الطريق الى خراسان

كمال السيد

الطريق الى خراسان

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: ٤١٢

ـ أصبحت بلا وزير يا سيدي!

ليس مهمّا ..

كان المأمون واثقاً من النصر .. تحرّكت بيادقه طبقاً لخطّة ذكية ووجد ابن بشير نفسه عاجزاً تماماً .. لقد انتهت اللعبة وانتهت المعركة لصالح المأمون الذي أشار بيده جهة الشمال :

ـ حتى لو انبعث صاحب هذا القبر فلن يستطيع أن يهزمني.

قال ذلك وأشار الى نديمه :

ـ انصرف! ولا تنسَ وصيتي في أظفارك.

ـ الى متى أفعل ذلك؟!

ـ الى أن ينضج الرمّان! .. أفهمت؟

انحنا الرجل بعد أن نهض وغادر المكان ، وقد أصبح رأسه مسرحاً للهواجس ..

وفي غمرة الليل سمع المأمون وهو يأوي الى فراشه صوتاً ينساب وعرف ذلك على الفور ؛ ان الرضا يتلو آيات من القرآن ..

٣٠١

٣٨

وتمرّ الأيام ومضى محرّم الحرام يحمل معه ذكرياته الحزينة وها هو صفر يكاد يلملم آخر لياليه ، وقد أطلّ الخريف يثير لواجع الحزن في قلوب الغرباء والحنين للديار والوطن ..

نضج الرمّان وطالت أظفار ابن بشير حتى بات يستحي من الناس ١٨٠.

وجلس المأمون في الصباح وحيداً .. كعنكبوت تنسج بيتاً كان يعمل .. فتح صرّة فيها مادّة بيضاء تشبه دقيق الذرة ... وأمسك بأبرة تشبه سلكاً دقيقاً وراح يهيل عليها المادّة .. ثم يزرقها في حبّات عنب كان في إناء زجاجي ... كانت عملية التزريق تتم بدقّة وحذر وفي جانب واحد من الاناء! ... وقد عربد

٣٠٢

الشيطان فوق الرأس المطأطئ للخطيئة ..

وفي الضحى أرسل المأمون من يستدعي له الامام .. وكان المأمون ومن أجل أن يتظاهر بالقداسة يتوضأ .. وغلام يصبّ الماء على يده ..

قال الامام :

ـ يا أمير المؤمنين لا تشرك بعبادة ربّك أحداً ١٨١.

فأسرّها المأمون في نفسه ولم يبدها له واكتفى بأن خاطب غلامه بقسوة :

ـ هات الابريق ..

استكمل المأمون وضوءه وكان ينظر بطرف عينيه الى الامام الذي جلس على سجّادة فارسية مزينة بالنقوش ..

كانت شمس الخريف تغمر أشجار الرمّان بالنور والدفء وبدت مساقط النور والظلال لوحة متناغمة الألوان.

قال المأمون وهو يناول الامام عنقود عنب :

ـ يا أبا الحسن ما رأيت عنباً أحسن من هذا؟

أجاب الامام وقد أوجس خيفة :

ـ ربما كان عنباً أحسن منه في الجنّة.

ـ كل يا أبا الحسن!!

٣٠٣

ـ لا أشتهي!

قال المأمون بغيظ مكتوم :

ـ إنّك لتحب العنب فما يمنعك؟! أم أنّك تتهمني بشيء؟!

قال ذلك وتناول حبّة لم تطالها زرقات الأبر المسمومة ..

أدرك الامام أنه يقف وجهاً لوجه أمام النهاية .. إنّ إغتياله قرار لا رجعة منه .. أخذ عنقود الموت وتناول ثلاث حبّات .. ورمى بالعنقود! ونهض ..

نظر الى المأمون نظرات نفّاذة .. قال المأمون مرتبكاً :

ـ إلى أين؟!

أجاب الامام بصوت فيه حزن الانبياء.

ـ الى حيث وجهتني ...

وغادر الامام المكان عائداً الى حجرته .. وقد شعر بألم يشبه سكيناً تغوص ببطء وقسوة في كبده .. وأن روحه تنزف وقلبه الكبير قد بات عاجزاً عن تحمّل الحياة في عالم يعجّ بالشرور ..

لزم الامام فراشه ذلك اليوم .. أمّا المأمون فقد فعل الشيء نفسه وتظاهر بالمرض ١٨٢ ثم يرسل غلامه الى الامام :

ـ إن أمير المؤمنين يقول هل يوصيني الرضا بشيء أو

٣٠٤

ينصحني فيما أفعل؟ أجاب الامام وهو يشير الى قلب الحقيقة :

ـ« قل له : يوصيك أن لا تعطي أحداً ما تندم عليه » ١٨٣.

وكان المأمون يترقب .. يترقب صرخة .. مناحة .. ولكن لا شيء لعلّ ثلاث حبّات لا تكفي في اغتيال من لا تحبّه بغداد اللعوب .. ساءت حالة الامام ودهمته حمّى شديدة .. وانتشر نبأ العنب في أروقة القصر وخارجه .. وعمد المأمون الى التزام الفراش .. متمارضاً .. لكن الحمّى لم تدهمه وكان جسده كتلة من اللحم البارد لا مشاعر ، ولا عاطفة ، ولا رحمة في ذلك القلب الذي يشبه كتلة من الرصاص!

وانتابته هواجس ... ماذا لو تحدّث الرضا عن مؤامرة اغتياله؟ ماذا لو همس بذلك الى أصحابه وبعض قادة الجيش .. من الذين لمح في عيونهم وسلوكهم احتراماً وحبّاً له ..

ودخل جاسوس من الذين يراقبون بيت الامام قائلاً له :

ـ إن هرثمة بن أعين قد جاء يعود الرضا ١٨٤.

صاح بعصبية :

ـ وماذا تفعل هنا أيها الأحمق؟! اذهب واصغ لما يقولون!

ـ لقد فعلت ذلك ولكني لم التقط حتى كلمة واحدة ..

٣٠٥

فالرضا يتحدّث بصوت واهن .. وهرثمة مطرق برأسه .. ولعلّه كان يذرف الدموع.

ـ اذهب واحضر ابن بشير.

ـ سمعاً وطاعة يا سيّدي.

وجاء إبن بشير وقد بدا عليه التوجّس .. وقال مبادراً :

ـ يا أمير المؤمنين! نضج الرمّان.

ـ أعرف ذلك .. افتح ذلك الصندوق وآتني بالمزور المختوم ..

واحضر ابن بشير منديلاً أصفر اللون .. قال المأمون :

ـ فضّ الختم! وادخل يديك وقلب الدواء الذي فيه ...

وكان ابن بشير يفعل كل ما يؤمر ولا يسأل ... ورأى فيه ما يشبه طحين الذرة البيضاء ... وظلّ يقلّب كفيه داخل الطحين الأبيض العجيب حتى امتلأت أظفاره ... نهض المأمون وأعاد المزور الى مكانه .. ثم التفت الى غلامه :

ـ والآن هيّا لنعود الرضا فإنه محموم!

ـ؟!!

ـ ما لك تنظر كالأبله؟!

وتظاهر بالاجهاد وهو يخطو خارج حجرته متجهاً الى باب تؤدي الى حجرة الامام ..

٣٠٦

وحاول الامام النهوض أدباً ، فأشار اليه المأمون بالتزام الفراش ، وجلس قريباً من وسادته .. وغادر هرثمة بعد أن حيّا المأمون .. ساد صمت مهيب كسره الخليفة بقوله :

ـ إنّك محموم يا أبا الحسن .. والصواب أن تمصّ رمّاناً أو تشرب ماءه!

قال الامام بصوت واهن :

ـ ما بي إليه حاجة.

ـ لابدّ من ذلك .. أقسم بحقّي عليك! وصاح على خادم في الباب :

ـ اقطف لنا رمّانة!

وجاء الخادم برمّانة الموت ..

قال المأمون مخاطباً ابن بشير الذي ما يزال مشدوهاً بما يجري :

ـ تقدّم فقشرها وفتّها!

هنا لك أدرك العبد دوره القذر في اغتيال الحقيقة. مدّ كفّه التي تشبه مخالب ذئب وتناول الرمّانة وأحضر الخادم كأساً من البلور ..

٣٠٧

وراحت المخالب البشرية تفتت حبّات الرمان في الكأس البلوري .. وذرّات بيضاء تتساقط كسمّ الأفاعي حتّى اذا امتلأ الكأس أخذه المأمون بشماله ، وأمسك بملعقة الموت فملأها حبّات رمّان مداف بالسم ..

كان الامام يتمتم بآيات القرآن ، ثم تناول ملعقة ثم أخرى وملعقى ثالثة وقدّم المأمون ملعقة رابعة ... فقال الامام وهو ينظر الى رجل يحمل سيماء قابيل :

ـ حسبك .. قد بلغت مرادك ..

قال ذلك وأدار وجهه نحو شرفة تطلّ على أشجار الرمّان وقد غمرتها أنوار شمس خريفية باهتة ١٨٥ ..

ونهض المأمون وقد انبعثت في نشوة تشبه فرحة حفار القبور لدى قدوم جنائز الاطفال!

وكان الامام يواجه مصيره بشجاعة .. وقد بدت الاشياء بلا ظلال في عالم غائم والزمن نهراً صغيراً يدندن بصوت رقيق مخترقاً شجيرات الرمّان .. واجتاحت موجة من القلق الذين تخفق قلوبهم بحب الرجل المدني الذي تخطّى الخمسين ١٨٦ بعام ..

وتحلّقت النفوس المحزونة حول انسان يواجه نهايته ..

٣٠٨

وقد انبسجت في العيون دموع .. دموع مضخمة بالذكريات .. بالوفاء .. بالغضب .. بالوداع ...

وكان الامام قد بدا في لحظات فريدة من الاتحاد مع الوجود والكون الحقيقية الوحيد ..

وهتف « ياسر » في أعماقه المتفجّرة غضباً :

ـ اللعنة على ذئب بني العباس .. اللعنة على هذا الذئب الذي يرتدي فراء الثعالب!

شمس الخريف تجنح نحو المغيب ، والروح العظيم تسطع .. تتأهب للرحيل .. والامام يردد على وهن كلمات السماء ١٨٧ .. كلمات جاء بها جبريل الى الأرض :

ـ ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم ).

وفتح الامام عينيه قائلاً لياسر :

ـ هل أكل الناس شيئاً.

أجاب ياسر تخنقه عبرة :

ـ ومن يأكل مع ما أنت فيه؟!

وتماسك الامام على نفسه ليجلس وكان جسده ينوء بالروح التي تريد الرحيل:

٣٠٩

ـ هاتوا المائدة! ..

والتفت الى صاحبه الوفي :

ـ لا تدع أحداً ..

وراح ينادي ـ وقد وهن الصوت منه ـ البواب والسائس وعلى رجال من أفريقا والروم .. وجاءوا كلهم فجلسوا حول مائدة في مشهد يشبه لوحة العشاء الأخير للمسيح.

وراح الامام يتفقدهم واحداً واحداً بنظرات تفيض حبّاً ورحمة .. ولمّا شبعوا وارتفعت المائدة ... هوى الامام فوق وسادته وقد أغمي عليه ..

المغيب يرش الروابي الآخر جمرات الخريف .. وعاد الانسان المقهور الى وعيه .. وكانت نظراته الواهنة في ذلك الغروب هي آخر نظرة الى هذا العالم المثقل بآلام الانسانية ..

وانسابت كلمات بصوت واهن فكانت آخر ما سمعه الذين تحلّقوا حوله وهم يذرفون الدمع بفجيعة .. تمتم الإمام وقد أزفت لحظة الرحيل :

ـ ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) ١٨٨.

وأغمض عينيه وقد انطفأت شمس ذلك اليوم ١٨٩ ، وتكاثفت ظلمة الغروب كرماد يتراكم في أفق كئيب ..

٣١٠

ودوّت مناحة كربلائية .. وغمرت القصر ظلمة مخيفة وظلّت القناديل مطفأة .. لقد انطفأت الشمس ، وظهر الشيطان يعربد .. يرقص جذلاً فوق جثة هابيل ... وجاء قابيل .. جاء المأمون يذرف دموع التماسيح وليجأر أمام صمت الامام :

ـ ما أدري أي المصيبتين أعظم عليّ ... فقدي لك وفراقي إيّاك أو تهمة الناس لي أني اغتلتك .. وقتلتك » ١٩٠.

وانطلق أحدهم لإخبار محمد بن جعفر عمّ الامام ..

ولكنّه فوجئ بحراسة مكثّفة وأوامر مشدّدة بعدم مغادرة القصر أيّ كان ولأيٍّ من الاسباب! ..

ووضعت كتائب خاصّة في حالة استنفار قصوى ، وانتشر جواسيس لهم أنوف كأنوف الكلاب في صفوف الجيش تحسّباً لردود الفعل!

ولم يعلن عن وفاة الامام الا بعد يوم وليلة ١٩١ ، وفي أخريات صفر سنة ٢٠٣ أيلول سنة ٨١٨ م رحل الروح العظيم وجرت مراسم الغسل حسب وصيته ..

وكان المأمون قد أرسل وراء محمد بن جعفر وجماعة من الطالبيّين ليشهدوا على وفاة الامام في ظروف طبيعية ١٩٢ وانه رحمه‌الله لم يتعرّض الى عملية اغتيال!

٣١١

وبالرغم من تظاهر المأمون بالفجيعة ، وتظاهره بالجزع وما سمع عنه قبل مراسم الغسل : « وقد كنت أؤمل أن أموت قبلك » ١٩٣.

فقد بدأ الحديث عن اغتيال الامام بالسم ١٩٤ وحكايات عن العنب المشبوه وعصير الرمّان!

جرت مراسم الغسل في صباح اليوم الثالث ونقل الجثمان الى مسجد القرية للصلاة عليه ، وفي أجواء ملبّدة بالغيوم وقد ساد التوتّر وعمّ الحزن قرية « سناباد » التي لم تنس ذلك الرجل الاسمر الذي توقف عندها قبل ثلاثة أعوام وبارك أهلها وجبلاً فيها ..

اتجه الموكب المهيب الى قصر حميد بن قحطبة مرّة أخرى الى حيث قبر هارون الرشيد ..

وغمغم المأمون بعد أن أهيل التراب :

ـ « ليغفر الله لهارون » ١٩٥!

وكان محمد بن جعفر يكفكف دموعه بحزن وتذكّر أخاه موسى الذي توفى مسموماً في بغداد ..

ياللقدر! قتل هارون موسى ، وقتل ابن هارون ابن موسى!

٣١٢

وعاد المشيّعون ، ولم يبق أحد سوى المأمون الذي قرّر المرابطة عند القبر .. وانه سيصوم ثلاثة أيام .. وعندما تكاثف ظلمة الليل أرسل المأمون من يحضر له هرثمة بن أعين ..

لم يتناول المأمون في العشاء سوى كسرة خبز وقليلاً من الملح ..

وجاء هرثمة ليجلس قبالة الذئب الذي يرتدي فراء الثعلب وفاحت رائحة طين معطور .. وبكى هرثمة على الرغم منه .. فتساءل المأمون :

ـ هل قال الرضا شيئاً أول أمس؟؟

ولم يستطع هرثمة كتمان الحقيقة

ـ قال لي : « يا هرثمة هذا أوان رحيلي الى الله ولحوقي بجدّي وآبائي .. لقد بلغ الكتاب أجله .. وقد عزم هذا الطاغي على سمّي في عنب ورمّان » ١٩٦.

وانتحب المأمون أو تظاهر بذلك وألقى نفسه على تراب القبر :

ـ ويل للمأمون من الله .. ويل من رسول الله ويل له من علي بن أبي طالب ويل .. ويل للمأمون من فاطمة .. هذا والله الخسران المبين ١٩٧.

٣١٣

ثم قال وهو يتحاشى النظر الى هرثمة :

ـ يا هرثمة اكتم ذلك ولاتذعه.

وقال بعد صمت ثقيل :

ـ انصرف!

ونهض هرثمة ليغادر المكان فالحديقة عائداً القرية .. ولكنه لم يصل اليها .. ووجد في اليوم التالي جثّة على قارعة الطريق!

أمّا ابنه حاتم فقد كان يحمل معه مرسوماً بتعيينه حاكماً على أرمينيا وآذربيجان ١٩٨.

أنهى المأمون صيام اليوم الثالث ليعلن عزمه على استئناف السفر في طريق العودة الى بغداد ...

وفي جرجان لقي محمد بن جعفر مصرعه مسموماّ ١٩٩ أما حاتم بن هرثمة فقد عثر عليه ميتاً ٢٠٠ في حديقة قصره وفي ظروف غامضة!

وهكذا كان المأمون يمضي قدماً باتجاه بغداد ، وطاحونة الموت الغامضة ما انفكّت تلتهم رجالاً قضوا نحبهم وآخرون ينتظرون ...

وبغداد تستقبل حفيد المنصور الذي عاد الى ارتداء زيّ

٣١٤

أجداده الأسود ٢٠١ فيبني القصور الجديدة ٢٠٢على ضفاف دجلة ويضاعف الضرائب على مدينة قم ..

وبغداد تعود الى اللهو واللعب .. والتجارة .. والفارس الذي يتربع فوق القبة الخضراء يشير برمحه الطويل الى الأفق الذي تشتعل فيه الثورات ٢٠٣ ...

ودجلة تتدافع أمواجه .. وتمضي الايام

٣١٥

ليست نهاية

اشرقت الشمس في سماء صافية الا من نتفات غيوم مبعثرة هنا وهناك .. وكفّت الرياح عن الهبوب وكانت تسفي الثلوج طوال الليل ...

وارتدى السيد محمد بدلته ليقف في بوابة الحرم وغمرت الشمس بأنوارها المتلالئة القباب والمنائر ...

محمد ما يزال تحت تأثير الرؤيا .. وما يزال الصوت الملائكي الذي سمعه في عالم المنام يدور في أعماقه المتأججة ..

الزائرون من أهل قم يتوافدون .. وبعضهم يؤدي التحيّة وهو يتقدّم باتجاه القبّة ..

وقريباً من البوابة جلس مسافرون يتدثرون بملابس صوفية ويتناولون الشاي ... ويتبادلون نتف الاحاديث ..

وهزّ أحدهم رأسه وهو يقول :

٣١٦

ـ كيف نشكر السيّدة العلويّة على حسن صنيعها الليلة الفائتة؟!

ـ كان « كولاكاً » ٢٠٤ عنيفاً ... وضاعت علينا الطريق.

ـ لو تأخرت إضاءة المنائر لدقائق لكنّا من الهالكين ٢٠٥.

ـ فجأة رأيت نوراً يتألق يشبه نور الفنارات في المرافئ ..

ـ أهل البيت يا رفيقي مرفأ التائهين ..

ـ بعد غدٍ سنتوجه الى مشهد لزيارة شقيقها الرضا عليه‌السلام.

ـ دعنا نمكث أيّاماً في ضيافة المعصومة ثم نتوكّل على الله ..

وكان الرضوي يصغي مأخوذاً الى نتف أحاديث المسافرين .. فتقدّم اليهم وقد امتلأت عيناه بالدموع قائلاً :

ـ يا أخوتي أنا الذي أضأت المنائر .. ولم أفعل ذلك من نفسي .. رأيت في عالم الرؤيا فتاة كالحوريّة .. يغمرها النور .. خاطبتني :

ـ قم! وأسرج قناديل المنائر .. قالت ذلك ثلاث مرّات.

هتف مسافر مبهوراً :

ـ يعني ان المنائر لا تضاء في مثل ذلك الوقت؟!

أجاب الرضوي :

ـ لا .. إنّنا نطفئ القناديل قبل منتصف الليل ، ثم نسرجها عند الفجر ساعة واحدة!

وترقرقت العيون دموعاً .. حبّا ومودّة وخشوعاً ..

٣١٧

وسجّل السيد محمد الرضوي تفاصيل هذه الكرامة ..

وفي كل عام وعندما تحين الذكرى الدافئة .. كان محمد يسرج قناديل المنائر .. احتفالاً بتلك المناسبة ..

وفي تلك الساعات من كل عام وعندما تهطل الثلوج ... ثلوج بهمن الغزيرة يشاهد المسافرون منائر تشع بالضوء كمفرأٍ يتألق بالأنوار ..

١٥ رمضان الكريم ١٤١٩ هـ

٣١٨
٣١٩

ما وراء السطور

٣٢٠