أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٨
الحقيقيّة ، بل العرفيّة ، المتحقّقة بالتساوي في النظر بتفاوت قليل يسامح فيه عرفا ، سيّما مع حصول التراضي ، ومع ما تشعر به أخبار كثيرة من نفي البأس عن القليل من الزيادة والنقصان.
ومع التشاحّ في درك الفضيلة ، قيل : يقدّم من بيده المكيال والميزان (١).
وهو لا يقطع التشاحّ إذا وقع في المباشرة.
وقيل : البائع ، لأنّ الوزن عليه (٢).
وهو لا ينفي استحباب الأخذ ناقصا.
وقيل بالقرعة (٣).
ومنها : تقديم الاستخارة ـ أي طلب الخيرة من الله سبحانه ـ والوضوء والتكبير في طلب الرزق ، وكونه سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء ، للأخبار وفتاوى الأصحاب.
وأمّا ما ورد من الأمر بمماكسة المشتري وإن أعطى الجزيل (٤) فمحمول على الجواز ، أو على ما رواه السكوني : « أنزل الله تعالى على بعض أنبيائه عليهمالسلام : للكريم فكارم ، وللسمح فسامح ، وعند الشكس فالتو » (٥).
__________________
(١) انظر الروضة ٣ : ٢٩١ ، المفاتيح ٣ : ٢٠.
(٢) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٣٣.
(٣) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٣٣.
(٤) الفقيه ٣ : ١٢٢ ـ ٥٣٠ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٥ أبواب آداب التجارة ب ٤٥ ح ٢.
(٥) الفقيه ٣ : ١٢١ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٨ أبواب آداب التجارة ب ٤ ح ٣ ، والشكس : الاختلاف والتنازع ـ مجمع البحرين ٤ : ٧٨.
الفصل الثاني
فيما يكره ارتكابه
وهي أيضا أمور :
منها : عيب ما يشتري وحمد ما يبيع وإن كان صادقا.
لإطلاق مرفوعة ابن عيسى : « أربع من كنّ فيه طاب مكسبه : إذا اشترى لم يعب ، وإذا باع لم يحمد ، ولم يدلّس ، وفيما بين ذلك لا يحلف » (١).
ورواية السكوني : « من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلاّ فلا يبيعنّ ولا يشترينّ : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد إذا باع ، والذمّ إذا اشترى » (٢) ، وهي وإن تضمّنت للأمر والنهي إلاّ أنّ الإجماع على عدم الحرمة عند الصدق يعيّن حملها على مطلق الطلب أو التخصيص بالكذب.
ومنها : الحلف بالبيع والشراء ـ بل مطلقا ـ وإن صدق فيه ، لما مرّ ، ولأنّه يذهب بالبركة ، كما نطقت به المستفيضة (٣).
وروى الصدوق عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « ويل لتجّار أمّتي من لا والله بلى والله » (٤).
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٥٣ ـ ١٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٤ أبواب آداب التجارة ب ٢ ح ٣.
(٢) الكافي ٥ : ١٥٠ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ ـ ٥١٥ ، التهذيب ٧ : ٦ ـ ١٨ ، المقنعة : ٩١ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٣ أبواب آداب التجارة ب ٢ ح ٢. وهو في الخصال ١ : ٢٨٥ ـ ٣٨.
(٣) الوسائل ١٧ : ٤١٩ أبواب آداب التجارة ب ٢٥.
(٤) الفقيه ٣ : ٩٧ ـ ٣٧١ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٠ أبواب آداب التجارة ب ٢٥ ح ٥.
وفي الأمالي عن الصادق عليهالسلام : « إنّ الله تبارك وتعالى ليبغض المنفق سلعته بالأيمان » (١) ، إلى غير ذلك.
ومنها : البيع في الظلمة وموضع يستر فيه العيب ، لأنّه مظنّة ستر العيب ، ولصحيحة هشام : « إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ حرام » (٢) ، وحملها على الكراهة لعدم كونه غشّا حقيقة ولا تدليسا ، فعلى المشتري أن يخرج المتاع إلى حيث يتمكّن من ملاحظته ، ولعدم القائل به من الأصحاب.
ومنها : تزيين متاعه بأن يظهر جيّده ويكتم رديّه ، بل ينبغي إظهار الكلّ ، لما مرّ ، ولما روي : « أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاعل ذلك : ما أراك إلاّ قد جمعت خيانة وغشّا للمسلمين » (٣) ، والتقريب ما مرّ.
ومنها : الربح على المؤمن ، قالوا : إلاّ إذا كان شراؤه للتجارة أو يشتري بأكثر من مائة درهم.
لرواية سليمان بن صالح وأبي شبل : « ربح المؤمن على المؤمن ربا ، إلاّ أن يشتري بأكثر من مائة درهم ، فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم » (٤).
ولا يخفى أن فاعل قوله « يشتري » و : « يشتريه » يمكن أن يكون
__________________
(١) الأمالي : ٣٩٠ ـ ٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٠ أبواب آداب التجارة ب ٢٥ ح ٦.
(٢) الكافي ٥ : ١٦٠ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ ـ ٧٧٠ ، التهذيب ٧ : ١٣ ـ ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٦ أبواب آداب التجارة ب ٥٨ ح ١.
(٣) الكافي ٥ : ١٦١ ـ ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣ ـ ٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٨٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦ ح ٨.
(٤) الكافي ٥ : ١٥٤ ـ ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ ـ ٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٩ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٦ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ١.
المؤمن الأول وأن يكون الثاني ، والأكثر حملوه على الثاني ، ولاحتمال الأمرين يشكل استثناء كلّ منهما ، وإن كان الظاهر ما فهمه الأكثر.
نعم ، لا إشكال إذا كانا معا كذلك.
وفي المحاسن : « ربح المؤمن على المؤمن ربا » (١).
وفي عقاب الأعمال : « ربح المؤمن ربا » (٢).
وإنّما حملوها على الكراهة قيل (٣) : للتصريح بالجواز في رواية عمر السابري ـ بعد قوله : إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرام هو من الربا ـ : فقال : « هل رأيت أحدا اشترى غنيّا أو فقيرا إلاّ من ضرورة؟! يا عمر قد أحلّ الله البيع وحرّم الربا ، واربح ولا ترب » (٤) ورواية ميسر (٥) المتقدّمة ، ولسائر عمومات المرابحة (٦).
ولا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ ، لاختصاصه بالمؤمن ، ولمكان الاستثناء ، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص أيضا.
ولا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ ، لاختصاصه بالمؤمن ، ولمكان الاستثناء ، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص
__________________
(١) المحاسن : ١٠١ ـ ٧٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٧ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ٣.
(٢) عقاب الأعمال : ٢٣٩ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٨ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ٥.
(٣) انظر الرياض ١ : ٥٢٠.
(٤) الفقيه ٣ : ١٧٦ ـ ٧٩٣ ، التهذيب ٧ : ١٨ ـ ٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٧ أبواب آداب التجارة ب ٤٠ ح ١.
(٥) الكافي ٥ : ١٥٣ ـ ١٩ ، التهذيب ٧ : ٧ ـ ٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٧٠ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٧ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ٢.
(٦) الوسائل ١٧ : ٤٤٧ أبواب آداب التجارة ب ٤٠.
أيضا.
فالأولى أن يستند في الجواز إلى الإجماع ، وبرواية سالم ـ بعد سؤاله عن الخبر الذي روي أنّ ربح المؤمن ربا ـ : « ذاك إذا ظهر الحقّ وقام قائمنا أهل البيت ، فأمّا اليوم فلا بأس أن يبيع من الأخ المؤمن ويربح عليه » (١) ، بل يمكن نفي الكراهة اليوم ـ كما قيل (٢) ـ بذلك.
وقد تضعّف الكراهة أيضا بعمل المسلمين والمؤمنين في الأعصار والأمصار من دون التزام ذلك ، بل ولا مراعاته أصلا.
ويكره الربح على من يعده بالإحسان في البيع ، لقول الصادق عليهالسلام : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أحسن بيعك ، حرم عليه الربح » (٣) ، والحمل على الكراهة للإجماع.
والاستدلال بأنّ أقلّ الإحسان إليه التولية ، ضعيف.
ومنها : السوم ما بين الطلوعين ، لمرفوعة ابن أسباط : « نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » (٤) ، والمستفيضة المصرّحة : بأنّ الجلوس للتعقيب بعد صلاة الصبح أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض وركوب البحر (٥). ولا ينافي ذلك استحباب التبكير ،
__________________
(١) التهذيب ٧ : ١٧٨ ـ ٧٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٠ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٧ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ٤.
(٢) انظر الحدائق ١٨ : ٢٧.
(٣) الكافي ٥ : ١٥٢ ـ ٩ ، التهذيب ٧ : ٧ ـ ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ ـ ٧٧٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٥ أبواب آداب التجارة ب ٩ ح ١.
(٤) الكافي ٥ : ١٥٢ ـ ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٢ ـ ٥٢٩ ، التهذيب ٧ : ٨ ـ ٢٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٩ أبواب آداب التجارة ب ١٢ ح ٢.
(٥) الوسائل ٦ : ٤٢٩ أبواب التعقيب وما يناسبه ب ١.
لأنّه محمول على أول النهار.
ومنها : الاشتغال بالكسب في الليل كلّه ، لرواية البصري الشعيري : « من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام » (١).
ومنها : الاستهانة بقليل الرزق ، لرواية إسحاق بن عمّار : « من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير » (٢).
ومنها : ركوب البحر للتجارة ، لما رواه محمّد : إنّ أبا جعفر وأبا عبد الله كرها ركوب البحر للتجارة (٣).
ومرفوعة عليّ : « ما أجمل في طلب الرزق من ركب البحر للتجارة » (٤) ، وغيرهما من المستفيضة.
ومنها : دخول السوق أولا والخروج آخرا ، بل يبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه سريعا ، لأنّه مأوى الشياطين كما أنّ المسجد مأوى الملائكة ، فيكون على العكس.
ففي المرسل : « شرّ بقاع الأرض الأسواق ، وهي ميدان إبليس ، يغدو برايته ويضع كرسيّه ويبثّ ذريته ، فبين مطفّف في قفيز ، أو طائش في ميزان ، أو سارق في ذرع ، أو كاذب في سلعة ، فيقول : عليكم برجل مات
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٧ ـ ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ١٧ : ١٦٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٤ ح ٢.
(٢) الكافي ٥ : ٣١١ ـ ٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ ـ ٩٩٣ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٠ أبواب آداب التجارة ب ٥٠ ح ٣.
(٣) الكافي ٥ : ٢٥٦ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٤٠ أبواب ما يكتسب به ب ٦٧ ح ١.
(٤) الكافي ٥ : ٢٥٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٤١ أبواب ما يكتسب به ب ٦٧ ح ٦.
أبوه وأبوكم حيّ ، فلا يزال مع ذلك أول داخل وآخر خارج » (١).
ونحوه المروي في المجالس بزيادة : « أبغض أهل الأسواق أولهم دخولا إليها وآخرهم خروجا منها » (٢).
ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره ، ولا بين أهل السوق عادة وغيرهم.
ومنها : معاملة السفلة ، وهم الذين لا يسرّهم الإحسان ولا تسوؤهم الإساءة ، أو من يضرب بالطنبور ، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه.
وفي الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار (٣) ، ولكن في رواية السيّاري (٤) ما يدلّ على اختصاصه بالأخير.
وفي كلام جماعة : الأدنين (٥) ، بدل السفلة ، وفسّر ـ مع ما مرّ ـ بالذين يحاسبون على الشيء الدون.
وذوي العاهات ، أي النقص في أبدانهم ، والآفة فيها من البرص ، والجذام ، والعمى ، والعرج ، ونحوها.
والأكراد ، وهم معروفون.
كلّ ذلك للأخبار (٦) ، إلاّ أنّ المنهيّ عنه في الأخير المخالطة دون المعاملة.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٢٤ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٨ أبواب آداب التجارة ب ٦٠ ح ١ ، وفيه بتفاوت. والقفيز : مكيال يتواضع الناس عليه ، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك ـ مجمع البحرين ٤ : ٣١.
(٢) أمالي الطوسي : ١٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٩ أبواب آداب التجارة ب ٦٠ ح ٢.
(٣) الفقيه ٣ : ١٠٠ ذيل الحديث ٣٩٢.
(٤) مستطرفات السرائر : ٤٩ ـ ١٠ ، المستدرك ١٣ : ٢٦٩ أبواب آداب التجارة ب ١٩ ح ٢.
(٥) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٩٣.
(٦) الوسائل ١٧ : ٤١٥ و ٤١٦ و ٤١٧ أبواب آداب التجارة ب ٢٢ و ٢٣ و ٢٤.
وكذا تكره معاملة المحارف ، وهو المحروم الممنوع ، وهو خلاف المبارك.
وخصوص الاستقراض ، بل مطلق طلب الحاجة ممّن لم يكن فكان ، أي من أصاب ماله حديثا.
ومشاركة الذمّي ، وإيضاعه ، وإيداعه.
والاستعانة بالمجوس ولو على أخذ قوائم شاتك وأنت تريد ذبحها ، كما في المرسل (١).
ومنها : الشكوى على إنفاق رأس المال وعدم الربح ، ففي رواية جابر : « يأتي على الناس زمان يشكون فيه ربّهم » قلت : وكيف يشكون ربّهم؟ قال : « يقول الرجل : والله ما ربحت شيئا منذ كذا وكذا ، ولا آكل ولا أشرب إلاّ من رأس مالي ، ويحك هل أصل مالك وذروته إلاّ من ربّك؟! » (٢).
ومنها : التعرّض للكيل والوزن إذا لم يحسنه ، للمرسل : قلت : رجل من نيّته الوفاء ، وهو إذا كال لم يحسن الكيل ، قال : « فما يقول الذين حوله؟ » قلت ، يقولون : لا يوفي ، قال : « هذا لا ينبغي أن يكيل » (٣).
وفي الروضة : قيل : يحرم ، للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم ، وحمل على الكراهة (٤). انتهى.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٠٠ ـ ٣٩١ ، أمالي الطوسي : ٤٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٤١٧ أبواب آداب التجارة ب ٢٤ ح ١ و ٧.
(٢) الكافي ٥ : ٣١٢ ـ ٣٧ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٢ أبواب آداب التجارة ب ٥٣ ح ١.
(٣) الكافي ٥ : ١٥٩ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٢٣ ـ ٥٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٢ ـ ٤٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٤ أبواب آداب التجارة ب ٨ ح ١.
(٤) الروضة ٣ : ٢٩٤.
ولم نقف على هذا النهي.
وأمّا المرسل ، فمع اختصاصه بالكيل غير ظاهر في النهي ، بل مشعر بالكراهة. إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ الوفاء واجب يجب امتثاله ، وحصل الاشتغال به ، فلا بدّ من تحصيل البراءة اليقينيّة أو الظنّية المعتبرة ، وهي غير حاصلة بالنسبة إلى هذا الشخص ، فالقاعدة تقتضي تحريمه عليه.
ولكن تحصيل البراءة بالتراضي أو الزيادة ـ بحيث يحصل العلم بالوفاء ـ ممكن.
ومنها : الاستحطاط من الثمن بعد العقد ، لأنّه صار ملكا للبائع ، فيندرج تحت قوله تعالى ( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (١).
ولرواية الكرخي الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وفيها ـ بعد السؤال عن الاستحطاط ـ : قال : « لا ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة » (٢).
وصحيحة الشحّام : « الوضيعة بعد الصفقة حرام » (٣).
وظاهر هذه وإن كان الحرمة ، إلاّ أنّهم حملوها على الكراهة ، لرواية أبي العطارد الصحيحة عن صفوان ـ الذي أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه ـ : أشتري الطعام فأوضع في أوله وأربح في آخره ، وأسأل صاحبي أن يحطّ عنّي في كلّ كرّ كذا وكذا ، فقال : « هذا لا خير فيه ، ولكن يحطّ عنك
__________________
(١) الأعراف : ٨٥.
(٢) الكافي ٥ : ٢٨٦ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ ـ ٦٤١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ ـ ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٢ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٣) الكافي ٥ : ٢٨٦ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٧ ـ ٦٤٦ ، التهذيب ٧ : ٨٠ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٦ ، وفي الجميع بتفاوت.
جملة » ، قلت : فإن حطّ عنّي أكثر مما وضعت؟ قال : « لا بأس » (١).
ورواية معلّى : الرجل يشتري المتاع ثمَّ يستوضع ، قال : « لا بأس » ، وأمرني فكلّمت له رجلا في ذلك (٢).
ورواية يونس بن يعقوب : الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير ان يحمله على الكره ، قال : « لا بأس به » (٣). وقريبة منها روايته الأخرى (٤).
وروايتي أبي الأكراد ، وفيهما : فأشارط النقّاش على شرط ، وإذا بلغ الحساب فيما بيني وبينه استوضعه على الشرط ، قال : « فبطيبة نفس منه؟ » قلت : نعم ، قال : « نعم ، لا بأس » (٥).
وهذه الأخبار وإن كان أكثرها ضعيفة سندا ، ولكن ذلك غير ضائر عندنا ، سيّما مع الاعتضاد بالشهرة العظيمة.
وقد تحمل أخبار الجواز على الاستيهاب ، وفيه ما فيه.
ثمَّ المستفاد من الصحيحة : كراهة قبول حطّ البائع بدون الاستحطاط
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٧٩ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨ ـ ١٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٥.
(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ـ ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٣.
(٣) الفقيه ٣ : ١٤٦ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٤ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٧ وفيهما : يوسف بن يعقوب.
(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ـ ١٠١٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٤ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٤.
(٥) الاولى في : التهذيب ٧ : ٢٣٤ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٢ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٢ ، بتفاوت.
الثانية في : الكافي ٥ : ٢٧٤ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢١١ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١٩ : ١٣٢ كتاب الإجارة ب ٢٣ ح ٣.
أيضا ، ولا بعد فيه.
ومنها : دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء ، بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه ليقدّمه البائع ، أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتّفق عليه هو والبائع ، والحاصل : أن يستميل أحد المتساومين إلى نفسه ، لنهي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في خبر المناهي ، قال : « لا يسوم الرجل على سوم أخيه » (١).
وذهب الشيخ والحلّي والمحقّق الثاني إلى الحرمة (٢) ، لما ذكر ، ولأنّ فيه كسر قلب المؤمن وترك لحقّه.
ويضعّف الأول : بأنّه خبر في مقام الإنشاء ، وكونه للتحريم غير ثابت.
والثانيان : بمنع حرمة مطلق كسر القلب وعموم وجوب الحقوق حتى مثل ذلك.
قال في المسالك : وإنّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه ، فلو ظهر منه ما يدلّ على عدم الرضا وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم ولم يكره اتّفاقا (٣) ، وعلّل ذلك بالأصل ، وعدم الدخول في السوم عادة.
وهو مشكل ، لصدق دخول السوم بمجرّد طلب البيع بعد ما شرع أخوه في المساومة ، سواء زاد في الثمن أو لم يزد ، والأولى التعميم ـ كما قيل ـ إلاّ أن يثبت الإجماع.
ولو كان السوم بين اثنين ـ سواء دخل أحدهما على النهي أم ابتدءا فيه
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٣ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٨ أبواب آداب التجارة ب ٤٩ ح ٣.
(٢) الشيخ في النهاية : ٣٧٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٣٥ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٥١.
(٣) المسالك ١ : ١٧٦.
معا قبل محلّ النهي ـ لم يجعل نفسه بدلا عن أحدهما ، لصدق دخول السوم.
ولا كراهة فيما يكون في الدلالة ، لأنّها عرفا موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلاّل يطلبها ، فإذا حصل الاتّفاق تعلّقت الكراهة.
ولا كراهة في طلب المشتري أو البائع من بعض الطالبين الترك ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقّن من النصّ ، إلاّ أن يستلزم لجبر الوجه ، فيكره ، لعدم الرضا في نفس الأمر.
ولا كراهة أيضا في ترك الملتمس منه قطعا ، بل ربّما استحبّ ، لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.
قيل : ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه ، لإعانته على المكروه (١).
وفيه : منع كراهة كلّ إعانة على المكروه ، مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك ، وقد حصل من الطالب من دون إعانة من الملتمس.
وهل يختصّ الدخول في المبايعة ، أو يعمّ سائر المعاوضات أيضا ولو كانت جائزة؟
صرّح في التنقيح بالثاني (٢) ، والظاهر هو الأول ، إذ لم يثبت صدق السوم في غير البيع.
نعم ، لا بأس بالتعميم من جهة كسر القلب.
والأولى بالكراهة ممّا ذكر ما إذا تحقق البيع ولكلّ من المتبايعين خيار المجلس ، فيعرض آخر للمشتري سلعة خيرا من الأولى أو بأقلّ منها ليفسخ ، أو للبائع أكثر من الثمن الذي باعه به.
__________________
(١) الروضة ٣ : ٢٩٦.
(٢) التنقيح ٢ : ٣٨.
وقيل بالحرمة (١) ، والأولى ما ذكرنا.
ثمَّ على القول بالحرمة في ذلك وفي دخول السوم لا يبطل البيع لو دخل ، لتعلّق النهي بالخارج.
ومنها : توكّل الحاضر للبادي في بيع المال ، والمراد بالبادي : الغريب الجالب للبلد ، بدويّا كان أو قرويّا ، للنصوص :
منها : رواية عروة بن عبد الله : « لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا بيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله عز وجلّ بعضهم من بعض » (٢) ، وفي بعض النسخ : « ذروا المسلمين » ، ونقله في المنتهى أيضا كذلك (٣).
ونحوه المرويّ عن مجالس الشيخ ، عن جابر ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلاّ أنّ فيها : « دعوا » بدل : « ذروا » (٤).
ورواية يونس بن يعقوب : قال : تفسير قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يبيعنّ حاضر لباد » : أنّ الفاكهة وجميع أصناف الغلاّت إذا حملت من القرى إلى السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من الناس ، ينبغي أن يبيعوه حاملوه من القرى والسواد ، فأمّا من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنّه يجوز ويجري مجرى التجارة (٥).
وفي طرق العامّة عن ابن عباس : قال : نهى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتلقّى الركبان وأن يبيع حاضر لباد ، قال : قلت لابن عبّاس : ما قوله : « حاضر
__________________
(١) كما في نهاية الشيخ : ٣٧٤ ، وفقه القرآن للراوندي ٢ : ٤٥.
(٢) الكافي ٥ : ١٦٨ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٤ ـ ٧٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ـ ٦٩٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٤ أبواب آداب التجارة ب ٣٧ ح ١.
(٣) المنتهى ٢ : ١٠٠٥.
(٤) أمالي الطوسي : ٤٠٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٥ أبواب آداب التجارة ب ٣٧ ح ٣.
(٥) الكافي ٥ : ١٧٧ ـ ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٥ أبواب آداب التجارة ب ٣٧ ح ٢.
لباد »؟ قال : لا يكون له سمسارا (١).
وظاهر الأخيرتين وإن كان الحرمة ـ كما في الخلاف ومهذّب القاضي والمنتهى وشرح القواعد مطلقا ، والمبسوط والسرائر والوسيلة (٢) ، مقيّدا في الأول بما لا يضطرّ إليه ، وفي الثاني بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه ، وفي الثالث بما إذا باع الحاضر في البدو لا في الحضر ـ ولكنّهما غير ناهضتين لإثباتها.
أمّا الأول ، فلعدم ثبوت كون التفسير المذكور من الإمام ، بل ظاهره أنه من يونس.
وأمّا الثاني ، فلكونه عامّيا غير حجّة.
وأمّا روايتا عروة والمجالس ، فهما قاصرتان من حيث الدلالة لإثبات الحرمة ، لعدم ورودهما بصيغة النهي المقتضية للحرمة ، وإنّما هو إخبار في مقام الإنشاء ، ولا يفيد عندنا أزيد من الطلب ، مع ما في الأخيرة من عدم الحجّيّة أيضا ، فلا يمكن التمسّك في إثبات الحرمة بقوله : « دعوا » فيها أيضا.
وأمّا قوله : « ذروا » في الأولى فهو ـ لاختصاصه ببعض النسخ ـ غير ثابت ، وعلى هذا فالقول بالكراهة ـ كما هو مذهب الأكثر ـ أقوى.
ويؤكّده أيضا عموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس (٣).
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ ـ ١٩.
(٢) الخلاف ٣ : ١٧٢ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٢٤٧ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٥ ، جامع المقاصد ٤ : ٥٢ ، المبسوط ٢ : ١٦٠ ، السرائر ٢ : ٢٣٦ ، الوسيلة : ٢٦٠.
(٣) الوسائل ١٨ : ٧٤ أبواب أحكام العقود ب ٢٠.
وقد يؤيّد أيضا بصحيحة أبي بصير : قلت له : الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر ، فيقولون له : أقرضنا دنانير ، فإنّا نجد من يبيع لنا غيرك ولكنّا نخصّك بأحمالنا من أجل أنّك تقرضنا ، قال : « لا بأس ، إنّما يأخذ دنانير مثل دنانيره » (١) الحديث.
وهو حسن في نفي الحرمة فيما إذا التمس البدوي من الحاضر ويعرضه عليه ، ولذا نفاها كثير من المحرّمين في هذه الصورة ، بل ظاهر أكثر القائلين بالكراهة انتفاؤها حينئذ أيضا ، وهو كذلك ، لعمومات استحباب قضاء حوائج الناس (٢). وتعارضها مع ما ذكر غير ضائر ، إذ لو رجّحنا الأول بالأشهريّة والأكثريّة وموافقة السنّة والكتاب فهو ، وإلاّ فيرجع إلى الجواز الأصلي. لا للصحيحة ، لعدم منافاة نفي البأس للكراهة. ولا لأنّه لو لا ذلك لم تجز السمسرة بحال ، وقد قال في الدروس : لا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد إلى بلد (٣) ، كما في شرح القواعد (٤) ، لأنّ الكلام في المجلوبة من القرى والبادية دون البلد ، فإنّ بيع الحضري فيها جائز مطلقا كما هو ظاهر الأكثر ، للأصل ، واختصاص روايات المنع (٥) بغيرها ، وأكثرها وإن اختصّت بالبدوي ، ولكن ذكر القرى في رواية يونس (٦) كاف للتعدّي إلى القروي أيضا بملاحظة التسامح في أدلّة
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٢٠٣ ـ ٤٦١ ، وج ٧ : ١٥٧ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٦ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ١٠.
(٢) الوسائل ١٦ : ٣٥٧ و ٣٦٣ و ٣٦٥ أبواب فعل المعروف ب ٢٥ و ٢٦ و ٢٧.
(٣) الدروس ٣ : ١٨٢.
(٤) جامع المقاصد ٤ : ٥٢.
(٥) الوسائل ١٧ : ٤٤٤ أبواب آداب التجارة ب ٣٧.
(٦) المتقدمة في ص : ٣٣.
السنن ، مضافا إلى تصريح جماعة من الفقهاء (١) ، ونظرا إلى التعليل ، بل لا يبعد التعدي لأجله إلى البلدي أيضا كما قاله المحقّق الثاني (٢).
ولا يضرّ اختصاص الرواية بالفاكهة والغلاّت ، لعدم القول بالفصل في ذلك ، وإن خصّ بعض المتأخّرين النهي بها لذلك (٣) ، وهو ضعيف ، نظرا إلى إطلاق سائر الروايات بل عمومها ، والتفاتا إلى عموم التعليل ، وحملا للمفسّر على الغالب ، مع أنّه لا حجّيّة في ذلك التفسير كما مرّ.
هذا ، ثمَّ إنّهم شرطوا في تحريمه أو كراهته شروطا :
الأول : ما مرّ من أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ، وقد عرفت وجهه.
الثاني : علم الحاضر بالنهي ، وذلك إنّما يتمّ على القول بمعذوريّة الجاهل بتفاصيل الأحكام بعد العلم بالإجمال ، وهو مشكل ، وتخصيصه من بينها يحتاج إلى مخصّص.
الثالث : أن تظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، وإن لم تظهر ـ لكبر البلد ، أو لعموم وجوده ـ فلا تحريم ولا كراهة ، لأنّ المقتضي للنهي تفويت الربح على الناس ، كما يدلّ عليه التعليل ، ولم يوجد هنا.
وفيه : أنّه لا يشترط حصول الربح لأكثر أهل البلد ، بل يكفي حصوله ولو لواحد ، وهو قد يتحقّق مع ما ذكر.
الرابع : أن يكون المتاع ممّا تعمّ الحاجة به ، ولا دليل على ذلك ، إلاّ
__________________
(١) كالفاضل في المنتهى ٢ : ١٠٠٥ ، المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٥٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٩٧.
(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٢.
(٣) انظر الحدائق ١٨ : ٥٣.
أن يكون مستنبطا من تخصيص رواية يونس (١) بالنوعين.
الخامس : أن يكون الغريب جاهلا بسعر البلد ، فلو كان عالما لا بأس به. ولا بأس به ، لاستفادته من العلّة.
هذا حكم البيع.
وأمّا الشراء للبادي ، فقيل : لا بأس به (٢) ، للأصل ، واختصاص النصوص بالبيع.
وضعّف بعموم التعليل (٣) ، ولا بعد فيه.
ومنه يظهر إمكان التعدّي إلى سائر العقود أيضا كما في التنقيح (٤).
ثمَّ لو قلنا بالحرمة هل يبطل به البيع ، أم لا؟
المصرّح به في كلام الأكثر : الثاني ، لتعلّق النهي بالخارج.
وهو غير جيّد ، لأنّ النهي في الروايات متعلّق بنفس البيع.
__________________
(١) المتقدمة في ص : ٣٣.
(٢) كما في المنتهى ٢ : ١٠٠٥.
(٣) انظر الرياض ١ : ٥٢١.
(٤) التنقيح ٢ : ٣٩.
الفصل الثالث
فيما يحرم ارتكابه
وهو أيضا أمور :
منها : تلقّي الركبان القاصدين بلد البيع والخروج إليهم للبيع عليهم والشراء منهم مطلقا ، لا مع إخباره بكساد ما معه كذبا كما في النهاية الأثيرية (١) ، لإطلاق النصوص :
منها : رواية عروة المتقدّمة (٢) ، ورواية منهال الصحيحة عن السرّاد ـ وهو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه ـ : « لا تلقّ ، ولا تشتر ما تلقّى ، ولا تأكل منه » (٣).
ومرسلته أيضا : عن تلقّي الغنم ، فقال : « لا تلقّ ، ولا تشتر ما يتلقّى ، ولا تأكل من لحم ما يتلقّى » (٤).
وروايته الأخرى الصحيحة عن ابن أبي عمير ـ وهو أيضا ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه ـ « لا تلقّ ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن التلقّي » ، قلت : وما حدّ التلقّي؟ قال : « ما دون غدوة أو روحة » ، قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال « أربعة فراسخ » ، قال ابن أبي عمير : وما فوق
__________________
(١) النهاية ٤ : ٢٦٦.
(٢) في ص : ٣٣.
(٣) الكافي ٥ : ١٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٢.
(٤) الفقيه ٣ : ١٧٤ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٣.
ذلك فليس بتلقّ (١).
وفي رواية أخرى عنه الصحيحة عن السرّاد أيضا : قال : قلت له : ما حدّ التلقّي؟ قال : « روحة » (٢).
وروى في السرائر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « لا يبيع بعضكم على بعض ، ولا تكفّوا المبلغ حتى يهبط بها الأسواق » (٣).
وفيه أيضا : وروي عنه أنّه نهى عن تلقّي الجلب ، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (٤).
وفي الرواية العاميّة المرويّة في المنتهى وغيره : « لا تلقّوا الركبان » ، وفيه أيضا : « لا تلقّوا الجلب ، فمن تلقّاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار » (٥).
وظاهر هذه الأخبار التحريم ، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف والإسكافي والقاضي والحلّي والحلبي والفاضل في المنتهى والمحقّق الثاني وظاهر الدروس (٦) وغيره (٧) ، واختاره بعض مشايخنا (٨) ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ـ ٦٩٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٢ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ١.
(٢) الكافي ٥ : ١٦٨ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ـ ٦٩٨ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٤.
(٣) السرائر ٢ : ٢٣٧ وفيه : السلع ، بدل : المبلغ.
(٤) السرائر ٢ : ٢٣٧.
(٥) المنتهى ٢ : ١٠٠٥ ، وهو في صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ ـ ١٩ ، والجلب بفتحتين : ما تجلبه من بلد الى بلد ، فعل بمعنى مفعول ، مجمع البحرين ٢ : ٢٤.
(٦) المبسوط ٢ : ١٦٠ ، الخلاف ٣ : ١٧٢ ، حكاه عن الإسكافي والقاضي في المختلف : ٣٤٦ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٣٧ ، الحلبي في الكافي : ٣٦٠ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٥ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٧ ، الدروس : ١٧٩.
(٧) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٧ وصاحب الحدائق ١٨ : ٥٥.
(٨) كصاحب الرياض ١ : ٥٢١.
وفي الخلاف الإجماع عليه.
خلافا لأكثر المتأخّرين ، فذهبوا إلى الكراهة (١) ، للأصل ، وضعف الأخبار.
وضعفهما ظاهر ممّا مرّ ، فالقول بالتحريم أقوى.
وحدّ التلقّي عند الأصحاب ـ بلا خلاف كما في الخلاف والمنتهى والتذكرة (٢) ـ : أربعة فراسخ فما دونه ، فلا نهي فيما زاد عنها ، ويدلّ عليه رواية منهال الأخيرة.
وعن ابن حمزة : أنّ حدّه ما دون أربعة فراسخ (٣) ، وتساعده روايته الثالثة.
ورجّح الأولى بالموافقة لفتوى الأصحاب.
ويمكن الجمع بينهما بإخراج الحدّ عن المحدود ، فينتهي النهي في الحدّ ، وبه يمكن الجمع بين الفتاوى أيضا ، مع أنّ الأمر في ذلك هيّن جدّا ، والثمرة فيه منتفية غالبا.
ثمَّ إنّهم ذكروا للتلقّي المنهيّ عنه شروطا :
الأول : القصد إلى الخروج للتلقّي ، فلو اتّفق وصادفته الركب في خروجه لغرض آخر لم يكن به بأس ، وهو كذلك ، للأصل ، واختصاص النصّ بحكم التبادر ـ بل تصريح أهل اللغة ـ بصورة القصد إلى الخروج.
وربّما يقال : إنّ العلّة المستفادة تشمل عدم القصد أيضا.
وفيه : أنّ اختصاص العلّة بالنهي عن بيع الحاضر للبادي ممكن ، بل
__________________
(١) كما في الشرائع ٢ : ٢٠ ، والتذكرة ١ : ٥٨٥ ، والروضة ٣ : ٢٩٧.
(٢) الخلاف ٣ : ١٧٢ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٦ ، التذكرة ١ : ٥٨٦.
(٣) الوسيلة : ٢٦٠.