إعراب القرآن - ج ١

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 2-7451-3023-4
الصفحات: ٢٩٣

يعرب الاسم من وسطه. (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) داخل في الصلة والهاء والميم يعود على الذين. وفي «عليهم» خمس لغات قرئ بها كلّها. قرأ ابن أبي إسحاق (١) أنعمت عليهمو (٢) بضم الهاء وإثبات الواو ، وهذا هو الأصل أن تثبت الواو كما تثبت الألف في التثنية. وقرأ الحسن أنعمت عليهمي (٣) بكسر الهاء وإثبات الياء وكسر الهاء لأنه كره أن يجمع بين ياء وضمة ، والهاء ليس بحاجز حصين وأبدل من الواو ياء لما كسر ما قبلها ، وقرأ أهل المدينة (عَلَيْهِمْ) (٤) بكسر الهاء وإسكان الميم ، وهي لغة أهل نجد ، وقرأ حمزة (٥) وأهل الكوفة (عَلَيْهِمْ) بضم الهاء وإسكان الميم فحذفوا الواو لثقلها وإنّ المعنى لا يشكل إذ كان يقال في التثنية : عليهما ، واللغة الخامسة قرأ بها الأعرج عليهمو بكسر الهاء والواو ، وحكي لغتنا شاذّتان وهما ضمّ الهاء والميم بغير واو وكسرهما بغير ياء. وقال محمد بن يزيد : وهذا لا يجوز لأنه مستقبل فإن قيل : فلم قيل : منه فضمّت الهاء؟ فالجواب أن النون في «منه» ساكنة. قال أبو العباس : وناس من بني بكر بن وائل يقولون : عليكم فيكسرون الكاف كما يكسرون الهاء لأنها مهموسة مثلها وهي إضمار كما أنّ الهاء إضمار ، وهذا غلط فاحش لأنها ليست مثلها في الخفاء. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) خفض على البدل من الذين وإن شئت نعتا. قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون بدلا من الهاء والميم في عليهم ، وروى الخليل رحمه‌الله عن عبد الله بن كثير (٦) (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) (٧) بالنصب قال الأخفش : هو نصب على الحال ، وإن شئت على الاستثناء قال أبو العباس : هو استثناء ليس من الأول. قال الكوفيون : لا يكون استثناء لأن بعده «ولا» ، ولا تزاد «لا» في الاستثناء. قال أبو جعفر : وذا لا يلزم لأن فيه معنى النفي ، وقال : «غير المغضوب عليهم» ولم يقل : المغضوبين لأنه لا ضمير فيه. قال ابن كيسان : هو موحّد في معنى جمع وكذلك كل فعل المفعول إذا لم يكن فيه خفض مرفوع ، نحو المنظور إليهم والمرغوب فيهم ، و (الْمَغْضُوبِ) بإضافة غير إليه و (عَلَيْهِمْ) في موضع رفع لأنه اسم ما لم يسمّ فاعله.

__________________

(١) ابن أبي إسحاق : عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي البصري ، أحد الأئمة في القراءات والعربية. أخذ القراءة عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم. (ت ١٢٧ ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة ٢ / ٤٢ ، وغاية النهاية ١ / ٤١٠).

(٢) انظر مختصر في شواذ القرآن ١ ، والمحتسب ١ / ٤٤. والبحر المحيط ١ / ١٤٦.

(٣) انظر الحجة لابن خالويه ٣٩ ، والحجة للفارسي ١ / ٤٢.

(٤) حمزة بن حبيب أبو عمارة الكوفي ، أحد القرّاء السبعة (ت ١٥٦ ه‍). ترجمته في (غاية النهاية ١ / ٢٦١).

(٥) انظر معاني الفراء ١ / ٥.

(٦) عبد الله بن كثير : أبو معبد عبد الله المكي الداري ، إمام أهل مكة في القراءات وأحد السبعة (ت ١٢٠ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ١ / ٤٤٣.

(٧) انظر الحجة للفارسي ١ / ١٠٥.

٢١

(وَلَا) زائدة عند البصريين وبمعنى غير عند الكوفيين (١). و (الضَّالِّينَ) عطف على «المغضوب عليهم» والكوفيون يقولون : نسق (٢) ، وسيبويه (٣) يقول : إشراك. والأصل في الضّالين : الضاللين ثم أدغمت اللام في اللام فاجتمع ساكنان وجاز ذلك لأن في الألف مدّة والثاني مدغم ، إلّا أنّ أيّوب السّختياني (٤) همز فقرأ (وَلَا الضَّالِّينَ) (٥).

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٨.

(٢) النّسق : العطف.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ٤١.

(٤) أيوب السختياني : هو فقيه أهل البصرة (ت ١٣١ ه‍). ترجمته في شذرات الذهب ١ / ١٨١.

(٥) انظر مختصر ابن خالويه ١ ، والمحتسب ١ / ٤٦ ، والبحر المحيط ١ / ١٥١.

٢٢

(٢)

شرح إعراب سورة البقرة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم) (١)

من ذلك قوله عزوجل : (الم ...) مذهب الخليل وسيبويه (١) في «الم» وما أشبهها أنها لم تعرب لأنها بمنزلة حروف التهجّي فهي محكيّة ولو أعربت ذهب معنى الحكاية وكان قد أعرب بعض الاسم ، وقال الفراء : (٢) إنما لم تعرب لأنك لم ترد أن تخبر عنها بشيء ، وقال أحمد بن يحيى (٣) : لا يعجبني قول الخليل فيها لأنك إذا قلت : زاي فليست هذه الزاي التي في زيد لأنك قد زدت عليها. قال أبو جعفر : هذا الرّدّ لا يلزم لأنك لا تقدر أن تنطق بحرف واحد حتى تزيد عليه. قال ابن كيسان : «الم» في موضع نصب بمعنى اقرأ «الم» أو عليك «الم» ويجوز أن يكون موضعه رفعا بمعنى : هذا الم أو هو أو ذاك. ثم قال عزوجل :

(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)

(ذلِكَ) فيه ستة أوجه : يكون بمعنى هذا ذلك الكتاب ، فيكون خبر هذا ويكون بمعنى «الم ذلك» هذا قول الفراء (٤) أي حروف المعجم ذلك الكتاب واجتزئ ببعضها من بعض ، ويكون هذا رفعا بالابتداء و (الْكِتابُ) خبره ، والكوفيون يقولون : رفعنا هذا بهذا وهذا بهذا ، ويكون «الكتاب» عطف البيان الذي يقوم مقام النعت و (هُدىً)

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٢٨٤.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٩.

(٣) أحمد بن يحيى ثعلب : إمام الكوفيين في النحو واللغة ، حفظ كتب الفرّاء ، ولازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة واعتمد عليه في اللغة ، وعلى سلمة بن عاصم في النحو. صنّف : المصون في النحو ، واختلاف النحويين ، ومعاني القرآن ، معاني الشعر ، القراءات ، التصغير ، الوقف والابتداء ، الهجاء ، الأمالي ، غريب القرآن ، وغيره (ت ٢٩١ ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ ، وطبقات الزبيدي ١٥٥).

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ١٠.

٢٣

خبرا ، ويكون (لا رَيْبَ فِيهِ) الخبر ، والكوفيون يقولون : الهاء العائدة الخبر. والوجه السادس : أن يكون الخبر «لا ريب فيه» لأن معنى لا شكّ : حقّ ، ويكون التمام على هذا لا ريب ، ويقال : ذلك ، ولغة تميم ذاك. ولم تعرب ذلك ولا هذا لأنها لا يثبتان على المسمّى. قال البصريون : اللّام في ذلك توكيد ، وقال الكسائي والفراء : جيء باللّام في ذلك لئلا يتوهّم أنّ ذا مضاف إلى الكاف ، وقيل : جيء باللّام بدلا من الهمزة ولذلك كسرت ، وقال علي بن سليمان : جيء باللّام لتدل على شدة التراخي. قال أبو إسحاق (١) : كسرت فرقا بينها وبين لام الجرّ ولا موضع للكاف. والاسم عند البصريين «ذا» وعند الفراء (٢) الذال. ثم قال الله جلّ وعزّ (لا رَيْبَ فِيهِ) نصب «ريب» لأن «لا» عند البصريين مضارعة لأنّ فنصبوا بها وأنّ «لا» لم تعمل إلّا في نكرة لأنها جواب نكرة فيها معنى «من» بنيت مع النكرة فصيّرا شيئا واحدا ، وقال الكسائي : سبيل النكرة أن يتقدمها أخبارها فتقول : قام رجل ، فلما تأخّر الخبر في التبرئة (٣) نصبوا ولم ينوّنوا لأنه نصب ناقص ، وقال الفراء : سبيل «لا» أن تأتي بمعنى غير ، تقول : مررت بلا واحد ولا اثنين ، فلما جئت بها بغير معنى «غير» وليس ، نصبت بها ولم تنوّن لئلا يتوهّم أنك أقمت الصفة مقام الموصوف ، وقيل : إنّما نصبت لأن المعنى : لا أجد ريبا ، فلما حذفت الناصب حذفت التنوين ، ويجوز (لا رَيْبَ فِيهِ) (٤) تجعل «لا» بمعنى ليس. وأنشد سيبويه : [مجزوء الكامل]

٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لابراح (٥)

(فِيهِ هُدىً) الهاء في موضع خفض بفي ، وفي الهاء خمسة أوجه : أجودها «فيه هدى» ويليه (فِيهِ هُدىً) (٦) بضم الهاء بغير واو ، وهي قراءة الزهري (٧) وسلّام أبي المنذر(٨)

__________________

(١) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ص ٢٨.

(٢) انظر الإنصاف مسألة ٩٥ ، والبحر المحيط ١ / ١٥٤.

(٣) التبرئة : النفي للجنس.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٢ ، والبحر المحيط ١ / ١٦٠.

(٥) الشاهد لسعد بن مالك في الأشباه والنظائر ٨ / ١٠٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٦٧ ، والدرر ٢ / ١١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٨٢ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٩ ، والكتاب ١ / ٥٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٥٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٣٦٧ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٨٥ ، وشرح الأشموني ١٢٥ ، ومغني اللبيب ص ٢٣٩ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٠.

(٦) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، والحجة للفارسي ١ / ١٤٢.

(٧) الزهري : أبو بكر محمد بن مسلم المدني ، أحد الأئمة الكبار ، تابعي ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن ، قرأ على أنس (ت ١٢٤ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ٢ / ٢٦٢.

(٨) سلّام بن سليمان أبو المنذر المزنيّ ، ثقة ومقرئ كبير ، أخذ القراءة عن عاصم وأبي عمرو. وقرأ عليه يعقوب الحضرمي. (ت ١٧١ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٠٩.

٢٤

ويليه فيهي هدى بإثبات الياء وهي قراءة ابن كثير ، ويجوز فيهو هدى بالواو ويجوز (فِيهِ هُدىً) مدغما والأصل «فيهو هدى» الاسم الهاء وزيدت الواو عند الخليل لأن الهاء خفيّة فقويت بحرف جلد متباعد منها وتبدل منها ياء لأن قبلها ياء أو يحذف لاجتماع الواو والياء عند سيبويه (١) ، ولاجتماع الساكنين عند أبي العباس ، وكذا الياء ، ويدغم لاجتماع هاءين وليس بجيد ، لأنّ حروف الحلق ليست أصلا بالإدغام ويجتمع ساكنان ، وقال سيبويه: إنّما زيدت الواو كما زيدت الألف في المؤنث. وفي «هدى» ستة أوجه : تكون في موضع رفع خبرا عن ذلك ، وعلى إضمار مبتدأ وعلى أن تكون خبرا بعد خبر ، وعلى أن تكون رفعا بالابتداء. قال أبو إسحاق : يكون المعنى فيه هدى ولا ريب. فهذه أربعة أوجه. في الرفع ، ويكون على وجه خامس وهو أن يكون ، على موضع لا ريب فيه أي حق هدى ، ويكون نصبا على الحال من ذلك والكوفيون يقولون : قطع (٢) ، ويكون حالا من الكتاب وتكون حالا من الهاء ، قال الفرّاء : بعض بني أسد يؤنّث الهدى فيقول : هذه هدى حسنة ، ولم يعرب لأنه مقصور والألف لا يحرّك. ثم قال جلّ وعزّ (لِلْمُتَّقِينَ) مخفوض باللّام الزائدة ، ولغة أهل الحجاز : فلان موتق. وهذا هو الأصل والتّقيّة أصلها الوقيّة من وقيت أبدلت من الواو تاء لأنها أقرب الزوائد إليها وقد فعلوا ذلك من غير أن يكون ثمّ تاء ، كما حدّثنا عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد عن المازني قال : سألت الأصمعي عن قول الشاعر : [الرجز]

٤ ـ فإن يكن أمسى البلى تيقوري (٣)

وقلت له : قال الخليل : هو فيعول من الوقار فأبدل من الواو تاء فقال : هذا قول الأشياخ والأصل للمتّقين بياءين مخفّفتين وحذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، ثم قال جلّ وعزّ :

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣)

(الَّذِينَ) : في موضع خفض نعت للمتقين ويجوز أن يكون نصب بمعنى أعني ، ورفعا من جهتين بالابتداء ، والخبر (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) وعلى إضمار «هم». (يُؤْمِنُونَ) بالهمز لأن أصل آمن : أأمن كره الجمع بين همزتين فأبدلت من الثانية ألف

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٣٠٥.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ١٢.

(٣) الشاهد من أرجوزة للعجاج في ديوانه ١ / ٣٤٠ ، ولسان العرب (هير) ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٢٣ ، والكتاب ٤ / ٣٣٢ ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٢٢٩ ، وتهذيب اللغة ٩ / ٢٨١ ، وكتاب المعين ٥ / ٢٠٧ ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ١٤٦ ، وشرح المفصل ١٠ / ٣٨ ، والمنصف ١ / ٢٢٧ ، والمخصص ٣ / ١٨ ، ٧ ؛ ١٨٢.

٢٥

فلما قلت : يؤمنون فزالت إحدى الهمزتين همزت على الأصل ، وإن خفّفت قلت : يؤمنون بغير همز. ويؤمنون مثل يكرمون الأصل فيه يؤكرمون لأن سبيل المستقبل أن يكون زائدا على الماضي حرفا إلّا أنه حذف منه الزائد لأن الضمّة تدلّ عليه ولو جئت به على الأصل لاجتمعت الهمزات. والمضمر في يؤمنون يعود على الذين ، وهذيل تقول : الّذون في موضع الرفع ، ومن العرب من يقول : الذي في الجمع كما قال : [الطويل]

٥ ـ أو إنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (١)

(بِالْغَيْبِ) مخفوض بالباء الزائدة والباء متصل بيؤمنون (وَيُقِيمُونَ) معطوف على يؤمنون والأصل يقومون قلبت كسرة على القاف فانقلبت ياء ، (الصَّلاةَ) منصوبة بيقيمون ، وجمعها صلوات ، وصلاءة ، وصلاوة. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) «ما» في موضع خفض بمن وهي مصدر لا يحتاج إلى عائد ، ويجوز أن يكون بمعنى الذي وتحذف العائد ، والنون والألف رفع بالفعل والهاء والميم نصب به ومن متصلة بينفقون أي وينفقون مما رزقناهم.

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤)

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) عطف على الذين الأولين (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) «ما» خفض بالباء والضمير الذي في أنزل يعود على «ما» وهو اسم ما لم يسمّ فاعله والكاف خفض بإلى والأصل الاك أبدل من الألف ياء للفرق بين الألفات المتمكّنة ، والتي ليست بمتمكنة ويلزمها الإضافة ، وأجاز الكسائي حذف الهمزة وأن يقرأ : وما أنزلّيك ، وشبّهه بقوله (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] قال ابن كيسان : ليس مثله لأنّ النون من لكن ساكنة واللام من أنزل متحركة. (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) عطف. و (قَبْلِكَ) مخفوض بمن والكاف خفض بإضافة قبل إليها. (وَبِالْآخِرَةِ) خفض بالباء والباء متعلقة بيوقنون و (هُمْ) رفع بالابتداء و (يُوقِنُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر.

(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥)

(أُولئِكَ) ابتداء والخبر (عَلى هُدىً) وأهل نجد يقولون : ألّاك (٢) ، وبعضهم

__________________

(١) الشاهد للأشهب بن رميلة في خزانة الأدب ٦ / ٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٧ ، والكتاب ١ / ١٨٧ ، ولسان العرب (فلج) ، والمؤتلف والمختلف ص ٣٣ ، والمحتسب ١ / ١٨٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٨٢ ، والمقتضب ٤ / ١٤٦ ، والمنصف ١ / ٦٧ ، وللأشهب أو لحريث بن مخفض في الدرر ١ / ١٤٨ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣١٥ ، والدرر ٥ / ١٣١ ، ورصف المباني ص ٣٤٢ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٧ ، وشرح المفصل ٣ / ١٥٥ ، ومغني اللبيب ١ / ١٩٤.

(٢) انظر همع الهوامع ١ / ٧٤.

٢٦

يقول : ألا لك ، و (هدى) خفض بعلى : (مِنْ رَبِّهِمْ) خفض بمن ، والهاء والميم خفض بالإضافة ويقال : كيف قرأ أهل الكوفة (عليهم) ولم يقرءوا «من ربّهم» «ولا» «فيهم»؟ والجواب أنّ «عليهم» الياء فيه منقلبة من ألف والأصل علاهم قال : [الرجز]

٦ ـ طارت علاهنّ فطر علاها (١)

فأقرّت الهاء على ضمتها ، وليس هذا في «فيهم» «ولا من ربّهم» (وَأُولئِكَ) رفع بالابتداء (هُمُ) ابتداء ثان (الْمُفْلِحُونَ) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، ويجوز أن يكون «هم» زيادة ، يسميها البصريون فاصلة (٢) ويسميها الكوفيون عمادا (٣) و (الْمُفْلِحُونَ) خبر أولئك.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦)

(إِنَّ الَّذِينَ الَّذِينَ) : نصب بإن وعملت إنّ لأنها أشبهت الفعل في الإضمار ويقع بعدها اسمان وفيها معنى التحقيق. (كَفَرُوا) صلة «الذين» والمضمر يعود على الذين. قال محمد بن يزيد (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) رفع بالابتداء : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) الخبر والجملة خبر «إنّ» أي أنهم تبالهوا حتى لم تغن فيهم النذارة والتقدير سواء عليهم الإنذار وتركه ، أي سواء عليهم هذان ، وجيء بالاستفهام من أجل التسوية. قال ابن كيسان : يجوز أن يكون سواء خبر إنّ وما بعده ، يقوم مقام الفاعل ، ويجوز أن يكون خبر إنّ «لا يؤمنون» أي إنّ الذين كفروا لا يؤمنون (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (٤) فيه ثمانية أوجه : أجودها عند الخليل وسيبويه (٥) تخفيف الهمزة الثانية وتحقيق الأولى. وهي لغة قريش وسعد بن بكر وكنانة ، وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والأعمش (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (٦) ، قال ابن كيسان : وروي عن ابن محيصن (٧) أنّه قرأ بحذف الهمزة الأولى سواء عليهم أنذرتهم (٨) فحذف لالتقاء

__________________

(١) الشاهد لرؤبة في ديوانه ص ١٦٨ ، وله أو لأبي النجم أو لبعض أهل اليمن في المقاصد النحوية ١ / ١٣٣ ، ولبعض أهل اليمن في خزانة الأدب ٧ / ١٣٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢٨ وبلا نسبة في لسان العرب (طير ، وعلا ، ونجا) وخزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ، والخصائص ٢ / ٢٦٩ ، وشرح شواهد الشافيه ٣٥٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٤ ، وقبله : «نادية وناديا أباها».

(٢) انظر المقتضب ٤ / ١٠٣.

(٣) انظر مجالس ثعلب ٥٣.

(٤) انظر البحر المحيط ١ / ١٧٤.

(٥) انظر الكتاب ٤ / ٢٩.

(٦) انظر التيسير الداني ص ٣٦ ، باب ذكر الهمزتين المتلاحقتين في كلمة.

(٧) ابن محيصن : محمد بن عبد الرّحمن السهمي ، مولاهم ، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير ، ثقة ، عرض على مجاهد وابن جبير (ت ١٢٣ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ٢ / ١٦٧.

(٨) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، والمحتسب ١ / ٥٠.

٢٧

الهمزتين ، وإن شئت قلت : لأن «أم» تدلّ على الاستفهام كما قال : [المتقارب]

٧ ـ تروح من الحيّ أم تبتكر

وماذا يضرّك لو تنتظر (١)

وروي عن ابن أبي إسحاق أنه قرأ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (٢) حقّق الهمزتين وأدخل بينهما ألفا لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم : ويجوز أن يدخل بينهما ألفا ويخفف الثانية وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيرا ، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين (أَأَنْذَرْتَهُمْ) وهو اختيار أبي عبيد ، وذلك بعيد عند الخليل وسيبويه يشبهه الثقل بضننوا. قال سيبويه (٣) : الهمزة بعد مخرجها وهي نبرة تخرج من الصدر باجتهاد ، وهي أبعد الحروف مخرجا فثقلت لأنها كالتهوّع.

فهذه خمسة أوجه ، والسادس قاله الأخفش قال : يجوز أن تخفّف الأولى من الهمزتين وذلك رديء لأنهم إنّما يخفّفون بعد الاستثقال وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم : ويجوز تخفيف الهمزتين جميعا. فهذه سبعة أوجه ، والثامن يجوز في غير القرآن لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد : تبدل من الهمزة هاء فتقول «هانذرتهم» كما يقال : إيّاك وهيّاك : وقال الأخفش : في قول الله عزوجل «هأنتم» إنّما هو أأنتم. والتاء في «أأنذرتهم» في موضع رفع وفتحتها فرقا بين المخاطب والمخاطب ، والهاء والميم نصحب بوقوع الفعل عليهما «أم لم تنذرهم» جزم بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من الراء ، والهاء والميم نصب أيضا ، (لا يُؤْمِنُونَ) فعل مستقبل ولا موضع للا من الإعراب.

(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٧)

(خَتَمَ اللهُ خَتَمَ) : فعل ماض واسم الله جلّ وعزّ مرفوع بالفعل ، (عَلى قُلُوبِهِمْ) مخفوض بعلى والهاء والميم خفض بالإضافة. (وَعَلى سَمْعِهِمْ) مثله. ولم لم يقل و «على أسماعهم» وقد قال «على قلوبهم» ففيه ثلاثة أجوبة : منها أن السمع مصدر فلم يجمع ، وقيل : هو واحد يؤدي عن الجميع ، وقيل : التقدير وعلى موضع سمعهم. (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) رفع بالابتداء ، وعند الكوفيين بالصفة. وروى المفضّل (٤) عن عاصم بن

__________________

(١) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥٤ ، والأزهيّة ص ٣٧ ، ولسان العرب (عبد) ، وبلا نسبة في رصف المعاني ص ٤٥.

(٢) انظر الحجة للفارسي ١ / ٢٠٥.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٢٩.

(٤) المفضّل الضبي الكوفي : مقرئ نحوي ، أخباري موثّق ، من أجلّة أصحاب عاصم (ت ١٦٨ ه‍) ، ترجمته في معرفة القراء الكبار ١٨.

٢٨

بهدلة (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (١) بالنصب أضمر وجعل ، وقرأ الحسن غشاوة (٢) بضم العين ، وقرأ أبو حيوة غشاوة (٣) بفتح. قال أبو جعفر : وأجودها (غِشاوَةٌ) بكسر الغين كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وقلادة ، روي عن الأعمش غشوة ردّه إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان ، وهو النحويّ ، فكلما قلنا : قال ابن كيسان فإيّاه نعني : يجوز غشوة وغشوة فإن جمعت غشاوة تحذف الهاء قلت : غشاء ، وحكى الفراء غشاوى مثل أداوى. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) رفع بالابتداء. (عَظِيمٌ) من نعته.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٨)

(وَمِنَ النَّاسِ) خفض بمن وفتحت النون وأنت تقول. من الناس ، لأن قبل النون في «من» كسرة فحرّكوها بأخفّ الحركات في أكثر المواضع ورجعوا إلى الأصل في الأسماء التي فيها ألف الوصل ، ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه و «الناس» اسم يجمع إنسانا وإنسانة والأصل عند سيبويه (٤) أناس. قال الفراء : الأصل الأناس خففت الهمزة ثم أدغمت اللام في النون ، قال الكسائي : هما لغتان ليست إحداهما أولى من الأخرى. يدلّ على ذلك أن العرب تصغّر ناسا نويسا ولو كان ذلك الأصل لقالوا : أنيس. (وَما هُمْ) على المعنى و «هم» اسم «ما» على لغة أهل الحجاز ومبتدأ على لغة بني تميم (بِمُؤْمِنِينَ) خفض بالباء ، وهي توكيد عند البصريين وجواب لمن قال : إنّ زيدا لمنطلق عند الكوفيين.

(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٩)

(يُخادِعُونَ) فعل مستقبل ، وكذا (وَما يَخْدَعُونَ) ولا موضع لها من الإعراب (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) مفعول. (وَما يَشْعُرُونَ) مثل الأول.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) رفع بالابتداء (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) مفعولان ، وبعض أهل الحجاز يميل «فزادهم» ليدلّ على أنه من زدت (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) جمع «أليم» إلام وألماء مثل كريم وكرماء ، ويقال : ألآم مثل أشراف. (بِما كانُوا) «ما» خفض بالباء (يَكْذِبُونَ) في موضع نصب على خبر كان.

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٣.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، والبحر المحيط ١ / ١٧٧.

(٣) انظر البحر المحيط ١ / ١٧٧ وهي قراءة الأعمش أيضا.

(٤) انظر الكتاب ٢ / ١٩٧.

٢٩

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١١)

(وَإِذا) في موضع نصب على الظرف. (قِيلَ لَهُمْ) فعل ماض ، ويجوز (قِيلَ لَهُمْ) بالإدغام. وجاز الجمع بين ساكنين لأن الياء حرف مدّ ولين والأصل : قول ألقيت حركة الواو على القاف فانكسر ما قبل الواو فقلبت ياء. قال الأخفش : ويجوز قيل بضم القاف وبالياء ، ومذهب الكسائي إشمام القاف الضّم ليدلّ على أنّه لما لم يسمّ فاعله وهي لغة كثير من قيس ، فأما هذيل وبنو دبير (١) من بني أسد وبنو فقعس فيقولون : قول بواو ساكنة «لهم» الهاء والميم خفض باللام (٢). (لا تُفْسِدُوا) جزم بلا وعلامة الجزم حذف النون. (فِي الْأَرْضِ) خفض بفي ، وإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على اللام وحذفتها ولم تحذف ألف الوصل لأن الحركة عارضة فقلت : الأرض ، وحكى الكسائي أللرض لمّا خفّفت الهمزة فحذفها أبدل منها لاما. قال الفراء : لمّا خفّفت الهمزة تحركت اللام فكره حركتها لأنّ أصلها السكون زاد عليها لاما أخرى ليسلم السكون. (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ابتداء وخبر ، و «ما» عند سيبويه (٣) كافّة لأنّ عن العمل ، فأما ضمّ «نحن» ففيه أقوال للنحويين قال هشام (٤) : الأصل نحن قلبت حركة الحاء على النون وأسكنت الحاء ، وقال محمد بن يزيد : نحن مثل قبل وبعد لأنها متعلقة بالإخبار عن اثنين وأكثر قال أحمد بن يحيى : هي مثل حيت تحتاج إلى شيئين بعدها. قال أبو إسحاق الزجاج(٥) : «نحن» للجماعة ومن علامة الجماعة الواو ، والضمة من جنس الواو فلما اضطروا إلى حركة نحن لالتقاء الساكنين حرّكوها بما يكون للجماعة قال : ولهذا ضمّوا واو الجمع في قول (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] وقال عليّ بن سليمان : نحن يكون للمرفوع فحرّكوها بما يشبه الرفع.

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (١٢)

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) كسرت «إنّ» لأنها مبتدأة. قال عليّ بن سليمان : يجوز فتحها كما أجاز سيبويه (٦) : حقا أنّك منطلق بمعنى «ألا» والهاء والميم اسم «إنّ» و «هم» مبتدأ و «المفسدون» خبر المبتدأ ، والمبتدأ وخبره خبر «إنّ» ويجوز أن يكون «هم»

__________________

(١) بنو دبير : بطن من أسد من خزيمة من العدنانية (جمهرة أنساب العرب ١٩٥).

(٢) انظر : البحر المحيط ١ / ١٩١.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ١٤٩.

(٤) هشام بن معاوية الضرير يكنى أبا عبد الله ، صاحب الكسائي. (ت ٢٠٩ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ٢ / ٣٥٤.

(٥) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٥١.

(٦) انظر الكتاب ٣ / ١٤٠.

٣٠

توكيدا للهاء والميم ، ويجوز أن يكون فاصلة والكوفيون يقولون : عماد.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣)

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) ألف قطع لأنك تقول : يؤمن (كَما آمَنَ النَّاسُ) الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيمانا كإيمان الناس. (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) فيه أربعة أقوال أجودها أن تخفّف الهمزة الثانية فتقلبها واوا خالصة وتحقّق الأولى فتقول السّفهاء ولا (١) وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو ، وإن شئت خفّفتهما جميعا فجعلت الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واوا خالصة ، وإن شئت خفّفت الأولى وحقّقت الثانية وإن شئت حقّقتها جميعا.

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤)

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) الأصل لقيوا حذفت الضمّة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وقرأ محمد بن السّميفع اليمانيّ وإذا لاقوا الذين آمنوا (٢) ، والأصل لاقيوا ، فإن قيل : لم ضمّت الواو من «لاقوا» في الإدراج وحذفت من «لقوا»؟ فالجواب أنّ قبل الواو التي في لقوا ضمّة تدلّ عليها فحذفت لالتقاء الساكنين وحرّكت في «لاقوا» لأن قبلها فتحة. (الَّذِينَ) في موضع نصب بالفعل (آمَنُوا) داخل في الصلة. (قالُوا آمَنَّا) جواب إذا. (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) فإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على الواو وحذفتها كما يقرأ أهل المدينة ، «شياطينهم» خفض بإلى وهو جمع مكسر فلذلك لم تحذف منه النون بالإضافة ، والهاء والميم خفض بالإضافة. (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) الأصل إنّنا حذفت منه لاجتماع النونات «معكم» نصب بالاستقرار ومن أسكن العين جعل «مع» حرفا. (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) مبتدأ وخبر فإن خفّفت الهمزة فسيبويه(٣) يجعلها بين الهمزة والواو وحجّته أنّ حركتها أولى بها ، وزعم الأخفش أنه يجعلها ياء محضة فيقول : مستهزيون (٤) قال الأخفش : أفعل في هذا كما فعلت في قوله : «السفهاء ولا» قال محمد بن يزيد ليس كما قال الأخفش لأن قوله : «السفهاء الا» لو جئت بها بين بين كنت تنحو بها نحو الألف ، والألف لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا فاضطررت إلى قلبها

__________________

(١) انظر تيسير الداني ص ٤٠.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه (٢).

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٢٤.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه (٢).

٣١

واوا وليس كذا مستهزئون ، ومن أبدل الهمزة قال : مستهزون وعلى هذا كتبت في المصحف.

(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥)

(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) «يستهزئ» : فعل مستقبل في موضع خبر الابتداء ، والهاء والميم في موضع خفض بالباء. (وَيَمُدُّهُمْ) عطف على يستهزئ والهاء والميم في موضع نصب بالفعل (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في موضع الحال.

(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦)

(أُولئِكَ) مبتدأ ، (الَّذِينَ) خبر. (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) في صلة الذين وفي ضم الواو أربعة أقوال ، قول سيبويه (١) : أنّها ضمّت فرقا بينها وبين الواو الأصلية نحو (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى) [الجن : ١٦] وقال الفراء : كان يجب أن يكون قبلها واو مضمومة لأنها واو جمع فلمّا حذفت الواو التي قبلها واحتاجوا إلى حركتها حرّكوها بحركة التي حذفت. قال ابن كيسان : الضمة في الواو أخفّ من غيرها لأنها من جنسها ، قال أبو إسحاق (٢) : هي واو جمع حرّكت بالضم كما فعل في نحن ، وقرأ ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر (٣) (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (٤) بكسر الواو وعلى الأصل لالتقاء الساكنين : وروى أبو زيد الأنصاري عن قعنب أبي السّمال (٥) العدويّ أنه قرأ (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) بفتح الواو (٦) ولخفّة الفتحة وأنّ قبلها مفتوحا ، وأجاز الكسائي (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) بضم الواو (٧) كما يقال : (أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] وأدؤر. قال أبو جعفر : وهذا غلط لأن همزة الواو إذا انضمّت إنّما يجوز فيها إذا انضمّت لغير علّة. (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) رفع بربحت. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٨) نصب على خبر كان ، والفراء يقول : حال غير مستغنى عنها. قال ابن كيسان : يجوز تجارة وتجاير وضلالة وضلايل.

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ١٩٢ ، وهو قول الخليل.

(٢) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٥٢.

(٣) يحيى بن يعمر أبو سليمان العدواني البصري ، تابعي فقيه أديب نحويّ أخذ النحو عن أبي الأسود ، (ت ١٢٩ ه‍). ترجمته في (بغية الوعاة ٢ / ٣٤٥ ، وطبقات الزبيدي ٢١ ، وغاية النهاية ٢ / ٣٨١).

(٤) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، والمحتسب ١ / ٥٤.

(٥) قعنب بن أبي قعنب أبو السّمّال العدوي البصري ، له اختيار في القراءة شاذ عن العامة ، انظر غاية النهاية (٢ / ٢٧).

(٦) انظر البحر المحيط ١ / ٢٠٤.

(٧) انظر المحتسب ١ / ٥٥ ، ومختصر ابن خالويه (٢).

(٨) انظر البحر المحيط ١ / ٢٠٧.

٣٢

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧)

ابتداء. (كَمَثَلِ الَّذِي) خبره والكاف بمعنى مثل و (الَّذِي) خفض بالإضافة. (اسْتَوْقَدَ ناراً) صلته. (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) «ما» : في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إن كانت نكرة إلّا أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها. و (حَوْلَهُ) : ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها. (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وأذهب نورهم بمعنى واحد. (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) وقرأ أبو السّمال (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) (١) بإسكان اللام حذف الضمة لثقلها ، ومن أثبتها فللفرق بين الاسم والنعت ، ويقال : «ظلمات» بفتح اللام. قال البصريون : أبدل من الضمة فتحة لأنّها أخفّ ، وقال الكسائي : ظلمات جمع الجمع جمع ظلم : (لا يُبْصِرُونَ) فعل مستقبل في موضع الحال.

(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨)

على إضمار مبتدأ أي هم صمّ : (بُكْمٌ عُمْيٌ) وفي قراءة عبد الله (٢) وحفصة (٣) صمّا بكما عميا (٤) لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صما بكما عميا ، ويكون أيضا بمعنى أعني.

(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩)

الأصل عند البصريين (٥) صيوب ثم أدغم مثل ميّت ، وعند الكوفيين الأصل صويب ثم أدغم ولو كان كما قالوا لما جاز إدغامه كما لا يجوز إدغام طويل. وجمع صيّب صيايب والتقدير في العربية : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أو كمثل صيب. (فِيهِ ظُلُماتٌ) ابتداء. (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) معطوف عليه. (يَجْعَلُونَ) مستأنف وإن شئت كان حالا من الهاء التي في «فيه» فإن قيل : كيف يكون حالا ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ

__________________

(١) انظر المحتسب ١ / ٥٦ ، ومختصر ابن خالويه (٢).

(٢) عبد الله بن مسعود بن الحارث الهذلي ، أحد السابقين للإسلام والبدريين ، عرض القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ت ٣٢ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ١ / ٤٥٨.

(٣) حفصة بنت عمر بن الخطاب ، جليلة ، من أزواج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين (ت ٤٥ ه‍). ترجمتها في الإصابة تر (٢٩٦) ج ٤ / ٢٧٣.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه (٢) ، ومعاني الفراء ١ / ٦.

(٥) انظر الإنصاف مسألة ١١٥ ، والبحر المحيط ١ / ٢١٨.

٣٣

التقدير في صواعقه مثل (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج : ٢٠]. (أَصابِعَهُمْ) في واحد الأصابع خمس لغات يقال : إصبع بكسر الهمزة وفتح الباء ، ويقال إصبع بفتح الهمزة وكسر الباء ، ويقال : بفتحهما جميعا وبكسرهما جميعا وبضمّهما جميعا. وهي مؤنّثة وكذلك الأذن. وروي عن الحسن أنه قرأ من الصّواقع (١) وهي لغة تميم وبعض ربيعة. (حَذَرَ الْمَوْتِ) ويقال : حذار قال سيبويه (٢) : هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر ، وأنشد سيبويه : [الطويل]

٨ ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (٣)

(وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) ابتداء وخبره.

(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠)

(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ويجوز في غير القرآن يكاد أن يفعل كما قال : [الرجز]

٩ ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا (٤)

وفي «يخطف» سبعة أوجه القراءة الفصيحة (يَخْطَفُ) ، وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وثّاب (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) (٥) بكسر الطاء قال سعيد الأخفش : هي لغة. وقرأ الحسن (٦) وقتادة (٧) وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي (٨) (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ) بفتح الياء وكسر الخاء والطاء ، وروي عن الحسن أنّه قرأ بفتح الخاء.

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ٣.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٤٣٥ ، والبحر المحيط ١ / ٢٢٣.

(٣) الشاهد لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٢٤ ، والكتاب ١ / ٤٣٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٢٣ ، وشراح أبيات سيبويه ١ / ٤٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٤ ، واللمع ص ١٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٧٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١١٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٦ ، والمقتضب ٢ / ٣٤٨.

(٤) الشاهد لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ، والدرر ٢ / ١٤٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٩ ، وشرح المفصّل ٧ / ١٢١ ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ٤١٩ ، وأسرار العربية ص ٥ ، وتخليص الشواهد ص ٣٢٩ ، والمقتضب ٣ / ٧ وهمع الهوامع ١ / ١٣٠ ، وديوان الأدب ٢ / ١٩٨.

(٥) انظر مختصر ابن خالويه ٣ ، والبحر المحيط ١ / ٢٢٧ ، وهي قراءة مجاهد أيضا.

(٦) قراءة الحسن في البحر المحيط ١ / ٢٢٧.

(٧) قتادة : ابن دعامة السدوسي ، أحد الأئمة في حروف القرآن ، (ت ١١٧ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ٢ / ٢٥.

(٨) أبو رجاء العطاردي : عمران بن تيم البصري التابعي ، أسلم في حياة الرسول وعرض القرآن على ابن عباس (ت ١٠٥ ه‍). ترجمته في (غاية النهاية ١ / ٦٠٤).

٣٤

قال الفراء (١) : وقرأ بعض أهل المدينة بتسكين الخاء وتشديد الطاء ، وقال الكسائي والأخفش والفراء : يجوز (يَخْطَفُ) بكسر الياء والخاء والطاء ، فهذه ستة أوجه موافقة للسواد ، والسابع حكاه عبد الوارث قال : رأيت في مصحف أبيّ (٢) يكاد البرق يتخطّف أبصارهم زعم سيبويه والكسائي أنّ من قرأ (يَخْطَفُ) بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده «يختطف» ثم أدغم التاء في الطاء فالتقى ساكنان وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه(٣) : ومن فتحها ألقى حركة التاء عليها ، قال الفراء (٤) : هذا خطأ ويلزم من قاله أن يقول في يمدّ : يمدّ لأن الميم كانت ساكنة وأسكنت الدال بعدها وفي يعضّ يعضّ ، قال الفراء (٥) : وإنما الكسر لأن الألف في «اختطف» مكسورة. قال أبو جعفر : قال أصحاب سيبويه (٦) : الذي قال الفراء لا يلزم لأنه لو قيل : يمدّ ويعضّ لأشكل بيفعل ، ويفتعل لا يكون إلّا على جهة واحدة. قال الكسائي : من قال : يخطف كسر الياء لأن الألف في اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء (٧) عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. (كُلَّما) : منصوب لأنه ظرف وإذا كانت كلّما بمعنى إذا فهي موصولة. قال الفراء : يقال : أضاءك وضاءك ويجوز «لذهب بسمعهم» مدغما. (وَأَبْصارِهِمْ) عطف عليه (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اسم إنّ وخبرها.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢١)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ) (يا أَيُّهَا) يا : حرف النداء ، وأيّ : نداء مفرد ضمّ لأنه في موضع المكنيّ ، وكان يجب أن لا يعرب فكرهوا أن يخلوه من حركة لأنه قد كان متمكنا فاختاروا له الضمة لأن الفتحة تلحق المعرب في النداء والكسرة تلحق المضاف إليه ، وأجاز أبو عثمان المازني «يا أيّها الناس» : على الموضع كما يقال : يا زيد الظّريف. وزعم الأخفش أن «الناس» في صلة أيّ و «هاء» للتنبيه إلا أنّها لا تفارق أيّا لأنها عوض من الإضافة. ولغة بعض بني مالك (٨) من بني أسد «يا أيه الرجل» بضم

__________________

(١) انظر مختصر في شواذ القرآن ٣ ، ومعاني القرآن للفراء ١ : ١٨.

(٢) أبيّ بن كعب : من الخزرج ، صحابي أنصاري ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، ولما أسلم كان من كتّاب الوحي ، شهد بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اشترك في جمع القرآن بتكليف من عثمان بن عفّان ، وله في الصحيحين وغيرهما (١٦٤ حديثا) (ت ٢١ ه‍ / ٦٤٢ م). ترجمته في (طبقات ابن سعد ٣ ، وغاية النهاية ١ / ٣١ ، وصفة الصفوة ١ / ١٨٨ ، وحلية الأولياء ١ / ٢٥٠).

(٣) انظر الكتاب ٣ / ١٠.

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ١٨.

(٥) انظر الكتاب ٣ / ١٠.

(٦) أصحاب سيبويه : هم تلاميذه وأشهرهم الأخفش سعيد بن مسعدة ، وقطرب محمد بن المستنير.

(٧) انظر معاني الفراء ١ / ١٨.

(٨) انظر البحر المحيط ١ / ٢٣١.

٣٥

الهاء لما كانت الهاء لازمة حركتها حرّكها بحركة أيّ (النَّاسُ) تابع لأيّ كالنعت كما ينعت، لا يجوز نصبه عند أبي العباس لأنه لا يستغنى عنه فصار كما تقول : يا ناس ، (اعْبُدُوا) ألف وصل لأنه من يعبد وضممتها والأصل الكسر لئلا تجمع بين كسرة وضمة. قال سيبويه(١) : ليس في الكلام «فعل» وحذف النون للجزم عند الكوفيين ولأنه لم يضارع عند البصريين ، (رَبَّكُمُ) نصب باعبدوا. (الَّذِي) نعت له. (خَلَقَكُمْ) في الصلة والكاف والميم نصب بالفعل. (وَالَّذِينَ) عطف على الكاف والميم. (مِنْ قَبْلِكُمْ) في الصلة. (لَعَلَّكُمْ) الكاف والميم اسم لعلّ. (تَتَّقُونَ) فعل مستقبل علامة رفعه النون وهو في موضع خبر لعل.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢)

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (الَّذِي) : نعت لربكم وإن شئت كان نعتا للذي خلقكم ، وصلح أن يقال نعت للنعت لأن النعت هو المنعوت في المعنى ، ويجوز أن يكون منصوبا بتتقون ، ويجوز أن يكون بمعنى أعني ، وأن يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف ويجوز «جعل لكم» (٢) مدغما لأن الحرفين مثلان قد كثرت الحركات ، وترك الإدغام أجود لأنها من كلمتين. (الْأَرْضَ فِراشاً) مفعولان لجعل. (وَالسَّماءَ بِناءً) عطف ، والسماء تكون جمعا لسماوة وسماءة ، وتكون واحدة مؤنّثة مثل عناق وتذكيرها شاذّ ، وجمعها سماوات وسماءات وأسم وسمايا ، (وَالسَّماءَ) : المطر ، مذكّر ، وكذلك السقف في المستعمل ، وجمعها أسمية وسميّ وسميّ (٣). «وبناء» يقصر على أنه جمع بنية ومصدر ، ويقال : بنيّ جمع بنية وفي الممدود في الوقف خمس لغات : أجودها و «السماء بناء» بهمزة بين ألفين ويجوز تخفيف الهمزة حتى تضعف ، ويجوز حذفها لقربها من الساكن وهي بين ساكنين فإذا حذفتها حذفت الألف بعدها فقلت : «بنا» لفظه كلفظ المقصور ، ومن العرب من يزيد بعده في صورته مدّة ، ومنهم من يعوض من الهمزة ياء فيقول : بنيت بنايا ، والبصريون يقولون : هو مشبّه بخطايا ، والفراء يقول : ردت الهمزة إلى أصلها لأن أصلها الياء. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) والأصل في ماء موه قلبت الواو ألفا لتحرّكها وتحرّك ما قبلها فقلت : ماه ، فالتقى حرفان خفيّان فأبدلت من الهاء همزة لأنها أجلد وهي بالألف أشبه فقلت : ماء ؛ فالألف الأولى عين الفعل وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو

__________________

(١) الكتاب : ٤ / ٣٦٨.

(٢) انظر البحر المحيط ١ / ٢٣٧.

(٣) اللسان (سما).

٣٦

الحس عليّ : لا يجوز أن يكتب إلا بألفين عند البصريين وإن شئت بثلاث فإذا جمعوا أو صغّروا ردّوا إلى الأصل فقالوا : مويه وأمواه ومياه مثل : أجمال وجمال. (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) جمع ثمرة ؛ ويقال : ثمر مثل شجر ، ويقال : ثمر مثل خشب ، ويقال ثمر مثل بدن وثمار مثل إكام. (رِزْقاً لَكُمْ) مفعول. (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) «تجعلوا» جزم بالنهي فلذلك حذفت منه النون «أندادا» مفعول أول و «لله» في موضع الثاني. (وَأَنْتُمْ) مبتدأ. (تَعْلَمُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.

(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٣)

(وَإِنْ كُنْتُمْ) في موضع جزم بالشرط. (فِي رَيْبٍ) خفض بفي (مِمَّا نَزَّلْنا) «ما» خفض بمن والعائد عليها محذوف لطول الاسم أي ما نزّلناه. (عَلى عَبْدِنا) خفض بعلى. (فَأْتُوا) جواب الشرط ، وإن شئت قلت مجازاة. قال ابن كيسان : قصرت فأتوا لأنه من باب المجيء ، وحكى الفراء في قراءته فتوا فيجوز فتوا. (بِسُورَةٍ) خفض الباء. (مِنْ مِثْلِهِ) خفض بمن. (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) نصب بالفعل ، جمع شهيد. يقال : شاهد وشهيد مثل قادر وقدير.

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢٤)

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) يقال : كيف دخلت «إن» على «لم» ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أنّ «إن» هنا غير عاملة في اللفظ فدخلت على «لم» كما تدخل على الماضي لأنها لا تعمل في لم كما لا تعمل في الماضي فمعنى «إن لم تفعلوا» إن تركتم الفعل. قال الأخفش سعيد : إنّما جزموا بلم لأنها نفي فأشبهت «لا» في قولك : لا رجل في الدار ، فحذفت بها الحركة كما حذفت التنوين من الأسماء ، وقال غيره : جزمت بها لأنها أشبهت إن التي للشرط لأنها تردّ المستقبل إلى الماضي كما تردّ «إن» فتحتاج إلى جواب فأشبهت الابتداء ، والابتداء يلحق به الأسماء الرفع وهو أولى بالأسماء فكذا حذف مع «إن» لأن أولى ما للأفعال السكون. (وَلَنْ تَفْعَلُوا) نصب بلن وعلامة نصبه حذف النون ، واستوى النصب والجزم في الأفعال لأنهما فرعان وهما بمنزلة النصب والخفض في الأسماء وحكي عن الخليل رحمه‌الله : أن أصل «لن» «لا». وإن ردّ عليه هذا سيبويه وقال : لو كان كذا لما جاز : زيدا لن أضرب (١). قال أبو عبيدة (٢) : من

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ١٩٠.

(٢) أبو عبيدة : معمر بن المثنى التيمي ، من اللغويين البصريين (ت ٢١٠ ه‍). ترجمته في طبقات الزبيدي ١٩٢ ، ونزهة الألباء ٨٤.

٣٧

العرب من يجزم بلن كما يجزم بلم. (فَاتَّقُوا النَّارَ) جواب الشرط في الفاء وما بعدها ولغة تميم وأسد «فتقوا النّار» ، وحكي سيبويه (١) : تقى يتقي ، (النَّارَ) مفعوله. (الَّتِي) من نعتها. (وَقُودُهَا) مبتدأ. (النَّاسُ) خبر (وَالْحِجارَةُ) عطف عليهم. (أُعِدَّتْ) فعل ماض والتاء علامة التأنيث أسكنت عند البصريين لأنها حرف جاء لمعنى ، وعند الكوفيين أنك لمّا ضممت تاء المخاطب وفتحت تاء المخاطب المذكر وكسرت تاء المؤنث وبقيت هذه التاء كان ترك العلامة لها علامة ، واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في أعدّت. (لِلْكافِرِينَ) خفض باللام الزائدة ، وقرأ الحسن ومجاهد (٢) وطلحة بن مصرّف (٣) (الَّتِي وَقُودُهَا) (٤) ، بضمّ الواو. وقال الكسائي والأخفش سعيد : الوقود بفتح الواو الحطب والوقود بضمها الفعل ، قال أبو جعفر يجب على هذا أن لا يقرأ إلّا وقودها بفتح الواو لأنّ المعنى حطبها. إلا أنّ الأخفش قال : وحكي أنّ بعض العرب يجعل الوقود والوقود جميعا بمعنى الحطب والمصدر ، وذهب إلى أن الأول أكثر قال : كما أنّ الوضوء الماء والوضوء المصدر.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥)

(أَنَ) : في موضع نصب والمعنى بأن لهم. قال الكسائي وجماعة من البصريين : «أنّ» في موضع خفض بإضمار الباء. (جَنَّاتٍ) في موضع نصب اسم أنّ وكسرت التاء عند البصريين لأنه جمع مسلّم فوجب أن يستوي خفضه ونصبه كما كان في المذكر جائزا. (تَجْرِي) في موضع نصب نعت للجنات ، ومرفوع لأنه فعل مستقبل ، وحذفت الضمة من الياء لثقلها معها. (الْأَنْهارُ) مرفوع بتجري. (كُلَّما) ظرف. (قالُوا هذَا) مبتدأ. و (الَّذِينَ) خبره ، ويجوز أن يكون هذا هو الذي. (رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) غاية (٥) مبني على الضمّ لأنه قد حذف منه ، وهو ظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته فلما اعتلّ بالحذف أعطي حركة لم تكن تلحقه ، وقيل : أعطي الضمة لأنها غاية الحركات (وَأُتُوا بِهِ) فعلوا من أتيت (مُتَشابِهاً) على الحال. (أَزْواجٌ) مرفوع بالابتداء.

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٢٢٩ ، والبحر المحيط ١ / ٢٤٩.

(٢) مجاهد بن جبر مولى عبد الله بن السائب القارئ الفقيه الزاهد روى عن ابن عباس (ت ١٠٢ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ٢ / ٤١.

(٣) طلحة بن مصرف بن عمر الكوفي ، تابعي ، له اختيار في القراءة ينسب إليه ، أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم بن يزيد النخعي والأعمش (ت ١١٢ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٤٣.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٤ ، وانظر البحر المحيط ١ / ٢٤٩.

(٥) انظر الكتاب ٣ / ٣١٧.

٣٨

(مُطَهَّرَةٌ) نعت وواحد الأزواج زوج. قال الأصمعي ، ولا تكاد العرب تقول : زوجة. قال أبو جعفر (١) : حكى الفراء أنه يقال : زوجة وأنشد : [الطويل]

١٠ ـ إنّ الذي يمشي يحرش زوجتي

كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها (٢)

(وَهُمْ) مبتدأ ، (خالِدُونَ) خبره والظرف ملغى ، ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال.

(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ) (٢٦)

(إِنَّ اللهَ) اسم «إنّ» والجملة الخبر. لغة تميم وبكر بن وائل. لا يستحى بياء واحدة وهكذا قرأ ابن كثير وابن محيصن وشبل (٣) وفيه قولان : قال الخليل : أسكنت الياء الأولى كما سكنت في «باع» وسكنت الثانية لأنها لام الفعل ، قال سيبويه (٤) وقال غيره: لمّا كسر وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على الحاء. قال أبو جعفر : شرح قول الخليل أنّ الأصل استحيا فأعلّه من جهتين أعلّ الياء الأولى كما يقال : استباع ، وأعلّ الثانية كما يقال : يرمي فحذف الأولى لئلا يلتقي ساكنان ، وهذا بعيد جدا لأنهم يجتنبون الإعلال من جهتين. والقول الآخر هو قول سيبويه سمعت أبا إسحاق يقول : إذا قال سيبويه بعد قول الخليل : وقال غيره فإنما يعني نفسه ولا يسمّي نفسه بعد الخليل إجلالا منه له ، وشرح قول سيبويه أنّ الأصل : استحيا كثر استعمالهم إيّاه فحذفوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فأشبه افتعل نحو اقتضى فصرفوه تصريفه فقالوا : استحى يستحي. (أَنْ يَضْرِبَ) في موضع نصب أي من أن يضرب. (مَثَلاً) منصوب بيضرب. (ما بَعُوضَةً) في نصبها ثلاثة أوجه : تكون «ما» زائدة و «بعوضة» بدلا من مثل ، ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب نكرة و «بعوضة» نعتا لما ، وصلح أن تكون نعتا لأنها بمعنى قليل ، والوجه الثالث قول الكسائي والفراء (٥) قالا : التقدير : أن يضرب مثلا ما بين بعوضة حذفت «بين» وأعربت بعوضة بإعرابها

__________________

(١) انظر البحر المحيط ١ / ٢٥١.

(٢) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٦١ ، ولسان العرب (زوج) و (بول) ، وإصلاح المنطق ٣٣١ ، وبلا نسبة في ديوان الأدب ٣ / ٣٠٨ والمذكّر والمؤنث للأنباري ص ٣٧٥ ، والمذكر والمؤنث للفراء ص ٩٥ ، وفي الديوان :

«وإنّ الذي يسعى ليفسد زوجتي»

(٣) شبل بن عياد أبو داود المكي ، مقرئ مكة ، ثقة ، هو أجلّ أصحاب ابن كثير (ت ١٦٠ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٢٣.

(٤) انظر الكتاب ٤ / ٥٤٠.

(٥) انظر معاني الفراء ١ / ٢٢.

٣٩

والفاء بمعنى «إلى» أي إلى ما فوقها ، ومعنى ضربت له مثلا مثّلت له مثلا وهذه الأبنية على ضرب واحد أي على مثال واحد (فَما فَوْقَها) عطف على «ما» الأولى ، وحكي أنه سمع رؤبة يقرأ إنّ الله لا يستحي أن يضرب مثلا مّا بعوضة (١) بالرفع وهذه لغة تميم ، جعل «ما» بمعنى الذي ورفع بعوضة على إضمار ابتداء والحذف في «ما» أقبح منه في الذي لأن الذي إنّما له وجه واحد والاسم معه أطول. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) «الذين» : رفع بالابتداء وخبره ما بعد الفاء فلا بدّ من الفاء في جواب (أَمَّا) لأن فيها معنى الشرط أي مهما يكن من شيء فالأمر كذا. (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) «أنّ» في موضع نصب بيعلمون والهاء اسمها والحق خبرها. (مِنْ رَبِّهِمْ) خفض بمن. (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ولغة تميم وبني عامر «أيما» يبدلون من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة : [الطويل]

١١ ـ رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت

فيضحى وأيما بالعشيّ فيخصر (٢)

(فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) إن شئت جعلت «ما» و «ذا» شيئا واحدا في موضع نصب بأراد. قال ابن كيسان : وهو أجود وإن شئت جعلت «ما» اسما تاما في موضع رفع بالابتداء و «ذا» بمعنى الذي هو خبر الابتداء ، ويكون التقدير : ما الذي أراد الله بهذا مثلا. قال أحمد بن يحيى ثعلب : «مثلا» منصوب على القطع وقال ابن كيسان : هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال. (يُضِلُ) فعل مستقبل. (كَثِيراً) مفعول به. (وَيَهْدِي) أسكنت الياء فيه استثقالا للجمع بينها وبين ياء وكسرة. (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) بوقوع الفعل عليهم ، والتقدير وما يضلّ به أحدا إلّا الفاسقين ، ولا يجوز أن تنصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلّا بعد تمام الكلام.

(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٧)

(الَّذِينَ) : في موضع نصب على النعت للفاسقين وإن شئت جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم الذين. (يَنْقُضُونَ) فعل مستقبل والمضمر الذي فيه

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ٤ ، والبحر المحيط ١ / ٢٦٦.

(٢) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ١٤٨ ، والأغاني ١ / ٨١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣١٥ ، والدرر ٥ / ١٠٨ ، وشرح شواهد المغني ص ١٧٤ ، والمحتسب ١ / ٢٨٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٥٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ١٢٠ ، والجنى الداني ص ٥٢٧ ، ورصف المباني ص ٩٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٠٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٧.

٤٠