدار ثمان ركعات.
وأول وقت العصر من حين مضي مقدار أداء الظهر.
______________________________________________________
بالنسبة إلى أي قامة.
والأصحّ ما عليه الأكثر (١) ، وهو أن المماثلة بين الفيء الزائد والشيء ، اعتبارا بالأخبار الصّريحة الدّلالة (٢).
قوله : ( وللإجزاء إلى أن يبقى للغروب مقدار ثمان ركعات ).
يفهم من قوله هنا : ( وللإجزاء ) ، ومن قوله سابقا : ( لكل صلاة وقتان ) أنّ ما سبق تحديده وقت الرفاهيّة والفضيلة ، ومن ترك تعيين أول الوقت هنا أنّ ما ذكر أوّل بالنّسبة إليهما معا ، وتقدير العبارة : أوّل وقت الظّهر زوال الشّمس ـ وهو الفضيلة ـ إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله ، وللإجزاء إلى آخره.
وفي قوله : ( إلى أن يبقى للغروب مقدار ثمان ركعات ) مناقشة ، فإنّ مقتضاه أنّ وقت الإجزاء ينتهي حينئذ ، فلا يكون مقدار أربع من الثمان من وقت الاجزاء ، وليس بجيّد.
قوله : ( وأوّل وقت العصر من حين مضي مقدار أداء الظّهر ).
هذا هو القول الأصحّ للأصحاب ، وعليه أكثرهم (٣) ، ويعبر عنه بالقول بالاختصاص ، وعليه دلّت رواية داود بن فرقد المرسلة ، عن الصّادق عليهالسلام (٤) ، وقال ابن بابويه : إنّ الوقت مشترك بين الصّلاتين من أوّله إلى آخره (٥) ، ويدلّ عليه ظاهر رواية عبيد بن زرارة ، عن الصّادق عليهالسلام (٦).
__________________
(١) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٤٦ مسألة ٤ من كتاب الصلاة ، والجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشرة ) : ١٤٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٣٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٧٥.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٢ حديث ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦٨ حديث ٨٩١.
(٣) منهم : الشيخ في النهاية : ٥٩ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٩ ، والشهيد في اللمعة : ٢٨.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٥ حديث ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ حديث ٩٣٦.
(٥) المقنع : ٢٧.
(٦) الفقيه ١ : ١٣٩ حديث ٦٤٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦ حديث ٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ حديث ٨٨١.
الى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثليه ، وللإجزاء إلى أن يبقى الى الغروب مقدار أربع.
______________________________________________________
وتحرير القول : أنّه إذا مضى من حين زوال الشّمس مقدار أداء الظّهر تامة الأفعال والشّروط أقل الواجب بحسب حال المكلّف باعتبار كونه مقيما ، ومسافرا ، وصحيحا ، وآمنا ، وبطيء القراءة والانتقالات ، ومستجمعا لشروط الصّلاة ، بأن يصادف أوّل الوقت كونه متطهرا ، خاليا ثوبه وبدنه ومكانه من نجاسة ونحو ذلك وأضدادها ، فيختلف وقت الاختصاص باختلاف هذه الأحوال.
فلو كان المكلّف في حال شدّة الخوف ، ودخل عليه وقت الظّهر متطهرا ، طاهر البدن والثّوب ، مستترا الى آخره ، فوقت الاختصاص بالنّسبة إليه مقدار صلاة ركعتين ، عوض كلّ ركعة تسبيحات أربع.
ولو كان بطيء القراءة ، محدثا ، غير مستتر ، وعليه نجاسة تجب إزالتها ويلزمه الإتمام ، فوقت الاختصاص في حقه مقدار فعل جميع ما ذكر ، وقد نبّه على ذلك في المنتهى (١) ، فإذا مضى مقدار ذلك اشترك الوقت بين الظّهر والعصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ، وكذا القول في المغرب.
ولو أتى بالظّهر فترك واجبا سهوا ، فان كان ممّا يتدارك ـ كالسّجود ـ فوقت تداركه من وقت الاختصاص للظهر ، وإن لم يتدارك ويجب له سجود السّهو ، فوقت السّجود من وقت الاختصاص ـ كترك القيام من الرّكوع ـ ، وإلاّ فلا وقت له كتسبيح الرّكوع ونحوه على قول.
قوله : ( إلى أن يصير ظلّ كل شيء مثليه ).
هذا نهاية وقت الفضيلة على الأصحّ ، وقيل : وقت الاختيار (٢) ، والكلام فيه كما سبق في وقت الظّهر حتّى في المماثلة.
قوله : ( وللإجزاء إلى أن يبقى الى الغروب مقدار أربع ).
يفهم من قوله : ( وللإجزاء ) أنّ ما سبق وقت الفضيلة ، ويستفاد من العبارة أنّ أوّل الوقت بالنسبة إليهما واحد ، ويرد على قوله : ( إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ) ما ورد على نظيره في وقت الظّهر.
__________________
(١) المنتهى ١ : ٢٠١.
(٢) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٧٢.
وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس ـ المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية ـ إلى أن يذهب الشفق ،
______________________________________________________
قوله : ( وأوّل وقت المغرب غيبوبة الشّمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقيّة ).
هذا هو الأصحّ ، وعليه عمل أكثر الأصحاب ، لقول الباقر عليهالسلام : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني المشرق ـ فقد غابت الشّمس من شرق الأرض ومن غربها » (١) ، وروى الكليني عن ابن أبي عمير مرسلا عن الصّادق عليهالسلام : قال : « وقت سقوط القرص ، ووجوب الإفطار أن يقوم بحذاء القبلة ، ويتفقد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق ، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » (٢) وهو صريح في أنّ زوال الحمرة علامة سقوط القرص ، الّذي هو غيبوبة الشّمس ، ومرسل ابن أبي عمير كالمسند.
وللشيخ قول بأنّ الغروب يتحقّق باستتار القرص (٣) ، لقول الصّادق عليهالسلام : « وقت المغرب إذا غربت الشّمس ، فغاب قرصها » (٤) ، ولقوله عليهالسلام لأبي أسامة وقد صعد جبل أبي قبيس والنّاس يصلّون المغرب ، فرأى الشّمس لم تغب ، وإنّما توارت خلف الجبل : « بئس ما صنعت ، إنّما تصليها إذا لم ترها ، خلف جبل غابت أو غارت ، فإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على النّاس أن يبحثوا » (٥) وجوابه : لا دلالة فيهما على تحقق الغروب قبل ذهاب الحمرة ، فتبقى الأخبار الصّريحة باعتبار زوالها بغير معارض.
قوله : ( إلى أن يذهب الشّفق ).
أي : نهاية الفضيلة الى أن يذهب الشّفق : وهو الحمرة في المغرب أوّل الليل إلى
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٧٨ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩ حديث ٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ حديث ٩٥٦.
(٢) الكافي ٣ : ٢٧٩ حديث ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ حديث ٥١٦.
(٣) المبسوط ١ : ٧٤.
(٤) الكافي ٣ : ٢٧٩ حديث ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨ حديث ٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ حديث ٩٤٤.
(٥) الفقيه ١ : ١٤٢ حديث ٦٦١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ حديث ١٠٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ حديث ٩٦١ باختلاف يسير.
وللإجزاء إلى أن يبقى لإجزاء العشاء مقدار ثلاث.
وأول وقت العشاء من حين الفراغ من المغرب إلى ثلث الليل
______________________________________________________
العتمة ، وقيل : هو وقت الاختيار ، والاضطرار الى ربع الليل (١).
قوله : ( وللإجزاء إلى أن يبقى لإجزاء العشاء مقدار ثلاث ).
أي : ونهاية الإجزاء ذلك ، ومنه يعلم أنّ أوّل الوقت بالنّسبة إليهما واحد ، ويرد على قوله : ( إلى أن يبقى لإجزاء العشاء مقدار ثلاث ) أن وقت الاجزاء للمغرب ينتهي إذا بقي مقدار سبع ، وليس كذلك.
قوله : ( وأول وقت العشاء من حين الفراغ من المغرب ).
هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه الفتوى ، لقول الصّادق عليهالسلام : « إذا غربت الشّمس دخل وقت الصّلاتين » (٢) ، وقوله عليهالسلام : « فإذا مضى مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة » (٣).
وقال الشّيخان : أوّل وقتها غيبوبة الشّفق وهو الحمرة المغربية (٤) ، للأخبار الصّريحة في ذلك ، مثل صحيحة بكر بن محمّد ، عن الصّادق عليهالسلام : « أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة » (٥) ، ورواية زرارة ، عن الباقر عليهالسلام : « فإذا غاب الشّفق دخل وقت العشاء » (٦).
ويجاب بأنّ المراد وقت الفضيلة جمعا بين الأخبار ، وفي عدّة أخبار صحيحة جواز فعل العشاء قبل سقوط الشّفق (٧) ، وهي غير قابلة للتّأويل. ويراعى في فعل المغرب الّذي إذا مضى مقدار زمانه يدخل وقت العشاء ما قدمناه في الظّهر.
قوله : ( إلى ثلث اللّيل ).
__________________
(١) ممن قاله الشيخ الطوسي في الاقتصاد : ٢٥٦ والمبسوط ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٧.
(٢) الكافي ٣ : ٢٨١ حديث ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧ حديث ٧٨.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٨ حديث ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ حديث ٩٤٥.
(٤) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٧٥.
(٥) الفقيه ١ : ١٤١ حديث ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ حديث ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ حديث ٩٥٣.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٢ حديث ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ حديث ٩٧٣.
(٧) الكافي ٣ : ٢٨٦ حديث ١ ، الفقيه ١ : ١٨٦ حديث ٨٨٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ حديث ١٠٤٦ و ١٠٤٧.
وللإجزاء إلى أن يبقى لانتصافه مقدار أربع.
وأول وقت الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق إلى أن تظهر الحمرة المشرقية ، وللإجزاء إلى أن يبقى لطلوع الشمس مقدار ركعتين.
______________________________________________________
أي : نهايته للفضيلة ذلك ، وقيل : ذلك وقت الاختيار ، ووقت الاضطرار إلى نصف اللّيل (١).
قوله : ( وللإجزاء إلى أن يبقى لانتصافه مقدار أربع ).
أي : ونهايته للإجزاء ذلك ، ويعلم منه أنّ أوّل الوقت بالنّسبة إليهما واحد ، ويرد على قوله : ( إلى أن يبقى لانتصافه مقدار أربع ) انتهاء وقت الإجزاء حينئذ ، وليس كذلك.
قوله : ( وأول وقت الصّبح طلوع الفجر المستطير في الأفق ).
وهو المنتشر الّذي لا يزال في زيادة ، والأفق : واحد الآفاق ، وهي النّواحي ، والمراد به : الصّادق الّذي يخرج عرضا ، ويقال له : الفجر الثّاني بخلاف الّذي يخرج طولا ويكون ضعيفا دقيقا ، ويقال له : الفجر الكاذب لأنّه ينمحي ويزول ضوؤه ، ويسمّى الأوّل لخروجه أوّلا.
قوله : ( إلى أن تظهر الحمرة المشرقيّة ).
أي : نهايته للفضيلة ذلك ، وقيل : هو آخر وقت الاختيار ، ووقت الاضطرار إلى طلوع الشّمس (٢).
قوله : ( وللإجزاء إلى أن يبقى لطلوع الشّمس مقدار ركعتين ).
أي : ونهايته للإجزاء ذلك ، وأوّل الوقت لهما واحد وهو ما سبق ، ويرد عليه انتهاء وقت الإجزاء بما ذكره ، وقد عرفت مرارا أنّه ليس كذلك.
__________________
(١) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ٨٠.
(٢) قاله ابن ابي عقيل كما نقله عنه في المعتبر ٢ : ٤٥.
ووقت نافلة الظهر من حين الزوال إلى أن يزيد الفيء قدمين ، ونافلة العصر إلى أربعة ، ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الشفق ،
______________________________________________________
قوله : ( ووقت نافلة الظّهر من حين الزّوال إلى أن يزيد الفيء قدمين ، ونافلة العصر إلى أربعة ).
اختلف الأصحاب في آخر وقت نافلة الظّهر والعصر ، فقيل : آخر وقتها زيادة الفيء عن الظّل الأوّل قدمين ، ونافلة العصر أربعة أقدام (١) ، وقيل : آخره زيادة الفيء مثل الشّخص في نافلة الظّهر ، ومثليه في نافلة العصر (٢) ، والأخبار واردة بكل من الأمرين (٣).
وجمع في المختلف بينها بالحمل على تطويل النّافلة بكثرة الدّعاء ونحوه ، وتخفيفها بقلة ذلك (٤) ، وهو في الحقيقة ترجيح للقول بالمثل والمثلين ، وإن كان ظاهر كلامه لا يفيد ذلك لأنه قال : ( وكلا القولين عندي حسن ) ، ولا ريب أنّ الثّاني أظهر ، وقيل : بامتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة (٥).
واعلم أنّ عبارة الشّيخ تقتضي استثناء قدر الفريضة من المثل والمثلين (٦) ، والأخبار تدل على أنّ النّافلة تستأثر بجميع الوقت ، وكلام الشّيخ هو المتجه ، حيث أن وقت الفضيلة منحصر في المثل والمثلين.
قوله : ( ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الشّفق ).
قاله الشّيخ (٧) والجماعة ، واحتمل في الذّكرى امتداد وقتها بوقت المغرب
__________________
(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٤٨ ، والشهيد في اللمعة : ٢٨.
(٢) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٤١.
(٣) لما دل على القدمين والأربعة انظر : الفقيه ١ : ١٤٠ حديث ٦٥٣ ، والتهذيب ٢ : ١٩ حديث ٥٥ ، والاستبصار ١ : ٢٥٠ حديث ٨٩٩ ولما يدل على مثل الشخص ومثليه انظر : التهذيب ٢ : ٢٢ حديث ٦٢ والاستبصار ١ : ٢٥٨ حديث ٨٩١.
(٤) المختلف : ٧١.
(٥) ذهب اليه المحقق في الشرائع ١ : ٦٢ ، ومال اليه الشهيد في الذكرى : ١٢٣.
(٦) المبسوط ١ : ٧٦.
(٧) النهاية : ٦٠.