أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

وقد اختلفت تقريبات القوم في مقام تخريج وعلاج هذا التعارض وإثبات ما لعلّه واضح لا غبار عليه في الفقه من استفادة عدم التداخل في الأسباب والمسببات ، أي تعدد الحكم في موارد تعدد الأسباب وقابلية الحكم للتكرار وتعدد الامتثال أيضاً ، إلاّإذا كان الشرط والموضوع غير قابل للتعدد أو لم يكن الحكم انحلالياً بل ملحوظاً في الدليل بنحو صرف الوجود ، وهناك تفصيلات وأقوال اخرى أشار اليها في نهاية الأفكار (١).

وأمّا الوجوه فكما يلي :

١ ـ ما في الكتاب نقلاً عن الكفاية من تقديم الظهور المثبت لعدم التداخل كالظهور في الحدوث عند الحدوث على إطلاق الجزاء لكون الأوّل بالوضع واثباتياً والثاني بالاطلاق وسكوتياً والأوّل أقوى من الثاني.

وفيه : انّ الأمر لا يدور بين رفع اليد عن أصل الظهور في الحدوث أو الاستلزام عند حدوث الشرط أو تقييد إطلاق الجزاء بل يدور بين تقييد الحدوث عند الحدوث في خصوص مورد اجتماع السببين أو تقييد إطلاق الجزاء ، وكلاهما إطلاق وظهور سكوتي فلا مرجح.

نعم ، لو اريد التداخل في المسبب أي حمل المتعلّق في أحد الدليلين على معنى آخر بينه وبين متعلق الآخر العموم من وجه أو المطلق مثلاً ـ كان هذا تصرفاً في ظهور وضعي إلاّ انّ هذا ليس متعيناً بل بعد الأخذ بهذا الظهور لكونه وضعياً يدور الأمر بين تقييد إطلاق الجزاء أو تقييد إطلاق الحدوث عند الحدوث

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٥.

٥٢١

وكلاهما ظهور اطلاقي وبمقدمات الحكمة.

٢ ـ ما ذكره المحقق العراقي قدس‌سره من انّ الأمر يدور بين التصرف ورفع اليد عن ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال أو ظهور متعلق الجزاء في أحدهما في صرف الوجود فيحمل على الوجود الثاني ، وهذا يعني دوران الأمر بين تصرفين وتصرف واحد فيتعين الثاني لكونه أقل محذوراً (١).

وهذا الكلام غريب صدوره عن مثل هذا المحقق ، فإنّه يرد عليه :

أوّلاً ـ منع الكبرى ، فإنّ مجرد تعدد الظهور في أحد طرفي المعارضة لا يوجب رجحانه على الطرف الآخر بل تقع المعارضة بين ذلك الظهور الواحد في طرف والظهورين في الطرف الآخر في عرض واحد على ما حققناه في بحوث التعارض.

وثانياً ـ منع الصغرى فإنّه على تقدير القول بعدم التداخل أيضاً لابد من رفع اليد عن إطلاق المتعلق في كل واحد من الجزائين بحيث يتقيد متعلق الوجوب في كل منهما بفرد غير ما يتحقق به امتثال الآخر لفعلية الوجوبين معاً قبل الامتثال لشيء منهما فلابد وأن يكون متعلق كل منهما وجوداً من الطبيعة غير ما ينطبق عليه الآخر أي لابد من أخذ قيد الآخر فيهما معاً وإلاّ كان متعلق أحدهما منطبقاً على الآخر فيلزم اجتماع المثلين ـ بناءً على امتناع الاجتماع ـ.

لا يقال : المتعلّق في أحدهما يبقى صرف الوجود وهو ينطبق على أوّل الوجود وبه يسقط التكليف فلا ينطبق على الوجود الثاني الذي هو متعلق

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٦.

٥٢٢

التكليف الثاني فلا يلزم الاجتماع.

فإنّه يقال : يلزم الاجتماع في فرض ايجاد الفردين معاً في وقت واحد فإنّ نسبة صرف الوجود اليهما على حدّ واحد فيلزم الاجتماع بل هنا يلزم المحذور على كل حال حتى لو قيل بالجواز ، إذ لا تعين لصرف الوجود في أحدهما فلابد من تقييد كل من الأمرين بأحد الفردين كي لا يلزم اجتماع المثلين في واحد.

وثالثاً ـ انّه على تقدير التداخل بنحو التأكد بأن يكون أحد الشرطين علة مستقلة لحدوث أصل الحكم والآخر علة لحدوث شدته وتأكده لا يلزم أكثر من التصرف في احدى الشرطيتين لا كلتيهما ، بل حتى إذا قيل بالتداخل المطلق بلا تأكد أيضاً لا يلزم إلاّرفع اليد عن أحد الظهورين في الشرطيتين إذا وجدا بنحو متعاقب لا دفعة واحدة ، فلو تمت الكبرى التي ذكرها لزم العكس والتصرف في ظهور احدى الشرطيتين مع الابقاء على ظهور المادة في الجزاء.

ورابعاً ـ ما تقدم في الكتاب من انّ الظهور في الاستقلال ليس منشأه إلاّ الإطلاق الواوي الذي لا ينافي جزئية كلا الشرطين لحكم واحد في مورد الاجتماع.

٣ ـ انّ تبعية الجزاء للشرط ثبوتاً بلحاظ كونه من علل وجوده توجب تبعيته له عرفاً اثباتاً أيضاً فتوجب أولوية التصرف في الجزاء عند الدوران على التصرف في ناحية سببه وعلته من جهة اقتضائه أقوائية ظهوره من ظهوره (١).

وفيه : أوّلاً ـ عدم اختصاص هذا البحث بالشرطية بمعنى العلية والسببية بل

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٧.

٥٢٣

جار في مطلق الحكم والموضوع ولو في جملتين حمليتين كما تقدم ، وفي مثله لا يتم ملاك التبعية المذكورة.

وثانياً ـ تبعية المسبب لسببه فرع احراز وتشخيص ما هو السبب وانّه هل هو كل من الشرطين مستقلاً أو مجموعهما ، والمفروض انّ ظهور مادة الجزائين في الوحدة يقتضي انّ الشرط والسبب هو مجموعهما فلا موضوع للتبعية المذكورة ، فالمقام ليس صغرى لهذه التبعية فتأمل جيداً.

٤ ـ ما ذكره الميرزا قدس‌سره من انّ متعلق الوجوب والأمر ليس هو الطبيعة بنحو صرف الوجود المساوق مع أوّل الوجود لكي يقتضي ذلك وحدة الحكم ونفي التعدد المساوق مع التداخل كما توهم ، وإنّما متعلق الأمر ذات الطبيعة بلا أي قيد حتى قيد صرف الوجود وإنّما تستفاد حيثية صرف الوجود باعتبار وقوع الطبيعة في سياق انشاء الأمر أي طلب الايجاد كما إذا وقعت في سياق الإخبار عن وجودها والذي لا يقتضي أكثر من تحقق صرفها ، وهذا يعني انّ ما هو متعلق الايجاب والوجوب ذات الطبيعة المتحققة بأوّل الوجود منها ويكون عدم لزوم فرد آخر منها من باب عدم المقتضي حيث انّ ايجاد الطبيعة يتحقق بذلك لا من باب أخذ خصوصية صرف الوجود أو الوجود الأوّل في متعلقه.

وحينئذٍ إذا كانت الجملة انشائية أي ظاهره بحسب الفرض في جعل الوجوب في مورد كل من السببين حتى في مورد اجتماعهما ـ ولو بمقتضى إطلاق الجعلين ـ فكان لا محالة هناك ايجابان وارسالان ، وتعدد الايجاب والارسال يستلزم تعدد الموجب والمرسل نحوه لأنّهما متضايفان فلابد من اتيان فرد آخر من تلك الطبيعة لا من أجل أخذ ذلك قيداً في متعلق أحد الايجابين ليكون

٥٢٤

خلاف إطلاق متعلقهما بل متعلقهما ذات الطبيعة على كلّ حال ، وإنّما التعدد مستفاد ومعلول لنفس تعدد الارسال والايجاب المتعلق بذات الطبيعة حيث انّه كلما تعلّق ايجادان بطبيعة تحقق وجودان منهما لا محالة كما في الايجاد والارادة التكوينية ، فلا توجد مخالفة أصلاً لظهور حتى اطلاقي في طرف متعلق الحكم في الجزاء على تقدير التعدد وعدم التداخل ليجعل ذلك مانعاً عن الأخذ بظهور الجملتين في تعدد الوجوب وعدم التداخل من غير فرق بين تعدد الشرط من جنس واحد أو من جنسين.

وهذا البيان متين لا غبار عليه وبتقريره بما قررناه يظهر عدم صحّة ما أورد عليه في كلمات بعض الأعاظم من انّه قياس لعالم التشريع والارادة التشريعية بعالم التكوين والارادة التكوينية ، فإنّه ليس المقصود هذا القياس أصلاً بل بعد فرض انّ المجعول في الخطابين البعث والايجاب الشامل باطلاقه لحال اجتماع السببين وبعد أن كان مفاد الخطاب الانشاء لا الإخبار عن ثبوت الحكم فضلاً عن الإخبار عن ثبوت الملاك أو الارادة وكان البعث والارادة والايجاب المتعلّق بذات الطبيعة بلا أي قيد مضايفاً مع الانبعاث فلا محالة يكون تعدد الانبعاث من نتائج تعدد البعث المستظهر من إطلاق الجعلين لمورد اجتماع السببين دون أن يلزم أي تقييد في متعلقهما في المرتبة السابقة.

لا يقال : إذا كان تعدد البعث مقتضياً لتعدد الانبعاث للتضايف بينهما فكيف لا يتعدد الانبعاث فيما ذا تعدد البعث في موارد تعدد العنوان كما إذا وجب شيء بعنوان كونه وفاءً بالنذر وبعنوان كونه واجباً في نفسه ـ على ما سوف يأتي في بحث التداخل في المسببات ـ.

٥٢٥

فإنّه يقال : الانبعاث في موارد تعدد العنوان متعدد أيضاً حتى بناءً على التداخل في المسببات والاكتفاء بالفرد المجمع للعنوانين لأنّ المكلّف قد حقق كليهما دفعة واحدة بايجاد واحد ، وهذا بخلاف ما إذا كان المتعلّق عنواناً واحداً فتأمل جيداً.

٥ ـ انّ التعارض وإن كان بين اطلاقين ، إلاّ انّ الإطلاق في متعلّق الجزاء أمره دائر بين التخصيص والتخصص ، إذ لو قيد إطلاق الشرط في احدى الشرطيتين بغير مورد اجتماعه مع الآخر ارتفع موضوع إطلاق المتعلّق فيه ، إذ لا أمر آخر لكي يقيد متعلقه بالفرد الآخر من الطبيعة ، وهذا يعني انّ إطلاق مادة الجزاء في كل من الشرطيتين بلحاظ مورد الاجتماع يعلم بعدمه على كلّ حال امّا تخصيصاً أو تخصصاً ، وقد تقدم مراراً انّ أصالة عدم التخصيص والتقييد لا تجري لاثبات التخصّص.

وإن شئت قلت : يعلم اجمالاً في مورد اجتماع السببين بسقوط إطلاق المادة في أحد الجزائين امّا تخصيصاً أو تخصصاً ، وهذا يعني انّه لا يمكن التمسك بهما معاً ولا بأحدهما دون الآخر لأنّه ترجيح بلا مرجح فيبقى إطلاق الشرطيتين المثبت لتعدد أصل الوجوب وعدم التداخل على حجيته.

وهذا التقريب غير تام ؛ لأنّ إطلاق المتعلّق للفرد الآخر المتعلّق للوجوب الآخر فعلي على كل حال أي سواء كان الوجوب الآخر ثابتاً أم لا ، غاية الأمر على تقدير ثبوته يلزم التنافي بينهما لا أنّه يرتفع الإطلاق في متعلق الوجوب الأوّل ، وهذا بخلاف موارد الدوران بين التخصيص والتخصص ؛ كيف وإلاّ لصحّ هذا الكلام في تمام موارد الامتناع ، وهذا واضح.

٥٢٦

وهذه الوجوه باستثناء الوجه المتقدم عن الميرزا قدس‌سره لا نحتاجها في مسألة التداخل وعدمه في موارد تكرر السبب من جنس واحد كما لو أفطر مرتين أو ظاهر مرتين ، فإنّ ظهور الجملة في الانحلالية وتعدد الحكم والارادة بتعدد الشرط يمنع عن انعقاد أصل الإطلاق المذكور في طرف المتعلّق في الجزاء لو فرض انّ عدم التداخل يقتضي تقييده في المرتبة السابقة فتأمل جيداً.

ثمّ انّه لا منشأ لتوهم لزوم تعدد متعلّق المتعلّق للأمر أيضاً كما إذا قال : إن ظاهرت فتصدق على فقير وإن أفطرت فتصدق على فقير فإنّه إذا ظاهر وأفطر وجب تصدقان على فقير ولو كان فقيراً واحداً ولا يستفاد كون كل منهما على فقير غير الآخر ، لأنّ ملاك التعدد على ما ظهر تعدد الأمر وهو يقتضي تعدد متعلقه المبعوث نحو ، وهو التصدق على الفقير ، والمفروض تعدده حتى إذا كانا في حق فقير واحد.

كما انّه اتضح انّ قياس المقام بباب الدوران بين التأكيد والتأسيس كما لو قال : صلّ مرتين في غير محله إذ الشك هناك في أصل وحدة الجعل المستكشف بالخطاب ثبوتاً وتعدده بخلاف المقام إذ المفروض الفراغ عن تعدده ثبوتاً بحيث لو كان لهما إطلاق لحال الاجتماع كان هناك أمران وارادتان تشريعيتان لا محالة.

ثمّ انّه قد يتصور انّ عدم التداخل في الأسباب مختص بالأوامر ، وأمّا النواهي فالأمر فيه بالعكس ، حيث لابد من الالتزام فيه بالتداخل ، فإذا قال : ( إن أحرمت فلا تقرب النساء ) ، و ( إن صمت فلا تقرب النساء ) ، وأحرم وصام ، حرم عليه النساء بحرمة واحدة مؤكدة ؛ لاستحالة تعدّد الحرمة مع وحدة المتعلّق

٥٢٧

وهو مقاربة النساء.

وفيه : انّ الثابت هنا أيضاً حرمتان لا حرمة واحدة لأنّ ما هو متعلّق كل منهما غير ما هو متعلّق الآخر فإنّ ظاهر النواهي انّ قيود النهي قيود للحرام لا للنهي فيكون مقاربة الصائم محرمة ومقاربة المحرم محرمة كذلك ، فإذا قارب المحرم الصائم تحقق بذلك العنوانان معاً كمن شرب النجس المغصوب ، وهذا بخلاف باب الأمر فإنّ ما يقع متعلقاً للأمر مطلق من ناحية قيود الأمر والوجوب.

وإن شئت قلت : انّ المحرم الصائم باجتنابه للنساء يحقق تركين بلحاظ العنوانين المحرمين فكما يوجد زجران ومنعان يوجد انزجاران وامتناعان ، فإنّ الترك والعدم يتحصص ويتعدد بتبع ما يضاف إليه فلا تداخل.

وهذا بنفسه صادق في الأمر أيضاً إذا كان القيد راجعاً للواجب كما في أكرم عالماً وأكرم هاشمياً فإنّه إذا أكرم العالم الهاشمي يكون قد امتثل كلا الأمرين لأنّه قد حقق كلا العنوانين الواجبين ، وهذا هو مبنى القول بالتداخل في المسببات في الأوامر على ما سوف يأتي.

نعم ، هذا مبني على جواز اجتماع حكمين متماثلين على عنوانين منطبقين على معنون واحد كما هو الصحيح ، وسوف تأتي الإشارة إليه.

وهكذا يتضح انّ مقتضى الظهور مع وحدة الجزاء عدم التداخل لا في الأسباب ولا في المسببات ، لا في الأوامر ولا في النواهي ، لا في الحكم التكليفي ولا الوضعي ، ولا في الجزاء الخبري ولا الانشائي. نعم لابد وأن لا يكون الجزاء مما لا يقبل التكرار ولا يوجد قيد آخر.

٥٢٨

نعم ، هنا مطلب مهم ينبغي ذكره ولم يتفطن له الأصحاب ، وحاصله : اننا نحسّ بالفرق وجداناً بين شرطيتين ظاهرتين في الانحلالية كما في مثل : ( إن ظاهرت فكفّر ، وإن أفطرت فكفّر ) أو مثل : ( كلّما جاءك زيد فأكرمه ، وكلما صلّى فأكرمه ) ، فإنّه يستفاد في مثل ذلك لزوم تعدد الجزاء عند تعدد الشرط وجوداً أو سنخاً. وشرطيتين غير انحلاليتين بلحاظ الشرط كما في مثل : ( إن كان زيد هاشمياً فأكرمه ، وإن كان زيد عالماً أو عراقياً فأكرمه ) فإنّه لا يستظهر منه لزوم اكرامين له إذا كان هاشمياً وعراقياً أو هاشمياً وعالماً ، بل يحكم فيه بالتداخل والتأكّد.

وأوضح منه ما إذا قال : ( أكرم العالم وأكرم الهاشمي ) ولا يمكن أن يحل هذا الاشكال بالفرق بين الموردين وانّ الأمر في المورد الثاني متعلق بالدقة باكرام الهاشمي واكرام العالم وهما عنوانان بينهما عموم من وجه فيمكن اجتماع الأمرين عليهما بخلاف الأمر بالكفارة.

لأنّه يرد عليه :

أوّلاً ـ عدم الفرق بينهما من هذه الناحية لأنّ قيود الحكم قيود للمتعلق دائماً ، فالأمر بالكفارة على تقدير الظهار أو بالكفارة المقيدة بتحقق الظهار ، ولهذا لا يجتزأ بالكفارة قبل الظهار فتكون النسبة بين متعلق الأمرين عموماً من وجه أيضاً ، فلا استحالة في اجتماع الأمرين هناك بلا حاجة إلى أخذ قيد فرد آخر في متعلّق كل منهما.

وثانياً ـ عدم إمكان اجتماع الحكمين في المقام ، ولا يقاس بأكرم هاشمياً وأكرم عالماً ، لأنّ الإطلاق بلحاظ قيود الحكم شمولي فيكون في مورد

٥٢٩

الاجتماع حكمان على عمل واحد وهو محال ، فلابدّ من التأكد ولو من جهة لغوية تعدد الحكم بخلاف البدلي أو التقييد بفرد آخر من الاكرام ، والمشهور فيه هو الأوّل.

والتحقيق قبول الفرق والالتزام بعدم التداخل في خصوص موارد استفادة الحدوث عند الحدوث واستتباع كل شرط من سنخ واحد أو سنخين لفرد من الحكم ، وهذا يختص بموارد انحلال الشرط إلى أفراده لا مثل ( إن كان هاشمياً فأكرمه ، وإن كان عالماً فأكرمه ) ، فضلاً عمّا إذا قال : ( أكرم الهاشمي وأكرم العالم ) ، فإنّه في العالم الهاشمي لا يجب اكرامان ، لعدم ظهور في الاستتباع والحدوث عند الحدوث ليقيد به إطلاق الجزاء.

ص ١٩٨ قوله : ( المسألة الثانية ـ في تداخل المسببات ... ).

ولا إشكال في عدمه إذا كان العنوان المتعلّق به الحكم ، أعني الأمر واحداً لما تقدم من أنّ تعدد الوجوب يستدعي عندئذٍ تعدد الواجب وهذا لا يكون إلاّمع فرض تعدد الوجود ؛ اللهم إلاّأن يحمل العنوان في أحدهما على خلاف ظاهره ليتعدد العنوان وهو بحاجة إلى دليل ، فيكون مقتضى القاعدة تعدد الامتثال وعدم التداخل في المسبب ، وأمّا إذا كان متعلّق كل من الأمرين غير الآخر بأن كان هناك عنوانان مأمور بهما فإن كانا بدليين كما في متعلقات الأوامر وفي متعلّق المتعلّق إذا كان بدلياً من قبيل أكرم عالماً وأكرم هاشمياً ، فمقتضى القاعدة هو التداخل في المسبب ؛ لأنّ تحقيق المجمع لهما يكون ايجاداً للعنوانين معاً بحسب الحقيقة فيمتثلان بذلك.

نعم ، هذا مبني على القول بامكان اجتماع الأمر والنهي إذا كان أحدهما بدلياً

٥٣٠

وإلاّ فبناءً على سراية الأمر من العنوان إلى المعنون يلزم اجتماع المثلين في المجمع وهو كاجتماع الضدين في الاستحالة. فلابد من الالتزام عندئذٍ امّا بالتأكد وفعلية وجوب واحد في المجمع ـ وهو من التداخل في السبب ـ أو تعدد الامتثال ويكون التعدد هنا تقييداً في متعلّق الأمر وزائداً على ما يقتضيه نفس الأمر ، أي تقييداً ثابتاً في المرتبة السابقة عن طروّ الأمر إذ لم يطرأ على كل من العنوانين إلاّأمر واحد لا أمران ، فيكون إطلاق المتعلّق هنا معارضاً مع ظهور الشرطية في تعدد الأمر ولا يتمّ في علاج هذا التعارض شيء من الوجوه الخمسة المتقدمة.

ومنه يظهر انّ من يقول بالامتناع والسراية إلى المعنون لا يصحّ منه أن يقول بالتداخل في المسبب وعدم التأكد على القاعدة ـ كما صدر من بعض الأعلام ـ بل يتعين عليه امّا القول بالتأكد أو القول بتعدد الامتثال وحيث انّ كلاً من الدلالتين بالاطلاق فيكون مقتضى الأصل العملي نفي الوجوب للفرد الثاني من الامتثال لأنّه الذي فيه مؤنة وكلفة زائدة بخلاف التأكد وان فرض كون الشك في السقوط على ما سيأتي توضيحه مفصلاً.

وأمّا إذا كان العنوانان المأمور بهما شموليين كما في أكرم العالم وأكرم الهاشمي فقد يقال انّه يتعيّن في ذلك المصير إلى التأكد في المجمع بمقتضى الأصل العملي المذكور بناءً على السراية في امثال المقام ، حيث لا يمكن اجتماع وجوبين على اكرام واحد في المجمع إلاّبنحو التأكد أو يكون متعلّق كل منهما وجوداً للاكرام غير الوجود الآخر ، وحيث انّه لا مرجح لأحد الظهورين على الآخر كما قلنا يتعين المصير إلى التأكد ولو بمقتضى الأصل العملي فيكون بحسب الدقة من التداخل في الأسباب بنحو التأكد.

٥٣١

ولكن الصحيح على ضوء ما تقدم في بحث اجتماع الأمر والنهي عدم سراية الحكم إلى المعنون من دون فرق بين العناوين الشمولية أو البدلية وإنّما يلزم المحذور في موارد الشمولية من جهة التدافع بين اقتضاء كلّ من الحكمين في صورة التضاد بينهما كالأمر والنهي ، وهذا منتفٍ في المتماثلين فلا يلزم لا محذور اجتماع المثلين في واحد لأنّ المعروض الحقيقي للحكم هو العنوان المتعدد بحسب الفرض ولو من ناحية قيده وما يضاف إليه لا المعنون الواحد ولا محذور التدافع والتضاد في الاقتضاء للحكمين لكونهما معاً يقتضيان الايجاد.

ومن هنا لم يفصّل المشهور بين أكرم عالماً وأكرم هاشمياً وبين أكرم العالم وأكرم الهاشمي من حيث الالتزام بتحقق الامتثال للأمرين معاً باكرام واحد للعالم الهاشمي من دون لزوم اكرام ثانٍ امّا للتأكيد ـ وهو تداخل في الأسباب ـ أو للتداخل في المسبّب.

وهكذا يتضح انّه لا فرق بين المثالين في المقام فإنّه لو قيل بالسراية إلى المعنون فلابد من التأكد الذي هو من التداخل في الأسباب أو التعدد في الامتثال فيهما معاً ، وعلى القول بعدم السراية فلا تداخل في الأسباب لتعدد الحكمين الفعليين ولكن يتداخلان في المسبب على القاعدة فيهما معاً.

نعم ، لو فرض أنّ قيد العالم والهاشمي كانا من قيود الحكم لا المتعلّق كما إذا قال : إن كان هذا عالماً فأكرمه وإن كان هاشمياً فأكرمه لزم القول بعدم التداخل في المسبب أيضاً وتعدد الاكرام خارجاً عند تحقق الشرطين وكان من قبيل ( إن ظاهرت فكفّر ) و ( إن أفطرت فكفّر ) ؛ لأنّ ما هو متعلق الأمر إنّما هو ذات اكرام هذا الفرد وهو طبيعة واحدة إذا تعلق بها أمران دخل المقام في موارد وحدة متعلّق الأمرين ، وقد قلنا بأنّ مقتضى الأصل فيها عدم التداخل في السبب

٥٣٢

والمسبب وتعدد الأمر والامتثال معاً. إلاّ انّ ظاهر الجملة أخذ حيثية العالم والهاشمي قيداً في طرف المتعلّق للأمر أيضاً في بعض الموارد مثل : ( أكرم العالم ) و ( أكرم الهاشمي ) ، وانّ متعلّق الأمرين اكرام الهاشمي واكرام العالم ، وهما متعلّقان مختلفان للأمر عنواناً ، فليس المتعلّق عنواناً واحداً والشرط سبب للأمر به ليستظهر الانحلالية ولزوم تكراره في الخارج المساوق مع عدم التداخل في المسبب. وبهذا يظهر الوجه فيما ذهب إليه المشهور وأكد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره من أنّ مقتضى الأصل مع فرض وحدة متعلّق الأمرين عنواناً عدم التداخل في المسبب ، ومع فرض تعددهما عنواناً التداخل في المسبب.

ثمّ انّه مع الشك في تداخل الأسباب أو المسببات وعدم وجود ظهور لفظي يقتضي التداخل أو عدمه فقد ذكر السيد الخوئي قدس‌سره بأنّ مقتضى الأصل العملي هو التداخل في الأسباب وعدم التداخل في المسببات من دون فرق بين باب الحكم التكليفي أو الوضعي ، خلافاً للميرزا حيث وافق على ذلك في الأحكام التكليفية ، وامّا في الحكم الوضعي فقال بأنّه لا ضابط كلي لجريان الأصل في موارد الأحكام الوضعية ، فلابد من ملاحظة كل مورد بخصوصه والرجوع فيه إلى ما يقتضيه الأصل الجاري فيه.

امّا وجه التداخل في باب الأحكام التكليفية عند الشك في الأسباب وعدم التداخل في المسببات فلأنّ الشك في التداخل في الأسباب مرجعه إلى الشك في تعدد التكليف ووحدته ، فيكون التكليف الواحد متيقناً والزائد مشكوكاً ، فتجري البراءة عنه ، والشك في التداخل في المسببات مرجعه إلى الشك في سقوط التكليف الثاني بعد الفراغ عن ثبوته بالامتثال الواحد وهو مجرى أصالة الاشتغال.

٥٣٣

وأمّا وجه ذلك في الأحكام الوضعية فلأنّه مع الشك في تعدد المسبب ووحدته يكون الحكم الوضعي الثاني مشكوكاً فيجري استصحاب عدمه لنفيه ومع الشك في تداخل المسبب مع العلم بتعدد الحكم الوضعي ـ كما إذا شك في ارتفاع الحدث الثاني كحدث مسّ الميّت مع الجنابة بغسل واحد ـ يجري استصحاب بقاء الحدث الثاني. فلا فرق بينهما إلاّ انّه في الحكم التكليفي الجاري هو البراءة والاشتغال وفي الحكم الوضعي الاستصحاب النافي للحكم والمثبت له ...

ولنا في المقام تعليقان :

أحدهما ـ يتعلّق بما ذكره في باب الحكم التكليفي ، فإنّ الصحيح فيه جريان الأصل المؤمن في كلا شقيه ، أي سواء كان الشك في تداخل الأسباب أو المسببات ، امّا الأوّل فلأنّه من الشك في التكليف الزائد وهو مجرى البراءة واستصحاب عدم التكليف. وأمّا الثاني فلأنّه وإن كان الشك فيه في السقوط إلاّ انّ كل شك في السقوط ليس منشأً للاحتياط وإنّما موارد أصالة الاشتغال ما إذا كان الشك في السقوط من ناحية فعل المكلّف لا من ناحية الشك في كيفية جعل التكليف الراجع إلى المولى وفي المقام من هذا القبيل ؛ لأنّه من الشك في انّ التكليف والمسبب الثاني هل يتعلّق بعنوان يتحقق خارجاً بالامتثال الأوّل أم لا ، وهذا شك في ما هو متعلّق التكليف بحسب الحقيقة وسعته وضيقه وهو شك في التكليف ومجرى البراءة واستصحاب العدم.

هذا لو اريد أصالة الاشتغال كما هو صريح كلامه.

وإن كان مقصوده استصحاب بقاء التكليف فقد يقال بجريان استصحاب بقاء

٥٣٤

أحد التكليفين على اجماله ، حيث كان يعلم سابقاً بفعلية تكليفين ويشك في سقوطهما أو سقوط أحدهما وبقاء الآخر ، فنجري استصحاب بقاء أحدهما الواقعي وعدم سقوطه ، وهو من استصحاب شخص أحد الحكمين لا الجامع بينهما ليقال بأنّه لا يجري في الأحكام التكليفية حتى إذا كان بنحو الكلي من القسم الثاني ؛ لأنّه جامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل ـ على ما حققناه في محلّه ـ بل هذا من استصحاب بقاء شخص أحد الحكمين وهو قابل للتنجيز.

إلاّ انّ هذا الكلام غير تام ؛ لعدم وحدة متعلّق الوجوبين بناءً على عدم التداخل في المسبب ليجري استصحاب بقاء وجوبه ، بل الجاري استصحاب عدم تعلّق وجوب ثان بفرد آخر من تلك الطبيعة ؛ لأنّه على فرض عدم التداخل في المسبب يكون متعلّق كل من الوجوبين غير ما يمتثل به الآخر ، فالفرد الأوّل من الاكرام مثلاً نعلم انّه واجب إمّا بوجوب واحد أو بوجوبين ـ بناءً على التداخل في المسبب ـ ونعلم بسقوط الوجوب الواحد أو الوجوبين المتعلّقين به ونشك في تعلّق وجوب آخر بفرد آخر غير ذلك الفرد من الاكرام ، أي الوجود الثاني للاكرام ، وهذا مشكوك الحدوث ، فيجري فيه استصحاب العدم فلا يجري استصحاب شخص الوجوب المعلوم واستصحاب كلي الوجوب وجامعه من القسم الثالث الذي لا يجري عند أحد من المحققين ، وهو واضح.

ثانيهما ـ صحّة ما ذهب إليه الميرزا في الحكم الوضعي فإنّه قد يكون الجاري في مورد الشك في تداخل الأسباب ما تكون نتيجته عدم التداخل كما إذا شك مثلاً في تحقق حدث واحد أو حدثين أو نجاسة واحدة أو نجاستين بتعدد السبب وكان الرافع لكل منهما غير الآخر فيجري استصحاب بقاء الحدث أو النجاسة بعد تحقيق أحد الرافعين أو النجاسة ـ وهو جارٍ وإن كان من الكلي القسم الثاني ـ.

٥٣٥

ص ١٩٨ قوله : ( مفهوم الوصوف ... ).

لا وجه لما جاء في المحاضرات من انّ البحث عن مفهوم الوصف ينبغي أن يكون مختصاً بالوصف المعتمد على موصوفه كما في قولك : أكرم الإنسان العالم لا قولك أكرم العالم مستدلاً في وجه ذلك بأنّه لو كان له مفهوم لزم أن يكون للقب مفهوم أيضاً (١).

والوجه في عدم صحة هذا الكلام أنّ الوصف الاشتقاقي كالعالم مدلوله العقلي والعرفي مركب من ذات له المبدأ بحيث يكون المبدأ ملحوظاً فيه كوصف لما هو موضوع الحكم وهذا بخلاف اللقب إلاّإذا كان عرفاً ظاهراً في أخذ حيثية العنوانية بما هو وصف. فيكون التقريب القائل بالمفهوم على أساس احترازية القيود تاماً في هذا القسم من الوصف كالمعتمد على موصوفه تماماً ، إذ ليس المقصود من احترازية القيود عدم لزوم التطويل والزيادة في الكلام بل المقصود به ظهور كل عنوان اشتقاقي يؤخذ في موضوع حكم في دخالة ذلك العنوان فيه ، وهذا لا يفرق فيه بين النحوين من الوصف ، ومما يؤكد هذا الكلام وضوح عدم الفرق في المفهوم الجزئي للوصف والذي يقبله السيد الخوئي قدس‌سره بين أن تقول : ( أكرم الإنسان العالم ) أو تقول : ( أكرم العالم ) ، وكذلك لا فرق بينهما في مسألة حمل المطلق على المقيّد بعد احراز وحدة الجعل.

ثمّ انّه بمراجعة ما ذكر في الكتاب يظهر وجوه اخرى للاشكال في كلمات المحاضرات فراجعها وتأمل.

ص ٢١٣ و ٢١٤ ما جاء في هامش الصفحتين متين.

__________________

(١) راجع ص ١٢٧ ج ٥.

٥٣٦

العام والخاص

ص ٢١٩ قوله : ( الجهة الاولى ـ عرّف العموم ... ).

عرّفه في الكفاية بأنّه استيعاب أو شمول للمفهوم لما يصلح أن ينطبق عليه من أفراده.

وتوضيحه وتنقيحه يكون بالبحث ضمن نقاط :

النقطة الاولى : انّ الاستيعاب والشمول والاحاطة تارة يكون مفاداً من اللفظ وفي مرحلة الدلالة اللفظية للكلام ، واخرى يكون مفاداً في مرحلة التطبيق العقلي ، وأمّا ما هو تمام مدلول اللفظ ذات الطبيعة والمفهوم من دون نظر إلى أفراده ، غاية الأمر العقل يحكم بانطباقه وتحققه واقعاً ضمن كلّ فرد من أفراده ، حيث انّ وجود الفرد وجود للطبيعة ، فالأوّل هو العموم بالمعنى الأخص المقابل للاطلاق.

وكأنّ صاحب الكفاية قدس‌سره يريد افادة هذه الخصوصية بافتراض انّ الاستيعاب والشمول يكون ملحوظاً في مرحلة المفهوم الذي هو المدلول للفظ فلا يكفي مجرد الاستيعاب في مرحلة التطبيق العقلي.

النقطة الثانية : اعترض على صاحب الكفاية في بعض الكلمات بايرادين :

١ ـ انّه عرف العموم لشمول المفهوم لما ينطبق عليه من أفراده مع انّ العموم والخصوص ليسا من صفات المفهوم والمعنى بل من صفات اللفظ.

٥٣٧

٢ ـ انّ هذا التعريف لا يشمل العمومات التي تكون بصيغ الجمع كالعلماء أو جميع العلماء لأنّه يشمل زيداً وعمرواً وخالداً ولكنه لا يصلح لأن ينطبق على كل واحد منه.

وكلا الاعتراضين لا يمكن المساعدة عليهما :

أمّا الأوّل : فلأنّ العموم والخصوص كالاطلاق والتقييد من صفات المفهوم والمعنى ومن العوارض الطارئة عليه واتصاف اللفظ بهما إنّما يكون بتبع المعنى باعتبار علاقة الوضع والاقتران.

وإن شئت قلت : لولا أخذ الاستيعاب والشمول في المفهوم لم يكن يتصف اللفظ بكونه عاماً فالمفهوم مع قطع النظر عما يوضع بأزائه في اللغة تارة يكون مستوعباً لتمام أفراده ، واخرى لا يكون كذلك بل يستوعب بعض أفراده ، والأوّل هو العام والثاني هو الخاص ، فالمركز الحقيقي لهذا الوصف هو المفهوم والمعنى أوّلاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالتبع ، وهذا واضح.

وأمّا الثاني : فلأنّ الجمع المحلّى باللام يكون مركباً من دوال عديدة مادة العالم الدالة على الطبيعة وهيئة الجمع الدالة على الافراد واللام الدال على الاستيعاب ـ بناءً على افادته العموم ـ وسوف يأتي انّ العموم يستفاد من ذلك بنحو المعنى الحرفي ويكون المفهوم المستوعب لأفراده هو اسم الجنس ( العالم ) أو المنطبق على زيد وعمر وخالد.

والحاصل المراد استيعاب المفهوم المستوعب لما يصلح أن ينطبق عليه من افراده ، والمفهوم المستوعب في العموم بصيغة الجمع هو اسم الجنس لا صيغة الجمع بتمامه كما هو الحال في ( كل عالم ) أيضاً ، فإنّ الذي ينطبق على زيد وعمرو وخالد ليس ( كل عالم ) بل عالم ، فتأمل جيداً.

٥٣٨

نعم ، ترد مناقشة اخرى على تعريف صاحب الكفاية حاصلها :

انّ استيعاب مفهوم لما ينطبق عليه إن كان بمعنى أن يلحظ المفهوم الواحد مرآة لتمام أفراده ، فهذا غير معقول على ما تقدم في مبحث الوضع من انّ العنوان الجامع لا يمكن أن يكون فانياً إلاّفي الحيثية المشتركة التي يكون العنوان حاكياً عنها والتي لا تزيد على ذات الطبيعة شيئاً ، وامّا الكثرة والافراد فلا يعقل أن ترى من خلال ذلك العنوان ومن هنا قلنا باستحالة الوضع العام والموضوع له الخاص من دون استعمال مفهوم زائد على الطبيعة والجامع الذي يراد الوضع بأزاء أفرادها ، وإنّما يصحّ ذلك بأخذ مفهوم التكثر أو الافراد مضافاً إلى ذلك الجامع لرؤية أفراده.

وإن اريد أخذ مفهوم الاستيعاب والعموم بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي وضافته إلى مفهوم آخر لكي يستوعب كل أفراده فهذا صحيح إلاّ انّه كان ينبغي تعريفه باستيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر لا استيعاب مفهوم لأفراد نفسه ، فإنّه كاستيعاب اسم المركب لأجزائه ، فإنّه ليس عموماً اصطلاحياً.

ولعلّ مقصود صاحب الكفاية ذلك أيضاً بأن لاحظ المفهومين كمفهوم واحد ؛ لأنّ المفهوم المضاف أو أداة العموم الحرفي ليس إلاّمن أجل ايجاد النسبة الاستيعابية للمفهوم المدخول لأدوات العموم مع أفراده أو أجزائه ، فكأنّ المفهوم والطبيعة المفاد بهما واحد لا متعدد.

ثمّ انّه جاء في تعبيرات جملة من المحققين تقسيم العموم إلى العموم بنحو المعنى الاسمي والعموم بنحو المعنى الحرفي الذي يقصد به واقع الاحاطة والاستيعاب أو النسبة الاستيعابية بين الطبيعة وأفرادها ، وقد يمثل له بالجمع

٥٣٩

المحلى باللام بناءً على استفادة العموم منه. بينما العموم بنحو المعنى الاسمي يراد به نفس مفهوم العموم والشمول والاستيعاب ، وربما يستفاد من تقريرات الشيخ العراقي قدس‌سره (١) انّ العموم حقيقته هو المعنى الحرفي دائماً وامّا العموم الاسمي فما هو المدلول الاسمي فيه هو الكم والمقدار الأعلى والذي لازمه الاحاطة والاستيعاب بنحو المعنى الحرفي. وهذا المعنى وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ انّه لابد من تمحيصه.

وحاصله : انّ الاستيعاب حالة ونسبة بين المفهوم المستوعب والأفراد غاية الأمر هذه الحالة أو النسبة تارة تفاد بدال حرفي يدل على انّ مدلول اسم الجنس وهو الطبيعة قد لوحظت فانية في أفرادها ، واخرى تفاد من خلال مفهوم اسمي تبعي بحاجة إلى الاضافة إلى الطبيعة نظير أسماء الموصول والإشارة ، فكأنّه يكون هناك مفهوم اسمي اضافي لازم الدلالة على ملاحظة الطبيعة بما هي فانية في أفرادها ، وفي هامش الكتاب ص ٢٢٠ ما يفيد في المقام أيضاً فراجع.

النقطة الثالثة : قسّم العموم في كلمات الأصحاب إلى أقسام ثلاثة : البدلي والاستغراقي والمجموعي ، والأوّل هو الذي يكون كل فرد من الأفراد موضوعاً على البدل ، والثاني ما يكون كل فرد منها موضوعاً على حدة وفي عرض موضوعية الفرد الآخر ، والثالث ما يكون الجميع موضوعاً واحداً بحيث يكون كل فرد جزء الموضوع.

ولا إشكال في ذلك ؛ إنّما الاشكال في تخريج ذلك وهل انّ هذه الاقسام ترجع إلى العموم نفسه أم لا؟ فبرزت نظريات عديدة.

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٥٠٤.

٥٤٠