مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٣
دليل الكتاب
البداء........................................................................ ٧
البدعة...................................................................... ١٩
البكاء على الميّت............................................................ ٢٣
البناء على القبور............................................................ ٢٧
البيعة....................................................................... ٣٥
التبرّك...................................................................... ٤٧
التجسيم والتشبيه............................................................ ٥٩
تحريف القرآن.............................................................. ٨٣
تزويج أُمّ كلثوم من عمر.................................................... ١٢١
التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان............................................. ١٥١
التسمية بعبد النبيّ ونحوه.................................................... ١٦١
تفضيل الأئمّة............................................................. ١٧٣
التقيّة..................................................................... ١٨٩
التكتّف................................................................... ١٩٧
التوحيد والتثليث.......................................................... ٢٠٣
التوسّل والاستغاثة......................................................... ٢٠٧
الجبر والاختيار............................................................ ٢٢٩
الجفر..................................................................... ٢٥٣
الجمع بين الصلاتين........................................................ ٢٥٧
الحجاب.................................................................. ٢٧٣
الحديث................................................................... ٢٨٣
حديث اثني عشر خليفة.................................................... ٣٤٧
حديث الثقلين............................................................. ٣٥٣
حديث الدار.............................................................. ٣٦٥
حديث ردّ الشمس........................................................ ٣٧١
حديث السفينة............................................................ ٣٨٣
حديث العشرة المبشّرة...................................................... ٣٨٩
حديث المؤاخاة............................................................ ٣٩٩
حديث مدينة العلم......................................................... ٤٠٣
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه........................................ ٤٠٧
حديث المنزلة.............................................................. ٤١١
الخلفاء.................................................................... ٤١٩
الخلق والخليقة............................................................. ٤٤٧
الخمس................................................................... ٤٦٩
الخوارج والأباضية......................................................... ٤٨١
الدعاء.................................................................... ٤٨٩
الذبح عند القبور.......................................................... ٥٠٩
رؤية الله تعالى............................................................. ٥١٣
الرجعة................................................................... ٥٢٧
رزية يوم الخميس.......................................................... ٥٣٥
زواج المسيار.............................................................. ٥٤١
زيارة القبور............................................................... ٥٤٧
زيد بن علي والزيديّة....................................................... ٥٦٥
زينب الكبرى............................................................. ٦٠١
البداء :
( فهيمة حسن علي السبع ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالبة متوسّطة )
الفرق بينه وبين النسخ :
س : ما هو البداء؟ وما الفرق بينه وبين النسخ؟
ج : إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء ، والمقصود منه عند الشيعة : ما يظهر للناس متأخّراً عمّا كانوا يرونه ، أو يتصوّرونه سابقاً.
وهذا المعنى لا إشكال فيه من جهة الإمكان والوقوع ، إذ لا يوجد في الالتزام به أيّ محذور عقلي ، مضافاً إلى وقوعه في موارد متّفق عليها ، مثل رفع العذاب عن قوم يونس بعدما أُخبروا بنزوله ، أو تبديل ذبح إبراهيم لابنه إسماعيل عليهماالسلام بفداء بعدما تحقّق عنده ذبحه أوّلاً ، وغيرها.
هذا ، وقد نصّ القرآن الكريم بجواز هذا المعنى ووقوعه : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١).
وعلى هذا لا مجال لما ينسبونه إلى الشيعة من الاعتقاد بوقوع الجهل في علم الله تعالى ـ تعالى الله عمّا يصفون ـ فإنّ الشيعة براء ممّا يتفوّهون به ، بل الأمر كما ذكرنا ليس فيه أيّ إيهام أو إبهام ، وهو واضح كلّ الوضوح لمن له أدنى تأمّل في المسألة.
ثمّ إنّ الفرق بين البداء والنسخ هو في متعلّقهما ـ بعد الاشتراك في أصل
____________
١ ـ الرعد : ٣٩.
الفكرة ـ وتوضيحه : أنّ البداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين ؛ في حين أنّ النسخ هو الحكم الإلهيّ التشريعيّ بحذف وظيفة عملية ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى لمصلحة يراها الباري عزّ وجلّ ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع ، بل يرتبط بتحديد وظائف العباد من حيث العمل والتكليف.
( علي ـ الكويت ـ .... )
حصوله في الإمامين العسكريّ والكاظم :
س : هناك روايات تنصّ على أسماء الأئمّة جميعهم ، فهل هذه الروايات تتعارض مع مسألة البداء التي حصلت للإمام الحسن العسكريّ حين قال له الإمام الهادي عليهالسلام : ( يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث الله فيك أمراً ) (١) ، حيث لو كان أسماء الأئمّة معروفة فما هو موقع البداء بتعين الإمام العسكريّ عليهالسلام إماماً ، مع شهرة القول بإمامة محمّد ابن الإمام الهادي عليهالسلام.
ولكم جزيل الشكر.
ج : نشير إلى عدّة نقاط لها صلة بالموضوع ، قد ترفع الإبهام عن المسألة :
١ ـ إنّ البداء بأيّ تفسير مقبول يجب أن لا يعارض العلم الأزليّ لله تعالى ، وهذا شيء لا مناص منه ، ومتّفق عليه.
٢ ـ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه أو يرون خلافه ، فبإظهاره تعالى يظهر عندهم ، ففي الواقع البداء هو إظهار من قبل الله ـ على لسان المعصومين عليهمالسلام ـ وظهور عند الناس ، فله وجهان باعتبارين ، ونظرتين
____________
١ ـ كشف الغمّة ٣ / ٢٠١.
مختلفتين فلا تنافي بينهما.
٣ ـ إنّ النصوص الواردة في أسماء الأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهمالسلام هي بحدّ الاستفاضة أو التواتر ، وكلّها متّفقة في العدد والأسامي ، وعليه فكلّ ما يُوهم خلاف ذلك ، إمّا مردود سنداً ، وإمّا ممنوع ومخدوش من باب الدلالة.
٤ ـ إنّ الرواية التي تتحدّث عن طروّ البداء في شأن الإمام العسكريّ عليهالسلام ـ مع غضّ النظر عن البحث السندي فيها ـ ليس فيها ما ينافي القواعد التي ذكرناها ، بل فيها تلويح بأنّ الناس كانوا يرون الإمامة بعد الإمام الهادي عليهالسلام في ابنه الأكبر السيّد محمّد سبع الدجيل ، وثمّ بعد وفاته صرّح الإمام الهادي عليهالسلام بخطأ ما ذهبوا إليه ، بعد ما تبيّن عندهم أيضاً ذلك.
والذي يدلّ على ما قلنا أنّه لا يوجد أيّ تصريح من الإمام الهادي عليهالسلام ، أو آبائه بإمامة السيّد محمّد ، حتّى يفرض تبديل كلامهم عليهمالسلام حينئذٍ ، بل إنّ الشيعة ومن منطلق ارتكازاتهم الموجودة ، كانوا يعتقدون بإمامة الولد الأكبر ، ولكنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الأزليّ ، ووجود المصالح الإلهيّة كان لا يرى ذلك ، وفي نفس الوقت المصلحة العليا تقتضي أن لا يصرّح بهذا الموضوع قبل وفاة السيّد محمّد.
ثمّ هذه المصلحة قد تكون هي بيان مقام السيّد محمّد وعظمته عند الشيعة ، حتّى يعرفونه بحدّ معرفتهم عن الإمام عليهالسلام ، أو أنّ المصلحة كانت في إخضاع الشيعة للاختبار الإلهيّ في طاعتها وولائها لله عزّ وجلّ ، والأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، أو غير ذلك.
وأخيراً : لابأس أن نشير إلى ورود رواية بنفس المضمون في شأن الإمام الكاظم عليهالسلام ، لتدلّ على حدوث البداء له بالنسبة إلى أخيه الأكبر إسماعيل.
والبحث في هذه الرواية كسابقتها.
وبالجملة فالاعتقاد والالتزام بالبداء لا يناقض الأُمور الحتمية واليقينية كما ذكرنا.
( مفيد أبو جهاد ـ السعودية .... )
رأي الشيعة حوله :
س : ما البداء؟ وما وجهة نظر الشيعة فيه؟
ج : البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء.
والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافياً على الناس.
والشيعة الإمامية تعتقد بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت عليهمالسلام على الاعتقاد به ، وهي روايات كثيرة منها :
١ ـ قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( ما عُظّم الله بمثل البداء ) (١).
٢ ـ قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( لو علم الناس ما في البداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه ) (٢).
٣ ـ قال الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهماالسلام : ( ما عبد الله بشيء مثل البداء ) (٣).
هذا إجمالاً ، وأمّا تفصيلاً :
فقد تعرّض المخالفون إلى مسألة البداء من دون مراجعة إلى كتب الشيعة ، فاتهموا الشيعة بأنّهم يقولون بالبداء بمعنى الجهل على الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ.
والواقع أنّ منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى ، وجعلوا يردّدون به على الشيعة ، غافلين عن أنّ أتباع أئمّة أهل البيت عليهمالسلام براء من ذلك المعنى ، براءة الذئب من دم يوسف عليهالسلام.
____________
١ ـ الكافي ١ / ١٤٦.
٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٤٨.
٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٤٦.
ولتوضيح الحقيقة نقول : كما قلنا فإنّ معنى البداء في اللغة هو : الظهور بعد الخفاء ، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل :
١ ـ قوله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) (١) أي ظهر لهم ما كان خافياً عليهم من سيئات ما كسبوا.
٢ ـ قوله تعالى : ( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ) (٢).
وهذا المعنى من البداء يحصل للإنسان فقط ، ولا يحصل في حقّ الله عزّ وجلّ ، لأنّه يلزم الجهل عليه ، وقد اتفقت الشيعة الإمامية على أنّه تعالى لا يجهل شيئاً ، بل هو عالم بالحوادث كلّها ، غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.
ويدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) (٣) ، وقول أمير المؤمنين عليهالسلام : ( كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة ) (٤) ، مضافاً إلى البراهين العقلية المقرّرة في محلّها.
وأمّا البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته إلى الله تعالى ، ولا يلزم منه الجهل ، فعندما يقال : بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافياً على الناس لا خافياً عليه ، لأنّ الآيات والأحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة ، والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبرّ الوالدين ، والاستغفار والتوبة ، وشكر النعمة ، وأداء حقّها ، إلى غير ذلك من الأُمور التي تغيّر المصير وتبدّل القضاء ، وتفرّج الهموم والغموم ، وتزيد في
____________
١ ـ الزمر : ٤٨.
٢ ـ يوسف : ٣٥.
٣ ـ آل عمران : ٥.
٤ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ١٩٤.
الأرزاق والأمطار ، والأعمار والآجال ، كما أنّ لمحرّم الأعمال وسيئها تأثيراً في تغيير مصيرهم بعكس ذلك.
ويدلّ على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (١).
ومن الأحاديث الشريفة :
١ ـ قول الإمام الكاظم عليهالسلام : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (٢).
٢ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته : ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكريّ فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال : ( نعم ، ويلك قطيعة الرحم ... ) (٣).
٣ ـ قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وإنّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق ) (٤).
٤ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( والاستغفار يزيد في الرزق ) (٥).
إذاً تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء ، ولتوضيح ذلك نقول :
المقدّرات الإلهيّة على قسمين :
١ ـ مقدّر محتوم لا يتغيّر ، وهو موجود في اللوح المحفوظ ، وعبّرت الآية المباركة عنه بأُمّ الكتاب ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٦) ،
____________
١ ـ الرعد : ١١ ، والآيات التالية : الأعراف : ٩٦ ، إبراهيم : ٧ ، نوح : ١٠ ـ ١٢ ، الصافّات : ١٤٣ ـ ١٤٦ ، يونس : ٩٨ ، الأنبياء : ٧٦ و ٨٣ و ٨٨ ، الطلاق : ٢ ـ ٣ ، الأنفال : ٣٣ و ٥٣.
٢ ـ الكافي ٢ / ٤٧٠.
٣ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٤٧.
٤ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٣٥.
٥ ـ الخصال : ٥٠٥.
٦ ـ الرعد : ٣٩.
وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر.
٢ ـ مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم ، موجود في لوح المحو والإثبات ، وأشارت الآية السابقة إليه ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ) ، فراجعوا تفاسير الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالّة على وجود هذا القسم من المقدّرات ، التي يتصوّر فيه البداء.
إذاً المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، ولا يخفى هنا أنّ الله سبحانه يعلم كلا التقديرين.
والخلاصة : البداء إذا نُسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نُسب إلى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحقّ القراح لا يرتاب فيه أحد.
( أفراح الموسويّ ـ الكويت ـ .... )
علاقة الدعاء به :
س : ماذا نعني بعقيدة البداء؟ وهل دعائنا للشخص بأن يطيل الله عمره يتعلّق بعقيدة البداء؟ ولكم جزيل الشكر.
ج : تعتقد الشيعة الإمامية بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت عليهمالسلام على الاعتقاد به ، وهو : أنّ الله تعالى يبدي ويظهر ما كان خافياً على الناس.
دعاؤنا للشخص بأن يطيل عمره يتعلّق بمسألة البداء ، فقد ورد عن الإمام الكاظم عليهالسلام : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (١).
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٤٧٠.
( ياسر بطيخ ـ مصر ـ .... )
يكون إبلاغه بواسطة المعصوم :
س : قد قرأت كثيراً عن مذهب الإمامية ، وتعرّفت على المذهب من كتبه ، ومن كتب الصحاح عند أهل السنّة ، فانجلى لي الحقّ ، ولكنّي توقّفت عند مبدأ البداء ، فرغم فهمي لهذا المبدأ واستيعابي له ، تبادر إلى ذهني سؤال أُريد الإجابة عنه : عرفنا أنّ البداء يكون من الله تعالى ، فمن يعلمنا بالأشياء التي يكون فيها بداء؟ وهل يكون البداء في العبادات ، أم أنّ البداء يكون في أشياء العمر والرزق ، وما إلى ذلك ، ممّا أخبر عنه الرسول الكريم؟
فهناك من يدّعي أنّ هذا المبدأ يخوّل إلى أيّ إمام من الأئمّة ، أن يغيّر في التشريع الإلهيّ ، بحجّة أنّ هذا ممّا بدا من الله تعالى ، وهو ـ أي الإمام ـ الوحيد الذي يعلم ذلك بحكم إمامته ، أي هل من حقّ أيّ إمام من الأئمّة التغيير في التشريع الإلهيّ المنزل على رسولنا الكريم من منطلق البداء؟
أفيدونا جزاكم الله.
ج : إنّ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين ، من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه ، أو يرون خلافه ، فبإظهاره ـ تبارك وتعالى ـ يظهر عندهم.
فالبداء إظهار من قبل الله تعالى على لسان المعصومين عليهمالسلام.
والبداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين.
نعم النسخ له دخل بالجانب التشريعيّ ، فالمولى عزّ وجلّ لمصلحة يراها يحكم بحذف وظيفة من وظائف المكلّفين ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع.
فالنبيّ صلىاللهعليهوآله هو الذي نزل عليه القرآن ، وبواسطته بُلِّغ إلينا ، كما أنّ
بواسطته تصل إلينا سائر أنباء الغيب من غير القرآن ، ومنها النسخ والبداء.
وبما أنّ أهل بيت النبيّ هم الأئمّة من قبل الله تعالى على هذه الأُمّة ، وهم الامتداد الطبيعيّ لحفظ الشريعة ، وذلك لقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، فتكون نفس المهمّة في البداء عليهم.
فالإمام لا يغيّر في التشريع الإلهيّ بحجّة أن هذا ممّا بدا من الله! كما ذكرتم.
وهذا التعبير في غير محلّه ، لأنّ البداء لا يقع في التشريع أوّلاً ، وثانياً : فإنّ الإمام عند الشيعة هو الذي نال منصب الإمامة الإلهيّة ، وأعماله تكون إلهيّة ، يختلف عن مفهوم الإمامة لدى المذاهب الأربعة ، حيث يشترط في الإمام عند الشيعة العصمة.
لذا نقترح عليكم أن تقرؤوا عن الإمامة وحدودها أوّلاً ، لتتضح المسألة أكثر.
( ... ـ .... ـ .... )
يكون في القضايا التكوينيّة :
س : أنا شيعية ، ولكنّي أجهل الكثير عن البداء ، حاولت أن أقرأ فقرأت كتب جعلتني أشعر بالغموض أكثر ، لأنّ الكتب تتحدّث بأسلوب أعلى من مستوى فهمي ، بل أنّي لا أستطيع الاعتقاد به ، لأنّه يبدو متناقضاً؟
أفيدوني جزاكم الله ألف خير.
ج : إنّ البداء لغة هو ظهور الشيء بعد خفائه ، واصطلاحاً كما لو بدا للإنسان رأي جديد في شيء ، وكان قد عزم على عمله من قبل ، ثمّ تجلّت
____________
١ ـ المائدة : ٥٥.
مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها.
فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه.
وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداة عليهمالسلام ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل ) (١) ، وقوله عليهالسلام : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ) (٢) ، وقوله عليهالسلام : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (٣).
كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في عمره ثلاث سنوات مثلاً ، فصار ثلاث وثلاثين سنة ، وخلاف ذلك أي لو قطع الإنسان رحمه ، أو فعل الظلم والبغي ، عاقبه الله تعالى ، وأنقص من عمره ثلاث سنوات ، فصار عمره سبعاً وعشرين عاماً ، هذا بحسب التقدير الظاهريّ ، وإن كان الله تعالى في علمه في اللوح المحفوظ ، يعلم أنّ الإنسان كم يعيش في
____________
١ ـ الكافي ١ / ١٤٨.
٢ ـ الاعتقادات للشيخ المفيد : ٤١.
٣ ـ نفس المصدر السابق.
هذا العالم ، فهذا هو البداء الذي تقول به الإمامية.
واعلميّ أيّتها الأُخت : أنّ البداء مثل النسخ الذي يقول به المسلمون ، فالنسخ في القضايا التشريعيّة ، والبداء في القضايا التكوينيّة.
هذا هو البداء ، ولا نريد أن نزيد عليك لئلا يختلط مفهومه ، ولا تتّضح مطالبه ، ولا عليك أن تعاودي السؤال فيما إذا لم يتّضح لديك ذلك.
البدعة :
( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )
تعريفها :
س : ما هو تعريفكم للبدعة؟
ج : إنّ للبدعة تعاريف كثيرة ، تكاد تتّفق لفظاً ومضموناً ، وإن اختلفت في زيادات أوردها البعض.
ولكن أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حدّ البدعة ومفهومها ، هو تعريف الشريف المرتضى قدسسره حيث قال : ( البدعة : زيادة في الدين ، أو نقصان منه من إسناد إلى الدين ) (١).
( محمّد ـ ..... ـ ٢٧ سنة )
تقسيمها إلى حسنة وسيّئة :
س : بارك الله في جهودكم ، قد عرّفتم البدعة هي الزيادة في الدين ، أو النقيصة منه ، فكيف تتصوّر سيّئة تارة وحسنة أُخرى؟
ج : لقد جاء تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة في كلمات علماء أهل السنّة ، والأصل في ذلك هو قول عمر بن الخطّاب ، حيث روى البخاريّ وصف عمر في
____________
١ ـ رسائل المرتضى ٢ / ٢٦٤.
إقامته لصلاة التراويح جماعة ـ والأصل فيها أن تصلّى فرادى ـ بأنّها نعم البدعة هذه (١).
وهذا التقسيم باطل لو أُريد منه البدعة بمعناها الشرعيّ وهي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ؛ لأنّ البدعة الشرعيّة لا تكون إلاّ قسماً واحداً ، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع إلى قيام الساعة.
نعم ، البدعة بالمعنى اللغويّ ـ التي تعمّ الدين وغيره ـ تنقسم إلى قسمين ، فكلّ شيء محدث ومفيد في حياة المجتمعات من العادات والرسوم ، إذا أدّي به من دون الإسناد إلى الدين ، ولم يكن محرّماً بالذات شرعاً كان بدعة حسنة ، وإلاّ فهي بدعة سيّئة.
وأمّا ما كان محرّماً بالذات فهو محرّم ليس من باب البدعة الشرعيّة ، وإنّما هو عمل محرّم ، ولو قيل عنه : إنّه بدعة سيّئة ، فإنّما هو من باب البدعة اللغويّة ، كدخول النساء السافرات في مجالس الرجال.
وبذلك يظهر أنّ من قسّم البدعة إلى حسنة وسيّئة ، قد خلط البدعة في مصطلح الشرع بالبدعة اللغويّة.
( .... ـ السعودية ـ ٣٥ سنة )
تشخيصها عن غيرها :
س : ما هو الملاك والميزان في معرفة كون هذا العمل شرعيّ أو بدعيّ؟ وشكراً لمساعيكم.
ج : لا يخفى عليك أنّ العنصر الذي يوجب خروج العمل عن كونه بدعيّاً هو دعم الشارع المقدّس له ، وتصريحه بأنّه من الدين ، وهذا الدعم يكون على نوعين :
____________
١ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٢٥٢.