القول في شرائط العوضين
[من شروط العوضين : المالية] (١)
الاحتراز بهذا الشرط عمّا لا ينتفع به منفعةً مقصودةً محلّلةً |
يشترط في كلٍّ منهما كونه متموَّلاً ؛ لأنّ البيع لغةً ـ : مبادلة مالٍ بمال (٢) ، وقد احترزوا بهذا الشرط عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، محلَّلة في الشرع ؛ لأنّ الأوّل ليس بمالٍ عرفاً كالخنافس والديدان ؛ فإنّه يصحّ عرفاً سلب المصرف لها ونفي الفائدة عنها ، والثاني ليس بمالٍ شرعاً كالخمر والخنزير.
ثمّ قسّموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسّة الشيء كالحشرات ، وإلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة ، وذكروا : أنّه ليس مالاً وإن كان يصدق عليه الملك (٣) ؛ ولذا يحرم غصبه إجماعاً ، وعن
__________________
(١) العنوان منّا.
(٢) المصباح المنير : ٦٩ ، ذيل مادّة «بيع».
(٣) ذكر ذلك المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٠.
التذكرة : أنّه لو تلف لم يُضمن أصلاً (١) ، واعترضه غير واحد ممّن تأخّر عنه (٢) بوجوب ردّ المثل.
والأولى أن يقال : إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفاً ، فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحدَ العوضين ؛ إذ لا بيع إلاّ في ملك. وما لم يتحقّق فيه ذلك : فإن كان أكل المال في مقابله أكلاً بالباطل عرفاً ، فالظاهر فساد المقابلة. وما لم يتحقّق فيه ذلك : فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو ، وإلاّ فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عموماتِ صحّة البيع والتجارة ، وخصوص قوله عليهالسلام في المرويّ عن تحف العقول : «وكلّ شيءٍ يكون لهم فيه الصلاح من جهةٍ من الجهات ، فكلّ ذلك حلال بيعه .. إلى آخر الرواية» (٣) ، وقد تقدّمت في أوّل الكتاب (٤).
__________________
(١) حكاه عنه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، وراجع التذكرة ١ : ٤٦٥.
(٢) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٠ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٤٧.
(٣) تقدّمت الرواية في المجلّد الأوّل من طبعتنا : ٥ ١٣ ، وانظر تحف العقول : ٣٣٣.
(٤) في «ف» زيادة : «وحيث جرى ذكر بعض هذه الرواية الشريفة ، فلا بأس بذكرها بتمامها لاشتمالها على فوائد جليلة ، خصوصاً في تميّز ما يجوز الاكتساب به وما لا يجوز ، فنقول : روى في الوسائل عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي ابن شعبة عن الصادق عليهالسلام : «أنّ معايش العباد كلّها ..» فذكر أكثر الرواية باختلاف كثير عمّا ورد في أوّل الكتاب.
هذا ، وقد وردت هذه الزيادة في «ن» و «خ» من قوله : فنقول : «روى في الوسائل .. إلخ» لكن كتب عليها فيهما : زائد.
الاحتراز بقيد الملكيّة عن بيع ما يشترك فيه الناس |
ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة في العوضين من بيع ما يَشترك فيه الناس : كالماء ، والكلأ ، والسموك (١) والوحوش قبل اصطيادها ؛ لِكون (٢) هذه كلّها غير مملوكة بالفعل.
الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوةً أيضاً |
واحترزوا أيضاً به عن الأرض المفتوحة عنوة ؛ ووجه الاحتراز عنها : أنّها غير مملوكة لملاّكها على نحو سائر الأملاك بحيث يكون لكلٍّ منهم جزءٌ معيّن من عين الأرض وإن قلّ ؛ ولذا لا يورَّث ، بل ولا من قبيل الوقف الخاصّ على معيَّنين ؛ لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعاً ، ولا كالوقف على غير معيَّنين كالعلماء والمؤمنين ، ولا من قبيل تملّك الفقراء للزكاة والسادة للخمس بمعنى كونهم مصارف له (٣) لعدم تملّكهم لمنافعها (٤) بالقبض ؛ لأنّ مصرفه (٥) منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم ، فهذه الملكيّة نحوٌ مستقلٌّ من الملكيّة قد دلّ عليه (٦) الدليل ، ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاّك.
ثمّ إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادُّعي عليه الإجماع (٧)
__________________
(١) في «م» ، «ع» و «ص» : السماك.
(٢) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي «ف» : «يكون» ، وفي سائر النسخ : بكون.
(٣) كذا ، والمناسب تثنية الضمير.
(٤) في غير «ش» : لمنافعه.
(٥) كذا في النسخ ، والمناسب تأنيث الضمير ، وكذا في قوله : تقسيمه.
(٦) في «ف» : عليها.
(٧) ادّعاه الشيخ في الخلاف ٢ : ٦٧ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠ ، والعلاّمة في المنتهي ٢ : ٩٣٤ ، والتذكرة ١ : ٤٢٧ ، وراجع الجواهر ٢١ : ١٥٧.
ودلّ عليه النصّ كمرسلة حمّاد الطويلة (١) وغيرها (٢).
[أقسام الأرضين وأحكامها] (٣)
وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة إجمالاً إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها ، فنقول ومن الله الاستعانة :
الأرض إمّا موات وإمّا عامرة ، وكلٌّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة أو عرض لها ذلك ، فالأقسام أربعة لا خامس لها :
١ ـ ما يكون مواتاً بالأصالة |
الأوّل : ما يكون مواتاً بالأصالة ، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة (٤)
هو للإمام عليه السلام ومن الانفال |
ولا إشكال ولا خلاف منّا في كونها للإمام عليهالسلام ، والإجماع عليه محكيّ عن الخلاف (٥) والغنية (٦) وجامع المقاصد (٧) والمسالك (٨) وظاهر
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٨٤ ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢.
(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٢٧٤ ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، الأحاديث ٤ ، ٥ و ٩.
(٣) العنوان منّا.
(٤) في غير «خ» و «ش» : بالعمارة.
(٥) الخلاف ٣ : ٥٢٥ ، كتاب إحياء الموات ، المسألة ٣.
(٦) الغنية : ٢٩٣.
(٧) جامع المقاصد ٧ : ٩.
(٨) المسالك ١٢ : ٣٩١ ، وفيه : عندنا موضع وفاق.
جماعة أُخرى (١). والنصوص بذلك مستفيضة (٢) ، بل قيل : إنّها متواترة (٣).
إباحة التصرّف فيها بالاحياء بلا عوض |
وهي من الأنفال ، نعم أُبيح التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض ، وعليه يُحمل ما في النبويّ (٤) : «مَوَتان الأرض لله ولرسوله (٥) صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» (٦). ونحوه الآخر : «عاديُّ الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم منّي» (٧).
دلالة بعض الأخبار على وجوب أداء خراجها إلى الإمام |
وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليهالسلام كما في صحيحة الكابلي ، قال (٨) : «وجدنا في كتاب
__________________
(١) حكاه السيّد العاملي وصاحب الجواهر عن المصادر المذكورة وعن ظاهر المبسوط والتذكرة والتنقيح والكفاية ، انظر مفتاح الكرامة ٧ : ٤ ، والجواهر ٣٨ : ١١.
(٢) راجع الوسائل ٦ : ٣٦٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، والمستدرك ٧ : ٢٩٥ ، نفس الباب.
(٣) راجع الجواهر ٣٨ : ١١ ، وفيه : يمكن دعوى تواترها.
(٤) كذا في «ف» ، «خ» و «ش» ، وفي غيرها : النبويّين.
(٥) في «ش» : ورسوله.
(٦) لم نقف على هذا النصّ بعينه في المجاميع الحديثية ، بل الموجود : «موتان الأرض لله ولرسوله ، فمن أحيا منها شيئاً فهو له» ، انظر عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ ، الحديث الأوّل ، وعنه في المستدرك ١٧ : ١١١ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث الأوّل. نعم نقل الرواية كما في المتن العلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٠٠.
(٧) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨١ ، الحديث ٥ ، وعنه في المستدرك ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٥.
(٨) في «ف» : قال لي.
علي عليهالسلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أنا (١) وأهل بيتي الذين أورثَنَا اللهُ الأرضَ ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضاً (٢) من المسلمين فليَعمرها وليؤدِّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها .. الخبر» (٣).
ومصحَّحة عمر بن يزيد : «أنّه سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها ، فعمّرها وأجرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً ، وغرس فيها نخلاً وشجراً ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤدّيه (٤) إلى الإمام عليهالسلام في حال الهُدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطِّن نفسه على أن تؤخذ منه» (٥).
توجيه هذه الاخبار |
ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب إيصال الطسق إذا طلبه (٦) الإمام عليهالسلام.
__________________
(١) كذا في «ف» و «ص» والمصدر ، وفي غيرها : قال أنا.
(٢) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : من الأرض.
(٣) الوسائل ١٧ : ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢ ، والآية من سورة الأعراف : ١٢٨.
(٤) كذا في «ن» و «ص» والمصدر ، وفي «ف» و «خ» : «يؤتى به» ، وفي «م» و «ع» : «يؤتيه به» ، وفي «ش» : يؤدّيه به.
(٥) في النسخ زيادة : «الخبر» ، ولا وجه لها ظاهراً ، لأنّ الحديث مذكور بتمامه ، انظر الوسائل ٦ : ٣٨٣ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٣.
(٦) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ن» : «طلب» ، وصحّح في «ن» كما أثبتناه.
لكنّ الأئمّة عليهمالسلام بعد أمير المؤمنين عليهالسلام حلّلوا شيعتهم ، وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدلّ عليه قوله عليهالسلام : «ما كان لنا فهو لشيعتنا» (١) ، وقوله عليهالسلام في رواية مسمع بن عبد الملك : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، يَحلُّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم طسق (٢) ما كان في أيدي سواهم ، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويُخرجهم عنها صَغَرَة .. الخبر» (٣).
نعم ، ذكر في التذكرة : أنّه لو تصرّف في الموات أحدٌ بغير إذن الإمام كان عليه طسقها (٤).
ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور ، وإلاّ فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مالٍ للإمام (٥) في الأراضي في حال الغيبة ، بل الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (٦) ، وسيأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها ملكاً بالإحياء (٧).
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٣٨٤ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٧.
(٢) في «ش» زيادة : «ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأمّا» ، وهذه الزيادة قد وردت في الكافي ولم ترد في التهذيب والوسائل ، انظر الكافي ١ : ٤٠٨ ، الحديث ٣ ، والتهذيب ٤ : ١٤٤ ، الحديث ٤٠٣.
(٣) الوسائل ٦ : ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٢.
(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٢.
(٥) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : الإمام.
(٦) راجع الوسائل ١٧ : ٣٢٦ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات.
(٧) يأتي في الصفحة ١٧.
الثاني : ما كانت عامرة بالأصالة ، أي لا من معمِّر
٢ ـ ما كانت عامرةً بالاصل الظاهر كونها للامام عليه السلام ومن الانفال أيضاً |
والظاهر أنّها أيضاً للإمام عليهالسلام وكونها من الأنفال ، وهو ظاهر إطلاق قولهم : «وكلّ أرض لم يجرِ عليها ملك مسلم فهي للإمام عليهالسلام» (١) ، وعن التذكرة : الإجماع عليه (٢). وفي غيرها نفي الخلاف عنه (٣) ؛ لموثّقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكيّة عن تفسير عليّ بن إبراهيم عن الصادق عليهالسلام ، حيث عَدّ من الأنفال : «كلّ أرض لا ربّ لها» (٤) ، ونحوها المحكي عن تفسير العياشي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام (٥).
ولا يخصّص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جُعل فيها من الأنفال «كلّ أرض ميّتة لا ربّ لها» (٦) ؛ بناءً على ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز ؛ لأنّ الظاهر ورود الوصف مورد الغالب ؛ لأنّ
__________________
(١) كما في الشرائع ٣ : ٢٧٢ ، والقواعد ١ : ٢٢٠ ، وفي مفتاح الكرامة (٧ : ٩) في ذيل العبارة هكذا : كما طفحت بذلك عباراتهم بلا خلاف من أحد.
(٢) حكاه عن العلاّمة في التذكرة ، السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٣٨ : ١٩ ، وانظر التذكرة ٢ : ٤٠٢.
(٣) كما في مفتاح الكرامة ٧ : ٩ ، والجواهر ٣٨ : ١٩.
(٤) تفسير القمّي ١ : ٢٥٤ ، في تفسير الآية الاولى من سورة الأنفال ، وعنه الوسائل ٦ : ٣٧١ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٠.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ ، الحديث ١١ ، وعنه الوسائل ٦ : ٣٧٢ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٨.
(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٥ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.
الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتاً.
هل تملك بالحيازة أم لا؟ |
وهل تُملك هذه بالحيازة؟ وجهان : من كونه مال الإمام ، ومن عدم منافاته للتملّك بالحيازة ، كما يُملك الموات بالإحياء مع كونه مال الإمام ، فدخل في عموم النبويّ : «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» (١).
٣ ـ ما عرضت له الحياة بعد الموت هذا القسم ملك للمحيي |
الثالث : ما عرض له الحياة بعد الموت
وهو ملك للمحيي ، فيصير ملكاً له بالشروط المذكورة في باب الإحياء بإجماع الأُمّة كما عن المهذّب (٢) ، وبإجماع المسلمين كما عن التنقيح (٣) ، وعليه عامّة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة (٤) ، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف ، لا نفس الرقبة (٥) ، فلا بدّ من الملاحظة.
٤ ـ ما عرض له الموت بعد العمارة |
الرابع : ما عرض له الموت بعد العمارة
فإن كانت العمارة أصليّة ، فهي مال الإمام عليهالسلام. وإن كانت
__________________
(١) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ ، الحديث ٤ ، والمستدرك ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٤.
(٢) المهذّب البارع ٤ : ٢٨٥.
(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٩٨.
(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٠.
(٥) انظر المبسوط ٢ : ٢٩.
العمارة من معمِّر ، ففي بقائها على ملك معمِّرها ، أو خروجها عنه وصيرورتها ملكاً لمن عمّرها ثانياً ، خلاف معروف في كتاب إحياء الموات (١) ؛ منشؤه اختلاف الأخبار (٢).
رجوع إلى أحكام القسم الثالث |
ثمّ القسم الثالث ، إمّا أن تكون العمارة فيه (٣) من المسلمين ، أو من الكفّار.
لو كانت العمارة فيها من المسلمين |
فإن كان (٤) من المسلمين فملكهم لا يزول إلاّ بناقل أو بطروّ الخراب على أحد القولين.
لو كانت العمارة فيها من الكفّار |
وإن كان من الكفّار ، فكذلك إن كان في دار الإسلام وقلنا بعدم اعتبار الإسلام ، وإن اعتبرنا الإسلام ، كان باقياً على ملك الإمام عليهالسلام. وإن كان في دار الكفر ، فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم ، وبالاغتنام ، كسائر أموالهم.
ثمّ ما ملكه الكافر (٥) من الأرض :
حكم ما ملكه الكافر من الأرض |
إمّا أن يُسلم عليه طوعاً ، فيبقى على ملكه كسائر أملاكه.
وإمّا أن لا يسلم عليه طوعاً.
فإن بقي يده عليه كافراً ، فهو (٦) أيضاً كسائر أملاكه تحت يده.
__________________
(١) راجع المسالك ١٢ : ٣٩٦ ٣٩٧ ، فنسب الأوّل إلى المحقّق والشيخ وجماعة ، والثاني إلى العلاّمة في بعض فتاويه ، ومال إليه في التذكرة وقوّاه هو نفسه ، وانظر الجواهر ٣٨ : ٢١.
(٢) راجع الوسائل ١٧ : ٣٢٦ ٣٢٨ ، الباب ١ و ٣ من أبواب إحياء الموات.
(٣) كلمة «فيه» من «ش» ومصحّحة «ن».
(٤) كذا ، والمناسب : كانت.
(٥) في غير «ف» و «ش» : الكفّار ، ولكن صحّح في «ن» بما أثبتناه.
(٦) في غير «ف» : فهي.
وإن ارتفعت يده عنها (١) :
فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين.
أو بموت أهلها وعدم الوارث ، فيصير ملكاً للإمام عليهالسلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين للنصوص المستفيضة : |
وإن رفعت يده عنها قهراً وعنوة ، فهي كسائر ما لا يُنقل (٢) من الغنيمة كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافّة إجماعاً ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف (٣) والتذكرة (٤) وغيرهما (٥) ، والنصوصُ به مستفيضة :
١ ـ رواية أبي بردة |
ففي رواية أبي بردة المسئول فيها عن بيع أرض الخراج قال عليهالسلام : «من يبيعها؟! هي أرض المسلمين! قلت : يبيعها الذي في يده. قال : يصنع بخراج المسلمين ماذا؟! ثمّ قال : لا بأس ، اشتر (٦) حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه» (٧).
__________________
(١) تأنيث الضمير باعتبار «الأرض».
(٢) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : ما لا ينتقل ، وفي «ص» كتب عليه : لا ينقل ظ.
(٣) الخلاف ٢ : ٦٧ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠.
(٤) التذكرة ١ : ٤٢٧.
(٥) كالغنية : ٢٠٤ ٢٠٥ ، والمنتهى ٢ : ٩٣٤ ، والجواهر ٢١ : ١٥٧.
(٦) كذا في أكثر النسخ والاستبصار ، وفي «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» : «أن يشتري» ، وفي التهذيب والوسائل : اشترى.
(٧) الوسائل ١١ : ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث الأوّل.
٢ ـ مرسلة حمّاد |
وفي مرسلة حمّاد الطويلة : «ليس لمن قاتل شيء من الأرضين وما غلبوا عليه (١) ، إلاّ ما حوى (٢) العسكر .. إلى أن قال : والأرض التي أُخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها ويقوم عليها ، على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج : النصف أو الثلث أو الثلثين ، على قدر ما يكون لهم صالحاً ولا يضرّ بهم (٣) إلى أن قال : فيؤخذ ما بقي بعد (٤) العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّال الأرض وأكَرَتها ، فيدفع إليهم أنصباءهم على قدر ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينوبه ، من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير .. الخبر» (٥).
٣ ـ صحيحة الحلبي |
وفي صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل (٦) في
__________________
(١) كلمة «عليه» من «ش» ، والعبارة في المصادر : ولا ما غلبوا عليه.
(٢) في الكافي والوسائل : ما احتوى عليه.
(٣) في «ش» وهامش «ن» زيادة : فإذا أخرج منها ما أخرج ، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً ، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح.
(٤) في الكافي والوسائل بدل «فيؤخذ ما بقي بعد» : ويؤخذ بعد.
(٥) الوسائل ١١ : ٨٤ ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢.
(٦) في غير «ص» : دخل.