السيّد هاشم الهاشمي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
بسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين واللعنة علی أعدائهم أجمعين. الكتاب الذي بين يديك
عزيزي القارئ الكريم يضمّ خلاصة نثريّة ومقتطفات موجزة عن حياة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ومراحل حياتهم المقدسة والمباركة ابتداءً من رسول الله صلىاللهعليهوآله والصديقة الزهراء وأمير المؤمنين
وأولاده الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم وانتهاء بالإمام المهدي عجّل
الله تعالى فرجه الشريف. وأنا على يقين بأنّ
دراسة كلّ معصوم تحتاج إلى دراسة موسّعة وأجزاء ضخمة عن حياته الحافلة والزاخرة بالمكرمات والخوارق والعطاء والحوادث وقد قام علماؤنا والباحثون بذلك بالمقدار الممكن عبر التاريخ الطويل جزاهم الله خيراً وما كتبته
خلاصة موجزة جدّاً لا تعدّ قطرة من بحار حياتهم المعجزة والمباركة. وقد ضممت إلى حياة كلّ
معصوم بعض القصائد التي نظمتها خلال رحلة العمر الطويلة حول المعصومين سلام الله عليهم وهي تتضمّن كذلك لمحات من حياتهم المقدسة وقد نظمت في بعض المعصومين قصيدة واحدة وفي بعضهم أكثر من قصيدة وخاصة في الإمام الحسين عليهالسلام فقد أكثرت النظم في حقّه لمصائبه
المروعة ولتأكيد المعصومين أنفسهم على الإهتمام بقضية كربلاء ومصائبها وشعائرها وعطاءاتها.المقدّمة
والملاحظ أنّي ذكرت مناسبة القصيدة وموضوعها وتاريخ نظمها حسب السَنة الهجرية في كلّ قصيدة ، وقد نظمت بعض القصائد من هذا الديوان في العراق قبل تهجيري إلى إيران وبعضها الآخر في إيران بعد تهجيري إليها ، وقد هجّرت إلى ايران عام ١٣٩٩ هجرية ، فكل ما نظمته بعد هذا التاريخ فهو في إيران وقبله نظمته في العراق.
ولا أرجو من هذا الكتاب بما يضمّ من مجموعة نثريّة وشعريّة إلا أن تكون ذخراً لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وإلا التمسك بالمعصومين والتوسّل والتشفّع بهم وقد أوشك العمر على الرحيل.
( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ).
فيا سادتي الكرام اعطفوا على عبدكم المسكين وانظروا إليه وسجيّتكم الكرم نظرة السيد الكريم على عبده الضعيف في ذلك اليوم الرهيب ولا أتّكل على عملي بل أعتمد على شفاعتكم وعطفكم وكرمكم وهذه بضاعتي المزجاة المتواضعة والقليلة اُقدّمها بين أيديكم الكريمة لعلّها تشفّع لي في ذلك اليوم.
|
العبد الضعيف الراجي رحمة ربّه اللطيف ١ / رجب / ١٤٣٤ هـ هاشم الهاشمي |
رسول الله محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله اسمه محمد صلىاللهعليهوآله ، أبوه عبد الله واُمّه آمنة بنت وهب ، كنيته أبو القاسم ،
لقبه « خاتم الأنبياء ». مولده : ولد في مكّة المكرّمة
يوم الجمعة ١٧ ربيع الأول سنة ٥٧١ م في عام الفيل. توفّي أبوه وهو جنين ، وتوفّيت اُمّه وعمره ستة سنوات فكفّله جدّه عبد المطلب وعمره ثمان سنين
، وبعد وفاته كفّله عمّه أبو طالب ونشأ في حجره ، وتقسّم حياته لثلاث مراحل : ١ ـ مرحلة قبل النبوة ٤٠ عاماً ، وظهرت بعض علامات نبوّته قبل بعثه
وتزوّج السيّدة خديجة وعمره خمس وعشرون عاماً بينما كان عمرها أربعين عاماً ، ولم يتزوج عليها إلا
بعد وفاتها وكان عمره خمسين عاماً ، وهذا مما يفند دعاوى أعداء الإسلام بأنّه صلىاللهعليهوآله إنّما كان يتزوّج لرغبات دنيويّة محضة وكان معروفاً قبل البعثة بالصادق الأمين. لذلك
اعتمد عليه في كثير من المواقف في مجتمعه. حيث كان أحكم الناس وأعلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم. وكان يعبد الله في غار حراء قبل بعثه. ٢ ـ مرحلة النبوة في مكّة « ١٣ » عاماً ، وقد بعث بالنبوّة في السابع والعشرين
من شهر رجب وعمره أربعون عاماً ، حيث نزل عليه الوحي بقوله تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ ) ، فدعا قومه للإسلام سرّاً لمدّة ثلاث سنين ، وأوّل من آمن به وصدّقه ربيبه وابن عمّه الإمام علي عليهالسلام وزوجته خديجة بنت خويلد.
ثم جهر برسالته للناس عامّة ، وبقي في مكّة يدعو قومه إلى الإسلام ، وقد لاقی الكثير من المتاعب ، حتى وصل الأمر إلى محاولة اغتياله من قبل المشركين فنجّاه الله تعالى بالأمر بالهجرة إلى المدينة ، حيث بات الإمام علي عليهالسلام في فراشه.
٣ ـ مرحلة الهجرة إلى المدينة « ١٠ » سنوات ، وبعد هجرته إلى المدينة وبالاستعانة بالمسلمين من المهاجرين والأنصار اُسّست أوّل دولة إسلامية ، ومنها انتشر الإسلام إلى العالم ، وبقي في المدينة المنورة عشر سنين ، حتى توفّي في الثامن والعشرين من صفر في السنة الحادية عشر للهجرة الشريفة ، وقد دفن في المسجد النبوي ، وعمره ثلاثة وستين عاماً ؛ بعد أن عيّن من بعده الإمام علياً إماماً وخليفة للمسلمين في حجة الوداع في « غدير خم » بحسب المتواتر بين المسلمين ، وكانت مدّة نبوّته ثلاثة وعشرين سنة ، شارك في جهاد المشركين ثمان وعشرين مرة ، كما بعث خمس وخمسين فرقة بقيادة بعض أصحابه بخاصة الإمام علي عليهالسلام ، وفي السنة الثامنة بعث رسائل إلى ملوك وقادة الاُمم يدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام ، وهذا دليل واضح على عالميّة الإسلام وشموليّته. ونسخه لسائر الشرائع الإلهية.
كما أنّ هناك الكثير ممّا يدلّ على خاتميّته وخلوده إلى يوم القيامة كما صرّح بذلك القرآن الكريم.
ويدلّ على نبوّته كثير من الأدلّة وأهمّها معجزته الخالدة القرآن الكريم لوجود عناصر الإعجاز فيه من بلاغته ومحتواه ، مما أعجز الناس عن مجاراته بعد أن تحدّاهم أن يأتوا بمثله أو بسورة منه.
وتدلّ على عظمة
الإسلام تعاليمه الإلهية الخالدة التي تصلح لكلّ زمان ومكان ، وتعالج مختلف مجالات الفرد والمجتمع بما يحقّق سعادتها في الدنيا والآخرة. وكيف يتسنّى لشخص اُمّي
في ذلك المجتمع الجاهلي لم يسمع منه التعلّم ، أن يأتي بهذه التعاليم العظيمة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ما لم يكن مرتبطاً
بالسماء ، فالإسلام المحمّدي هو الدين الإلهي الوحيد الذي يلزم على البشر اعتناقه في مرحلة الخاتميّة ، لأنّ الله تعالى اللطيف الخبير ، أنزله إلى البشر لطفاً بهم ، حتى
ينالوا تكاملهم وسعادتهم مما لا يتوفّر في غيره من المبادئ والشرائع ، لأنّها إما أن تكون بشريّة
أو منسوخة أو محرّفة ، وسبيل الحقّ والبعد عن الضلال يتحدّد بالتمسك بالقرآن والعترة للكثير من الأدلّة والأحاديث ، ومنها حديث الغدير المتواتر : « أنّي مخلّف فيكم
الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ثم أخذ بيد علي
فرفعها ، فقال : « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فمن كنت مولاه
فعليّ مولاه ـ يقولها ثلاثاً أو أربع كما في لفظ أحمد بن حنبل ـ ثم قال : اللهم وال من
والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ، واخذل من خذله ،
وأدر الحقّ معه حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب » (١)
، وقد أكّد الرسول صلىاللهعليهوآله على هذه الحقيقة في الكثير من أحاديثه ومواقفه ، وقد حاول كتابتها حين احتضاره ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )
، ولكن منع البعض من هداية البشرية لتبقى غارقة في الظلام والظلال إلا المتمسّكون بسفينة النجاة. وهناك معاجز كثيرة
ذكرها القرآن الكريم ، كما ذكرها كثير من المؤرخّين. وقد أثر عن النبي صلىاللهعليهوآله كثير من الخطب والرسائل والحكم ، نذكر من حكمه صلىاللهعليهوآله : __________________ (١) الغدير ١ : ١١.
قال صلىاللهعليهوآله : « كفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنى ، وكفى بالعبادة شغلاً وكفى بالقيامة موئلاً وبالله مجازياً » (١).
وقال صلىاللهعليهوآله : « أوصاني ربّي بتسع ، بالإخلاص بالسرِّ والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن اعفو عمّن ظلمني وأعطي من حرمني ، وأصل من قطعني ، وأن يكون صمتي فكراً ومنطقي ذكراً ، ونظري عبراً » (٢).
وقال صلىاللهعليهوآله : « ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال » (٣).
__________________
(١) تحف العقول : ٣٥.
(٢) تحف العقول : ٣٦.
(٣) نفس المصدر.
في مولد الرسول صلىاللهعليهوآله
الحرف ... والسيف باسم ميلادك
استهلَّ نشيدي
حيث رفَّ الهدى بكلّ
الوجودِ
وأطلّتْ بشائرُ
العدل في عصر
تهاوى في ظلمة
التنكيد
وتذكّرتُ كيف
حرّرتَ جيلاً
من وحول الهوى وأسر
الجمود
وصرعتَ الطغاة بالحرفِ
والسيف
فغابتْ دنيا
الليالي السود
تلك بدرٌ وخندقٌ
وحنين
حفرتْ بالدماء دربَ
الخلود
هوذا « حمزةٌ »
يشقُّ غمار الحرب
لم تُثنهِ حرابُ
الحشود
و « عليٌّ » يخوض
سوحِ المنايا
حاضناً ثورة
النبيِّ الجديد
وصحابٌ لم يرهبوا
في سبيل الله
سوطَ التنكيل
والتشريد
إنّها سُنّة الحياة
، وقد ماتتْ
شعوبٌ تهوى حياةَ
العبيد
فاستفاقتْ من غفوة
الذلّ ، واجتاحت
بعزمِ الإيمان كلّ
السدود
وتحدّت كلَّ الطغاة
، وخيل الله
زحفٌ يمضي بخطوٍ
عنيد
فطوتْ قيصراً ،
وأهوتْ بكسرى وتردّت يأساً طيوف
اليهود
* ربيع الأول ١٤٠١
في المبعث النبوي صلىاللهعليهوآله
مبعث النور والسعادة في الدنيا |
|
ونهج الفلاح يوم الجزاء |
هو شمس الهدی أطلَّت علی الأجيال |
|
تُهدي الوری لدرب السماء |
كان وعد السنا لدنيا تمادی |
|
في دجی الجاهلية الجهلاء |
غرقت في الضلال والقتل والسلب |
|
وفي هوة الهوی والغباء |
مزقتها مخالب الجهل والأهواء |
|
تخطو إلی حضيض الفناء |
سحقت من غبائها المثل العليا |
|
لأجل المطامع العمياء |
فأطلت في ظلمة الجهل والأهواء |
|
شمس الشريعة الغرَّاء |
حملت منهل السعادة للدهر |
|
ونهج الهدی ودرب العلاء |
وارتقی العصر من حضيض بهيم |
|
لذری المجد والهدی والضياء |
بيد أنّ الأهواء والجهل لا زالت |
|
ببعض النفوس والسفهاء |
قد تحدَّت مثل الخفافيش ركب النور |
|
لا ترتضي بغير العماء |
فتصدّت للركب بالغدر والبغي |
|
بمكر السقيفة السوداء |
وأرادوا أن يطفأوا النور يأبی الله |
|
إلا خلود الشرع السماء |
فليكيد الأعداء
للحق ما شاءوا
ستهوی مكائد
الأعداء
هكذا كان قد تحدَّث
خطی الدين
دروب الإرهاب
والإغراء
يتعالی في
الدهر رغم قوی الأعداء
درب الهدی
ونهج الولاء
* ٢٧ رجب ١٤٢٩ هـ
فاطمة الزهراء سلام الله عليها اسمها فاطمة ،
وكنيتها اُمّ أبيها ، وأشهر ألقابها الزهراء والبتول والصدّيقة ، ولدت بمكة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة بعد المبعث بخمس سنين. أبوها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واُمّها خديجة ، وخديجة أوّل امرأة أسلمت ، وأفضل أزواج الرسول صلىاللهعليهوآله وعن ابن عباس قال خطّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أربع خطط في الأرض وقال : « أتدرون ما هذا ». قلنا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أفضل نساء الجنّة أربعة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم ابنة عمران وآسية ابنة مزاحم زوجة فرعون » (١). وتقسّم حياة الزهراء
إلى مرحلتين : مرحلة الرسول صلىاللهعليهوآله ومرحلة ما بعد الرسول صلىاللهعليهوآله. عاشت مع أبيها ثمانية
أعوام في مكة ، وعشرة في المدينة وأقامت بعد الرسول صلىاللهعليهوآله أربعين أو خمسة وسبعين أو تسعين يوماً. وفي الثامنة من عمرها
هاجرت إلى المدينة مع مجموعة من النساء المسلمات سمّين بـ « الفواطم ». __________________ (١)
الخصال : ٢٠٦.
مناقبها :
ورد في فضلها أحاديث عن الرسول صلىاللهعليهوآله من الفريقين ، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » (١) ، وهذا النص ورد في غيره من الصحاح والكتب.
وكذلك قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله عزّ وجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » ، وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر : « إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة ، وإذا قدم من سفر كان أوّل الناس به عهداً فاطمة » ، وروي مثله في مسند أحمد بن حنبل ، وروى أيضاً عن عائشة أنّها قالت : « ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً من فاطمة برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسها » (٢) ، قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفي الاستيعاب بسنده عن عائشة : ما رأيت أحداً أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولّدها صلىاللهعليهوآله (٣).
والقرآن الكريم وإن لم يذكر اسمها صريحاً ، إلا أنّ بعض آياته تتحدّث عن أهل البيت عليهمالسلام ومنهم فاطمة ، وقد اختصّت بعضها بها ، نشير لبعض هذه الآيات :
منها : آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) والآية الشريفة باتفاق المفسّرين نزلت في علي وفاطمة وابنيهما وهي تدلّ على عصمتهم.
كما أنّ المراد من « أنفسنا » الإمام علي عليهالسلام ، ومن « أبنائنا » الحسن والحسين عليهماالسلام.
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٠.
(٢) الاستيعاب ٤ : ١٨٩٦.
(٣) نفس المصدر.
ومنها : آية المودّة
: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ )
، حيث فرض المودة لهم جزاء إتعابه في رسالته ، ولكن ماذا فعلوا بأهل بيته من بعده ؟ وآية الإطعام : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا )
، وآية الكوثر : ( إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، حيث نزلت في فاطمة عليهماالسلام وأنّها الكوثر ، أي الخير الكثير ، حيث إنّ سلالتها تملأ الدنيا. وخطبها أشراف العرب ،
ولكن الرسول صلىاللهعليهوآله زوّجها بالإمام علي عليهالسلام ، فعن أنس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله غشيه الوحي ، فلمّا أفاق : « قال جاءني
جبرئيل من عند صاحب العرش وأمرني أن اُزوّج فاطمة من علي » (١) ، وكان مهرها خمسمأة درهم ، وهو مهر
السنّة وهي تبلغ ثلاثمأة وخمسين مثقالاً من الفضّة. وقال في الاستيعاب : أنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لها : « زوجتك سيّداً في الدنيا
والآخرة ، وأنّه لأوّل أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً » (٢). وأما جهازها عند
زفافها فكان متواضعاً جدّاً كما نقله التاريخ. ومن أخلاقها : الزهد
والعبادة ، قال الحسن البصري : « ما كان في هذه الاُمّة أعبد من فاطمة » (٣) ، وكانت تعمل في البيت حيث كان علي عليهالسلام يستقي ويحتطب ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز وترقع ، وكانت من أحسن الناس وجهاً. وعن علي عليهالسلام حول فاطمة عليهاالسلام : « إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في
صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت النار تحت __________________ (١)
ينابيع المودة : ١٧٥. (٢) الاستيعاب
: ١٨٩٥. (٣)
مناقب آل أبي طالب ٣ : ١١٩.
القدر حتى دكنت ثيابها » (١).
وعن حياتها الزوجيّة ، قال علي عليهالسلام : « فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلَّ ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان » (٢).
وبعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله لقيت فاطمة الكثير من المصائب والمحن ، اُضيفت لتألّمها على فراق أبيها ، منها غصب فدك منها ، بعد أن أنحلها الرسول صلىاللهعليهوآله في حياته ، وغصب الخلافة من زوجها عليهالسلام ، وحرمان الأجيال والتاريخ من نور الهداية الإلهية ، والهجوم على دارها وإحراقها وإسقاط جنينها وغيرها الكثير من الحوادث المؤلمة التي ذكرت في مختلف المصادر ، ولا شكّ بأنّ هذه المصائب أثّرت فيها واستشهدت بسبب هذه المحن والجروح التي أصابتها وهي في الثامنة عشر من عمرها.
وأمّا مدفنها فهو مجهول ، لدفنها ليلاً ، استنكاراً ممّن أغضبوها ، أمّا في بيتها عند قبر الرسول صلىاللهعليهوآله ، أو في مقبرة البقيع ، أو بين المنبر وقبر الرسول صلىاللهعليهوآله في المسجد على اختلاف الروايات.
لذلك فإنّ كلّ من أغضبها يصدق عليه قول الرسول صلىاللهعليهوآله : « من أغضبها فقد أغضبني » (٣) ، وفي الصحاح وغيرها من مصادر أهل السنة ، أنّها رحلت وهي واجدة أو غاضبة على البعض ، ولست أدري أنّ من أغضب الرسول صلىاللهعليهوآله والله تعالى هل يستحقّ حكومة المسلمين ، وهل تكون مذاهبه حقّة ، ثم إنّ من لم يتمسّك بالقرآن والعترة كيف تكون آراؤه وحكمه على حقّ ، وقد قال الرسول صلىاللهعليهوآله : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٣٦٦.
(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ١٣٣.
(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢١٠.
الله
وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً » (١). وممّا أثر عن الزهراء
عليهاالسلام خطبتان كبيرتان إحداهما بمحضر
المهاجرين والأنصار ، والاُخرى بمحضر من نسائهم ، وسعت في هاتين الخطبتين على توضيح الحقيقة الإسلامية ، واستثارة المسلمين لتصحيح الإعوجاج ، وما سيترتّب على غصب الخلافة من صراعات وحروب مدمرة وحكومات ظالمة وانحرافات وغيرها ، وأنّى للآذان الصمّاء أن تسمع الحقيقة ، فمن حكمها قولها عليهاالسلام تشرح أسرار التشريع الإسلامي : « .... جعل الله
الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحج تشييداً للدين ،
والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملّة ، وأماناً من الفرقة ، والجهاد عزّاً
للإسلام ، وذلاً لأهل الكفر والنفاق والصبر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مصلحة للعامة ، وبرّ الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منسأة في العمر ... »
(٢). __________________ (١) تحف
العقول : ٤٥٨. (٢) بحار
الأنوار ٢٩ : ٢٢٣.
مولد الزهراء عليهاالسلام
رفّ عبر المدى على اُفُقِ التاريخ |
|
كالفجر مولد الزهراء |
أودع الله في البتولة سرّ الخلد |
|
يزهو في الشرعة الغرّاء |
لست أدري ماذا حوى فضلها الطاهر |
|
ما كُنه سرِّها المعطاء |
فهي سرّ الوجود والخلق والأفلاك |
|
في روحها وسرّ البقاء |
وهي بنت الرسول زوج عليٍّ |
|
وهي اُم الأئمّة الأمناء |
ولد النور والهدى حينما رفّ |
|
على الكون مولد الزهراء |
وتهادت على الورى نسماتٌ |
|
عبقت بالبشائر الخضراء |
وأطّلت من واحة الغيب أنداءٌ |
|
تروّي ظوامئ الصحراء |
تلتقي الأرض بالسماء ليفترّ |
|
على جدبها ربيع السماء |
ولدت فاطمٌ ليخلد حتى الحشر |
|
نور الشريعة السمحاء |
* جمادى الثانية ١٤٢٩ هـ