السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨
عبد الله قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب ، مذكور في كتاب المكتفي » (١).
نتيجة البحث
فتلخص مما تقدّم : بطلان تكلّم النووي في حديث « أنا دار الحكمة » ، ومن ذلك يتضّح بطلان ما يتوجّه من ذلك من القدح في حديث « أنا مدينة العلم » بناء على تسليم كونه رواية من روايات الحديث الأوّل ، فظهر سقوط الاحتجاج بكلام النووي مطلقا.
بطلان قدحه من كلام العلماء
ولقد تعرّض جماعة من العلماء لقدح النووي وأعرضوا عنه أو أبطلوه ، ومنهم :
١ ـ السيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٧٠.
٢ ـ ابن حجر المكي في المنح المكيّة في شرح الهمزيّة والصّواعق.
٣ ـ الشيخ عبد الحق الدهلوي في أسماء رجال المشكاة.
٤ ـ محمد بن علي الصبان في إسعاف الرّاغبين : ١٥٦.
٥ ـ القاضي ثناء الله في السّيف المسلول وهو بيهقي عصره عند ( الدهلوي ).
٦ ـ المولوي حسن على المحدّث في تفريح الأحباب وهو تلميذ ( الدهلوي ).
__________________
(١) زين الفتى بتفسير سورة هل اتى. مخطوط.
ثبوت حديث مدينة العلم من شعر للنووي
ومن آيات علوّ الحق أن النووي أثبت حديث « أنا مدينة العلم » في أبيات له من الشعر ذكرها شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل وقد تقدّمت سابقا.
(٢)
رأي شمس الدين الذّهبي
وأمّا شمس الدين الذّهبي فإنّه وإن قدح في حديث مدينة العلم غير أنّه لا يلتفت إلى قدحه ولا يعبأ به ، لوجوه :
١ ـ انحراف الذّهبي وتعصّبه
لقد اشتهر الذهبي بالانحراف عن أهل البيت عليهمالسلام ، وتعصّبه عليهم ونصبه العداء لهم ، وقد فصّلنا الكلام حول ذلك على ضوء كلمات واعترافات كبار علماء أهل السنة في مجلد حديث الطير ، وعلى هذا الأساس فلا أثر ولا قيمة لطعنه في حديث مدينة العلم ...
٢ ـ تحقيق العلائي
وقد تعرّض الحافظ العلائي لقدح الذهبي وردّ عليه الرّد الصريح وحقّق هذا الحديث الصّحيح ، وهذا نصّ كلامه على ما نقله السيوطي حيث قال : « وقال
الحافظ صلاح الدين العلائي في أجوبته : هذا الحديث ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدّة ، وحكم ببطلان الكل ، وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره.
والمشهور به رواية أبي الصّلت عبد السلام بن صالح الهروي ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مرفوعا ، وعبد السلام هذا تكلّموا فيه كثيرا ، قال النسائي : ليس بثقة ، وقال الدار قطني وابن عدى : متّهم زاد الدار قطني : رافضي ، وقال أبو حاتم : لم يكن عندي بصدوق ، وضرب أبو زرعة على حديثه.
ومع ذلك فقد قال الحاكم : حدّثنا الأصم ، حدثنا عباس ـ يعني الدوري ـ قال : سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت فقال : ثقة ، فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية حديث أنا مدينة العلم؟ فقال : قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي ـ وهو ثقة ـ عن أبي معاوية ، وكذلك روى صالح جزرة أيضا عن ابن معين. ثمّ ساقه الحاكم من طريق محمد بن يحيى بن الضريس ـ وهو ثقة حافظ ـ عن محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية. وقال أبو الصّلت أحمد بن محمد بن محرز : سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت فقال : ليس ممّن يكذب ، فقال : له في حديث أبي معاوية ، أنا مدينة العلم ، فقال : هو من حديث أبي معاوية ، أخبرني ابن نمير قال : حدّث به أبو معاوية قديما ثمّ كفّ عنه ، وقال : كان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم المشايخ.
قلت : فقد برئ أبو الصّلت عبد السلام من عهدته ، وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفّاظهم المتّفق عليهم ، وقد تفرّد به عن الأعمش فكان ما ذا؟ وأيّ استحالة في أن يقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا في حقّ علي؟
ولم يأت كلّ من تكلّم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن يحيى بن معين ، ومع ذلك فله شاهد ... » (١).
__________________
(١) قوت المغتذي ـ كتاب المناقب ، مناقب علي.
٣ ـ ردّ ابن حجر العسقلاني على الذهبي
وقد بلغت دعوى الذهبي هذه من البطلان حدّا حتى ردّ عليها الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وتعقّبه بكلامه الحق الحقيق بالقبول ، ولنورد أوّلا نصّ كلام الذهبي في الميزان :
قال « جعفر بن محمد الفقيه ، فيه جهالة ، قال مطين : حدثنا جعفر ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس [ قال ] : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها. [ و ] هذا موضوع » (١).
فقال ابن حجر : « هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم ، أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل ، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع » (٢).
٤ ـ ردّ ابن حجر المكي عليه
وردّ ابن حجر المكّي ـ على ما هو عليه من التعصّب والتعنّت ـ على القول بوضع الحديث بعد أن نسبه إلى جماعة ـ منهم الذهبي في ميزانه ـ وهذا نصّ كلامه : « وهؤلاء وإن كانوا أئمّة أجلاّء ، لكنّهم تساهلوا تساهلا كثيرا كما علم مما قرّرته ، وكيف ساغ الحكم بالوضع مع ما تقرّر أنّ رجاله كلّهم رجال الصحيح إلاّ واحد فمختلف فيه؟! ويجب تأويل كلام القائلين بالوضع بأن ذلك لبعض طرقه لا لكلّها ، وما أحسن قول بعض الحفاظ في أبي معاوية أحد رواته المتكلّم فيهم بما لا يسمع : هو ثقة مأمون من كبار المشايخ وحفّاظهم ، وقد تفرّد به عن الأعمش ، فكان ما ذا؟ وأيّ استحالة في أنّه صلّى الله عليه وسلّم يقول مثل هذا في حق علي؟ ... »
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ١ / ٤١٥.
(٢) لسان الميزان : ٢ / ١٢٢.
هذا كلامه في المنح المكية في شرح الهمزيّة وقال في فتاواه : « وأمّا حديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فهو حديث حسن بل قال الحاكم صحيح ، وقول البخاري ليس له وجه صحيح ، والترمذي منكر ، وابن معين كذب ـ معترض وان ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه الذهبي وغيره على ذلك ».
٥ ـ إعراض جماعة آخرين وردّهم عليه
ولقد أعرض جماعة آخرون عن قدح الذهبيّ وردّوا عليه ، مثبتين للحديث ومستشهدين بأجوبة العلائي وابن حجر وغيرهما على ذلك ومنهم :
١ ـ السّيوطي في ( اللآلي المصنوعة ) و ( جمع الجوامع ) و ( قوت المغتذي ).
٢ ـ السخاوي في ( المقاصد الحسنة ).
٣ ـ المتقي في ( كنز العمال ).
٤ ـ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ).
٥ ـ القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ).
٦ ـ المناوي في ( فيض القدير ).
٧ ـ محمد صدر العالم في ( معارج العلى ).
٨ ـ محمد الأمير الصنعاني في ( الروضة النديّة في شرح التحفة العلوية ).
٩ ـ الدمنتي الشاذلي في ( نفح قوت المغتذى ).
وقد تقدمت نصوص عباراتهم سابقا.
٦ ـ من آيات علوّ الحق
ومن آثار علوّ الحق وآياته رواية الذهبي هذا الحديث بسنده ، عن سويد بن
سعيد ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ضمن ما وقع له من عالي حديثه ، فقد قال بترجمة سويد من ميزانه ما نصّه : « قلت : عاش سويد مائة سنة ، ومات في سنة أربعين ومائتين ، وقع لنا من عالي حديثه :
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أنا المبارك بن أبي الجود أنا أحمد بن أبي غالب ، أنا عبد العزيز بن علي ، أنا أبو طاهر الذهبي ، ثنا عبد الله بن محمّد ، ثنا سويد بن سعيد ، ثنا زياد بن الربيع ، عن صالح الدهان ، عن جابر بن زيد قال : نظرت في أعمال المرء ، فإذا الصّلاة تجهد بالبدن ولا تجهد بالمال ، وكذلك الصيام ، والحج يجهد المال والبدن ، فرأيت أنّ الحجج أفضل من ذلك كلّه.
أخبرنا محمد بن عبد السّلام ، عن زينب بنت أبي القاسم ، أنا عبد المنعم ابن القشيري ، أنا أبو سعيد الأديب ، ثنا محمد بن بشير ، ثنا أبو لبيد السرخسي ، ثنا سويد ، ثنا علي بن مسهر ، عن داود ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : صاحب الذبح إسحاق ، وقوله : ( وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ ) أي بنبوّته.
وبه نا علي ، عن أشعب ، عن ابن سيرين ، عن الجارود العبدي قال : أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أبايعه فقلت : إني على دين. وإنّي إن تركت ديني ودخلت في دينك لا يعذّبني الله في الآخرة؟ قال : نعم.
وبه ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن عبيد بن أبي الجحد قال : سئل جابر عن قتال علي ، فقال : ما يشكّ في قتاله إلاّ كافر.
وبه ثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت باب المدينة » (١).
هذا كلام الذهبي في الميزان ، وبعد هذا البيان ، وغبّ ذلك التبيان ، لا يخلد إلى قدح هذا الحديث إلاّ من غلب على قلبه العناد وران ، واستهام به الغرور
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ بتقديم وتأخير في العبارة.
واستهواه الشيطان ، والله العاصم عمّا يروث سخط الرحمن ويقود إلى لظى النيران ...
(٣) رأي شمس الدين الجزري
وأمّا نسبة القدح في حديث مدينة العلم إلى شمس الدين الجزري فكذب فاضح وفرية واضحة. فلقد روى الجزري حديث أنا مدينة العلم في كتابه ( أسنى المطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ) وبالغ في إثباته وتحقيقه ، وهذه عبارته فيه بلفظها :
« أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال ـ قراءة عليه ـ عن علي بن أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا احمد بن محمد بن محمد ـ في كتابه من أصبهان ـ أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقرئ ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ، أخبرنا الحسن بن سفيان ، أخبرنا عبد الحميد بن بحر ، أخبرنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن علي رضياللهعنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى ، حدّثنا محمد بن عمر الرومي ، حدثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن الصنابحي عن علي وقال : حديث غريب ، ورواه بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ، قال : ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك ، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.
قلت : ورواه بعضهم عن شريك عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد ، ورواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه ، ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن
عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولفظه : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها. وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله ولفظه : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » (١).
هذا ، وقد قال الجزري في صدر كتابه المذكور : « وبعد ، فهذه أحاديث مسندة ممّا تواتر وصحّ وحسن من أسنى مناقب الأسد [ اسد الله ] الغالب ، مفرّق الكتائب ومظهر العجائب ، ليث بني غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ـ كرّم الله تعالى وجهه ورضي عنه وأرضاه ـ أردفتها بمسلسلات من حديثه وبمتّصلات من روايته وتحديثه ، وبأعلى إسناد صحيح إليه ، من القرآن والصحبة والخرقة التي اعتمد فيها أهل الولاية عليه ، نسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقرّبنا لديه ».
وقال بعد إيراد أحاديث المناقب التي أشار إليها « قلت : فهذا نزر من بحر ، وقل من كثر ، بالنسبة إلى مناقبه الجليلة ومحاسنه الجميلة ، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك بحقّه لطال الكلام بالنسبة إلى هذا المقام ، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسّر إفراد ذلك بكتاب نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك ، والله الموفق للصّواب ».
فظهر أنّ الجزري قد روى حديث مدينة العلم في هذا الكتاب ، الذي ألّفه لما تواتر وصحّ وحسن من أسنى مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام الجليلة ومحاسنه الجميلة ، وهو يرجو الله تعالى أن يثيبه على ذلك ويقرّبه لديه ...
فوا عجباه!! كيف يستجيز ( الدهلوي ) نسبة القدح إليه مع كلّ هذا؟ ويرتكب هذا الإفك المبين؟ ولكن ليس هذا منه ببديع وطريف ، فقد عرف قدما بالتهالك على الافتراء والتحريف ، والله المجازي كلّ من يعتدي لزيغه على الحق ويحيف.
__________________
(١) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٦٩.
هذا ، والجدير بالذكر : إن القاضي باني بتي نسب القدح كذلك إلى الجزري ، غير أنّه أبطله بكلام ابن حجر ، وأضاف أنّه بالنظر إلى كثرة شواهد هذا الحديث يمكن الحكم بصحّته ...
قوله :
« فالتّمسك بهذه الأحاديث الموضوعة ـ التي أخرجها أهل السنة عن دائرة ما يجوز التّمسك والاحتجاج به ـ في مقام إلزامهم بها ، دليل واضح على مزيد فهم علماء الشيعة!! ».
أقول :
لقد علم ـ ممّا تقدّم في الكتاب من كلمات كبار الأئمة والحفاظ ، ومشاهير العلماء والمحققين ـ أن حديث مدينة العلم من الأحاديث الصحيحة والأخبار المعتبرة المحتج بها ... وأن ذلك كلّه يشهد بصحّة استدلال أهل الحق به لإثبات خلافة أمير المؤمنين عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل ، وكذا إلزامهم من خالف ذلك بهذا الحديث الشريف ...
فقد عني بروايته وإخراجه وإثباته جمّ غفير من الحفّاظ المسندين ، ونصّ على صحّته طائفة منهم ، وعلى حسنه آخرون ، وصرّح بعضهم ببلوغه درجة
الحسن المحتج به ...
استدلال علماء أهل السنة بحديث مدينة العلم
بل احتج بحديث مدينة العلم جماعة من مشاهير علمائهم ، واستدلّوا به في مختلف بحوثهم ، وهذا من أقوى الشواهد على أنّه من الأحاديث المحتج بها ...
فمنهم : العاصمي ، حيث قال في ذكر الشّبه بين أمير المؤمنين وداود عليهماالسلام « فكذلك المرتضى رضوان الله عليه أوتي من فصل الخطاب ، كما ذكرناه في معنى قوله عليهالسلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وفي فصل قضائه » (١).
ومنهم : الخوارزمي ، حيث استدل بحديث مدينة العلم على غزارة علم أمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
ومنهم : أبو الحجاج البلوي ، استدل به على علوّ مكانه عليهالسلام في العلم (٣).
ومنهم : ابن عربي إذ قال في كتاب ( الدرر المكنون والجوهر المصون ) ـ على ما نقل عنه القندوزي البلخي ـ : « والامام علي رضياللهعنه ورث علم الحروف من سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم ، وإليه الاشارة بقوله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب » (٤).
ومنهم : ابن طلحة الشافعي حيث استشهد به في الفصل الرابع ، في كلام له حول وصف أمير المؤمنين عليهالسلام ب « الأنزع البطين » ، وقد تقدم نصّه ... (٥).
__________________
(١) زين الفتى ـ مخطوط.
(٢) مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي : ٤٠.
(٣) الالف باء ١ / ١٣٢.
(٤) ينابيع المودة : ٤١٤.
(٥) مطالب السئول : ٣٢.
ومنهم : الكنجي الحافظ ، استدل به على أولويّة الامام عليهالسلام في قتال أهل البغي ... (١).
ومنهم : محبّ الدين الطبري ، استشهد به ذخائر العقبى على أنه عليهالسلام باب مدينة العلم ، واستدل به على اختصاصه بهذه الفضيلة في الرياض النضرة (٢).
ومنهم : سعيد الدين الفرغاني ، ذكره في شرح التائيّة في بيان حصّة أمير المؤمنين من العلم ...
ومنهم : السيد علي الهمداني ، احتج به في مشارب الأذواق وقد تقدم كلامه.
ومنهم : إمام الدين الهجروي ، استدل بهذا الحديث على كون « باب مدينة العلم » من أسمائه عليهالسلام في كتابه أسماء النبيّ وخلفائه الأربعة.
ومنهم : الخوافي ، أورده تأييدا لما ذكره من اختصاصه عليهالسلام بمزيد العلم والحكمة.
ومنهم : الدولت آبادي ، احتجّ به في كتابه هداية السّعداء.
ومنهم : شهاب الدين احمد ، استدل به في الفصل الخامس عشر من كتابه توضيح الدلائل على أنّه عليهالسلام « باب مدينة العلم ».
ومنهم : ابن الصباغ المالكي ، تمسّك به في بيان تفجّر بحار العلوم من صدره عليهالسلام (٣).
ومنهم : البسطامي في درة المعارف حيث استدل به على أنّه عليهالسلام ورث علم الحروف من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) كفاية الطالب : ١٦٨.
(٢) ذخائر العقبى : ٧٧ ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٥٥.
(٣) الفصول المهمة : ١٩.
ومنهم : شمس الدين اللاهيجي ، استدل به في مفاتيح الإعجاز على أنّه عليهالسلام أقرب النّاس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومنهم : الكاشفي ، استدلّ به في روضة الشهداء في مدح علم الامام عليهالسلام.
ومنهم : ابن روزبهان ، استدل به على وفور علمه في كتابه الباطل.
ومنهم : الميبدي ، استدل به في شرح الديوان على وجوب توجّه أهل العرفان إلى أمير المؤمنين عليهالسلام.
ومنهم : الشّامي صاحب السّيرة استدل به على كون « مدينة العلم » من أسماء الرّسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في سيرته.
ومنهم : ابن حجر المكي ، استدل به في المنح المكية على أنّ الامام عليهالسلام وارث معظم علم القرآن من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي تطهير الجنان على أعلميّته ...
ومنهم : جمال الدين المحدّث ، استدل به في روضة الأحباب في مدح علم الامام عليهالسلام.
ومنهم : السيد محمد البخاري في تذكرة الأبرار على وفور علمه.
ومنهم : العزيزي في السراج المنير ، استدل به على أنه ينبغي للعالم أن يخبر الناس بفضل من علم فضله ... (١).
ومنهم : الشبراملسي في تيسير المطالب على أن من أسماء النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « مدينة العلم ».
ومنهم : الكردي في النبراس على أن « باب مدينة العلم » من أسماء الامام عليهالسلام ...
ومنهم : إسماعيل الكردي في جلاء النظر ، استدل به على براءة ساحته عليه
__________________
(١) السراج المنير في شرح الجامع الصغير : ٢ / ٦٣.
السلام عن الخطأ ...
ومنهم : الزرقاني ، استدل به في شرح المواهب اللدنيّة على كون « مدينة العلم » من أسماء النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. (١).
ومنهم : سليمان جمل ، استدل به في الفتوحات الأحمدية على إمداد النبي عليا بالعلوم.
ومنهم : الأورنقابادي ، استدل به في نور الكريمتين على أن النبي أشار إلى كلّية بيت النبوّة ...
ومنهم : العجيلي ، احتج به في ذخيرة المآل على أنه عليهالسلام باب مدينة العلم.
إحتجاج شاه ولي الله
ومن العجيب إنكار ( الدهلوي ) صلوح حديث مدينة العلم للاحتجاج به ، مع احتجاج والده في مواضع من ( قرة العينين ) وكذا في ( إزالة الخفاء ) به ...
إحتجاج ( الدهلوي ) نفسه
والأعجب من ذلك أنّه يقول هذا مع استدلاله هو بحديث مدينة العلم في فتوى له ، وقد تقدّم ذكر السؤال وجوابه عنه في محلّه من الكتاب ، وهل هذا إلاّ تناقض؟!
ومن هنا يتضّح لك أنّ « الحقّ يعلو ولا يعلى عليه » والحمد لله على ذلك حمدا جزيلا.
__________________
(١) شرح المواهب اللدنية : ٣ / ١٤٣.
قوله :
« إنّ هذا العمل منهم ليشبه حال من تعامل مع خادم ـ لشخص عزله عن الخدمة لتقصيراته وخيانته ، وأخرجه من داره ، ونادى المنادي بذلك بأمره ، معلنا أن لا علاقة لفلان الخادم بفلان ولا ذمّة له عنده ـ ثم جاء هذا المتعامل مع هذا الخادم عالما بكلّ ما ذكر ، إلى سيّده ، ليطالبه بدينه على الخادم!! إنّ هذا الشخص في أعلى مراتب الحمق في نظر العقلاء ».
أقول :
لا يخفى على المنصف النبيل أن ( الدهلوي ) قد ضلّ سواء السبيل في هذا التمثيل العليل ، كبر مقتا عند الله أن يرمى الحديث الصحيح بالسّخرية والاستهزاء ، ويعزو الحق الواضح إلى الكذب والافتراء ، ولا يخاف بطش الله وسطوته ، ولا يخشى أخذه بالقدرة ونقمته. ولكنّ حب الباطل يعمي البصائر ويغشى السرائر ، ويصمّ الآذان ويفسد الإيمان ، ويبعث على الاقتحام في المهالك والتوغّل في الحوالك.
وقد حاق ـ والحمد لله ـ بنفسه وبال هذا التمثيل الأعوج ، ونزل به بوالده نكال هذا الهذر الأسمج ، فإنّهما بنفسهما قد اعتمدا على هذا الحديث الشريف واستندا بهذا الخبر المنيف ، فكيف ينسب نفسه ووالده إلى الاعتماد على الخادم الخائن ، والركون إلى السارق المائن ، هل هذا إلاّ هذر قبيح وهراء فضيح؟!
دلالة حديث
أنا مدينة العلم وعلي بابها
قوله :
« ومع هذا ، فإنّ هذا الحديث غير مفيد لما يدّعونه! فأيّ ملازمة بين كون الشخص باب مدينة العلم وكونه صاحب الرئاسة العامة بلا فصل بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ ».
أقول :
إنّ انكار دلالة حديث مدينة العلم على مذهب أهل الحق عدوان محض وغمط للحق ، ولا يرتضيه ذوو الإنصاف والبصيرة والمتجنّبون للعناد والعصبيّة ، ونحن نوضّح دلالته في وجوه :
١ ـ دلالة حديث مدينة العلم على الأعلميّة
إنّ حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها يدلّ على أعلميّة أمير المؤمنين عليه
السلام ، والأعلمية تستلزم الأفضليّة ، ولا ريب في استحقاق الأفضل الامامة وتعيّنه لها دون غيره.
أمّا دلالته على أعلميّته فلأنّه باب مدينة العلم ، إذ لو كان غيره أعلم منه لزم النقص في الباب ، والنقص فيه يفضي إلى النقص في المدينة ، وذلك ما لا يجترئ مسلم على تقوّله ولا مؤمن على تخيّله ...
وأيضا : صريح الحديث إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مدينة العلم ، وإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام باب تلك المدينة ، والعقل السليم يحكم بأنّه لا يكون بابا لمدينة العلم إلاّ من أحاط بجميع علومها ... وهذا المعنى يستلزم أعلميّة أمير المؤمنين عليهالسلام من كافّة الخلائق ـ فضلا عن سائر الأصحاب ـ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أفضل وأكمل من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين بالإجماع ...
ونحن نورد في المقام كلمات بعض العلماء الأعلام في تقرير أعلميّة مدينة العلم عليه وآله السلام ، لئلاّ يرتاب أحد في حصول كمالاته وعلومه لباب المدينة عليهالسلام :
قال أبو حامد الغزالي في ( الرسالة اللدنيّة ):
« والطريق الثاني : التعليم الرّباني ، وذلك على وجهتين : الأوّل : إلقاء الوحي وهو أنّ النفس إذا كملت بذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل ، وينفصل نظرها عن شهوات الدنيا وينقطع نسبها عن الاماني الفانية ، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها ، وتتمسّك بجود مبدعها وتعتمد على إفادته وفيض نوره ، والله تعالى ـ بحسن عنايته ـ يقبل على تلك النفس إقبالا كلّيا وينظر إليها نظرا إليها ، ويتّخذ منها ألواحا ومن النفس الكلّي قلما ، وينقش فيها جميع علومه ، ويصير العقل الكلّي كالمعلّم والنفس القدسي كالمتعلّم ، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس وينقش فيها جميع الصّور من غير تعلّم وتفكّر ، ومصداق هذا قول الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم : ( وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) الآية.