مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٧٢
تراثنا |
|
|
العدد الرابع [٦٨] |
السنة السابعة عشرة |
|
محتويات العدد
* تشييد المراجعات وتفنيد المكابَرات (٢١) .
...................................... السيّد علي الحسيني الميلاني ٧
* عدالة الصحابة (٨) .
........................................ الشيخ محمّد السند ٤٨
* اللالئ الخوارزمية .
......................................... فارس حسّون كريم ٧٤
* دليل المخطوطات (١١) ـ مكتبة المرتضوي .
................................... السيّد أحمد الحسيني ١٠٢
* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (١١) .
....................................... السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدسسره ١٥١
ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠ |
شوّال
ـ ذو القعدة ـ ذو الحجّة ١٤٢٢ هـ * مصطلحات نحوية (٢٠) . ..................................... السيّد علي حسن مطر ١٨٢ * من ذخائر التراث : * مقتل الإمام الحسين عليه السلام من كتاب « تاريخ
الخلفاء » ، لمؤلّف مجهول ، القرن ( الثالث ـ الخامس ) الهجري . ...................................... تحقيق : الشيخ رسول جعفريان ٢٠١ * من أنباء التراث . ........................................... هيئة التحرير ٢٥١ * * * * صورة
الغلاف : نموذج من مخطوطة كتاب « تاريخ الخلفاء ـ القسم الخاصّ بمقتل الإمام الحسين عليه السلام » ، لمؤلّف مجهول ، المنشور في هذا العدد ، ص ٢٠١ ـ ٢٥٠ .
تشييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات (٢١) السيّد عليّ الحسيني الميلاني أقول : إنّ المؤاخاة كانت مرّتين ، مرّةً
بمكّة بين المهاجرين ، ومرّةً بالمدينة بين المهاجرين والأنصار . وهذا ما نصّ عليه الحفّاظ
الكبار المعتمدين من أهل السُنّة ، كابن عبد البرّ ، ونقله عنه ابن حجر وأقرّه ، كما سيأتي . وقد نقل السيّد خبر المؤاخاة
الأُولىٰ واتّخاذ النبيّ عليّاً أخاً له عن المتّقي الهندي في كنز العمّال ، عن أحمد في
كتاب مناقب عليّ (١) . . وعنه ، عن ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والبغوي والطبراني في معجميهما ، والباوردي في كتاب المعرفة
، وٱبن عدي ، وغيرهم . ونقل خبر المؤاخاة الثانية وٱتّخاذه
أخاً له كذلك عن المتّقي الهندي في كنز العمّال ومنتخب كنز العمّال ، عن الطبراني في المعجم الكبير (٢) . . __________________ (١)
انظر : كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ رقم ٣٦٣٤٥ من الطبعة الحديثة . (٢)
وقد ذكرنا نحن هذا الحديث بسنده ولفظه ، وأثبتنا صحّته سابقاً ؛ فراجع . وهو في كنز العمّال ١١ / ٦١٠ برقم ٣٢٩٥٥ من الطبعة الحديثة .
ولا يخفىٰ أنّ هؤلاء من أئمّة الحديث ومن كبار الحفّاظ .
هذا ، ولم نجد أحداً من علماء السُنّة ينكر المؤاخاة رأساً ، أو خصوص المؤاخاة بين النبيّ الأكرم والإمام عليهما السلام . . . وإنّما وجدنا ابن تيميّة يقول :
« أمّا حديث المؤاخاة فباطل موضوع ، فإنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يؤاخ أحداً » (١) .
« إنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره ، بل كلّ ما روي في هذا فهو كذب » (٢) .
« إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة » (٣) .
وممّا يشهد بتفرّد ابن تيميّة بهذا الرأي ، وشذوذه عن جمهور الحفّاظ ، نسبة العلماء الكبار كابن حجر وغيره الخلاف إليه وحده ، وردّهم عليه ، كما سيأتي .
فقول القائل : « فقد اختلف العلماء في صحّة المؤاخاة الأُولىٰ ، قال ابن تيميّة » فيه :
أوّلاً : لا اختلاف بين العلماء ، لا في المؤاخاة الأُولىٰ ، ولا في المؤاخاة الثانية .
وثانياً : لا اختلاف بينهم في مؤاخاة النبيّ صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم بينه وبين الأمير عليه السلام في كلتا المرّتين .
وثالثاً : إنّ المنكِر ليس إلّا ابن تيميّة .
__________________
(١) منهاج السُنّة ٤ / ٣٢ .
(٢) منهاج السُنّة ٧ / ١١٧ .
(٣) منهاج السُنّة ٧ / ٣٦١
ورابعاً : إنّ ابن تيميّة يدّعي أنّ جميع الأحاديث في
هذا الباب كذب موضوع ، وهذا المتقوّل المعاصر يحصر روايتها بابن إسحاق ، ويدّعي اختلاف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ، فبين كلامي التابع والمتبوع اختلاف من جهتين ! ! وأمّا قول المتقوّل : « لم تثبت في كتابٍ من كتب السُنّة الصحيحة
، ولم تخرج حديثاً واحداً منها ، وإنّما جاء ذلك في كتب السير والمغازي ، من طريق محمّد بن إسحاق بن يسار ، وقد اختلف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به . . . » ففيه : أوّلاً : وجود خبر المؤاخاة بين الرسول الأعظم
والإمام عليه السلام في كتب السير والمغازي يكفي للاحتجاج . . علىٰ أنّ أحداً لا يقول
ـ وليس له أنْ يقول ـ بانحصار الأحاديث الصحيحة بكتب السُنّة ، حتّىٰ الكتابين المشهورين بالصحيحين منها ، فقد ثبت في محلّه أنّ في غير الكتب المشهورة بالصحاح أحاديث صحيحة كثيرة ، وأنّه ليس كلّ ما في ما يسمّىٰ بالصحاح بصحيح . وثانياً : إنّ الأحاديث في هذه المؤاخاة كثيرة عندهم
بشهادة العلماء الثقات بينهم ؛ قال الزرقاني المالكي : « وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبيّ لعليّ ؛ وقد روىٰ الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عمر ، أنّه صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم قال لعليّ : أما ترضىٰ أنْ أكون
أخاك ؟! قال : بلىٰ . قال : أنت أخي في الدنيا
والآخرة » (١) . __________________ (١)
شرح المواهب اللدنّية ١ / ٢٧٣ .
قلت :
وهذا لفظ الحديث عندهما :
« آخىٰ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم بين أصحابه ، فجاء عليّ تدمع عيناه فقال : يا رسول الله ! آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد .
فقال له رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : أنت أخي في الدنيا والآخرة » (١) .
وأخرجه الحاكم مرّةً أُخرى بعده بزيادة : « آخىٰ بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفّان وعبد الرحمٰن بن عوف » .
وهو موجود في غيرهما من كتب الحديث .
إذن ، فالحديث موجود في كتب السُنّة ، وبسندٍ معتبر ، وهو أكثر من حديثٍ واحد ، فمن الكاذب ؟!
وثالثاً : قد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : « قال ابن عبد البرّ : كانت المؤاخاة مرّتين ، مرّةً بين المهاجرين خاصّة وذلك بمكّة ، ومرّةً بين المهاجرين والأنصار » ثمّ ذكر أخبار المؤاخاة عن جماعةٍ من الأئمّة ، إلىٰ أنْ قال :
« وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ علىٰ ابن المطهّر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبيّ لعليّ ؛ قال : لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً ، ولتأليف قلوب بعضهم علىٰ بعض ، فلا معنىً
__________________
(١) صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٥ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٤ .
لمؤاخاة
النبيّ لأحدٍ منهم ، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري . وهذا ردٌّ للنصّ بالقياس . .
. » (١) . وتبعه غيره في ذلك وفي الردّ
علىٰ ابن تيميّة ، كالزرقاني المالكي (٢) . فظهر : إنّ أصل المؤاخاة ثابت ، وإنّها كانت
مرّتين ، وإنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم اتّخذ في كلّ مرّةٍ عليّاً فقط أخاً له ، وإنّ إنكار ابن
تيميّة مردود حتّىٰ من قبل علمائهم ، وإنّه لا منكِر للقضية غيره وإلّا لذكروه . هذا ، ويؤيّد ذلك الأحاديث الكثيرة الوارد فيها
أُخوّة أمير المؤمنين لرسول الله عليهما السلام ، وبعضها بسندٍ صحيح قطعاً ، خاصّة ما أخرجه الحاكم وصحّحه ، ووافقه الذهبي علىٰ ذلك ، كقوله صلّیٰ الله
عليه وآله وسلّم لأُمّ أيمن : « يا أُمّ أيمن ! ادعي لي أخي . فقالت : هو أخوك وتنكحه ؟! قال : نعم يا أُمّ أيمن » (٣) . . وقوله صلّیٰ الله
عليه وآله وسلّم لعليّ : « وأمّا أنت ـ يا عليّ ! ـ فأخي وأبو ولدي ومنّي وإليَّ » (٤) . ومن الأحاديث الصحيحة في
المشابهة بين عليّ وهارون عليهما السلام حديث تسمية أولاده عليهم السلام باسم أولاد هارون . . أخرجه الحاكم ـ وصحّحه ـ
بإسناده عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ بن أبي طالب . . ووافقه الذهبي في تلخيصه ؛ __________________ (١)
فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٢١٧ . (٢)
شرح المواهب اللدنّية ١ / ٢٧٣ . (٣)
المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٥٩ . (٤)
المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ٢١٧ .
إذ قال : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه (١) .
وأخرجه الحاكم ثانيةً بسنده عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ . . . قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . . ووافقه الذهبي وقال ـ مشيراً إلىٰ الحديث السابق ـ : « مرّ عن حديث إسرائيل » (٢) .
هذا ، ولا حاجة إلىٰ تصحيح غير ما ذكر من الأحاديث ؛ لكفاية هذه لمن أراد الحقّ والهداية ، ولو كان ثمّة ضعف في ما لم نذكره ، فهو يقوىٰ بما تقدّم ، وتلك هي قاعدتهم العامّة في الأبواب المختلفة .
وبما ذكرنا يظهر ما في بعض الكلمات من المكابرات .
هذا تمام الكلام في سند حديث المؤاخاة ولفظه .
وأمّا دلالته على أفضلية عليّ عليه السلام من غيره ، فلا يكابر فيها عاقلٌ ؛ ولذا تذكر هذه القضية في أبواب مناقب أمير المؤمنين في كتب الحديث ، مثل كنز العمّال وغيره ، ولولا ذلك لَما بذل ابن تيميّة جهده في ردّ أصل المؤاخاة وتكذيب خبرها ! !
حديث سدّ الأبواب (٣) :
وهذا الحديث أيضاً من أشهر الأحاديث الثابتة الدالّة علىٰ أفضلية أمير
__________________
(١) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٦٥ .
(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٦٨ .
(٣) هذا البحث ملخّص ممّا كتبناه في سالف الزمان في شأن هذا الحديث ، ضمن رسالتنا : « الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة » المنشورة في مجلّة تراثنا ، العدد (٢٧) لسنة ١٤١٢ هـ ، ثمّ طبعت مع رسائل أُخر في كتابٍ بعنوان : الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السُنّة ، صدر في قم سنة ١٤١٨ هـ .
المؤمنين
عليه السلام وإمامته وخلافته العامّة . . ذكر جماعة من مخرّجيه : أخرجه من أئمّة أهل السُنّة
وأصحاب الصحاح عندهم وكبار حفّاظهم : ١ ـ أحمد بن حنبل في مسنده (١) . ٢ ـ الترمذي في صحيحه (٢) . ٣ ـ النسائي في الخصائص (٣) . ٤ ـ الحاكم في المستدرك (٤) . وقد أخرجه السيّد عنهم وعن
جمع من الأئمّة غيرهم . صحّة كثير من طرقه : ثمّ إنّ كثيراً من طرق حديث «
سدّ الأبواب إلّا باب عليّ » صحيح . . فمنها : حديث المناقب العشر ، الصحيح قطعاً . ومنها : ما أخرجه الحاكم وصحّحه . ومنها : ما أخرجه الهيثمي ضمن عنوان : « باب فتح
بابه الذي في المسجد » و : « باب ما يحلّ له في المسجد » و : « باب جامع في مناقبه رضي الله عنه » (٥) ؛ فقد صحّح عدّةً من أحاديث القضية . __________________ (١)
مسند أحمد ١ / ١٧٥ وص ٣٣٠ ، ٢ / ٢٦ ، و ٤ / ٣٦٩ . (٢)
صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٩ باب مناقبه عليه السلام . (٣)
خصائص أمير المؤمنين : ١٣ . (٤)
المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٢٥ . (٥)
مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ـ ١٢٠ .
هذا ، وستأتي نصوص غير واحدٍ من الحفّاظ المحقّقين منهم في صحّة خبر أنّ رسول الله صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم سدّ بأمر من الله الأبواب الشارعة إلىٰ مسجده ، وأبقىٰ باب عليّ مفتوحاً بأمر من الله كذلك ، بل صرّح صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم في جواب من اعترض : « ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدّها » ، وقال : « والله ما أدخلته وأخرجتكم ولكنّ الله أدخله وأخرجكم » ، قال الهيثمي : « رواه البزّار ، ورجاله ثقات » .
وممّا يدل علىٰ ثبوت القضية ودلالتها علىٰ الأفضلية : تمنّي غير واحدٍ من الأصحاب ذلك :
* كقول عمر بن الخطّاب : « لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأنْ يكون لي خصلة منها أحبّ إليّ من أنْ أُعطىٰ حمر النعم .
قيل : وما هي يا أمير المؤمنين ؟!
قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لا يحلّ فيه ما يحلّ له ، والراية يوم خيبر .
( قال الهيثمي : ) رواه أبو يعلىٰ في الكبير ، وفيه : عبد الله بن جعفر ابن نجيح ، وهو متروك » .
قلت :
كيف يكون متروكاً وهو من رجال الترمذي وٱبن ماجة ، وهما من الصحاح الستّة عندهم ؟!
* وكقول
عبد الله بن عمر : « ولقد أُوتي ابن أبي طالب ثلاث خصالٍ لأنْ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم : زوّجه رسول الله صلّىٰ
الله
عليه [ وآله ] وسلّم ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر » . ( قال الهيثمي : ) رواه أحمد
وأبو يعلىٰ ، ورجالهما رجال الصحيح » . بطلان القول بوضعه : ومن هنا يظهر أنّ القول بكونه
حديثاً موضوعاً من قبل الشيعة كذبٌ وبهتان : قال ابن الجوزي ـ بعد أنْ
رواه ببعض طرقه ـ : « فهذه الأحاديث كلّها من وضع الرافضة ، قابلوا بها الحديث المتّفق علىٰ صحّته في : سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر » (١) . وقال ابن تيميّة : « هذا ممّا
وضعته الشيعة علىٰ طريق المقابلة » (٢) . وقال ابن كثير الشامي : « ومن
روىٰ : إلّا باب عليّ ـ كما في بعض السُنن ـ فهو خطأ ، والصواب ما ثبت في الصحيح » (٣) . فابن كثير يقول : « هو خطأ »
. لكنّ ابن الجوزي وابن تيميّة
يقولان : « موضوع » ، ويضيفان : أنّ الشيعة وضعوه علىٰ « طريق المقابلة » لحديث : « سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر » ؛ لكنّ الحديث في أبي بكر ليس : « باب أبي بكر » ، وإنّما : « خوخة أبي بكر » . . وإذا درسنا حديث : « خوخة أبي
بكر » في كتابي البخاري ومسلم __________________ (١)
كتاب الموضوعات ١ / ٣٦٦ . (٢)
منهاج السُنّة ٣ / ٩ الطبعة القديمة . (٣)
تفسير ابن كثير ١ / ٥٠١ .
ـ وهما أصحّ الكتب عندهم ـ عرفنا أنّ هذا هو الموضوع علىٰ « طريق المقابلة » لحديث : « سدّوا الأبواب إلّا باب عليّ » المنصوص علىٰ صحّته من قبل الجمع الكثير من أئمّتهم . .
حديث الخوخة في كتابي البخاري ومسلم :
أخرجه البخاري في أكثر من باب :
ففي « باب الخوخة والممرّ في المسجد » ؛ قال : « حدّثنا عبد الله بن محمّد الجعفي ، قال : حدّثنا وهب بن جرير ، قال : حدّثنا أبي ، قال : سمعت يعلىٰ بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقةٍ فقعد علىٰ المنبر ، فحمد الله وأثنىٰ عليه ثمّ قال : إنّه ليس من الناس أحد أمنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ؛ ولو كنت متّخذاً من الناس خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلّة الإسلام أفضل ؛ سدّوا عنّي كلّ خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر » .
وفي « باب هجرة النبيّ وأصحابه إلىٰ المدينة » ؛ قال : « حدّثنا إسماعيل ابن عبد الله ، قال : حدّثني مالك ، عن أبي النضر مولىٰ عمر بن عبيد الله ، عن عبيد ـ يعني ابن حنين ـ ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم جلس علىٰ المنبر فقال : إنّ عبداً خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختار ما عنده . .
فبكىٰ أبو بكر ، وقال :
فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا . فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلىٰ هذا الشيخ ، يخبر رسول الله صلّىٰ الله عليه [
وآله ] وسلّم
عن
عبدٍ خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا . فكان رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم
هو المخيَّر وكان أبو بكر هو أعلمنا به . وقال رسول الله صلّىٰ
الله عليه [ وآله ] وسلّم : إنّ من أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً من أُمّتي لاتّخذت أبا بكر إلّا خُلّة الإسلام ، لا يبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر » . وأخرجه مسلم في « باب فضائل
الصحابة » ؛ فقال : « حدّثني عبد الله ابن جعفر بن يحيىٰ بن خالد ، حدّثنا معن ، حدّثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد : أنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم جلس علىٰ المنبر فقال : عبد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين
ما عنده ، فاختار ما عنده . . فبكىٰ أبو بكر ، وبكىٰ
فقال : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا . قال : فكان رسول الله صلّىٰ
الله عليه [ وآله ] وسلّم هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا به . وقال رسول الله صلّىٰ
الله عليه [ وآله ] وسلّم : إنّ أمنّ الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أُخوّة الإسلام ؛ لا يبقيّن في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر . حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا
فليح بن سليمان ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطب رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم الناس يوماً بمثل حديث مالك » .
نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين :
لقد أخرج البخاري حديث الخوخة عن ابن عبّاس ، وهذه نظرات في سنده علىٰ أساس كلمات أئمّة الجرح والتعديل المعتمدين عند القوم :
* أوّلاً : في « وهب بن وهب » كلامٌ (١) . .
وفي « جرير بن حازم » قال البخاري نفسه : « ربّما يهم » . .
وقال ابن معين : « هو عن قتادة ضعيف » . .
وأورده الذهبي في الضعفاء وقال : « تغيّر قبل موته فحجبه ابن وهب » (٢) .
* وثانياً : إنّ راويه عن ابن عبّاس هو : مولاه « عكرمة البربري » ؛ وقد كان يكذب علىٰ ابن عبّاس بشهادة ولده . . وتكلّم الناس فيه حتّىٰ مسلم ابن الحجّاج . . وكذّبه صريحاً : مالك بن أنس ، وٱبن سيرين ، ويحيىٰ بن معين ، وجماعة سواهم . . وتكلّموا أيضاً فيه لأنّه كان يرىٰ رأي الخوارج .
فالحديث عن ابن عبّاس ، وعكرمة كان يكذب عليه . .
والناس تكلّموا فيه من جهة انحرافه في العقيدة عن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فلا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور . .
وأيضاً : شهدوا بأنّه كان كذّاباً .
وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في بحوثنا (٣) .
__________________
(١) تهذيب التهذيب ١١ / ١٤٢ .
(٢) المغني في الضعفاء ٢ / ١٨٢ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٢٤٨ .
(٣) انظر : التحقيق في نفي التحريف : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ عن : تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٦٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣ ، الطبقات ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢٨٧ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٨٤ ، الضعفاء الكبير ٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٩ .
وأخرج البخاري حديث الخوخة عن
أبي سعيد الخدري ، وفيه : « إسماعيل بن أبي أُويس » ـ وهو ابن اخت مالك بن أنس ـ : قال النسائي : « ضعيف » . وقال يحيىٰ بن معين : «
هو وأبوه يسرقان الحديث » . وقال الدولابي : « سمعت النضر
بن سلمة المروزي يقول : كذّاب » . وقال الذهبي ـ بعد نقل ما
تقدّم ـ : « ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث ثمّ قال : روىٰ عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد » . وقال إبراهيم بن الجنيد ، عن
يحيىٰ : « مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء » . وقال ابن حزم في المحلّىٰ : « قال أبو الفتح الأزدي : حدّثني
سيف بن محمّد أنّ ابن أبي أُويس كان يصنع الحديث » . وقال العيني : « أقرّ علىٰ
نفسه بالوضع كما حكاه النسائي » (١) . وأمّا مسلم بن الحجّاج فلم
يخرج حديث الخوخة عن ابن عبّاس ؛ لعدم وثاقة عكرمة عنده ! وإنّما أخرجه عن أبي سعيد الخدري بطريقين . * في
أحدهما : « فليح بن سليمان » : قال النسائي : « ليس بالقوي »
. وقال أبو حاتم ويحيىٰ
بن معين : « ليس بالقوي » . وقال يحيىٰ ، عن أبي
كامل مظفّر بن مدرك : « ثلاثة يتّقىٰ حديثهم : محمّد بن طلحة بن مصرف ، وأيوب بن عتبة ، وفليح بن سليمان » . وقال الرملي ، عن داود : « ليس
بشيء » . وقال ابن أبي شيبة : قال علي
بن المديني : « كان فليح وأخوه __________________ (١)
الضعفاء والمتروكون ـ للنسائي ـ : ١٤ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٢٢ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣١٢ ، عمدة القاري في شرح البخاري : المقدّمة السابعة .
عبد الحميد ضعيفين » .
وذكره العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء .
وذكره ابن حبّان في المجروحين (١) .
* وفي الطريق الآخر : « مالك بن أنس » :
قال المبرّد في مذهب الخوارج : « كان عدّة من الفقهاء يُنسبون إليه ، منهم : عكرمة مولىٰ ابن عبّاس ، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس » . .
قال : « ويروي الزبيريّون أنّ مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول : والله ما اقتتلوا إلّا علىٰ الثريد الأعفر » (٢) .
وكان يقول : أفضل الأُمّة : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثمّ يقف ويقول : هنا يتساوىٰ الناس (٣) ! !
ولم يخرج في كتابه شيئاً عن عليّ أمير المؤمنين (٤) ! !
ثمّ كان من المدلّسين (٥) . .
وكان يتغنّىٰ بالآلات (٦) . .
ثمّ إنّ جماعة من أعلام الأئمّة تكلّموا فيه وعابوه ، كابن أبي ذؤيب ، وعبد العزيز الماجشون ، وٱبن أبي حازم ، ومحمّد بن إسحاق ، وإبراهيم ابن سعد ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وٱبن أبي يحيىٰ ، وسفيان . .
__________________
(١) الضعفاء والمتروكون ـ للنسائي ـ : ١٣٩ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٥٤١ ، تهذيب التهذيب ٦ / ١١٦ .
(٢) الكامل ـ للمبرّد ـ ١ / ١٥٩ .
(٣) ترتيب المدارك ـ للقاضي عياض المالكي ـ : ترجمة مالك .
(٤) تنوير الحوالك ـ للسيوطي ـ ١ / ٧ ، شرح الموطأ ـ للزرقاني ـ ١ / ٩ .
(٥) الكفاية في علم الرواية ـ للخطيب البغدادي ـ : ٣٦٥ .
(٦) الأغاني ٢ / ٧٥ ، نهاية الإرب ٤ / ٢٢٩ .