السيّد مصطفى الحسيني
المحقق: سعد رستم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجسور الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨
علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا ...
خاتم النبيين الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)
إن الكتاب لمعي، ما فارقته منذ صحبته ...
أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
إن على كل حق حقيقته، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوا به ، وما خالف كتاب الله فدعوه.
اميرالمؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
فهرس المحتويات
مقدّمة المؤلّف................................................................... ٩
الباب الأول علي والقرآن ١٣
١ عليّ عليهالسلام والقرآن........................................................... ١٣
٢ كلام عليّ عليهالسلام في وصف القرآن.............................................. ٢٨
٣ كلام عليّ عليهالسلام في ذمّ تفسير القرآن بالرّأي..................................... ٣٢
٤ ظاهر القرآن وباطنه في كلام عليّ عليهالسلام........................................ ٣٧
٥ تيسير فهم القرآن ورأي عليّ عليهالسلام في ذلك..................................... ٣٨
٦ ترتيب سور القرآن في مصحف عليّ عليهالسلام...................................... ٤٣
٧ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير فاتحة الكتاب.................................. ٤٨
٨ ما روي عن عليّ عليهالسلام في آية الكرسي......................................... ٥٨
٩ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير الحروف المقطّعة................................ ٥٩
١٠ ما روي عن عليّ عليهالسلام في متشابهات القرآن................................... ٦٢
١١ ما روي عن عليّ في تفسير تكليم الله تعالى.................................... ٦٦
١٢ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير سورة التّوحيد................................. ٦٩
١٣ في تفسيره قوله تعالى : هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن....................... ٧٢
١٤ تفسير عليّ لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ).......................... ٧٤
١٥ ما روي عن عليّ عليهالسلام من تفسير" وجه الله".................................. ٧٧
١٦ في تفسيره قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ........... ٨٠
١٧ في تفسيره قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ)............................... ٨٢
١٨ في تفسيره قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)...... ٨٦
١٩ في تفسيره قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ٨٤
٢٠ في تفسيره لقوله العزيز : (.. فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)....... ٨٧
٢١ تفسيره قوله تعالى : (.. إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ..) وقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ..) ٨٩
الباب الثاني
فيما روي عن عليّ عليهالسلام من تفسير لبعض آيات الأحكام
والعبادات
١ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تعظيم أمر الصلاة .................................... ٩١
٢ ما روي عن عليّ عليهالسلام في آية الوضوء.......................................... ٩٣
٣ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير الصلاة الوسطى................................ ٩٧
٤ رأي الإمام عليهالسلام في سبب نزول سورة براءة من دون التّسمية...................... ٩٩
٥ ما روي عن عليّ عليهالسلام في كيفية الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم...................... ١٠٠
٦ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير ما يتعلّق بالدّعاء.............................. ١٠٢
٧ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آداب الصلاة ................................ ١٠٥
٨ ممّا روي عن عليّ عليهالسلام فيما يتعلّق بصلاة الجمعة............................... ١٠٩
٩ عزائم السجود في القرآن عند عليّ عليهالسلام...................................... ١١٤
١٠ ما روي عن عليّ عليهالسلام في بيان نوافل الصبح والمغرب.......................... ١١٥
١١ ما روى عن عليّ عليهالسلام في بيان ملازمة الصلاة والزكوة......................... ١١٧
١٢ مما روي عن عليّ عليهالسلام فيما يتعلّق بآي الصيام............................... ١٢٠
١٣ مما روي عن عليّ عليهالسلام فيما يتعلّق بآي الحجّ................................. ١٢٤
١٤ مما روي عن عليّ عليهالسلام في آي الجهاد في سبيل الله............................ ١٣٠
١٥ مما روي عن عليّ عليهالسلام في آي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر................ ١٣٦
١٦ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آية كفارة الحنث باليمين..................... ١٣٨
١٧ مما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آي النّكاح والطّلاق........................ ١٤٠
١٨ مما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آي الوصية والميراث......................... ١٤٧
الباب الثالث
ما روى عن علي عليهالسلام في تفسير المتفرقات من مسائل القرآن....................... ١٤٩
الباب الرابع
اقتباسات الإمام علي عليهالسلام من القرآن الكريم ١٨١
قائمة المصادر والمراجع......................................................... ٢٠٥
مقدّمة المؤلّف
بسم الله الرّحمن الرّحيم ، الحمد لله ذي النعم المتتابعة والآلاء المتواترة والآيات اللامعة والحجج البالغة ، حمدا نتوسل به إلى سعة غفرانه ونقترب به إلى عظيم رضوانه ، ونسأله أن يصلى على من اصطفاه لتبليغ أمره وأداء رسالته واجتباه لإكمال دينه وإتمام نعمته ، محمد الذي ختم به النبيين وأرسله رحمة للعالمين ، وعلى آله الهداة المهديين ، لا سيما على يعسوب المؤمنين علي إمام المتقين ما طلع نجم في السماء وتعاقب الصباح والمساء وبعد ،
لقد منّ الله تعالى على هذه الأمّة إذ أرسل إليهم رسولا ذا خلق عظيم وأنزل عليه (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر : ٢٨) كتابا مبينا (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة : ١٦) (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (الزمر : ٢٣) ولو أنزله سبحانه تعالى (عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (الحشر : ٢١). وقد نزّله ـ جلّ ذكره ـ على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ليتدبّر الناس آياته وليتّعظ أرباب العقول بمواعظه ، فقال عزّ من قائل : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ
لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (ص : ٢٩). فكان ممّن سارع في أمر ربّه وسابق إلى طاعة مولاه ، عليّ بن أبي طالب الذي كان ذا (أُذُنٌ واعِيَةٌ) لكلام الله ، وقلب عقول لفهم كتابه ، فصار عليهالسلام عارفا بمحكمه ، مؤمنا بمتشابهه ، عاملا بأمره ، نائيا عن نهيه ، قاتل على تأويله كما قاتل رسوله الله عليه وآله وسلم على تنزيله ، فهو إمام المفسرين بعد رسول رب العالمين. اقتبس منه علم التفسير ابن عمه عبد الله بن عباس رضى الله عنه وأخذ المفسرون عن ابن عباس وهم عيال عليه في تفسير القرآن. إلا أن جميع آثاره عليهالسلام في التفسير لم تصل إلينا ، ولم نجد إلا قليلا منها متفرقا في الكتب كالدرر المنثورة ، فأحببت أن أذكر ـ بعون الله العظيم ـ في كتاب ، مكانة الإمام عليهالسلام من القرآن ، واهتمامه بحفظه وجمعه وقراءته وتفسيره وتعليمه ، وأن أشرح نبذة من طرائف تفسيره ، وظرائف تعبيره ، حيث كان عليهالسلام ، من أمراء الكلام وفرسان ميادين البيان (١) ، وشرطت على نفسي أن لا أجمع من الروايات إلا ما وافق منطوق القرآن أو مفهومه وتركت منها ما لا يوافق ظاهر الكتاب مما رواه الوضّاعون والغلاة ، فهذا هو المعيار الأول والمقياس الأهم في قبول
__________________
(١) أشير إلى قوله عليهالسلام : إنا لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه (راجع : نهج البلاغة ، خ. ٢٣).
الآثار ومعرفة صحيح الأخبار ، كما روي عن الأئمة الأبرار عليهمالسلام متواترا (١).
وقد تساهل العلماء في رواية التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث وإنما تساهلوا في الأخذ عنهم لأن ما فسروا به ألفاظه ، تشهد به لغات العرب ، وما شرطت على نفسي من موافقة ظاهر القرآن وسياقة أوثق من شرطهم ، وهم أوردوا ما روي عن الكلبي ومقاتل والضحاك وأشباههم في كتبهم ، وأنا ذاكر بعض ما روي عن ربّانيّ هذه الأمة والإمام المتفق على عظيم منزلته ورفيع قدره علي بن أبي طالب عليهالسلام الذي أخذ القرآن والعلم عن فم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما قال عليهالسلام عند ما سئل : مالك أكثر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حديثا؟ فقال : إني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني (٢).
__________________
(١) قال الشيخ الأنصاري في فرائده : الأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترة جدا (راجع : فرائد الأصول ، المقصد الثاني في الظن).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه : ٥٠ ـ كتاب المناقب / ٢١ ـ باب مناقب علي بن أبي طالب ، ح ٣٧٢٩ ، (٥ / ٦٤٠) ، ثم قال : " هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وفي الباب عن جابر ، وزيد بن أسلم وأبي هريرة وأم سلمة".
وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى : ج ٢ / ص ٣٣٨.
أسأل الله ـ تقدّست أسماؤه ـ أن ينفع بكتابي هذا كلّ من طلب الهدى من القرآن فآثره على ما سواه ، وعصمني الله سبحانه من الزيغ والزلل في القول والعمل ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
|
كتبه بيمناه الداثرة مصطفى الحسني الطباطبائي عفي عنه |
الباب الأول
علي والقرآن
١ ـ عليّ عليهالسلام والقرآن
كان علي عليهالسلام من كتبة الوحي النبوي وكان واعيا للقرآن الكريم قد تمكّن كتاب الله عزوجل في صدره ، مصداقا لقوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت : ٤٩) فتجلّى القرآن في عمله وحكمه وحروبه. وإليك لمعة مما أشرق من القرآن في شئون حياته عليهالسلام :
١ ـ روى أبو جعفر الطبري في تفسيره بإسناده عن على بن حوشب ، قال : سمعت مكحولا (١) يقول : «قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ثم التفت إلى عليّ ، فقال : " سألت الله أن يجعلها
__________________
(١) مكحول : فقيه الشام في عصره ، كان من حفاظ الحديث ، توفي ١١٢ ه.
أذنك" ، قال علي رضى الله عنه : فما سمعت شيئا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنسيته.» (١).
٢ ـ روى" محمد بن سعد" في كتاب الطبقات الكبرى بإسناده عن سليمان الأحمسي عن أبيه قال : قال عليّ عليهالسلام : «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت (٢) ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا.» (٣).
٣ ـ وإنا لنجد في كتاب الله تعالى آية لم يعمل بها أحد من هذه الأمّة إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام ، كما روى ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناده عن مجاهد (٤) ، في قوله : (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ
__________________
(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت ٣١٠ ه) ، عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الحاقة : (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ، ج ٢٩ ، ص ٥٥.
(٢) لا شك أنه ليس مقصود الإمام عليهالسلام من هذا الكلام التفاخر ، فقد كان أبعد الناس عن الفخر والخيلاء ، وإنما قصد من كلامه حثّ المسلمين الجدد وأجيال المسلمين على المجيء إليه لتعلم علوم القرآن لينهلوا من غزير معرفته ، وهذا مثل قوله عليهالسلام «سلوني قل أن تفقدوني!» أي استفيدوا من علمي قبل أن أرتحل إلى جوار ربي فلا تجدونني لتسألوني.
(٣) الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، ج ٢ ، ق ٢ ، ص ١٠١.
(٤) مجاهد بن جبر ، من قرّاء التابعين وعلمائهم في التفسير ، نهل من معين عبد الله بن عبّاس فصار من أشهر المفسرين في مكة ، توفي سنة ١٠٤ ه.
صَدَقَةً) قال : «نهوا عن مناجاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يتصدّقوا ، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدّم دينارا فتصدّق به ، ثم أنزلت الرخصة في ذلك» ، وروى بإسناده عن مجاهد أيضا قال : قال علي رضى الله عنه : «إن في كتاب الله عزوجل لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (المجادلة : ١٢) قال : فرضت ، ثم نسخت.» (١)
٤ ـ أخرج" ابن أبي داود" في كتاب" المصاحف" من طريق ابن سيرين (٢) قال : «لما توفي النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أقسم علي عليهالسلام أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل».
أقول : قد رأى محمد بن إسحاق النديم هذا المصحف في زمانه عند أبي يعلى حمزة الحسني وشهد على ذلك في كتابه المسمى ب" الفهرست" وسيأتي بيان ترتيب السور في هذا المصحف إن شاء الله.
__________________
(١) جامع البيان : ج ٢٨ ، ص ٢٠.
(٢) هو محمد بن سيرين البصري من كبار علماء التابعين وفقهاء السلف المشهورين توفي سنة ١١٠ ه.
٥ ـ صوّب عليّ عليهالسلام رأي عثمان في المصاحف بعد ما حضر مجلسه ودخل في ملأ من أصحاب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كما روى أبو جعفر الطبري في تاريخه عن سويد غفلة الجعفي (١) قال : " لا أحدّثكم إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي من علي بن أبي طالب عليهالسلام سمعته يقول : «لا تسمّوا عثمان شقّاق المصاحف فو الله ما شقّقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد ولو وليتها لعملت فيها مثل الذي عمل» (٢).
٦ ـ اهتمّ عليّ عليهالسلام بتصحيح كتابة القرآن كما روي في" المناقب" لابن شهرآشوب : أنّ زيد بن ثابت لمّا قرأ" التابوة" قال عليّ عليهالسلام : اكتبه" التابوت" فكتبه كذلك (٣).
٧ ـ قيل أن أفصح القراءات قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي وعاصم قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
__________________
(١) سويد بن غفلة الجعفيّ ـ كما يقول العلامة الحليّ ـ من أصحاب الإمام علي عليهالسلام (انظر خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، للعلامة الحلي ، ص ١٦٣).
(٢) تاريخ الأمم والملوك للطبري : ج ٦ ، ص ١١٤.
(٣) راجع : مناقب آل أبي طالب ، لابن شهرآشوب ، ج ٢ ، ص ٥٢.
٨ ـ العدد الكوفي في القرآن منسوب إلى عليّ عليهالسلام فإنه سمع ذلك عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم). قال أبو علي الطبرسي في" مجمع البيان" :
«روى الأستاذ أحمد الزاهد في كتاب" الإيضاح" بإسناده عن سعيد بن المسيب (١) عن علي بن أبي طالب عليهالسلام أنه قال سألت النبيّ عن ثواب القرآن؟ فأخبرني بثواب سوره سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء (إلى أن قال) ، ثم قال النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة وجميع آيات القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وست وثلاثون آية وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفا ، لا يرغب في تعلم القرآن إلا السعداء ولا يتعهد قراءته إلا أولياء الرحمن» (٢).
__________________
(١) سعيد بن المسيّب من كبار التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة ومن المعاصرين للإمام علي عليهالسلام والآخذين عنه. يذكر العلامة الحلي في كتابه الرجالي" خلاصة الأقوال" أن سعيد بن المسيب تربّى على يدي عليّ عليهالسلام.
(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ج ١٠ ، ص ٦١٣ ـ ٦١٤ ، أو ج ٢٩ ، ص ١٤٠.
٩ ـ إنّ عليّا عليهالسلام كان يعلّم الناس القرآن ، وهم يقرءون عليه لتقويم قراءتهم ، كما روي عن أبي مريم زرّ بن حبيش (١) قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره في المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام (٢). وكما روي عن رزين بن حصين (٣) رضى الله عنه قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره على علي بن أبي طالب رضى الله عنه فلما بلغت الحواميم ، قال لي : قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من (حم عسق) بكى ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإيمان ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ثم قال : يا رزين ،
__________________
(١) زرّ بن حبيش الأسدي الكوفي ، من أصحاب أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، قال عنه ابن حجر في" تقريب التهذيب" : «ثقة جليل مخضرم مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين هجرية وهو ابن ١٢٧ سنة!».
(٢) انظر بحار الأنوار للمجلسي : ج ٨٩ ، ص ٢٠٦.
(٣) يبدو أنه من تصحيفات النساخ وأنه نفس زرّ بن حبيش المذكور آنفا ، حيث لا ذكر في كتب الرجال لرجل اسمه : رزين بن حصين!! والتشابه بين طريقة كتابة الاسمين بلا نقاط واضح.
إذ ختمت فادع بهذه ، فإن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن» (١).
وروى السيوطي في الدر المنثور قال : «أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كنت أقرئ الحسن والحسين ، فمرّ بي علي بن أبي طالب وأنا أقرؤهما فقال لي : «اقرأهما وخاتم النبيين بفتح التاء.».
١٠ ـ إنّ عليّا عليهالسلام لم يكتف بتعليم القرّاء ، بل كان يمشي في الأسواق وحده ، وهو بذاك يرشد الضالّ ويعين الضعيف ويمرّ بالبيّاع والبقّال فيفتح عليهم القرآن ويقرأ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص : ٨٣) (٢).
١١ ـ وكان عليّ عليهالسلام يستنبط استنباطات دقيقة من القرآن تعكس فهمه العميق المتميّز لكتاب الله وفقهه النيّر الذي لا يبارى في القرآن الكريم ، وهو فقه خصّه الله تعالى به وفتح به عليه ، وقد حدّث بهذه النعمة الإلهية ، فكان يقول لمن سأله فيما إذا كان لديهم
__________________
(١) السيوطي في تفسيره الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ذيل تفسيره للآية ٢٠ من سورة الشورى.
(٢) مناقب آل أبي طالب ، لابن شهرآشوب ، ج ٢ ، ص ١٢٠.
أهل البيت كتاب خاصّ من رسول الله أو وحي سوى القرآن ، وغير ما لدى سائر المسلمين؟؟ ، فيقول : «لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة (١).» (٢) أو يقول : «لا! ما عندنا إلا ما في كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة ، إلّا أن يعطي الله عزوجل عبدا فهما في كتابه» (٣).
ومن أمثلة استنباطاته اللطيفة والدقيقة من القرآن الكريم استنباطه عليهالسلام ، أقل مدة الحمل ـ وهو ستة أشهر ـ من قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ..) (الأحقاف : ١٥) وقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ..) (البقرة : ٢٣٣) ، لأننا إذا طرحنا سنتي الرضاعة من الثلاثين شهرا المذكورة لكلي الحمل والفطام من الرضاعة بقيت ستة أشهر مدة الحمل!
__________________
(١) يشير إلى الصحيفة الجامعة التي كان يضعها في قراب سيفه وكان يدون فيها أحاديث رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وما يتلقفه عنه من العلم. وقد نقلت كتب الحديث عند الفريقين كثير من محتوياتها.
(٢) انظر صحيح البخاري : ١٦٨ ـ باب فكاك الأسير ، وسنن الترمذي : ج ٢ : أبواب الديات عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ١٦ ـ باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر ، وسنن ابن ماجة : ج ٢ ، باب لا يقتل مسلم بكافر ، وانظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ، ذيل تفسيره لقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ..) الآية ٥٩ من سورة النساء.
(٣) سنن النسائي : ج ٨ ، كتاب القسامة ، باب سقوط القود من المسلم للكافر.