الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧
الباب الرابع :
في باقي أقسام النكاح وفيه مقصدان :
الأول : في المنقطع ، وهو سائغ في شرع الإسلام
______________________________________________________
قوله : ( الباب الرابع : في باقي أقسام النكاح ، وفيه مقصدان :
الأول : في المنقطع وهو سائغ في شرع الإسلام ).
أجمع أهل الإسلام قاطبة على أن النكاح المنقطع وهو نكاح المتعة (١) كان مشروعا في صدر الإسلام ، واتفق أهل البيت عليهمالسلام على بقاء شرعيته ، وانه لم ينسخ ، واخبارهم بذلك متواترة (٢). وأطبق فقهاء العامة على انه نسخ (٣) ، مع أنهم رووا في كتبهم بقاء شرعيته (٤) ، وأن جمعا من أعيان الصحابة والتابعين قائلون بشرعيته وانه لم ينسخ منهم ابن عباس ، وإنما الذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطاب (٥).
__________________
(١) في نسخة « ش » : وإنما سمّي منقطعا في مقابل النكاح الدائم ، وانما سمّي متعة لأن الغرض منه محض التمتع وكثرة الشهوة ، دون الولد واستدامة المعاش.
(٢) الكافي ٥ : ٤٤٨ باب المتعة ، الفقيه ٣ : ٢٩١ باب المتعة ، التهذيب ٧ : ٢٥٠ حديث ١٠٨١ وغيرها ، الاستبصار ٣ : ١٤١ حديث ٥٠٧ وغيرها. وانظر : الوسائل باب ١ من أبواب المتعة.
(٣) انظر : التفسير الكبير ١٠ : ٤٩ ، أحكام القرآن للقرطبي ٥ : ١٣٣.
(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٣ حديث ١٥.
(٥) التفسير الكبير ١٠ : ٤٩ ، أحكام القرآن للقرطبي ٥ : ١٣٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٦.
______________________________________________________
روى ذلك مسلم وغيره من أعيان محدثيهم (١) ، ورووا أن عمر قال على المنبر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حلالا أنا احرمهما وأعاقب عليهما (٢) واخبارهم في ذلك كثيرة (٣).
وأما أصحابنا رضي الله عنهم فإنهم مع اطباقهم على شرعيته قائلون باستحبابه ، واخبارهم ناطقة بذلك (٤).
روى ابن بابويه في الفقيه : أن الصادق عليهالسلام قال : « ليس منا من لم يؤمن بكرّتنا ويستحل متعتنا » (٥).
وروى عن صالح بن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : للمتمتع ثواب؟ قال : « إن كان يريد بذلك الله تعالى وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلاّ كتب الله له بها حسنة ، ولم يمد يده إليها إلاّ كتب الله تعالى له حسنة ، فإذا دنا منها غفر الله تعالى له بذلك ذنبا ، فإذا اغتسل غفر الله له بعدد ما مر من الماء على شعره » قلت : بعدد الشعر؟ قال : « نعم بعدد الشعر » (٦).
وقال أبو جعفر عليهالسلام : « إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما اسري به إلى السماء قال : لحقني جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول : إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء » (٧).
وفيه قال الصادق عليهالسلام : « إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت خلة
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٣ حديث ١٦ و ١٧.
(٢) سنن البيهقي ٧ : ٢٠٦.
(٣) سنن البيهقي ٧ : ٢٠٦ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣٢٥.
(٤) الكافي ٥ : ٤٦٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٩٧ حديث ١٤١٤. وانظر : الوسائل ١٤ : ٤٤٢ باب استحباب المتعة.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٩١ حديث ١٣٨٤.
(٦) الفقيه ٣ : ٢٩٥ حديث ١٤٠١.
(٧) الفقيه ٣ : ٢٩٥ حديث ١٤٠٢.
وفيه فصلان :
الأول : في أركانه ، وهي أربعة :
الأول : العقد ، وألفاظ الإيجاب كالدائم : زوجتك ، وأنكحتك ، ومتعتك بكذا مدة كذا.
ولا ينعقد بالتمليك ، والهبة ، والإجارة ، والبيع ، والإباحة وغيرها.
والقبول : كل ما يدل على الرضى كقبلت ورضيت مطلقا ، أو مقيدا بلفظ الإيجاب ، أو بمعناه.
______________________________________________________
من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأتها ». فقلت : فهل تمتع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « نعم » وقرأ هذه الآية ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) ـ إلى قوله ـ ( ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ) (١) والأخبار في ذلك كثيرة (٢).
قوله : ( وفيه فصلان : الأول : في أركانه وهي أربعة :
الأول : العقد ، وألفاظ الإيجاب كالدائم : زوجتك ، وأنكحتك ، ومتعتك بكذا مدة كذا ، ولا ينعقد بالتمليك والهبة والإجارة والبيع والإباحة وغيرها.
والقبول : كل ما يدل على الرضى كقبلت ورضيت مطلقا ، أو مقيدا بلفظ الإيجاب ، أو بمعناه ).
عقد المتعة كالدوام من العقود اللازمة من الطرفين ، فيعتبر فيه العقد المشتمل على الإيجاب والقبول ، الواقعين بالعربية ، بغير فصل بكلام آخر بينهما أو بزمان طويل عادة ، بالعربية كما سبق تحقيقه في الدائم.
وألفاظ الإيجاب ثلاثة لا يجزئ غيرها عند أكثر الأصحاب : زوجت ، وأنكحت ، ومتعت ولا خلاف في اجزاء كل منها ، وإن اختلف في اجزاء متعتك في الدائم.
__________________
(١) سورة التحريم : ٣ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٩٧ حديث ١٤١٦.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٩٥ حديث ١٤٠٣ ، وانظر : الوسائل ١٤ : ٤٤٢ باب استحباب المتعة.
ولو قدّمه فقال : تزوجت ، فقال : زوجتك ، صح.
______________________________________________________
والفرق أن لفظ التمتع حقيقة بنكاح المتعة ، وقد يناقش في قول المصنف : ( وألفاظ الإيجاب كالدائم ) ، لأن المشبه به أصل فيجب أن يكون أقوى ، ولعله أراد بالتشبيه الانحصار في ذلك ، لتطرق توهم الإجزاء بلفظ غير الثلاثة ، لأن هذا النكاح شرعا واتفاقا ، فيناسبه زيادة التخفيف فيه على أنه لا يجزئ سوى هذه الألفاظ.
ويستفاد من ذلك رد مقالة المرتضى : أن تحليل الأمة عقد متعة (١) ، فيكون منعقدا بلفظ بحت ، ولا بد من التعيين من الزوجة ، فتقول : متعتك نفسي ، إن كان العاقد هو المرأة ، وإلاّ وجب تعيينها كما سبق في الدائم سواء.
ولو كان لرجل عدة بنات فزوّج إحداهن متعة ، ثم اختلف هو والزوج في المعقود عليها ، وكان الزوج قد رآهن ، فهل ينسحب ما سبق في الدائم عند من يقول بالصحة؟ يحتمل ذلك ، ولما لم يكن بد من ذكر المهر هنا وكذا الأجل ، صرح المصنف بقوله في صورة العقد : ( بكذا مدة كذا ) ولم يفعل كما فعل في صورة عقد الدوام.
وأكد ما سبق بقوله : ( ولا ينعقد بالتمليك والهبة والإجارة والبيع والإباحة وغيرها ) مثل الصلح وغيره ، سواء قصد بأحد هذه الألفاظ مدلوله الحقيقي أو تجويزه في النكاح قطعا ، لأن العقود اللازمة إنما تنعقد بالألفاظ الصريحة في ذلك الباب دون ما سواها ، مع أن الأمر في الفروج مبني على الاحتياط التام.
وألفاظ القبول كل ما دل على الرضى بالإيجاب كقبلت ورضيت مطلقا ، أي خاليا من التقييد بشيء ، أو مقيدا : إما بلفظ الإيجاب مثل قبلت التزويج إذا كان الإيجاب به ، أو قبلت النكاح والإيجاب بالتزويج ، ولا يشترط التقييد عندنا كما سبق بيانه في الدائم.
قوله : ( ولو قدّمه فقال : تزوجت ، فقال : زوجتك صح ).
__________________
(١) نقل عنه هذا القول في التنقيح الرائع ٣ : ١١٨.
ولا بد من صيغة الماضي في الطرفين.
وقيل : لو قال : أتزوجك بكذا مدة كذا منشئا ، فقالت : زوجتك ، صح.
______________________________________________________
الأصل في الإيجاب في كل عقد أن يكون مقدما على القبول ، لأن حقيقة الرضى بالإيجاب ، فلا بد من تحققه في نفسه ليمكن الرضى به ، فلو قدّم القبول في شيء من العقود اللازمة ففي اعتبار ذلك العقد قولان ، أصحهما العدم.
واستثنى المصنف وجماعة النكاح ، فجوزوا تقديم القبول فيه تعويلا على رواية تقدم ذكرها في أول كتاب النكاح ، وهي رواية سهل الساعدي (١). ولأن الحياء يمنع المرأة غالبا من الابتداء بالإيجاب ، فإذا ابتدأ هو بالقبول متضمنا لكل ما يطلب وقوع الإيجاب عليه من مهر وأجل وغيرهما خفت المؤنة عليها ، فجاز التقديم لذلك ، وبقي الجواز إذا عقد وكيلها أو وليها لقيامه مقامها.
وقد ادعى الشيخ الإجماع على الجواز (٢) ، ولا بأس بذلك وإن كان اعتبار تقديم الإيجاب لا يخلو من قوة ، لأن الأسباب بتوقيف الشارع ، وقد بيّنا فيما سبق أن الرواية لا دلالة فيها على خلاف ذلك.
قوله : ( ولا بد من صيغة الماضي في الطرفين ، وقيل : لو قال : اتزوجك بكذا مدة كذا منشئا ، فقالت : زوجتك صح ).
لما كان لفظ الفعل الماضي إذا وقع إنشاء لا يحتمل معنى آخر سوى ثبوت الفعل في الحال ، بخلاف لفظ الفعل المستقبل فإنه كما يحتمل الثبوت في الحال يحتمل في الاستقبال ، فإن بعت مثلا إذا وقع إنشاء لا يحتمل إلاّ إيقاع البيع في الحال ، بخلاف أبيع ، كان لفظ الماضي صريحا بالإضافة إلى المقصود بخلاف غيره ، فلذلك تعيّن للإنشاء في العقود اللازمة صيغة الماضي ولم يكتف بغيرها ، إذ لا يعتبر فيها إلاّ الألفاظ
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٤١ حديث ١٤٢٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٣٦ حديث ٢١١١ ، سنن النسائي ٦ : ١١٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٢.
(٢) المبسوط ٤ : ١٩٤.
الثاني : المتعاقدان ، ويجب كونهما كاملين ، وإسلام الزوجة ، أو كونها كتابية ، فيمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات ، وإسلام الزوج ، وايمانه إن كانت المرأة كذلك. وتحرم الوثنية ، والناصبية المعلنة بالعداوة ،
______________________________________________________
الصريحة في كل باب من الأبواب دون غيرها من ألفاظ المجاز والكنايات. ولما كان النكاح موضع الاحتياط في نظر الشرع ، لما عهد شرعا من كمال عناية الشارع بالاحتياط في الفروج ، كان اولى بهذا الحكم من غيره.
وقد خالف جمع من الأصحاب في ذلك ، فاكتفوا بصيغة المستقبل في الدوام كما سبق. وكذا في المتعة تعويلا على رواية أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في المتعة كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : « تقول : اتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه ـ إلى أن قال ـ فإذا قالت نعم فقد رضيت فهي امرأتك » (١) الحديث ، ولأن شرعية المتعة تسهيلا على المكلفين ، فيناسبها التخفيف بتكثير العبارات.
وفي الدليل ضعف ، لمنع سند الرواية ، وأنه يلزم منها خلو العقد عن الإيجاب ، فإن نعم في جواب اتزوجك لا يكون إيجابا ، لأنه قبول ، ولا شيء من العقود اللازمة كذلك ، والتسهيل لا يقتضي ذلك بخصوصه. ولم يصرحوا بانعقاد المتعة بلفظ نعم ، لكن القول الذي سبق في الدوام يطرد فيه بطريق أولى ، والأصح أنه لا ينعقد بغير لفظ الماضي.
قوله : ( الثاني : المتعاقدان ، ويجب كونهما كاملين ، وإسلام الزوجة أو كونها كتابية ، فيمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات ، وإسلام الزوج ، وايمانه إن كانت الزوجة كذلك. وتحرم الوثنية ، والناصبة المعلنة بالعداوة ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥١.
والأمة على الحرة إلاّ بإذنها ، فيقف أو يبطل على خلاف.
وبنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة إلاّ مع إذنهما ، فيقف أو يبطل.
ولو فسخت الحرة أو العمة أو الخالة بطل إجماعا.
______________________________________________________
والأمة على الحرة إلاّ بإذنها ، فيقف أو يبطل على خلاف ، وبنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة إلاّ مع إذنهما فيقف أو يبطل ، ولو فسخت الحرة أو العمة أو الخالة بطل إجماعا ).
يشترط في كل من المتعاقدين في النكاح المنقطع شروط ، فبدونها لا يعتد بالنكاح :
الأول : يجب كونهما كاملين ، بمعنى أنه لا بد من ذلك ، فلو انتفى وصف الكمال عنهما أو عن أحدهما لم يعتد بالعقد الواقع بينهما ، بل كان باطلا ، سواء كان العاقد الزوجين أو وليهما أو وكيلهما. ويتحقق الكمال بالعقل والبلوغ والحرية والرشد ، وقد مر تحقيق ذلك كله مستوفى في النكاح الدائم ، فلا حاجة الى إعادته.
الثاني : إسلام الزوجة أو كونها كتابية ، لكن هذا إنما يشترط إذا كان الزوج مسلما ، أما الكافر فإنه لا يمنع من العقد على الوثنية متعة ولا دواما وإن كان ذميا ، ولو أسلما بعد العقد فهو بحاله ، وقد سبق فتوى المصنف في البحث عن أحكام الكفر بجواز المتعة بالكتابية والمجوسية ومنع الدوام ، وظاهر عبارته هنا يقتضي منع المتعة بالمجوسية حيث اشترط إسلام الزوجة أو كونها كتابية ، وكأنه اعتمد على ما بيّنه هناك فتسامح هنا.
واعلم أن المتبادر من قوله : ( فيمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات ) وجوب ذلك عليه ، مع احتمال أن يريد به الجواز ، وكذا عبّر معظم الأصحاب.
وعلى كل من التقديرين إشكال : أما على تقدير ارادة الوجوب ، فلأن أهل الذمة لا يجوز التعرض إليهم فيما يعتقدون حله من المحرمات والمنكرات ما لم يتظاهروا
______________________________________________________
به ، بل هم مقرون عليه ، سواء في ذلك الزوجة وغيرها ، فكيف يجب منعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات.
وأما على تقدير الجواز ، فلأنه وإن جاز له منعها من شرب الخمر ، لأنه مظنة الإسكار المنقص للاستمتاع والمفوّت للعفة ، من حيث أنها حينئذ لا ترديد لامس ، وكذا ما جرى مجراه من الأشياء المستقذرة ، إلاّ أنه ليس له منعها من كل محرم ، لما سبق.
وقد ذكر المصنف في التذكرة في أحكام نكاح الكفر : أن للزوج المنع من لبسها جلد الميتة إذا كان له رائحة منتنة ، وبدونها اشكال (١).
وقد يسأل ها هنا عن شيء وهو : انه ما الذي يراد بالتظاهر ، أهو ارتكاب الشيء علانية بحيث لا يبالي فاعله بمن يطلع عليه ، أم فعله بحيث يطلع عليه ولو بعض المسلمين وإن اعتمد الفاعل المستتر به وأخفاه؟ والذي يلوح من كلامهم هو الأول ، ولو لا ذلك لم يكن للإشكال في كلام التذكرة هذا وجه.
الثالث : إسلام الزوج وايمانه إن كانت الزوجة كذلك ، أما إسلامه إذا كانت الزوجة مسلمة فبالنص والإجماع ، قال سبحانه وتعالى ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا ) (٢) وأما ايمانه إذا كانت الزوجة مؤمنة فهو أصح القولين عند الأصحاب ، وقد قدّمنا في النكاح الدائم دليل القولين وتصحيح الأصح منهما.
واعلم أن المصنف إنما جمع بين الإسلام والايمان ، وإن كان اشتراط الأخص يغني عن اشتراط الأعم ، لأنه حاول التنبيه على اشتراط الإسلام إذا كانت الزوجة مسلمة ، والايمان إذا كانت مؤمنة ، فكأنه أراد اشتراط الإسلام إذا كانت الزوجة مسلمة ، واشتراط الايمان كذلك.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٦٤٦.
(٢) البقرة : ٢٢١.
______________________________________________________
الرابع : كون الزوجة غير وثنية ، وقد علم هذا من قوله : ( وإسلام الزوجة أو كونها كتابية ). وكذا يشترط كونها غير ناصبة معلنة بالعداوة لأهل البيت عليهمالسلام ، وهذا أيضا معلوم من اشتراط إسلامها أو كتابيتها ، لأن الناصب شر من اليهودي والنصراني.
وقد روى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك » (١).
وروى فضيل عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ذكر الناصب فقال : « لا تناكحهم ولا تأكل ذبيحتهم ولا تسكن معهم » (٢).
واعلم أن قول المصنف : ( المعلنة بالعداوة ) تفسير للناصبية ، فإن المراد بالناصب من يعلن بالعداوة لأهل البيت عليهمالسلام ، وليس كل مخالف ناصبا.
الخامس : كون الزوجة غير أمة لمن عنده حرة ، إلاّ أن تأذن الحرة لمثل ما سبق في النكاح الدائم ، فإن بادر إلى العقد من دون إذنها ففي بطلانه من رأس أو وقوفه على الإجازة القولان المذكوران سابقا ، والأصح هناك هو الأصح هنا.
السادس : أن لا تكون بنت الأخ ولا بنت الأخت لمن عنده العمة أو الخالة إلاّ بإذنهما ، فإن بادر وعقد بدون الإذن ففي البطلان أو وقوفه على إجازتهما القولان السابقان ، والترجيح كما سبق. ولا فرق بين كون العمة والخالة معقودا عليهما متعة أو دواما ، وكذا الأمة لصدق الزوجية على كل تقدير.
واعلم أن في قول المصنف : ( ولو فسخت الحرة أو العمة أو الخالة بطل إجماعا ) تسامحا ، لأن البطلان لا يترتب على الفسخ إلاّ عند من يقول بوقوع العقد موقوفا دون من يرى بطلانه من رأس ، وكأنه أراد أنه لو فسخت إحداهن كان بطلان العقد
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ حديث ١٢٦٠ ، الاستبصار ٣ : ١٨٣ حديث ٦٦٤.
(٢) التهذيب ٧ : ٣٠٣ حديث ١٢٦٤ ، الاستبصار ٣ : ١٨٤ حديث ٦٦٨.
وتكره الزانية ، فيمنعها لو فعل ، وليس شرطا. وعدم استئذان الأب في البكر ، والتمتع ببكر ليس لها أب ، فلا يقتض لو فعل ، وليس محرما.
______________________________________________________
حينئذ محل وفاق.
واعلم أيضا أنه كما يشترط ما ذكر ، كذا يشترط كون الزوجة ليست احدى المحرمات عينا أو جمعا ، ولم يتعرض المصنف إلى ذلك اكتفاء بما سبق.
قوله : ( ويكره الزانية ، فيمنعها لو فعل ، وليس شرطا. وعدم استئذان الأب في البكر ، والتمتع ببكر ليس لها أب ولا يقتض لو فعل ، وليس محرما ).
قد سبق ذكر الشروط التي لها دخل في صحة العقد ، والمطلوب هنا بيان ماله دخل في كماله ، وبيانه في مباحث :
الأول : يكره التمتع بالزانية ، فإن فعل فليمنعها من الزنا وجوبا عليه من باب الحسبة ، وليس شرطا في حل المتعة.
ومنع الصدوق في المقنع من التمتع بها (١) ، وقال ابن البراج : لا يعقد على فاجرة إلاّ إذا منعها من الفجور (٢). والأصح الأول.
لنا : الأصل ، وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣).
وما رواه علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل المدينة ، قال : ( فواسق ) ، قلت : فأتزوج منهن قال : ( نعم ) (٤).
احتج المخالف بقوله تعالى ( وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٥).
__________________
(١) المقنع : ١١٣.
(٢) المهذب ٢ : ٢٤١.
(٣) النساء : ٢٤.
(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٣ حديث ١٠٩١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٣ حديث ٥١٧.
(٥) النور : ٣.
______________________________________________________
وبصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليهالسلام ، إلى أن قال : فإن اتهمتها قال : « لا ينبغي لك أن تتزوج إلاّ مأمونة إن الله تعالى يقول( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) » (١).
وبما رواه محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع منها يوما أو أكثر فقال : « إذا كانت مشهورة بالزنا فلا تتمتع منها ولا تنكحها » (٢) ، ولأنه لا يؤمن اختلاط المياه والأنساب.
ويلوح من كلام ابن بابويه وابن البراج أن كلا منهما مستقل بقوله غير قول الآخر.
والجواب أن الآية لا تدل على تحريم النكاح ، والمشار إليه بـ ( ذلك ) يحتمل كونه الزنا ، وقد قيل : إن نكاح الزانية كان محرما في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (٣).
وأما الخبران فإنهما محمولان على الكراهية جمعا بين الأخبار ، على أن الأول لا يدل على أزيد من الكراهية ، لأن المفهوم من قوله : « لا ينبغي » هو ذلك.
وأما اختلاط المياه والأنساب فدفعه بأن الزاني لا ماء له ، ومن ثم لم يكن المنع من الزنا شرطا.
الثاني : يكره التمتع ببكر لها أب مع عدم استئذانه إذا كانت بالغة رشيدة ، ومنع الشيخ من الإفضاء إليها مع قوله بالجواز (٤) ، واحتاط ابن البراج بالمنع من العقد
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٥٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٩٢ حديث ١٣٨٨ ، التهذيب ٧ : ٢٦٩ حديث ١١٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٥٣ حديث ٥٦٠.
(٢) الكافي ٥ : ٤٥٤ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٥٢ حديث ١٠٨٧ ، الاستبصار ٣ : ١٤٣ حديث ٥١٣.
(٣) ذهب إليه سعيد بن المسيب كما في التفسير الكبير ٢٣ : ١٥١.
(٤) النهاية : ٤٩٠.
______________________________________________________
عليها إلاّ باذنه (١).
ومنع الصدوق (٢) ، وأبو الصلاح من العقد عليها بدون اذنه (٣). والأصح الأول.
لنا : انها بالغة يجوز العقد عليها دائما فيجوز منقطعا ، لأنه أحد النكاحين.
وما رواه سعد بن مسلم عن رجل عن الصادق عليهالسلام قال : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٤) ، والتزويج صادق على المتعة فيعمها ، لوقوعه في سياق « لا ».
احتج المانع برواية أبي مريم عن الصادق عليهالسلام قال : « إن العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلاّ بإذن أبيها » (٥).
وما رواه أبو سعيد عن الحلبي قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها فقال : « لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك » (٦).
وجوابه : إن الخبر الأول يراد به التي لم تبلغ ، جمعا بينه وبين غيره من الأخبار الدالة على جواز التمتع بالبكر وإن كانت بين أبويها ، أو أن المراد به الكراهية كالذي بعده.
ويدل عليه ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يتزوج بالبكر متعة قال : « يكره للعيب على أهلها » (٧).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه ينبغي له أن لا يقتضها ، فإن ذلك مكروه جدا ، لما
__________________
(١) المهذب ٢ : ٢٤١.
(٢) المقنع : ١١٣.
(٣) الكافي في الفقه : ٢٩٩.
(٤) التهذيب ٧ : ٢٥٤ حديث ١٠٩٥.
(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٣ حديث ١٣٩٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١٠٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٤٥ حديث ٥٢٧.
(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٤ حديث ١٠٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٤٥ حديث ٥٢٦.
(٧) الفقيه ٣ : ٢٩٣ حديث ١٢٩٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١١٠٢.
الثالث : المهر ، وهو شرط في المتعة خاصة ، فلو أخل به بطل العقد.
______________________________________________________
رواه أبو سعيد القمّاط عمن رواه عن الصادق عليهالسلام قال : « واتق موضع الفرج ، لأن فيه عارا عليها وعلى أهلها » (١) ولا يحرم ذلك للرواية المتقدمة ، ولأنها مالكة أمرها ، ومتى صح النكاح ترتب عليه أحكامه.
الثالث : يكره التمتع ببكر ليس لها أب ، لأنه إذا كره مع وجود الأب بدون اذنه فمع عدمه بطريق أولى ، ولما فيه من الضرر
عليها بالعار ، وقلة رغبة الأزواج فيها.
ورواية حفص السابقة تدل على ذلك ، فإن فعل لم يقتضها ، لأن العيب به أشد ، وليس محرما ، لما ذكرناه في ذات الأب ولا يخفى أن موضع الكراهية ما إذا تمتع بها سرا لاستهجان المتعة ، فلا يكره بدونه لانتفاء المحذور.
واعلم أن قول المصنف : ( ولا يقتض لو فعل وليس محرما ) يتعلق بالمسألتين معا ، واقتضاض الجارية وافتراعها : ازالة بكارتها.
قوله : ( الثالث : المهر ، وهو شرط في المتعة خاصة ، فلو أخل به بطل العقد ).
لما كان الغرض الأصلي من نكاح المتعة هو الاستمتاع وإعفاف النفس أشد شبهة بعقود المعاوضات ، وقد وقع التنبيه على ذلك في خبر عبيد بن زرارة بقول أبي عبد الله عليهالسلام : « فإنهن مستأجرات » (٢).
وفي خبر محمد بن مسلم حيث قال أبو جعفر عليهالسلام : « وإنما هي مستأجرة » (٣) ، فلذلك كان ذكر المهر في العقد شرطا لصحته كسائر عقود المعاوضة ، فلو وقع الإخلال به عمدا أو نسيانا بطل العقد إجماعا.
__________________
(١) التهذيب ٧ : ٢٥٤ حديث ١٠٩٦.
(٢) الكافي ٥ : ٤٥٢ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٨.
(٣) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٩.
ويشترط الملكية ، والعلم بقدره كيلا أو وزنا أو مشاهدة أو وصفا ، ولا حد له قلة وكثرة.
______________________________________________________
وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام : « لا يكون متعة إلاّ بأمرين بأجل مسمّى وأجر مسمّى » (١).
وروى إسماعيل بن الفضيل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة فقال : « مهر معلوم إلى أجل معلوم » (٢).
وهذا بخلاف عقد الدوام ، فإنه ليس الغرض منه ذلك فقط ، بل الغرض الأصلي منه النسل ، فكان شبهه بالمعاوضات أقل ، وقد سمّى الله سبحانه المهر صدقة ونحلة ، فمن ثم جاز تجريد العقد عنه ولم يكن ذكره شرطا ، وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( وهو شرط في المتعة خاصة ).
قوله : ( ويشترط الملكية ، والعلم بقدره كيلا أو وزنا أو مشاهدة أو وصفا ، ولا حد له قلة وكثرة ).
هنا مسألتان :
الأولى : يشترط في المهر أن يكون مما يملكه المتعاقدان ، فلا يصح العقد للمسلم على الخمر والخنزير. ويشترط كونه مملوكا للعاقد ، فلو عقد لنفسه على مال الغير لم يصح ، لامتناع أن يملك البضع بمال غيره ، ولا أثر لرضاء المالك بعد العقد.
وكذا يشترط العلم بقدره بالكيل أو الوزن في المكيل أو الموزون ، وبالمشاهدة فيهما وفي غيرهما. فلو عقدا على صبرة من طعام مشاهدة صح ، لاندفاع الغرر بالمشاهدة. وليس هذا كالمعاوضات الحقيقية ، لابتنائها على المكاسبة والمغابنة ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٢٣.
(٢) التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٥.