جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو تلف الصغير في يد الغاصب بسبب كلدغ الحية ، ووقوع الحائط ضمن على رأي.

ولو استخدم الحر فعليه الأجرة ، ولو استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله ففي استقرار الأجرة نظر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تلف الصغير في يد الغاصب بسبب كلدغ الحية ، ووقوع الحائط ضمن على رأي ).

الرأي للشيخ (١) ، وله قول آخر بعدم الضمان (٢) ، والتفات القولين الى انتفاء اليد ، والتلف ناشى‌ء عن غيره فلا مقتضي للضمان والأصل البراءة ، والى أنه سبب الإتلاف ، لأنه لا يستطيع دفع المهلكات عن نفسه وعروضها أكثري.

وقد يقصد توقع التلف بغصبه وقطعه عمن يعتني بأمره ، ولأن المناسب بعدوانه في الاستيلاء عليه ظلما الضمان وإن لم يسم غاصبا ، ولأنه أحوط ، وبه افتى جمع من الأصحاب (٣) ، وفي الدروس ساوى بينه وبين المجنون (٤) ، وهو الأصح.

والظاهر أن المراد بالصغير : الذي لم يميز ، مع احتمال الضمان في المميز الضعيف عن الفرار من المهلكات ، ولو كان بالشخص خبل أو بلغ بالكبر مرتبة الصغير فهل يلحق به؟ احتمال.

قوله : ( ولو استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله ففي استقرار الأجرة نظر ).

أي : لو استأجر ( الحر ) (٥) لعمل معين فحبسه مدة يمكن استيفاء ذلك‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٠٥ مسألة ٤٠ كتاب الغصب.

(٢) المبسوط ٣ : ١٠٥.

(٣) في « م » : جميع الأصحاب.

(٤) الدروس : ٣٠٧.

(٥) لم ترد في « ق ».

٢٢١

ولو حبس صانعا ولم ينتفع به لم يضمن أجرته.

ولو استأجر دابة أو عبدا فحبسه بقدر الانتفاع ضمن ، ولو غصب خمرا من مسلم أو متظاهر لم يضمن وإن كان كافرا ،

______________________________________________________

العمل في مثلها ففي استقرار الأجرة عليه نظر ينشأ : من أن الأجرة وجبت بالعقد ، وقد انقضى زمان يمكن فيه العمل مع بذل المؤجر ومنع المستأجر فيستقر ، كما لو استأجره زمانا وحبسه حتى انقضى ذلك الزمان. ومن أن منافع الحر لا تدخل تحت اليد تبعا له ولم يحصل التفويت ، ولأصالة البراءة من الاستقرار.

وربما بني الوجهان على أن إجارة الحر نفسه هل هي تمليك للمنافع بعوض أو التزام العمل في ذمته؟ يحتمل الأول ، لأن للمستأجر أن يتصرف فيها بالإجارة وغيرها. فلهذا لو استعمله آخر ضمن اجرة المثل. ويحتمل الثاني ، لأن المنافع معدومة وليست تابعة لعين مملوكة فكيف تملك ، فعلى الأول يستقر وعلى الثاني لا. وفي هذا البناء نظر ، إذ لا يلزم من ملك المنافع استقرار الأجرة بالحبس المدة المذكورة ، لأن العقد المملك إذا لم يوجب الاستقرار فلا دليل على ثبوته بمضي المدة المذكورة.

ووجه شيخنا الشهيد الاستقرار في بعض حواشيه : بأن المنافع ملكها المستأجر ، وتلفها مستند الى فعله ، ويؤيده الحكم بالاستقرار الأجرة على قلع الضرس مع البرء وسبق التمكين من قلعه ، وقال بالعمل ليخرج الاستئجار مدة معينة ، إذ لا نزاع في استقرار الأجرة بمضيها متمكنا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الإجارة تحقيق ذلك والأصح في مسألة الكتاب عدم الاستقرار.

قوله : ( ولو غصب خمرا من مسلم ، أو متظاهر لم يضمن وإن كان كافرا ).

أي : وإن كان الغاصب كافرا ، لعدم كون الخمر مما يتمول في ملة‌

٢٢٢

ويضمن من الكافر المستتر وإن كان مسلما بالقيمة عند مستحليه لا بالمثل وإن أتلف الكافر على اشكال.

______________________________________________________

الإسلام ، فلا يضمن للمسلم وإن اتخذها للتخليل ، نعم يأثم الغاصب هنا ويعزر ، وأما الكافر المتظاهر فإن الخمر عنده كالخمر في يده المسلم.

قوله : ( ويضمن من الكافر المستتر وإن كان مسلما ).

أي : وإن كان الغاصب مسلما ، لأنها مال بالإضافة اليه وقد أقر على ذلك ، ولم تجز مزاحمته فيه.

قوله : ( بالقيمة عند مستحليه لا بالمثل وإن أتلف الكافر على اشكال ).

إذا كان متلف خمر الكافر المستتر مسلما فلا بحث في وجوب القيمة عليه ، لاستحالة ثبوت الخمر في ذمة المسلم ، وأما إذا كان المتلف كافرا ففي وجوب المثل أو القيمة إشكال ينشأ : من أنه مال مملوك لهم وهو مثلي فيضمن بالمثل ، وهو أحد قولي ابن البراج (١). ومن أنه يمتنع في شرع الإسلام الحكم باستحقاق الخمر ، وإن كنا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها ، فامتنع الحكم بالمثل لعارض فيجب الانتقال إلى القيمة ، كما إذا تعذر المثل في المثلي ، وهو القول الآخر لابن البراج (٢).

والأصح وجوب القيمة إذا تحاكموا إلينا ، والحكم بالمثل بعيد جدا ، فإنهم متى أظهروا الخمر زال احترامها (٣).

فإن قيل : لا يلزم من الحكم باستحقاقها إظهارها.

قلنا : الحكم باستحقاقها ينجر إلى الإظهار إذا امتنع من الأداء فإنه يحبس‌

__________________

(١) نقل قوله العلامة في المختلف : ٤٥٩.

(٢) المهذب ١ : ٤٥٠.

(٣) في « م » : امتناعها.

٢٢٣

ولو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع ففي الضمان اشكال.

ولو فتح الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب فالضمان على الثاني.

والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان ،

______________________________________________________

حتى يؤدي ، وذلك مناف للاستتار ، والأصح وجوب القيمة.

قوله : ( ولو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع ففي الضمان إشكال ).

ينشأ : من أن الحر لا يدخل تحت اليد فلا يضمن ، ومن أنه التسبيب الى هلاكه ، وليس هذا الإشكال بشي‌ء بعد ما سبق في كلامه : من أن الصبي إذا ألقاه في مسبعة فافترسه سبع ضمنه ، وكذا ضمانه لو تلف بسبب لدغ الحية ، ووقوع الحائط على الرائي ، فإن إلقاءه في مضيعة أقرب الى توقع علة الهلاك من هذه الأخيرة ، والأصح الضمان فيه وفي المجنون كما سبق.

قوله : ( ولو فتح الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب فالضمان على الثاني ).

لأنه وإن كان سببا إلا أنه أقرب من الأول.

قوله : ( والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان ).

لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ولصدق الاستيلاء بغير حق ، وعلى ما ذكره في الدروس : من أن الجاهل بغصب البيت إذا سكن فيه بأمر الغاصب يضمن المنفعة خاصة (٢) ، على ما يلوح من عبارته ـ : يجب استثناء هذا ، وفيه توقف.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.

(٢) الدروس : ٣٠٧.

٢٢٤

فيتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف ومن ترتب يده على يده ، سواء علم الغصب أو لا ، وسواء كانت أيديهم يد غصب للغاصب أو لا ، وسواء استعاده الغاصب غصبا أو لا.

وللمالك الرجوع على الجميع ببدل واحد ، لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكل ما يطالب به الغاصب ، ويستقر الضمان عليه إذا تلف عنده ، فلا يرجع على الأول لو رجع عليه ، ويرجع الأول عليه لو رجع على‌ الأول.

______________________________________________________

قوله : ( فيتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف ومن ترتب يده على يده ، سواء علم بالغصب أو لا ، وسواء كانت أيديهم يد غصب للغاصب أم لا ، وسواء استعاده الغاصب غصبا أم لا ).

لعموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) والجهالة لا تقدح في الضمان وإن انتفى معها الإثم ، لامتناع خطاب التكليف في حق الجاهل ، بخلاف خطاب الوضع. والظاهر أن للمالك مطالبة من ترتبت يده على يد الغاصب مع عدم التلف بتسليم العين أو البدل للحيلولة.

قوله : ( وللمالك الرجوع على الجميع ببدل واحد )

لأن المستحق له شي‌ء واحد فلا يكون له بدل متعدد ، وهو مخير إن شاء أخذ البدل من الجميع ، وإن شاء أخذ البدل بعينه باختياره.

قوله : ( لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكل ما يطالب به الغاصب ).

لأنه غاصب ، فجميع ما يترتب على الغاصب من التغليظ كأعلى القيم على القول به يترتب عليه.

قوله : ( ويستقر الضمان عليه إذا تلف عنده ، فلا يرجع على الأول‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ حديث ١٠٦ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥ سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستند الحاكم ٢ : ٤٧.

٢٢٥

هذا إذا تساوت القيمة ، أو كانت في اليد الثاني أكثر.

ولو زادت في يد الأول طولب بالزيادة دون الثاني.

ولو جهل الثاني الغصب : فإن كان وضع يده يد ضمان كالعارية المضمونة والمقبوض بالسوم والبيع الفاسد فقرار الضمان على الثاني ، وإلا فعلى‌ الأول.

______________________________________________________

لو رجع عليه ، ويرجع الأول عليه لو رجع على الأول ).

لاستوائهما في كون كل منهما غاصبا ، وانفرد الثاني بزيادة وهي كون التلف في يده فيختص بعهدته ، فلو رجع على الأول استحق الرجوع عليه دون العكس.

قوله : ( هذا إذا تساوت القيمة ، أو كانت في اليد الثاني أكثر ولو زادت في يد الأول طولب بالزيادة السوقية ).

بناء هذا الحكم على أن الغاصب يضمن أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، فقوله : ( هذا ) إشارة الى ما ذكره من استقرار الضمان كله على الثاني ، فإن ذلك لا يستقيم إلا إذا لم يختص الأول بشي‌ء لم يشاركه الثاني فيه ، وهو كون القيمة السوقية في يده أكثر ، فإن تلك الزيادة مستحقة للمالك وعهدتها على من حصلت في يده ، فإنه حينئذ يطالب بالزيادة وحده.

وأما الثاني فيطالب بأعلى القيم في يده ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن المختار وجوب القيمة حين التلف خاصة فلا يتم ما ذكره. وعلى القول بأن الواجب قيمته يوم القبض ، فلو كانت أعلى اغرم الثاني ما عدا الزيادة وأغرم الأول الزيادة.

قوله : ( فلو جهل الثاني الغصب ، فإن كان وضع يده وضع يد ضمان كالعارية المضمونة ، والمقبوض بالسوم ، والبيع الفاسد فقرار الضمان على الثاني ، وإلا فعلى الأول ).

٢٢٦

______________________________________________________

هذا قسيم قوله : ( لكن الثاني إن علم بالغصب ).

وحقه أن يكون بالواو ( ولو جهل ) أي : إذا كان الثاني جاهلا بالغصب فلا يخلو :

إما أن يكون إثبات يده على العين المغصوبة على وجه كونه مضمونا كالعارية المضمونة ، أي : كأن يستعير من الغاصب باعتقاده أنه المالك عارية مضمونة لكونها ذهبا أو فضة ، أو مشروطا ضمانها ، وكما لو قبضه منه كذلك بالسوم بناء على أنه مضمون.

وقد سبق من المصنف فيه اشكال ، واخترنا كونه مضمونا ، وكما لو قبضه بالبيع الفاسد الذي اختل فيه أحد الأمور المعتبرة في البيع سوى كون العين مضمونة ، أو على وجه كونه غير مضمون فإن كان الأول فقرار الضمان على الثاني ، وذلك لأن دخوله على أن العين مضمونة عليه إما بالتزامه أو بمقتضى الحكم الشرعي ، فلا أثر لغروره بكون العين ملكا للغاصب وإنما يؤثر الغرور ان لو كان بريئا من الضمان على تقدير كون العين ملكا للغاصب فيكون الضمان إذا ظهر كونها ملكا لآخر وانه غصبها منه بتغريره.

وتوضيح ذلك أن العين المغصوبة إذا أثبت الثاني الجاهل بالغصب يده عليها لايداع الغاصب إياه مثلا ، فتلفت بغير تفريط ، ثم ظهر كونها مغصوبة فاغرم المالك الثاني ، فإنه يرجع على الغاصب لأنه غره بكون العين ملكا له ، وانه سلمه إياها امانة وقد ظهر كونها مضمونة ، والمغرور يرجع على من غره.

بخلاف ما لو سلمه إياها عارية مضمونة ، فإنها لو كانت ملكا للدافع وتلفت في يد المستعير يلزمه الضمان ، فلم يلزمه بتغريره إياه بكونها ملكا له ضمان لم يكن لازما له على تقدير الملك.

وكذا لو قبضها بالبيع الفاسد ، سواء علما فساد البيع أو لا ، لأن المقبوض‌

٢٢٧

كالوديعة والرهن والوكالة.

______________________________________________________

بالبيع الفاسد مضمون على القابض بالمثل أو القيمة كائنا ما كان وإن استحق الرجوع بالثمن ، سواء زادت القيمة على الثمن أم لا ، لوجوب التراد ، ومع التفاوت ينتقل الى البدل كما حققناه في البيع.

فإن قلت : فكيف يرجع المشتري الجاهل على الغاصب لو أغرمه المالك القيمة بجميعها وإن زادت على الثمن مع أن البيع فاسد لكون العين مضمونة مع أن استقرار التلف في يده ، وهو مناف لهذا.

قلنا : لا منافاة ، لأن المراد بفساد البيع فساده بما عدا كون العين مضمونة (١) حتى لا يكون للغرور مدخل ، فإنه على ذلك التقدير يضمن العين وإن كانت ملكا للغاصب.

أما إذا كان البيع صحيحا لو لا الغصب فإن التغرير قائم ، فإنه دخل على أن البيع صحيح لكون العين ملكا للبائع وأن ما زاد على الثمن له ومنافعها مجانا ، فإذا ظهر كونها ملكا للآخر وأن البائع غاصب فقد فات ذلك وثبت تغريره إياه ، فيرجع عليه بكل ما لو لا الغصب لكان له بغير عوض سوى الثمن.

والحاصل ان الضابط : أن كل شي‌ء لكون فرض الغاصب فيه مالكا لا يلزم الثاني فيه غرم له الرجوع فيه ، وما يلزمه فيه الغرم على تقدير كونه مالكا لا تغرير فيه ولا رجوع به.

قوله : ( كالوديعة والرهن والوكالة ).

مثله الإجارة والجعالة والمزارعة والمساقاة والمرجع الى الضابط الذي ذكرناه.

__________________

(١) في « م » : مغصوبة.

٢٢٨

ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فقرار الضمان عليه ، إلاّ مع الغرور كما لو أضافه به.

ولو كان الغرور للمالك فالضمان على الغار ، وكذا لو أودعه المالك أو آجره إياه.

______________________________________________________

قوله : ( ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فقرار الضمان عليه إلا مع الغرور كما لو أضافه به ).

لأن الضيف مغرور باعتقاده أن يد المضيّف يد ملك وانه قد أباحه الطعام مجانا فظهر خلافه.

قوله : ( ولو كان الغرور للمالك فالضمان على الغار ).

لأن المباشر ضعيف بالغرور فيرجع على السبب.

فإن قلت : قد سلّط الغاصب المالك على ماله فصار بيده فبرئ الغاصب ، فإذا أتلفه لم يكن له على الغاصب رجوع.

قلنا : ليس هذا هو التسليم الواجب ، فإن تسليطه إياه على إتلافه بالضيافة ونحوها لا يتضمن التسليم التام ، فإن التسليم التام هو تسليمه إياه على أنه ملكه يتصرف به كتصرف المالك ، ومع اعتقاده أن الطعام للغاصب وأنه قد أباحه إتلافه بالضيافة ، فالتسليم المذكور منتف فيضمنه الغاصب للمالك.

قوله : ( وكذا لو أودعه المالك أو آجره إياه ).

أي : يرجع عليه بعوض العين ، وكذا ( يضمن ) (١) بالمنافع وعوض الإجارة للتغرير ، فإن التسليم المذكور ليس تاما ، إذ هو على طريق النيابة عن الغاصب في الحفظ أو استيفاء المنفعة المستحقة بالعوض.

__________________

(١) لم ترد في « م ».

٢٢٩

ولو وهبه الغاصب من آخر ، فرجع المالك عليه احتمل رجوعه على الغاصب لغروره ، وعدمه لأن الهبة لا تستعقب الضمان.

ولو زوّج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبري‌ء الغاصب ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو وهبه الغاصب من آخر فرجع المالك عليه احتمل رجوعه على الغاصب لغروره ، وعدمه ، لأن الهبة لا تستعقب الضمان ).

أي : لو وهب المغصوب الغاصب من شخص آخر فتلف في يده بدليل قوله : ( لغروره ) ولأنه مع بقاء العين وأخذ المالك إياها لا يعقل رجوع المتهب على الغاصب ، فإن غاية ما هناك كون الهبة فاسدة لكون العين مغصوبة ، وهو لا يقتضي تضمينه.

فإن المالك إذا رجع على المتهب ، الذي تلف المغصوب في يده يحتمل رجوعه على الغاصب ، لأنه غره بكون ذلك ملكه ، وأنه قد وهبه إياه. ومقتضى الهبة انه إذا تلف في يده لا يلزمه عوضه ، فتبين خلاف ذلك بظهور كونه مغصوبا والمغرور يرجع على من غره.

ويحتمل عدم الرجوع ، لأن الهبة لا تقتضي ضمان الواهب العين للمتهب ، لأنه أخذها على أنها إذا تلفت يكون تلفها منه ، وليس هذا الأخير بشي‌ء ، لأنها وإن لم تقتض الضمان إلا أنها لا تنفي الغرور فيجب مقتضاه وهو الأصح ، وهذا إذا لم تكن الهبة معوضة ، فإن كانت معوضة فليس بعيدا كونها كالبيع الذي يستجمع شرائط الصحة لو لا الغصب.

قوله : ( ولو زوّج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبري‌ء الغاصب ).

لا ريب في نفوذ الاستيلاد لتحقق المعنى المقتضى ، وهو إتيانها بولد من المالك ، وليس هذا كصيغة العتق التي انما تصح مع القصد ، فإن من أولد‌

٢٣٠

وفي الأرش إشكال ، وكذا لو وهب منه.

______________________________________________________

مملوكة الغير ثم تبيين الحال كان الاستيلاد نافذا ، ومع تحقق ذلك حجر على المالك في إخراجها عنه ، وانقطعت سلطنة الغاصب عنها بحسب الظاهر ، فيبرأ الغاصب بحصول التسليم التام ، والى هذا أشار بقوله : ( وبري‌ء الغاصب ).

ولقائل أن يقول : إن إطلاق براءة الغاصب لا يستقيم ، بل ينبغي تقييدها بما إذا علم الحال ، فلو تلفت قبل ظهور الحال وهي بيد المالك على أنها زوجته وهي مملوكة للغاصب فأين البراءة مع كون التسليم غير تام ، وكان عليه أن يستشكل البراءة في هذا القسم ، كما استشكل في قوله ، إلا في الأخير فإن الحكم فيهما متقارب بل البراءة هناك أولى.

قوله : ( وفي الأرش إشكال ).

ينشأ : من أن ذلك بفعل المالك ، وأنه لم يأذن فيه الغاصب صريحا ، وإنما توهم المالك جوازه باعتقاده صحة النكاح فيكون كنماء البيع وما جرى مجراه. ومن أنه غره حيث سلّطه عليه بالنكاح على أنها مملوكة الغاصب ، فجرى مجرى ما لو ضيّفه بطعامه ، وهو الأصح. وكذا نظائره في البيع وغيره.

إذا تقرر ذلك فالأرش عن تفاوت ما بين قيمتها طلقا يتصرف بها أي تصرف أراد متى أراد ، وبين قيمتها ممنوعا من إخراجها عن الملك مع تجويز عروض زواله قريبا وبعيدا ، وتجويز عدمه ، لأنه لا يعلم هل يموت ولدها أم يبقى ، بل يجوزه بقاؤه وموته بعد ساعة وبعد زمان طويل. وتفاوت ما بين القيمتين هو الأرش.

وإنما حققنا الأرش بما ذكرناه ، ليعلم أنه إذا مات الولد ورجعت طلقا لا يستعاد من المالك ، لأن العيب الذي ثبت لم يزل وإنما انقطع بعد مدة ، والمأخوذ أرشا إنما أخذ على تقدير رجاء انقطاعه وعروض زواله ، فما توهمه‌

٢٣١

ولو قال : هو عبدي فأعتقه فأعتقه فالأقوى النفوذ ،

______________________________________________________

بعضهم من احتمال استرداده بموت الولد ليس بشي‌ء‌

قوله : ( ولو قال : هو عبدي فأعتقه ، فأعتقه فالأقرب النفوذ ).

أي : لو قال الغاصب للمالك : هو ـ أي العبد المغصوب ـ عبدي فأعتقه عنك ، بدليل ما سيأتي من قوله : ( ولو قال : أعتقه عني ) ولأن النفوذ لو لا ذلك ضعيف ، فأعتقه المالك عن نفسه بقول الغاصب على أنه ملك للغاصب فالأقوى نفوذ العتق ، لأنه عتق صدر من أهله في محله فيكون نافذا.

ويحتمل العدم ، لأنه لم يقصد إعتاق عبده بل قصد إعتاق عبد الغاصب ، والإيقاعات والعقود تابعة للقصود. وربما رجّح الأول بكون العتق مبنيا على التغليب ، وبأن الملك الحقيقي المعتبر في العتق أقوى من الضمني.

والذي يقتضيه التحقيق أن العتق المقصود ـ وهو عتق عبد الغاصب عن المعتق الذي هو المالك في نفس الأمر ، والذي يحاول وقوعه ـ هو عتق عبد المالك ، وأحدهما غير الآخر.

فإن كان القصد معتبرا فالمقصود غير واقع فيكون منتفيا ، والآخر غير مقصود فلا يكون صحيحا. وكون العتق مبنيا على التغليب لا يدفع ذلك ، لأن هذا البناء فرع وقوعه صحيحا ، والملك وحده غير كاف في وقوع العتق من دون صيغة صحيحة ، وادعاء كون هذا عتقا صدر من أهله في محله في موضع المنع.

وإن كان القصد غير معتبر فيجب الحكم بوقوعه على كل حال ، سواء أوقعه عن نفسه أو عن الغاصب ، لأنه يملك فكه من الرق وقد حصلت الصيغة ، والقصد غير معتبر بل يلزم أنه متى قصد إعتاق عبد الغير ظاهرا وتحريره بوكالة ، ثم ظهر كونه مملوكا له في وقت الإعتاق بإرث أو شراء من وكيل ونحوه يجب الحكم بصحته ونفوذه ، وهو من أبعد الأشياء.

٢٣٢

وفي الغرم إشكال ينشأ : من الغرور ، ومن زوال الملك بإزالته والصرف الى مصلحته.

______________________________________________________

هذا مع أن في إعتاق عبده الذي لو أعلمه لم يرض بعتقه ، وقطع سلطنته عنه ضررا عظيما منفيا بقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (١) وربما قصد الغير الإضرار بالمالك ، فدلّس عليه عبده ثم سلطه على إعتاقه عن نفسه على أنه ملك الغير ، فيكون في الحكم بنفوذ العتق بلوغ المراد من الإضرار به ، مع أنه ربما لم تثبت يده عليه فلا يستحق عليه شيئا قطعا ، وهذا من أبعد ما يستبعد ، وفي حواشي شيخنا الشهيد أنه لا ينفذ ، وهو الذي يقوى في النفس ، واختاره في التحرير (٢).

واعلم ان الغاصب لو لم يقل : هو عبدي ، بل اثبت يده عليه على وجه يقتضي الملك ظاهرا ، ثم قال له : أعتقه عنك ، فإن الأحكام تجري فيه كما تجري أحكام البيع وغيرها وإن لم يقل للمشتري : هو عبدي ، بل اعتماد على يده الدالة على كونه ملكا له.

قوله : ( وفي الغرم إشكال ينشأ : من الغرور ، ومن زوال الملك بإزالته والصرف الى مصلحته ).

أي : بناء على نفوذ العتق في غرم الغاصب للمالك قيمة العبد الذي أعتقه عن نفسه إشكال ينشأ : من أنه أتلف عبد نفسه بتغرير الغاصب ، حيث قال انه عبده ، فكان كما لو ضيّف المالك بطعامه.

ومن أن المباشر لإزالة الملك إنما هو المالك وقد صرفه الى مصلحته ، حيث أعتقه عن نفسه فاستحق الولاء إن كان تبرعا والثواب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ و ٢٩٢ ، ٢٩٤ حديث ٢ ، ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٧ حديث ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ ، ١٦٤ حديث ٦٥١ ، ٧٢٧.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٩.

٢٣٣

ولو قال : أعتقه عني ففعل ففي وقوعه عن الغاصب اشكال.

ولو أمر المالك بذبح الشاة فذبحها جاهلا بها ضمن الغاصب ، ولو أمره بالأكل فباع ، أو بالعكس ، أو عمم الانتفاع فالأقرب زوال الضمان‌

______________________________________________________

ولا ريب في ضعف الثاني ، لأن صرفه الى مصلحته بفعله إذا كان مغرورا ولم يحصل التسليم التام لا ينافي استحقاق الرجوع عليه للغرور ، ولا ريب أن استحقاق الرجوع بالغرم لو قلنا بنفوذ العتق أقوى.

قوله : ( ولو قال : أعتقه عني ففعل ففي وقوعه عن الغاصب إشكال ).

أي : لو قال الغاصب للعبد الذي هو المالك له ظاهرا للمالك الجاهل بالحال : أعتقه عني ففي وقوعه عن الغاصب إشكال ينشأ : من أنه عتق صدر من أهله في محله ، حيث أنه وقع بفعل المالك ، والعبد صالح لتعلق العتق به ، والغاصب قابل لوقوع العتق عنه.

ومن أنه إنما أعتقه نيابة عن الغاصب على أنه وكيله ، لكون العبد مملوكا ( له ) (١) ظاهرا فلا يقع. والأصح عدم وقوعه العتق (٢) ، وقد بينا وجهه سابقا.

فرع : لو فتح بابا على عبد محبوس فهرب ضمنه عند الشيخ (٣) ، سواء كان كبيرا أو صغيرا (٤) ، عاقلا أو مجنونا ، آبقا أو لا.

قوله : ( ولو أمر المالك بذبح الشاة فذبحها جاهلا بها ضمن ).

لكونه مغرورا ، ولا أثر لكون ذلك بفعله ، كما نبهنا عليه غير مرة.

قوله : ( ولو أمره بالأكل فباع ، أو بالعكس ، أو عمم الانتفاع )

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

(٢) في « م » : عدم الوقوع.

(٣) المبسوط ٣ : ٨٩.

(٤) في « ق » : صغيرا أم كبيرا.

٢٣٤

إلا في الأخير على اشكال.

______________________________________________________

فالأقرب زوال الضمان إلا في الأخير على اشكال ).

أي : لو أمر الغاصب المالك بأكل العين فخالف ، أو بالعكس وبالجملة إذا أذن له في نوع من التصرف فأتي بنوع آخر غير مأذون فيه ، أو عمم له الانتفاع ، أي : اذن له في جميع الانتفاعات فانتفع فأتلف العين أو بعضها ، أو تلفت في يده بعد التعميم المذكور فالأقرب عند المصنف زوال الضمان فيما عدا صورة الأخير ، يعني ما إذا عمم له الانتفاع.

ووجه القرب : أنه قد تصرف باختياره لا بقول الغاصب فصادف التصرف ملك نفسه ، ولأن العين لو كانت مملوكة للغاصب لكان على المتصرف بمخالفة الأمر الضمان ، وكل ما يقتضي الضمان على تقدير الملك لا يتصور فيه الغرور ، إذ تغريره إنما هو بكونه ملكا له ، وعلى تقدير الملك فالضمان ثابت ، وقد بينا ذلك.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه تصرف عن أمر الغاصب ولم يتحقق وصول ملكه اليه على الوجه المعتبر بالتسليم التام فرجع (١) عليه. وليس بشي‌ء ، لأنه لم يتصرف عن أمر الغاصب ، ( إذ الفرض ) (٢) أنه خالفه وفعل ما يوجب الضمان ، والأصح زوال الضمان هنا.

أما إذا عمم له الانتفاع ، وهو الصورة الأخيرة ففي زوال الضمان وعدمه اشكال : من أنه مغرور بكون الملك للغاصب ، وأن أنواع التصرفات مجوّزة له من قبله فيكون كما لو قدّم طعام الغير إليه فأكله جاهلا. ومن أنه قد سلّم اليه ماله تسليما تاما وبري‌ء منه ، فإتلافه إياه وتلفه بعد ذلك لا يكون مضمونا على الغاصب ، إذ الواجب عليه منحصر في تسليم المالك ماله وتمكينه وقد فعل‌

__________________

(١) في « م » : فيرجع.

(٢) في « ق » : والفرض.

٢٣٥

______________________________________________________

فوجب الحكم ببراءته ، وإلا لم يكن الواجب منحصرا فيما ذكر ، هذا خلف.

ومثله ما إذا وهب المالك ( ماله ) (١) هبة غير لازمة.

والذي يكشف عن وجه المسألة أن الواجب على الغاصب تسليم العين الى المالك تسليما تنقطع به سلطنة الغاصب عن العين بالكلية ، بحيث يصير المالك في سعة من التصرف وعدمه ، وتكون يده يد مالك وتصرفه تصرف مالك.

فمتى كان تسليم العين اليه على وجه يعتقد أن يده يد متفرعة على يد غيره ، وأن الغير بصدد أن يرجع الى العين فيأخذها ، وأنه يجب عليه بالطلب تسليمها اليه ، وأن تصرفه فيها مقصور على الاذن بسبب عنه بمجرد الإباحة فالذي يقتضيه النظر أنه لا يكون تسليما تاما ولا تتحقق البراءة به ، فحينئذ تكون العهدة على الغاصب الى أن يحصل التسليم الواجب المبرئ للذمة ، فإن تلفت العين أو أتلفها المالك بإذن من الغاصب فالتغرير قائم فيتجه الرجوع على الغاصب.

ومثله الهبة التي يجوز الرجوع فيها ، لانتفاء التسليم التام بالمعنى الذي ذكرناه عنها. ويشكل على هذا ما سبق من أن الدين إذا أدّاه المديون لا يشترط للبراءة أن يعلم به المالك ، بل يجوز أن يكون في صورة الهدية ، ولا يكاد يتحقق الفرق بين المديون والغاصب في ذلك.

ولو باع الغاصب المالك فليس ببعيد أن يقال : إن ما ساوى الثمن من القيمة لا يرجع به ، لأنه مضمون ، وما زاد محل التردد ـ كما هنا ـ نظرا الى التردد في صدق التسليم التام وعدمه. أما لو أقرضه المالك فليس ببعيد زوال الضمان ، لصدق التسليم التام حينئذ.

__________________

(١) لم ترد في « م ».

٢٣٦

الركن الثاني : المحل : المغصوب : إما عين أو منفعة ، والأعيان : إما حيوان أو غيره ، فالحيوان يضمن نفسه حتى العبد بالجناية ، وباليد العادية بأقصى القيمة.

______________________________________________________

قوله : ( المغصوب : إما عين أو منفعة ، والأعيان إما حيوان ، أو غيره. فالحيوان يضمن نفسه حتى العبد بالجناية وباليد العادية بأقصى القيمة ).

المغصوب أربعة أقسام لأنه : إما عين ، أو منفعة. والعين : إما حيوان ، أو غيره. فالحيوان : إما آدمي ، أو غيره. فالآدمي : هو الرقيق ، وهو العبد أو الأمة. والنظر في ضمانهما.

أما بالنسبة إلى النفس ، أو الى الطرف باعتبار جناية الغاصب أو أجنبي أو التلف بآفة. إذا تقرر هذا فالحيوان يضمن نفسه وطرفه ، حتى العبد فإنه وإن كان آدميا إلا أن جانب المالية غلب عليه فيضمن ( نفسه ) (١) بالجناية ، وباليد العادية بأقصى القيمة.

والظاهر أن مراده : أقصى قيمته من يوم الغصب الى يوم الجناية أو التلف ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن الواجب قيمته وقت التلف هذا حال نفسه ، أو ما طرفه فلا يخلوا : إما أن لا يكون لمثله من الحر مقدّر شرعا ، أو يكون.

فإذا كان الأول فإنه يجب فيه الأرش ، وهو ما نقص من القيمة ، سواء حصل تلف ذلك الطرف بالجناية ، أو تحت اليد العادية ، أو من قبله تعالى فالضمير في قوله : ( حصل ) يعود الى ( ما ) في قوله : ( ما ينقص من قيمته ) على أن الجملة الفعلية حال.

وكذا ما عطف عليها ، فإن قوله : ( أو تحت اليد العادية ) معطوف على‌

__________________

(١) في « م » : نفس العبد.

٢٣٧

وما لا تقدير فيه من الحر يجب من الرقيق ما ينقص من قيمته ، حصل بالجناية أو تحت اليد العادية ، من أجنبي أو من قبله تعالى ، والمقدّر الأقرب الأكثر من المقدّر والأرش.

______________________________________________________

قوله : ( بالجناية ). وقوله : ( من أجنبي ) يتعلق (١) بمحذوف هو حال أو صفة للجناية. وكان حقه أن يقول : حصل بالجناية منه ، أو من أجنبي ، أو من قبله تعالى.

ويمكن أن يكون المراد بـ ( الجناية ) : جنايته على أن اللام عوض من المضاف اليه ، فيكون قوله : ( أو تحت اليد ) المراد به : كون الجناية تحت يده من أجنبي أو منه تعالى ، فيكون متعلق من محذوف وموصوفه.

وفي بعض النسخ : ما حصل بالجناية أو تحت اليد. بزيادة ما ، ولا شك في أنه غير حسن. وإنما استوت الحالات الثالث في الحكم ، لأن يد الغاصب يد ضمان ، فلا فرق بين أن يتلف هو أو يتلف تحت يده.

قوله : ( والمقدّر الأقرب الأكثر من المقدر والأرش ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو ما نقص من أطراف الرقيق بجناية ، أو من قبله تعالى تحت يده الغاصب وكان لمثله من الحر مقدّر كقطع اليد ، فإن الأقرب وجوب أكثر الأمرين من المقدر في الحر بالنسبة إلى قيمة الرقيق وما نقص من قيمته بالغا ما بلغ وإن زاد عن دية مثل ذلك في الحر.

ووجه القرب : أنه إن كان المقدّر (٢) أكثر فلا بحث ، لأن الحر أصل للعبد في ذلك ، فإذا كانت قيمة العبد مائة وبقطع يده صار يساوي ستين فإن الواجب نصف قيمته وهو خمسون ، كما كان الواجب في الحر نصف ديته.

وأما إذا كان الأرش أكثر ، كما إذا صار بعد القطع يساوي أربعين ، فلأن‌

__________________

(١) في « م » : متعلق.

(٢) في « م » : القدر.

٢٣٨

ولو تجاوزت قيمته دية الحر فالأقوى تضمين الغاصب الزائد دون الجاني.

______________________________________________________

الزائد على الخمسين نقص مالي حصل (١) ، في يد الغاصب بنقص شي‌ء من العين فيكون مضمونا عليه كسائر الأموال لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢).

ولأن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال ، ولأن إلحاقه بالجاني مع اختصاصه بالنص قياس مع الفارق ، فإن الجاني لم تثبت يده على الرقيق فيتعلق به ضمان المالية بخلاف الغاصب ، وهو قول الأكثر. ويحتمل ضمان المقدّر (٣) خاصة فيجب في المثال الخمسين فقط ، لعموم التقدير فيعم الغاصب.

ويضعّف بأن الغاصب من حيث أنه جان يضمن المقدّر ، ومن حيث أنه غاصب اثبت يده على مال الغير يضمن نقص المالية ، فلا يلزم من ضمانه شيئا بالجهة الاولى أن لا يضمن بغيرها شيئا آخر ، والأصح ضمانه (٤) الأكثر.

قوله : ( ولو تجاوزت قيمته دية الحر فالأقوى تضمين الغاصب الزائد دون الجاني )

كان حقه تصدير الجملة بالفاء ليفيد التفريع على ما قبله ، لأن هذا مبني على ضمان الغاصب أكثر الأمرين ، أي : لو تجاوزت قيمة العبد دية الحر كأن زادت على عشرة آلاف درهم ، فجنى على نفسه فالأقوى تضمين الغاصب ما زاد بناء على ما سبق ، دون الجاني لاختصاصه بالنص على أن الجناية على العبد لا تزيد ( على الجناية ) (٥) على الحر فتقريبه مستفاد مما سبق.

__________________

(١) في « م » : يحصل.

(٢) مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥ ، عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ حديث ١٠٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستند الحاكم ٢ : ٤٧.

(٣) في « م » : القدر.

(٤) في « م » : ضمان.

(٥) لم ترد في « م ».

٢٣٩

ولو جنى عليه بما فيه القيمة فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة ، سواء باشر الغاصب أو الأجنبي ،

______________________________________________________

قوله : ( فلو جنى عليه بما فيه القيمة فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة ).

هذا ايضا مما يتفرع على ما سبق ، لكن حقه أن يكون بالواو ، لأنه تفريع ثان فهو معطوف على ما قبله ، أي : لو جنى على الرقيق المغصوب بما فيه القيمة كملا ، كقطع الذكر مثلا فالأقوى وجوب دفعه الى المالك مع القيمة ، لأن ضمان الغاصب من جهة المالية كما سبق ، وللعضو الفائت مقدّر فيجب دفع مقدّرة ، والأصل بقاء العبد على ملك مولاه. بخلاف الجاني ، لورود النص على دفعه إليه (١) ليأخذ مولاه القيمة ، فلا يلحق به الغاصب خصوصا مع الفارق وهو الأصح.

ويحتمل كون الغاصب كالجاني ، لأن المضمون مع تلف الكل هو جميع القيمة فقط ، فلا يعقل وجوبها في البعض مع بقاء الجملة على ملكه ، وإلا لاستوى الكل والبعض. بل يزيد حكم البعض على الجملة. وليس بشي‌ء إذ لا محذور في ذلك ، فإن اللازم غير معلوم البطلان ، ولو لا النص (٢) في الجاني لم يحكم بأخذ ملك المالك على وجه القهر ودفعه اليه.

قوله : ( سواء باشر الغاصب أو الأجنبي ).

أي : لا فرق في الحكم المذكور بين أن يباشر إتلاف الطرف الغاصب أو الأجنبي ، لأنه إن باشره الغاصب (٣) فظاهر ، وإن باشره الأجنبي فإن جنايته أيضا مضمونة على الغاصب لكونها وقعت في يده ، فله الرجوع على كل منهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٧ حديث ٢١ ، التهذيب ١٠ : ٢٦١ حديث ١٠٣٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠٧ حديث ٢١ ، التهذيب ١٠ : ٢٦١ حديث ١٠٣٢.

(٣) في « م » : باشر بإتلاف الغاصب.

٢٤٠